مناظرة بين الرابطة الأممية للعمال- الأممية الرابعة والوفد الكوبي في المنتدى الاشتراكي العالمي لعام 2001
باولا غونزاليز (اقتصادية أرجنتينية)
أود أيضا دراسة الاقتصاد الكوبي. بداية لأن الفرق بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الاشتراكي يكمن في الملكية الخاصة، وقانون الميراث، وعقود العمل الحرة. لا يوجد ميراث في كوبا، الأمر ليس كأنني أستطيع شراء سيارة أو منزل بحيث يمكنني تركه كإرث لابني. لا أستطيع توظيف الناس، إذا ذهبت إلى كوبا وأردت تأسيس عمل فإنني لا أستطيع الحصول على موظفين، فاستئجار العمالة يخضع لسيطرة الدولة الكوبية، وليست تحت سيطرة الشركات الخاصة. لذا فإن فائض القيمة، الأرباح التي يفترض الحصول عليها من العمال، تخضع لإدارة الدولة الكوبية، فهي ليست تحت هيمنة الشركات الخاصة. إذا ما رغبت الشركات الخاصة بتوظيف الناس فعليها التقدم بطلب من الدولة. من جهة أخرى فإنه قبل الحديث عن الحصار وعن حلّ الكتلة الاشتراكية، ينبغي أن ندرك أن كوبا جزيرة، وأنها لا تملك مياه صالحة للشرب، ولا نفط، كما أنها لا تملك أراض زراعية، ولا تملك كهرباء ولا أي شيء كتلك التي تمتلكها البرازيل. ذات مرة قال لي أحد قادة الثورة: “نتمنى لو فجرنا الثورة في الرجنتين أو البرازيل، لأنه لا يوجد لدينا شيء هنا على الإطلاق”. عندما نتحدث عن كوبا علينا أن نتذكر أن هنالك أناس يعيشون في كوبا، وهؤلاء الناس بحاجة إلى الطعام والماء والكهرباء والغاز، إذا ما هي المشكلة؟ إذا لم يكن لدينا ضوء، ولم يكن لدينا غاز، وإذا لم يكن لدينا نفط، إذا لم يكن لدينا أي شيء، فهناك ما ينبغي عمله حيال ذلك. كانت هنالك أزمة كبيرة وتحشيد واسع في العام 1994. كانت أزمة أصحاب الطوافات. احتشد الكوبيون في الساحة وخلقوا فوضى مؤثرة. الحكومة الكوبية “اللاديمقراطية” لم تمارس القمع، لم تلجأ إلى الجيش ولم تطلق النار على الناس مثلما اعتدنا. هذه الحكومة “الاستبدادية” لم تسلب من الناس نهارهم. وهذا موثق في كل وسائل الإعلام، ويعلمه الجميع. من جهة أخرى فإن كل من يقول أن غورباتشوف وفيديل متشابهان فإنه لا يقول الحقيقة. يعلم الجميع أن غورباتشوف ينظر في كل مكان، بينما يدافع فيديل كاسترو عن إنجازات الثورة الكوبية. أعتقد أنه من المهم جدا أن نأخذ بعين الاعتبار خصائص الاقتصاد الكوبي، ففي حقيقة الأمر على الاقتصاد الكوبي إطعام كل هؤلاء الناس. كلنا مدركون تماما للقوة التي تمتلكها الجماهير عندما لا ترغب بوجود حكومة معينة، مثلما تحركوا في الـ 94، حيث قرروا بعدها الاستمرار بالنضال دفاعا عن هذه اللجنة المركزية وعن فيديل كاسترو. تحدثوا نيابة عن تشي غيفارا وهذا يزعجني، فأنا أرجنتينية أيضا. مسكين تشي غيفارا! لقد توفى لذا فهو لا يستطيع أن يتكلم، لكن فيديل كاسترو مازال على قيد الحياة. أعتقد أنه من السهل جدا أن تكون غيفاريا اليوم لأن غيفارا رحل، ولكنه من الصعب أن تكون كاسترويا لأن كاسترو على قيد الحياة وهو النمط الثوري الوحيد الموجود لأميركا اللاتينية
كارلوس (طبيب برازيلي)
أود استحضار ما شهدته في 1991 حيث ذهبت إلى كوبا مرتين: الأولى كانت في تشرين الأول ومن ثم في كانون الأول. وكان قد سبق لي أن كنت في كوبا في 1979. كنت أدرس في هارفارد ذلك الوقت حيث التحقت ببرنامج دراسات الصحة العامة، وأمضيت نحو شهر مع مجموعة في محاولة لمعرفة النظام الصحي في كوبا. وعدت للمشاركة في مؤتمر حول صحة الأطفال في 87، ومرة أخرى في ذات العام، ومرتين في 91، وكذلك في 93، و97، وأيضا في العام 2000، وحظيت بفرصة للعيش مع المجتمع الكوبي خلال كل تلك الفترة. لا توجد دولة أخرى على وجه الأرض استطاعت أن تدعم ما حصل في 1991. ولا أي مجتمع آخر، فقد انخفض الناتج القومي الإجمالي بنسبة 35% بين عشية وضحاها، بينما انخفض بنسبة 1% هنا في البرازيل، ما تسبب بفوضى. العديد من المصانع اضطرت إلى الإغلاق حيث لم تكن هنالك وسيلة لتفعيلها. والأمر ذاته حصل فيما يتعلق بالطاقة الكهربائية. لم يكن لديهم نفط، فكيف سيستطيعون تفعيل المصانع ماداموا غير قادرين على استيراد المواد الخام؟ لم يكونوا قادرين على إنتاج حتى الصابون أو معجون الأسنان. كان الوضع دراماتيكيا، ولكن بالرغم من هذا واصل الشعب الكوبي دعم الثورة الكوبية وقيادتها، وذلك بالرغم من حقيقة أنه في 93 أطلقت الولايات المتحدة حملة شرسة لتحريض الناس على عدم المشاركة في الانتخابات أو الإدلاء بأوراق تصويت فارغة، وفي كوبا كلها لم تتجاوز نسبة أوراق الاقتراع الفارغة والباطلة 7%، بينما بلغت 14% في هافانا. وفي انتخابات 97 اختفت الأوراق الفارغة أو الباطلة مرة أخرى. والآن كيف يمكن تفسير هذا؟ إنها العملية الديمقراطية والجدال الذي كان قائما حول مستقبل كوبا، تابعت حتى على التلفاز عددا لا يحصى من المؤتمرات التي كانت تشهدها كوبا، وقد ظهر فيديل فيها كلها، حتى مع الطلائع، لمناقشة الوضع الدرامي الذي كان سائدا والمقترحات المتعلقة بـ “المرحلة الخاصة”، وقد تمت مناقشة هذه المقترحات في كل جزء من الدولة، في النقابات المهنية وفي الأحياء، حتى تمت ترجمتها في النهاية إلى قانون، بعد مناقشة الملفات في المراتب، اتخذت الخطوات اللازمة لمواجهة المرحلة الخاصة، وأود هنا أن أذكر أمرين مهمين: ذلك الشيء الذي حدث في 1994، والذي سبق وأن ذكره الرفاق، إثر الاستفزازات التي مارسها “الغوزانوس= الديدان”، حيث بدأت اضطرابات واسعة في الساحة تم التعامل معها بتسعة أشخاص فقط، ولم يتم السماح لأي كان باستخدام السلاح، وكان مجرد ظهوره هناك في الساحة قد دفع الناس لالتفاف حوله، بل واندلعت تظاهرة مدافعة عن الثورة الكوبية. وأخيرا أود تزويدكم بمعلومة أخرى حول شيء قد وقع منذ بضعة أيام مضت. الأسبوع الماضي اعتقلت الحكومة مجموعة من التشيكيين كان من بينهم عضوا في البرلمان ووزيرا بأموال من أجل الثورة المضادة، ما أدى إلى إثارة عدة احتجاجات عبر العالم، لا سيما في السفارة التشيكية. على أية حال فقط في اليوم قبل الماضي حين تظاهر مليون كوبيا بقيادة فيديل كاسترو أمام السفارة التشيكية. واستمرت التظاهرة لساعات وساعات أمام السفارة لإظهار تأييد الشعب الكوبي للخطوات التي اتخذتها الحكومة. حسن، عندما نتكلم عن الثورة الكوبية، فإن أول ما ينبغي علينا إدراكه أنها لن تنتحر على الإطلاق، فإذا ما تم اتخاذ بضعة خطوات كالاستثمارات الأجنبية، فلا بد أنها كانت ضرورية للغاية، في سبيل رأسالمال والتكنولوجيا والسوق.
