تم نشر هذه المقال في مجلة “الماركسية الحية” التابعة لـ “الرابطة الأممية للعمال”، العدد 14 بعنوان “ماهية دولة إسرائيل ولماذا يجب تدميرها؟”. وعلى الرغم من نشرها في العام 2007، نعتقد اليوم بأنها تقدم أفكارا هامة لفهم الوضع الحالي في الشرق الأوسط وطبيعة دولة إسرائيل.
___________
الأسطورة الصهيونية تتحدث عن إنشاء “دولة إسرائيل” كما لو أنه حدث بنفس الطريقة التي حصلت فيها بعض الأمم على استقلالها السياسي بعد الحرب العالمية الثانية، من خلال الثورات أو حروب التحرر الوطني ضد الاستعمار الإمبريالي مثل: الهند، إندونيسيا، الجزائر، فيتنام والعديد من الأمثلة في هذا السياق.
ولكن ظهور إسرائيل كان مختلفا تماما عن الأمثلة المذكورة سابقا لأنها ولدت كـ وسيط استعماري يقيم في وسط فلسطين للدفاع عن مصالح الإمبريالية في المناطق الإستراتيجية. إن تأسيس “إسرائيل” اعتمد على “زرع” سكان غريبين عن المنطقة، المهاجرون اليهود. من خلال طلب الدعم جراء ملاحقة اليهود خلال معاداة السامية واستغلال تشتت اليهود الملاحقين، نظمت المنظمة الصهيونية عملية الهجرة، وخاصة من أوروبا الشرقية، لضمان تدفق هؤلاء السكان الجدد بضغط من داعميهم الإمبرياليين. تم تمويلهم من أغنى اليهود الأوروبيين مثل روتشلد ومدعومين من المراكز الإمبريالية الكبرى، مثل إنكلترا. من جانب آخر، مقابل أكاذيب الصهيونية التي تقول بأن فلسطين “أرض بلا شعب”؛ كانت هذه الأراضي مأهولة لقرون من قبل الشعب الفلسطيني العربي.
إن ترحيل المستوطنين اليهود الجدد الذي تم بواسطة الصهيونية والإمبريالية وهي عملية يمكن أن تقارن بترحيل المستوطنين الغربيين في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين من المستعمرات البريطانية، كما حصل في روديسيا (زيمبابوي) وفاكلند، وهي واحدة من المستعمرات الفرنسية في الجزائر، أو أفريكانز (المستعمرات الألمانية في جنوب إفريقيا)، الخ…
إن المستوطنين اليهود الذين جلبوا ليعيشوا في فلسطين ليسوا قومية محلية اضطهدت من قبل الإمبريالية وإنما سكان أجانب استوطنوا في أراضي السكان الأصلين وتصرفوا كقامعين لخدمة الإمبريالية في تلك المنطقة. وبما أنهم “زرع” أقلية استعمارية فهم بحاجة إلى إنشاء نظام عنصري وعسكري ليحافظوا على حياتهم. هذا كان واضح جدا خلال حكم البيض في روديسيا، وفي حالة المستعمرات الفرنسية في الجزائر أو في نظام العزل العنصري في جنوب إفريقيا.
إن حقيقة ملاحقة المستوطنين اليهود الأوائل من قبل الأوروبيين لا يمكن أن يكتم حقيقة أن المشروع الصهيوني كان، منذ بداياته الأولى، يتجلى بإقامة مقاطعة استعمارية. منذ تأسيسها في العام 1948، كانت تقدم “دولة إسرائيل” في تلك المنطقة الإستراتيجية الهامة وهي تنبح للدفاع عن مصالح القوى العظمى، حيث كان “كلب الحراسة” مطلوبا.
