الأممية الشيوعية والأممية النقابية الحمراء
(النضال ضد أممية أمستردام الصفراء)
-1-
تستعبد البرجوازية الطبقة العاملة ليس فقط بواسطة القوة الفظّة بل أيضا بخدع مهذبة. فالمدرسة والكنيسة والبرلمان والفنون والأدب والصحافة اليومية هي كذلك أدوات قوية تستخدمها البرجوازية لتخبيل الطبقة العاملة ولإدخال الأفكار البرجوازية بين البروليتاريا.
وفي عداد هذه الأفكار البرجوازية التي نجحت الطبقة المسيطرة بإدخالها إلى أذهان الجماهير الكادحة توجد فكرة حياد النقابات، وطابعها اللاسياسي، الغريب عن كل حزب.
منذ العقود الأخيرة من التاريخ المعاصر وبشكل خاص منذ نهاية الحرب الإمبريالية، في أوروبا بمجملها وفي أميركا، أصبحت النقابات المنظمات البروليتارية الأكثر عددا: في بعض الدول تضم حتى الطبقة العاملة بمجملها دون استثناء. والبرجوازية تعرف تماما أن مصير النظام الرأسمالي يتعلق اليوم بموقف هذه النقابات إزاء النفوذ الشامل للبرجوازية وخدمها الاشتراكيين – الديمقراطيين من أجل الحفاظ على النقابات أسيرة الأفكار البرجوازية مهما كلف الأمر.
لا يمكن أن تدعو البرجوازية النقابات العمالية علنا لدعم الأحزاب البرجوازية. لذلك تدعوهم لعدم دعم أي حزب، دون استثناء حزب الشيوعية – الثورية.
ويملك شعار «الحياد» أو «اللاسياسة» للنقابات ماضيا طويلا وراءه. فخلال عقد من الزمن تم تلقيح النقابات بهذه الفكرة البرجوازية في إنكلترا وألمانيا وأميركا وبلدان أخرى، وسواء قادة النقابات البرجوازية من مثل هيرش – دينكر، أو قادة النقابات الاكليروسية والمسيحية؛ سواء ممثلي النقابات الحرة الألمانية المزعومة، أو قادة النقابات الهرمة والسلمية الإنجليزية، والعديد من الأنصار الآخرين للنقابية. خلال سنوات وعقود بشّر ليغيان، وغومبرز وجوهو، وسيدني ويب، بحياد النقابات.
في الواقع، لم تكن النقابات يوما حيادية ولا يمكن أن تكون كذلك أبدا، حتى لو أرادت. إن حياد النقابات لا يمكن إلاّ أن يكون مضرا بالطبقة العاملة، ولكنه مع ذلك غير قابل للتحقيق. ففي المبارزة بين العمل ورأس المال لا يمكن أن تبقى أي منظمة عمالية كبرى حيادية. وتبعا لذلك لا يمكن أن تكون النقابات حيادية بين الأحزاب البرجوازية وأحزاب البروليتاريا. إن الأحزاب البرجوازية تعي ذلك تماما. ولكن كما أن البرجوازية بحاجة لأن تقتنع الجماهير بالحياة الأبدية، فإنها بحاجة أيضا للإقناع بأن النقابات يمكن أن تكون لا سياسية، ويمكن أن تحافظ على حيادها إزاء الحزب الشيوعي العمالي. وكي تتمكن البرجوازية من الاستمرار بالسيطرة وباستغلال العمال للحصول على فائض القيمة، ليست بحاجة فقط لكاهن وشرطي وجنرال بل يلزمها كذلك البيروقراطي النقابي، «القائد العمالي» الذي ينصح بحياد النقابات وعدم مبالاتها في الصراع السياسي.
وقد أصبح خطأ هذه الفكرة حتى قبل الحرب الإمبريالية أكثر وأكثر بديهية بالنسبة للبروليتاريين الواعين في أوروبا وأميركا. وبقدر ما تحتدم التضادات الاجتماعية، تصبح الكذبة أكثر وضوحا. وعندما تبدأ المجزرة الإمبريالية يجد قدامى قادة النقابات أنفسهم مجبرين على نزع قناع الحياد والسير بصراحة كلٌّ مع برجوازيـ «ـته».
خلال الحرب الإمبريالية، كل الاشتراكيين – الديمقراطيين والنقابيين، الذين كانوا قضوا سنوات ينصحون النقابات باللامبالاة السياسية، أطلقوا في الواقع هذه النقابات نفسها في خدمة السياسة الأكثر دموية والأشد خساسة للأحزاب البرجوازية. وهم، أبطال الحياد بالأمس، نراهم الآن يعملون كعملاء معلنين للحزب السياسي الفلاني، سوى حزب واحد، حزب الطبقة العاملة.
وبعد نهاية الحرب الإمبريالية، حاول القادة الاشتراكيون – الديمقراطيون والنقابيون هؤلاء أنفسهم فرض قناع الحياد واللا سياسة على النقابات. وإذ مرّ الخطر العسكري تأقلم عملاء البرجوازية هؤلاء مع الظروف الجديدة وحاولوا بالإضافة إلى ذلك حرف العمال عن الطريق الثوري إلى الطريق الملائمة للبرجوازية.
يرتبط الاقتصادي والسياسي فيما بينهما دائما ارتباطا لا تنفصم عراه. وهذا الارتباط لا انفكاك فيه بشكل خاص في مراحل كتلك التي نمر بها الآن. ليس هناك مسألة هامة واحدة في الحياة السياسية لا ينبغي أن تهم الحزب العمالي والنقابة العمالية في آن. وبالمقابل ليس هناك مسألة اقتصادية هامة يمكن أن تهم النقابة لا تهم في الوقت نفسه الحزب العمالي.
