✍🏾 فابيو بوسكو
في الفترة من 14 إلى 16 تموز، اجتاحت قوات الأمن التابعة للحكومة المؤقتة بقيادة أحمد الشرع محافظة السويداء بذريعة إنهاء الصراع بين الدروز والبدو، إلا أن هدفها الحقيقي كان السيطرة على المحافظة بأكملها.
وسط معارك دامية بين قوات الأمن والميليشيات الدرزية، ارتُكبت سلسلة من المجازر الجبانة بحق مدنيين عُزّل. وثّقت منظمة العفو الدولية إعدام 48 مدنيا درزيا أعزل على يد قوات الأمن التابعة للحكومة المؤقتة. والعدد بالتأكيد أعلى من ذلك بكثير. (1)
في أعقاب المجزرة، أعلن الرئيس المؤقت أحمد الشرع نتائج التحقيق في مجزرة أخرى وقعت على الساحل في شهر آذار. وأقرّ تقرير لجنة التحقيق الوطنية التي عيّنها بوقوع مجزرة بحق مدنيين عُزّل، لكنه لم يُحدّد هوية أيٍّ من عناصر قوات الأمن أو الميليشيات المتحالفة مع الحكومة، وهي حقيقة انتقدتها منظمات حقوق الإنسان.
في هذه المجازر، ارتكبت جميع الميليشيات المسلحة وقوات الأمن انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان. لكن المحاسبة يجب أن تبدأ بقوات الأمن الحكومية، فهي لا تتقاضى رواتب من الدولة لإعدام عُزّل! يجب اعتقال أي فرد من قوات الأمن متورط في إعدام عُزّل ومحاكمته فورا على جرائمه. إن السماح بهذه الجرائم يمثل عودةً إلى ممارسات ديكتاتورية الأسد.
تُظهر المجازر في الساحل والسويداء، والهجمات الطائفية في جرمانا وصحنايا، واختطاف ما لا يقل عن 16 امرأة علوية، والتي وثقتها منظمات حقوق الإنسان، أن الحكومة المؤقتة بقيادة الشرع تُواصل السياسات الطائفية للنظام السابق. ادّعى الأسد “حماية الأقليات” بينما فرض ديكتاتورية دموية على جميع السكان. والآن، يُقدّم أحمد الشرع نفسه ممثلًا وحاميا للأغلبية السنية، بينما تتورط قواته الأمنية في مجازر في الساحل والسويداء.
واحد، واحد، واحد، الشعب السوري واحد!
إن تأجيج الانقسام الطائفي يتعارض مع أحد أهم شعارات الثورة السورية: الشعب السوري واحد! علاوة على ذلك، تُمهّد هذه الممارسات الطائفية الطريق لتقسيم سوريا. عززت مجزرة السويداء سياسات الشيخ حكمت الهجري وعلاقاته بالطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة والكيان الصهيوني. كما زادت هذه المجزرة من انعدام الثقة لدى السكان الأكراد بأنهم قد يصبحون الهدف التالي.
بالإضافة إلى بثّ سموم الطائفية، تبنّت الحكومة المؤقتة الجديدة سياسات اقتصادية نيوليبرالية، مثل فصل آلاف الموظفين الحكوميين، وفتح السوق أمام رأس المال الأجنبي، والخصخصة، مما يعيق تحسين الظروف المعيشية لغالبية السكان.
كما باشرت الحكومة الجديدة علاقات تبعية مع القوى الدولية الكبرى (الولايات المتحدة، أوروبا، الصين، وروسيا) والقوى الإقليمية (تركيا، دول الخليج، وإسرائيل)، مما يقوّض سيادة البلاد.
إن غياب العدالة الانتقالية لمعاقبة المسؤولين عن جرائم نظام الأسد الدكتاتوري يُمثل قضية حرجة أخرى.
وأخيرا، يُشير عدم تشريع الأحزاب السياسية وإجراء انتخابات حرة إلى تشكّل نظام استبدادي. في أيلول الحالي، ستُجرى انتخاباتٌ غير مباشرة لشغل 140 مقعدا في مجلس الشعب، بينما سيُعيّن الرئيس المؤقت 70 مقعدا آخر مباشرة. بمعنى آخر، تهدف هذه الانتخابات غير المباشرة فقط إلى الحفاظ على سيطرة الرئيس المؤقت على المجلس، ولا تهدف إلى ضمان الحقوق الديمقراطية للشعب في تقرير مستقبله.
الشعب يريد الحرية والخبز والعدالة الاجتماعية.
لا يزال الشعب السوري الكادح يتمسك بمطالب الثورة. ووفقا لاستطلاع الرأي العام “المؤشر العربي 2025″، يعتقد 61% من السوريين أن الديمقراطية هي أفضل نظام حكم، و85% يدينون الطائفية، و74% يعارضون تطبيع العلاقات مع دولة إسرائيل، معتبرين أنها كيان استعماري وتوسعي وعنصري، وتحتل الجولان بشكل غير قانوني، وتنتهك حقوق الفلسطينيين. (3)
وتجلّت كراهية إسرائيل من خلال تجمع ضم عشرات الآلاف من السوريين في مدينة حماة في 30 آب الماضي، حيث استُقبل الرئيس المؤقت وسط هتافات ضد العدو الصهيوني. (4)
وتؤكد بيانات أخرى من الاستطلاع وجود حريات ديمقراطية لم تكن موجودة في عهد نظام الأسد. يستخدم أكثر من 70% من السوريين وسائل التواصل الاجتماعي لمناقشة السياسة، معتقدين أن لديهم الحرية حتى في انتقاد الحكومة. من ناحية أخرى، ينتقدون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الخطاب الطائفي والأخبار الكاذبة.
ومع ذلك، تتجلى نتائج السياسات الطائفية للحكومة المؤقتة في ردود أفعالها تجاه مستقبل سوريا. يرى 56% من السوريين أن البلاد تسير على الطريق الصحيح بفضل سقوط الأسد، والإفراج عن 8000 سجين سياسي، وتحسن الوضع الأمني، وجهود تحقيق الاستقرار، ورفع العقوبات الاقتصادية. في المقابل، يرى 25% أن البلاد تسير على الطريق الخطأ، ويعود ذلك بلا شك إلى المجازر والمناخ السياسي الطائفي السائد.
الشرع ليس حليفا للطبقة العاملة في نضالها من أجل الحرية والخبز والعدالة الاجتماعية.
في شهر تموز الماضي، شهدت دمشق تظاهرة شارك فيها خمسون شخصا احتجاجا على مجازر السويداء. وشارك الناشط والكاتب روبين ياسين كساب في التظاهرة، وأفاد بأن عشرين شخصا مسلحين بالهراوات هاجموا المتظاهرين، ولم يتدخل أحد من عناصر الأمن، الذين اتهموا الناشطين بأنهم “صهاينة”.
إن اتهامهم الكاذب بالصهيونية هو نفسه الاتهام الذي كانت تستخدمه ديكتاتورية الأسد لاعتقال وتعذيب وقتل المعارضين السياسيين.
الطبقة الاجتماعية الوحيدة القادرة على منع المزيد من المجازر الطائفية ومنع تقسيم سوريا وتحويلها إلى نظام استبدادي هي الطبقة العاملة، المنظمة بشكل غير طائفي ومستقل عن الحكومة والرأسماليين.
أفضل مثال على التنظيم الذاتي الشعبي المستقل هو منظمات عائلات وأصدقاء المخفيين سياسيا، مثل “عائلات من أجل الحرية” و”رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا”. تناضل هذه المنظمات من أجل التحقيق في اختفاء 177 ألف شخص في عهد نظام الأسد، ومعاقبة المسؤولين.
من الضروري دعم وتعزيز منظمات حقوق الإنسان هذه، بالإضافة إلى النقابات العمالية، وجمعيات الأحياء، ومنظمات حقوق المرأة، وغيرها.
ومن الأمثلة الأخرى على التنظيم الذاتي العفوي ما تشهده بعض قرى محافظتي القنيطرة ودرعا للدفاع عن نفسها ضد العدوان الإسرائيلي. يجب دعم هذا التنظيم الذاتي، وعلى الحكومة المؤقتة الالتزام بتوفير وسائل دفاع السكان عن أنفسهم.
وأخيرا، من الضروري النضال من أجل إجراء انتخابات حرة للجمعية التأسيسية، ومن أجل إضفاء الشرعية الفورية على الأحزاب السياسية، وتشكيل حزب عمالي يعارض السياسات الطائفية والاستبدادية والنيوليبرالية لحكومة أحمد الشرع، ويستعيد مبادئ الثورة السورية.