دولة عنصرية
قبل أي شيء، منذ تأسيسها، تم خلق إسرائيل كدولة عنصرية، انطلاقا من وجهة النظر الأيدلوجية والتشريعية. “إسرائيل” رسميا هي “دولة يهودية”، وهذا يعني، أن الدولة ليست لجميع قاطينيها أو لجميع من ولد فيها. فقط هؤلاء الذين يحصون بسبب الإيمان أو أحفاد اليهود يمكن أن يكونوا يهودا ومواطنين. لجعل هذه الخاصية أوضح: 90 بالمئة من الأرض خاضعة حصريا لليهود. حسب الصندوق القومي اليهودي يتم تعريف الدولة على أن “أراضي إسرائيل” تعود إلى هذه المنظمة ولا يمكن بيع أو تأجير أو حتى حصاد هذه الأرض لما هو غير يهودي. وبناء على ذلك، الفلسطينيون ممنوعون من بيع أو تأجير الأرض التابعة للدولة منذ العام 1948.
في نفس الوقت، يستطيع اليهود في كل أنحاء العالم الهجرة بشكل قانوني إلى فلسطين والحصول على الجنسية الإسرائيلية وبناء عليها، الحصول على مزايا كبيرة لا يمكن أن يحصل عليها السكان الأصليين من غير اليهود. ماذا يمكن أن نقول اليوم عن بلد يطبق سياسة رسمية تعتمد على استغلال الأرض التي تعود لغير اليهود أو ببساطة تمنع غير اليهودي من الإقامة هناك أو الزواج من يهودي؟ بشكل واضح، سنقول أنها حالة من التمييز الفاضح، ومعاداة للسامية وبهذا يمكن مقارنتها بالنازية أو بنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. وبذلك، يكون قانونيا وشرعيا في “إسرائيل” بفضل مجموعة من المؤسسات والقوانين أن يتم تطبيق القوانين فقط على السكان غير اليهود في تلك الدولة.
يميز قانون الجنسية بوضوح في طريقة الحصول على الجنسية استنادا على ما إذا كان الشخص يهوديا أم غير يهوديا. حسب قانون المواطنة، لا يستطيع أي “إسرائيلي” الزواج من مقيم في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي حالة حصول العكس، يفقد الشخص جميع حقوق المواطنة في “إسرائيل” والعائلة، ما لم يكن منفصل، عليها أن تهاجر.
بواسطة حق العودة، أي يهودي في العالم يمكن أن يصبح مواطنا يهوديا. ولكن بما يتعلق بالمواطنين الفلسطينيين في “دولة إسرائيل” الذين يعيشون في الخارج (الكثير منهم مبعدون عن أراضيهم في فلسطين، أو من ذريتهم) غير مشمولين في نفس الميزات ببساطة لأنهم من غير اليهود.
قانون الغائب يفتح المجال لتجريد ملكية الأرض غير المزروعة لوقت طويل. ولكن أرض اليهودي لا يمكن نزع ملكيتها أبدا. أغلب المصادرات تم تنفيذها على أرض تعود للاجئين الفلسطينيين في المهجر، أو الفلسطينيين المواطنين في “إسرائيل” وكافة الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية ولديهم أراضي في المنطقة الموسعة من القدس.
هذه القوانين هي جزء من التشريع المستخدم حصريا ضد الشعب العربي في “إسرائيل”. فضلا عن العنصر الاقتصادي الهام الناتج عن الخسارة الناجمة عن التوسع الكبير في الأراضي الفلسطينية، هناك أمر أساسي، العنصر الاجتماعي: تشتت الكثير من العائلات التي تم إجبارها على الهجرة. قوانين أخرى تطبق فقط على زواج الأقران بين الأشخاص من غير اليهود الذين يسكنون في مناطق مختلفة من الأراضي المحتلة وحتى فيما يتعلق بلم شمل العائلات: الزوج والزوجة، الآباء والأبناء، الخ.
“بطريقة مشابهة، في العام 2000، “أعادوا إحياء” قواعد كانت قد أعدت فقط للتعامل مع الفلسطينيين المتزوجين من مواطنين يحملون جنسية البلاد العربية، أي أنهم من غير العرب وممنوعين من العودة إلى بيوتهم. ما بين 1994 وعام 2000، وخلال أعوام مفاوضات أوسلو، تم اتخاذ إجراءات لإيقاف معاملة “لم الشمل للعائلات” ونتيجة لذلك، عشرات الآلاف من العائلات في الأراضي المحتلة بقيت تنتظر. هذه العائلات لا تعيش في حيفا أو أشكلون وإنما في الضفة الغربية وفي قطاع غزة.
