الأحد ديسمبر 22, 2024
الأحد, ديسمبر 22, 2024

(8) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة

النظرية الماركسية(8) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة

موضوعات حول الوضع العالمي

وسياسة التحالف

لقد كشفت تجارب الحرب العالمية، السياسة الإمبريالية للـ «ديموقراطيات» البرجوازية باعتبارها سياسة صراع بين القوى العظمى، الساعية إلى تقاسم العالم وتدعيم دكتاتورية الرأسمال المالي الاقتصادية والسياسية على الجماهير المستغَلة والمضطهدة. إن المجزرة بحق مليون بشري، وإفقار البروليتاريا الواقعة تحت العبودية، والثراء الفاحش للشرائح العليا من البرجوازية بفضل التموينات الحربية والقروض.. إلخ، وانتصار الرجعية العسكرية في كل البلدان، كل ذلك لم يلبث أن طوح بالأوهام حول الدفاع عن الوطن، والهدنة والـ «ديموقراطية». وقد فضحت «سياسة السلم» التطلعات الفعلية الإمبريالية في كل البلدان، وذهبت إلى النهاية في تعريتها.

سلام بريست – ليتوفسك ومساومة الإمبريالية الألمانية

لقد كشف سلام بريست – ليتوفسك وفيما بعد سلام بوخارست طابع النهب والرجعية لدى إمبريالية دول المحور. فقد انتزع المنتصرون من روسيا العزلاء ضرائب وأراضي، واستخدموا حق الشعوب في تقرير مصيرها كتبرير لسياسة الضم، خالقين بذلك دولا تابعة، تشجع حكوماتها الرجعية سياسة النهب وتقمع الحركة الثورية للجماهير الكادحة. إن الامبريالية الألمانية التي لم تستطع أن تحرز نصرا كاملا في الصراع العالمي، لم يكن بإمكانها، في تلك اللحظة، أن تظهر نواياها الفعلية بصراحة كلية، فلجأت مضطرة إلى العيش بسلام ظاهري مع روسيا السوفياتية وإلى تغطية سياسة النهب لديها وسياستها الرجعية بجمل خادعة.
مع ذلك، ما أن حقق الحلفاء انتصارا عالميا حتى تركوا أقنعتهم تسقط وكشفوا أمام أعين العالم أجمع الوجه الحقيقي للإمبريالية العالمية.

انتصار الحلفاء

وتجمع الدول ثانيةً

لقد قسم انتصار الحلفاء البلدان المسماة متحضرة في العالم إلى مجموعات مختلفة، تتشكل المجموعة الأولى من قوى العالم الرأسمالي، القوى العظمى الامبريالية المنتصرة (إنكلترا، أمريكا، فرنسا، اليابان وإيطاليا)، وتقف بمواجهتها البلدان الامبريالية المهزومة التي هدمتها الحرب، وصدعت بنيتها الداخلية بداية الثورة البروليتارية (ألمانيا، النمسا – المجر، مع الدول التابعة لها سابقا). وتتشكل المجموعة الثالثة من الدول التابعة لدول الحلفاء وهي تتألف من الدول الرأسمالية الصغيرة التي شاركت في الحرب إلى جانب الحلفاء (بلجيكا، الصرب والبرتغال، الخ)، والجمهوريات «القومية» الصغيرة والدول العازلة التي أنشئت مؤخرا (جمهورية تشيكو – سلوفاكيا، بولندا والجمهوريات الروسية المعادية للثورة، الخ) وتقترب الدول المحايدة، تبعا لوضعها، من الدول التابعة، ولكنها تتعرض لضغط سياسي واقتصادي قوي، يجعل وضعها، أحيانا، متشابها لوضع الدول المهزومة. أمّا الجمهورية الاشتراكية فهي دولة عمال وفلاحين، تقف خارج العالم الرأسمالي وتمثل بالنسبة للإمبريالية المنتصرة خطرا اجتماعيا هائلا، خطر انهيار كل نتائج النصر تحت مطرقة الثورة العالمية.

«السياسة السلمية» للحلفاء

أو الإمبريالية تفضح نفسها بنفسها

إن «السياسة السلمية» للقوى العالمية الخمس، مأخوذةً بمجملها، كانت ولا تزال سياسة تفضح نفسها بنفسها.
على الرغم من كل العبارات حول «سياستها الخارجية الديموقراطية»، فإنها تشكل الانتصار الكامل للديبلوماسية السرية التي، عن طريق التسويات بين وكلاء سلطة التروستات المالية، تقرر مصير العالم من وراء ظهر ملايين العمال في كل البلدان، وعلى حسابهم. فتجري معالجة كل المسائل الأساسية دون استثناء في جلسات سرية من قبل اللجنة الباريسية للقوى العظمى الخمس، بغياب ممثلي الدول المهزومة والمحايدة والدول التابعة نفسها.
إن خطابات لويد جورج وكليمنصو وسونينو، الخ…، تنادي وتسعى لأن تبرر علناً ضرورة ضم الأراضي والغرامات.
على الرغم من العبارات الكاذبة حول «الحرب من أجل نزع السلاح الشامل»، يجري الإعلان عن ضرورة التسلح أيضا والحفاظ قبل كل شيء على القوة البحرية البريطانية من أجل ما يسمى بـ «حماية حرية البحار».
إن حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، الذي نادى به الحلفاء، جرى دوسه علنا واستبدل بتقاسم المناطق المتنازع عليها بين الدول القوية والدول التابعة لها.
لقد جرى ضم الألزاس – اللورين إلى فرنسا دون استشارة السكان، ولم يكن لإيرلندا ومصر والهند أن تقرر مصيرها بنفسها، وجرى إنشاء الدولة السلافية الجنوبية والجمهورية التشيكوسلوفاكية بقوة السلاح، وتجري المساومة بدون حياء حول تقاسم تركيا الأوروبية والآسيوية، هذا وقد بدأ تقاسم المستعمرات الألمانية، الخ، الخ…
لقد دُفعت سياسة الغرامات إلى درجة النهب الكامل للمهزومين، فلا يجري فقط تقديم فواتير لهم تبلغ مليارات ومليارات ولا يجري انتزاع كل وسائل الحرب منهم فحسب – بل إن دول الحلفاء تسلبهم القطارات وسكك الحديد والمراكب والأدوات الزراعية وأرصدة الذهب، الخ.، الخ.. إضافة إلى ذلك يجب على أسرى الحرب أن يصبحوا عبيدا للمنتصرين. وتتم مناقشة اقتراحات تهدف إلى فرض العمل القسري على العمال الألمان، فلدى القوى الحليفة النية في أن تجعل منهم عبيدا بائسين وجائعين لدى رأسمال دول الحلفاء.
إن سياسة الإثارة القومية مدفوعة إلى أقصاها تجد تعبيرها في الإثارة المستمرة ضد الأمم المهزومة في صحافة الحلفاء وإدارات الإحتلال، كما في حصار الجوع، حاكمة بذلك على شعوب ألمانيا والنمسا بالإبادة. إن هذه السياسة تقود إلى مذابح ضد الألمان، منظمة بدعم الحلفاء، من قبل العناصر الشوفينية التشيكية والبولندية، وإلى مذابح ضد اليهود، تتخطى كل «الأعمال الباهرة» للقيصرية الروسية.
إن الدول الحليفة «الديموقراطية» تتبع سياسة رجعية قصوى.
وتنتصر الرجعية داخل الدول الحليفة نفسها، ومن بينها فرنسا التي عادت إلى أسوأ عهود نابوليون الثالث، كما في العالم الرأسمالي بمجمله الواقع تحت سيطرة الحلفاء. فهؤلاء يخنقون الثورة في البلدان المحتلة: ألمانيا، المجر، بلغاريا، الخ.. ويحرضون الحكومات الانتهازية – البرجوازية في الدول المهزومة ضد العمال الثوريين، بتهديدها بقطع سبل عيشها. لقد أعلن الحلفاء أنهم سيغرقون كل السفن الألمانية التي تجرؤ على رفع علم الثورة الأحمر؛ ورفضوا الاعتراف بالمجالس الألمانية؛ وفي المناطق المحتلة ألغوا يوم العمل من ثماني ساعات. وبغض النظر عن دعم السياسة الرجعية في البلدان المحايدة وتشجيع هذه السياسة في البلدان التابعة (نظام بادريفسكي في بولندا)، فقد حرّض الحلفاء العناصر الرجعية في هذه البلدان (في فنلندا وبولندا والسويد، الخ..) ضد روسيا الثورية، وطالبوا بتدخل القوى المسلحة الألمانية.

تناقضات بين الدول الحليفة

على الرغم من تجانس الخطوط الأساسية للسياسة الامبريالية للقوى العظمى التي تسيطر على العالم، فإن سلسلة من التناقضات العميقة تبرز داخلها.
تتركز هذه التناقضات بالأخص حول برنامج الرأسمال المالي الأمريكي للسلام (البرنامج المسمى برنامج ويلسون). إن النقاط الأكثر أهمية في هذا البرنامج هي التالية: «حرية البحار»، و«عصبة الأمم»، و«تدويل المستعمرات». إن شعار «حرية البحار» – بعد نزع قناعه المخادع – يعني في الواقع إلغاء الهيمنة العسكرية البحرية لبعض القوى العظمى (بالدرجة الأولى هيمنة انكلترا) وفتح الطرق البحرية كافة أمام التجارة الأمريكية. وتعني «عصبة الأمم» أن حق الضم الفوري للدول والشعوب الضعيفة سيكون ممنوعا على القوى العظمى الأوروبية (بالدرجة الأولى فرنسا)؛ أمّا «تدويل المستعمرات» فيحدد القاعدة نفسها بالنسبة للمناطق المستعمرَة.
تتحكم بهذا البرنامج الوقائع التالية: إن الرأسمال الأمريكي لا يملك أكبر أسطول في العالم، ولم يعد بإمكانه أن يقوم بضم مباشر في أوربا، لهذا يهدف إلى استغلال الدول والشعوب الضعيفة عبر العلاقات التجارية وتوظيف الرساميل، ولذلك يريد أن يجبر القوى الأخرى على تشكيل نقابة تروستات دولية، ويريدها أن تتقاسم في ما بينها حصص الاستغلال العالمي «بأمانة»، وأن يتحول الصراع بين التروستات الدولية إلى صراع اقتصادي بحث. أمّا في مجال الإستغلال الاقتصادي فسيكتسب الرأسمال المالي الأمريكي المتطور جدا هيمنة فعالة ستؤمن له السيطرة الاقتصادية والسياسية في العالم.
إن «حرية البحار» تتناقض بشكل حاد مع مصالح انجلترا واليابان، وجزئيا مع مصالح إيطاليا (في الأدرياتيك). وتتناقض «عصبة الأمم» و«تدويل المستعمرات» بشكل حاسم مع مصالح فرنسا واليابان – وبقدر أقل مع مصالح كل القوى الامبريالية العظمى الأخرى. إن سياسة الامبرياليين في فرنسا، حيث يتخذ الرأسمال المالي الشكل المرابي المتميز، وحيث الصناعة قليلة التطور وحيث دمرت الحرب القوى المنتجة بشكل كامل، تهدف بوسائل يائسة إلى الإبقاء على النظام الرأسمالي. وهذه الوسائل هي: النهب البربري لألمانيا، القهر المباشر والاستغلال الجشع للدول التابعة (مشروعا اتحاد الدانوب، واتحاد الدول السلافية الجنوبية) واستيفاء الديون المستحقة على روسيا القيصرية لشيلوك الفرنسي بالعنف. إن فرنسا وإيطاليا (وينطبق ذلك بشكل ملطف على اليابان) باعتبارهما دولتين قاريتين، قادرتان أيضا على متابعة سياسة الضم المباشر.
في الوقت الذي تتناقض فيه مصالح القوى العظمى مع مصالح أمريكا، فإن مصالح كل منها تتناقض مع مصالح الأخرى. إن إنجلترا تخشى إزدياد قوة فرنسا في القارة، ولها مصالح في آسيا الصغرى وفي أفريقيا تتناقض مع مصالح فرنسا. إن مصالح إيطاليا في البلقان والتيرول تتناقض مع مصالح فرنسا، فيما تنازع اليابان أستراليا الإنكليزية على الجزر الواقعة في المحيط الهادي.

تجمعات واتجاهات

داخل الدول الحليفة

إن هذه التناقضات بين القوى العظمى سهّلت إمكانية ظهور تجمعات مختلفة داخل الدول الحليفة. ولقد ارتسمت حتى الآن تركيبتان أساسيتان: التركيبة الفرنسية – الإنكليزية – اليابانية الموجهة ضد أمريكا وإيطاليا، والتركيبة الإنكليزية – الأمريكية المواجهة ضد القوى العظمى الأخرى.
كانت التركيبة الأولى متفوقة حتى بداية كانون الثاني / يناير 1918، طالما أن الرئيس ولسون لم يكن قد تنازل عن مطالبته بإلغاء السيطرة البحرية الانكليزية. إن تطور الحركة الثورية للعمال والجنود في إنكلترا، الذي أدّى إلى وفاق بين إمبرياليي مختلف البلدان من أجل تصفية الأسطورة الروسية والإسراع بإتمام السلام عزّز من ميل إنكلترا نحو هذه التركيبة، وأصبحت مسيطرة منذ كانون الثاني / يناير 1919. وتقف الكتلة الإنكليزية – الأمريكية ضد أسبقية فرنسا في نهب ألمانيا وحدّة هذا النهب المبالغ بها، وهي تضع بعض الحدود لمطالب فرنسا وإيطاليا واليابان بخصوص ضم الأراضي المبالغ به. وتمنع من أن تكون الدول التابعة المؤسسة حديثا ملحقة مباشرة بهذه الدول. أمّا في ما يتعلق بالمسألة الروسية فلدى التركيبة الانجليزية – الأمريكية استعدادات سلمية: تريد أن تكون طليقة اليدين لتتمكن من إتمام تقاسم العالم، وخنق الثورة الأوربية والثورة الروسية فيما بعد.
يقابل هاتين التركيبتين من القوى اتجاهان داخل القوى العظمى، أحدهما ذو توجه متطرف بخصوص مسألة ضم الأراضي، والآخر معتدل وهو يدعم تركيبة ويلسون – لويد جورج.

«عصبة الأمم»

نظرا للتناقضات التي لا يمكن التوفيق بينها والتي ظهرت حتى بين الدول الحليفة فإن عصبة الأمم – حتى لو تحققت على الورق – لن تلعب مع ذلك سوى دور الحلف المقدس بين الرأسماليين من أجل قمع الثورة العالمية. فنشر «عصبة الأمم» هو أفضل وسيلة لبلبلة الوعي الثوري للطبقة العاملة. فبدلاً من شعار أممية الجمهوريات العمالية الثورية، يُطلق شعار جمعية أممية للديموقراطيات المزعومة تتحقق بائتلاف بين البروليتاريا والطبقات البرجوازية.
إن «عصبة الأمم» هي شعار مخادع، يشق بواسطته الاشتراكيون – الخونة القوى البروليتارية بأمر من الرأسمال العالمي، ويشجعون الثورة المضادة الامبريالية.
على البروليتاريين الثوريين في العالم أجمع أن يخوضوا صراعا لا هوادة فيه ضد أفكار عصبة الأمم الخاصة بولسون وأن يحتجوا على الدخول في هذه العصبة: عصبة النهب والاستغلال والثورة المضادة الامبريالية.

السياسة الخارجية والداخلية

للبلدان المهزومة

لقد أدى سحق الإمبرياليتين النمساوية والألمانية العسكري وانهيارهما الداخلي إلى سيطرة النظام البرجوازي الاشتراكي – الانتهازي في دول المحور في المرحلة الأولى من الثورة. إن الاشتراكيين – الخونة، تحت ستار الديموقراطية والاشتراكية، يحمون وينعشون السيطرة الاقتصادية للدكتاتورية السياسية للبرجوازية، وهم يسعون في سياستهم الخارجية إلى ترميم الامبريالية الألمانية عبر طلبهم إعادة المستعمرات وقبول ألمانيا في عصبة النهب. وبقدر ما تتعزز عصابات الحرّاس البيض في ألمانيا وتتطور سيرورة التفسخ في معسكر الحلفاء تتزايد أيضا رغبات البرجوازية والاشتراكيين – الخونة في أن تصبح ألمانيا قوة عظمى. وفي الوقت ذاته، تعمل الحكومات البرجوازية الاشتراكية – الانتهازية أيضا على تلغيم التضامن الأممي البروليتاري وتفصل العمال الألمان عن اخوتهم الطبقيين، بتنفيذها لأوامر الحلفاء المعادية للثورة، وخاصة بتحريضها العمال الألمان ضد الثورة الروسية البروليتارية من أجل إرضاء الحلفاء. إن سياسة البرجوازية والاشتراكيين – الإنتهازيين في النمسا وهنغاريا هي تكرار لسياسة الكتلة البرجوازية الانتهازية في ألمانيا ولكن بشكل ملطَّف.

الدول التابعة للحلفاء

إن سياسة الحلفاء، في الدول التابعة والجمهوريات التي أنشأوها لتوِّهم (تشيكوسلوفاكيا والبلدان السلافية الجنوبية، ويجب أن نضيف أيضا بولندا وفنلندا، الخ)، المستندة إلى الطبقات المسيطرة والاشتراكيين – القوميين، تهدف إلى خلق مراكز حركة قومية معادية للثورة. هذه الحركة مفروض عليها أن توجَِّه ضد الشعوب المهزومة وأن تبقي على توازن قوى الدول الجديدة وتخضعها للحلفاء، وأن تكبح الحركات الثورية التي تنمو داخل الجمهوريات «القومية» الجديدة، وأن تقدّم في نهاية المطاف حرساً أبيض للمواجهة ضد الثورة الأممية وخاصة الثورة الروسية.
في ما يتعلق ببلجيكا والبرتغال واليونان والبلدان الأخرى الصغيرة المتحالفة مع الحلفاء، فإن سياستها محددة كليا بسياسة كبار قطاع الطرق، الذين تخضع لهم بشكل كامل وتطلب عونهم من أجل الحصول على ضم مساحات صغيرة من الأراضي وعلى تعويضات تتعلق بالحرب.

الدول المحايدة

إن وضع الدول المحايد مشابهة لوضع الدول التابعة التي لا تحوز رضى إمبريالية الدول المتحالفة، والتي تتبع الدول الحليفة إزاءها، بشكل ملطّف، الأساليب نفسها التي تستخدمها إزاء الدول المهزومة. أمّا الدول المحايدة الحائزة الرضى، فتتقدم بمطالب مختلفة من أعداء الدول الحليفة (مطامع الدانمارك بفلانسبرغ واقتراح سويسرا تدويل الراين، الخ.) وتنفذ في الوقت نفسه أوامر الدول الحليفة المعادية للثورة (طرد السفير الروسي وتجنيد الحرس الأبيض في البلدان الاسكندنافية، الخ.) فيما تتعرض دول أخرى منها للتجزئة (مشروع ضم مقاطعة ليمسبورغ إلى بلجيكا، وتدويل مصب الأسكوت).

الحلفاء وروسيا السوفياتية

إن السمة النهبية وغير الإنسانية والرجعية الإمبريالية في الدول الحليفة تظهر بأوضح أشكالها تجاه روسيا السوفياتية. فمنذ بداية ثورة أكتوبر وقفت القوى الحليفة إلى جانب الأحزاب والحكومات المعادية للثورة في روسيا، وبمساندة من البرجوازيين المعادين للثورة قامت بضم سيبريا والأورال وشواطئ روسيا الأوربية والقوقاز وجزء من تركستان. وقد اختلست المواد الأولية من المقاطعات التي جرى ضمها (الخشب، النفط والمنغنيز، الخ..)؛ وبمساندة العصابات التشيكوسلوفاكية المأجورة لها سرقت احتياطي الذهب من روسيا، وبقيادة الديبلوماسي الإنكليزي لوكهارت قام العملاء الإنكليز والفرنسيون بنسف الجسور وتحطيم سكك الحديد، وحاولوا إعاقة التموين بالمواد الغذائية. لقد دعم الحلفاء بالأموال والأسلحة والمساعدة العسكرية، الجنرالات الرجعيين: دنكين وكولتشاك وكراسنوف، الذين أعدموا بالرصاص وشنقوا آلاف العمال والفلاحين في روستوف وجوسوفكا ونرفوسيجك وأوسك، الخ.. وأعلن الحلفاء جهارا عبر خطب كليمنصو وبيشون مبدأ «الحصار الاقتصادي»، أي أنهم يريدون تجويع جمهورية العمال والفلاحين الثوريين وتدميرها، ووعدوا بتقديم «الدعم التقني» لعصابات دينيكين وكولتشاك وكراسنوف. هذا ورفض الحلفاء في عدة مناسبات اقتراحات السلام السوفياتية.
في 23 كانون الثاني / يناير 1919 تقدم الحلفاء، الذين تعززت داخلهم الاتجاهات المعتدلة بشكل مؤقت، إلى كل الحكومات الروسية باقتراح إرسال مندوبين إلى جزيرة الأمراء، ولم يخل هذا الاقتراح بالطبع من نية استفزازية حيال الحكومة السوفياتية. وعلى الرغم من أن الحلفاء تلقوا في 4 شباط / فبراير جوابا بالموافقة من قبل الحكومة السوفياتية، جوابا ضمنته هذه الأخيرة استعدادها للبحث في مسألة ضم الأراضي والتعويضات والتنازلات، من أجل إنقاذ العمال والفلاحين الروس من الحرب التي فرضها عليهم الحلفاء، فإن هؤلاء لم يردوا على اقتراح السلام هذا ولا غيره.
إن ذلك يؤكد من جديد صلابة الاتجاهات التوسعية الرجعية لإمبرياليي الدول الحليفة، ويهدد الجمهورية الاشتراكية باقتطاع أجزاء جديدة من أراضيها وبهجمات جديدة معادية للثورة.
وهنا تكشف «سياسة السلم» لدى الحلفاء بشكل قاطع أمام البروليتاريا العالمية طبيعة إمبريالية الدول الحليفة والإمبريالية بشكل عام. وتؤكد في الوقت نفسه أن الحكومات الإمبريالية عاجزة عن الوصول إلى «سلام عادل ودائم»، وأن الرأسمال المالي عاجز عن ترميم الاقتصاد المهدم، وأن الحفاظ على سيطرة رأس المال المالي يؤدي إمّا إلى التحطيم الكامل للمجتمع المتحضر وإمّا إلى زيادة الاستغلال والعبودية والرجعية السياسية والتسلح، وبالنهاية إلى حروب مدمرة جديدة.

قرار حول الإرهاب الأبيض

لقد كان النظام الرأسمالي منذ البداية نظام النهب والاغتيالات الكثيفة؛ ففظاعات التراكم الأولي؛ والسياسة الكولونيالية التي أدت عن طريق الإنجيل والسفلس والكحول إلى القضاء على أجناس وشعوب صغيرة بلا رحمة؛ والبؤس والمجاعة والإنهاك لملايين لا تحصى من البروليتاريين المستغَلين، وموتهم المبكر؛ والقمع الدموي للطبقة العاملة عندما تنتفض ضد مستغليها، وأخيرا المجزرة الهائلة التي لا مثيل لها التي حولت الإنتاج العالمي إلى إنتاج جثث بشرية – هذه هي صورة النظام الرأسمالي.
منذ بداية الحرب قامت الطبقات المسيطرة – التي كانت قد قتلت في ساحات المعارك أكثر من عشرة ملايين إنسان وشوهت أيضا عددا أكبر – بإرساء نظام الديكتاتورية الدموية داخل بلدانها أيضا. لقد أعدمت الحكومة القيصرية بالرصاص العمال وشنقتهم ونظمت المذابح ضد اليهود وأبادت كل ما هو حي في البلاد. وخنقت الملكية النمساوية بشكل دموي انتفاضة الفلاحين والعمال الأوكرانيين والتشيكيين، واغتالت البرجوازية الإنجليزية أفضل ممثلي الشعب الإيرلندي، وهاجت الامبريالية الألمانية داخل بلدها وكان البحارة الثوريون أول ضحايا تلك الفظاظة، وفي فرنسا جرى ذبح الجنود الروس الذين لم يكونوا مستعدين للدفاع عن أرباح أصحاب البنوك الفرنسيين، وأدانت البرجوازية في أمريكا، دون محاكمة، الأمميين وحكمت على المئات من خيرة البروليتاريين بالأعمال الشاقة لمدة عشرين عاما، وذبحت العمال بسبب قيامهم بالإضرابات.
عندما بدأت الحرب الامبريالية بالتحول إلى حرب أهلية وشعرت الطبقات المسيطرة التي لم يعرف التاريخ البشري مثيلا لإجرامها، بأنها مهددة بخطر مباشر وهو انهيار نظامها الدموي، أصبحت وحشيتها أكثر قساوة.
وتستخدم البرجوازية، في صراعها من أجل الحفاظ على النظام الرأسمالي، وسائل لا مثيل لها تبدو إزاءها كل بشاعات القرون الوسطى ومحاكم التفتيش والاستعمار باهتة.
إن الطبقة البرجوازية التي تجد نفسها على حافة القبر تحطم ماديا أهم قوة إنتاجية في المجتمع البشري، أي البروليتاريا، وقد فضحها الآن هذا الإرهاب الأبيض بكل عريها البشع.
إن الجنرالات الروس، الذين يشكلون التجسيد الحي للنظام القيصري قد قتلوا – وهم يقتلون أيضا – العمال بالجملة، بمساندة مباشرة أو غير مباشرة من الاشتراكيين – الخونة. خلال سيطرة الاشتراكيين – الثوريين والمناشفة في روسيا كان الآلاف من العمال والفلاحين يملأون السجون وكان الجنرالات يبيدون فرقا عسكرية بكاملها بسبب عدم الطاعة. في الوقت الحالي، إذ ينعم أنصار كراسنوف ودنيكين بالتعاون الودي من قبل الحلفاء، فهم يقتلون ويشنقون عشرات الآلاف من العمال، ويبقون الجثث معلقة على المشانق لمدة ثلاثة أيام من أجل إرهاب الباقين. وفي الأورال والفولغا تقطع عصابات الحرس الأبيض التشيكوسلوفاكي أيدي المساجين وأرجلهم وتغرقهم في الفولغا وتدفنهم أحياء، فيما يذبح الجنرالات آلاف الشيوعيين وأعدادا لا تحصى من العمال والفلاحين.
إن البرجوازيتين الألمانية والنمساوية، كما الاشتراكيين – الخونة، قد أظهروا بشكل جلي طبيعتهم كآكلي لحوم البشر، عندما علقوا على مشانق الحديد المتنقلة العمال والفلاحين بعد سلبهم، وكذلك فعلوا بالشيوعيين من مواطنيهم، رفاقنا الألمان والنمساويين. وفي فنلندا، بلد الديموقراطية البرجوازية، ساعدوا البرجوازية الفنلندية على إعدام أكثر من 13 إلى 14 ألف بروليتاري رميا بالرصاص، وعلى تعذيب أكثر من 15 ألف حتى الموت في السجون.
في هلسينكي، دفعوا أمامهم النساء والأطفال من أجل حماية أنفسهم من الرشاشات. فبمساعدتهم تمكن الحرس الأبيض الفنلندي والقوى المساعدة السويدية من القيام بتلك العربدات الدامية ضد البروليتاريا الفنلندية المهزومة. وفي تامرفورز أُجبرت النساء المحكوم عليهن بالإعدام على أن يحفرن قبورهن بأيديهن. وفي فيبورغ تم قتل مئات النساء والرجال والأطفال الفنلنديين والروس.
وقد بلغت البرجوازية والاشتراكية – الديموقراطية الألمانية، داخل بلدها، أقصى درجات السعار الرجعي عبر القمع الدموي للانتفاضة العمالية الشيوعية والاغتيال الوحشي لليبكنيخت ولوكسمبرغ، وقتل العمال السبارتاكيين وإبادتهم. الإرهاب الأبيض الجماعي والفردي – هذه هي الراية التي تقود البرجوازية.
وترتسم اللوحة نفسها في بلدان أخرى أمامنا.
في سويسرا الديموقراطية، كل شيء جاهز لإعدام العمال إذا ما تجرأوا على خرق القانون الرأسمالي. وفي أمريكا تظهر الأشغال الشاقة وقانون لينش والكرسي الكهربائي كرموز مختارة للديمقراطية والحرية.(*)
وفي المجر وإنكلترا، وفي بوهميا وبولندا – الشيء نفسه في كل مكان. القتلة البرجوازيون لا يتراجعون عن أية مخزية، ومن أجل تأكيد سيطرتهم يثيرون الشوفينية. فتقوم، مثلا، الديموقراطية البرجوازية الأوكرانية وعلى رأسها المنشفي بتليورا، والديموقراطية البرجوازية البولونية مع الاشتراكي – الوطني بيلسودسكي، وهكذا دواليك… بتنظيم مذابح واسعة ضد اليهود تفوق تلك التي نظمتها شرطة القيصر. وإذا كان الرعاع البولونيون الرجعيون و«الاشتراكيون» قد إغتالوا ممثلي الصليب الأحمر الروسي، فهذه ليست إلاّ نقطة ماء في بحر جرائم وفظاعات البرجوازية آكلة لحوم البشر.
إن «عصبة الأمم»، التي تدعو إلى السلام، حسب تصريحات مؤسسيها، تتجه نحو حرب دموية ضد البروليتاريا في كل البلدان، والقوى الحليفة الراغبة بإنقاذ سيطرتها تشق بجيوش سوداء الطريق أمام إرهاب وحشي لا يُصدق.
إن المؤتمر الأول للأممية الشيوعية، إذ يلعن المجرمين الرأسماليين يدعو العمال في العالم أجمع إلى تجميع قواهم من أجل وضع حد نهائي لنظام الإجرام والنهب، عبر إطاحة النظام الرأسمالي.



(*) قانون لينش: قانون الإعدام من غير محاكمة قانونية، وهو منسوب إلى قاض أميركي بهذا الإسم (المعرّبة).



________________
– الإشراف العام على التدقيق والمراجعة والتصحيح والتنضيد الإلكتروني منيف ملحم
– مراجعة فيكتوريوس بيان شمس بالتعاون مع صفحة التراث الأممي الثوري
– نقله إلى العربية لينا عاصي
– راجع الترجمة ودقّقها كميل قيصر داغر

لمراجعة الفصل السابق يرجى الدخول من خلال الرابط أدناه:
المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة (7)

Check out our other content

Check out other tags:

Most Popular Articles