✍🏾 هايون تشو
“هذا الفشل (الفشل في القضاء على الأسلحة النووية) سيكون بمثابة خيانة لهؤلاء الذين حافظوا بطريقة أو بأخرى على كرامتهم الإنسانية في ظل أبشع الظروف التي عانت منها البشرية على الإطلاق.” – أوي كينزابورو، 1 أيار 1981.
نحو 80 عاما مرت على قيام الولايات المتحدة بقصف هيروشيما وناجازاكي.
في “مذكرات هيروشيما”، كتب أوي كينزابورو عن لحظة في خضم الحرب الكورية سأل فيها رئيس مكتب “يونايتد برس” في طوكيو أحد ضحايا القنبلة الذرية، وكان مصابا بالعمى، “أفترض أنه يمكننا إنهاء الحرب إذا أسقطنا قنبلتين أو ثلاث قنابل ذرية على كوريا، ما هو رأيك باعتبارك أحد ضحايا السلاح النووي؟”.
في مدرستي الثانوية، وفي كل عام يتم فيه تناول مادة تاريخ العالم، ومن ثم تاريخ الولايات المتحدة، كان يتم تداول نفس موضوع النقاش: “هل كان إسقاط القنبلة الذرية على هيروشيما وناجازاكي مبررا؟”. وكان يتم تقسيم الطلاب إلى مجموعتين، لإجراء “مناقشة متوازنة”، بغض النظر عن آرائهم، لتأطير الأمر برمته باعتباره تمرينا فكريا. لقد تم بذل كل الجهود، بشكل منهجي، لتجنب قصص الناجين. ربما تم ذكر آثار القنبلة بشكل غامض، ولكن في جوهر الأمر، تم تعليم الطلبة كيفية الدفاع عن القنبلة النووية، أو معارضتها استنادا إلى “البراغماتية” و”المنطق”.
هذا هو النمط الذي كان سائدا منذ البداية.
بدأت الرقابة الأمريكية في اليابان بعد شهادات الشهود، والتقارير الطبية، التي تم إنتاجها بمجرد وصول الأطباء إلى مكان الحادث. بدأ الأمر بإسكات الناجين من القنبلة، وإهمالهم من قبل الحكومتين الأمريكية واليابانية الرازحة تحت وطأة الاحتلال الأمريكي.
حتى يومنا هذا، لايزال عدد الوفيات الناجمة عن القنبلتين النوويتين اللتين ألقيتا على هيروشيما وناغازاكي غير معروف، كل ما لدينا هو مجرد تقديرات. ولا تشمل هذه الوفيات المدنيين اليابانيين فحسب، بل تشمل أيضا آلاف الأمريكيين اليابانيين، الذين كان الكثير منهم أطفالا عالقين هناك بعد زيارة عائلاتهم، وما يصل إلى 50 ألف كوري، تم تجنيدهم في العمل القسري خلال الحرب.
لقد واجه الناجون، وخاصة أولئك الذين لم يكونوا مواطنين يابانيين، الإهمال من كل من اليابان والولايات المتحدة على حد سواء. وبينما سنت اليابان في نهاية المطاف قانون الرعاية الطبية للناجين، كان الأمريكيون اليابانيون في مواجهة الكونجرس الذي رفض النظر في برنامج طبي لرعاية المواطنين الأمريكيين الذين عانوا من آثار الإشعاع، ما يعد سابقة لإدانة الولايات المتحدة فيما يتعلق بأفعالها “المشروعة” خلال الحرب. كما لم يحصل الكوريون المتضررون على الاعتراف والتعويض إلا قبل عام واحد من الآن، عندما تقلص عددهم من 45 ألف شخص عادوا إلى شبه الجزيرة إلى أقل من 2000. وحتى ذلك الوقت، لم يعرض عليهم سوى التعويض الذي أسهمت فيه الشركات الكورية، وليس من قبل الشركات اليابان.
هذا التجاهل والإهمال التام ليس نتيجة عبثية، بل تعبير عما تخلفه بقايا الإمبريالية اليابانية واستمرار الإمبريالية الأمريكية. إنه نتيجة للإرث الاستعماري الذي يلعب دورا رئيسيا في صيرورات الإبادة الجماعية المستمرة.
إننا نشهد نفس هذا التجاهل التام في الكونغو، حيث تم استخراج اليورانيوم المستخدم في القنابل التي ألقيت على هيروشيما وناغازاكي. وقد حدث هذا خلال عملية التعدين الاستعمارية البلجيكية التي دمرت صحة عمال المناجم الذين كانوا يتعاملون مع اليورانيوم. ويشتبه في أن شركة “الاتحاد للتنقيب” البلجيكية نقلت 200 طن من خام اليورانيوم المعالج إلى إسرائيل عام 1968 بعد حرب الأيام الستة، وهو خام يشتبه في استخدامه لبناء أسلحة نووية في إسرائيل.