إن ملصقات التفتيش (للفلسطينيين فقط) المفروضة من قبل جيش الاحتلال، والتي تعني الوقوف لوقت طويل في صف تتناقض بشكل فاضح مع التسهيلات الكبيرة والطرق السريعة المفتوحة (لليهود فقط).
مجتمع عسكري وعنيف: إبادة جماعية للشعب المستعمَر
إن “دولة كإسرائيل” عليها أن تمارس عنفا دائما ضد الشعب المضطهَد. طالما عليها الحفاظ على طابعها الاستعماري والعنصري، لا يمكن أن تتساهل مع الحد الأدنى من المقاومة الداخلية أو المواجهات على حدودها. لقد كسبت طابعا يجبرها على التوسع وقمع أي مسألة بسيطة من هذا القبيل.
لهذا السبب، ومنذ تأسيسها، مارست “إسرائيل” سياسة التطهير العرقي ضد الفلسطينيين ودفعهم للخروج من أراضي أجدادهم وقمع الفلسطينيين الذين يعيشون على حدودها أو في الأراضي المحتلة.
أكثر من 10 آلاف معتقل سياسي فلسطيني تضيق بهم السجون الصهيونية، مئات منهم تحت سن الثمانية عشر. يتم ممارسة التعذيب بسلطة العدالة بالإضافة إلى تطبيق سياسة “القتل الانتقائي” للمقاتلين الفلسطينيين بشكل يومي. دولة كهذه لا يمكن إلا أن يطلق عليها دولة “نازية” لأنه عندما يتم اضطهاد أمة بأكملها من أجل محي هويتها، ولتحويلهم إلى عبيد أو تبعدهم عن أراضيهم، عندها لا يوجد أية طريقة يمكن أن نعبر عنها بطريقة أخرى. التناقض التاريخي الفظيع يتمثل بأنها اليوم نتاج الاضطهاد في أوروبا وتطبق نفس الآليات ضد شعب آخر.
وللدفاع عن الطابع الصهيوني للدولة، يعيش “الشعب الإسرائيلي” في حالة حرب دائمة. فعندما يبلغ “الإسرائيلي” سن الثامنة عشر، سواء أكان رجلا أو امرأة، يجب عليه أن يلتحق بالخدمة العسكرية الإجبارية. وبعد ذلك، يبقون في حالة “احتياط” حتى سن الخمسين، وعليهم أن يتدربوا لمدة شهر كل عام.
هذا يعني أن الشعب واعٍ بأنه سيكون في خدمة الجيش دائما. و”الإسرائيليون” يقبلون هذا بشكل طبيعي لأن فقط القوات العسكرية يمكن أن تضمن البقاء على قيد الحياة من أي جار مسلح. هذا هو السبب وراء أن القوات المسلحة تعتبر أهم المؤسسات في الدولة. ليس صدفة أن يكون أغلب القادة السياسيين سابقا قادة عسكريين.
بالنسبة لهذا الشعب، استخدام العنف الشديد ضد الفلسطينيين أو جيرانهم العرب هو “أمر طبيعي”. على سبيل المثال، من النادر ذكر القمع الممارس في غزة أو الضفة الغربية. وفقا لهذا، لا يعتبر الفلسطينيون بشرا، على الأقل لا يحق لهم التمتّع بحقوق الإنسان كاملة. إن القتل والتعذيب ليس إلا نتيجة “دفاع إسرائيل عن نفسها” في مواجهة الانتفاضة والعمليات الاستشهادية. هذه الأمور لا تلائم هذه الأخبار الصحف الإسرائيلية. كل هذا ليس إلا مسائل تتعلق بالشرطة بشكل حصري في تلك الأراضي. أقصى أنواع الأذى تم من خلال أقصى أنواع القمع أو العزل الحاصل نتيجة جدار العار.
