المساعدات لا تهدف إلى تحقيق الإزدهار، بل إلى الإخضاع الاستعماري
✍🏾 جوانا سالاي
في الآونة الأخيرة، رأينا على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لمرشح حزب الإشتراكية والحرية المستقبلي لمنصب عمدة ساو باولو، جيليرمي بولوس. في ذلك الفيديو، يظهر الرجل في مقر شركة هواوي في شنغهاي، ليعرض مزايا تكنولوجيا الشركة الصينية في إدارة المدن الكبرى مثل ساو باولو.
يمكننا تناول الرحلة التي قام بها بولوس بين باريس وشنغهاي للتعرف على تجارب الإدارة للمدن الكبرى من عدة جوانب. ويمكن أن نبدأ باستعراض إدارة مدينة باريس كنموذج، رغم أن المدينة معروفة تماما بانتشار أحياء المهاجرين، وقمع النقابات العمالية والحركات الاجتماعية. ولكن في هذه المقالة نريد تطوير جانب مهم آخر كشفت عنه رحلة جيليرمي بولوس، وهي التوقعات التي عبرت عنها قطاعات اليسار باعتبار أن الصين تلعب دورا تنمويا مفترضا في البلدان شبه المستعمرة.
مرشح حزب الاشتراكية والحرية لم يكن وحده من أعرب عن محاباته للعلاقات الاقتصادية الدولية المحتملة مع الصين، فقد سبق وأن أكد جونز مانويل، عضو الحزب الشيوعي البرازيلي (إعادة البناء الثوري)، عام 2021 أن الإمبريالية الصينية ذات طابع تقدمي، باعتبار أنها تقدم المساعدات للدول شبه المستعمرة دون أن تطلب أي مقابل كما تفعل الإمبريالية الأمريكية. كما تم أيضا نشر مقال في صحيفة برازيل دي فاتو في كانون الثاني 2024، يشير إلى أن تقارب الدول الأفريقية مع الصين يمكن أن يقودها إلى اتباع مسار ازدهار أكبر عام 2024 .
لكن ما الذي تنوي الصين فعله عبر توسيع علاقاتها الاقتصادية الدولية؟، هل تخطط لفسح المجال أمام الازدهار والتنمية، أم أنها تسعى إلى إقامة علاقات تبعية اقتصادية مع هذه الدول؟
النضال المناهض للإمبريالية، مهمة مصيرية
هذا جزء من التراث المشترك لليسار الذي يعتبر النضال ضد الإمبريالية مبدأ أساسياً. في عدة لحظات هامة من الصراع الطبقي الأممي، أتاح هذا المبدأ بناء وحدات نضالية واسعة ضد الإمبريالية المهيمنة، مثل النضال ضد الحرب في العراق أو ضد منطقة التجارة الحرة للأمريكتين.
منذ الأزمة الاقتصادية عام 2008، شهد العالم تحولات كبيرة أدت إلى تغيرات مهمة في دور الدول ضمن إطار النظام العالمي. ويجب ألا ننسى أن هذه التغييرات لها عواقب سياسية حاسمة في تحديد موقع اليسار فيما يتعلق بالصيرورات الرئيسية التي تجري في العالم. وهكذا، فقد رأينا مواقف يسارية متباينة للغاية فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية. الرابطة الأممية للعمال – الأممية الرابعة، إلى جانب بعض قطاعات اليسار الأخرى وإن كانت قليلة، وقفت إلى جانب الشعب الأوكراني في نضاله ضد الغزو الإمبريالي الروسي. ولكن قسم واسع من اليسار تبنى خطا غامضا، أو مسارا استسلاميا صريحا للإمبريالية الروسية.
بهذا المعنى، فإن مناقشة توصيف مواقف البلدان في التقسيم الدولي الحالي للعمل، على اعتبار أنه شهد وسيخضع لتغيرات أكثر أهمية، هي مسألة أساسية لاعتماد خط سياسي صحيح يمنح الأهمية مرة أخرى للنضال المناهض للإمبريالية.
الصين دولة إمبريالية
إن توصيف الدولة الصينية لا يحظى بالإجماع، فلا يزال هناك من يصف الصين بأنها دولة اشتراكية، ويقلل من شأن كل التقدم الذي حققه رأس المال، الأمريكي بشكل رئيسي، في هذه الدولة الآسيوية منذ السبعينيات. إن الدور الرائد الذي تلعبه الصين اليوم في القطاعات الرئيسية للإنتاج الرأسمالي، مثل تكنولوجيا الجيل الخامس، والسيارات الكهربائية، وإنتاج الطاقة المتجددة، يبين أنها لم تعد مجرد ذلك المصنع الرأسمالي للعالم، بل إنها اتخذت مكانها في النظام العالمي باعتبارها دولة إمبريالية.
بالعودة إلى صياغة لينين: “لقد تطورت الرأسمالية لتصبح نظاما عالميا للقمع الاستعماري، والخنق المالي، للأغلبية الساحقة من سكان العالم من قبل حفنة من الدول “المتقدمة”. هذا الإخضاع لا يرجع بالضرورة إلى طبيعة الحكام السيئة، بل مرده أساسا هو حاجة رأس المال الاحتكاري إلى مواصلة التقدم من أجل مراكمة المزيد والمزيد. وهذا، كما يقول لينين، قانون عام وأساسي للمرحلة الرأسمالية الحالية. لذلك «يقسم الرأسماليون العالم، ليس بسبب أي حقد معين، بل لأن درجة التركيز التي وصلوا إليها تجبرهم على اعتماد هذا الأسلوب من أجل حصد الأرباح» .
ليست هناك حاجة لتعداد البيانات اللانهائية التي توضح مدى تقدم تراكم وتركيز رأس المال الصيني في هذا النص. هدفنا هو بالأحرى إظهار كيف أن العلاقات التي تقيمها الصين مع الدول الأفريقية، على سبيل المثال، لا تهدف فقط إلى مساعدتها على الازدهار، ولكن، كما قال لينين، الهدف هو الإخضاع الاستعماري.
تحليل موجز لعلاقات الصين مع القارة الأفريقية
شهدت القارة الإفريقية موجة من الانقلابات تحت ستار مناهضة الاستعمار. ومؤخراً، سحبت مالي اللغة الفرنسية من قائمة اللغات الرسمية في البلاد. وفي العام الماضي، في خطاب ذكّرنا بفيدل كاسترو، أشاد إبراهيم تراوري، رئيس بوركينا فاسو، بالتحالف الاستراتيجي بين الدول الأفريقية وروسيا.
الصين جزء من هذه التحالفات الاستراتيجية التي أنشأها زعماء بعض الدول الأفريقية. وكما يشير المقال المذكور أعلاه على موقع “برازيل دي فاتو”، أطلقت الصين عام 2023 مبادرة لدعم التصنيع في أفريقيا، بحيث تلتزم بزيادة التمويل لبناء البنية التحتية، وتصميم وإنشاء المناطق الصناعية. لكن هذه العقود التي تبرمها الصين لبناء البنية التحتية تمهد لهيمنتها اللاحقة. إننا نتحدث عن الموانئ، والطرق، والمجمعات الصناعية، والهياكل الأساسية للاقتصاد، وبالتالي سيادة البلاد.
على عكس ما يدعيه قسم من اليسار، فإن التمويل الصيني لا يتم منحه دون مقايضة. واليوم، تعد الصين أكبر دائن لأنجولا، كما أنها مسؤولة عن 12% من الديون الخارجية للقارة الأفريقية، وتشارك، شأنها شأن صندوق النقد الدولي، في “إنقاذ” البلدان عبر إغراقها بالديون.
دراسة دولية بعنوان “كيف تقرض الصين، نظرة على 100 عقد دين مع حكومات أجنبية” تشير إلى أن الدائنين الصينيين يسعون إلى الحصول على امتيازات تميزهم عن غيرهم من الدائنين عبر آليات مختلفة، منها استخدام ترتيبات الضمانات، مثل حسابات الإيرادات التي يسيطر عليها الدائنون، والوعود بإبقاء الديون خارج عمليات إعادة الهيكلة المستقبلية. كما ترتبط القروض بتحديد شروط الإلغاء، والتسريع، والاستقرار، ما يمنح الدائنين الصينيين تأثيرا بالغا على السياسات الداخلية للدول المدينة.
الدراسة تخلص إلى أن “الدائنين الصينيين يبدون براعة كبيرة في تكييف وتوسيع الأدوات التعاقدية القياسية لزيادة فرص السداد (…) وحماية مجموعة واسعة من المصالح الصينية في الدولة المدينة.
بالتالي، فإن السؤال المطروح هو ما إذا كانت القروض المقدمة لإفريقيا تساعدها على تحقيق السيادة؟ أم أن هذه القروض تخدم سياسات البرجوازية الصينية الإمبريالية المفترسة؟ إن الأدلة المقدمة تقودنا إلى الاستنتاج بأنها بمثابة أداة للاستغلال الإمبريالي، تزيد من تبعية البلدان الأفريقية. لذا، فإن أي دعم لهذه الاتفاقيات هو استسلام لقطاع من الإمبريالية.
نحو سياسة متسقة مناهضة للإمبريالية
العلاقات التي تقيمها الصين مع البرازيل لا تستند إلى أية نوايا مختلفة عن تلك التي تقيمها مع القارة الأفريقية، إذ تتيح الاتفاقيات التي أبرمها لولا مع الحكومة الصينية ظروفا أفضل للشركات الصينية متعددة الجنسية لتحقيق أرباحها على الأراضي البرازيلية. وتحت مبرر التنمية الاقتصادية، تفضي هذه الاتفاقيات إلى تعميق استغلال البلاد، واضطهادها، وإخضاعها للمصالح الإمبريالية. ورغم أن هذا ليس محور المقال، فمن المهم أن نذكر هنا أن منطق التنمية طالما تم استخدامه بهدف الإخضاع الاستعماري، وتنفيذ خطط الليبرالية الجديدة، والإمعان في تدمير البيئة، دون أن يكون هذا بديلا لحالة عدم المساواة التي نشهدها في البرازيل.
إننا نعلم أن ما يحرك الصين هو مصالحها المرتبطة بزيادة مراكمة رأس المال من أجل احتكاراتها الكبرى. وبالتالي، فإن فتح الأبواب أمام المصالح الإمبريالية يعني المزيد من القهر والديون. إن عقد اتفاقيات مع الإمبريالية الصينية باعتبارها بديلا اقتصاديا للتنمية هو شكل جديد من أشكال استسلام اليسار، فمن غير الممكن تحقيق مبدأ “الحكم من أجل الشعب”، و”إنقاذ ساو باولو” عبر تعميق الإخضاع الاستعماري.
زيارة جيليرمي بولس إلى بؤر الاحتكارات الصينية، مثل هواوي، جاءت في ذات الوقت الذي رحب فيه بقطاعات من البرجوازية البرازيلية، يحاول إقامة علاقات متينة مع فاريا ليما (المركز المالي في ساو باولو). إن قبول مارتا سوبليسي نائبة لحاكم ساوباولو، والسعي إلى نيل دعم القطاعات البرجوازية، والعلاقات السياسية التي يقيمها في الخارج، لا تبين فقط تصميمه على تشكيل حكومة تعاون طبقي، بل تؤكد أيضا قبوله للدور الذي تلعبه الحكومة البرجوازية البرازيلية باعتبارها خاضعة لمختلف الإمبرياليات. “في حكومتي لن يخلق أحد صعوبات فيما يتعلق ببيع المرافق”، هذا ما سبق وأن أكده بولس في لقاء مع قطاعات من البرجوازية. كما أن الأصول التي وافق على شرائها تتطلب بيع مصالح أهالي مدينة ساو باولو.
على اليسار الثوري أن يؤكد تماما أنه من أجل تعزيز التنمية الحقيقية في البرازيل، وتحقيق ظروف معيشية أفضل للطبقة العاملة والفقراء، لا بد من مواجهة الدول الإمبريالية واحتكاراتها.