الجمعة مارس 21, 2025
الجمعة, مارس 21, 2025

وقف إطلاق النار في غزة.. نصر فلسطيني جزئي بعد خسائر لا يمكن تخيلها

فلسطينوقف إطلاق النار في غزة.. نصر فلسطيني جزئي بعد خسائر لا يمكن تخيلها

✍🏾 فابيو بوسكو


في 15 كانون الثاني، أعلن رئيس الوزراء القطري محمد آل ثاني عن اتفاق شامل لوقف إطلاق النار بين دولة إسرائيل والمقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس اعتبارا من 19 من ذات الشهر. لكن حتى أثناء التفاوض على الاتفاق، واصلت إسرائيل قصفها لغزة.
إضافة إلى وقف الأعمال العدائية، ينص الاتفاق على تبادل الأسرى، بما يشمل الأسرى الفلسطينيين المحكوم عليهم بالسجن المؤبد، وعلى انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة باستثناء شريط حدودي بمسافة 700 متر، وكذلك إدخال مساعدات إنسانية كافية، وحرية تنقل الفلسطينيين داخل القطاع، ووضع خطة لإعادة الإعمار، وامتداد حكومة السلطة الفلسطينية إلى غزة بدعم من قوات عسكرية من دول عربية. وسيتم تنفيذ هذا الاتفاق على ثلاث مراحل، تحت إشراف كل من الولايات المتحدة، ومصر، وقطر.
كانت لدى الحكومة الإسرائيلية خطط أخرى فيما يتعلق بغزة: خنق المقاومة الفلسطينية، واحتلال عسكري دائم، وطرد السكان الفلسطينيين من شمال القطاع، واستبدالهم بالمستعمرات الصهيونية. ولكن هذه الأهداف واجهتها المقاومة البطولية التي أبداها الفلسطينيون وحلفاؤهم.
لقد نجا الشعب الفلسطيني من خمسة عشر شهرا من الإبادة الجماعية التي اقترفها الصهاينة بالقصف، والرصاص، والتجويع، والبرد، وتدمير كافة الخدمات الصحية. ما لا يقل عن 65 ألف فلسطيني في غزة تم قتلهم، 70% منهم من النساء والأطفال، و800 آخرين في الضفة الغربية، حيث تم اعتقال الآلاف. وفوق هذا، تم تدمير 70% من المباني، بما فيها المدارس والمستشفيات. لكن المقاومة الفلسطينية البطولية التي تم إضعافها جندت أعضاء جدد، ونفذت هجماتها ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي في القطاع.
المقاومة الفلسطينية أدت إلى تعميق الأزمة الاقتصادية الإسرائيلية، وهجرة رؤوس الأموال ومئات الآلاف من الصهاينة الليبراليين. وبالإضافة إلى ذلك، نشب صراع بين دولة إسرائيل والسكان الحريديم الأرثوذكس الذين يرفضون المشاركة في التجنيد العسكري، كما أن الوضع المهين المتعلق بالسجناء الإسرائيليين في غزة، أفضى إلى تحشيد أقاربهم وأصدقائهم، ونيل تعاطف غالبية السكان الإسرائيليين. أما خارجيا، فإن تزايد عزلة إسرائيل الدولية، وفقدان دعمها بين الناس، وخاصة في أوساط الشباب، والجالية اليهودية في الولايات المتحدة، باتت تعيق المشروع الصهيوني برمته.

من يدفع للزَمّار يختار اللحن

لكن يبدو أن كل هذا لم يزعج نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، حتى أعلنت الولايات المتحدة، راعيته الرئيسية، في ليلة الحادي عشر من كانون الثاني، على لسان مبعوث ترامب، عن موقف الرئيس الجديد المؤيد لوقف إطلاق النار الفوري، نظرا لمأزق إسرائيل في مواجهة المقاومة، وفشلها في إقامة احتلال عسكري فعال في غزة أو جنوب لبنان. وذكرت الصحافة الإسرائيلية أن هذا كان فرضا، ومن غير المعروف ما إذا كان قد تم التفاوض على الضوء الأخضر لأهداف صهيونية أخرى مثل ضم الضفة الغربية. ومن المفترض أن ترامب يريد تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار هذا حتى يتمكن من المضي قدماً  بـ “اتفاقيات أبراهام”، التي تسعى إلى تطبيع علاقات إسرائيل في الشرق الأوسط، بدءاً من المملكة العربية السعودية، والتي بدأت في إدارته الأولى ولكنها توقفت إلى أجل غير مسمى بسبب حرب غزة.
حقيقة أن دولة إسرائيل تعتمد على التمويل والأسلحة والدعم الدبلوماسي الأميركي للحفاظ على وجودها، يجعل من غير الحكمة أن تخوض جدالا مع ترامب.
إضافة إلى الإمبريالية الأميركية، تستفيد من هذا الاتفاق أيضا دول إمبريالية أخرى تدعم إسرائيل، مثل الأوروبيين الذين يزودون إسرائيل بالسلاح، وروسيا التي تصدر النفط، والصين، الشريك التجاري الرئيسي للصهاينة. وتتوقع الإمبريالية الأوروبية تراجع موجة التعبئة الشعبية ضد دعم الإبادة الجماعية التي تقترفها إسرائيل، وستتمكن الصين من استئناف طرق تجارتها في البحر الأحمر، الذي أغلقه الحوثيون اليمنيون تضامنا مع فلسطين.
من بين الدول العربية، ستستفيد مصر أيضا من تطبيع حركة الملاحة البحرية في قناة السويس، ومن العائدات التي ستوفرها السيطرة على معبر رفح الحدودي. كما تؤكد قطر نفسها، مرة أخرى، باعتبارها النظام العربي الأكثر شعبية بين الفلسطينيين، إلى جانب الحوثيين. وهكذا يمكن لبقية الدول استئناف اتفاقيات التطبيع المخزية مع دولة إسرائيل، دون مواجهة غضب شعبي عارم.

شرق أوسط جديد؟

الرئيس جو بايدن، المزود الدائم للأسلحة المستخدمة في الإبادة الجماعية في غزة والضفة الغربية ولبنان، أعلن أن إدارته مسؤولة عن وقف إطلاق النار لأنها خلقت شرق أوسط جديد، وأن إضعاف حزب الله، وسقوط بشار الأسد أجبرا المقاومة على التنازل. وكانت حماس قد قبلت بالفعل اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنه جو بايدن في حزيران 2024، بشروط متشابهة تقريبا مع الاتفاق الحالي. بعبارة أخرى، كان نتنياهو هو العقبة الحقيقية أمام وقف إطلاق النار، ليتمكن من مواصلة الإبادة الجماعية بفضل التمويل والتسليح والحماية الدبلوماسية التي قدمتها حكومة بايدن، وبدعم أو موافقة دول إمبريالية أخرى.
أما بالنسبة للبنان، فقد كان هناك اختراق حقيقي للولايات المتحدة من خلال انتخاب العماد جوزيف عون وتعيين نواف سلام رئيسا للوزراء، وكلاهما حظي بدعم الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. ولكنهما مازالتا بعيدتين عن هدفهما الفعلي المتمثل في نزع سلاح حزب الله.
في سورية، حافظت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل لسنوات على الوضع الراهن الذي أبقى نظام بشار الأسد على حاله، فقد حمت عائلة الأسد الاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان لمدة 50 سنة، وكانت تنأى بنفسها عن النظام الإيراني. بالإضافة إلى ذلك، ألقت بالعديد من أعضاء المقاومة الفلسطينية في سجون صيدنايا سيئة السمعة، وتحديدا في “الجناح الفلسطيني”. كانت الدول الوحيدة التي ساعدت، بطريقة أو بأخرى، في الهجوم العسكري والشعبي الذي أدى إلى سقوط الأسد هي تركيا، وقطر، والمخابرات الأوكرانية التي قدمت تكنولوجيا الطائرات بدون طيار لأغراض عسكرية. لكن العامل الحاسم كان كراهية الشعب السوري للأسد، وانتزاع قاعدته الاجتماعية، ما أتاح انتصار الهجوم العسكري المشترك الذي قادته هيئة تحرير الشام من إدلب، والانتفاضتين الشعبيتين في الجنوب ودمشق.
إن النظام السوري الجديد يسعى إلى إعادة بناء البلاد على أسس رأسمالية بالتعاون مع كل الدول الإمبريالية، والقوى الإقليمية مثل تركيا والمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى الدول المجاورة. ولهذا السبب فهو يكتفي بالاحتجاجات الدبلوماسية ضد الاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان. ولكن في أوساط الشعب السوري، كان التعاطف مع القضية الفلسطينية دائما، ولا يزال، هو الغالب. وفي الأمد المتوسط، سوف يتم توجيه هذا التعاطف ضد الاحتلال الإسرائيلي، بشكل أو بآخر، إذا لم تكن هناك دكتاتورية متعطشة للدماء تحمي الصهاينة.
إدراكا منها لهذا الواقع، قامت دولة إسرائيل بقصف 800 هدف عسكري واستخباراتي سوري، في أكبر عملية جوية في تاريخ الدولة الصهيونية، كما أنها تسعى للترويج لمؤتمر لتقسيم سورية إلى ثلاث دول: دولة درزية في الجنوب، ودولة كردية في الشمال الشرقي، ودولة عربية سورية في دمشق. وبطبيعة الحال، فإن هذه الخطة تعتمد على تبنيها وتنفيذها من قبل الولايات المتحدة.
أما فيما يتعلق بالمسألة الإيرانية: فإن أولوية النظام الإيراني هي التوصل إلى اتفاق مع الإمبريالية الغربية يقوم على استئناف الاتفاق النووي مقابل إنهاء العقوبات الاقتصادية التي ترزح تحت وطأتها. وفي الوقت نفسه، يعمد إلى توقيع اتفاق دعم متبادل مع الإمبريالية الروسية للحماية من العدوان العسكري الإمبريالي المحتمل من قبل إسرائيل، التي تستعد حكومتها لمهاجمة المنشآت النووية أو العسكرية أو النفطية. ومرة أخرى، ستعتمد هذه الهجمات بالكامل على الدعم الأمريكي.

انتصار جزئي لكن لابد من استمرار النضال

في ظل هذا السيناريو على الصعيدين الإقليمي والدولي، نستطيع أن نؤكد أن انتهاء الإبادة الجماعية هو إنجاز جزئي للفلسطينيين. وليس صدفة أن يستقبل الفلسطينيون إعلان الهدنة بعبارات الفرح في مختلف أنحاء فلسطين، فالشعب الفلسطيني نجح مجددا، بمقاومته البطولية، في منع إسرائيل من فرض كل أهدافها، على الرغم من تفوقها العسكري الساحق.
لكن هذا ليس سلاما حقيقيا. إننا نواجه وضعا متقلبا للغاية، في خضم كارثة إنسانية لا توصف، حيث لا يشترط حتى أن تمتثل إسرائيل لشروط الاتفاق. إن وقف إطلاق النار هذا لا يعني نهاية عنف الصهيونية المتعلق بالإبادة الجماعية. لن يكون هناك سلام دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتحرير فلسطين من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط.
لا يمكننا أن نسمح لهذه الهدنة بأن تنسينا جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل بدعم من كل الحكومات الإمبريالية. يجب أن نستمر في المطالبة باعتقال المجرمين الصهاينة وفقا لأوامر المحكمة الجنائية الدولية، ومحاكمتهم بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية.
هذا الانتصار الجزئي لن يستمر إلا بتعزيز المقاومة الفلسطينية، عبر التعبئة الشعبية، والدفاع المسلح عن النفس، وتعزيز التضامن الأممي للطبقة العاملة والشباب في البلدان العربية والعالم، لإسقاط الأنظمة العربية الاستبدادية، كما حدث في سورية، وشل الآلة العسكرية في البلدان الإمبريالية.

ترجمة تامر خرمه
مراجعة فيكتوريوس بيان شمس

Check out our other content

Check out other tags:

Most Popular Articles