تعبير آخر عن المجتمع العنصري يتمثل في التباين والاختلاف بين مجموعات مختلفة لدى اليهود. فالنخبة تاريخيا تنحدر من الأشكناز، وهم اليهود من أصل أوربي. وفي مرتبة أدنى يأتي اليهود الشرقيين أو السفارديم والذين يتم التعامل معهم أفضل من العرب. مؤخرا، هجرة مليون يهودي روسي أحدث قطاعا لا يؤخذ بعين الرضا من قبل المجموعات الاجتماعية الأخرى بسبب حقيقة اعتمادهم على المساعدات الحكومية.
هناك قطاع آخر يملك دورا عمليا وهو المستوطنون المزارعون الذين يعيشون في المناطق المحتلة في العام 1967. هم القاعدة الشعبية لجناح اليمين واليمين الديني المتطرف الذي يواصل المطالبة بمزيد من الميزات من الدولة من أجل التصرف كالسفارديم لغرض استعمار أراضي الفلسطينيين وطرد أصحابها منها. كقاعدة، لقد جاؤوا من مجموعات المهاجرين الأخيرة ويعيشون في مساكن محمية جدا بالقرب من السكان العرب، عوضا عن تمويل الدولة والمساعدات الحكومية.
هناك أيضا سكان غير ثابتين ينحدرون من المهاجرين غير اليهود الذين تم جلبهم من مناطق بعيدة كالفيليبين وأجزاء أخرى من آسيا كمحاولة لتعويض العمالة الفلسطينية لغرض إغلاق الحدود ومنع الفلسطينيين من القدوم للعمل في الشركات الإسرائيلية. ينطبق هذا على أكثر من 250 ألف شخص يعملون في ظروف شبه عبودية في مناطق الإنشاء. هم منبوذون ولا يحصلون على أية حقوق ويعيشون على هامش المجتمع “الإسرائيلي”.
على الرغم من الأزمة والصعوبات، يدافع المستوطنون الصهاينة عن الدولة
وراء أية اختلافات اجتماعية، هناك رابط مشترط يدفع جميع المواطنين اليهود “الإسرائيليون”: الحذر، والذي بطريقة أو بأخرى، يعيشون به ويتعايشون معه من أجل اغتصاب أرض وشعب آخر والمساعدات سيحصلون عليها من الإمبريالية طالما يلعبون دور “كلب الحراسة” بإخلاص في المنطقة. هذا هو السبب، والعنصر الأساسي للتماسك في ذلك المجتمع العنصري والعنيف والمسلح، أي الخوف “من العدو المشترك”، وهذا الشيء الذي لا يفشل جميع السياسيين في “إسرائيل” في تذكير شعبهم به. “هم أو نحن” هي القاعدة الأساسية التي تحافظ على التوحد وتزيد الترابط في هذا المجتمع. وهذا أيضا هو السبب وراء الفكرة الصهيونية في “حقنا في الوجود” والتي تعني الدفاع عن الدولة العنصرية والخاصة باليهود كغنيمة على حساب السكان الأصليين واستغلال هذا الطابع.
هذا ما يفسر موافقة الغالبية الساحقة من “الإسرائيليين” على سياسات “الفصل العنصري” و “التطهير العرقي” بحق الفلسطينيين بالإضافة على موافقتهم على تدمير “حزب الله” وهذا ما منحهم دعما هائلا في الحرب على لبنان حتى مع وضوح الطابع التطهيري فيها.
لدى هذا الطابع للسكان “الإسرائيليين” اليهود أساسا اقتصاديا أيضا. جوهريا، “إسرائيل” يمكن أن تعرف كقاعدة عسكرية كبير تعمل لصالح الإمبريالية حيث تعيش عائلات الجنود أيضا ويتم ممارسة بعض النشاطات الإنتاجية الداعمة لهذه القاعدة. ولكن مركز نشاطاتهم تتمحور بوضوح حول الحرب وإنتاج الأسلحة.
في الوقت نفسه، كان إنتاج الأسلحة والتقنية المرتبطة بها لعدة سنوات، النشاط الاقتصادي الرئيسي في البلاد. لم يكن فقط للاكتفاء الذاتي والحاجات الخاصة وإنما أرقام تصل إلى 40 بالمئة من الصادرات في البلاد، حوالي 12 ألف مليون دولار في العام هي من الإنتاج التقني العسكري والأسلحة. على الرغم من عدد السكان القليل، تعتبر “اسرائيل” خامس مصدر في العالم للمنتجات العسكرية، بالرغم من أن المعلومات الرسمية ممكن الحصول عليها تحت بند “منتجات التقنية المتطورة”. هناك توبيخ لطيف من الولايات المتحدة الأمريكية لـ “إسرائيل” لبيعها رادارات عسكرية إلى بلدان مثل الصين والهند. بكلام آخر، أغلب السكان في “إسرائيل” يعيشون بشكل مباشر أو غير مباشر على الحرب والإنتاج العسكري.
جيش غارق في عملية الفساد
انطلاقا من هذا التحليل، يمكن فهم الهزيمة في لبنان بشكل جيد والتي يمكن أن تدخلها في أزمة عميقة بسبب كشفها أن الكيان الصهيوني “بلد قابل للكسر” كما عبرت عن هذا الوضع صحيفة “هآرتس”. لم يجلب التفوق العسكري التاريخي حماية الأرواح في حيفا وفي شمال البلاد.
من الضروري تحليل عملية الفساد التي حصلت في الجيش الصهيوني. أوري أفنيري، الناشط “الإسرائيلي” المناهض للحرب من منظمة السلام، يقدم التشخيص التالي: “إن احتلال الأراضي الفلسطينية تسبب في فساد جيشنا… ربما كان الأخير… كان هذا في حرب تشرين في العام 1973، بعد عدة تخبطات حادة، جاء النصر الساحق. وعندما حصل هذا، كان قد مر على الاحتلال ما يقارب الست سنوات. في الوقت الحالي وبعد ثلاثة وثلاثين عاما، نستطيع أن نقول أن الضرر الذي تسبب به السرطان المسمى “احتلال” قد وصل إلى كافة أعضاء الجسم العسكري”. إن موقف الجنرال دان حالوتس، القائد الأعلى في القوات “الإسرائيلية”، حذر في حفل تنصيبه من غزو لبنان والذي تقرر في حينها، وقال بأنها إحدى علامات الإفساد الأخلاقي على مستوى القيادة في القوات المسلحة “الإسرائيلية”.
يشير أفنيري إلى حقيقة أن التباين الهائل بين القوات العسكرية الصهيونية والمقاومة الفلسطينية تدفع القادة العسكريين والجنود إلى التعود على مدار السنين على ضرب أهدافهم دون اتخاذ الحيطة من الرد الممكن لهذا الفعل. إنهم يهاجمون ويقصفون ويقتلون في الوقت الذي لا يكون هناك فعليا أية مخاطر. ولكن هذه المرة واجهوا تحديات من محاربين حقيقيين بدون معنويات عالية وبدون تدريب كاف. “لمدة تسع وثلاثين سنة لقد أخلصوا العمل كقوات شرطة استعمارية؛ بتفريق صبية يرمون الحجارة وزجاجات المولوتوف، واعتقال النساء، اللاتي يحاولن منع الجنود من اعتقال أولادهن، أو القبض على النيام في بيوتهم”.
الشرطي الإستعماري، والذي هو “إسرائيل”، لديه مشكلة كبيرة إلى درجة أن القوات المسلحة تحاول أن تحلّ بالتوترات في كافة مستويات المجتمع. هذا التوجه في الواقع يثبت تزايد الخطر، فالكثير من “الإسرائيليين” قد تعبوا من هذا الجو ويعبر عن هذا بالإعداد الكبيرة التي تغادر البلاد…
هل يمكن أن تنقلب الطبقات الشعبية في المجتمع “الإسرائيلي” أو الطبقة العاملة ضد الصهيونية؟
إن الأزمة في “إسرائيل”، وخاصة في الجيش، هامة جدا لأنها تضعف الدولة الصهيونية، وتفتح فجوات تمكن المقاومة العربية من العصف وإلحاق الهزيمة بها. ولكن لا يمكن أن نحلل “إسرائيل” كبلد طبيعي، ولا يمكن أيضا تحليلها كبلد إمبريالي. إنها عبارة عن سكان يتألفون من مستوطنين مغتصبين يعتمدون على أرض وجو عنصري للبقاء، للحفاظ على مستويات المعيشة وليبقوا محميين ضد مطالبات الشعوب المستغلة والمضطهدة.
دعونا نلقي نظرة على يوميات ليدون سوريانو، الكاتبة الإسبانية التي قضت أسابيع مع الفلسطينيين ومن ثم في “إسرائيل”، في المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية: إن شعور العجرفة والتعالي لدى الإسرائيليين وتصوراتهم تجاه الفلسطينيين والعرب على أنهم دونيون وعنيفون وغير متحضرين، والذين يعانون من الخوف بشكل كلي وبطريقة غير عقلانية… من الشائع أن تجد “إسرائيليا” يعامل العرب كما لو أنهم حيوانات… إن الصورة الحية “للسرطان” والمعاملة يمكن أن يتم تطبيقها على “دولة إسرائيل” ككل.
نقاش حول الحل في فلسطين
إن الأعداد التي سقطت جرّاء المذبحة المرتكبة من قبل “إسرائيل” التي تتبرأ من أخطائها وتبحث عن حل لهذا الوضع من الحرب الدائمة في المنطقة. بشكل عام، يمكن أن نقول بأن هناك ثلاثة مواقف.
الأكثر انتشارا هو الحل الذي يتحدث عن “شعبين، في دولتين”. دولة يهودية وأخرى فلسطينية، وهذا الحل يصب بنفس اتجاه قرار الأمم المتحدة لعام 1947 الذي قسم الأراضي الفلسطينية وأنشأ “إسرائيل”. منذ اتفاقيات أوسلو تعرض الفلسطينيون لضغوط كبير للقبول بهذا الحل. إن خيانة منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، سمحت بخلق “مخلوق” يدعى السلطة الفلسطينية التي شرعت “إسرائيل” وطرحت استحالة مهمة إنشاء “دولة فلسطين” القابلة للحياة على قاعدة نظام العزل الذي يهيمن عليه اقتصاديا وعسكريا من قبل قامع عنصري. في هذه الأيام، يوصف هذا الوضع بشكل صحيح المثقف الفلسطيني إدوارد سعيد بقوله “إدارة فيشي العميلة تحت سيطرة النازيين في فرنسا” خلال الحرب العالمية الثانية. هذه المواضع البديلة للدولة العنصرية، السرطان، بالقرب من السكان المضطهدين، بهيمنة واضحة من قبل الكيان الصهيوني.
بعد أكثر من 15 عاما على تطبيق اتفاقيات أوسلو وملاحظة الإخفاق التام لهذه السياسة كونها حلا واعيا، بعض أجنحة اليسار التي تؤيد هذه الاتفاقية يتصورون بأنها غير قابلة للحياة لأن “إسرائيل” تقضم شيئا فشيئا الأراضي وتدفع المزيد من الفلسطينيين إلى تركها أو تقمعهم في أراضيهم. إن جدار العار، الذي يبلع أكثر من نصف أراضي الضفة الغربية ومصادر المياه في هذه “الدولة الفلسطينية المجهرية” التي سمحت بها اتفاقيات اوسلو يجعل منها غير قابلة للحياة أبدا. الدولة الصهيونية ترفض الانسحاب من الأراضي المحتلة في العام 1967 أو منح أي شكل من الاستقلالية الحقيقية للفلسطينيين.
