الأحد ديسمبر 22, 2024
الأحد, ديسمبر 22, 2024

(2) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة

النظرية الماركسية(2) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة

المؤتمر الأول – أذار/ مارس 1919

في 24 كانون الثاني / يناير 1919 قامت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الروسي والمكاتب الخارجية للأحزاب الشيوعية في بولندا وهنغاريا وألمانيا والنمسا وليتوانيا واللجان المركزية للحزب الشيوعي الفنلندي والاتحاد الاشتراكي البلقاني والحزب الاشتراكي العمالي الأمريكي بتوجيه النداء التالي: «إن الأحزاب والتنظيمات الموقعة أدناه تعتبر اجتماع المؤتمر الأول للأممية الثورية الجديدة ضرورة ملحة. خلال الحرب والثورة، لم يظهر فقط الإفلاس الكامل للأحزاب الاشتراكية والاشتراكية – الديموقراطية الهرمة ومعها الأممية الثانية، ولكن أيضا عجز العناصر الوسطية في الاشتراكية – الديموقراطية الهرمة عن العمل الثوري، فيما بدأت ترتسم بوضوح معالم أممية ثورية حقيقية».
يصف النداء، في اثنتي عشرة نقطة، هدف الأحزاب «الاشتراكية» وتكتيكها ومسلكها، معتبرا أن العصر الحالي يتميز بتحلل النظام الرأسمالي وانهياره، الذي هو، في الوقت نفسه، انهيار للحضارة الأوروبية إذا لم يتم القضاء على الرأسمالية. إن مهمة البروليتاريا هي الاستيلاء المباشر على السلطات العامة، وهذا يقوم على تدمير جهاز الدولة البرجوازية وتنظيم جهاز الدولة البروليتارية. وعلى الجهاز الجديد أن يجسّد ديكتاتورية الطبقة العاملة وأن يُستخدم كأداة قمع منهجي للطبقة المستغلة ومصادرة ملكيتها. إن النموذج الذي تقدمه الدولة البروليتارية ليس الديموقراطية البرجوازية، هذا القناع الذي تختبئ وراءه سيطرة الطغمة المالية، بل الديموقراطية البروليتارية على صورة مجالس. ومن أجل تحقيق مصادرة الأرض ووسائل الإنتاج، التي يجب أن تنتقل إلى أيدي الشعب بأكمله، ينبغي نزع سلاح البرجوازية وتسليح الطبقة العاملة. إن الأسلوب الرئيسي للنضال هو نشاط الجماهير الثورية وصولا إلى الانتفاضة المسلحة ضد الدولة البرجوازية.
في ما يتعلق بموقف الاشتراكيين، جرى التمييز بين ثلاث مجموعات. فبمواجهة الاشتراكيين – الوطنيين الذين يقاتلون إلى جانب البرجوازية، ينبغي النضال دون هوادة، بينما يجب العمل على شق العناصر الثورية الوسطية ونقد قادتها باستمرار وفضحهم. وفي مرحلة معينة من التطور يفرض الانفصال العضوي عن الوسطيين نفسه، وينبغي تشكيل المجموعة الثالثة المكونة من العناصر الثورية في الحركة العمالية. يتبع ذلك تعداد لتسعة وثلاثين حزبا وتنظيما مدعوا للمؤتمر الأول. وترتكز مهمة المؤتمر على «خلق منظمة مقاتلة مكلفة بتنسيق الحركة الأممية الشيوعية وقيادتها، وتحقيق إخضاع مصالح الحركة في بلدان عديدة للمصالح العامة للثورة العالمية».
انعقد المؤتمر الأول في آذار / مارس 1919. في هذه المرحلة كانت روسيا السوفياتية محاصرة تماما، ومحاطة بالجبهات العسكرية من كل الجوانب بحيث أن عددا قليلا فقط من المندوبين تمكن، وفي أصعب الظروف، من الحضور إلى المؤتمر. وقد كتب الرفيق زينوفييف (في تقريره إلى المؤتمر الثاني)، حول موضوع تشكيل هذا المؤتمر، ما يلي: «لم تكن الحركة الشيوعية، في مختلف بلدان أوروبا وأمريكا، في تلك الفترة، إلاّ في بداياتها. وكانت مهمة المؤتمر الأول نشر راية الشيوعية وإعلان فكرة الأممية الشيوعية، غير أن الوضع العام للأحزاب الشيوعية في مختلف البلدان، وعدد المندوبين للمؤتمر الأول لم يسمحا بنقاش معمق للمسائل العملية الخاصة بتنظيم الأممية الشيوعية».
استمع المؤتمر إلى تقارير المندوبين حول وضع الحركة في بلدانهم، وتبنّى قرارات حول توجهات الأممية الشيوعية وحول الديموقراطية البرجوازية وديكتاتورية البروليتاريا، والموقف إزاء التيارات الاشتراكية والوضع العالمي، وقد صيغت هذه القرارات كافة بروحية نداء التأسيس. وتقرر تأسيس الأممية الشيوعية بالإجماع، عدا امتناع خمسة أصوات. وتركت للمؤتمر الثاني مهمة التشكيل النهائي للأممية الشيوعية، التي أسندت قيادتها إلى لجنة تنفيذية تتمثل فيها أحزاب روسيا وألمانيا وهنغاريا، والاتحاد البلقاني والحزبان السويسري والإسكندنافي، وأنهى المؤتمر أعماله بتوجيه بيان إلى بروليتاريا العالم أجمع.
خلال السنة الأولى، كان على اللجنة التنفيذية أن تقوم بعمل صعب التحقيق، وكونها شبه معزولة عن أوروبا الغربية، بقيت أشهراً كاملة دون صحف، محرومة من غالبية أعضائها الذين لم يستطيعوا المجيء، بسبب الحصار. ولكنها، رغم ذلك اتخذت موقفا من المسائل الهامة كافة. وتحديدا في السنة الأولى التي تبعت الحرب، حيث كان يُفتقد الوضوح إلى حد بعيد، كان لنداءات وكتابات اللجنة التنفيذية قيمة ثمينة جدا.
قدم إنشاء الأممية الشيوعية هدفا وقيادة للجماهير المعارضة لسياسة الأممية الثانية. فقد حدث تدفق حقيقي للعمال الثوريين إلى الأممية الشيوعية. ففي آذار / مارس 1919، أعلن الحزب الاشتراكي الإيطالي انتسابه، وفي أيار / مايو جاء دور حزب العمال النرويجي والحزب الاشتراكي «الضيّق» البلغاري، وفي حزيران / يونيو انتسب الحزب الاشتراكي اليساري السويدي والحزب الاشتراكي الشيوعي الهنغاري، الخ… في الوقت نفسه، كانت الأممية الثانية تفرغ بسرعة من عناصرها، فقد تركتها أحزابها الأكثر أهمية الواحد تلو الآخر. وإذا كانت الأممية الشيوعية، إبان تأسيسها، راية أكثر منها جيشا، فإنها لم تجمع خلال العام الأول لوجودها جيشا حول رايتها فحسب، بل أنزلت هزائم بأعدائها.

                   المؤتمر الثاني – تموز / يوليو 1920

لقد برزت مشاكل جديدة بالترافق مع تطور الأممية الشيوعية، فلم تكن الأحزاب التي انضمت إليها مكوّنة بشكل كاف، ولم يكن هناك وضوح كاف بعد حول موضوع الحزب ودور الشيوعيين في النقابات وموقفهم إزاء المسألة البرلمانية والمسائل الأخرى، فكانت مهمة المؤتمر الثاني تحديد التوجيهات.
أتى المندوبون من البلدان كافة، وافتتح المؤتمر في بتروغراد في 17 تموز / يوليو 1920، وسط تهليل العمال الروس واهتمام العالم البروليتاري بأكمله. لقد جرى تبني قرارات الأممية الشيوعية، التي برز فيها مفهوم الديكتاتورية البروليتارية وسلطة السوفيتات واضحا على قاعدة التجربة العملية، وكذلك شروط تنفيذ هذا الشعار في مختلف البلدان. وتم استعراض سبل تعزيز الحركة الشيوعية، كما جرى أيضا تبني قرارات حول دور الحزب في الثورة البروليتارية، فعلى الحزب الشيوعي أن يشكّل الطليعة، الجزء الأوعى والأكثر ثورية داخل الطليعة العمالية، وعليه أن يتشكّل على قاعدة مبدأ المركزية، ويشكّل، في كافة التنظيمات، أنوية خاضعة لانضباط الحزب.
أما في ما يتعلق بالنقابات، فـ «على الشيوعيين أن يدخلوا إليها لجعلها تشكيلات قتالية ضد الرأسمالية، ومدارس للشيوعيين»، فخروج الشيوعيين من النقابات ستكون نتيجته تسليم الجماهير للقادة الانتهازيين الذين يعملون مع البرجوازية. وجرى تبنّي قرارات أخرى حول موضوع المجالس العمالية ومجالس المصانع، حول البرلمانية وحول المسألة الزراعية والكولونيالية. وجرى أخيرا إقرار النظام الداخلي للأممية الشيوعية.
جرت نقاشات واسعة حول مسألة دور الحزب وحول نشاط الشيوعيين في النقابات والمشاركة في الانتخابات. وهاجم الانتهازيون بعنف الشروط الأحد والعشرين للانضمام إلى الأممية الشيوعية، فالنضال البطولي للبروليتاريا الروسية وإفلاس البرجوازية وحليفتها الأممية الثانية والشعارات والدعوات الثورية للأممية الشيوعية قادت إليها جمهورا من القادة الذين أجبروا على التنازل أمام ضغط الجماهير العمالية. لقد نذروا أنفسهم جسدا وروحا للأممية الثانية ولم يدخلوا الأممية الشيوعية إلاّ كي لا يفقدوا تأثيرهم على الجماهير. وحتى لو كانت الأممية الشيوعية قد أصبحت منظمة قوية ومجرّبة، فإن دخول هذه العناصر الانتهازية كان يحمل خطر إدخال روح الأممية الثانية إلى الأممية الشيوعية.
كانت هذه الشروط تفترض أن تتخذ كل دعاوة وكل تحريض يقوم بهما أي حزب يريد الانتساب إلى الأممية الشيوعية طابعا شيوعيا، وأن تكون الصحافة خاضعة كليا للجنة المركزية للحزب، وأن يبعد الإصلاحيون عن جميع مراكز المسؤولية، وأن يمتلك الحزب جهازا غير شرعي ويقوم بدعاية منظمة في الجيش وفي الأرياف ويقوم بنضال فعال ضد الإصلاحيين والوسطيين. وفي النقابات عليه أن يناضل ضد أممية أمستردام النقابية، وأن يكون شديد المركزية ويتخذ اسم الحزب الشيوعي (فرع الأممية الشيوعية)، كما على كل الأحزاب التي تنتمي إلى الأممية الشيوعية أو تلك التي تريد الدخول إليها، أن تبحث هذه الشروط في مؤتمر استثنائي يعقد في مدة أقصاها أربعة أشهر بعد المؤتمر الثاني، ويطرد من الحزب جميع الأعضاء الذين يرفضون هذه الشروط.
اختتم المؤتمر في 7 آب / أغسطس. وفي شهر أيلول / سبتمبر انشق الحزب الاشتراكي – الديموقراطي التشيكوسلوفاكي، فتبنت أغلبية ساحقة منه الشروط الواحدة والعشرين وشكلت، فيما بعد، حزبا شيوعيا. وفي شهر تشرين الأول / أكتوبر، وخلال مؤتمر هال، أعلنت أكثرية الحزب الاشتراكي – الديموقراطي المستقل انتسابها للأممية الشيوعية. وفي كانون الأول / ديسمبر حصل اندماج بين يسار الحزب المستقل والحزب الشيوعي الألماني (عصبة سبارتكوس) وخرج من ذلك الاندماج الحزب الشيوعي الألماني الموحد. وفي نهاية كانون الأول / ديسمبر انضمت الغالبية العظمى من الحزب الاشتراكي الفرنسي إلى الأممية الشيوعية. وفي شهر كانون الثاني / يناير 1921، حصل انشقاق داخل الحزب الاشتراكي الإيطالي، الذي كان ينتمي آنذاك إلى الأممية الشيوعية غير أن أكثريته الإصلاحية رفضت الشروط الأحد والعشرين. في شتى البلدان التي توجد فيها تنظيمات عمالية حدثت السيرورة نفسها: انفصل الشيوعيون عن الإصلاحيين وشكّلوا فروعا للأممية الشيوعية.
بموازاة تطور وتعزّز الأممية الشيوعية، حصل تفسخ الأممية الثانية، فقد شكلت سلسلة كاملة من الأحزاب التي خرجت من الأممية الثانية ولكنها رفضت الدخول إلى الأممية الشيوعية، «الاتحاد العالمي للأحزاب الاشتراكية»، الذي اصطلح على تسميته بالأممية 2,5، لأنه كان يتذبذب، حول المسائل كافة، بين الأمميتين الثانية والثالثة.

                  المؤتمر الثالث – حزيران / يوليو 1921

كان على المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية، الذي عقد في حزيران / يونيو1921، أن يعالج مهام جديدة، محددة في جزء منها بواقع أن الأممية الشيوعية كانت قد أصبحت تضم أكثر من خمسين فرعا، بينها أحزاب جماهيرية كبيرة في البلدان الأوروبية الأكثر أهمية، الأمر الذي كان يطرح مسائل تكتيكية وتنظيمية، ولكن، خاصة، بواقع أن تطور الثورة وانهيار البرجوازية شهدا نوعا من التباطؤ الذي ما كان بالإمكان توقعه في فترة انعقاد المؤتمرين الأول والثاني.
بعد انهيار قوات المحور، كانت الموجة الثورية هائلة القوة، وكان هناك انطباع بأن الثورات البروليتارية سوف تعقب مباشرة الثورات البرجوازية. وقد نجحت البروليتاريا في هنغاريا وبافيير في الاستيلاء على السلطة لبعض الوقت؛ حتى بعد هزيمة الجمهوريات السوفياتية في هنغاريا وبافيير لم يختف الأمل بانتصار سريع للطبقة العاملة. لنتذكر الفترة التي كان فيها الجيش الأحمر أمام فرصوفيا وكانت البروليتاريا بأكملها تستعد بشكل محموم لنضالات جديدة.
غير أن البرجوازية بدت أكثر قدرة على المقاومة مما كان يعتقد. كانت قوتها ترتكز، بادئ ذي بدء، على واقع أن الاشتراكيين – الخونة الذين قاتلوا البروليتاريا أثناء الحرب، بكل استبسال، قد ظهروا، حتى بعد الحرب، كأفضل حماة للرأسمالية المزعزعة. وفي شتى البلدان التي لم تستطع فيها البرجوازية أن تبقى سيدة الموقف، سلمت السلطة للاشتراكيين – الديموقراطيين. لقد كانت «الحكومات الاشتراكية – الديموقراطية»، مع نوسكه وإيبرت في ألمانيا، رينير وأوتو باور في النمسا، توسار في تشيكوسلوفاكيا، بوهم وغارامي في هنغاريا، هي التي تولت أعمال البرجوازية خلال المرحلة الثورية، وخنقت بشكل دموي محاولات التحرر التي قامت بها البروليتاريا.
إن الازدهار الظاهري الذي تبع الحرب مباشرة، بإتاحته للرأسماليين تشغيل العمال المسرّحين، شكّل هو أيضا عائقا أمام الثورة. ونجحت البرجوازية في تهدئة العمال العاطلين عن العمل، بإعطائهم إعانات مالية، تضاف إلى ذلك أيضا ظاهرة سيكولوجية، وهي تعب جماهير واسعة من الطبقة العاملة التي خرجت لتوها من المعاناة والحرمان اللذين عانت منهما خلال السنوات الأربع من الحرب الإمبريالية. وأخيرا كانت الأحزاب الشيوعية التي تقع عليها مهمة قيادة نضال البروليتاريا وتنسيقه، لا تزال في طريق تكوينها وغالبا ما تبنّت أساليب نضالية خاطئة.
سمحت كل هذه الظروف للبرجوازية بأن تستجمع قواها ببطء وأن تحوز على ثقتها بنفسها وتستعيد جزءا من مواقعها المفقودة، وفي البلدان كافة، حيث شارك الاشتراكيون في الحكومة، طردتهم البرجوازية عندما لم تعد بحاجة لهم. وتولى الرأسماليون بأنفسهم إدارة أعمالهم، وأنشأوا منظمات عسكرية غير شرعية وسلّحوا القسم الواعي من البرجوازية وانتقلوا إلى الهجوم على الطبقة العاملة.
في هذه الأثناء، طرأت تحولات عميقة على الوضع الاقتصادي. وفي ربيع 1920، ظهرت أزمة في اليابان وأمريكا وامتدت شيئا فشيئا إلى جميع الأمم الصناعية، فتضاءل الاستهلاك بسرعة، وانخفض الإنتاج، وتم الإلقاء بمئات الآلاف، وملايين العمال دون مأوى ولا عمل، وانخفضت مجالات العمل بسرعة، وتقلّص الإنتاج. لقد اتخذت النضالات العمالية أبعادا كبيرة ولكنها انتهت بهزائم، مما عزّز وضع البرجوازية.
هكذا كان الوضع، عندما أفتُتح المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية. لقد بحث المؤتمر بادئ ذي بدء، الوضع الاقتصادي العالمي، وتناول، بعد ذلك، مسألة التكتيك الذي يقتضيه الوضع الجديد. كانت البرجوازية تَقْوى، وكذلك خدامها الاشتراكيون – الديموقراطيون. لقد انقضت مرحلة الانتصارات السهلة التي حققتها الأممية الشيوعية خلال السنوات التي تلت الحرب مباشرة. وبانتظار نضالات ثورية جديدة، كان علينا إعادة بناء تنظيماتنا وتعزيزها والاستيلاء على مواقع الإصلاحيين عن طريق العمل المتواصل داخل المنظمات العمالية. إن احتلال المصانع في إيطاليا وإضراب كانون الأول / ديسمبر في تشيكوسلوفاكيا، وانتفاضة آذار / مارس في ألمانيا، كانت تُظهر أن الأحزاب الشيوعية حتى عندما تقاتل بشكل واضح من أجل مصالح البروليتاريا بمجملها لا تستطيع أن تنتصر على القوى الموحدة للبرجوازية والاشتراكية – الديمقراطية، ليس فقط عندما لم تكن تحوز على تعاطف أوسع الجماهير، بل أيضا عندما لم تكن تضم جماهير داخل منظماتها عبر انتزاعها من المنظمات المختلفة. لهذا أطلق المؤتمر شعار «توجهوا إلى الجماهير !».
كان على الأحزاب الشيوعية، في أوروبا الغربية، أن تفعل ما بوسعها لإجبار النقابات والأحزاب المستندة إلى الطبقة العاملة، على القيام بعمل مشترك لأجل المصالح المباشرة للطبقة العاملة في الوقت الذي تتحضر فيه هذه الأخيرة لاحتمال خيانة الأحزاب غير الشيوعية.
ظهر نوع من المعارضة «اليسارية» ضد هذا التكتيك، فقد رأى فيه حزب العمال الشيوعي الألماني(1) تخليا عن النضال الثوري، واتهم الأممية الشيوعية بأنها قامت، على الصعيد السياسي، بالتراجع نفسه الذي وجدت سلطة السوفييتات نفسها مجبرة على القيام به على الصعيد الاقتصادي. كما أن بعض الرفاق الجيدين لم يفهموا، في البداية، ضرورة هذا التكتيك.
وإلى جانب مسائل التكتيك، اتخذت مسألة التنظيم الاهتمام الأكبر. وقد شكّل المكتب النقابي، الذي أنشأه المؤتمر الثاني بالتعاون مع النقابات التي انتسبت في الفترة الفاصلة بين المؤتمرين، الأممية النقابية الحمراء بهدف السيطرة على النقابات. وجرى نقاش مسألة أممية الشباب أيضا والحركة النسائية، والمسألة المرتبطة بالعمل في التعاونيات والاتحادات الرياضية العمالية.
استمع المؤتمر، فيما بعد، إلى تقرير حول روسيا السوفياتية وأقّر بالإجماع التكتيك المُتّبع.
وحصلت نقاشات واسعة حول التقرير المتعلق بنشاط اللجنة التنفيذية، وقد عارض بعض الرفاق سياسة اللجنة التنفيذية بصدد المسألة الإيطالية، وقضية ليفي وقضية حزب العمال الشيوعي الألماني. لكن المؤتمر أيّد في هذه المسائل كافة نشاط اللجنة التنفيذية. وقد أتت الأحداث لتثبت صحة هذه القرارات.

اختتم المؤتمر أعماله في 12 آب / أغسطس بنقاش المسألة الشرقية.

كانت الأشهر التالية هادئة نسبيا، وفسحت المجال أمام مختلف الأحزاب الشيوعية لتنفيذ قرارات المؤتمر الثالث. وقد خضعت المنظمات لامتحان قاس وتوطد الارتباط بين مختلف الفروع واللجنة التنفيذية. لقد أصبحت الأممية الثالثة خلال ثلاث سنوات من وجودها، منظمة عالمية حقا، فلم يكن للأممية الثانية، مثلا، أي حزب في بلدان كفرنسا وإيطاليا، وعلى العكس، لم يكن هناك أي بلد لم يشكل فيه القسم الأكثر وعيا من البروليتاريا، دون تمييز بين العرق أو اللون، فرعا للأممية الشيوعية. كانت هذه الأخيرة تضم 60 فرعا، ويبلغ عدد أعضائها الإجمالي ثلاثة ملايين وتملك 60 صحيفة يومية. وكان يتم كسب جماهير جديدة ومواقع جديدة بنجاح، فمؤتمر عمال الشرق الأقصى، الذي عقد في موسكو في شهر كانون الثاني / يناير 1922، أقام الصلة بين الطبقتين العاملتين الصينية واليابانية والأممية الشيوعية.

لمراجعة الفصل السابق يرجى الدخول من خلال الرابط أدناه:
المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة (1)

Check out our other content

Check out other tags:

Most Popular Articles