ليونيل (معهد الهندسة الزراعية. وعضو الوفد الكوبي إلى المنتدى)
لا يوجد شك على الإطلاق بضرورة مناقشة هذه المشاكل ضمن أجندة المنتدى، فمن الجيد هنا تحليل الوضع في كوبا، ونضالها في مواجهة النيوليبرالية، ونضالها من أجل العدالة والارتقاء، وليس مناقشة عيوب جوانب محددة في الاقتصاد الكوبي، أو جوانب محددة لحياتنا السياسية. حقا لا يمكنني استعراض البيانات لأن هذا ليس هو الأكثر أهمية. أريد ببساطة إزالة الغموض الذي يعتري بعض ما طرحه الرفيق هيرنانديز من أفكار. أظن هذا ضروريا لأن هنالك إما تأويل سيء أو نقص في المعلومات. قانون الاستثمارات الأجنبية الذي سنّ في بلادنها في العام 1982، لم يدخل حيز التطبيق إلا في العام 1996، لأن ذلك لم يكن ضروريا، حيث أن برلماننا الذي تأسس في العام 1976، وهو البرلمان الحالي، قيّم إلى أية درجة سيكون مناسبا لكوبا أن تنفتح على إمكانية الاستثمار الأجنبي، سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي، ولكن في ذلك الوقت كانت هنالك مساعدات الاتحاد السوفياتي، كان هنالك مجلس المساعدات الاقتصادية المشتركة، وكانت هنالك مساعدات ملموسة من جمهورية الصين الشعبية، كما كان هنالك المساعدات التي تأتي من جمهورية ألمانيا الديمقراطية، التي زودتنا بحليب البودرا بما يكفي كل السكان. كانت هنالك المساعدات التي تأتي من بولندا على شكل مواد كيميائية للزراعة وطائرات للريّ. كل حافلاتنا جاءت من هنغاريا، لأن هذا كان جزء من الاتفاقية التي عقدناها مع مجلس المساعدات الاقتصادية المتبادلة، بحيث نرسل لهم الحمضيات والسكر وبالمقابل جاءت الحافلات. ولكن بعد هذا اختفت هنغاريا، واختفت جمهورية ألمانيا الاتحادية. عندما تم غزو تشيكوسلوفاكيا في 1968، قام رفيقنا القائد، وهو ذاته الذي يقودنا اليوم، بسؤال الاتحاد السوفياتي ماذا سيفعلون بشأن فيتنام. أهو الشيء ذاته؟ ما أقصد قوله أن كوبا لم تدر يوما في فلك الاتحاد السوفياتي. كنت أقلق في بعض الأوقات لأنه كان من الضروري بعث استالين من قبره. لم تكن للثورة الكوبية أية علاقة بذلك الرفيق، فقد ولدت الثورة وهاجمت مونكادا بعدما مات استالين. إننا نحترم كل المواقف النظرية وإسهام الرفيق تروتيسكي الهام بالثورة السوفياتية، نحترمه كثائر وكمؤسس للجيش الأحمر وكعضو في الحزب الشيوعي خلال تلك الأوقات المعقدة لخيارات نشوب الحرب أو الثورة الدائمة أو الاشتراكية في ذات البلد. لقد كان مع لينين، وقد اعتبره لينين الرجل الأقدر في اللجنة المركزية، لذا لن نناقش أي شيء من هذا. خلفيتي هي العلوم الاجتماعية، وقد كنت محاضرا في جامعة هافانا، لقد درست أفكار الرجل وليس لدي شيء ضدها. واليوم لدينا انخفاض بنسبة 34.5% في الناتج المحلي الإجمالي، وهذا ليس في 1992 بل منذ 1989، أي عندما بدأ الانهيار، ففي الاتحاد السوفياتي بمنتصف تلك السنة، عرض السيد غورباتشوف ذاته على نظيره فيديل ما أخبرنا بأنه لن يكون هنالك مزيد من النفط لنا، وذلك أيضا عندما توقفت هنغاريا عن شحن الحافلات لنا، وعندما لم تعد ألمانيا تشتري أي من برتقالنا ولا أي شيء حقا من حمضياتنا، عندما لم تعد طائرات الريّ تأتينا من بولندا، عندما توقف دعم النفط الذي كان يمنحنا إياه الاتحاد السوفياتي.
عندها كان من الضروري تحديث قانون للاستثمارات الأجنبية، للحصول على رأس المال والتكنولوجيا والسوق، لأن التكنولوجيا عندنا كانت سوفياتية وبلغارية، وكذلك كانت تكنولوجيا مطاحن السكر لدينا سوفياتية، وطائراتنا في العام 1962 كانت روسية، لأنه لم يكن لدينا المال الكافي لشراء طائرات د.س. 10. بيد أننا لم نسلّم ممتلكاتنا لرأس المال الأجنبي، فمازالت شركة الاتصالات في كوبا ملكاً للدولة، برأسمال كوبي بنسبة 51%، وعمالة كوبية بالكامل، دون وجود أي مستثمرين أجانب. والشيء ذاته هو ما يحصل في منطقة استخراج النفط، ما أتاح التخلص من انقطاعات التيار الكهربائي في هافانا، لأن شركة كندية وفرت رأس المال والتكنولوجيا اللازمة، ومهندسونا المؤهلون كما عهدناهم، والذين درسوا في كوبا وليس في هارفرد، على استعداد للتعامل مع هذا.
كوبا بلد لا تحدث فيه عمليات اختطاف، ولا تفجيرات، ولا مخدرات. هنالك القليل من الدعارة، هذا صحيح، ولكن ليس بسبب غياب الحماية. بائعات الهوى اللواتي لديهن أطفال، والأطفال المتصلون بهن، في صحة جيدة، وسيعيشون عمر 76، فهذا هو معدّل الأعمار المتوقعة في بلادنا، بائعات الهوى اللواتي يتابعن دراستهن، وأولئك اللواتي قد يتعرضن لمشاكل في القلب، نقوم بمعالجتهن مجانا ودون أي مقابل، ما يعني أنهن يمارسن الدعارة من أجل الشامبو والجينز، وهن ليس كما وصفهن الرفاق بالحالات التراجيدية.