الاقتراح الثاني يتمثل ببناء “دولة لأمتين” ذات طابع فيدرالي كما في حالة بلجيكا. هذا الموقف منسي فعليا في هذه الأيام ولكنه طرح في وقته من قبل بعض الاتجاهات اليسارية الصهيونية، مثل هاشومر هاتزير. بصرف النظر عن نفس المشاكل التي تعصف “بحل الدولتين” هناك كتلة إضافية أخرى: الصهيونية لن تسمح أبدا بمنح حقوق المواطنة للفلسطينيين بسبب خوفها من “التهديد الديموغرافي” واندماجهم مع أكثر من ثلاثة ملايين “غير يهودي”.
الحل الواقعي الوحيد: تدمير “دولة إسرائيل”
نعود إلى نفس المسألة الموضوعة على الأجندة: لن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط بدون حل واقعي في فلسطين وما لم يتم هزيمة وتدمير “دولة إسرائيل” بشكل كامل. أي: لن يكون هناك أي حل ما لم يتم اقتلاع السرطان الإمبريالي بشكل نهائي. أي حل آخر يعني استمرار السرطان بالحياة وتواصل أعمال القتل والتدمير.
بما يتفق مع ما قمنا بتحليله في مقال آخر، هذه المهمة التاريخية، مساوية لما تم فعله أثناء تدمير الدولة الألمانية النازية أو نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وهذا على أجندة اليوم بعد ما تم وضعه على الأجندة كأمر ممكن في هذه الأيام، بعد هزيمة القوات الصهيونية في لبنان بقدر ما يتطور النضال السياسي والعسكري ويتوحد ليس فقط بالنسبة للشعب الفلسطيني وإنما أيضا للعرب والمسلمين.
نتمنى أن يتطور جانب أخر من النقاش بين قوى اليسار في كل أنحاء العالم: ما هي الأعمال التي من الضروري القيام بها للوصول إلى تدمير “إسرائيل”؟ نطالب، في هذا الصراع، أن يتم توجيه كل الضربات إلى الدولة الصهيونية والجيش والقيام بأي عمل يتسبب بإحساس الخوف وعدم الأمان لدى سكان هذه المقاطعة. نعتقد أن هذا إيجابي للغاية. إن النضال ضد الاغتصاب الاستعماري دائما كان صعبا للغاية. على سبيل المثال، استقلال الجزائر أخذ سنوات طويلة من الأعمال الثورية والعسكرية وحملات من الدعم الأممي ليس فقط من أجل هزيمة فرنسا وإنما المجموعات الفاشية مثل منظمة الجيش السري، وقوى المستوطنين الإمبرياليين الفرنسيين لإجبارهم على ترك المزارع في ذلك البلد.
المسألة تأخذ أبعادا أعمق في حالة “إسرائيل”. بسبب طبيعتها كـ “دولة شرطي”، وبمقرها العام في تل أبيب، كافة الهيكليات الاجتماعية تعتبر جزءا من الماكينة العسكرية: الكيبوتز (أو المزارع اليهودية) هي عبارة عن قلاع مسلحة للمستوطنين وعلى هذا الشكل تبنى المدن “الإسرائيلية”. ولهذا يعتبر ضرب المستوطنات والمدن أمر شرعي وضروري في حرب التحرر الوطني. هذه الضربات الصاروخية وفيما بعد العمل على تثبيط عزيمة سكان المقاطعة تساعد في تحقيق هدف تدمير دولة التطهير العرقي. ما لم نقدم الدعم وندافع عن هذه الأعمال، سنقع في سياسة التوسط الخاطئة التي تتبعها بعض المنظمات مثل منظمة العدل الدولية، التي تدين كلا الطرفين بارتكاب “جرائم حرب”، وتساوي بين اعتداءات الدولة الصهيونية وأفعال المقاومة اللبنانية، بنفس الطريقة التي تقوم بها الأمم المتحدة، وهي أداة إمبريالية، بقراراتها ومواقفها.
نحن ندعم تدمير “دولة إسرائيل” والذي سيسمح باستعادة أراضي فلسطين التاريخية وإقامة دولة علمانية وديمقراطية وغير عنصرية في فلسطين، وهو مطلب منظمة التحرير الفلسطينية في سبعينات القرن الماضي. في فلسطين هذه، بدون جدار وبدون معسكرات الاعتقال، سيكون من الممكن عودة ملايين العمال، المبعدين حاليا عن أراضيهم، واستعادة جميع الحقوق المتعلقة بالمقموعين والمضطهدين. كما سيكون ممكنا أن يعيش جميع اليهود الراغبين في العيش بسلام ومساواة في تلك الدولة. لهذا ندعو جميع العمال واليهود للانضمام إلى النضال ضد “دولة إسرائيل” البوليسية والعنصرية. يجب علينا أن نكون واعين بأن هناك أقلية صغيرة جدا من المحتمل أن توافق على هذا الاقتراح في “إسرائيل”، بسبب طبيعة هذا الشعب، وبما أن الغالبية الساحقة سوف تدافع بشكل مؤكد عن “دولتهم” ومزاياهم، وردا على ذلك، سوف نقاتلهم حتى النهاية.
ابتزاز معاداة السامية
تستخدم الصهيونية دائما ذكرى المذبحة النازية في معادة السامية والتي أنتجتها للدفاع عن سياستها. حجتها كانت تتجلى بأنه فقط إنشاء ووجود “إسرائيل” يمكن أن يضمن الجنة لليهود الملاحقين، وفي نفس الوقت، الأمان لجميع اليهود على الأرض. انطلاقا من هذه الفكرة، قاموا بمطابقة مفهومي “اليهودية” و “الصهيونية” وبناء عليه أي شخص ينتقد “إسرائيل” والصهيونية يتم اتهامه بشكل فوري “بمعاداة السامية”.
هذه الحجة الزائفة والريائية تخفي ورائها سخرية القدر والتي تتمثل بأن يهود اليوم من “إسرائيل”، العديد منهم أحفاد اليهود الذين تم ملاحقتهم من قبل النازية الألمانية، لا يمثلون ويطبقون منهجية غير إنسانية فحسب وإنما أمسوا “أكبر مصنع لفيروس معاداة السامية” حسب تعبير الناشط أوري أفنيري.
من جانب آخر، تظهر دراسة حول تاريخ الصهيونية، في أيام النازية، بأن الصهيونية كانت شريكة في المحرقة ولم تفعل أي شيء لإنقاذ اليهود في غرب أوروبا وذلك خدمة للهدف الرئيسي: إقامة “دولة اليهود” بأية وسيلة.
في نفس الوقت، من الضروري التأكيد على أن معاداة السامية، على الرغم من استمرارية وجودها، لم تعد الظاهرة الأكبر للعنصرية والتمييز في العالم. العديد من اليهود اليوم مندمجون في مجتمعاتهم حتى أن بعضهم يشكل جزءا من الطبقات الحاكمة. في الدول الإمبريالية، تستهدف عمليات التمييز والعنصرية السود والمهاجرين: العرب والمسلمين واللاتينيين والأفارقة. على سبيل المثال، وفي وقتنا هذا، ليس الهدف الرئيسي للنازيين الألمان اليهود وإنما المهاجرين الأتراك.
من خلال هذا التحليل، نستنكر أية ممارسات أو أعمال معادية للسامية وندين أي هجوم ضد اليهود فقط لمجرد أنهم يهود. وفي حال وقوع أي نوع من هذه الأعمال، في الأرجنتين أو روسيا، على سبيل المثال، لا نشك بأن علينا الرد على كل هذا من خلال التعبئة العامة لمنع وقوعها.
ولكن هذا الموقف المبدئي لا يمكن أن يقودنا إلى نسيان أن “معادي السامية”، حسب الصهيونية، هو أي شخص يعارض الطابع العنصري والتطهيري في “دولة إسرائيل”، “إسرائيل” هي نازية هذه الأيام.