المهام الرئيسية للأممية الشيوعية
1- تتميز اللحظة الحالية من تطور الحركة الشيوعية العالمية بواقع أن أفضل ممثلي الحركة البروليتارية في جميع البلدان الرأسمالية قد فهموا جيدا المبادئ الأساسية للأممية الشيوعية، أي، ديكتاتورية البروليتاريا وحكومة السوفيتات، ووقفوا إلى جانبها بتفان مفعم بالحماس. وما هو أكثر أهمية أيضا واقع أن أوسع الجماهير البروليتارية في المدن، والشغيلة المتقدمين في الأرياف، قد أظهروا تعاطفهم دون تحفظ مع هذه المبادئ الأساسية. وهذه خطوة كبيرة إلى الأمام.
من جهة ثانية، يمكننا ملاحظة خطأين أو نقطتي ضعف في الحركة الشيوعية العالمية التي تنمو بسرعة خارقة. إحداهما خطيرة جدا وتشكل خطرا كبيرا مباشرا على قضية تحرر البروليتاريا، وتتمثل في أن بعض الزعماء القدامى وبعض أحزاب الأممية الثانية القديمة يعلنون، بشكل غير واع تحت ضغط الجماهير، أو بشكل واع، انتسابهم المشروط أو غير المشروط إلى الأممية الثالثة، بالرغم من بقائهم، في الواقع، في كل نشاطهم العملي اليومي عند مستوى الأممية الثانية، وهم إنما يخدعون هذه الجماهير ليحافظوا على وضعهم القديم كعملاء للبرجوازية ومساعدين لها داخل الحركة العمالية. هذا الوضع لا يمكن القبول به إطلاقا. فهو يدخل بين الجماهير عنصر إفساد، ويمنع تشكّل حزب شيوعي قوي أو تطوره، ويضع الاحترام المفروض أن تحوزه الأممية الثالثة موضع تشكيك، إذ يهدد بتجدد الخيانات المماثلة لخيانات الاشتراكيين – الديموقراطيين المجريين الذين تنكروا على عجل بثياب الشيوعيين. وثمة خطأ آخر أقل أهمية بكثير، هو بالأحرى من أمراض نمو الحركة، وهو الميل «إلى اليسار»، الذي يؤدي إلى تقويم خاطئ لدور الحزب ومهمته تجاه الطبقة العاملة والجماهير، ولواجب الشيوعيين الثوريين المتمثل بالنضال في البرلمان البرجوازي والنقابات الرجعية.
من واجب الشيوعيين ألاّ يسكتوا عن نقاط الضعف في حركتهم، بل أن ينتقدوها علنا من أجل التخلص منها بشكل سريع وجذري. وللوصول إلى هذا الهدف، هناك أهمية في البداية لتحديد مضمون مفهومي ديكتاتورية البروليتاريا وسلطة السوفيتات، وذلك تبعا لتجربتنا العملية. وثانيا تحديد على أي شيء يمكن أن يقوم العمل التحضيري، المباشر والمنظم في جميع البلدان، من أجل تحقيق هذه الشعارات. وثالثا، تحديد الطرق والوسائل التي تسمح لنا بتخليص حركتنا من نقاط الضعف هذه.
أ- جوهر ديكتاتورية البروليتاريا وسلطة السوفيتات
2- إن انتصار الاشتراكية (المرحلة الأولى من الشيوعية) على الرأسمالية يتطلب أن تنجز البروليتاريا، الطبقة الوحيدة الثورية حقا، المهام الثلاث التالية:
تقوم الأولى على إطاحة المستغِلين وبالدرجة الأولى البرجوازية، ممثلتهم الاقتصادية والسياسية الأساسية، والمقصود أن تلحق بهم هزيمة كاملة، وأن تحطم مقاومتهم، وتجعل كل محاولة من جانبهم لإحياء الرأسمال والعبودية المأجورة مستحيلة. وتقوم المهمة الثانية على جعل كل جمهور الشغيلة الذين يستغلهم الرأسمال، وليس البروليتاريا فقط، يجرون في أثر طليعة البروليتاريا الثورية وحزبها الشيوعي، وتوعيتهم وتنظيمهم وتربيتهم وجعلهم منضبطين حتى خلال النضال الشرس والقاسي ضد المستغلين – وأن يتم انتزاع الأغلبية الساحقة من السكان في جميع البلدان الرأسمالية من البرجوازية، وإعطاؤهم الثقة، عمليا، بالدور القيادي للبروليتاريا وطليعتها الثورية – وتقوم المهمة الثالثة على تحييد – أو شل قدرة – المترددين حتما بين البروليتاريا و البرجوازية، بين الديموقراطية البرجوازية وسلطة السوفيتات، ومن طبقة الملاكين الصغار الزراعيين، والصناعيين والتجار، الذين ما زالوا كثيري العدد على الرغم من أنهم يشكلون أقلية من السكان، ومن فئات المثقفين والمستخدمين.. الخ، الدائرة حول هذه الطبقة.
تتطلب كل من المهمتين الأولى والثانية أساليب عمل خاصة تجاه المستغَلين والمستغِلين. وتَنتُج الثالثة عن المهمتين الأولى والثانية ولا تتطلب سوى تطبيق ذكي، سلس ومناسب للأساليب المطبقة في المهمتين السابقتين والتي ينبغي تكييفها مع الظروف الملموسة.
3- في الظرف الحالي، الناشئ في العالم أجمع – وخاصة في البلدان الرأسمالية الأكثر تقدما والأكثر قوة، واستنارة وحرية – عن النزعة العسكرية، الإمبريالية، واضطهاد المستعمرات والبلدان الضعيفة، والمذبحة الإمبريالية العالمية، و«سلم» فرساي، ليست فكرة الخضوع الهادئ من جانب أكثرية المستغَلين للرأسماليين والتطور السلمي نحو الاشتراكية، علامة رداءة برجوازية صغيرة فحسب، بل أنها أيضا تضليل وإخفاء لعبودية الإجارة. وتشويه للحقيقة أمام أعين الشغيلة. فالحقيقة أن البرجوازية الأكثر استنارة، والأكثر ديموقراطية، لا ترتد أمام مجزرة بحق ملايين العمال والفلاحين بهدف واحد وهو إنقاذ الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. إن إطاحة البرجوازية عن طريق العنف ومصادرة ممتلكاتها وتحطيم جهاز دولتها البرلماني، والقضائي، والعسكري والبيروقراطي، والإداري والبلدي، الخ… وصولا إلى نفي جميع المستغِلين الأكثر خطورة وعنادا أو اعتقالهم، دون استثناء، وممارسة رقابة صارمة في أوساطهم من أجل قمع المحاولات التي لن يتوانوا عن القيام بها على أمل إعادة العبودية الرأسمالية، هذه هي الإجراءات التي بوسعها دون غيرها أن تؤمن الإخضاع الحقيقي لطبقة المستغِلين بمجملها.
من جهة ثانية إن الفكرة المألوفة لدى أحزاب الأممية الثانية الهرمة وقياداتها، بأن في وسع أغلبية الشغيلة والمستغَلين، في ظل النظام الرأسمالي، وتحت النير العبودي للبرجوازية – الذي يتخذ أشكالا شديدة التنوع، ويكون أكثر تفننا وقساوة ودون رحمة كلما كان البلد الرأسمالي أكثر تحضرا – أن تكتسب وعيا اشتراكيا كاملا، وصلابة اشتراكية في القناعات والطبع، إن هذه الفكرة، في رأينا، تضلل الشغيلة أيضا. في الواقع، ليس إلاّ بعد أن تقوم الطليعة البروليتارية، تدعمها الطبقة الثورية الوحيدة أو أغلبيتها، بإطاحة المستغِلين وتحطيمهم، وتحرير المستغَلين من عبوديتهم وتحسين ظروف معيشتهم مباشرة على حساب الرأسماليين المجردين من الملكية، بعد ذلك فقط، ولقاء الحرب الأهلية الأشد ضراوة، يمكن أن تتم تربية أوسع الجماهير المستغَلة وتعليمها وتنظيمها حول البروليتاريا، وتحت نفوذها وقيادتها، وعندها يصبح ممكنا قهر أنانيتها، وعيوبها وافتقادها للتماسك، وهي الأمور التي يرعاها نظام الملكية الخاصة، كما يمكن تحويل تلك الجماهير إلى جمعية واسعة من الشغيلة الأحرار.
* * * * *
4- إن نجاح النضال ضد الرأسمالية يتطلب ميزان قوى صحيحاً بين الحزب الشيوعي كمرشد، والبروليتاريا، الطبقة الثورية، والجماهير، أي مجمل الشغيلة والمستغَلين. إذا كان الحزب الشيوعي يشكل فعلا طليعة الطبقة الثورية ويستوعب أفضل ممثليها، وإذا كان مؤلفا من شيوعيين واعين ومتفانين، مستنيرين ومتمرسين بتجربة نضال ثوري طويلة، وإذا عرف كيف يرتبط بشكل لا فكاك منه بكامل وجود الطبقة العاملة، وعبرها بوجود كل الجماهير المستغلَة، وأن يوحي لها بالثقة التامة، فإنه الحزب الوحيد الذي سيكون قادرا على قيادة البروليتاريا في النضال النهائي، الأكثر ضراوة ضد كل قوى الرأسمالية. وليس إلاّ بقيادة حزب مماثل تستطيع البروليتاريا أن تقضي على البلادة والمقاومة لدى الأرستقراطية العمالية الصغيرة المؤلفة من قادة الحركة النقابية والتعاونية الذين أفسدتهم الرأسمالية، وأن تطور كل طاقاتها التي تفوق بما لا يقاس قوتها العددية بالنسبة إلى السكان، وذلك تبعا للبنية الاقتصادية الرأسمالية نفسها. وأخيرا لن تتمكن الجماهير، أي مجمل العمال والمستغلين المنظمين في السوفيتات، من أن تطوِّر لأول مرة في التاريخ، مبادرة عشرات الملايين من البشر الذين تخنقهم الرأسمالية وطاقتهم، إلاّ بعدما تكون قد تحررت بالفعل من نير الرأسمال والجهاز الحكومي للدولة، وبعد أن تكون قد امتلكت إمكانية التحرك بحرية. ولن تتمكن الجماهير المستغَلة سابقا من المشاركة بفعالية في كامل إ
إدارة البلد، إلّا عندما تصلح السوفيتات جهاز الدولة الوحيد، هذه المشاركة التي كانت مستحيلة، حتى في الديموقراطيات البرجوازية الأكثر استنارة وحرية، بنسبة 95 بالمائة. وفي السوفيتات يبدأ جمهور المستغَلين يتعلم، ليس في الكتب بل عبر تجربته العملية، ماهية البناء الاشتراكي وخلق انضباط اجتماعي جديد ورابطة حرة للشغيلة الأحرار.
ب- على ماذا يجب أن يقوم التحضير الفوري لديكتاتورية البروليتاريا
5- يتميز التطور الحالي للحركة الشيوعية العالمية بواقع أنه في عدد كبير من البلدان الرأسمالية لم يكتمل عمل البروليتاريا التحضيري من أجل ممارسة الديكتاتورية، وفي الغالب أنه لم يبدأ بعد بشكل منظم. هذا لا يعني أن الثورة البروليتاريا ستكون مستحيلة في المستقبل القريب، بل أنها، على العكس، أكثر الأشياء احتمالا. فالوضع السياسي والاقتصادي غنيّ بالمواد الملتهبة بشكل خارق، وبالأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى اشتعالها بشكل مباغت. هناك عامل آخر من عوامل الثورة، خارج الوضع التحضيري للبروليتاريا، وهو تحديدا الأزمة العامة التي تطول كافة الأحزاب الحاكمة والأحزاب البرجوازية. ولكن ينتج عن كل ذلك أن المهمة الحالية للأحزاب الشيوعية تقوم على الإسراع بالثورة، دون إثارتها مع ذلك بشكل مصطنع قبل تحضير كاف. وينبغي أن يتكثف تحضير البروليتاريا للثورة عبر العمل. من جهة ثانية فإن الحالات المشار إليها أعلاه في تاريخ أكثر الأحزاب الاشتراكية، تفترض السهر جيدا على ألا يبقى الاعتراف بدكتاتورية البروليتاريا مجرد اعتراف لفظي.
لهذه الأسباب، فإن المهمة الرئيسية للحزب الشيوعي، من وجهة نظر الحركة البروليتارية الأممية في الوقت الحالي، هي تجميع كل القوى الشيوعية المبعثرة، وتشكيل حزب شيوعي وحيد في كل بلد (أو تعزيز الأحزاب الموجودة سابقا وتجديدها)، من أجل مضاعفة العمل التحضيري للبروليتاريا في سبيل الاستيلاء على السلطة تحت شكل دكتاتورية البروليتاريا. إن العمل الاشتراكي المألوف لدى المجموعات والأحزاب التي تعترف بديكتاتورية البروليتاريا أبعد من أن يكون قد خضع لهذا التغيير الأساسي والتجديد الجذري الضروريين للاعتراف بهذا العمل كعمل شيوعي حقا، ومنسجم مع المهام المطلوب تأديتها عشية ديكتاتورية البروليتاريا.
* * * * *
6- إن استلام البروليتاريا السلطة السياسية، لا يوقف نضالها الطبقي ضد البرجوازية، بل على العكس، فهو يؤدي إلى اتساعه، ويجعله أكثر حدة وقساوة. إن كل التجمعات والأحزاب والمناضلين في الحركة العمالية الذين يتبنون كليا أو جزئيا وجهة النظر الإصلاحية و«الوسطية»، الخ… سيقفون بشكل حتمي، بفعل احتدام الصراع، إمّا إلى جانب البرجوازية أو إلى جانب المترددين، أو (وهو الأكثر خطورة) يقعون في عداد أصدقاء البروليتاريا العديدين، غير المرغوب فيهم. لذلك فإن الإعداد لديكتاتورية البروليتاريا يتطلب ليس فقط تعزيز النضال ضد الاتجاه الإصلاحي بل تعديل طابع هذا النضال، وهذا لا يمكن أن يقتصر على إظهار الطابع المغلوط لهذه الميول، ولكن كذلك على فضح كل مناضل في الحركة العمالية يعبّر عن هذه الميول دون كلل أو رحمة. ودون ذلك لن تستطيع البروليتاريا أن تعرف مع من تسير في نضالها النهائي ضد البرجوازية. هذا النضال هو بحيث يمكن أن يتغير في كل لحظة ويحوّل سلاح النقد – كما أظهرت التجربة – إلى نقد بالسلاح. إن افتقاد روح المثابرة، أو أي تهاون في النضال ضد كل الذين يتصرفون كإصلاحيين أو وسطيين، ستكون نتيجته نموا مباشرا لخطر إطاحة سلطة البروليتاريا على يد البرجوازية التي ستستخدم غداً من أجل الثورة المضادة، ما لا يبدو اليوم بالنسبة لقصيري النظر إلاّ «اختلافا نظريا».
* * * * *
7- من المستحيل الاقتصار على الرفض المعتاد المبدئي لكل تعاون مع البرجوازية وكل «ائتلافية». إن أبسط دفاع عن «الحرية» و«المساواة» في ظل بقاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، يمكن أن يتحول في ظروف ديكتاتورية البروليتاريا، التي لن تكون قادرة أبدا على إلغاء الملكية الخاصة كليا، دفعة واحدة، إلى «تعاون» مع البرجوازية، التي ستنسف مباشرة سلطة الطبقة العاملة، لأن ديكتاتورية البروليتاريا تعني التوطيد الحكومي والدفاع بواسطة كامل جهاز الدولة، ليس عن «الحرية» للمستغلين ليتابعوا عملهم القمعي والاستغلالي، وليس عن «المساواة» بين المالك (أي ذلك الذي يحتفظ من أجل متعته الشخصية ببعض وسائل الإنتاج التي يخلقها العمل الجماعي) والفقير. إن ما يظهر لنا قبل انتصار البروليتاريا كمجرد خلاف حول مسألة «الديموقراطية» سيصبح حتما في الغد، بعد الانتصار، مسألة ينبغي حسمها عن طريق السلاح. ودون التحويل الجذري لكل طابع النضال ضد «الوسطيين» و«المدافعين عن الديموقراطية»، فإن إعداد الجماهير حتى بشكل مسبق من أجل تحقيق ديكتاتورية البروليتاريا سيكون مستحيلا.
8- إن ديكتاتورية البروليتاريا هي الشكل الأكثر حسما والأكثر ثورية للصراع الطبقي بين البروليتاريا والبرجوازية. إن نضالا مماثلا لا يمكن أن يكون ظافرا إلاّ إذا جذبت الطليعة البروليتارية الأكثر ثورية إليها الأكثرية الساحقة العمالية. لهذه الأسباب فإن الإعداد لديكتاتورية البروليتاريا يتطلب ليس فقط فضح الطابع البرجوازي للإصلاحية ولكل دفاع عن الديمقراطية يستتبع المحافظة على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وليس فقط فضح ظهور اتجاهات تعبّر في الواقع عن الدفاع عن البرجوازية داخل الحركة العمالية، بل أيضا استبدال الزعماء القدامى بشيوعيين في جميع أشكال التنظيم البروليتاري، السياسية والنقابية والتعاونية والتربوية، الخ…
كلما كانت سيطرة الديموقراطية البرجوازية طويلة ووطيدة، في بلد محدد كلما نجحت البرجوازية بإيصال رجال تربّوا على يدها ومفاهيمها وأفكارها المسبقة، وهم في الغالب مباعون لها بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى المراكز المهمة في الحركة العمالية. ولا مفر من استبدال ممثلي الأرستقراطية العمالية هؤلاء، بحماس أكبر مائة مرة مما في السابق، بشغيلة قريبين من الجماهير المستغَلة، ولئن كانوا غير مجربين. إن ديكتاتورية البروليتاريا تفترض تعيين هؤلاء الشغيلة، الذين لا يمتلكون تجربة، في المراكز الأكثر أهمية في الحكومة، وبدون ذلك ستبقى سلطة الطبقة العاملة عاجزة ولن تحظى بدعم الجماهير.
* * * * *
9- إن ديكتاتورية البروليتاريا هي التحقيق الناجز لسيطرة كل الشغيلة وكل المستغَلين، الذين تضطهدهم الطبقة الرأسمالية وتخبلهم وترهبهم وتشتتهم وتخدعهم، لكن الذين تقودهم الطبقة الاجتماعية الوحيدة التي أعدها كل تاريخ الرأسمالية لهذه المهمة القيادية. لهذا يجب أن يبدأ الإعداد لديكتاتورية البروليتاريا فورا وفي كل مكان، وذلك بالوسائل التالية:
يجب تشكيل مجموعات ونوى شيوعية في كل المنظمات دون استثناء – النقابات والاتحادات الخ… – في المنظمات البروليتارية أولا ومن تم المنظمات غير البروليتارية للجماهير الكادحة المستغَلة (سواء كانت سياسية، أو نقابية، أو عسكرية، أو تعاونية، أو بعد مدرسية، أو رياضية، الخ…). ومن المفضل أن تكون هذه المجموعات والنوى علنية، أو سرية إذا اقتضى الأمر، وهذا يصبح اضطراريا في كل مرة يكون هناك تخوف من إلغاء شرعيتها وتوقيف أعضائها. إن هذه المجموعات المرتبطة بعضها بالبعض الآخر، والمرتبطة بمركز الحزب، والتي تتبادل نتائج تجاربها، والمنصرفة إلى التحريض والدعاوة والتنظيم، تتكيف مع كل مجالات الحياة الاجتماعية وكل مظاهر الجماهير الكادحة وفئاتها. ويجب أن تعمل، عن طريق نشاطها متعدد الوجوه، على تربيتها الذاتية وتربية الحزب والطبقة العاملة والجماهير.
إلاّ أن من الأهمية بمكان أن تتم عمليا بلورة طرائق عمل – في تطورها الضروري – تكون من جهة تجاه الزعماء أو الممثلين المسؤولين للمنظمات، المفسدين كليا بالأوهام الإمبريالية والبرجوازية الصغيرة (هؤلاء الزعماء يجب فضحهم دون رحمة وطردهم من الحركة العمالية)، ومن جهة أخرى تجاه الجماهير التي بانت مستعدة، خاصة بعد المجزرة الإمبريالية، للإصغاء للتعاليم حول ضرورة أن تلحق بالبروليتاريا، فهي وحدها القادرة على تخليصها من العبودية الرأسمالية. ويجدر التعاطي بصبر وحذر مع الجماهير من أجل فهم الخصوصيات البسيكولوجية لكل مهنة ولكل مجموعة داخل تلك الجماهير.
10- ثمة تجمع أو تكتل داخل الشيوعيين يجب أن يولى اهتماماً خاصاً ورقابة من قبل الحزب: وهو التكتل البرلماني، أو مجموعة أعضاء الحزب المنتخبين إلى البرلمان (أو البلديات، الخ…). فهذه المنابر هي، من جهة، ذات أهمية رئيسية بنظر الشرائح العميقة من الطبقة الكادحة المتخلفة أو المشبعة بالأوهام البرجوازية الصغيرة، وهذا هو السبب الذي يفرض على الشيوعيين أن يقوموا بعمل دعاوي، وتحريضي وتنظيمي من أعلى تلك المنابر، وأن يشرحوا للجماهير لماذا كان ضروريا في روسيا (كما سيتم ذلك عند الاقتضاء في كل البلدان) حل البرلمان البرجوازي بواسطة مؤتمر السوفيتات لعامة روسيا. ومن جهة ثانية فإن مجمل تاريخ الديموقراطية البرجوازية قد جعل من المنبر البرلماني، تحديدا في البلدان المتقدمة، حلبة أو إحدى الحلبات الرئيسية للغش المالي والسياسي والوصولية والخداع واضطهاد الشغيلة؛ لذلك فإن الحقد المتأصل الذي ينميه أفضل ممثلي البروليتاريا تجاه البرلمان إنما هو مبرر تماما. ولذلك على الأحزاب الشيوعية وكل الأحزاب المنتسبة إلى الأممية الثالثة (وبالأخص في حالة الأحزاب التي لم تنشأ عن انشقاق في الأحزاب القديمة)، أن تتخذ موقفا شديد الحزم تجاه تكتلاتها البرلمانية، أي أن تفرض التالي: خضوعها الكامل للجنة المركزية للحزب؛ وإعطاء الأفضلية لإدخال العمال الثوريين في تشكيلها، والتحليل الأكثر دقة في صحافة الحزب واجتماعاته لخطابات البرلمانيين من زاوية موقفهم الشيوعي؛ وتسمية برلمانيين للقيام بعمل دعاوي بين الجماهير والطرد الفوري لكل أولئك الذين قد يظهرون ميلا نحو الأممية الثانية، الخ…
* * * * *
11- إن إحدى العقبات الأكثر خطورة أمام الحركة العمالية الثورية في البلدان الرأسمالية المتطورة ناجمة عن واقع أنه، بفعل الممتلكات الاستعمارية وفائض قيمة الرأسمال المالي، الخ… قد نجح رأس المال في خلق أرستقراطية عمالية صغيرة مستقرة وذات نفوذ كبير نسبيا، وهي تتمتع بأفضل الشروط على صعيد الأجر، وفوق كل ذلك فهي مشربة بالروح الضيقة لأهل الحرف، وبالروح البرجوازية الصغيرة والأوهام الرأسمالية. إنها تشكل «نقطة الارتكاز» الاجتماعية الفعلية للأممية الثانية والإصلاحيين و«الوسطيين» وهي قريبة، في الوقت الحالي، من أن تصبح نقطة الارتكاز الأساسية للبرجوازية. إن أي تحضير، ولو مسبق، للبروليتاريا بهدف إطاحة البرجوازية لن يكون ممكنا دون الصراع المباشر المنظم والواسع والمعلن مع هذه الأقلية الصغيرة التي ستقدم دون شك (كما أثبتت التجربة تماما) عددا من أفرادها إلى الحرس الأبيض للبرجوازية بعد انتصار البروليتاريا. وعلى جميع الأحزاب المنتسبة إلى الأممية الثالثة، أن تجسد، مهما كان الثمن، هذا الشعار «فلننخرط أعمق فأعمق في الجماهير»؛ والمقصود بتعبير الجماهير مجموع الشغيلة والمستغلين على يد الرأسمال، وخاصة أقلهم تنظيما ووعيا وأكثرهم اضطهادا وأقلهم استعدادا للتنظيم.
لا تصبح البروليتاريا ثورية إلاّ بالقدر الذي لا تنغلق فيه في أطر النزعة الضيقة لأهل الحرف، وبالقدر الذي تتصرف فيه في مظاهر وميادين الحياة الاجتماعية كافة كقائد لكل الجماهير الكادحة والمستغلة. إن تحقيق دكتاتوريتها سيكون مستحيلا دون إعداد، وعزم على تحمل أكبر الخسائر باسم الانتصار على البرجوازية. ومن هذه الزاوية، تتخذ التجربة الروسية أهمية عملية مبدئية، فالبروليتاريا الروسية لم تستطع أن تحقق دكتاتوريتها ولم تستطع أن تكسب التعاطف والثقة الشاملين من جانب الجماهير العمالية بأكملها لو لم تبرهن عن روح تضحية ولو لم تعانِ الجوع أكثر من كل فئات هذه الجماهير في أصعب ساعات الهجوم والحروب وحصار البرجوازية العالمية.
إن الدعم الأكمل والأكثر إخلاصا من قبل الحزب الشيوعي والبروليتاريا الطليعية هو ضروري بشكل خاص تجاه كل حركة إضراب واسعة، عنيفة وكبيرة، وهو وحده القادر في ظل اضطهاد الرأسمال، على إيقاظ الجماهير فعلا وتحريكها وتنظيمها وإعطائها الثقة الكاملة والتامة بالدور القيادي للبروليتاريا الثورية. ودون هكذا تحضير تستحيل أي دكتاتورية للبروليتاريا، ولا ينبغي التسامح، داخل الأحزاب المرتبطة بالأممية الثالثة مع الأشخاص الذين بوسعهم أن يقفوا قولا وفعلا ضد الإضرابات، مثل كاوتسكي في ألمانيا وتوراتي في إيطاليا. وهذا بالطبع يتعلق أكثر بالزعماء البرلمانيين والنقابيين الذين يخونون العمال في كل لحظة بتعليم هؤلاء الإصلاحية، عن طريق الإضراب، وليس الثورة (أمثلة: جوهو في فرنسا، غومبيرز في أمريكا، ج. هـ. توماس في إنكلترا).
* * * * *
12- لقد حانت اللحظة التي أصبح من الضرورة المطلقة فيها، بالنسبة لكل حزب شيوعي، أن يوحد العمل الشرعي وغير الشرعي، المنظمة الشرعية والمنظمة السرية، وذلك في جميع البلدان، حتى الأكثر «حرية» من بينها والأكثر «شرعية» والأكثر «سلمية» بمعنى الاحتدام الأضعف للصراع الطبقي. لأن الحكومات، في البلدان الأكثر تحضرا والأكثر حرية، ذات النظام البرجوازي – الديموقراطي الأكثر «استقرارا»، على الرغم من تصريحاتها الكاذبة والوقحة، قد بدأت بالفعل بوضع اللوائح السرية السوداء بأسماء الشيوعيين، وهي تخرق في كل لحظة دستورها الخاص بدعمها إلى هذا الحد أو ذاك بشكل سري الحرس الأبيض واغتيال الشيوعيين في كل البلدان، وتعد في الظل للاعتقالات بحق الشيوعيين، وتُدخل عناصر استفزازية بينهم، الخ..
وليس إلاّ الروح البرجوازية الصغيرة، مهما كان جمال العبارات «الديموقراطية» والسلمية التي تتباهى بها، يمكنها أن تنفي هذا الواقع والنتيجة الإلزامية الناجمة عنه: التشكيل الفوري من قبل كل الأحزاب الشيوعية الشرعية لمنظمات سرية من أجل العمل غير الشرعي، منظمات تكون معدة لليوم الذي تبدأ فيه البرجوازية بملاحقة الشيوعيين. إن العمل غير الشرعي في الجيش، وفي الأسطول وفي الشرطة هو في غاية الأهمية. لقد ارتعبت كل حكومات العالم بعد الحرب الإمبريالية الكبرى من الجيش الشعبي ولجأت إلى جميع الأساليب التي يمكن تصورها لأجل تشكيل وحدات عسكرية خاصة من عناصر تم اختيارها بشكل خاص من صفوف البرجوازية ومسلحة بأكثر الأسلحة الفتاكة اتقانا.
من جهة أخرى، من الضروري أيضا في جميع الحالات، دون استثناء، عدم الاقتصار على العمل غير الشرعي، ولكن متابعة العمل الشرعي أيضا، بتخطي جميع الصعوبات في هذا السبيل وبتأسيس الصحف الشرعية والمنظمات الشرعية تحت مختلف التسميات، والإكثار من تغيير تسميتها عند اللزوم. وهذا ما تقوم به الأحزاب الشيوعية اللاشرعية في فنلندا والمجر وألمانيا وإلى حد ما في بولندا وليتوانيا الخ… وهذا ما يجب أن يقوم به «شغيلة العالم الصناعيون» (IWW) في أمريكا وما يجب أن تفعله كل الأحزاب الشيوعية الأخرى الشرعية إذا ما طاب للمدعين العامين أن يقوموا بملاحقتها لمجرد قبولها بقرارات مؤتمرات الأممية الشيوعية، الخ…
إن الضرورة المطلقة لتوحيد العمل الشرعي واللاشرعي لا تتحدد من حيث المبدأ بمجمل شروط الحقبة التي نمر بها، مرحلة عشية دكتاتورية البروليتاريا، بل بالحاجة إلى أن نظهر للبرجوازية أنه لا توجد ولا يمكن أن توجد مجالات وحقول للعمل لم يسيطر عليها الشيوعيون، ولأنه ما زالت توجد أيضا في كل مكان شرائح بروليتارية كبيرة وبنسب أكبر أيضا جماهير كادحة ومستغلة غير بروليتارية تثق بالشرعية البرجوازية الديموقراطية، ومن المهم جدا بالنسبة لنا أن نصرفها عنها.
* * * * *
13- إن وضع الصحافة العمالية في البلدان الرأسمالية الأكثر تقدما تظهر بشكل صارخ كذبة الحرية والمساواة في الديموقراطية البرجوازية، وكذلك تظهر ضرورة توحيد العمل الشرعي وغير الشرعي بشكل منهجي. وسواء في ألمانيا المهزومة أو أمريكا المنتصرة فإن كل قوى الجهاز الحكومي للبرجوازية وكل دهاء ملوك الذهب تتحرك الآن من أجل تجريد العمال من صحافتهم: ملاحقات قضائية واعتقالات (أو اغتيالات يرتكبها قتلة مأجورون) للمحررين، ومصادرة الطرود البريدية ومصادرة الورق، الخ. وكل ما هو ضروري بالنسبة لجريدة يومية من مواد إعلامية موجود بأيدي وكالات تلغرافية برجوازية، والإعلانات التي بدونها لا تستطيع صحيفة كبيرة أن تغطي نفقاتها هي تحت التصرف «الحر» للرأسماليين. وخلاصة ذلك أن البرجوازية بالكذب وضغط الرأسمال والدولة البرجوازية تسلب البروليتاريا الثورية صحافَتَها.
من أجل النضال ضد هذا الواقع، على الأحزاب الشيوعية أن تخلق نمطا جديدا من الصحافة الدورية مخصصة للتوزيع بالجملة بين الشغيلة تتضمن:
أ- نشرات شرعية تتعلم، دون أن تعلن شيوعيتها ودون أن تتحدث عن ارتباطها بالحزب، أن تستفيد من أدنى الإمكانات الشرعية، كما فعل البلاشفة في ظل القيصرية بعد عام 1905.
ب- بيانات غير شرعية ولو ذات حجم صغير تظهر بشكل غير منتظم، ولكن يطبعها العمال في عدد كبير من المطابع (السرية، أو إذا كانت الحركة قد تعززت، عبر وضع اليد على المطابع) وتقدم للبروليتاريا إعلاما حرا ثوريا وشعارات ثورية.
دون معركة ثورية تكسب الجماهير من أجل حرية الصحافة الشيوعية، سيكون الإعداد لديكتاتورية البروليتاريا مستحيلا.
ج- تغيير سلوك الأحزاب المنتمية إلى الأممية الشيوعية أو الأحزاب الراغبة بذلك وبشكل جزئي تغيير تركيبها الاجتماعي
14- إن درجة إعداد البروليتاريا في البلدان الأكثر أهمية، من زاوية الاقتصاد والسياسة العالميين، لتحقيق الديكتاتورية العمالية، تتميز بأكبر قدر من الموضوعية والدقة، بواقع أن الأحزاب الأكثر تأثيرا في الأممية الثانية، كالحزب الاشتراكي الفرنسي والحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني المستقل والحزب العمالي الإنكليزي المستقل والحزب الاشتراكي الأمريكي، قد خرجت من هذه الأممية الصفراء وقررت الانضمام المشروط إلى الأممية الثالثة. لقد ثبت بذلك أن الطليعة ليست وحيدة وأن أغلبية البروليتاريا الثورية بدأت بالانتقال إلى جانبنا وقد أقنعها بذلك كل مسار الأحداث. إن الجوهري الآن هو معرفة استكمال هذا الانتقال وتوطيد ما تم تحقيقه عبر التنظيم لكي يصبح ممكنا التقدم إلى الأمام على طول الخط دون أدنى تردد.
* * * * *
15- إن كل نشاط الأحزاب المذكورة أعلاه (التي يجب أن يضاف إليها الحزب الاشتراكي السويسري إذا كانت البرقية التي تعلمنا بقراره الانضمام إلى الأممية الثالثة صحيحة) يثبت (وأي نشرة صادرة عن هذه الأحزاب تؤكد ذلك بشكل أكيد) أنه لم يصبح نشاطا شيوعيا بعد، ويتجه في الغالب خلافا للمبادئ الأساسية للأممية الثالثة باعترافه بالديموقراطية البرجوازية بدل دكتاتورية البروليتاريا والسلطة السوفياتية.
لهذه الأسباب يعلن المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية أنه لا يعتبر الاعتراف الفوري بتلك الأحزاب ممكناً.
ويؤكد المؤتمر جواب اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية على المستقلين الألمان، وموافقته على الدخول في محادثات مع كل حزب يخرج من الأممية الثانية ويعبر عن رغبته في التقرب من الأممية الثالثة؛ ويمنح صوتا استشاريا لمندوبي هذه الأحزاب إلى جميع مؤتمراته واجتماعاته الموسعة؛ ويضع الشروط التالية من أجل الاتحاد الكامل بين هذه الأحزاب (والأحزاب المماثلة) والأممية الشيوعية:
أ- نشر جميع قرارات مؤتمرات الأممية الشيوعية واللجنة التنفيذية في جميع نشرات الحزب الدورية.
ب- بحث هذه القرارات في اجتماعات خاصة لكل المنظمات المحلية للحزب.
ج- الدعوة بعد هذا البحث لمؤتمر خاص للحزب من أجل إقصاء العناصر التي تستمر في العمل بروحية الأممية الثانية. ويجب أن يدعى إلى هذا المؤتمر بأقصى سرعة ممكنة خلال مهلة لا تتعدى الأربعة أشهر بعد المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية.
د- طرد جميع العناصر التي تستمر في العمل بروحية الأممية الثانية من الحزب.
هـ- انتقال كل النشرات الدورية للحزب إلى أيدي محررين شيوعيين فقط.
و- إن الأحزاب التي تريد الانتساب الآن إلى الأممية الثالثة والتي لم تعدِّل جذريا بعد من تكتيكها السابق، عليها أن تعمل مسبقا على أن يكون ثلثا أعضاء لجنتها المركزية ومؤسساتها المركزية الأكثر أهمية من الرفاق الذين أعلنوا تأييدهم العلني لانضمام الحزب إلى الأممية الثالثة، ويمكن أن تحصل بعض الاستثناءات بموافقة اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية. وتحتفظ اللجنة التنفيذية أيضا بحقها في الاستثناء بما يتعلق بممثلي الاتجاه الوسطي المشار إليه في الفقرة السابعة.
ز- إن أعضاء الحزب الذين يرفضون الشروط والموضوعات التي وضعتها الأممية الشيوعية يجب أن يطردوا من الحزب، وينطبق الشيء نفسه على المندوبين للمؤتمر الاستثنائي.
* * * * *
16- فيما يتعلق بموقف الشيوعيين الذين يشكلون الأقلية الحالية بين المناضلين المسؤولين في الأحزاب المذكورة سابقا أو المماثلة لها، يقرر المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية أنه بسبب الوتيرة السريعة للتطور الحالي للروح الثورية للجماهير فإن خروج الشيوعيين من هذه الأحزاب ليس مرغوب فيه، طالما كان بإمكانهم أن يقوموا داخلها بعمل باتجاه الاعتراف بدكتاتورية البروليتاريا والسلطة السوفياتية ونقد الانتهازيين والوسطيين الذين ما زالوا فيها.
مع ذلك، وما أن يكتسب الجناح اليساري لأي حزب وسطي قوة كافية، بإمكانه، إذا اعتبر ذلك مفيدا لتطور الشيوعية، أن يترك الحزب ككتلة ويشكل حزبا شيوعيا.
وفي الوقت نفسه، يؤيد المؤتمر الثاني للأممية الثالثة أيضا انضمام مجموعات وتنظيمات شيوعية أو متعاطفة مع الشيوعية إلى جانب حزب العمال الانكليزي على الرغم من أن هذا الأخير لم يخرج بعد من الأممية الثانية، طالما أن هذا الحزب يترك لمنظماته حريتها الحالية في النقد، والعمل والدعاوة والتحريض والتنظيم من أجل ديكتاتورية البروليتاريا والسلطة السوفياتية، وطالما حافظ على طابعه كاتحاد لكل المنظمات النقابية للطبقة العاملة. وعلى الشيوعيين أن يقوموا بكل المحاولات وصولا إلى بعض التسويات بهدف امتلاك إمكانية تأثير على أوسع جماهير الشغيلة وفضح زعمائها الانتهازيين من أعلى المنابر التي في متناول الجماهير، والإسراع بنقل السلطة السياسية من أيدي الممثلين المباشرين للبرجوازية لأيدي ممثلين عمال للطبقة العاملة، من أجل تخليص الجماهير من آخر الأوهام حول هذا الموضوع بأسرع وقت ممكن.
* * * * *
17- فيما يتعلق بالحزب الاشتراكي الإيطالي. إن المؤتمر الثاني للأممية الثالثة، إذ يعترف بأن المراجعة البرنامجية التي أقرها الحزب في مؤتمره في بولونيا العام الماضي تشكل مرحلة شديدة الأهمية في تحوله نحو الشيوعية، وأن الاقتراحات التي تقدم بها فرع تورين إلى المجلس العام للحزب، المنشورة في صحيفة الـ «أورديني نووفو» L’Ordine Nuovo في 8 أيار / مايو 1920، تنسجم مع جميع المبادئ الأساسية للأممية الثالثة، ويتمنى على الحزب الاشتراكي الإيطالي أن يبحث في مؤتمره القادم، الذي ستتم الدعوة إليه بموجب الأنظمة الداخلية للحزب والإجراءات العامة بشأن القبول في الأممية الثالثة، الاقتراحات المذكورة آنفا وكل قرارات المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية خاصة في موضوع التكتل البرلماني، والنقابات والعناصر غير الشيوعية في الحزب.
* * * * *
18- يعتبر المؤتمر الثاني للأممية الثالثة أن المفاهيم حول علاقات الحزب بالطبقة العاملة والجماهير حول المشاركة الاختيارية للأحزاب الشيوعية بالعمل البرلماني والعمل داخل النقابات الرجعية غير ملائمة. وكانت هذه المفاهيم قد دحضت بشكل واسع في القرارات الخاصة للمؤتمر الحالي، بعد أن كان قد جرى الدفاع عنها من قبل «حزب العمال الشيوعي الألماني» بشكل خاص، وبعض الشيء من قبل «الحزب الشيوعي السويسري» وصحيفة مكتب الأممية الشيوعية لأوروبا الشرقية في فيينا (كومونيسموس)، وبعض الرفاق الهولنديين وبعض التنظيمات الشيوعية في إنكلترا – من بينها «الاتحاد العمالي الاشتراكي»، الخ. وكذلك منظمة «شغيلة العالم الاشتراكيين» الأمريكية و«لجان الممثلين النقابيين للمؤسسات» الإنكليزية الخ… الخ…
بيد أن المؤتمر الثاني للأممية الثالثة يعتقد أنه من الممكن والمرغوب فيه أن تنضم إلى الأممية الثالثة كل من تلك التنظيمات التي لم تنتسب إليها رسميا بعد، لأننا في الحالة الراهنة، وخاصة إزاء «لجان الممثلين النقابيين للمؤسسات» الإنكليزية، نجد أنفسنا أمام حركة بروليتارية عميقة، تقف في الواقع على أرضية المبادئ الأساسية للأممية الشيوعية. إن المفاهيم الخاطئة حول المشاركة في العمل داخل البرلمانات البرجوازية في تنظيمات كهذه، لا تعود بشكل أساسي إلى دور العناصر ذات الأصل البرجوازي التي تُحمّل مفاهيمها، بالحقيقة، روحية برجوازية صغيرة، كما هي في الغالب مفاهيم الفوضويين، بل إلى فقدان التجربة السياسية للبروليتاريين الثوريين حقا والمرتبطين بالجماهير.
لهذه الأسباب، يتمنى المؤتمر الثاني للأممية الثالثة على كل التنظيمات والتجمعات الشيوعية في البلدان الأنجلو – ساكسونية أن تواصل، حتى في حال عدم انضمام «شغيلة العالم الصناعيين» (IWW) و«لجان الممثلين النقابيين للمؤسسات» مباشرة إلى الأممية الثالثة، سياسة علاقات أكثر ودية مع هذين التنظيمين، وتقارب معهما ومع الجماهير المتعاطفة معهما، عبر افهامهما بشكل ودي، من زاوية تجربة جميع الثورات الروسية في القرن العشرين، الطابع الخاطئ لمفاهيمهما، وتكرار محاولات الاندماج معهما في حزب شيوعي وحيد.
* * * * *
19- يلفت المؤتمر انتباه كل الرفاق، وخاصة في البلدان اللاتينية الأنجلو – ساكسونية إلى هذا الواقع: لقد حصل منذ الحرب انقسام عميق في الأفكار بين الفوضويين في العالم أجمع حول موضوع الموقف الواجب اتخاذه إزاء ديكتاتورية البروليتاريا والسلطة السوفياتية. في هذه الظروف، نلاحظ في صفوف العناصر البروليتارية التي كانت مدفوعة في الغالب إلى الفوضوية بسبب حقدها، المبرر تماما، على انتهازية الأممية الثانية وإصلاحيتها، تفهما صحيحا بشكل مميز لهذه المبادئ، يتسع بشكل متزايد، كلما أصبحت تجربة روسيا وفنلندا وهنغاريا وليتوانيا وبولندا وألمانيا، معروفة بشكل أفضل.
لهذه الأسباب يعتبر المؤتمر أن من واجب جميع الرفاق أن يدعموا بكل الوسائل انتقال جميع العناصر البروليتارية ضمن الجماهير من الفوضوية إلى الأممية الثالثة.
ويعتبر المؤتمر أن نجاح نشاط الأحزاب الشيوعية حقا يجب أن يُقوَّم في بعض جوانبه، بالقدر الذي تنجح فيه باجتذاب العناصر البروليتارية حقا ضمن الفوضوية.
__________________
– الإشراف العام على التدقيق والمراجعة والتصحيح والتنضيد الإلكتروني منيف ملحم
– مراجعة فيكتوريوس بيان شمس بالتعاون مع صفحة التراث الأممي الثوري
– نقله إلى العربية لينا عاصي
– راجع الترجمة ودقّقها كميل قيصر داغر
لمراجعة الفصل السابق يرجى الدخول من خلال الرابط أدناه:
المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة (10)