لم نتخل عن أي قطعة أرض في كوبا، والنظام المصرفي مازال كوبيا، فما الذي أثار كل هذا الحديث عن البنوك الأجنبية؟ ما هي القضية؟ هذا هو مربط فرس تشوش الرفيق هيرنانديز. اعتقد أن الرفيق هيرنانديز لديه معاييره الخاصة، وأظن أنه حللها وقدمها بشكل لائق، وأعتقد أنه من الصواب أن يكون الجدال على هذا النحو، ولكن ما هي القضية؟ هنالك خطأ، فالبنوك المتواجدة في كوبا موجودة، إلى جانب أمور أخرى، لتزويدنا برأس المال كي نتمكن من تأسيس التكنولوجيا والعثور على الأسواق. ما الذي يحدث؟ لا تستطيع كوبا إنجاز المعاملات بالدولار، على كوبا أن تتعامل بالليرا والين والبيزيتو، لذا علينا جلب بنوك تستطيع دعمنا، بنوك أجنبية. لا توجد فنادق أجنبية في كوبا، سلسلة سول ميليا أسبانية، وتزودنا برأس المال، نسهم معهم بالموظفين الكوبيين، ويديرها ثلاث مدراء تنفيذيين أسبان منذ عشر سنوات، ياخذون أرباحهم ويتركون لنا التكنولوجيا وذائقتهم الثقافية، وثقافة انتظار العملاء والتمهيد لهم بفنادق الخمس نجوم، ولكن الميدان لنا، من قال أننا خسرناه؟ ثورتنا ليست مثالية، بل إن لثورتنا كثير من العيوب، مسيرتنا السياسية مليئة بالأخطاء، ولكن عدونا الأكبر هو الولايات المتحدة. منذ تسعة أيام وصل إلى السلطة الأميركية رئيس جديد، قد يكون عدائيا تجاه كوبا، وفي المجتمع الكوبي لا نستطيع الجدال حول أي شيء خارج السيادة. كيف نعلم أبناءنا، وكيف نثقف الجميع، من أجل الحفاظ على معدل وفيات الأطفال في حدوده الدنيا. كيف نتجنب الدعارة، وكيف نسيطر على السياحة الجنسية التي قد تصلنا. ولأنهي كلامي أود أن أؤكد لكم ثلاثة أمور: أولها مسألة يعلمها رفاقنا الماركسيون واللينينيون والتروتيسكيون الذين تحدثوا هنا، في كوبا مازلنا نهيمن على وسائل الإنتاج، لا يمكن أن تجد وسائل إنتاج بأيد أجنبية، فمازلنا نمتلك القوة السياسية التي تخلت عنها البيروسترويكا والغلاسنوست، لذا لا يوجد أي سبيل للمقارنة هنا، وهو يعلم هذا جيدا بالمناسبة. ثالثا: لا تقلقون بشأن عمر فيديل، بداية لأنه في صحة جيدة. صحيح أنه يبلغ هذه المرحلة العمرية الخطرة، والكل سوف يموت، ولكن الثورة ستستمر في كوبا، تماما مثلما استمرت ثورات أخرى، أما بشأن تلك التي لم تستمر فهذا مرده أنهم بدأوا يتجادلون حول المسائل الخفية، والقضايا اليوتوبية والمجردة. رئيس مجلسنا النيابي، ريكاردو ألاركون، كان بعمر 21 عندما انتصرت الثورة، واليوم هو في 63 من عمره وأحد أكبر القادة الذين مازلنا نحظى بهم في البلاد، وعمر رئيس وزرائنا 49. جميع حكام المقاطعات هم رجال في الخمسينيات. وزراؤنا ولدوا مع الثورة. ثورتنا ستستمر، ونحن ممتنون لهذا، ونود أن نعلن أننا لا نريد ثورات نظرية. الثورات تحدث على الأرض وتناضل ضد اليانكيز (الأميركيين). شكرا جزيلا”.
مارتن هيرنانديز (الرابطة الأممية للعمال- الأممية الرابعة)
أود أن أعرض رأيا وأشير كذلك إلى بعض الثغرات، خاصة فيما يتعلق بالرفاق الذين انتقدوا مساهمتي. أتفهم بل وأحترم رأي هؤلاء الرفاق الذين واجهوا انتقاداتي، والذين ردّوا عبر منح تأييد مطلق لفيديل ولقيادة الدولة الكوبية. لماذا أتفهم ذلك؟ لأن التاريخ أثبت أنه عندما تكون هناك ثورة جذرية، ثورة خلقت تحولات كثيرة كالثورة الكوبية، ثورة لها مثل هذا التأثير على الكوكب بشكل عام، وعلى أميركا اللاتينية بشكل خاص، سيكون الرد الطبيعي لأي نقد سيتمثل بدفاع مطلق، بصرف النظر عن أي شيء. ومع ذلك مازلت أؤمن أن خطأ قد تم اقترافه هنا. الدفاع عن الثورة الكوبية -والذي هو ليس محط نقاش هنا- يتم خلطه بالدفاع عن قيادتها، وهو ما تنبغي مناقشته.
بما أنني ذكرت هذا أود العودة إلى مسألتين أو ثلاث مما عرضته توا. بداية لقد قيل لي إن ما كنت أتحدث حوله حقيقيا وأنه لا يوجد أي تغيير جوهري في كوبا. الثورة استمرت، اذا دعوني اسألكم شيء، هل مازال هناك احتكار للتجارة الخارجية؟ يقول لي الرفاق أننا لا نشهد ثورة مثالية، وهم محقون هنا. أي شخص يعتقد بإمكانية وجود ثورة من أي نوع دون تناقضات سيكون على خطأ بلا شك. كانت هنالك عدة تناقضات في روسيا، في السنوات الأولى للثورة كانت هناك السياسة الاقتصادية الجديدة، ما يعني تقديم تنازلات جمّة للرأسمالية. لا توجد ثورات وردية. ولكن رفاقي أنا لا أتحدث عن ثورات وردية. أؤيد تماما حقيقة أنه في اللحظة الحاسمة -وربما هي اللحظة الحاسمة لكوبا- إذا حصل شيء كهذا فينبغي السعي للحصول على قروض أجنبية وطلب المساعدات والاستثمارات. هذه هي الحياة. أي عامل إذا كانت لديه مثل هذه الحاجة سيذهب إلى بنك ويحاول الحصول على قرض، وهذا ليس كونه مناصرا للبنك ولكن لأنه بحاجة إلى المال. ولكن ليس هذا ما أناقشه فيما يتعلق بكوبا. أنا لا أجادل بأنه لا ينبغي طلب المساعدة الخارجية رغم الحاجة. فرضيتي هي أن قانون الاستثمارات الأجنبية ينظم التخلي عن البلد لرأس المال الأجنبي. وأوضح تعبير عن هذا حقيقة أن الدولة لم تعد تحتكر التجارة الخارجية. وهذا ما يقوله القانون، وليس ما اخترعته أنا، لذا اسمحوا لي بسؤالكم: هل هذه حقيقة أم انها محض افتراء؟ لأن ما أقرأه هنا هي نسخة عن القانون اشتريناها من هافانا، وليست من ترجمتي. لذا لا فائدة رفاقي، في جدال كهذا، أن نرفع أصواتنا ونحاول كسب النقاش بالصراخ، وأقول هذا للطرفين من الرفاق المتواجدين هنا. وأعود لسؤالي: هل احتكار التجارة الخارجية مازال بيد الدولة أم أن التجارة الخارجية تحت تصرف الشركات؟ ماذا يقول القانون بهذا الشأن، وعلاوة على ذلك، ما الذي يحصل اليوم على أرض الواقع؟
أما بالنسبة لمداخلة الرفيقة باولا من الأرجنتين، فقد قدمت وصفا لكوبا لا علاقة له بالواقع. كوبا بلد عاش دائما في وضع صعب، ومنذ اللحظة الأولى للثورة، وهذا تحديدا ما جعل التقدم الحاصل في البلد استثنائيا للغاية، لأنه حدث هناك. ولكني حقا لا أعلم من أين حصلت على بيانات تقريرها؟ قالت إن كوبا لا تمتلك أراض زراعية ولا مياه ولا نفط. ببساطة، هذا ليس صحيحاً. لدى كوبا أراض زراعية واسعة يعد قصب السكّر أحد أهم منتجاتها. والأمر ليس أن كوبا لا تمتلك نفطا، فهي تمتلكه، وفرضيتي تحديدا هي أن هذا النفط يتم التخلي عنه للشركات الكندية. إنه بلد يمتلك موارد هائلة، ومن باب اقتباس الأمثال: أنظر للقلادة التي لديها. كوبا بلد يقوم اقتصاده على محصول واحد هو السكر، ولكن ليس لأنه لا يمتلك شيء آخرا، فهذا احد المظاهر السلبية للمعونات السوفياتية، بمعنى مساعدة البلد ولكن إبقائه أحاديّ المحصول. المشروع الأصلي لتشي غيفارا المتعلق بتصنيع البلاد لم يتم تنفيذه.