كما نشهد هذا الاستخفاف بمعاناة الناس عبر قيام الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى بنشر ذخائر اليورانيوم المنضب في حرب الخليج، وفي كوسوفو، والعراق، والآن في أوكرانيا. ويذكر أن هذه الأسلحة تسبب ضررا طويل الأمد للأرض، ولاسيما فيما يتعلق بالإشعاع الدائم، وترتبط بارتفاع معدل انتشار السرطان والأمراض الخلقية. كما أن ذخائر اليورانيوم المستنفدة قد تم استخدامها من قبل الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في غزة.
هذا الاستخفاف نشهده أيضا في الاستخدام المستمر لأراضي السكان الأصليين ليس فقط لاستخراج اليورانيوم ولكن للتخلص كذلك من النفايات النووية. إن العنصرية البيئية والاستعمار الاستيطاني يكمنان وراء التستر على المشاكل الصحية والإشعاع في تلك المناطق. ولا يتم التخلص من النفايات النووية من قبل الولايات المتحدة فحسب، بل من قبل اليابان أيضا، وهي الدولة الأولى والوحيدة التي تعرضت للقنابل الذرية. كما نشهد هذا التجاهل للحقيقة التاريخية في إدامة وبناء المفاعلات النووية، التي تولد المزيد والمزيد من النفايات التي سيتم التخلص منها عبر دفنها وإخفائها.
هذا الاستخفاف التام يتجلى أيضا في السؤال الذي طرحه رئيس مكتب “يونايتد برس”. إنه تجاهل تام للمعاناة الإنسانية، وللآثار المعروفة للإشعاع – والتي تم التعبير عنها كذلك في تصويت الولايات المتحدة والدول الإمبريالية الأخرى مرارا وتكرارا على عدم النظر في وقف استخدام اليورانيوم المنضب. كما يتضح الأمر في تاريخ رؤساء الولايات المتحدة المنخرطين في التخطيط لتوجيه ضربات نووية، رغم خطر الشتاء النووي، وعلى الرغم من الكلفة البشرية، والآثار التي لا يمكن تجنبها على الأرض. ولا ننسى الانتشار “الاستراتيجي” للأسلحة النووية في ظل المنطق الإمبريالي المتمثل في “التدمير المتبادل المؤكد”، وهي أسلحة يمكنها تدمير العالم عدة مرات، وتستخدم للتخويف، وتثبيت المواقف الإمبريالية.
لقد ارتفع مستوى خطر الحرب النووية بالغزو الروسي لأوكرانيا إلى أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة في الخمسينيات والستينيات. وبما أننا لا نستطيع أن نثق في حكومة الولايات المتحدة، ولا في أية حكومة إمبريالية تمتلك هذه الأسلحة، فيجب علينا أن نتحرك.
علينا أن نرفض أي مبرر لبقاء هذه الأسلحة، وأن نتذكر الموتى والناجين من هيروشيما وناجازاكي، ونتعهد بعدم السماح بحدوث ذلك مرة أخرى! يجب أن نتذكر عمال المناجم في الكونغو، الذين عانوا في ظل الاستعمار، وتم إجبارهم على إنتاج معادن لا تؤدي سوى إلى ترسيخ الإمبريالية. وعلينا أن نتذكر التأثيرات التي خلفها اليورانيوم المنضب في العراق وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط، والآثار المشتبه بها في فلسطين وكوسوفو، والآثار المحتملة التي سنشهدها في أوكرانيا. ويتعين علينا أن نتذكر أيضا الضرر المستمر الذي يلحقه تعدين اليورانيوم بمجتمعات السكان الأصليين، والآثار المروعة التي تخلفها النفايات النووية، وأن ننظر إلى هذا باعتباره استمرارا لهذا التاريخ من الاستخفاف والأذى.
يتساءل كاناي توشيرو حول كتاب كينزابورو “مذكرات هيروشيما”: “هل القنبلة الذرية معروفة أكثر بقوتها الهائلة أم بالبؤس الإنساني الذي تسببه؟”.
يبدو أننا في كثير من الأحيان ننسى الأشخاص الذين عانوا ومازالوا يعانون من آثار بداية العصر النووي. ربما تتعامل القوى الإمبريالية مع القنابل النووية باعتبارها أدوات قوة، ولكن علينا كاشتراكيين ثوريين السعي جاهدين للقضاء على مثل هذه الأسلحة. يجب علينا أن ندرك كم أن هذه الأسلحة مقيتة، وأن الدولة البرجوازية لن تتخلى عن استخدامها أبدا، وأن نعمل بلا توقف من أجل ثورة عمالية أممية – ثورة تقضي على دعاة الحرب الإمبريالية وديكتاتورية رأس المال.
ترجمة تامر خرمه
مراجعة فيكتوريوس بيان شمس