ينشر موقع “الرابطة الأممية للعمال – الأممية الرابعة” فيما يلي القراءة التي قدّمها القيادي السابق في “حزب العمل الشيوعي في سورية” منيف ملحم لتجربة الحزب بالتزامن مع صدور الكتاب التوثيقي “قصة حزب العمل الشيوعي في سورية.. فصل من تاريخ اليسار السوري” للدكتور راتب شعبو.
الكتاب صدر في شباط/ فبراير 2020 وأُعيد طبعه في العام 2022 عن دار المرايا في جمهورية مصر العربية.
القراءة ستُنشر على خمس حلقات
منيف ملحم
“الكتابة عن تجربة سياسية نضالية معارضة مهزومة بالقمع، وتوثيق هذه التجربة، هي مساهمة في حمايتها من الضياع أولاً، ثم من التشويه الذي تمارسه آلة ضخمة من الإنتاج الكتابي الذي لا يحفظ من التاريخ سوى النسخة التي تبدو للعين المسيطرة، عين السلطات الغالبة، فيما تذهب إلى العدم رواية المغلوبين، ونسختهم من التاريخ. من الإنصاف للتاريخ وللأجيال القادمة أن يتولى المغلوبون أيضاً سلطة الراوي. أن يُروى التاريخ من موقعهم وكما يظهر في عيونهم”.
بهذه المقدمة الجميلة والمؤثرة يبدأ الصديق راتب شعبو كتابة فصل من اليسار الجديد: “قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا”.
وإذ يكتب التاريخ دائماً المنتصرون فإنه قلما أتيح للحركات المعارضة أن تكتب تاريخها. وإذ ينطبق هذا على كل الحركات والقوى المعارضة بشكل عام فإنه يرخي بثقله أكثر على الحركات والتنظيمات السرية. ومن ضمنها التيارات المعارضة داخل حزب العمل الشيوعي سواء ما عرف بالأقلية اليسارية أو ما عرف بالحلقات التروتسكية بعد عام 1985. يكفي أن يتذكر الرفاق في حزب العمل الشيوعي المعتقلين في سجن صيدنايا ما كتبه الرفيق فاتح جاموس ووافق عليه الرفيق أصلان عبد الكريم حول تاريخ التروتسكيين في الحزب في كراس صدر عام 1990 ووزع على الرفاق بمناسبة الندوة التي تمت الدعوة لها من قبلي في جناح ج يسار ط2 بمناسبة الذكرى الـ 50 لاغتيال تروتسكي.
يكتب الصديق راتب: حول حضور شعار إسقاط السلطة في بعض الأعداد وغيابه في أعداد أخرى من الراية الحمراء.
“في كل حال تبقى هذه المفارقة لغزاً محيراً، ويزيد في صعوبة الاطمئنان إلى تفسير، أنه في الاجتماع التالي لم تجمد الرابطة الشعار المذكور وهذا يقلل من الاطمئنان إلى التفسير الذي ذهبنا إليه وهو أن الرابطة تسرعت في رفع الشعار تحت ضغط الحماس وأنها أدركت تسرعها وعالجته بأن دفعت شعار إسقاط السلطة إلى الخلف. ولكن من جهة ثانية كانت السلطات الأمنية تحاول من خلال كوادر الرابطة المعتقلين في تلك الفترة، الضغط على التنظيم من أجل تجميد ذلك الشعار، كما كشف هؤلاء الكوادر، هذا يعني أنه كان لهذا الشعار حضور ملموس يدفع السلطات الأمنية إلى الضغط من أجل تجميده -لم نتوصل إلى تفسير لهذه المفارقة- وفي التواصل الخاص مع قياديي تلك الفترة للحصول على تفسير لهذه المفارقة، لم نتوصل إلى تبرير محدد، وقد فوجئ بعضهم بحقيقة أن أعداد الراية الحمراء الصادرة بعد اجتماع بيروت 1979 لا تحمل الشعار على صفحتها الأولى”.
أنا أدرك الصعوبات التي واجهت الصديق راتب والتي ستواجه كل باحث في تاريخ الخط السياسي والتكتيكي لرابطة العمل الشيوعي. كما كل التنظيمات والحركات السرية. لذا فان وجود ألغاز محيّرة يصعب فهمها من القرائن (الكتابات) وحدها ليس أمراً مستغرباً. إذ أن بعض الكتابات والنصوص العائدة للحركات والتنظيمات السرية هي أقرب إلى اللقى الأثرية والألواح الموجودة في بعض القبور والمواقع الأثرية وقد مضى عليها قرون مدفونة تحت ركام من غبار التاريخ. لذلك فإن فك رموزها وألغازها يحتاج إلى جهد كبير وعمل جماعي غير متحزب ومنحاز. وحتى في حال استحضار الشهود فإن الأكثرية المنتصرة قادرة على لي عنق الواقع. ناهيك عن العبث الذي قام به لصوص المقابر.
سأنشر لاحقاً مقالة مخصصة للغز الذي يتحدث عنه كتاب “قصة حزب العمل الشيوعي” حول شعار إسقاط النظام وبيان الحرية للشعب أولاً. ومع العلم أنني قد بينت للكاتب في حديث معه بعض خفايا هذا اللغز والذي اختصره الكاتب بكلمتين “الغرض من الاستعراض السابق البحث عن الأهمية التي أولتها الرابطة لشعار إسقاط السلطة في الشهور التي فصلت اجتماع بيروت أيلول 1979، الذي تقرر فيه رفع الشعار، واجتماع آذار 1980 الذي واجه فيه الشعار محاولة تجميد فاشلة قادها أصلان عبد الكريم”.
أما الآن فسأكتفي ببعض الملاحظات على قراءة الصديق نصار يحيى لما ورد في الكتاب:
يقول الصديق نصار يحيى في ملاحظاته بصدد مشروع فاتح جاموس حول التسليح “وأيضاً هنا تم التناغم بين “التروتسكيين” والأغلبية الأخرى”. في الواقع فإن الأقلية اليسارية صوتت ضد مشروع فاتح جاموس وتلقت سخرية واستهجان من الكثير من الرفاق في المؤتمر لتصويتها ضد المشروع يا صديقي. كما يضيف الصديق نصار يحيى بعض الأسماء مثل (علي الشهابي، أكثم نعيسة) إلى الأقلية اليسارية ويشطب أسماء أخرى مثل (الشهيد إحسان عزو). الأقلية اليسارية أُطلقت تحديداً على الرفاق الذين قاطعوا الانتخابات وانسحبوا من الجلسة المقررة لانتخاب اللجنة المركزية وعددهم 15 رفيقاً ومن ضمنهم إحسان عزو أما الرفيقان علي الشهابي وأكثم نعيسة لم يكونا ضمن الـ 15 رفيقاً، فهما لم يقاطعا الانتخابات، وعلي الشهابي كان من المرشحين للجنة المركزية. لذلك فهما لم يكونا من ضمن ما عرف بـ “الأقلية اليسارية” ولكن مع ذلك كسبا عداء الأكثرية بسبب دعمهم الأقلية في بعض المشاريع. ليس كل من صوت على أحد المشاريع التي طرحتها الأقلية اليسارية كان محسوباً على الأقلية. ولو كان الأمر كذلك لكان عبد العزيز الخير ووجيه غانم من الأقلية اليسارية كونهما صوتا أكثر من مرة لبعض المشاريع التي طرحتها الأقلية اليسارية.
وأخيراً في ظل غياب محاضر جلسات لاجتماعات الهيئات وضياع كثير من الوثائق يبقى عمل المؤرخ يعتريه النقص مهما بذل من جهد. لذلك تبقى شهادات من عايشوا المرحلة تسد بعض النقص والثغرات. والكاتب في موضوع الشهادات لم يكن موفقاً دائماً ولاسيما في مواضيع كانت مفصلية في تاريخ الحزب. وباعتقادي أنه بعمله هذا سواء كان مقصوداً أو غير ذلك، فإنه فتح ذاكرتنا جميعاً، فالكثير من الشكر له.
هذه بعض من الملاحظات الأولية وآمل أن تستكمل مستقبلاً.
راجعها فيكتوريوس بيان شمس