من ناحية أخرى قالت الرفيقة أنه ليس هناك استعادة للرأسمالية، كون التوظيف يقع على عاتق الدولة وليس الشركات. هذه حقيقة، ولكن لا علاقة لها بمسألة استعادة الرأسمالية أو عدم استعادتها. وليس كبر عدد الشركات الخاصة أو صغره هو ما يحدد فيما إذا كان هنالك ارتداد للرأسمالية. مثلا، في فنزويلا، الدولة الرأسمالية النمطية، فإن 58% من الإنتاج يأتي من الشركات المملوكة للدولة. ليس هذا ما يحدد ماهية الدولة. برأيي إن ما يحدد الطبيعة الطبقية للدولة هو شكل الملكية ونمط علاقات الإنتاج التي تحميها الدولة وتدافع عنها. لهذا السبب نوهت بالسياسة الاقتصادية الجديدة في الاتحاد السوفياتي. السياسة الاقتصادية الجديدة تعني تنازلات هائلة للرأسمالية، لدرجة أن 80% من الأراضي بقيت رهن الملكية الخاصة. ولماذا بقي الاتحاد السوفياتي يعدّ دولة عمال؟ لأن استراتيجية هذه الدولة تمثلت بتطوير ممتلكات الدولة وعلاقات الإنتاج اللارأسمالي، وهذا ما تحقق أكثر من غيره خلال فترة السياسة الاقتصادية الجديدة.
والآن أولئك الذين ينتقدونني منكم، عليكم نسيان كل ما يتعلق بالصراخ والتوقف عن التصرف بانفعال تجاه ما أقول، لأن هذا لن يفيد النقاش، وعليكم إخباري من هو المستفيد من قانون الاستثمارات الأجنبية الذي ذكرته، وفي هذا الإطار، عليكم إخباري ما هي سياسة البرجوازية الأسبانية أو الكندية، أو برجوازية الاتحاد الأوروبي ككل، تجاه كوبا، وكيف علينا نحن، الذين ندافع عن الثورة الكوبية، أن نتصرف في مواجهة تلك السياسات. أطرح هذا التساؤل لأني أعتقد أن الإمبريالية الأوروبية، بقيادة اسبانيا، والتي تتصرف عادة كبيادق لرأس المال الألماني والأميركي، تحاول إعادة استعمار كوبا. ولست الوحيد الذي يقول هذا، فهناك كتيب لرجال الأعمال قد تم تعميمه على نطاق واسع في جميع أنحاء أوروبا، وهو دعوة للذهاب إلى كوبا لأنها -على حد قولهم- جنة عمل وأموال، وقالوا شيء مشابها لما ذكره الرفيق، ولكنهم قالوه من وجهة نظر المستثمرين. قالوا إن الدولة الكوبية هي الأعظم من ناحية ضماناتها للتعليم العالي والصحة والإسكان. هذا ما يقوله الإمبرياليون وليست أنا، وهذا هو سبب ذهابهم إلى كوبا. لذا فإن ما أحاول قوله هو ليس ما إذا كان ينبغي السعي للحصول على القروض أو الاستثمارات الأجنبية. ما أقوله أن انفتاح كوبا يعني نهاية الاقتصاد المخطط المركزي ونهاية احتكار الدولة للتجارة الخارجية. الرفيقة الأرجنتينية تقول أن الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ليست عودة إلى الوراء. إذا دعيني أسألك: لماذا تم تعديل الدستور في العام 1992 بحيث يتضمن هذا الموضوع تحديدا، قضية الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج؟
فالانتينا سوسا (دكتورة في العلوم الاقتصادية، ورئيسة الرابطة الوطنية للاقتصاديين والمحاسبين في كوبا، وعضو رابطة الاقتصاديين في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وعضو الوفد الكوبي للمنتدى):
“الأجواء ساخنة نوعا ما وأود المساعدة في تهدئتها، نحن الكوبيين معتادون على البقاء هادئين في أصعب اللحظات، لذا خذوا الأمر بروية. في المقام الأول، نيابة عن الوفد الكوبي نود التقدم لكم بالشكر على إتاحة الفرصة لنا للمشاركة في المنتدى الاشتراكي العالمي الأول المناهض لدافوس وليس لكوبا. ثانيا وللعم، غننا ككوبيين فخورون بكوننا ولدنا على الأرض التي وصفها كرييستوفر كولومبوس بأروع ما وقعت عليه عيون البشرية، أرض الجنرال أنطونيو ماسيدو، “عملاقنا البرونزي”، أرض كارلوس مانيويل دي سيبيديس، والد أرض الوطن، أرض خوسيه مارتيني، بطلنا القومي، وأرض قائدنا العزيز فيديل كاسترو. أود البدء من حيث توقف الزملاء وأزودكم ببعض المعلومات بالغة الأهمية. هذه الأيام تحديدا من 29 كانون الثاني حتى 2 شباط، يعقد لقاء الاقتصاديين الثالث في كوبا لمناقشة العولمة ومشاكل التنمية. وهو أحد أعظم الفعاليات على مستوى العالم. أول ميزة لهذا الحدث هي كونه مناسبة ديمقراطية، يشارك فيها أكثر من 15 منظمة وهيئة. البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وعلماء اجتماع، وباحثون، وكل أولئك الراغبين بمعالجة فيض واسع من المواضيع المتعلقة بالاقتصاد العالمي، وتأثيره الاجتماعي- الاقتصادي، والتدفق المالي، ودمج أميركا اللاتينية، ومواضيع أخرى تتعلق بتنمية منطقة أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي والعالم بأسره. ولهذا الحدث خاصية هامة، لأن كوبا هي من دعتهم جميعا للتحدث، فهذا هو اليوم الذي يذهب فيه الجميع إلى كوبا للتعبير عن آرائهم، النيوليبراليين، والماركسيين، الكنزيين الجدد، والبنيويين. كل هؤلاء الناس سيشاركون. قبل أي شيء لحل مشاكل العالم بالطبع. لذا أرجوكم أن تحافظا على هدوئكم ككوبيين، وكماركسيين، للتعبير عن الآراء. سنقيم هذا الحدث، البالغ الأهمية، وندعوكم إليه، ربما في كانون الثاني القادم سيعقد لقاء آخر كهذا اللقاء. اعتقد أنه من المهم لكم أن تحظوا بفرصة لمعرفة الواقع الكوبي ولمعرفة كوبها في مكانها على الأرض.
أود إجراء بعض التعديلات، حيث كانت مداخلات الرفاق هامة للغاية، ولكن جمعية الاقتصاديين، والبعثة الاقتصادية لاميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، لديها تحديثات بالأرقام على مستوى عالي، تنبغي معرفة كيفية التعامل معها.
بداية في 1990، بعد انهيار الكتلة الاشتراكية الأوروبية وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي، بدأ الاقتصاد الكوبي يواجه أعمق أزمة في تاريخه، وهذا لا يخفى على أحد. وقد تعمقت هذه الأزمة إثر التفاقم الانتهازي للحصار المفروض من قبل الولايات المتحدة منذ 1962. في أوائل التسعينيات باتت آثار تلك المرحلة الخاصة أكثر حدّة. فقد ارتأت القيادة قبل ذلك، وتحديدا في 1986، خلال المؤتمر الحزبي، أنا علينا، نحن الكوبيين، أن نكون قادرين على حل هذه المشكلات الاقتصادية الداخلية الموروثة، لأننا لا نملك -كما هو واضح- نظاما مثاليا، حيث ورثناه من النظام الاشتراكي كما ارتكبنا بعض الأخطاء. وهذا أيضا ليس سرا. ولهذه الصيرورة خصائصها الاستثنائية.
الخطوات الأولى التي تم اتخاذها عمدت إلى تحقيق انفتاح تجاه الأراضي الخارجية بهدف الالتقاء، ودمج كوبا في المشهد الجديد للاقتصاد العالمي. ولكن لا ينبغي لنا نسيان أنه حتى ذلك الوقت كانت من 80 الى 85% من تجارتنا الخارجية تتم مع دول المعسكر الاشتراكي. إن قرار الانفتاح الاقتصادي على رأس المال الأجنبي، عبر إنشاء شركات مختلطة عموما، بحيث تكون حصة الأسد للكوبيين، بدأت مرحلة تشريعه في 1982، وبلغت أوجها بصدور قانون الاستثمارات الأجنبية الجديد. الهدف الأساسي لهذا القانون هو بلوغ منفذ إلى التمويل الدولي، والتكنولوجيا، والأسواق، وذلك لتعويض خسارة الارتباط بالمعسكر الاشتراكي السابق. وكان من المنطقي بعد كلّ هذه الخسارة أن نبحث عن التكنولوجيا والأسواق. كوبا فخورة جدا بما لديها من عمالة مؤهلة. وهذا نتيجة استثمار الدولة الذي بدأته منذ انتصار الثورة.
والقرار الهام الآخر كان إرساء مبادئ التكافؤ التي ينبغي أن تمهد لإجراء التعديلات، في محاولة للحفاظ على التوظيف، ومداخيل العمال، وللحفاظ على مستوى الصحة، والتعليم، والضمان الاجتماعي، فهذه كلها إنجازات هامّة. ورغم الأزمة، تم الحفاظ على هذه القيم، مع أن عددا قليلا من دول العالم قد حافظت عليها. في مجال الاقتصاد السياسي، فإن الجهود المتمركزة حول الأنشطة الاقتصادية باستطاعتها أن تكون مدرة للدخل على النحو الأكثر ديناميكية، فيما يتصل بالعملات، والسياحة، والقطاعات الاقتصادية ذات الأولوية. في تموز 1922، أجرت الجمعية العمومية تعديلات على الدستور بغية التقدم في عملية التحوّل، من بينها إمكانية ضم ممتلكات الدولة للشركات المختلطة، حيث تمّ قبول هذا الشكل للملكية. وقد تم أيضا حظر احتكار الدولة لتولي عمليات التجارة الخارجية. وأعتقد أن هذا أمر هام. وبالتوازي مع هذا أجريت تعديلات سياسية هامة، كالانتخابات المباشرة عبر التصويت السري لأعضاء البرلمان الوطني. إلى جانب هذا هناك الاقتراح المباشر للمرشحين من قبل السكان، وهذا الأكثر أهمية. أضف إلى ذلك تطوير النظام الحكومي عبر تأسيس مجالس شعبية تشكل حجر الرحى لمعرفة أفضل للقرارات التي ينبغي اتخاذها بشأن المشاكل التي تؤثر على المجتمع. بشكل عام أعتقد أنه بإمكاننا القول إنه في ظل أخذ الانفتاح على الخارج بعين الاعتبار، فإن أهم القرارات التي تم اتخاذها هو قانون التنقيب الجديد، الذي طور التشريع الحالي ودمج المعايير الدولية المتعلقة بهذا المجال، وسن القانون الجديد للاستثمارات الأجنبية. لذات الهدف الذي شرحته للتو. وقد أثار هذا القانون اهتماما دوليا كبيرا كونه يوفر ضمانات للمستثمرين مماثلة لتلك التي تمنح لهم في الخارج. وبهذا، سيكون لهم حرية بيع أو نقل كامل حصتهم أو جزء منها بعملة قابلة للتحويل بحرية، وسيكونون قادرين على طلب تمديد فترة عملياتهم. وحتى الان بلغت الاستثمارات الاجنبية فى كوبا 4100 مليون دولار. ومدخلات المستثمرين من عملات قابلة للتحويل، وآلات، وتجهيزات، وغيرها من الممتلكات الملموسة، وحقوق النشر.. كما تضمن القانون تأسيس مناطق حرة للصناعة، بنظام خاص فيما يتعلق بالرسوم الجمركية، والضرائب، من أجل تشجيع الصادرات والتجارة الدولية.
نعتقد أن كوبا، بعيدا عن اللجوء إلى الأنماط النيوليبرالية والوصفات المفروضة من الخارج، تعيد تنشيط الفروع الإنتاجية الرئيسية، وأود هنا اقتباس بعض الأرقام التي لم يتم ذكرها بعد خلال هذا اللقاء. الاستثمارات الأكثر أهمية لتطورنا لم تتوقف، وقد ثبت أن بلدا صغيرا ومحاصرا يمكن أن يتقدم دون التخلي عن أي من الانجازات الاشتراكية التي تم تحقيقها خلال عقود الثورة الأربعة. وقد بدأ التحسن الإيجابي للاقتصاد الكوبي يتضح منذ 1995 عندما بدأ النمو الاقتصادي عند 2.5 في الموازنة الوطنية. يمكننا القول أنه منذ 1996 وقد تم تعزيز العوامل التي تحفز ديناميكية التطور. التحولات الاقتصادية تظهر الميل التدريجي للاقتصاد الكوبي نحو حالة أكثر فعالية وتنافسية في الاقتصاد الدولي. وهذا عامل هام. وقد تم الحفاظ على المؤشرات الاجتماعية الاساسية رغم الحاجة الماسة للضروريات خلال تلك السنوات. معدل وفاة الأطفال هو 7.1 لكل ألف يولدون أحياء، وهو الأدنى في تاريخ الثورة. لم يتم إغلاق أية مدرسة، والمتقاعدون مازالوا يصحلون على معاشاتهم.
ورغم استمرار الحصار، يعترف تقرير التنمية البشرية أن كوبا تحتل المرتبة الثانية من البلدان الأقل حالات فقر على مستوى الدول النامية. وهذا إنجاز لا يمكن إنكاره. رغم كل القيود والمحاذير. وأود أن أنهي كلامي بالقول أننا نحن الكوبيين متفاؤلون تماما فيما يتعلق بنموذجنا للتطور الاقتصادي. ولا نقترح نموذجنا على أحد، ولكننا نشعر بالرضى عن العمل الذي نقوم به. وهناك ثلاث أسباب لهذا: أولا لأن أكثر ما يهمنا هو الشعب. أكثر ما يهمنا هو الإنسان. ثانيا لأن دور الحكومة يهدف إلى الحفاظ على المكتسبات الأساسية للعمال وللناس ولمفكرينا. وثالثا لأنه ثبت أنه لا يمكن هزيمة شعب موحد. ولدينا مثال ذلك الطفل، اليان غونزاليس، الذي تابعه الشعب الكوبي طيلة ستة أشهر، وهذه الوحدة ثبتت بعودته الى كوبا، وهذا يظهر أيضا كيف نكون ككوبيين عندما نضطر الى مواجهة أية محنة. نود أن نشكركم وأن تثبت لكم أننا مقتنعون بأن الضغوط النيوليبرالية تعمد إلى تعميق عدم المساواة بين الأمم وإلى اضطهاد الشعوب. وإننا مقتنعون أن الاشتراكية هي كلمة السر لحماية الأسس الاجتماعية والعدالة الاجتماعية للشعب. شكرا جزيلا.