عندما أعلنت الحكومة الإمبريالية الفرنسية التعبئة في بعض الفرق لاحتلال حوض الرور ولاضطهاد ألمانيا بصورة عامة، هل كان بإمكان نقابة فرنسية بروليتارية فعلاً القول إن هذه مسألة سياسية حصراً لا ينبغي أن تهم النقابات؟ هل تستطيع نقابة فرنسية ثورية حقا أن تعلن عن «حيادها» أو «لا سياسيتها» في هذه المسالة؟ أو إذا حدثت، على العكس، في إنجلترا، حركة اقتصادية محضة مثل الإضراب الأخير لعمال المناجم، هل يحق للحزب الشيوعي أن يقول أن هذه المسألة لا تعنيه وأنها تهم النقابات وحدها؟ عندما يبدأ النضال ضد البؤس والفقر اللذين يعاني منهما ملايين العاطلين عن العمل، عندما نكون مجبرين على طرح مسألة مصادرة المساكن البرجوازية بشكل عملي من أجل إرضاء حاجات البروليتاريا، عندما تكون جماهير متزايدة باستمرار من العمال مجبرة بفعل الحياة نفسها على أن تضع على جدول الأعمال تسليح البروليتاريا، عندما ينظم العمال، في بلد أو آخر، احتلال مشاغل ومصانع، – فالقول إن النقابات لا يجب أن تتدخل في النضال السياسي أو يجب أن تكون حيادية بين جميع الأحزاب، هو في الواقع وضعها في خدمة البرجوازية.
على الرغم من تنوع التسميات فإن الأحزاب السياسية في أوروبا وأميركا يمكن أن تنقسم إلى ثلاث مجموعات كبرى: 1) أحزاب البرجوازية، 2) أحزاب البرجوازية الصغيرة (بالأخص الاشتراكيين – الديمقراطيين)، 3) حزب البروليتاريا (الشيوعيين). والنقابات التي تعلن أنها «لا سياسية» و«حيادية» إزاء هذه المجموعات الثلاث، لا تقوم في الواقع إلاّ بمساعدة أحزاب البرجوازية الصغيرة والبرجوازية.
-2-
إن عصبة أمستردام النقابية هي منظمة تلتقي فيها الأمميتان 2 و ½ 2، وتتعاونان. وتنظر البرجوازية العالمية بأكملها لهذه المنظمة بأمل واهتمام. إن الفكرة الكبرى حاليا بالنسبة لأممية أمستردام النقابية، هي حياد النقابات. وليس بالصدفة أن تستخدم البرجوازية وخدمها الاشتراكيون – الديمقراطيون أو النقابيون اليمينيون هذا الشعار كوسيلة لمحاولة جمع الجماهير العمالية في الغرب وأميركا من جديد. وفيما أفلست بشكل مثير للرثاء سياسة الأممية الثانية، بانتقالها علنا إلى جانب البرجوازية، لا زال لدى أممية أمستردام، بمحاولتها تغطية نفسها من جديد بفكرة الحياد، بعض الشعبية.
وتحت راية «الحياد» تأخذ الأممية الثانية على عاتقها أكثر الخدمات للبرجوازية صعوبة وأكثرها قذارة: خنق إضراب عمال المناجم في إنجلترا (مثلما رضي أن يفعل ج. هـ. توماس الشهير وهو رئيس الأممية الثانية في الوقت نفسه وأحد القادة المرموقين في أممية أمستردام النقابية الصفراء)، خفض الأجور، تنظيم النهب المنظّم للعمال الألمان بسبب خطايا غليوم والبرجوازية الإمبريالية الألمانية. إن ليبارت وغراسمان، ويسل وبوير، روبرت شميدت وج. هـ. توماس، البرت توماس وجوهو، دازينسكي وزولانكسي – جميعهم تقاسموا الأدوار: البعض، وهم قادة نقابيون قدامى، يشاركون اليوم بالحكومات البرجوازية بصفة وزراء، ومفوضين حكوميين أو موظفين عاديين، فيما يبقى الآخرون، المتضامنون بشكل كامل مع الأولين، على رأس أممية أمستردام النقابية كي ينصحوا العمال النقابيين بالحياد السياسي.
إن أممية أمستردام النقابية هي حاليا السند الأساسي للرأسمال العالمي. ومن المستحيل محاربة معقل الرأسمالية هذا بشكل ظافر إذا لم نفهم مسبقا ضرورة محاربة الفكرة الكاذبة حول لا سياسية النقابات وحيادها. ومن أجل امتلاك السلاح المناسب لمحاربة أممية أمستردام النقابية، يجب إقامة علاقات متبادلة واضحة ومحدَّدة بين الحزب والنقابات في كل بلد.
-3-
إن الحزب الشيوعي هو طليعة البروليتاريا، الطليعة التي تعرفت كليا إلى الطرق والأساليب الكفيلة بتحرير البروليتاريا من نير الرأسمالية، والتي قبلت لهذا السبب بالبرنامج الشيوعي بشكل واع.
والنقابات هي تنظيم بروليتاري أكثر ضخامة، يميل أكثر فأكثر لضم جميع العمال دون استثناء في كل فرع من فروع الصناعة، ولإدخال ليس فقط شيوعيين واعين في صفوفها بل أيضا فئات وسيطة لا بل متأخرة كليا من الشغيلة الذين لا يتعلمون الشيوعية إلاّ شيئا فشيئا وبواسطة تجربة الحياة.
إن دور النقابات في المرحلة التي تسبق معركة البروليتاريا من أجل الاستيلاء على السلطة، يختلف عنه خلال هذه المرحلة من المعركة وفيما بعد، اثر الانتصار، بجوانب عديدة، ولكن دائما، قبل وخلال وبعد، تبقى النقابات منظمة أكثر اتساعا وضخامة وشمولا من الحزب، وتلعب بالنسبة لهذا الأخير إلى حد ما دور المحيط بالنسبة للمركز.
قبل الاستيلاء على السلطة تنظم النقابات البروليتارية حقا العمال على الأرضية الاقتصادية بشكل رئيسي، من أجل تحقيق التحسينات الممكنة، وإطاحة الرأسمالية بشكل كامل، ولكنها تضع تنظيم نضال الجماهير البروليتارية ضد الرأسمالية بقصد الثورة البروليتارية في صدارة كل نشاطها.
وخلال الثورة البروليتارية، تنظم النقابات الثورية فعلا يدا بيد مع الحزب الجماهير من أجل الإطباق على معاقل رأس المال، وتتكفل بالعمل التنظيمي الأول للإنتاج الاشتراكي.
وبعد الانتصار وتوطيد السلطة البروليتارية ينتقل عمل النقابات إلى حقل التنظيم الاقتصادي، وتبذل كل قواها تقريبا في بناء الصرح الاقتصادي على الأسس الاشتراكية، وتصبح بذلك مدرسة حقيقية للشيوعية.
وخلال هذه المراحل الثلاث في نضال البروليتاريا، ينبغي أن تدعم النقابات طليعتها، الحزب الشيوعي، الذي يقود النضال البروليتاري في كل المراحل. لهذا الغرض ينبغي للشيوعيين والعناصر النصيرة أن يشكلوا داخل النقابات مجموعات شيوعية خاضعة كليا للحزب بمجمله.
إن التكتيك القائم على تشكيل مجموعات شيوعية في كل نقابة، الذي صاغه المؤتمر العالمي الثاني للأممية الشيوعية، أثبت صحته كليا خلال العام المنصرم، وأعطى نتائج كبيرة في ألمانيا وإنجلترا وفرنسا وفي العديد من البلدان الأخرى. وعلى سبيل المثال، إذا خرجت مجموعات عمالية هامة قليلة المراس وصاحبة خبرة غير كافية في السياسة من النقابات الاشتراكية الديمقراطية الحرة في ألمانيا، لأنها فقدت كل أمل بالحصول على أي فائدة مباشرة من مشاركتها بهذه النقابات الحرة فلا ينبغي أن يغير هذا بأي حال الموقف المبدئي للأممية الشيوعية إزاء المشاركة الشيوعية في الحركة المهنية. إن واجب الشيوعيين هو أن يشرحوا لجميع البروليتاريين أن الخلاص لا يقوم على الخروج من النقابات القديمة من أجل خلق نقابات جديدة أو للتشتت إلى هباء من الرجال غير المنظمين، بل على تثوير النقابات، وطرد الروح الإصلاحية وخيانة القادة الانتهازيين منها، من أجل جعلها سلاحا فعالا بيد البروليتاريا الثورية.
-4-
خلال المرحلة القادمة، ستكون المهمة الرئيسية لكل الشيوعيين هي العمل بنشاط ومثابرة واستبسال لكسب أغلبية النقابات؛ ولا ينبغي للشيوعيين أن يتركوا الاتجاهات الرجعية التي تظهر في هذه الفترة داخل الحركة النقابية تثبط عزيمتهم بأي حال من الأحوال، بل عليهم أن يثابروا عبر المشاركة الأكثر نشاطا في كل المعارك اليومية، على كسب النقابات للشيوعية على الرغم من كل المعيقات وكل المعارضات.
إن المعيار الأفضل لقوة أي حزب شيوعي، هو التأثير الفعلي الذي يمارسه على جماهير العمال النقابيين. وعلى الحزب أن يعرف ممارسة التأثير الأكثر عزما على النقابات دون إخضاعها لأدنى وصاية. ويملك الحزب أنوية شيوعية في هذه النقابة أو تلك، ولكن النقابة بذاتها غير خاضعة له. وليس إلاّ بعمل متواصل، ومدعوم ومخلص من جانب الأممية الشيوعية داخل النقابات، يستطيع الحزب خلق حالة تتبع بها كل النقابات نصائح الحزب بطيبة خاطر وفرح.
وتلاحظ سيرورة اختمار ممتازة في هذه الفترة في النقابات الفرنسية. لقد تخلص العمال أخيرا من أزمة الحركة العمالية، ويتعلمون اليوم إدانة خيانة الاشتراكيين – الديمقراطيين والنقابيين الإصلاحيين. ولا زال النقابيون الثوريون مشبعين إلى حد ما بأفكار مسبقة ضد العمل السياسي وضد فكرة الحزب السياسي البروليتاري. ويجاهرون بالحياد السياسي كما جرى التعبير عنه عام 1906 في ميثاق أميان. إن موقف هذه العناصر النقابية الثورية المشوش والخاطئ ينطوي على أكبر الأخطار بالنسبة للحركة. وإذا حاز هذا الاتجاه الأكثرية، فهو لن يعرف ما يصنع بها وسيبقى عاجزا بمواجهة عملاء رأس المال، جوهو ودومولين.
ولن يكون للنقابيين الثوريين الفرنسيين توجه صارم طالما لم يمتلك هذا التوجه الحزب الشيوعي. ويجب أن يجتهد الحزب الشيوعي الفرنسي للوصول إلى تعاون رفاقي مع أفضل عناصر النقابية الثورية. ولا يجب مع ذلك أن يعتمد بالدرجة الأولى إلاّ على مناضليه الخاصين. يجب أن يشكل أنوية في كل مكان يوجد فيه ثلاثة شيوعيين. ويجب أن يخوض الحزب حملة ضد الحياد. وأن يسجل عيوب موقف النقابية الثورية بالشكل الأكثر رفاقية ولكن أيضا الأكثر صرامة. ولا يمكن تثوير الحركة النقابية في فرنسا وإقامة تعاونها الوثيق مع الحزب إلاّ على هذا الشكل.
ولدينا في إيطاليا أيضا وضع مشابه: فجمهور العمال النقابيين تحركه روح ثورية، ولكن قيادة اتحاد الشغل هي بين أيدي الإصلاحيين والوسطيين المعلنين، الذين هم مع أممية أمستردام من كل قلبهم. إن المهمة الأولى للشيوعيين هي تنظيم عمل يومي ضارٍ ودؤوب داخل النقابات، وهي أن يثابروا بشكل منهجي وبصبر على فضح الطابع الملتبس والمتردد للقادة، من أجل اقتلاعهم من النقابات.
إن المهام التي تقع على عاتق الشيوعيين الإيطاليين بالنسبة للعناصر الثورية النقابية في إيطاليا هي بشكل عام مهام الشيوعيين الفرنسيين عينها.
ولدينا في إسبانيا حركة نقابية قوية، وثورية ولكن غير واعية كليا بعد لأهدافها، ولدينا هناك في الوقت نفسه حزب شيوعي لازال شابا وضعيفا نسبيا. ونظرا لهذا الوضع ينبغي أن يميل الحزب إلى تأكيد نفسه في النقابات ويجب أن يأتي الحزب للمساعدة بنصائحه وعمله، وينير الحركة النقابية ويرتبط بها بروابط رفاقية بهدف التنظيم المشترك للمعارك.
وتتطور أحداث ذات أهمية عظمى في الحركة النقابية الإنجليزية التي تتثور بسرعة كبيرة. والحركة الجماهيرية تتطور هناك. ويفقد القادة القدامى للنقابات مواقعهم بسرعة. وينبغي أن يبذل الحزب أكبر الجهود من أجل تأكيد نفسه في النقابات الكبرى، كما في اتحاد عمال المناجم، إلخ… ويجب أن يناضل كل عضو في الحزب داخل أي نقابة، ويوجهها نحو الشيوعية بعمل عضوي، دؤوب ونشط. ولا يجب إهمال أي شيء بصدد إقامة الصلة الأكثر وثوقا بالجماهير.
ونلاحظ في أميركا التطور نفسه، ولكن ببطء أكبر قليلا. ولا ينبغي أن يكتفي الشيوعيون بأي حال من الأحوال بترك اتحاد الشغل، المؤسسة الرجعية، بل يجب على العكس بذل كل جهد من أجل التسلل إلى الاتحادات القديمة وتثويرها. ومن المهم بالضرورة التعاون مع أفضل عناصر الـ I.W.W، ولكن هذا التعاون لا يلغي النضال ضد أفكارهم المسبقة.
وفي اليابان تتطور حركة نقابية بشكل عفوي، ولكنها لا زالت تفتقر إلى قيادة واضحة. فالمهمة الأساسية للعناصر الشيوعية في اليابان هي دعم هذه الحركة وممارسة تأثير ماركسي عليها.
وفي تشيكوسلوفاكيا يمتلك حزبنا أغلبية الطبقة العاملة، فيما تبقى الحركة النقابية بين أيدي الاشتراكيين الوطنيين والوسطيين بجزء كبير منها. وهي بالإضافة إلى ذلك مقسمة على أساس القوميات. وهذه هي نتيجة غياب التنظيم والوضوح من جانب النقابيين، حتى وإن كانت تحركهم الروح الثورية. وينبغي أن يبذل الحزب كل جهده من أجل وضع حد لهذه الحالة ولكسب الحركة النقابية إلى الشيوعية. وللوصول إلى هذا الهدف هناك ضرورة مطلقة لخلق أنوية شيوعية، وكذلك جهاز نقابي شيوعي مركزي مشترك لجميع البلدان. ومن أجل ذلك، يجب العمل بنشاط لدمج مختلف الاتحادات المنقسمة تبعا للقوميات في كلٍّ متحد.
وفي النمسا وبلجيكا عرف الاشتراكيون – الوطنيون كيف يأخذون قيادة الحركة النقابية بذكاء وحزم، التي تشكل في هذا البلد رهان المعركة الأساسي. وعلى هذه القيادة إذن يجب أن يركز الشيوعيون انتباههم.
وفي النروج، حيث لدى الحزب أغلبية العمال يجب أن يمسك الحركة النقابية بثقة أكبر بين يديه، ويبعد العناصر القيادية الوسيطة.
وفي السويد، على الحزب أن يحارب ليس فقط الإصلاحية بل كذلك التيار البرجوازي الصغير الموجود في الحركة الاشتراكية، ويجب أن يبذل كل نشاطه في هذا العمل.
وفي ألمانيا يسير الحزب في طريق ممتاز لكسب النقابات تدريجيا. ولا ينبغي القيام بأي تنازل للذين ينادون بالخروج من النقابات. إنهم يقومون بلعبة الاشتراكيين – الوطنيين، وهناك أهمية لمواجهة محاولات إبعاد الشيوعيين بمقاومة شرسة وعنيدة؛ وينبغي بذل أكبر الجهود لكسب أغلبية النقابات.
-5-
تحدد جميع هذه الاعتبارات العلاقات التي ينبغي أن تقوم بين الأممية الشيوعية من جهة والأممية النقابية الحمراء من جهة ثانية.
لا ينبغي أن تقود الأممية الشيوعية فقط النضال السياسي للبروليتاريا بالمعنى الضيق للكلمة، ولكن أيضا كل حملتها التحريرية، مهما كان الشكل الذي تتخذه. فلا يمكن أن تكون الأممية الشيوعية المجموع الحسابي فقط للجان المركزية للأحزاب الشيوعية في مختلف البلدان. يجب أن تدفع الأممية الشيوعية عمل كل المنظمات البروليتارية ومعاركها، سواء كانت مهنية، أو تعاونية، أو سوفياتية، أو تثقيفية، الخ أو سياسية بحتة، وتنسق في ما بينها.
وإذ تختلف الأممية النقابية الحمراء عن أممية أمستردام الصفراء بذلك، لا يمكن بأي حال أن تقبل بوجهة النظر القائلة بالحياد. فالمنظمة التي تريد أن تكون حيادية، إزاء الأمميات الثانية، والـ ½ 2، والثالثة، ستكون حتما لعبة بين يدي البرجوازية. إن برنامج عمل الأممية النقابية الحمراء المعروض أدناه والذي يطرحه المؤتمر العالمي الثالث للأممية الشيوعية على المؤتمر العالمي الأول للنقابات الحمراء سيجري الدفاع عنه في الواقع من قبل الأحزاب الشيوعية فقط، ومن قبل الأممية الشيوعية فقط. ولهذا السبب الوحيد، ولنفخ الروح الثورية في الحركة المهنية في كل بلد، ولكي يتم تنفيذ المهمة الثورية الجديدة، ستكون النقابات الحمراء في كل بلد مجبرة على العمل يدا بيد، باتفاق وثيق مع الحزب الشيوعي في كل بلد، وعلى الأممية النقابية الحمراء في كل بلد أن تنسق عملها مع عمل الأممية الشيوعية.
إن الأفكار المنسقة حول الحياد، والاستقلالية، واللا سياسة وعدم التحيز للأحزاب، التي تشكل خطيئة الكثير من النقابيين الثوريين المخلصين في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبعض البلدان الأخرى، ليست موضوعيا شيئا آخر غير ضريبة مدفوعة للأفكار البرجوازية. ولا يمكن للنقابات الحمراء أن تتغلب على نقابة أمستردام، والتغلب نتيجة لذلك على الرأسمالية، دون القطع نهائيا مع هذه الفكرة البرجوازية حول الاستقلالية والحياد.
من وجهة نظر الاقتصاد في القوى وتركيز الضربات بالشكل الأفضل، فإن الوضع المثالي سيكون بتشكيل أممية بروليتارية واحدة، تجمع في الوقت نفسه الأحزاب السياسية وكل أشكال التنظيم العمالي الأخرى. وليس هناك من شك في أن المستقبل هو لهذا النموذج من التنظيم. ولكن في المرحلة الانتقالية الحالية، مع تنوع النقابات في مختلف البلدان، ينبغي تشكيل اتحاد مستقل للنقابات الحمراء يقبل إجمالا ببرنامج الأممية الشيوعية، ولكن بحرية أكبر من حرية الأحزاب السياسية التي تنتمي إلى هذه الأممية.
وسيكون من حق الأممية النقابية الحمراء، التي ستكون منظمة على هذه الأسس، الحصول على كل دعم من المؤتمر العالمي الثالث للأممية الشيوعية. ويقترح المؤتمر من أجل إقامة ارتباط أكثر وثوقا بين الأممية الشيوعية وأممية النقابات الحمراء تمثيلا متبادلا دائما على أساس ثلاثة أعضاء من الأممية الشيوعية في اللجنة التنفيذية للأممية النقابية الحمراء والعكس بالعكس.
إن برنامج عمل النقابات الحمراء، حسب رأي الأممية الشيوعية، هو التالي على وجه التقريب:
برنامج العمل
1- إن الأزمة الحادة التي تعيث فسادا باقتصاد العالم أجمع، والهبوط الكارثي بأسعار الجملة، وفائض الإنتاج المتلازم ماديا مع فقدان السلع، والسياسة العدائية للبرجوازية إزاء الطبقة العاملة، والميل المستمر لخفض الأجور وإعادة الطبقة العاملة عدة عقود إلى الوراء، وسخط الجماهير الذي يتطور على هذه الأرضية، من جهة، وعجز النقابات العمالية الهرمة وأساليبها، من جهة ثانية، – كل هذه الوقائع تفرض على النقابات الثورية في كل البلدان مهام جديدة. هناك ضرورة لأساليب جديدة للنضال الاقتصادي بالعلاقة مع مرحلة الانحلال الرأسمالي: يجب أن تتبنى النقابات العمالية سياسة اقتصادية عدائية، لرد هجمة الرأسمالية وتعزيز المواقع السابقة والانتقال إلى الهجوم.
2- يشكل النضال المباشر للجماهير الثورية ومنظماتها ضد الرأسمال قاعدة التكتيك النقابي. وكل المكاسب العمالية ترتبط ارتباطا مباشرا بالعمل المباشر للجماهير وضغطها الثوري. وينبغي أن يُفهم بتعبير «العمل المباشر» كل نوع من الضغوطات المباشرة التي يمارسها العمال على أرباب العمل وعلى الدولة؛ وهي: المقاطعة، الإضرابات، التحرك في الشوارع، التظاهرات، احتلال المصانع، المعارضة العنيفة لخروج المنتجات من هذه المنشآت، الانتفاضة المسلحة وأعمال أخرى ثورية خاصة بتوحيد الطبقة العاملة في النضال من أجل الاشتراكية. تقوم مهمة النقابات الثورية إذا على جعل العمل المباشر وسيلة لتثقيف الجماهير العمالية وإعدادها للنضال من أجل الثورة الاجتماعية ودكتاتورية البروليتاريا.
3- لقد أظهرت سنوات النضال الأخيرة هذه بوضوح مميز كل ضعف الاتحادات المهنية حصرا. فالانتساب المتزامن لعمال منشأة معينة إلى نقابات عديدة يضعفهم خلال النضال. وينبغي الانتقال – ويجب أن يكون ذلك النقطة الأساسية في نضال غير منقطع – من التنظيم المهني المحض إلى التنظيم تبعا للصناعات: «منشأة – نقابة»؛ هذا هو الشعار في حقل البنية النقابية. ويجب الاتجاه نحو دمج النقابات المتشابهة عبر الطريق الثوري بطرح المسألة مباشرة أمام نقابيي المشاغل والمنشآت، برفع النقاش فيما بعد وصولا إلى الكونفرنسات المحلية والمنطقية وإلى المؤتمر الوطني.
4- يجب أن يصبح كل مشغل وكل مصنع حصنا ومعقلا للثورة. وينبغي استبدال الشكل القديم للارتباط بين النقابيين ونقاباتهم (مندوبو مشاغل يتلقون الاشتراكات. ممثلون، أشخاص موثوقون، إلخ…) بخلق لجان مشاغل ومصانع، ويجب انتخاب هذه الأخيرة من قبل جميع عمال المنشأة، مهما كانت النقابة التي ينتمون إليها ومهما كانت القناعات السياسية التي ينادون بها. ومهمة مناصري الأممية النقابية الحمراء هي تدريب كل عمال المنشأة على المشاركة في انتخاب أجهزتهم التمثيلية. إن محاولات حصر انتخاب لجان المشاغل والمصانع بالشيوعيين فقط ستكون نتيجتها إبعاد الجماهير (غير الحزبيين)؛ لذلك يجب إدانة هذه المحاولات قطعا، إذ سنكون عندئذ إزاء نواة وليس لجنة مشغل. يجب أن يتحرك الحزب الثوري ويؤثر، عن طريق الأنوية، ولجان العمل، وأعضائه العاديين، على الجمعية العامة ولجنة المشغل المنتخبة.
5- إن المهمة الأولى التي ينبغي طرحها على العمال ولجان الفبارك والمصانع، هي فرض إعالة العمال المسرّحين بسبب نقص مجالات العمل على نفقة المنشأة. ولا ينبغي التساهل بأي حال من الأحوال برمي العمال في الشارع دون أن تهتم بهم المنشأة. يجب أن يدفع رب العمل للعاطلين عن العمل لديه أجرهم كاملا: هذه هي الحاجة التي ينبغي أن ينظم حولها ليس فقط العاطلون عن العمل ولكن بشكل خاص العمال الذين يشتغلون بالمنشأة، عبر إفهامهم بالوقت نفسه أن قضية البطالة لا يمكن أن تحل في إطار الرأسمالية وأن الدواء الأفضل للبطالة هو الثورة الاجتماعية ودكتاتورية البروليتاريا.
6- إن إغلاق المنشآت هو حاليا، في أغلب الحالات، وسيلة لتطهير العناصر المشكوك بها، لهذا ينبغي أن يتم النضال ضد إغلاق المنشآت، ويجب أن ينكب العمال على إجراء تحقيق حول أسباب هذا الإغلاق. ولهذه الغاية يجب خلق لجان رقابة خاصة على المواد الأولية، والمحروقات، والطلبيات والحصول على إثبات فعلي للكمية المتوفرة من المواد الأولية، والمواد الضرورية للإنتاج والموارد المالية الموضوعة في البنوك. وينبغي أن تدرس لجان المراقبة المنتخبة الخاصة بأكبر اهتمام ممكن التقارير المالية بين المنشأة المعنية والمنشآت الأخرى، وينبغي طرح إلغاء السر التجاري على العمال كمهمة عملية.
7- إن إحدى وسائل منع إغلاق المنشآت بالجملة بهدف خفض الأجور ومفاقمة شروط العمل يمكن أن تكون احتلال المشغل أو المصنع ومواصلة الإنتاج على الرغم من إرادة رب العمل.
وبوجود النقص الحالي بالسلع، هناك أهمية بشكل خاص لكل توقف للإنتاج، وهكذا فإنه لا ينبغي أن يتساهل العمال مع أي إغلاق متعمد للمشاغل والمصانع. ويمكن أن ترفق مصادرة المنشآت أيضا، تبعا للشروط المحلية، وشروط الإنتاج، والوضع السياسي، وحدة الصراع الاجتماعي، بأساليب عمل أخرى تتناول رأس المال. إن إدارة المنشأة التي تمت السيطرة عليها، ينبغي أن توضع بين يدي لجنة المشغل أو المصنع والممثل المعين بشكل خاص من قبل النقابة.
8- ينبغي أن يُشن النضال الاقتصادي تحت شعار زيادة الأجور وتحسين شروط العمل التي ينبغي أن تصل إلى مستوى أعلى بشكل محسوس من المستوى الذي كانت عليه قبل الحرب. إن محاولات إعادة العمال إلى شروط العمل لما قبل الحرب ينبغي أن تُرفض بالشكل الأكثر حزما والأكثر ثورية. لقد كانت نتيجة الحرب إنهاك الطبقة العاملة: من هنا فإن تحسين شروط العمل هو شرط ضروري للتعويض من فقدان القوى هذا. إن مزاعم الرأسماليين التي تدين المنافسة الخارجية لا ينبغي أن تؤخذ بالاعتبار بأي شكل من الأشكال: لا يجب أن تتناول النقابات الثورية مسائل الأجور وشروط العمل من وجهة نظر المنافسة بين المستفيدين من مختلف الأمم. وينبغي أن تقف بجانب وجهة النظر القائمة على الحفاظ على قوة العمل وحمايتها.
9- وإذا كان تكتيك الرأسماليين التخفيضي يتزامن مع أزمة اقتصادية في البلد، فإن واجب النقابات الثورية ألاّ تسمح بتلقي الضربات وهي مشتتة إلى مفارز معزولة. بل يجب أن تجذب إلى نضال العمال منشآت ذات منفعة عامة (عمال مناجم، عمال سكك حديدية، عمال كهرباء، وعمال غاز، إلخ.) كي يطول النضال ضد هجمة الرأسمال، منذ البداية، المفصل العصبي للجسم الاقتصادي. وهنا تكون كل أشكال المقاومة ضرورية ومتناسبة مع الهدف، بدءا بالإضراب الجزئي والمتقطع، وصولا إلى الإضراب العام الممتد إلى إحدى الصناعات الكبرى على صعيد وطني.
10- ينبغي أن تطرح النقابات على نفسها مهمة إعداد الأعمال الأممية وتنظيمها على أساس الصناعات، كمهمة راهنة. فتوقيف النقل أو استخراج الزيت المحقق على صعيد عالمي هو وسيلة قوية للنضال ضد المحاولات الرجعية للبرجوازية في كل البلدان.
وينبغي أن تتتبَّع النقابات بانتباه الظروف العالمية من أجل اختيار اللحظة الأكثر تلاؤما مع هجمتها الاقتصادية؛ لا ينبغي أن تنسى للحظة واحدة واقع استحالة أي عمل أممي إلاّ إذا تم إنشاء نقابات ثورية، نقابات لا ينبغي أن يجمعها شيء مع أممية أمستردام الصفراء.
11- ينبغي أن يواجه الإيمان بالقيمة المطلقة للعقود الجماعية الذي يبثه الانتهازيون في جميع البلدان، بمقاومة شرسة ومصمِّمة للحركة النقابية الثورية. فالعقد الجماعي ليس إلاّ هدنة. وأرباب العمل يلغون هذه العقود في كل مرة يفسح فيها أدنى مجال لذلك. ويشهد الاحترام الديني للعقود الجماعية على التغلغل العميق للأيديولوجية البرجوازية في رؤوس زعماء الطبقة العاملة. ولا ينبغي أن ترفض النقابات الثورية العقود الجماعية، بل يجب أن تعي قيمتها النسبية، ويجب أن ترى دائما بوضوح الأسلوب الذي يجب اتباعه لإلغاء هذه العقود في كل مرة يكون فيها ذلك مفيدا للطبقة العاملة.
12- ينبغي أن تتم ملاءمة نضال المنظمات العمالية ضد رب العمل الفردي أو الجماعي مع الظروف الوطنية والمحلية، وأن تستخدم كل تجربة النضال التحرري للطبقة العاملة. وهكذا فإن كل إضراب هام لا ينبغي أن يكون منظما فحسب، بل يجب أن ينشئ العمال منذ البداية أطرا خاصة لمحاربة كاسري الإضراب ومواجهة الهجمة الاستفزازية للمنظمات البيضاء بكل تلاوينها التي تدعمها الدول البرجوازية. فالفاشيون في إيطاليا، والدعم التقني في ألمانيا، والحرس المدني المشكّل من قدامى الضباط والرتباء في فرنسا وإنجلترا – كل هذه المنظمات هدفها إحباط كل تحرك عمالي وهزمه، هزيمة لا تنحصر بمجرد إبدال المضربين بل بدحر منظمتهم ماديا وقتل قادة الحركة. وفي هذه الشروط يصبح تنظيم فرق الإضراب الخاصة ومفارز الدفاع العمالي الخاصة، مسألة حياة أو موت بالنسبة للطبقة العاملة.
13- لا ينبغي أن تكتفي المنظمات القتالية التي أنشئت هكذا بمحاربة منظمات أرباب العمل وكاسري الإضراب، بل يجب أن تتكفل بوقف كل الطرود والسلع المرسلة إلى المصنع المضرب من منشآت أخرى، واعتراض نقل الطلبيات إلى مصانع أخرى ومنشآت أخرى. وفي هذا المجال، فإن نقابات عمل النقل مدعوّة للعب دور هام بشكل خاص: فعليها تقع مهمة إعاقة نقل السلع، التي لا يمكن أن تتحقق دون المساعدة المجمع عليها من جميع عمال المنطقة.
14- يجب أن يتركز كل النضال الاقتصادي للطبقة العاملة خلال المرحلة القادمة حول شعار الرقابة العمالية على الإنتاج، ويجب أن تتحقق هذه الرقابة دون انتظار أن تخترع الحكومة والطبقات المسيطرة بديلا ما من الرقابة. يجب محاربة كل محاولات الطبقات المسيطرة ومحاولات الإصلاحيين لخلق جمعيات متعادلة التمثيل، ولجان متعادلة التمثيل، دون هوادة، وتطبيق رقابة صارمة على الإنتاج، عندها فقط تعطي الرقابة نتائج محددة. ويجب أن تحارب النقابات الثورية بحزم الابتزاز والغش اللذين يمارسهما قادة النقابات القديمة، بمساندة من الطبقات المسيطرة، باسم التشريك. إن كل حذر هؤلاء السادة بصدد التشريك السلمي يتبع هدفا واحدا وهو حرف العمال عن الأعمال الثورية والثورة الاجتماعية.
15- ومن أجل تحويل انتباه العمال عن مهامهم المباشرة وإيقاظ التذبذب البرجوازي الصغير لديهم، يجري وضع فكرة مشاركة العمال في الأرباح في الصدارة، أي استرداد العمال لجزء بسيط من فائض القيمة الذي يخلقونه، إن هذا الشعار التضليلي للعمال يجب أن يلقى نقدا صارما وعنيدا («لا مشاركة في الأرباح بل تدمير الأرباح الرأسمالية»، هذا هو شعار النقابات الثورية.).
16- من أجل إعاقة القوة القتالية للطبقة العاملة أو تحطيمها، استفادت الدول البرجوازية من إمكانية العسكرة المؤقتة لبعض المصانع أو فروع صناعية كاملة، بحجة حماية الصناعات ذات الأهمية الحيوية. وبالإدعاء بضرورة اتقاء الاضطرابات الاقتصادية قدر الإمكان، تُدخل الدول البرجوازية من أجل حماية الرأسمال أسعارا تحكيمية ولجان مصالحة إلزامية، وتُدخل في مصلحة الرأسمال أيضا، ولتحميل العمال أعباء الحرب، نظاما جديدا لتحصيل الضرائب، فيتم اقتطاعها من أجر العامل من قبل رب العمل، الذي يلعب بذلك دور الجابي. يجب أن تخوض النقابات النضال الأكثر عنادا ضد هذه الإجراءات الحكومية التي لا تخدم إلاّ مصالح الطبقة الرأسمالية.
17- إن النقابات الثورية التي تناضل من أجل تحسين شروط العمل، ورفع مستوى معيشة الجماهير، وإقامة الرقابة العمالية ينبغي أن تأخذ بالاعتبار بشكل دائم أنه لا يمكن أن تحل جميع هذه المسائل في إطار الرأسمالية؛ ولهذا يجب أن توضع الجماهير العمالية بوضوح أمام واقع أن إطاحة الرأسمالية وتوطيد دكتاتورية البروليتاريا هما وحدهما قادران على حل المسألة الاجتماعية، في الوقت نفسه الذي تنتزع به تنازلات من الطبقات المسيطرة خطوة خطوة، وتجبرها على تطبيق تشريع اجتماعي. لذلك لا يجب أن يمر أي تحرك جزئي، وأي إضراب جزئي، أو أدنى نزاع دون أن يترك آثارا بهذا الاتجاه. ويجب أن تعمم النقابات الثورية هذه النزاعات برفع معنويات الجماهير العمالية بشكل دائم وصولا إلى ضرورة الثورة الاجتماعية ودكتاتورية البروليتاريا وحتميتهما.
18- كل نضال اقتصادي هو نضال سياسي، أي نضال تخوضه طبقة بأكملها. ضمن هذه الشروط، فإن كل نضال، مهما كانت كبيرة الشرائح العمالية التي يطولها، لا يمكن أن يكون ثوريا فعلا، ولا يمكن أن يتحقق بأقصى إفادة بالنسبة للطبقة العاملة بمجملها إلا إذا سارت النقابات الثورية يدا بيد، في اتحاد وتعاون وثيقين مع الحزب الشيوعي في البلد. إن نظرية تقسيم الطبقة العاملة إلى نصفين مستقلين وممارسة هذه النظرية هما مضران خاصة في اللحظة الثورية الراهنة. فكل تحرك يتطلب أقصى تركيز للقوى، ولن يكون ذلك ممكنا إلاّ شرط التوتر الأقصى لكل الطاقة الثورية للطبقة العاملة، أي لكل عناصرها الشيوعية والثورية. إن أعمالا معزولة للحزب الشيوعي وللنقابات الثورية الطبقية محكوم عليها مسبقا بالإخفاق والهزيمة. لهذا فإن وحدة العمل، والارتباط العضوي بين الأحزاب الشيوعية والنقابات العمالية، يشكلان الشرط المسبق للفوز في النضال ضد الرأسمالية.
_____________
– الإشراف العام على التدقيق والمراجعة والتصحيح والتنضيد الإلكتروني منيف ملحم
– مراجعة فيكتوريوس بيان شمس بالتعاون مع صفحة التراث الأممي الثوري
– نقله إلى العربية لينا عاصي
– راجع الترجمة ودقّقها كميل قيصر داغر
لمراجعة الفصل السابق يرجى الدخول من خلال الرابط أدناه:
(17) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة