الثلاثاء سبتمبر 16, 2025
الثلاثاء, سبتمبر 16, 2025

وهم “الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية”

فلسطينوهم “الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية”

✍🏾 جيمس ماركين

بالتزامن مع تفاقم الأزمة في قطاع غزة إثر العدوان الإرهابي الذي تقترفه إسرائيل، يستمر انهيار الموقف الدبلوماسي للكيان على الصعيد العالمي، تحت ضغط الرأي العام، والحراكات الاجتماعية في مختلف أنحاء العالم. هذا التدهور كان أكثر وضوحا في أوروبا، التي كانت في وقت من الأوقات إحدى أكثر المناطق صداقة لإسرائيل.

بعد ما يقرب من عامين من حرب الإبادة، بات الشعب الأوروبي أكثر ثباتا في إظهار استيائه من قرب حكوماته لإسرائيل. فعلى سبيل المثال، في شهر حزيران، تظاهر عشرات الآلاف في أوروبا ضد إسرائيل. ففي برلين وحدها، في 23 حزيران، خرج 50,000 شخص في مسيرة تظاهرية ضد الإبادة. وفي شهر آب، اندلعت تظاهرات ضخمة في مدن أوروبية أخرى مثل أمستردام، ومدريد، وجنيف.

هذه الاحتجاجات لها أهمية خاصة، كونها تظهر غضب الطبقة العاملة الأوروبية بالرغم من القمع المتزايد الذي تمارسه الحكومات الأوروبية في محاولاتها لتدمير حركة التضامن مع فلسطين. مثلا، في تظاهرات المجموعة المحظورة “فلسطين أكشن” في لندن هذا الشهر، تم توقيف مئات المتظاهرين.

ووفقا لتقارير منصات مستلقة، باتت الاعتقالات والعنف الأمني ضد المتظاهرين في ألمانيا مسألة شائعة خلال العام الماضي. واليوم، مع تزايد التقارير عن المجاعة والقتل في مراكز توزيع الغذاء، بدأت العديد من الحكومات الأوروبية تتخذ إجراءات تبين للجمهور رغبتها في الوصول إلى “حل دبلوماسي” في غزة. وقد زادت الإعلانات الإسرائيلية عن خطط للسيطرة على المدينة وبناء 3400 وحدة سكنية جديدة في الضفة الغربية.
وردا على الاقترافات الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية، تساءل وزير الدفاع الإيطالي، جيدو كروسيتو، علنا، عن إمكانية فرض عقوبات. وكان رئيس وزراء بلجيكا، بارت دي ويفر، قد أطلق بالفعل تهديدات مشابهة في شهر تموز، إلى جانب دفع الاتحاد الأوروبي لاتخاذ إجراءات ضد إسرائيل. وقد بذلت إسبانيا أيضا دفعا مماثلا على مستوى الاتحاد الأوروبي. وفي ذات الوقت يستعد البرلمان الإيرلندي لتمرير مشروع قانون الأراضي المحتلة الذي طال انتظاره، والذي سيجعل استيراد البضائع من المستوطنات الإسرائيلية إلى إيرلندا أمرا غير قانوني. والأكثر صدمة، إعلان المستشار الألماني ميرتز، الحليف المقرب من نتنياهو، أن ألمانيا لن توافق بعد الآن على بيع “أسلحة هجومية” لإسرائيل في ظل الخطة الجديدة. ومع ذلك، قال ميرتز أيضا إن النهج الأساسي لألمانيا تجاه إسرائيل لم يتغير، ويبدو واضحا أن ألمانيا لا تزال تخطط لدعم إسرائيل، لكن ربما ليس بنفس الدرجة كما في السابق.

الإجراء الأكثر دعائية الذي اتخذته الدول الأوروبية مؤخرا كان خطوة الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، إذ أعلنت فرنسا، ومالطا، والبرتغال، وكذلك الحليفتان غير الأوروبيتان أستراليا وكندا، عن خطط للاعتراف رسميا بالدولة الفلسطينية خلال اجتماع للأمم المتحدة في شهر أيلول.

خطط فرنسا للاعتراف بـ “دولة فلسطينية” ودفعها نحو “حل الدولتين” ليست بالمسألة التقدمية جوهريا، فهي ليست أكثر من غطاء لخطة إمبريالية مختلفة لفلسطين. الوثائق التي طرحتها فرنسا وحلفاؤها توضح بجلاء عدم وجود خطة تفضي إلى السيادة الفلسطينية، بل لدولة تابعة “منزوعة السلاح”.
يتّضح هذا في البيان المشترك الفرنسي – السعودي بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية، والذي صدر في 29 تموز. ففي حين أن البيان يُدين جرائم إسرائيل التي يقول إنها “لم تعد منذ وقت طويل تملك أي مبرر عسكري أو سياسي”، فإنه يدعو في ذات الوقت دول الشرق الأوسط إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل والاعتراف بها. وفي بيان إضافي في الأمم المتحدة في نفس اليوم، أوضحت فرنسا ما هو القرار السياسي الذي تدعمه في “اعترافها” عندما صرّحت: “إن الحُكم، وإنفاذ القانون، والأمن في جميع الأراضي الفلسطينية يجب أن يكون من مسؤولية السلطة الفلسطينية وحدها، مع الدعم الدولي المناسب. وقد رحّبنا بسياسة ’دولة واحدة، حكومة واحدة، قانون واحد، سلاح واحد للسلطة الفلسطينية وتعهدنا بدعم تنفيذ هذه المسألة من خلال عملية نزع السلاح، ووقف التعبئة. ولا بد من أن يتم إنجاز هذا في إطار آلية دولية متفق عليها، وفي إطار زمني محدد”.
أشهر لحظة في هذه المسرحية الفجة كانت عندما انضم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى الجوقة، قائلاً إنه سيعترف أيضا بفلسطين في شهر أيلول. لكنه ربط هذا الاعتراف بما وصفه بالإنذار الأخيرة لإسرائيل، إذ صرح ستارمر بأن الاعتراف سيتم في حال لم تتخذ الحكومة الإسرائيلية خطوات جدية لإنهاء الوضع المريع في غزة، والموافقة على وقف إطلاق النار، والالتزام بسلام طويل

الأمد ومستدام، وإحياء احتمال حل الدولتين. إن ربط الاعتراف باستقلال أمة مضطهدة بسلوك مُضطهدها الإبادي أمر مروع، وهذا ليس مفاجئا من ستارمر والحكومة البريطانية.

القراءة الصريحة لبياناتهم تظهر أن فرنسا، وبريطانيا، والإمبرياليين الأوروبيين لا يريدون إنشاء دولة فلسطينية تمثّل فعلا إرادة الشعب الفلسطيني، بل يريدون تمكين نظام يُشبه ذلك الذي كان لرئيس الوزراء النرويجي التاريخي فيدكون كويزلينغ، الذي كان رأس الدولة النرويجية المستقلة رسميا، كان في الواقع مجرد واجهة للاحتلال النازي للبلاد. وبالمثل، الدعوة الفرنسية – السعودية لــ “الاعتراف” بالدولة الفلسطينية تطالب مرارا بتسليم السلاح، وتفكيك جميع الفصائل المسلحة في غزة، على أن تُستبدل بقيادة السلطة الفلسطينية، التي تتلقى تمويلها وأوامرها من دولة إسرائيل.

الحقيقة هي أنه لا إمكانية لدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة ما دامت قوات الدفاع الإسرائيلية وكيلا مسلحا للإمبريالية الأمريكية. والحقيقة في “حل الدولتين” هي أن أي دولة فلسطينية “مستقلة”، حتى إن لم تسلم سلاحها وتخضع لسيطرة إسرائيل المباشرة، لكنها ستكون تماما تحت هيمنتها. وهذا واضح من التاريخ السياسي الحديث لدول مجاورة أخرى، مثل لبنان وسوريا، اللتين تم تشكيلهما عبر تدخل عسكري إسرائيلي.

الحل الوحيد الذي سيسمح بدول فلسطينية ولبنانية وسورية ذوات سيادة هو تدمير قوات الدفاع الإسرائيلية. وفي نهاية المطاف القضاء على دولة إسرائيل نفسها. وعوضا عنها، يجب أن تُنشأ فلسطين كدولة ديمقراطية بحقوق متساوية لكل المنتمين إلى الخلفيات الدينية، والعرقية، والثقافية المختلفة.



ترجمة تامر خرمه
مراجعة فيكتوريوس بيان شمس

ننوّه إلى أن الآراء الواردة في المواد المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن آراء ومواقف “الرابطة الأممية للعمال – الأممية الرابعة”

Check out our other content

Check out other tags:

Most Popular Articles