جوسارا كوني (عضو البرلمان البرازيلي، واللجنة المركزية للحزب الشيوعي البرازيلي):
“أتفق تماما مع الرفيق هيرناندز في قوله إن مناظرة من هذا النوع كان ينبغي أن تعقد في قاعة أكبر بحيث تكون هنالك فرصة لمشاركة كثير من الناس، لأنه باعتقادي أن هذه المناظرة، بعيدا عن تحديد خطوط نقاش حاسمة لهذا المنتدى الاشتراكي العالمي، هي درس ينبغي تعلمه. إنه درس لنا في مرحلة الصراع الطبقي الراهنة. أنا عضو اللجنة المركزية للجنة المركزية للحزب الشيوعي البرازيلي، ولدي نقطة أود المساهمة بطرحها في هذه المناظرة بكل صفاء ثوري. إنها درس لنا يا رفاق استنادا إلى كيفية تناول نقاط حساسة كهذه وكيفية تفسيرها، ليس فقط لكوبا الثورية بل أيضا من أجل النضال الثوري والتعلم للإنسانية، فسيكون بإمكاننا إما تشجيع المواقف الثورية أو مواقف الثورة المضادة.
إحدى القضايا المطروحة للنقاش هنا هي الديمقراطية. برأيي إذا كان ينبغي علينا امتلاك رؤية أممية، فمن واجبنا كبرازيليين، وكأمريكيين لاتينيين، أن نتعمق بقضية الديمقراطية هذه. لأنه برأيي ومن وجهة نظر حزبي، ينبغي تناول الديمقراطية من منطلق طبقي، والديمقراطية من موقف طبقي تتضمن يقظة ثورية ضد مواقف الثورة المضادة. عندما تكون هناك إرادة لبناء أسس جديدة للمجتمع، فإن هذا يضمن التحرر الأصيل للناس، على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والروحي، لأن الثورة المضادة هناك، في كل العالم، تعمد إلى حرماننا من التحرر، وبرأيي انطلاقا من اليقظة الثورية، أن الشعب الكوبي مع قيادته اليوم بزعامة فيديل، والذي سيكون في المستقبل تحت قيادة أولئك الذين ستفرزهم الصيرورة الثورية، يعلمنا معنى اليقظة الثورية. لقد ذهبت إلى كوبا من أجل الندوة الأممية السابعة للرعاية الصحية الأولية، ولحضور ندوة عن النباتات الطبية. ولكن قبل التحدث عن تجربتي هناك، أود أن أشرح ماذا أعني بقولي إنه يمكن ضمان المواقف الثورية أو مواقف الثورة المضادة. أعتقد أن هذه مسألة تستدعي النقاش عند تناول المشاكل في كوبا من وجهة نظر التضامن الأممي للبروليتارية الثورية، لمناقشة الأمور برؤية نقدية. ولكن الأمر سيكون مختلفا تماما عند تحويل ورشة عمل كهذه إلى نقاش حول استعادة الرأسمالية في كوبا. هذا موقف الثورة المضادة.
علينا الحفاظ على هدوئنا، لا سيما عندما يكون هنالك خلاف مهيمن على وجهة النظر الأيديولوجية حول ما الذي نريده للطبقة العاملة في كل مكان بالعالم. ما أعنيه أنه هناك في كوبا وجدت أمّة تتعلم وتشعر بروح التضامن. شيء جديد، لم ينته بعد، يدور هناك من قبل الناس، لأن تجربة الناس لديها ديناميكياتها المرتبطة بعدّة عوامل ذاتية وموضوعية، من لا يفهم هذا، ولا يفهمه من حيث ما تفعله كوبا، مع كل مشاعر الاشتباك السياسي والتزامات حزبي، أقول له أنه يدعم مواقف الثورة المضادة”.
ريكاردو (قائد حزب العمال المكسيكي)
“مع انهيار المعسكر السوفياتي، تماما ككل الجهات التي تدعم المشروع الاشتراكي، يهمنا معرفة الأخطاء التي ارتكبت في الاتحاد السوفياتي. ماذا كانت تلك الأخطاء كي نحذر ألا نرتكبها عندما نبني الاشتراكية. هذا ما كان يشغل بالنا عندما شاركنا في ندوة للخروج بمسودة حول بناء الاشتراكية، لتحليل الأخطاء التي حدثت في الاتحاد السوفياتي، ولماذا مازال المشروع الاشتراكي مازال قائما في كوبا، وكوريا الشمالية، وفيتنام، والصين.