ديفيد (البرازيل)
سمة النقاش الدائر هنا، والتي سبق وأن عبّر عنها الرفيق هيرنانديز، تتعلّق بطبيعة الدولة. هذا هو جوهر الأمر الذي علينا مناقشته هنا. الرفيقة الاقتصادية من الأرجنتين استعرض جملة من الأوضاع، سلسلة من العناصر المتعلقة بكوبا، فقط لكونها اقتصادية تناست ببساطة أن تبيّن أين يذهب فائض القيمة، لأن فائض القيمة يبقى متواجدا في الدولة حتى وإن كانت هذه الدولة اشتراكية. الـ 49% من هذه التجمعات المختلطة القائمة برأس مال أجنبي، أين يذهب فائض القيمة الذي تحققه؟ أيذهب إلى الطبقة العاملة الكوبية، أم إلى قطاعات الامبريالية؟ هل تحقق فائض القيمة هذا من أجل إرساء وتحقيق التقدم في المجتمع الكوبي، أم أنه يستخدم لتسمين أرباح الامبريالية الجاثمة على صدر المجتمع الكوبي؟
ثمة كتاب وفيلم أعتقد أن كل الحاضرين هنا يعرفونهما. يدعى “مزرعة الحيوانات”، حيث أن الخنازير التي قامت بالثورة الاشتراكية، عمدت إلى تغيير الوصاية الاشتراكية شيء فشيئً خلال عقد الاتفاقيات مع الامبريالية، وهكذا جاءت هزيمة النظام الاشتراكي إثر التنازلات التي منحت للامبريالية.
ومن الواضح، كما أشار الرفيق هيرنانديز هنا، أننا سنحمي الثورة الكوبية، وأننا دافعنا عن الثورة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي بذات الكيفية التي ندافع عبرها عن كل الثورات الاشتراكية، التي هزمت، كما نوّه هنا بعض الرفاق، بسبب القيادات التي تمركزت هناك والتي منحها الناس الثقة العمياء بأنهم يمضون قدما نحو التطور، ونحو إنهاء الدولة والأممية الاشتراكية، ولكن ما الذي شهدناه؟ ما الذي حلّ بالثورات في أوروبا الشرقية؟ هل قامت الجماهير بتحطيم قيودها والنزول إلى الشوارع للهتاف للثورة السياسية التي كنا ندافع عنها؟ وأن هذا كان نهاية الدولة البيروقراطية؟ وأن هذا كان نهاية أولئك الذين اغتصبوا الثروة التي ينتجها المجتمع الاشتراكي؟ أم أنهم هرعوا إلى أحضان الامبريالية معتقدين أنهم سيجدون فيها الخلاص؟ أيها الرفاق، تلك القيادات تقاعصت وأخّرت الثورة الأممية.
أما بالنسبة لذلك الرفيق الذي ذهب إلى كوبا وشاهد كيف كان الناس يتناقشون. عليّ أن أسألك، كم كوبيا صوّت مدافعا عن أن فائض القيمة المنتج في كوبا ينبغي أن ينتزع من الناس ويسلّم للامبريالية؟ فقط ما ديمقراطية تلك المشاورات التي عقدت؟ وهل يعي الشعب الكوبي ما يدور جوله؟
ليوناردو بايشو (عضو حزب العمال الاشتراكي الموحد- البرازيل):
أنا مناضل في حركة المثليين وقررت الانضمام لحزب العمال الاشتراكي الموحد والرابطة الأممية للعمال لأنني رأيت في الحزب والرابطة ما هو موجود أيضا على علمنا: التنوع، واحترام النقد، وقد رأيت هذا داخل حزبنا. هنالك مساحة داخل حزبنا. والآن أريد أن أقول شيء واحدا فقط: هنا لديّ الحق في قول ما قلته، ولكن في كوبا لما منحت هذا الحق. في كوبا تعتبر المثلية إنحطاطا رأسماليا، وأنا لا أرى نفسي على هذا النحو. وأعتقد أنكم أيضا لا تفكرون بهذه الطريقة. أعتقد أنكم تحترمون الاخوة والأخوات والأصدقاء المثليين من الجنسين، وأنكم تؤمنون بأن لديهم الحق في العيش وعدم زجهم بالسجن، لأنه في كوبا عندما قامت الثورة أرسل المثليون إلى السجن، ولكن لم يكن الأمر كذلك في روسيا. عندما انتصرت الثورة الروسية، كان أول ما فعلوه هو إلغاء القوانين المناهضة للمثلية، ولكن الاستالينية بعد ذلك دمّرت هذا. لهذا أقول أن الثورة هي ثورة كاملة أو ليست ثورة
ماريو موريرا (المدير الفرعي للجمعية غير الحكومية لوحدة أمركيتنا. عضو الوفد الكوبي للمنتدى):
قبل أي شيء أود أن أؤيد معيار الوفد الكوبي الخاص باحترام الآراء المتنوعة التي يمكن سماعها في هذه القاعة، وأن أثمن الدعم الذي تلقيناه في هذا المنتدى العظيم الذي يعقد للمرّة الأولى. أنا أتفق بالتأكيد مع الرفيق هيرنانديز حينما يقول إنه من المؤسف عدم وجود حضور لمتخصصين كوبيين بإمكانهم إلقاء محاضرات بإمكانها إزالة الكثير من الشكوك بشكل مناسب. عدّة إحصاءات تمّ تقديمها هنا فيما يتعلق بانخفاض عدد شواغر العمل في بداية التسعينيات، ما يؤثر منطقيا على المجتمع بحدّ ذاته، ولكن ما لم يتمّ قوله أن هؤلاء الناس يتلقون 60% من رواتبهم. لا يوجد أي شخص في العالم وبأية دولة أخرى يحصل على المال لقاء عدم امتلاكه لوظيفة. الدولة الكوبية تضمن 60% من الراتب لكل هؤلاء الناس، منذ بدابة 1997 وحتى الآن (ومن المؤسف عدم وجود هذه الأرقام). ألف عامل كوبي تمّ إدراجهم في مواقعهم. ومن المؤسف أن هذه الأرقام من الانترنت لا يتم استخدامها لتحديث المعلومات الاقتصادية، لأن هنالك فرق شاسع بين ما تقوله الصحافة الصفراء وبين حقيقة الحياة في كوبا. وأود أن أصرّ على زيارتكم لكوبا لترون أن الواقع مختلف. بالطبع لن يقدر الجميع على هذا، ولكن الواقع ليس ذاته لمن زار كوبا عام 1991 وبين زيارتها الآن. هنالك تغيير، ليس نحو الرأسمالية، لنكون واضحين بهذا الشأن، ولكن باتجاه الحفاظ على المنجزات الاشتراكية. قد يكون هناك تغيرات أخرى على الصعيد الاجتماعي. كوبا تتجه نحو تغييرات وتحولات اجتماعية، ولكنها حمت كثيرا من المنجزات الاشتراكية، كما كانت تفعل دائما، ومع الأسف فإن هذه المنجزات لا يتم عرضها على العالم. كثر الحديث عن تدهور الصحة العامة، ولكن أية دولة على وجه الأرض يمكنها مع تدهور الخدمات الصحية أن تحافظ على معدل 7.2 من كل ألف لوفيات الأطفال لعدة سنوات، وعلى سنّ 76 سنة لمعدلات الأعمار؟ أي دولة تتدهور خدماتها الصحية باستطاعتها تحقيق هذه الرفاهية؟ أعرض عليكم هذا التساؤل.
وأود نيابة عن الوفد الكوبي أن أعرب عن امتناننا، إننا بالكاد 12 شخصاً من طلبة وعمال ومنظمات غير حكومية ورجالات دولة. ومن المؤسف أن كثيرا من الأسئلة التي طرحت هنا لم تطرح على مائدة رئيس الجمعية الوطنية الكوبية، فقط لتتمكنوا من رؤية كيف كان ديمقراطيا، ولأولئك الذين شاركوا في تلك الاجتماعات، والبعض شارك لمرتين، إن فتاة، صحافية فرنسية، قاطعته بتهور، ومع هذا بقي لطيفا وأجاب تماما بما كان عليه أن يجيب.
ومرة أخرى، نود التقدّم بجزيل الشكر لمنظمي المنتدى، ونأمل أن تبقى بورتو أليغيري عاصمة المنتدى الاشتراكي العالمي الثاني، وأن تقوم اللجنة المنظمة، إذا سمحتم لي بقول هذا، بدعوة تمثيل كوبي أكبر، لعرض حقيقة بلدنا.
جيوفاني (قيادي في اتحاد الطلبة الجامعيين وعضو الوفد الكوبي للمنتدى)
أمثل اتحاد الطلبة الذي مازال منذ 78 عاما متحملا لالتزاماته تجاه الشعب دفاعا عن مصالح السكان الأصليين. عندما انتصرت الثورة في 1959 فإن اتحادي الطلابي، وأقول “اتحادي الطلابي” بكل فخر، أقولها بكل مشاعر الانتماء، أقولها بكل ما أوتيت من وطنية، اتحادي الطلابي مازال منظمة جماهيرية تمثل مصالح طلبة الجامعات في بلادي، الفرق الوحيد عما كان عليه الوضع قبل 1959 أن اتحادي كان موجودا فقط في الجامعات الثلاث الوحيدة للنخب البرجوازية الكوبية، أما في الوقت الراهن، فبفضل الثورة الاشتراكية الكوبية بقيادة زعيمنا، فإنه موجود في 78 جامعة، ومراكز الدراسات العليا في تلك الجزيرة الصغيرة المحاصرة، في هذه الجزيرة الكاريبية 78 مركزا للدراسات العليا.
كما أتحدث نيابة عن طلبة أميركا اللاتينية، لأنني أمتلك الحق بذلك وقد فوضت من أجله، حيث أمثل منظمة لطلبة أميركا اللاتينية، والتي يرأسها اتحاد طلبة الجامعات في كوبا، وهذه الرئاسة ليست مصادفة. لقد جاءت لأن طلبة أميركا اللاتينية فخورون للغاية بالطلبة الكوبيين. وقد أتيت هنا أيضا للتحدث ككوبي ولا أشعر برضا ذاتي حيال هذا، ولكني أود أن أشكر بلادي على كلية الطب الرائعة، وهي كلية أميركا اللاتينية للعلوم الطبية في هافانا. في هذا البلد المحاصر من قبل الولايات المتحدة، في هذا البلد الذي طالما كان في حالة حرب على مدى السنوات الـ 42 الماضية. أية حكومة في أميركا اللاتينية، بل أية حكومة في بهذا العالم، فتحت أبوابها لـ 2000 شاب أميركي لاتيني للدراسة مجانا، والعودة إلى بلادهم لممارسة مهنة الطب المقدسة. لست اقتصاديا، ولكن لو كانت معلمتي في الاقتصاد السياسي هنا لأصيبت بنوبة قلبية حادّة ولماتت. لست اقتصاديا وقليلا ما تعلمته من الكوبانلوغوز، هل تعلمون من هم الكوبانلوغوز؟ الكوبانلوغوز هم أولئك المثقفون الصغار، هؤلاء السياسيون الذين يتحدثون عن واقع بلادي من ميامي. لست كوبانلوغيا، ولكنني كوبي ولدت مع الثورة. لم أكن محظوظا كفاية -بالنسبة لجيلي- لأكون مع فيديل في الجراما، وأن أذهب إلى مونكادا، وأقل حظا من أن أتسلق معه السييرا مايسترا.
فقط انظروا إلى هذا البطن، للحفاظ عليه سمينا على هذا النحو ينبغي تزويده بالطعام، ينبغي إطعام الناس في كوبا، وإذا لم نلمس في العام 1989 أو العام 1992 الحاجة إلى الانفتاح الاقتصادي، لما كنا نحن، طلبة الجامعات، هنا. وأكثر من ذلك، لن نكون هناك.
عمري 28 سنة، وجيلي هو جيل الدراجات الهوائية، لأنه عندما نفد منّا النفط، لم يعد بإمكان الحافلات الذهاب إلى مراكز الجامعات. ولكن جيلي أيضا كجيلكم، عندما يرى أحدهم محاضرين مثلكم، وعلماء سياسة ومنظرين من أمثالكم، مثل كل المتواجدين هنا، فجيلي هو ذاك الجيل الذي رأى محاضري الجامعات يخلعون معاطفهم وياقاتهم ويأخذون الدراجات الهوائية ليأتون كل صباح في تمام الساعة السابعة لجامعاتنا الكوبية من أجل الاستمرار في تعليمينا كيف تفكر، لأنه في كوبا أجل، صحيح أنه يوجد استثمار أجنبي، نعم، هذا صحيح، يوجد شيء من تجارة الأجساد. هذا ليس افتراء، ولكننا في كوبا لدينا شباب يحظون بتعليم جيّد، وأمّة على قدر عالي من التعليم. لدينا تعليم في كوبا. فقط راقب هذا! بلد محاصر، بلد تطوقه الولايات المتحدة، ولكنه بلد يفتح قناة التلفاز لكل الناس، والعمال، والفلاحين، والنساء، والزنوج، الكل لديه الفرصة في الحصول على المعرفة بحرية.
وبالطبع هنالك مثليون ومثليات. كوبا كأمة لديها عيوبها الكبيرة وفضائلها العظيمة، ولكوبا أمجادها العظيمة، بل وأكثر من ذلك، ما الذي يميّز الكوبيين، ما الذي يميز الثورة، وما يعجز الكوبانولوجيون عن غفرانه، هو هذه الثورة المتأصلة في الدم الأميركي اللاتيني. كما أننا لم نتحدث هنا، في هذا الحفل، عن التضامن الكوبي مع بقية أميركا اللاتينية في منتصف هذه المرحلة الخاصة. لم يتحدث أحد عن الأطباء الكوبيين الذين هم اليوم في أميركا الوسطى.
حقيقة أن كوبا قد أعفت كل تلك البلدان التي تأثرت بإعصار ميش من ديونها الخارجية.
كما أننا لم نتحدث عن “مراكز الأبحاث”. هل تعلمون ما هي مراكز الأبحاث تلك؟ إنهم المنظرين الأميركيين، أولئك من الحزب الأميركي الوحيد. لأنه يقال أنه في كوبا يوجد حزب واحد فقط، بيد أن أميركا، نخبة الديمقراطية، هي التي لديها حزب واحد فقط. مراكز الأبحاث هي التي يقوم الآن بعصف ذهني لمعرفة ماذا سيحصل في كوبا عندما يتوفى فيديل كاسترو.
انظروا، الشاغل الأساسي لجيلي لا يتمثل بما الذي سيحدث في كوبا بعد مرحلة كاسترو، لأنه في كوبا لن تكون هناك أبدا في مرحلة ما بعد كاسترو. إننا في كوبا نستعد لمرحلة ما بعد الإمبراطورية. وعلى هذا المنتدى أن يعدّ بنفسه هذا البديل. كان هذا أملنا ومازال هو الإيمان والثقة التي لدينا. على هذا المنتدى أن يكون هو البديل من أجل الجميع، علينا جميعا أن نستعد ونقاتل، ليس من أجل مرحلة ما بعد كاسترو، ولا لأجل مرحلة ما بعد الثورة. وهنا مكمن أن كوبا مرجعية عالمية، لأنه مع كل فضائلنا وعيوبنا، لا يملك أحد إنكار أن كوبا هي المنارة التي تضيء القارة الأميركية، المنارة التي تضيء العالم بأسره.
أية ثورة، وأية حكومة فعلت كل هذا لشعبها خلال 42 سنة؟ وأنتم أيها المؤرخون، من المؤكد أنكم تعلمون أن 42 سنة هي لا شيء على الصعيد التاريخي، لا شيء بالمطلق. أية أمّة وأي بلد فعل كل هذا لشعبه كما فعلت كوبا مع الرفيق فيديل؟ وقد ذكرت قضية إيليان هنا، كم كانوا أغبياء! أولئك في ميامي كانوا بغاية الغباء في محاولة الإبقاء على الطفل هناك! في محاولة التلاعب بالضمائر! وحدونا على نحو أقوى، وتبين أننا بتنا أقوى من ذي قبل. نحن أقوى من وجهة النظر الأيديولوجية، وما يهم هنا ليس الاقتصاد بل الايديولوجيا، المهم هو القيم، والثقافة، ثقافتنا. لهذا أن نكون كوبيين، متنوعين، ومجتمعين، كلنا، فإننا نحترم أولئك الذين يحترموننا. أولئك الذين يحللون كوبا من كوبا، والكوبيين من كوبا، والشؤون الكوبية وفق الشؤون الكوبية، وليس كما تصور الأقمار الصناعية الكوبيين. لأننا شعب محترم للغاية. ثورتنا، كما قيل هنا، ليست تقليدا لأي شيء ولم تدر في فلك أحد، لأننا لو كنا تقليدا فإن نسخة الكربون ستكون قد هرمت الآن. لأننا لو كنا ندور في فلك أحد فإن الرابط سيكون قد سقط الآن، لأنه لا يوجد المزيد من الموارد لإبقائه. نحن ببساطة مشروع خاص بنا وينبغى أن يتم فهمنا كمشروع خاص بنا. وأيضا تذكروا هنا، من وجهة ثورية، ما قاله البابا للمجتمع الدولي عندما كان في هافانا، لقد قال: “كان على كوبا أن تنفتح على العالم، ولكن الآن على العالم أن ينفتح على كوبا”. ككوبيين فإننا لا نخشى هذا الانفتاح قيد أنملة.
في نيسان كان لدى الطلبة فرصة كبيرة، لم يحظ بمثلها أحد من قبل، تمثلت في أن قائدا كالرفيق فيديل ينبغي أن يستقبل 6014 طالبا جاؤوا من 38 دولة لمؤتمر أميركا الاتينية لمناقشة خفض ميزانيات التعليم، للحكومات التي لم تسمح بأن تعود أكثر من 6% للتعليم. جامعتي لا تنافش مثل هذه القضايا. نحن كطلبة كوبيين لا نحتاج لمواجهة نقاش الميزانية هذا. نقاشنا في حقل الثقافة، وفي حقل الأفكار، في حقل كمال عمل البشر، وباعتبارنا بشرا، فإننا معرضون للخطأ. كان ماتي يقول أن ناكر الجميل لا يرى أكثر من البقع في الشمس. أنا ممتن، بل وأرى أشعة الشمس، كما هو الحال هنا في بورتو أليغيري، لماذا؟ لأنني ممتن لبورتي أليغيري كونها استقبلتني، ولهذه الشمس التي تشرق فوقي.
باولا غونزاليز (اقتصادية أرجنتينية)
أود أيضا دراسة الاقتصاد الكوبي. بداية لأن الفرق بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الاشتراكي يكمن في الملكية الخاصة، وقانون الميراث، وعقود العمل الحرة. لا يوجد ميراث في كوبا، الأمر ليس كأنني أستطيع شراء سيارة أو منزل بحيث يمكنني تركه كإرث لابني. لا أستطيع توظيف الناس، إذا ذهبت إلى كوبا وأردت تأسيس عمل فإنني لا أستطيع الحصول على موظفين، فاستئجار العمالة يخضع لسيطرة الدولة الكوبية، وليست تحت سيطرة الشركات الخاصة. لذا فإن فائض القيمة، الأرباح التي يفترض الحصول عليها من العمال، تخضع لإدارة الدولة الكوبية، فهي ليست تحت هيمنة الشركات الخاصة. إذا ما رغبت الشركات الخاصة بتوظيف الناس فعليها التقدم بطلب من الدولة. من جهة أخرى فإنه قبل الحديث عن الحصار وعن حلّ الكتلة الاشتراكية، ينبغي أن ندرك أن كوبا جزيرة، وأنها لا تملك مياه صالحة للشرب، ولا نفط، كما أنها لا تملك أراض زراعية، ولا تملك كهرباء ولا أي شيء كتلك التي تمتلكها البرازيل. ذات مرة قال لي أحد قادة الثورة: “نتمنى لو فجرنا الثورة في الرجنتين أو البرازيل، لأنه لا يوجد لدينا شيء هنا على الإطلاق”. عندما نتحدث عن كوبا علينا أن نتذكر أن هنالك أناس يعيشون في كوبا، وهؤلاء الناس بحاجة إلى الطعام والماء والكهرباء والغاز، إذا ما هي المشكلة؟ إذا لم يكن لدينا ضوء، ولم يكن لدينا غاز، وإذا لم يكن لدينا نفط، إذا لم يكن لدينا أي شيء، فهناك ما ينبغي عمله حيال ذلك. كانت هنالك أزمة كبيرة وتحشيد واسع في العام 1994. كانت أزمة أصحاب الطوافات. احتشد الكوبيون في الساحة وخلقوا فوضى مؤثرة. الحكومة الكوبية “اللاديمقراطية” لم تمارس القمع، لم تلجأ إلى الجيش ولم تطلق النار على الناس مثلما اعتدنا. هذه الحكومة “الاستبدادية” لم تسلب من الناس نهارهم. وهذا موثق في كل وسائل الإعلام، ويعلمه الجميع. من جهة أخرى فإن كل من يقول أن غورباتشوف وفيديل متشابهان فإنه لا يقول الحقيقة. يعلم الجميع أن غورباتشوف ينظر في كل مكان، بينما يدافع فيديل كاسترو عن إنجازات الثورة الكوبية. أعتقد أنه من المهم جدا أن نأخذ بعين الاعتبار خصائص الاقتصاد الكوبي، ففي حقيقة الأمر على الاقتصاد الكوبي إطعام كل هؤلاء الناس. كلنا مدركون تماما للقوة التي تمتلكها الجماهير عندما لا ترغب بوجود حكومة معينة، مثلما تحركوا في الـ 94، حيث قرروا بعدها الاستمرار بالنضال دفاعا عن هذه اللجنة المركزية وعن قيديل كاسترو. تحدثوا نيابة عن تشي غيفارا وهذا يزعجني، فأنا أرجنتينية أيضا. مسكين تشي غيفارا! لقد توفى لذا فهو لا يستطيع أن يتكلم، لكن فيديل كاسترو مازال على قيد الحياة. أعتقد أنه من السهل جدا أن تكون غيفاريا اليوم لأن غيفارا رحل، ولكنه من الصعب أن تكون كاسترويا لأن كاسترو على قيد الحياة وهو النمط الثوري الوحيد الموجود لأميركا اللاتينية.
لقراءة الجزء الأول من هذه المناظرة يرجى مراجعة الرابط أدناه: