✍🏾 فابيو بوسكو
في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر، بدأ تحالف من الجماعات المتمردة السورية بقيادة هيئة تحرير الشام وبمشاركة قطاعات من الجيش الوطني (الجيش الوطني المدعوم من النظام التركي) هجوماً مهماً انطلاقاً من محافظة إدلب.
استحوذت القوات المهاجمة على مناطق ريفية واسعة، بالإضافة إلى جزء كبير من مدينة حلب، ثاني أهم مدينة في سوريا، وهي تكمل طريقها نحو حماة بعد أن سلكت الطريق السريع الذي يربط حلب بحماة و دمشق، وقطعت خطوط الإمداد الحيوية لقوات النظام السوري وحلفائه.
فوجئت قوات النظام السوري والميليشيات الأجنبية المدعومة من النظام الإيراني، ومنيت بعدة انتكاسات. استخدم النظام السوري الطيران السوري والروسي لقصف محافظة إدلب المتمردة ومدينة حلب، لكنه لم يتمكن من احتواء هجوم المتمردين.
واحتفل السكان السوريون في إدلب والسويداء ودرعا (في جنوب البلاد، مهد ثورة 2011) بتقدم الهجوم. إلى ذلك، اندلعت اشتباكات بين أبناء محافظة السويداء وقوات النظام السوري في جنوب البلاد. وفي نزاع منفصل عن القتال ضد النظام السوري، اندلعت اشتباكات في دير الزور شرقي البلاد حول السيطرة على الضفة اليسرى لنهر الفرات بين قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية وميليشيات إيرانية وروسية داعمة للنظام السوري.
يعتمد هجوم المتمردين في المقام الأول على الكراهية التي يشعر بها الشعب السوري تجاه دكتاتورية الأسد وداعميها الإيرانيين والروس. هذه الكراهية لا تنبع فقط من المجازر التي ارتكبت بحق السكان لإغراق الثورة السورية التي بدأت في آذار/ مارس 2011 بالدماء، بل تنبع أيضاً من حالة الفقر والتفجيرات والهجمات التي يتعرض لها نحو 4 ملايين لاجئ سوري يعيشون في محافظة ادلب المتمردة. وهذا ما يفسر مشاركة المئات من الشباب المتحمسين لهزيمة قوات النظام السوري وطرد الميليشيات الأجنبية المدعومة من النظام الإيراني.
هناك عوامل أخرى تفسر أيضاً نجاح الهجوم.
يُخضع النظام السوري الشعب السوري للفقر وغياب الخدمات العامة والمضايقات اليومية المهينة والإبادة التي ترتكبها أجهزة القمع (المخابرات) والميليشيات المرتبطة بالنظام والمعروفة شعبياً باسم “الشبيحة”. علاوة على ذلك، فإن سوريا دولة محتلة من قبل ست قوات عسكرية أجنبية.
لهذه الأسباب (القمع والفقر وفقدان السيادة الوطنية)، أصبح النظام السوري مكروهاً من قبل السكان، وتعتمد القوات العسكرية السورية بشكل كامل على الميليشيات المرتبطة بإيران والقوات الجوية الروسية لإبقاء الأسد في السلطة، في حين أعادت روسيا نشر طائراتها وقواتها العسكرية لارتكاب إبادة الجماعية في أوكرانيا، بالإضافة إلى استيراد الكثير من صواريخ “فاتح” الإيرانية وطائرات “شاهد” المسيّرة لهذا الغرض، وهو ما يضعف الدعم العسكري للنظام السوري. كما تم إضعاف الميليشيات الإيرانية، وتم إعادة نشر العديد من ميليشيات حزب الله في لبنان، لتحل محلها في سوريا ميليشيات موالية لإيران ذات خبرة أقل. والمسألة الأخرى هي الغارات الجوية التي يقوم بها الطيران الصهيوني ضد أهداف إيرانية وسورية على الأراضي السورية. وتحظى هذه الهجمات التي تشنها القوات الصهيونية بتواطؤ النظام الروسي الذي لا يفعل شيئا لحماية المجال الجوي لسوريا.
دور النظام التركي
للنظام التركي عدد من المصالح في سوريا. والهدف الرئيسي هو إنشاء منطقة تفصل بين المناطق الكردية في تركيا وسوريا. في الماضي، اعتمد حزب العمال الكردستاني الكردي على قواعد في سوريا للعمل في كردستان تحت الاحتلال التركي.
ويعمل أردوغان أيضاً على إيجاد حل لحوالي 4 ملايين لاجئ سوري موجودين في البلاد، وهم هدف لحملات معادية للأجانب من قبل الجماعات اليمينية المتطرفة، مما يؤدي إلى استقطابات محلية حادة.
أخيراً، كان النظام التركي مهتماً دائماً بتوسيع مساحة نفوذه السياسي والاقتصادي، ولهذا سعى للسيطرة على قوى المعارضة السورية، وهو يرعى الآن ميليشيا الجيش الوطني. ومؤخراً، غيّر أردوغان توجهاته وسعى إلى التفاهم مع النظام السوري، لكن دون جدوى.
من المؤكد أن النظام التركي سهّل هجوم المتمردين من خلال قطاعات من الجيش الوطني. لكن أهدافهم تختلف عن أهداف الشعب السوري الذي يقاتل من أجل إنهاء الدكتاتورية وإنهاء احتلال البلاد من قبل القوات الأجنبية.
ولهذا السبب، يمكن للنظام التركي التوصل إلى اتفاق مع بوتين والنظام الإيراني لاحتواء الهجوم على النظام السوري، حيث هناك محادثات جارية بالفعل.
تنصيب ترامب
يعد تنصيب دونالد ترامب في 20 يناير/ كانون الثاني عاملا ساهم في تسريع قرار قوات المتمردين ببدء هجومهم.
فمن ناحية، يَعِد ترامب بفرض وقف إطلاق النار في أوكرانيا، وتسليم الأراضي الأوكرانية إلى بوتين، وتوفير الراحة للقوات العسكرية والاقتصاد الروسيين، اللذين يعانيان من ضغوط كبيرة بسبب المجهود الحربي. وهذا من شأنه أن يمكن بوتين من إعادة نشر القوات في سوريا لدعم نظام الأسد المجرم.
من ناحية أخرى، قد يقرر ترامب تغيير الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية/ “حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي”، التي تسيطر على 27٪ من الأراضي السورية، من أجل تسليم الشريط الحدودي إلى الحكومة التركية لإنشاء طوق أمني، وفي نهاية المطاف، ترحيل جزء اللاجئين السوريين إلى المناطق المحررة. ومن الممكن أن يلبي قرار بهذا الحجم مصالح أردوغان ويدفعه لمنع الجيش الوطني من تنفيذ أي هجوم عسكري ضد النظام السوري، وتجميد التحالف الذي تقوده هيئة تحرير الشام.
لا ثقة في هيئة تحرير الشام!
هيئة تحرير الشام هي إحدى الجماعات التي لعبت دوراً سلبياً خلال الثورة السورية، حيث سعت إلى تغيير طبيعة الثورة الديمقراطية إلى حرب أهلية طائفية. وتتهم هذه المنظمة بقمع السكان وقتل المعارضين مثل الصحفي الشهير رائد فارس. كان أحد مصادر الدعم الرئيسية للهيئة يأتي من قطر.
في الفترة الماضية، سعى “أبو محمد الجولاني”، القائد الرئيسي لهيئة تحرير الشام، إلى تغيير صورة التنظيم. فهي لم تنفصل عن تنظيم القاعدة فحسب، بل سعت أيضاً إلى تقديم نفسها باعتبارها القوة البرجوازية الطبيعية التي تحكم إدلب، وتفرض الضرائب على التجارة، وتحافظ على مسافة بينها وبين النظام السوري الذي لا يحظى بشعبية. إن التغيير في الصورة لا يعني القطيعة مع الأفكار والمفاهيم السلفية التي تبشر بدكتاتورية ثيوقراطية طائفية، بل يعني تجميل تلك الصورة.
ومن المؤكد أن الهجوم في حلب يُفسَّر أيضاً بحاجة هيئة تحرير الشام إلى البحث عن متنفس للسخط الشعبي ضدها داخل إدلب.
بديل ثوري للنضال ضد الدكتاتورية
على أية حال، فإن هذا الهجوم في حلب يتماشى مع رغبات الغالبية العظمى من الشعب السوري لإنهاء الدكتاتورية والاحتلالات الأجنبية والفقر الذي يتعرضون له. لكن لا يوجد منظمة قيادية مختلفة تماماً عن هيئة تحرير الشام، منظمة عمالية ديمقراطية ثورية.
يجب على الناشطين الملتزمين بأهداف ومُثُل ثورات الربيع العربي (الحرية والخبز والعدالة الاجتماعية) بناء منظمة سياسية جديدة، تعمل على تعزيز المجالس الشعبية الديمقراطية في المناطق المحررة، حيث يمكن للعمال أن يقرروا مستقبل النضال ضد الدكتاتورية. طوال الثورة السورية، كانت هناك العديد من التجارب الديمقراطية للتنظيم الذاتي التي يجب استئنافها. من غير المقبول أن تحل محل دكتاتورية الأسد دكتاتورية أخرى من الجماعات الاستبدادية، سواء كانت هيئة تحرير الشام أو أي جهة أخرى. إن النضال من أجل الحريات الديمقراطية للشعب السوري العامل يسير جنبا إلى جنب مع النضال ضد دكتاتورية الأسد.
علاوة على ذلك، هناك إبادة جماعية مستمرة في فلسطين. لا يمكن للفلسطينيين اليوم أن يعولوا إلا على دعم الطبقات العاملة والشباب في الدول العربية وفي جميع أنحاء العالم. يجب على منظمة ثورية جديدة أن تجهز نفسها لدعم غير مشروط للشعب الفلسطيني، ولإعادة إعمار مخيم اليرموك الذي دمره النظام السوري، ولاستعادة كامل الأراضي السورية التي يحتلها الكيان الصهيوني في مرتفعات الجولان، خلافاً للنهج التصالحي الذي كان ينهجه نظام الأسد.
القضية الكردية هي قضية استراتيجية أخرى للثورة السورية الجديدة. يمثل السكان الأكراد حوالي 10% من سكان سوريا. لقد عانى الأكراد دائماً من قمع دكتاتورية الأسد. في بداية الثورة السورية، دافع قادة أكراد مهمون مثل مشعل تمو (الذي اغتيل في الأراضي التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي)، عن ضرورة وحدة النضال ضد الأسد. ومع ذلك، فإن القوى الرائدة في الثورة السورية لم تلتفت أبداً لقضية الدفاع عن حق تقرير المصير الديمقراطي للسكان الأكراد. وقد سهّل ذلك لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السير باستراتيجيته التي تتمثل في التحالف الضمني مع الأسد، وسحب الجماهير الكردية من الثورة السورية، مقابل بعض التنازلات من الديكتاتورية. يجب تجنب هذا الخطأ، من خلال دعوة السكان الأكراد إلى القتال ضد الدكتاتورية والدفاع عن حقهم في تقرير المصير، وهو الحق الذي أنكره النظام السوري دائماً. وفي الوقت نفسه، من الضروري دعوة حزب الاتحاد الديمقراطي إلى الانفصال عن النظام السوري والإمبريالية الأمريكية، والانضمام إلى القتال ضد الدكتاتورية السورية، وإرساء التزام بعدم الاعتداء بين قوات المتمردين وقوات سوريا الديمقراطية، وضمان الحكم الذاتي. في “روج آفا”، رافضين أي ضغوط من النظام التركي. ومن الضروري أيضاً مطالبة قوات سوريا الديمقراطية بالحريات الديمقراطية الكاملة داخل “روج آفا” حتى يتمكن الشعب الكردي من ممارسة حقه في تقرير مصيره بحرية.
ترجمة فيكتوريوس بيان شمس