أعتقد أنه قبل القفز إلى استنتاجات متسرعة، ينبغي علينا أن نتواضع لنتعلم ونكون تلاميذ علم لهؤلاء الناس الذين استطاعوا شق طريقهم للمشروع الاشتراكي، والذين حققوا انتصارات هامّة. أعتقد أنه إذا كان هناك ما ينبغي علينا أن نضعه جانباً، فهو الدوغمائية. يمكن أن يكون لدينا نماذج اشتراكية متعددّة، وليس أنموذجا واحدا. عندما نتحدث عن احتكار التجارة الخارجيّة كشرط أساسي لبناء الاشتراكية، ببساطة قد لا يكون الأمر كذلك، ربما من الممكن بناء الاشتراكية دون الإمعان في الاحتكار، ربما من خلال المجتمع ودون الإمعان في هيمنة الدولة. وأظن أنه مازال لدينا الكثير لنتعلمه. إنها مجرد محاولات مازالت في بداياتها الأولى لبناء الاشتراكية، وأظن أنه علينا أن نكون منفتحين على التعلم من هذه الدروس التي يعلمنا إياها الشعب الكوبي، وتلك التي يعلمنا إياها الشعب الكوري، والتي يعلمنا إياها الشعب الفيتنامي، وتلك التي يعلمنا إياها الشعب الصيني، وكذلك الشعب في ليبيا الذين يعتبرون أنفسهم اشتراكيين، هنالك الكثير لتعلمه، وأعتقد أن مثل هذه الندوات، في حال تركنا الجزء الساخن، قد تكون مفيدة لهذا.
ما نرغب بإعلامكم به هو أن الحلقات الدراسية عندنا في المكسيك تحت تصرف أي أحد يهتم بمعرفتها، وهي تحتوي على كثير من التجارب. الرفاق في كوبا شاركوا بتلك الحلقات، وكذلك الرفاق من فيتنام وكوريا، وكان هنالك آراء متنوعة، وهذا أمر طبيعي. مثلا كان هنالك أكاديميين كوبيين أيّدوا أن في كوبا هناك بناء للاشتراكية، ولكننا لم نبلغها بعد، ثم قال رفاق آخرون بلى إنها اشتراكية الآن. ولكنني لا أظن أنه كان هنالك جدالا هاما حول هذه القضية. أعتقد أن الهدف الأساسي هو معرفة الأخطاء التي ارتكبناها كي لا نعيد ارتكابها في المستقبل، وأن نساند بعضنا البعض لأنني لا أظن أننا ينبغي أن نسمح للبحث عن الأخطاء بتفرقتنا. أعتقد أن ما علينا أن نحافظ عليه هو النقاش الأيديولوجي، ولكن علينا أن نراعي دائما الوحدة ضد الإمبريالية وخدمة شعوبنا. لهذا أعتقد أنه بالنسبة لهذه المناظرة، حتى وإن لم ننهها، وحتى لو لم نصل إلى كثير من الاستنتاجات، فإن هذا لا يمكن أن يمنعنا -سياسيا على الأقل- من التوحد، حتى وإن أبقينا، على الصعيد الأيديولوجي، على نقاش من شأنه أن يكون مثمرا وشغوفا، حيث أن علينا أن نتناول السياسة بشغف. في المجالات الأيديولوجية والعلمية والأكاديمية علينا أن نكون هادئين وقادرين على فهم خصومنا في النقاش، وأن نكون قابلين لتعلم المزيد، بعقل منفتح يتيح لنا أن نرتكب أقل ما يمكن من أخطاء في المستقبل”.
بينو ألتمان (صحفي في مجلة “ريبورتاغيم” البرازيلية)
“بداية أود أن أثني على الرفاق الكوبيين للصبر الهائل الذي تحلوا به تجاه المسألة المطروحة هنا. صبر عليّ أن أعترف بأنني لا أمتلكه، فأنا لا أمتلك مثل هذا الصبر لسبب في غاية الأهمية بالنسبة لموضوع النقاش والذي يفسّر ردود أفعال كثير من الرفاق. إذا ما استعرضنا جميع استنتاجات التحليلات التي تفيد بأن الرأسمالية تجري استعادتها في كوبا، فإن كل روابط التضامن مع هذه الدولة، النابعة من الثورة الكوبية، ومع القيادة السياسية، ستتحطم، حيث أنه لا يمكننا مدّ جسور التضامن مع دولة رأسمالية، ناهيك بأن هذه القيادة، وفقا لهذه التحليلات، لعبت دورا في الثورة المضادة، خاصة أونها ذات القيادة. الاستنتاج السياسي الذي يمكن استشراقه من هذا التحليل الذي يفيد بأنه يجري استعادة الرأسمالية في كوبا، هو أن الحزب الشيوعي الكوبي، بقيادة فيديل كاسترو، هو قيادة لثورة مضادة لا تستحق أي تضامن. إذا كان لنا أن نتذكر أن اليسار في أميركا اللاتينية تم بناءه إلى حدّ كبير على أسس قيم وتجربة الثورة الكوبية، فإن هذا يعني من وجهة نظر ورؤية اليسار أنك مثلما تكون قد تلقيت لكمة في منتصف معدتك، أو صفعة على وجهك، لا عجب إذا أنّ تكون ردود أفعالهم ساخطة.
مشاركة الرفيق هيرنانديز تذكرني بتلك القصة القديمة لذلك الرجل الذي عوضا عن شرائه لحذاء على مقاس قدمه، حاول أن يجعل القدم على مقاس الحذاء. مثل هذا القالب مزوّر، لذا عليك إيجاد المفاهيم التي من شأنها الحفاظ عليه. الاستنتاج البالغ الأهمية الذي تنبغي مناقشته بعد 70 سنة من التجربة الاشتراكية، وبعد انهيار المعسكر الاشتراكي، هو تلك الفكرة القديمة التي كانت بمثابة علم في الطريقة التروتيسكية بالتفكير، أن بناء الاشتراكية في بلد واحد غير ممكن، وبما أن تحقيق الاشتراكية في بلد واحد غير ممكن، وكثير ما لامست التجارب الاشتراكية التصورات التي تحاول إثبات هذه الفرضية. وهذه إحداها، أن نقول أنه في كوبا، كإشتراكية غير ممكنة في بلد واحد، فإن كوبا لا يمكن أن تكون اشتراكية، لذا فإن ما حصل في كوبا هو استعادة للرأسمالية. استعادة الرأسمالية بدون المكونات الرئيسية اللازمة لاستعادتها، لأن البرجوازية الجديدة لم تأت لتعيش هناك، لم يكن هنالك استيلاء على الملكيّة بأيد رأسماليّة. كوبا تعيش مرحلة تاريخية دراماتيكية، تتشارك بها كل الحركة الثورية الاشتراكية: وهي انتصار الثوريين في الدول الفقيرة. عندما صنعت روسيا الثورة في العام 1917، كان عليها مواجهة هذه المشكلة، فلم يكن هنالك تراكما حقيقيا لرأس المال والثروة التي من شأنها السماح ببعض التقدم نحو الاشتراكية وكانت حالة العزلة حادّة. في ظلّ هذا الوضع كان على روسيا استعادة السياسة الاقتصادية الجديدة، والتي كان شعارها -لفترة طويلة من الزمن- الفلاحون أصبحوا أغنياء لأنه بعد الحرب العالمية الأولى وبعد الحرب الأهلية لم تكن هنالك حاجة لإطعام الشعب الروسي. المكون الأساسي للسياسة الاقتصادية الجديدة من وجهة نظر إحصائية تتمثل بالتطور الهائل للإنتاج الزراعي الخاص، لدرجة كبيرة حتى أنه في نهاية العشرينيات تولدت أزمة المقصات، حيث احتكر الفلاحون الطعام وشكلوا تهديدا للطبقة العاملة. كوبا تمر بمرحلة فقدت فيها ثالث أركان إنتاجها الداخلي وكان عليها استعادة ما يدعى بـ “المرحلة الاستثنائية”، والتي حملتها القيادة الكوبية على عاتقها علانية. ما أعلنه فيديل في خطابه عام 1989 كان: “علينا الدفاع عن منجزات الثورة حتى لو كان هذا يعني التراجع خطوات عديدة عن بناء الاشتراكية وتبني سياسات تتيح لكوبا مراكمة الثروة ثانية لتخوض النضال من أجل نظام جديد”. أعتقد أن علينا تجنب فرض نماذجنا على بلادهم. كما كان من الخطأ أيضا استيراد نماذج من بلاد أخرى. حقيقة أن هنا في البرازيل توجد جمعيات عمال ذات اتجاهات متعددة، وبأحزاب متنوعة، وهذه ليست مسألة مبادئ طالما أخذت ديمقراطية العمال بعين الاعتبار. حقيقة أنه قد يكون هنالك حزب واحد فقط لا تحطم الديمقراطية العمالية بحد ذاتها. أعتقد أن للرفاق الكوبيين حق الاختيار، من خلال تجربتهم الذاتية، نموذج بناء نظامهم السياسي”.
ميغيل (قيادي في اتحاد العمال الكوبيين وعضو الوفد الكوبي للمنتدى)
أول ما يلمسه المرء في هذه المناظرة، في هذه القاعة، هو الاعتراف بالثورة الكوبية وعشقها، وهو ما نحن ممتنون له للغاية، وبسبب هذا الحب والاعتراف والتضامن كان للثورة أن تزدهر، لا سيما في تلك الأوقات العصيبة، وتحديدا في التسعينيات كما نعتقد. كان هنالك آراء من كل نوع قد طرحت هنا، بعضها مبنية على معرفة الواقع الكوبي، وبعضها ليست إلى هذا الحد. في بعض الحالات يمكن للمرء أن يلمس أن البعض لا يعرفون شيء عن الثورة الكوبية، ولكن هكذا تجري الأمور: بناء العالم يتطلب كل شيء، ولكني أعتقد أن الأبرز حقا هو هذا الشعور. هنالك رسالة نرسلها دوما لأصدقائنا، وهي أنه إذا كان هنالك ما يساعدنا حقا، كشعب كوبي، هي أنه لا ينبغي لهم تصوّرنا كمثاليين.
نحن شعب من مختلف الألوان، ليس فقط السود والبيض، فلمجتمعنا كل أشكال الظلال. صحيح أنه ليس الجنة التي نودّ امتلاكها، ولكننا لا نعيش في الجحيم الذي يدعونه. من أجل فهم حقيقي للمشكلة الكوبية، علينا أن نفهم ما كانت عليه الثورة الكوبية. ما هي جذور الثورة الكوبية. جذورنا ليست في ثورة أكتوبر. جذورنا تمتد إلى القرن الماضي، إلى أفكار مارتي. إنها الأيديولوجيا التي ساندتنا، وبعدها -بالطبع- اعتنقنا أيضا أفكار قضية أكثر عدالة، والتي هي قضية العدالة الاجتماعية. اليوم قيل الكثير عمّا إذا كان هنالك ارتداد، وما هو الطريق.. الخ. انظروا، شيء في منتهى البساطة حدث في كوبا. مثل صيني قديم كان يردّد هناك عادة هو: “عندما تشعر بالحرّ، ما ينبغي عليك فعله هو فتح النوافذ ليدخل الهواء المنعش”. هذا ما حصل معنا. المشكلة أنه مع الهواء دخلت الحشرات، كنا مرغمين على هذا. على فتح النوافذ ليدخل الهواء، حيث أننا إن لم نفعل ذلك لبقينا أنقياء، ولكننا كنا سنموت. كنا سنموت أنقياء. كان هذا سيكون قدرنا. كنا نعلم أن الحشرات ستدخل، والحقيقة أن المشهد الاجتماعي الظاهر لم يكن معلوما إلى حدّ ما، وكذلك مسألة الدعارة. كان هنالك فساد. وكانت هناك مظاهر سلبية أخرى مماثلة لم تكن معروفة في جيلي. المشكلة هي كيف يمكننا- وهو ما قمنا به – أن نحصل على المبيد الخاص بنا للقضاء على هذه الحشرات، حيث لم يكن من ذلك بدّ. كان هنالك إرادة، من وجهة نظر التخطيط الاجتماعي، للحلّ ولمواجهة التحديات بكلّ ما يعنيه هذا. في تلك المرحلة كان هناك ثمن علينا تحمّل كلفته، وكنا نعلم هذا، على الصعيد الاجتماعي ولكن أيضا على الصعيد السياسي. كان هناك أولئك الذين ترتجف أقدامهم عند مواجهة الصعوبات، وكنا نعلم هذا. الفكرة أن الشعب الكوبي لديه تاريخ وقد بذل كثيرا من الدماء لصنع الثورة. وأجده من المؤلم حقا وجود أصدقاء، دون نوايا سيئة، من أي جزء من العالم، يقفون لتوجيه كثير من النقد للثورة. ولا أقول أن هذا هو الحال، كل ما أقوله هو: ما هي الدولة الأخرى في العالم التي صنعت كل هذا خلال أربعين سنة؟ قبل أي شيء هي ثورة على مسافة تسعين ميلا من شواطء الولايات المتحدة. لم يفعلها أحد. نحن فعلناها. ومن ثم حافظنا عليها لأربعين سنة رغم الحصار. وهنا هنالك من يقولون أن الحصار نصف حقيقة. كلا! الحصار حقيقة مطلقة. حقيقة مطلقة لأنه في خضمّ زوال المعسكر الاشتراكي، ما ظهر بداية هو قانونيّ تروسيللي وهيلمز بارتون، ما يعبّر عن الإرادة القويّة للأميركان لخنق الثورة الكوبية. وهذه ليست مصادفة. ليس هنالك رزنامة صدفة خالصة في تلك التواريخ. لهذا أقول حسنا لم يفعلها أحد. لم يحافظ أحد على استمرار الثورة لأربعين سنة. ولكن بعدما قيل وفعل كلّ شيء، ما يحدث الآن في كوبا له علاقة بكل الكوبيين. هذا ما نحن عليه، لأن هذا هو ما نشعر خلاله بوجودنا، ونحن ندافع عن رغبتنا بأن نكون كذلك. أحدهم قال، وأنا أشاركه الرأي، “دعونا لا نتظاهر بأن نحملهم على فعلها بطريقتنا”. أنا واضح تماما بهذا، سيفشلون بها. نحن لا نقلد أحدا، ولهذا نجحنا، لأن هذه ثورة كوبية أصيلة، ولم نتبع أحدا، كما يقولون في البيسبول الكرة السيئة. لهذا أيها الرفاق، نيابة عن حركة النقابات العمالية الكوبية، ينبغي عليّ القول أنّنا ممتنون لرغبتكم بأن تبقى الثورة الكوبية ثورة اشتراكية، ونحن الكوبيين متأكدون من هذا تماما. وإننا نعلم المسؤولية التاريخية التي حملناها على عاتقنا بأن نكون مرجعية، لأنه مع الأسف لم يتبقى الكثير من المرجعيات. ولكن ثقوا بالشعب الكوبي حيث أننا لن نخونكم، ولن نخون أنفسنا، ولا الإنسانية في هذه الأيام. ولكم جزيل الشكر”.
مارتن هيرنانديز
“العديد من المتواجدين هنا انتقدوني بشدّة لـ “افتقاري الكامل لمعرفة ما الذي كان يجري في كوبا”، لذا عليّ أن أطلب من هؤلاء الرفاق نسيان كلّ ما قد قلته عن كوبا والأخذ بعين الاعتبار فقط البيانات التي قدّمها لكم الرفيق فالينتين من كوبا، لأن ما فعله الرفيق فالنتين هو تقديم وصف موضوعي لما يحدث في كوبا. ما قلته هو ذات الشيء الذي قاله هذا الرفيق، كل بياناتي تتوافق تماما مع ما قدمه -كما سبق وأن ذكرت- فهي من ذات المصدر. كل هذه البيانات جاءت من الحكومة الكوبية، وتلك التي لم تأت مباشرة من الحكومة جاءت من مركز الدراسات الأميركية في هافانا، والتي يعرفها الرفيق فالنتين بالتأكيد. حاولت أن أكون بغاية الحذر عندما أخذت المعلومات الرسمية على أنها حقيقية. لذا دعوني أكرّر، فقط خذوا بعين الاعتبار ما قاله الرفيق فالينتين. هذا نقاش عميق جدا. كلنا، كثوريين، نواجه تحديا له علاقة وثيقة بمستقبل كوبا، والذي هو أيضا مستقبل أميركا اللاتينية وكذلك الثورة الأممية. وهذا التحدّي لن تتم بمعالجته بالغطرسة أو الصراخ، او فقدان الصبر. عليكم أن تتحلوا بصدر واسع. علينا كلنا التحلّي بسعة الصدر. بماذا يتعلق كل هذا النقاش حول كوبا؟ هل يتعلّق بما إذا كان من الضرورة تقديم تنازلات للرأسمالية؟ لا، ليس هذا هو النقاش. أكررها مرّة أخرى: إذا كان من الضروري أن تطلب قروضا فسنطلب قروضا. إذا كان من الضرورة أن نجذب رأس المال، فمن الضروري في كثير من الأحيان تقديم تنازلات. إذا لم نستطع تطوير التكنولوجيا الأساسية التي تمتلكها الرأسمالية، فعلينا أن نرى كيف يمكن جلب هذه التكنولوجيا، حتى ولو عبر المخاطرة بتقديم تنازلات للرأسمالية، ولكن بأن نكون مدركين، قبل أي شيء آخر، لحقيقة أننا نقدم تنازلات للرأسمالية.
في بداية العشرينيات كان النقاش في الاتحاد السوفياتي تحديدا على هذا النحو، ولكنه كان نقاشا ديمقراطية واستغرق سنة ونصف لتقرير ما إذا كان ينبغي تقديم تنازلات للرأسمالية أم لا. وكان لينين معارضاً بشكل قطعي لتقديم أي نوع من التنازلات. لقد كان تروتسكي هو الذي دافع عن تقديم هذه التنازلات للرأسمالية. لقد كان تروتسكي هو الذي دافع عن تبني هذه السياسة الاقتصادية الجديدة. هذا ما يجدر قوله، تنازلات للرأسمالية من شأنها فتح النوافذ لمعالجة اقتصاد كان أكثر تدهورا من الاقتصاد الكوبي بشكل نوعي، لأن روسيا كانت قد مرّت ليس فقط بالحرب العالمية الأولى، ولكن أيضا بالحرب الأهلية للثورة المضادة، حرب أهلية كنست، ليس المصانع فحسب، بل الطبقة العاملة أيضاً. حجم ضخم من مليشيا العمال لحزب البلاشفة ماتوا في الحرب الأهلية، وتمت مواجهة هذا بالرؤية التي طرحها تروتسكي: “من أجل معالجة الاقتصاد علينا تقديم تنازلات للرأسمالية”. وقد حارب من أجل هذا داخل اللجنة المركزيّة، وخلال سنة تمّ عزله، وبالكاد دعمه أحد. لينين كان معارضا لهذا بالمطلق. فقد كان لينين يخشى أن تقود التنازلات إلى استعادة للرأسمالية. والآن يقول لنا الرفيق بيرنو أن دليل السياسة الاقتصادية الحديثة يتلخّص بـ “الفلاحون يصبحون أثرياء”! كان هذا مبدأ استعادة الرأسمالية. كان هذا مبدأ بوخارين. لقد كان المبدأ التوجيهي لفتح كافّة النوافذ وعدم إغلاقها ثانية. لقد كان مبدأ بوخارين، الذي كان من اليمين في اللجنة المركزية لحزب البلاشفة.
استمرّ النقاش لسنة كاملة، ولم يقل أحد “مللت هذا النقاش ولم يعد لديّ أيّ صبر”، لهذا لأن ذلك كان زمن ديمقراطية العمال. ولكن ليس حزب البلاشفة فقط هو الذي كان يناقش، فالأممية الثالثة ناقشت ذلك أيضاً. لذا عودة على مسألة السياسة الاقتصادية الحديثة، فإن اللجنة المركزيّة بأسرها، وفي مقدّمتها حزب لينين، انتهت إلى تبني السياسة الاقتصادية الحديثة، وتمت مناقشتها في السوفيتات، وتم تقديم تنازلات للرأسمالية. وهنا لدينا هذا النقاش مجددا، ما نوع هذه التنازلات؟ وأي مدى بلغته؟ وهذا على صلة وثيقة بما قاله الرفيق ميوغيل من اتحاد العمال الكوبيين، حيث قال: “دعونا نفتح النوافذ حتى لو دخلت الحشرات”. المشكلة في نوع وحجم الحشرات، لأنه إذا فتحنا النوافذ قد يدخل الباعوض، وكذلك من الممكن أن تدخل الأسود والنمور. المشكلة كم ينبغي لنا ترك النوافذ مشرعة. هذا هو جوهر النقاش. ما الذي ناقشوه في السياسة الاقتصادية الجديدة؟ الحزب البلشفي اتفق على أن التنازلات للرأسمالية ينبغي أن لا تؤثر إطلاقاً على تخطيط الاقتصاد أو على احتكار التجارة الخارجية. وأكثر من ذلك، فقد اتفقوا على أنهم إذا ما اقترفوا هذا حقا فإنه سيكون بمثابة إعلان نهاية الثورة. كان هذا هو موقف البلاشفة. الرفاق الكوبيين قالوا شيء مختلفا تماما، قالوا إن ما يريدون الحفاظ عليه ليس الاقتصاد المخطط ولا احتكار الدولة للتجارة الخارجية، بل الحفاظ على “المنجزات الاجتماعية”، وفي المقابل فإنه من الضروري أن يحصل ارتداد. مع كل هذه التنازلات للامبريالية الأوروبية، التي لم يذكرها أحد هنا في هذا الاجتماع، يعتقد الرفاق أن بإمكانهم معالجة الاقتصاد والاستمرار بالاستقلال عن الامبريالية. أظن أن هذا مستحيل. كل هذا الحماس الثوري يجعلني في غاية السعادة، ولكنه لا يكفي. علينا أن نرى ما الذي يحدث على أرض الواقع. علينا أن نرى، عبر هذا الإطار، الدور الذي تلعبه الحكومة. قبل أن أختم أودّ أن أهنئ الرفاق الكوبيين الذين شاركوا. بداية بسبب ما يمثلونه، فإن قدومهم ومشاركتهم بالمناظرة هنا هو أمر نفتخر به، ثانيا بسبب ما لم يذكره برينو. بسبب سعة الصبر التي أثبتوا امتلاكها خلال نقاش الآراء المختلفة”.
فالنتين سوسا
“أودّ طرح سؤال، ما هي العناصر التي تمتلكها لتقول أنه لم يعد هنالك اقتصاد مخطط في كوبا؟ لأنك خلطت ما بين وجود الاقتصاد المخطط وبين احتكار التجارة الخارجية. وأود إخبارك أنه السنة الماضية تمّ الاحتفاء بالذكرى الأربعين للاقتصاد المخطط، والتخطيط للروابط الأساسية للاشتراكية. الأمر أنه في كوبا، في السنوات المبكرة بكوبا، صيغت الخطط استناداً إلى موازنات مادية، دأبنا على استقبال معظم المواد الخام من العالم الاشتراكي، وعندما انهار هذا وكذلك الاتحاد السوفياتي، أصبح التخطيط أمرا مختلفاً، لأن المكونات المالية بزغت حيث لم تكن هنالك في الخطة السابقة. هذا يعني أن الاشتراكية دون تخطيط ليست اشتراكية، وفي كوبا كان هنالك تخطيط على الدوام. وقد بات من الضرورة إعادة توجيه التجارة الخارجية، لأننا إن لم نفعل هذا فسنهلك. هنالك أمر آخر لم تتحدث عنه، هو إلغاء عقوبة الدولار. فعلنا هذا على مضض. فقد كان ضد موقفنا. ومع إدراك المخاطرة التي كنا نخوضها من وجهة نظر اشتراكية. لقد خططنا للقيود الأساسية للدولة. ينبغي الحديث عن هذا لأنه في كوبا وضعت الخطة للبقاء في ظروف مختلفة تماما. كان التخطيط باتجاهين، النجاة من الحصار الاقتصادي، في مواجهة الهجوم العسكري، والتخطيط للنجاة في أوقات السلام في المرحلة الخاصة. دون هذا التخطيط لما كنا قادرين على النجاة. وهذا أمر مهم، إذ قد يكون هناك بعض الالتباس بشأنه. كلّنا على ما قاله لينين، لكن الواقع أن هاتان محطّتين تاريخيّتين مختلفتين، كل ما حصل في كوبا حدث لأن الحياة حملته على أن يحدث بهذه الطريقة. ولهذا نتحدث عن المنجزات الاجتماعية. كان الكل قلقا في البداية لأنهم قالوا إن كوبا ليست منفتحة على العالم. كوبا بدأت بالانفتاح لأن الحياة فرضت هذا ولأن الظرف تغيّر، والكل بدأ يقلق من الانفتاح الكوبي. جمعية الاقتصاديين التي أنتمي إليها تضم 35000 عضو عبر البلاد، والمهمّة الأساسيّة هي المشاركة الفاعلة بكل عمليّة تحوّل الاقتصاد الكوبي. أعتقد أن الاشتراكيّة لا يمكن أن تتحقّق دون تخطيط. المشكلة أن الظروف تغيّرت بالكامل، وأظن أن مثال كوبا مازال موجودا، وبمجرد أن ينتعش الاقتصاد الكوبي سيتم القضاء على كثير من هذه التحوّلات. نعمد أولا إلى إنعاش البيزو الكوبي. هذه مهمّة أساسيّة. والمسألة الأخرى أنه عندما يعاد توجيه التجارة الخارجية، سيكون علينا البدء بتغيير الشكل الخارجي للتجارة الخارجية، لأنه منطقيا، لم نعتد على أن يكون هناك بنك دولي، ولم نعتد من قبل على أن يكون هناك صندوق نقد دولي. التبادلات التجارية كانت تتم بأسعار تفضيلية داخل الكتلة الاشتراكية. لهذا أعتقد أن الأمر مهم، وعلينا أن نضع في أدهاننا دائما أنه سيكون هنالك تخطيط، وأن كل التحولات وكل الانفتاح ينبغي أن تعود إلى المشاكل الراهنة. لأن الظروف المادية التاريخية مختلفة تماما. تشي غيفارا شهد الكثير وتوقّع كثيرا من الأمور، ولكن الحياة أغنى من تغيّر الظروف، إننا فخورون جدا بالثورة. في اليوم الذي سيموت فيه فيديل كاسترو فإن فيديل لن يموت فينا. سنؤبنه ككوبيين وكبشر، ولكن أفكاره ستترسخ تماما كما ترسخت أفكار تشي غيفارا، أو أفكر مارتي، أفكار البوليفار في أميركا اللاتينية. ما أعني قوله أننا اقترفنا بعض الأخطاء، وأدركنا هذه الأخطاء في الوقت المناسب. ولكن لا يمكننا تجاهل التخطيط لأن التخطيط هو الركن الأساسي للاشتراكيّة”.
مارتن هيرنانديز
“لماذا أقول أنه لا يوجد تخطيط مركزي في كوبا؟ لضيق الوقت لن أخوض عميقاً في المسألة. في كوبا، تماما مثل أية دولة، هنالك خطط اقتصادية، ولكن الآن، على عكس ما كان يحدث في الماضي القريب، الاقتصاد ليس مخططا. إذا لم يكن هذا صحيحا عليك أن تشرح لي لماذا تمّ حل هيئة التخطيط المركزي. ومن جهة أخرى، وبعكس ما تقوله لي، فإن هنالك علاقة وثيقة ما بين احتكار الدولة للتجارة الخارجية وبين الاقتصاد المخطط. لم يقل أحد أنه لم يتم إنهاء احتكار الدولة للتجارة الخارجية، وقد طرحت هذا بنفسك. راهنا في كوبا كل الشركات، المملوكة من الدولة، والمختلطة، والأجنبية، أو الوطنيّة، يمكنها تصدير واستيراد ما تشاء. لهذا فإن تلك الشركات لا تنتج وفقا لخطة مركزيّة، بل تبعا لحاجاتها ومصالحها الخاصّة. لذا أي اقتصاد مخطط نتحدث عنه؟ وفي النهاية أود أن أعرب عن امتناني مجددا لتواجد كثير من الرفاق هنا في هذه المناظرة، وأود أن أشكر على وجه الخصوص أولئك الذين طرحوا آراء مختلفة عني، والذين حضروا لهذه المناظرة تحديدا لأن لديهم هذا الاختلاف في الرأي، ولكم جزيل الشكر”.
لقراءة الجزء الأول من هذه المناظرة يرجى مراجعة الرابط أدناه: