الثلاثاء يونيو 17, 2025
الثلاثاء, يونيو 17, 2025

نحن ندين الهجوم الإسرائيلي على إيران وندعم الهجوم الإيراني المضاد

الشرق الأوسط وشمال أفريقيانحن ندين الهجوم الإسرائيلي على إيران وندعم الهجوم الإيراني المضاد

قام الجيش الإسرائيلي بشن غارة جوية على الأراضي الإيرانية، استخدم فيها 200 طائرة مقاتلة أطلقت صواريخها لتدمير قواعد عسكرية، ومحطات نووية، ومساكن مدنية. وقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن ثلاثة من كبار الجنرالات الإيرانيين، وأربعة علماء نوويين تمت تصفيتهم[1]. ومن جهتها، توعدت الحكومة الإيرانية “برد صارم”[2]، وقد هشنت بالفعل هجوما صاروخيا عن بعد على تل أبيب، وأصابت بعض الأهداف العسكرية[3].

لماذا شنت حكومة نتنياهو هذه الهجمة؟

وما هي درجة الرد الإيراني؟ وكيف نحلل هذه الأحداث في ظل تصاعد الصراعات في الشرق الأوسط؟
للإجابة على هذا التساؤل، لا بد من تسليط الضوء على المواجهة بين إسرائيل وإيران في سياق الوضع الإقليمي والدولي الذي خلقه الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة إثر اقترافه للإبادة الجماعية.
لنبدأ بإيران، التي يحكمها حالياً نظام ديني، وهو نظام آيات الله. لقد تم تأسيس هذا النظام بعد الثورة الكبرى التي أطاحت بالنظام الملكي للشاه محمد رضا بهلوي، دمية الإمبريالية الأمريكية. وقد عززت هذه الثورة الديمقراطية العظيمة ديناميكية استيلاء الطبقة العاملة على السلطة، ما فتح المجال أمام إمكانية الاستمرار نحو ثورة اشتراكية[4].
لكن، للحيلولة دون حدوث هذا، عاد روح الله الخميني (زعيم الطائفة الشيعية، الذي نفاه الشاه) إلى البلاد. وبفضل النفوذ الذي يتمتع به هذا الزعيم الديني، استطاع بداية إخماد الثورة، وتدمير منظماتها، إلى أن تمكن من هزيمتها. ومن ثم تم تأسيس “الجمهورية الإسلامية”، التي تعبر عن نظام برجوازي ديكتاتوري يهدف إلى إثراء كبار رجال الدين الشيعة، والقطاعات المرتبطة بهم، عبر السيطرة على الدولة ومواردها.
هذا النظام لا يضمن فقط الإفراط في استغلال العمال، عبر القمع المفرط، بل يضطهد أيضاً النساء والأقليات العرقية، كالأكراد على سبيل المثال. ولهذا السبب واجه في السنوات الأخيرة العديد من الإضطرابات والتمردات، التي رد عليها بالقمع الشديد، بل وبأحكام الإعدام[5]. باختصار، هذا النظام يترنح فوق بركان نشط.

ماهية اللعبة على الساحة الدولية

رغم كل هذا، حافظ هذا النظام على درجة كبيرة من الاستقلالية فيما يتعلق بعلاقته بالإمبريالية اليانكية، وتمسك بخطابه المناهض للإمبريالية. لكن في ذات الوقت، كان يطمح إلى الاعتراف بإيران كقوة إقليمية ذات نفوذ. ولتحقيق هذه الغاية، اعتمد على الإمبرياليتين الصينية والروسية، لكن الصين سمحت للولايات المتحدة فرض الحصار الاقتصادي الإمبريالي على خلفية المسألة النووية، رغم أنها أكبر شريك تجاري لإيران. كما أن طهران تتمتع بتحالف اقتصادي وسياسي وعسكري مع الإمبريالية الروسية، لكنها لا تتمتع بتحالف الدفاع المشترك. واليوم، انتقدت الصين وروسيا، في أروقة الأمم المتحدة، الهجموم الإسرائيلي الذي دعمته الولايات المتحدة.
في المقابل، لدى الإمبريالية الأميركية “عمل غير منجز” مع النظام الإيراني، الذي تعتبره “عدواً يجب محاربته”. وبالتالي، تستمر محاولات مراقبة وتقييد تطوير برنامجه النووي، وتطبيق العقوبات التجارية لتحقيق هذه الغاية.[6]
وفي سعيها إلى لعب دور دولي في المنطقة، وضعت إيران نفسها، في بعض الحالات، على الجانب المضاد للنضال الجماهيري الثوري، فعلى سبيل المثال، تعاونت مع الإمبريالية الأمريكية لتحقيق الاستقرار في العراق إلى حدد ما، تلك الدولة التي تفتتت إثر الهزيمة العسكرية على يد إدارة بوش عام 2003. وخلال الحرب الأهلية السورية، كان الجنود الإيرانيون جزءاً من القوات العسكرية التي دعمت دكتاتورية بشار الأسد ضد “المتمردين”، إلى جانب المقاتلين الروس الذين أرسلهم بوتين.
لكن إيران، كانت تقف “في الخندق النضالي الصحيح.. فهي إحدى الدول الإسلامية التي لم تعترف بدولة إسرائيل، والتي حافظت على موقفها الداعم للنضال الفلسطيني. كما أنها زودت حزب الله بالأسلحة التي تمكن من خلالها من دحر الغزو الإسرائيلي مرتين. وفي الآونة الأخيرة، اتُهم النظام الإيراني بتزويد الحوثيين اليمنيين الذين يقاتلون ضد المملكة العربية السعودية، ويهاجمون السفن الإسرائيلية التي تبحر في بحر العرب وخليج عدن بالأسلحة سراً[7].
هذا الدعم محدود. خلال احتلال غزة، لم تقدم إيران أي دعم عسكري ملموس للفلسطينيين. واكتفت صراحة بالرد على الهجمات الإسرائيلية على أراضيها.
ولهذا السبب اعتبرت الحكومات الصهيونية إيران دائما “عدوا خطيرا” يجب هزيمته. طوال هذه السنوات، زعمت الحكومات الإسرائيلية أن قواتها المسلحة قادرة على تدمير التنمية الإيرانية ومعظم بنيتها التحتية العسكرية، وطلبت الدعم من الإمبريالية الأمريكية للقيام بذلك. إلا أن هذه الإمبريالية صرحت على لسان ترامب نفسه قبل أيام قليلة بالقول “إننا نقترب من اتفاق مع النظام الإيراني، والهجوم الإسرائيلي سيفسده”[8].

معضلة نتنياهو

رغم موقف “الأخ الأكبر”، قررت حكومة بنيامين نتنياهو شن الهجوم على إيران. لكن لماذا فعلت ذلك؟ عدة عوامل تضافرت لتضع حكومته على مفترق طرق.
أولاً، الصعوبة البالغة في تحقيق أهداف غزو قطاع غزة: “إبادة حماس”، وطرد مليون فلسطيني إلى مصر، وضم الجزء الشمالي من القطاع إلى دولة إسرائيل. وعلى الرغم من أساليب الإبادة الجماعية المستخدمة، ووقوع الآلاف من الضحايا، والمعاناة الرهيبة التي لحقت بالفلسطينيين في غزة، إلا أن نتنياهو لم يحقق “نصراً نهائياً” ولم يثبت حكمه على غزة، بسبب للمقاومة البطولية للشعب الفلسطيني الذي يرفض التخلي عن أرضه. وهذا الوضع يعترف به حتى أكثر المحللين الصهاينة صراحة، مثل ماريو سنايدر، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس، والذي يعتقد أن “نتنياهو فشل في تحقيق أي من الأهداف التي بررت التدخل العسكري المكثف للغاية في غزة”[9].
وفي الوقت نفسه، رسخ هذا الغزو الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي، والذي تجلى بالفعل في المظاهرات الحاشدة ضد الإصلاح القضائي الذي كان نتنياهو يروج له في عام 2023[10]، والتي شاركت فيها شريحة كبيرة من الإسرائيليين (رجال أعمال وموظفين) في شركات الأمن الخاصة، والبرمجيات والأنظمة، والأدوية والأغذية، التي تصدر مليارات الدولارات، وتسعى إلى استقطاب الاستثمارات الإمبريالية.
وقد أدى غزو غزة إلى زيادة تأثير حملة المقاطعة، ما أدى إلى أزمة اقتصادية حادة في دولة إسرائيل، ورحيل العديد من الشركات والمهنيين[11]. إن هذا القطاع من المجتمع الإسرائيلي يريد إنهاء “الحرب الدائمة”، وقد حشد (مع قطاعات أخرى) للمطالبة بأن توقف حكومة نتنياهو غزو غزة وتفتح الباب للمفاوضات مع الفلسطينيين[12]. كما اندلعت أزمة أخرى في أوساط جنود الاحتياط، الذين يرفضون الانضمام إلى الجيش، لأنهم لا يريدون العودة إلى غزة[13].
ونتيجة لهذه المعارضة ومطالب أخرى (مثل إنهاء الإعفاء من الخدمة العسكرية الإلزامية لزعماء اليهود المتشددين دينياً)، تشهد حكومة نتنياهو أزمة سياسية، وليس من المستبعد أن تسقط إذا خسرت أغلبيتها البرلمانية[14].
والآن دعونا ننتقل إلى مسألة العزلة الدولية التي تعاني منها دولة إسرائيل. لقد أجبرت التعبئة الجماهيرية الواسعة المناهضة لغزو غزة، والمتضامنة مع الفلسطينيين، سواء في الولايات المتحدة، أو في الدول الإمبريالية الأوروبية الداعمة للدولة الصهيونية دون قيد أو شرط، حكوماتها على انتقاد غزو غزة[15]، وبالاشتراك مع حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، أجبروا بعض الدول على عدم الاستثمار في دولة إسرائيل، أو شراء منتجاتها. حتى يائير جولان، وهو جنرال إسرائيلي رفيع المستوى سابق، صرح بأن “إسرائيل في طريقها إلى أن تصبح دولة منبوذة، كما كانت جنوب أفريقيا في السابق”.[16]

أسطول المسيرة إلى غزة

وتعبيراً عن هذه الإدانة للإبادة الجماعية في غزة والتضامن مع الشعب الفلسطيني، نظمت شخصيات من عدة دول، مثل الناشطة السويدية جريتا ثونبرج، أسطول الحرية، وهو قارب حاول الوصول إلى غزة عبر البحر الأبيض المتوسط، لكسر الحصار الذي تفرضه الدولة الصهيونية، وتسليم الغذاء والدواء للسكان. وهددت القوات الإسرائيلية السفينة بطائرات بدون طيار، وحاصرتها، وهاجمتها بالأسلحة الكيميائية، واختطفت واحتجزت عدداً من أعضائها في إسرائيل، بمن فيهم الناشط البرازيلي تياجو أفيلا[17]. وقد تم إطلاق سراح معظمهم وترحيلهم، باستثناء ناشطين فرنسيين اثنين وناشط هولندي واحد، الذين لم يتم ترحيلهم ولم يُسمح لهم بتلقي زيارات من محاميهم، ويزعم أن ذلك يرجع إلى “إغلاق المطارات الإسرائيلية” في ظل التطورات مع إيران[18].
وبالتوازي مع أسطول الحرية، تم تنظيم مسيرة عالمية إلى غزة بمشاركة قافلة من آلاف الناشطين من الدول العربية في شمال أفريقيا، مثل المغرب والجزائر وليبيا وتونس. وتوجهوا سيرًا على الأقدام وباستخدام المركبات نحو مصر لعبور البلاد، ودخول شبه جزيرة سيناء، والوصول إلى معبر رفح (الذي يربط غزة بمصر)، وبالتالي كسر الحصار في جنوب القطاع[19]. وقد انضم نشطاء من عدة دول حول العالم إلى هذه المسيرة، ومن بينهم الناشط في الرابطة الأممية للعمال فابيو بوسكو. وفي هذه الحالة، أوكلت الدولة الصهيونية مهمة وقف المسيرة إلى النظام المصري، والذي يعد شريكا للصهيونية والإمبريالية منذ اتفاقيات كامب ديفيد (1978)[20]. وقد نجح النظام المصري في تحقيق هذه المهمة، إذ أوقف المسيرة عند نقطة تفتيش الدخول إلى سيناء، وأجبرها على العودة إلى القاهرة.

الهجوم على إيران

في سياق الأزمة الحادة، وفي مواجهة العزلة الدولية والأزمة الاقتصادية والسياسية الداخلية، قرر نتنياهو “اللجوء إلى معركة عسكرية” (كما فعل خلال غزو غزة)، أي مهاجمة إيران تحت ظل الدعوة إلى “الوحدة الوطنية” و”توحيد الصفوف” حول حكومته، لمحاربة العدو المشترك. وسنعرف إلى أي مدى نجح في القيام بذلك في الأيام المقبلة.
وفي الوقت الذي كتبت فيه هذه المقالة، أفادت وسائل الإعلام بوقوع هجوم إيراني ثان، تمكن، رغم “الدرع الصاروخي” الذي نشرته الدولة الصهيونية، بمساعدة التكنولوجيا والاستخبارات الأميركية، من اختراق الدفاعات الصهيونية، وضرب بعض الأهداف. ومن ثم، لجأ نتنياهو ووزير دفاعه إلى الاختباء في الملاجئ.
وفيما يتعلق بالموضوع الرئيسي لهذه المقالة، فإننا ندين هذا العدوان الجديد الذي تشنه الدولة الصهيونية ضد إيران، وندعم هجومها المضاد على الأراضي الإسرائيلية. إننا نتخذ هذا الموقف كونه تعبيرا عن نضال الشعوب العربية والإسلامية ضد الجيب العسكري الإمبريالي المتمثل بدولة إسرائيل، والذي لا يمكن ضمان بقائه إلا من خلال العدوان العسكري والهجمات الدائمة.
فيما يتعلق بهذا الصراع، إننا نقف إلى جانب إيران ضد الدولة الصهيونية. وفي الوقت نفسه، نحافظ على استقلالنا السياسي الكامل عن هذه الدكتاتورية البرجوازية.
لكن يتوجب على إيران أن تتجه إلى حرب شاملة مع إسرائيل، ولا بد وأن يقترن هذا بتقدم الثورة في دول المنطقة، مع ربيع عربي جديد يتيح دمج الجماهير العربية والإسلامية التي تدعم الفلسطينيين في النضال ضد دولة إسرائيل. لا بد من ثورة “تتجاوز” حكومات الأردن ومصر وسورية.


[1] https://www.ambito.com/mundo/israel-descabezo-la-cupula-militar-iran-quienes-son-generales-y-cientificos-asesinados-n6156285

[2] https://www.aljazeera.com/news/liveblog/2025/6/13/live-explosions-reported-in-iran-amid-israel-tensions

[3] https://www.nytimes.com/live/2025/06/12/world/israel-iran-us-nuclear

[4] https://litci.org/ar/iran-despite-bani-sadr-the-irani-revolution-continues-1980/?utm_source=copylink&utm_medium=browser

[5] https://litci.org/es/repudiamos-los-fusilamientos-en-iran/?utm_source=copylink&utm_medium=browser

[6] عقوبات ترامب على إيران – رابطة العمال الدولية، الدوري الدولي للعمال

[7] كيف تُسلّح إيران الحوثيين في اليمن

[8] طلب دونالد ترامب من إسرائيل مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية: “نحن على وشك الخسارة، نحن على وشك الخسارة” – Infobae

[9] https://www.lanacion.com.ar/el-mundo/netanyahu-bajo-asedio-presion-de-los-familiares-por-los-rehenes-una-ofensiva-empantanada-y-reclamos-nid03022024/

[10] https://litci.org/es/israel-a-netanyahu-se-le-complica-todo/?utm_source=copylink&utm_medium=browser

[11] https://litci.org/es/crisis-economica-en-el-estado-de-israel/?utm_source=copylink&utm_medium=browser

[12] https://www.bbc.com/mundo/articles/cgeg48xn488o

[13] https://cnnespanol.cnn.com/2024/10/25/israeli-reservists-letter-rechazan-pelear-gaza-libano-trax/

[14] https://www.france24.com/es/medio-oriente/20250604-israel-partidos-ultraortodoxos-abandonar%C3%A1n-a-netanyahu-si-no-logra-una-ley-de-excepci%C3%B3n-militar

[15] https://www.youtube.com/watch?v=LZ2mxwxnxW4

[16] https://www.lanacion.com.ar/el-mundo/israel-se-esta-convirtiendo-en-un-estado-paria-nid21052025/

[17] https://litci.org/es/liberen-la-flotilla-de-la-libertad/?utm_source=copylink&utm_medium=browser

[18] https://www.swissinfo.ch/spa/لا يمكن ترحيل نشطاء الأسطول الثلاثة من إسرائيل بسبب التصعيد/89512446

[19] https://litci.org/en/المسيرة-العالمية-   والقافلة-ضد-الإبادة-الجنسية-تتجه-إلى-غزة-التضامن-مع-فلسطين-تنمو-في-جميع-العالم/?utm_source=copylink&utm_medium=browser

[20] https://litci.org/es/egipto-el-impacto-de-la-situacion-en-gaza/?utm_source=copylink&utm_medium=browser

ترجمة تامر خرمه
مراجعة فيكتوريوس بيان شمس

Check out our other content

Check out other tags:

Most Popular Articles