الأثنين يوليو 22, 2024
الإثنين, يوليو 22, 2024

المقاومة العسكرية الأوكرانية وزخم الحرب الجديد

دول العالمالمقاومة العسكرية الأوكرانية وزخم الحرب الجديد

إننا نواجه وضعا جديدا بالنسبة للحرب بأوكرانيا. المقاومة الأوكرانية المفاجئة – التي دعمت جيشها بتجنيد أغلبية كبيرة من العمال وأبناء الطبقة العاملة – وضعت ثاني أكبر جيش في العالم في موقف دفاعي، وحولت أوكرانيا إلى بؤرة مواجهة بين الثورة والثورة المضادة على المستوى العالمي.

 بقلم أميريكو جوميز وبافيل بولسكا

المقاومة باتت تثبت قدرتها على الانتصار في الحرب، فهي تطور نشاطا منسقا بين المدفعية والمشاة، إلى جانب عمل المتطوعين، والمقاتلين الذين يقومون بأعمال ثورية في الأراضي المحتلة. لكنهم بحاجة إلى أسلحة كافية، ومتفوقة، وأكثر كفاءة لخوض المعارك المقبلة.
الإمبريالية ترفض إرسال هذه الأسلحة، بدعوى أنها تخشى وقوعها في أيدي المهربين والجيش الروسي، أو استخدامها ضد الأراضي الروسية وتصعيد الحرب، لكن الحقيقة هي أنها تخشى تداعيات الانتصار القاطع للمقاومة الأوكرانية على كافة شعوب العالم.
كما تخفي الصحافة البرجوازية دور المقاومة الباسلة التي شكلها العمال العاديون من مختلف المهن والحرف، والذين يحملون السلاح للدفاع عن أنفسهم ضد الغزاة الروس، باعتبارهم سكانا بروليتاريين مسلحين، في الوقت الذي تهرب فيه البرجوازية من البلاد للقيام بأعمال تجارية من الخارج. 

لحظة جديدة في الحرب

 خلال تسعة أشهر من القتال واجهنا عدة لحظات لهذا الصراع، كالهجوم الروسي وحصار كييف، ومن ثم تراجع الجيش الروسي شرقا. اليوم نشهد تحولا في الموقف، مع تخلي الجيش الروسي عن مدينة خيرسون وكامل الضفة الغربية لنهر دنيبر، ما يدل على أن روسيا باتت في موقع دفاعي، وتسعى في الضفة اليسرى إلى الدفاع عن شبه جزيرة القرم. لكن لا ينبغي أن نقلل من أفعالها، والأضرار التي تتسبب بها، وإمكانية شن هجمة جديدة.
المقاومة الأوكرانية تمكنت من هزيمة الحرب الروسية الخاطفة، وإحباط الهجوم، وعكس مسار الحرب. تشير التقديرات إلى أن نحو 80,000 جندي أوكراني لقوا حتفهم لإثبات أن القضية الأوكرانية تستحق القتال من أجلها، وكذلك إثبات فعالية أن المساعدات والدفاع.
وجود المقاتلين المتطوعوين من الطبقة العاملة كان حاسما للدفاع عن كييف. [1]

 المقاومة في كييف

 في 25 شباط/ فبراير، اضطر الجيش إلى تسليم نحو 18,000 بندقية من طراز “إيه. كي” لمواطني كييف تحضيرا للمقاومة [2].  “أناس عاديون جدا”، لكنهم جميعا على استعداد للقتال حتى النهاية المريرة في الشوارع، أو في ميادين القتال في بوتشا وإيربين، حيث يعتمد الكثير منهم فقط على قنابل المولوتوف لمواجهة الدبابات الروسية. كانوا يتشاركون الطعام، وينامون في أماكن مشتركة، وغالبا ما عانوا اليأس معا على دوي أصوات مدفعية العدو. [3]
في تلك الأثناء تعرضت القوافل الروسية التي كانت تتحرك على طول طرق الغابات الأوكرانية لكمين من قبل الوحدات الأوكرانية. في بعض الحالات، سمحت هذه الوحدات للدبابات بالمرور لمهاجمة شاحنات الوقود التي تتبع المركبات المدرعة. نتيجة لذلك، سرعان ما نفد الوقود من الدبابات، واضطرت إلى التوقف، في وضع يتيح الاستيلاء عليها.
للتعامل مع تقدم الجحافل الروسية، قام الجيش الأوكراني بإضفاء اللامركزية على نظام القيادة والسيطرة، ومنح السلطة للقادة الميدانيين، الذين يعرفون الوضع بشكل أفضل. كانت التشكيلات الأوكرانية الأكثر تحفيزا ومرونة وفعالية هي الوحدات الصغيرة سريعة الحركة، لتجنب أن تكون أهدافا كبيرة سهلة لأي هجوم روسي.
كان القتال في كييف سريعا – خمسة أسابيع بين شباط وآذار.  وفي النهاية هرب الغزاة، لكن الخسائر كانت فادحة. كانت تلك خارطة الطريق للنصر في معركة كييف. 

المقاومة الأوكرانية للهجوم

في الوقت الحالي، للأوكرانيين اليد العليا، وجيشهم في وضعية الهجوم. إنهم يحررون منطقة إقليمية كبيرة حول خاركيف، ويتقدمون إلى الجنوب والشرق. وهناك أخبار عن مواقع محررة في لوغانسك ودونيتسك، أجبرت روسيا على الانسحاب منها، مثل كوبيانسك، التي كانت مركز إمداد شرقي مهم للقوات الروسية. وكانت وزارة الدفاع الروسية قد قالت إن قواتها انسحبت أيضا من المركز العسكري لإيزيوم المجاورة “لإعادة تجميع صفوفها”، ومن بالاكليا.
وفقا لمختصين عسكريين، فإن هذه هي المرة الأولى، منذ الحرب العالمية الثانية، التي تفقد فيها وحدات روسية بأكملها. مزيج من الهجمات الصاروخية الهائلة على العمق الروسي، والهجمات الناجحة على مواقع الخطوط الأمامية الرئيسية، مثل دفديف بريد، ظهرت نتائجه في النهاية.
في هذه المرحلة، تمت استعادة مدينة خيرسون، وقد رحب السكان، الذين قاوموا وجود القوات الروسية والترحيل القسري (الذي أطلق عليه الكرملين اسم “الإجلاء”)، بالقوات الأوكرانية كمحررين حقيقيين.  كان هذا أحد أهم أحداث الحرب، وستكون له تداعياته. هذا يعني أنه تم القضاء على فرص روسيا في الاستيلاء على ميكولايف وأوديسا. هزيمة مذلة لمن ادعى قبل شهر السيادة على خيرسون والمنطقة.
سيتركز القتال الآن على الضفة الشرقية لنهر دنيبر، مع تحصن القوات الروسية على الضفتين الشرقية والجنوبية، وفقا لصور الأقمار الصناعية، بثلاثة خطوط دفاعية متوازية بطول 100 كيلومتر، تتكون من خنادق، وأعشاش رشاشات، ومخابئ ومدرعات ومركبات. يتطلب فوز الأوكرانيين تفوقا جويا، لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تزويدهم بطائرات، ومدفعية قادرة على الوصول إلى مسافة 300 كيلومتر، بالإضافة إلى المزيد من أنظمة الدفاع الجوي. غير أن الحكومة الأمريكية ترفض تقديم هذا حتى الآن. 

العمل الحزبي للمقاومة السرية في خيرسون

 بالتوازي مع تطويق خيرسون كان هناك عمل سري للثوار في المدينة. لمنعهم من التواصل، قطع الروس الإنترنت عن المنطقة، لذا، يتواصل الثوار عبر أجهزة الراديو، أو الهواتف المحمولة عندما تعمل الأبراج.
أوهم المسؤولون الروس الجنود بأنه سيتم الترحيب بهم كمحررين للشعب الأوكراني من المضطهدين النازيين. لذا، بات الكثير منهم مندهشا وغير مستعد للاستقبال الذي تلقوه في الأيام الأولى، حيث لم يقتصر الأمر على عدم استقبالهم بالزهور، بل كانوا مكروهين بشدة. هذه الكراهية غذتها الحركة الحزبية في الأراضي الأوكرانية المحتلة.
أن تكون حزبيا لا يعني بالضرورة التورط المباشر في التخريب. كان الكثيرون ينقلون تحركات صفوف ومجموعات الغزاة في الوقت الصحيح إلى القوات الأوكرانية، وغالبا ما كان يتم ذلك من قبل عشرات المراقبين من المباني الموجودة على عدة جوانب من الشوارع أو الجادات، والذين ينقلون المعلومات في ذات الوقت.
يمتلك الأوكرانيون تطبيقا للخدمة العامة يسمى “العمل”، الذي ينشر نسخاً إلكترونية من المستندات كجوازات السفر، ورخص القيادة، وشهادات التطعيم وما إلى ذلك. منذ شباط/ فبراير، بات هذا التطبيق يستخدم لجمع التبرعات للجيش الأوكراني، لشراء قسائم عسكرية لمساعدة  القوات المسلحة لأوكرانيا، والانضمام إلى برنامج “العدو”. [4]
برنامج “العدو” أتاح لكافة المواطنين الأوكرانيين الإبلاغ عن تحركات قوافل العدو بالتوقيت الفعلي، وأين يقضون الليل، ومن هم المتعاونون معهم.
ابتداء من شهر أيلول استخدم أكثر من 368,000 أوكراني دردشة “العدو”، والآن حسابات “التيليغرام. تغطي التقارير أيضا تحركات السكك الحديدية، ومستودعات الذخيرة، ومحطات الرادار، ومواقع المدفعية، ومطارات طائرات الهليكوبتر، ومواقع قادة القوات الروسية.
في خيرسون، كانت هناك مجموعة المراقبة، التي نسقت أول مظاهرات احتجاجية في المدينة ضد الوجود الروسي، وأصبحت بعد ذلك شبكة استخبارات أوكرانية في المنطقة. لديها 42,000 مشترك، يتابعون حاليا هجوم القوات المسلحة الأوكرانية “في. إس. يو”.
كما تجمع الأموال لمساعدة الوحدات الأوكرانية على تحرير المنطقة. هذه الأموال تستخدم في شراء كل شيء، من كاميرات التصوير الحراري إلى القفازات الحرارية.
بين هؤلاء الثوار “أبطال” أفراد ومجموعات منظمة ذاتيا. هذه المجموعات، بالإضافة إلى توفير المعلومات، تهاجم الدوريات الروسية، وتحمل السلاح، وتقوم أحيانا بإعدام أفراد من قوات الاحتلال. البعض الآخر متخصص في مجالات معينة، أو مجرد كشافة.
من المخبرين الحزبيين كبار السن الذين يقدمون، مع أحفادهم، تقارير عن تحركات الدبابات أو أماكن وجود المقرات الروسية. يقوم المركز الحزبي بتنظيم المعلومات وفهرستها بشكل فردي وجماعي، ما يضمن تدفق المعلومات إلى القوات المقاتلة.
آخرون يقومون بتكديس الأسلحة وإعداد الكمائن. لا توجد شبكة كبيرة تنظم كل شيء، رغم هذا يستمر دخول مجموعات خاصة من المقاتلين إلى الأراضي المحتلة.
طبعا، رد الروس بمعسكرات التصفية والرقابة، التي تستخدمها قوات الاحتلال لاستجواب وترحيل مئات الآلاف من الأوكرانيين، حيث وصلت نسبة حالات الترحيل في بعض الأماكن إلى 100٪ من السكان الذكور. في خيرسون، تم القبض على كل من تجاوز عمره 16 عاما، وتعرضوا للضرب لبضعة أيام، قبل أن يتم سجنهم في حفر حفروها بأنفسهم، ناهيك عن عمليات التطهير كما في منطقة دنيبر. ولا ننسى عمليات تفتيش المنازل والهواتف. هناك معسكرات اعتقال للمدنيين، كما هو الحال قرب ماريوبل، حيث يتم سجن العديد من الفتية دون السن القانونية، إضافة إلى “مستعمرة 17” في هينيشيسك، و”90″، ومركز الاحتجاز المؤقت في خيرسون، ومركز الاحتجاز السابق للمحاكمة في نوفا كاخوفكا، ومراكز التعذيب كما في المدرسة المهنية في هينيشيسك، التي زودوها بمنفذي الإعدامات.
تعتبر روسيا رائدة عالميا في القدرات والتكتيكات المتقدمة للحرب الإلكترونية. وهي الأعمال العسكرية التي تستخدم الطاقة الكهرومغناطيسية، من موجات الراديو إلى أشعة جاما، للسيطرة على اتصالات العدو. كما تنقل هذه الإرسالات الراديوية والرادارية والميكروية المعلومات، والبيانات الاستخباراتية، والصور، والأوامر، والتقارير. وبالتالي، فإنها تقوم بتشويش وتحييد ومنع عمليات إرسال العدو. إنهم يحاولون تعمية أو تزوير انبعاثات أنظمة الملاحة (مثل الجي بي إس) على الأراضي الأوكرانية لتصعيب مراقبة مسار الصواريخ متوسطة المدى المزروعة في مسرح العمليات. [5]
عندما لا يجدي هذا، فإنهم يقومون ببساطة بقطع الكهرباء والاتصالات تماما عن بعض المدن لمدة يوم أو يومين. ومع ذلك، لاتزال المقاومة في الأراضي المحتلة فاعلة. 

 الدفاع الإقليمي

 في بعض المناطق المحررة، تم إنشاء قوات الدفاع الإقليمية الأوكرانية، التي تعتبر رسميا عنصرا عسكريا احتياطيا للقوات المسلحة الأوكرانية، وقد تم تشكيلها بعد إعادة تنظيم كتائب الدفاع الإقليمية. إنها ميليشيات متطوعة، تتكون من جنود احتياط بدوام جزئي، وعادة ما يكونوا مقاتلين مخضرمين، ومتطوعين مدنيين محليين، للدفاع عن الأراضي، وهي من الناحية الفنية تحت قيادة وزارة الدفاع، وقد تم إضفاء الطابع الرسمي عليها في 2022 كقوات دفاع موحدة.
كثير منهم مقاتلون سابقون هزموا في صراعات 2014، أو في حرب القرم، أو في القتال الأولي في حرب دونباس من قبل الانفصاليين المدعومين من موسكو. في ذلك الوقت كانوا غير مهيئين، وغير مجهزين، ويفتقرون إلى الحرفية، والمعنويات، والروح القتالية، ناهيك بافتقار القيادة العليا للكفاءة إلى درجة خطيرة. منذ ذلك الحين، تم تشكيل ميليشيات متطوعة، ومجموعات شبه عسكرية، لمحاربة الانفصاليين. تتمتع كتائب الدفاع الإقليمية، وكتائب المتطوعين، بميزة الصمود في مواجهة القوات الانفصالية، ما يتيح للجيش الأوكراني الآن المبادرة بالهجوم.
عدد المتطوعين ارتفع من 1,5 مليون إلى 2 مليون في 11 شباط/ فبراير 2022. [6] لقد دفع الغزو الروسي العديد من المدنيين للانضمام إلى مجموعات قوات الدفاع الإقليمية المحلية. وبحلول 6 آذار/ مارس، تطوع نحو 100,000 شخص. [7] كانت هناك أعداد كبيرة من المقبلين على التطوع لدرجة أن بعض الوحدات توقفت عن قبول المتطوعين بعد أن بلغت الحد التشغيلي. وهناك تقارير عن متطوعين أوكرانيين دفعوا رشاوى، أو استخدموا صلاتهم، للانضمام إلى قوات الدفاع الإقليمي.
المتطوعون يمضون على عقود ويتقاضون رواتب. ولا يختلف وضعهم عن وضع الجنود، كما يسمح لهم قانونيا بالانتشار خارج مناطقهم.
هناك بلدات قريبة من الجبهة، مثل توريتسك، أو قرى بها بضعة آلاف من السكان، مثل بلاختيانكا، لا يمكنها دفع رواتب متطوعيها. لذا، قاموا بترتيب مواردهم الخاصة: سترات واقية من الرصاص أخذوها من الشرطة، وأسلحة دفاعية وهجومية، والأسلحة المضادة للدبابات، لإغلاق مداخل القرى. نظموا أنفسهم في نوبات، وانتخبوا قائدا. وهم على اتصال بالأمن الأوكراني.
يدرسون التكتيكات القتالية والأدب العسكري. عندما يهاجم الروس المدن، فإنهم يخفون الملفات وأجهزة الكمبيوتر، ويخرجون الأعلام من المباني العامة. ومازالوا يطالبون بالأسلحة التي وُعدوا بها، لكن في معظم الأحيان لا يحصلون عليها. 

في يوم من الأيام.. كان هناك جسر

مؤخرا شهدنا تفجير جسر مضيق كيرتش في شبه جزيرة القرم. وقد ألحق الهجوم الضرر بشريان إمداد استراتيجي ولوجستي للقوات الروسية، ومنح دفعة كبيرة للمعنويات الأوكرانية، حيث أظهر ضعف روسيا. المخابرات الروسية تقول إن الإنفجار تسببت به شاحنة أوكرانية مفخخة.
الجسر كان يبدو أبعد من أن تصله يد أوكرانيا، التي لا تمتلك أسلحة بعيدة المدى، ولا أسلحة قوية بما يكفي لإلحاق الضرر بهذا الجسر الخرساني الفولاذي، حيث ترفض الإمبريالية توفير مثل هذه الأسلحة، كما أن سلاحها الجوي ليس بتفوق مضادات الطائرات الروسية من طراز “إس 300” أو “إس 400”. وسلاح الطائرات بدون طيار من طراز “تي بي 2” مناسب فقط لتدمير المركبات ومواقع القيادة.
إضافة إلى ذلك، تتم حراسة الجسر بشكل مكثف من قبل قوات النخبة، والدوريات الجوية القتالية، وطائرات الهليكوبتر الهجومية، ووحدات الحرب الإلكترونية في المنطقة المجاورة، ما يشكل درعا منيعا لهذا الهدف الأكثر قيمة في النزاع.
معظم اللوجيستيات، والذخيرة، والأسلحة التي تزود الجبهة الجنوبية، تعبر القرم عبر النهر إلى مدينة خيرسون. لقد أدى الهجوم على جسر مضيق كيرتش إلى إضعاف خط الإمداد بشكل كبير، وزاد من سوء الوضع القتالي للروس، الذين باتوا محاصرين تحت ضغط الهجوم الأوكراني المضاد.
على حد تعبير البروباغاندا الأوكرانية، شكل الأمر صدمة للمدنيين الروس، الذين ما زالوا يفيقون من صدمة التعبئة القسرية. كان بوتين نفسه هو من افتتح جسر القرم عام 2018، وقد قاد شاحنة عبر المضيق. كما أن الهجوم وقع في اليوم التالي لعيد ميلاده السبعين. مجددا، باتت كفاءة روسيا في شن الحرب موضع تساؤل.
جهاز الأمن الروسي أجرى فحصا أمنياً مكثفاً. كما بحث عن سائق الشاحنة والطريق الذي سلكه قبل عبور الجسر، لكن لم يتم الإعلان سوى عن القليل من المعلومات.
الفضل في هذا الهجوم يعود إلى المقاومة الأوكرانية في الأراضي المحتلة. منذ بداية الغزو، قامت بتصفية قادة محليين كانوا متعاونين مع موسكو. وقبل أسابيع قليلة، تمت تصفية خمسة من ضباط الأمن الفدرالي الروسي، واثنين من كبار الضباط العسكريين الروس في فندق في خيرسون.
لقد ازدادت الهجمات منذ أن ضمت روسيا، عن طريق الاحتيال، أربع مناطق أوكرانية محتلة في شهر أيلول. وباتت هذه الهجمات المعزولة فعالة بشكل متزايد، حيث بدأت المجموعات المنفذة بالتنسيق مع القيادة العسكرية الأوكرانية، لتصبح الهجمات المتفرقة أكثر تركيزا وتعمدا، كجزء من إستراتيجية شاملة.
قوات العمليات الخاصة الأوكرانية تقوم بتوجيه وتسليح وتدريب المجموعات الحزبية على فن التخريب، وتكتيكات الكر والفر، والاتصالات السرية، والقدرة على التخفّي بين مجموعة سكانية في الوقت الذي تلحق فيه الدمار بالعدو.
داخل خيرسون، النشاط الأساسي هو مراقبة التحركات العسكرية والأمنية الروسية، وتسليم المعلومات إلى الجيش الأوكراني.
الثوار لا يعملون فقط في خيرسون، بل أيضا في مدينة السكك الحديدية ميليتوبول، ونيو كاخوفكا، قرب نهر دنيبر، وبالقرب من سد قناة شمال القرم، الذي يوفر 85٪ من إمدادات القرم بالمياه العذبة. أكثر من 20 ألف جندي روسي باتوا محاصرين على الجانب الآخر من نهر دنيبر.
تفجير الجسر أدى إلى تشجيع عناصر حرب العصابات ومجموعات المقاومة في المناطق المحتلة، لذلك ستتسارع وتيرة الهجمات ويتسع نطاقها، مع التركيز على خطوط الإمداد الروسية، حيث أن اعتمادها المفرط على النقل بالسكك الحديدية يجعل مهمة أفراد حرب العصابات الأوكرانيين أسهل بكثير.
تفجير ذلك الجسر يأتي في مقدمة حدث غرق السفينة موسكفا [حاملة الصواريخ الموجهة]، والانهيار المحتمل في دونيتسك.

 رد بوتين

 بوتين أخذ بالتراجع، لكنه يرد بقوة: لقد قام بالتزوير الفاضح للاستفتاءات العامة في المناطق الأربع، لخلق مبرر باعتبارها أراض روسية يمكنه فعل أي شيء للدفاع عنها، بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية، كما شن هجمات بالصواريخ وطائرات الدرون الإيرانية على البنية التحتية االأوكراني، بهدف إلحاق الضرر بها بشكل لا يمكن إصلاحه بحلول الشتاء، وتعطيل الوصول إلى الخدمات الأساسية، والتسبب في معاناة كبيرة للسكان المدنيين، بقصد أن تؤدي المعاناة من البرد إلى إضعاف معنويات جزء من  مقاومة.
هذه الهجمات أدت إلى انقطاع الكهرباء ومياه الشرب عن عدة مناطق في البلاد، كما أضرت بنحو 40 في المائة من بنيتها التحتية. في كييف، وسبع مناطق أخرى على الأقل في أوكرانيا، هناك انقطاعات في التيار الكهربائي. الهجمات على شبكة الكهرباء تعد “مدمرة” للبنية التحتية للطاقة في بلد يمكن أن تنخفض فيه درجات الحرارة في الشتاء إلى ْ30 درجة مئوية تحت الصفر.
كما يعتقد بوتين أن الطقس البارد من شأنه إبطاء وتيرة العمليات العسكرية الأوكرانية، ما سيساعد روسيا على الحفاظ على خطوطها الدفاعية، والإبقاء على الأراضي التي تم الاستيلاء عليها، واستعادة الإمدادات الطبيعية لقواتها.
رغم هذا، فإن غارات الطائرات بدون طيار من طراز شاهد -136 ليست استعراضا للقوة، فحتى لو تسببت في الكثير من الضرر، إلا أنها عمليات إطلاق قذائف عامودية، وليست قوات إيرانية أو روسية.
جانب آخر من سياسة بوتين هو الترحيل القسري. في خيرسون، أمر بإعادة توطين 70,000 من السكان بعيدا عن المنطقة المحتلة شرق نهر دنيبر. حتى أن هناك تهديدا بتفجير سد كاخوفكا الذي تسيطر عليه روسيا، ما قد يغرق المنطقة. 

 المقاومة تأخذ أشكالها الضرورية

 مع بدء الهجمات الروسية المستمرة على أنظمة التدفئة والكهرباء بواسطة صواريخ طائرات كاميكازي بدون طيار، لايزال العمال الأوكرانيون يعملون على إصلاح شبكة الكهرباء بشكل كامل، بينما يقوم السكان بتوفير الكهرباء عبر الامتناع عن استخدام الغسالات، وغيرها من الأجهزة المستهلكة للطاقة.
في مراكز مدينة كييف الرئيسية، يتم إطفاء أضواء الشوارع عند الغسق، بينما يتم الإبقاء عليها في بعض شوارع وسط المدينة ليالي الجمعة، للسماح لموسيقيي الشوارع بالعزف وللناس بالرقص. 

النصر ممكن

وفقا للخبراء، فإن تقدم أوكرانيا في ساحات المعارك تحقق عبر تنسيق عمل “الدبابات مع المدرعات المدعومة بالمدفعية، لاختراق الدفاعات الروسية، وتحديد نقاط الضعف واستغلالها، وتحريك القوات بسرعة”، وكذلك عمل الثوار في الأراضي المحتلة، وإثارة الذعر والرعب في صفوف قوات الاحتلال الروسي.
الأمر متروك للحركة العمالية ومنظماتها لمضاعفة حجم حملتها المطالبة بشحن الأسلحة اللازمة للأوكرانيين من أجل هزيمة جيش بوتين، وفضح الحكومات الإمبريالية لعدم تزويدها بأسلحة عالية الجودة بكميات كافية، لأن سياستها المركزية هي التفاوض على اتفاق لإنهاء الحرب على حساب السيادة الأوكرانية، وبكلفة استسلام جزء من أراضيها في الشرق.
لقد ازداد حجم تسليم الإمبريالية للسلاح (بضغط من المقاومة والحملة الأممية)، لكنه لايزال غير كاف. على سبيل المثال، تواصل الإمبريالية الأمريكية رفض إرسال الطائرات الحربية وتدريب الطيارين الأوكرانيين. [8] ففي حين يطالب الأوكرانيون بطائرات من طراز “إف 15″، و”إف 16″، و “إيه 10” (الخاصة بالدعم الجوي لقوات المشاة البرية)، تمتنع الإمبريالية عن إرسال أسلحة ذات تكنولوجيا متطورة، بزعم أنها قد تقع في أيدي الروس.
تسليم نظام صواريخ “إم 142” المدفعي عالي الحركة، بمدى 80 كيلومتر (مدى الروس يصل إلى 90 كم) كان بمثابة اختراق عزل الوحدات الروسية عن وحداتها الٱحتياطية، غير أن الأوكرانيين مازالوا يطلبون صواريخ يصل مداها إلى 300 كيلومتر. الصواريخ الحالية تتيح تدمير مراكز القيادة ومستودعات الذخيرة، لكن تلك ذات المدى الأبعد ستتيح مهاجمة الوحدات الاحتياطية. تبرير الإمبريالية أنها لا تثق في أن المقاومة لن تهاجم الأراضي الروسية بتلك الصواريخ والطائرات الحربية. [9]
لقد تم إرسال صواريخ “جافلن” المضادة للدبابات، وكذلك طائرات بدون طيار من طراز “بايركتر تي بي 2” التركية، ودبابات بولندية من طراز “تي 72”. كما كان إرسال مركبات المشاة الألمانية، من طراز “ماردر”، بمثابة اختراق. لكن الحكومة الألمانية أخفقت في إرسال دبابات “ليوبارد 2” الحديثة (التي صنعتها شركة كراوس مافي فيجمان، ومقرها ميونخ)، والتي تعتبر ضرورية لدعم القوات الماضية في تحرير مناطق شرق أوكرانيا.
في انتخابات التجديد النصفي للولايات المتحدة، تعهد المرشحون الجمهوريون، المؤيدون لترامب، بقطع المساعدات عن أوكرانيا. وكانت عضو الكونغرس الحالي، مارجوري تيلور جرين، قد قالت في تجمع حاشد في ولاية أيوا: “بوصول  الجمهوريين، لن يذهب فلس واحد إلى أوكرانيا”. كما قال زعيم الأقلية في مجلس النواب، كيفين مكارثي، الذي يأمل في أن يصبح رئيسا لمجلس النواب، إن الكونغرس الذي يسيطر عليه الحزب الجمهوري لن يمنح أوكرانيا “شيكا على بياض”. انتقاد منح المساعدات العسكرية والمالية لأوكرانيا يأتي كمحاولة للتوافق مع الأزمة الاقتصادية المتنامية في الولايات المتحدة. تقريبا نصف الجمهوريين، 48٪، يعتقدون أن البلاد تنفق الكثير من الأموال من أجل كييف. [10]

ساندوا الطبقة العاملة والمقاومة الشعبية بالسلاح والدعم السياسي

 في أوكرانيا، تسلحت الطبقة العاملة، والبروليتاريا، وتم تنظيمها للقتال. لكن هذا التنظيم لا يتمتع، حتى الآن، بالاستقلال السياسي، وبالتالي لاتزال هناك أوهام عديدة تتعلق بحكومة زيلينسكي التي، رغم عدم هروبها من البلاد كالبرجوازية الوطنية، تخدم في الواقع الأوليغارشية الأجنبية وشركاتها، والمشروع الإمبريالي الهادف إلى تحويل البلاد لشبه مستعمرة، وهو ما يفسر سن العديد من القوانين المناهضة للطبقة العاملة.
الانتصار في خيرسون، الذي فاجأ الكثيرين، بيّن أن المقاومة الأوكرانية يمكنها هزيمة جيش بوتين الروسي القوي، لكنها لتحقيق ذلك تحتاج إلى دعم وتضامن الطبقة العاملة الأممية. لهذا السبب لا بد من تكثيف حملة “السلاح لأوكرانيا، من أجل هزيمة بوتين عسكريا”. ويجب أن يتم هذا من خلال النقابات العمالية، ومنظمات العمل الأخرى، وأن تمتد الحملة إلى المصانع وأماكن العمل وغيرهما. القتال على الضفة الشرقية في دنيبر سيكون صعبا وعنيفا للغاية، لكن المقاومة قد أظهرت بالفعل أنه بإمكانها طرد الغزاة الروس. لذا، فإن العمل المستقل لطبقتنا أمر جوهري.
كان هذا هو العمل النموذجي للقافلتين الأمميتين، اللتين سيرتهما “شبكة العمل الدولية للتضامن والنضال”، وشارك فيهما “اتحاد النقابات الشعبية البرازيلية”، لتحقيق التضامن السياسي والمادي، وإظهار أن المقاومة الأوكرانية تحظى بدعم العمال في كافة أنحاء العالم.


[1] Decisiones difíciles valen la pena, 28 de octubrede202221:38 por Illia Ponomarenko.

[2] https://www.bbc.com/news/live/world-europe-60517447

[3] Decisiones difíciles valen la pena, 28 de octubrede202221:38 por Illia Ponomarenko.

[4] https://www.youtube.com/watch?v=VTAxA3Omfmw

[5] https://atalayar.com/en/content/unseen-and-unknown-electronic-war-ukraine

[6] https://www.politico.eu/article/ukraine-russia-military-citizen-reservist-defense/

[7] https://ua.interfax.com.ua/news/general/808104.html

[8] [8] وافق عليه مجلس النواب، لكن لم يوافق عليه مجلس الشيوخ. وهو عضو في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ.

[9] https://noticias.uol.com.br/ultimas-noticias/afp/2022/07/19/ucrania-pede-aos-eua-mais-sistemas-de-foguetes-de-precisao.htm

[10] https://www.nbcnews.com/politics/congress/republicans-try-allay-concerns-us-aid-ukraine-ahead-election-day-rcna56016


ترجمة تامر خرمه
مراجعة فيكتوريوس بيان شمس

Check out our other content

Check out other tags:

Most Popular Articles