✍🏾 بقلم جون برييتو
انتهت أعمال المؤتمر الوطني الديمقراطي. وكان كل ما شهدناه مجرد التزام بذات السياسات القديمة، التي لا تقود إلا إلى طريق مسدود بالنسبة للعمال والمضطهدين.
رغم الجهود الحثيثة التي تم بذلها خلال “الحملة غير الملتزمة”، فإن مسألة حقوق الإنسان المتعلقة بالشعب الفلسطيني، والإبادة الجماعية المستمرة في غزة، لم يتم التطرق لها، ومن المؤكد أن تلك الجهود لن تغير واقع الدعم طويل الأمد الذي يقدمه الحزب الديمقراطي للصهيونية وللمشروع الإمبريالي الأمريكي. وكما قلنا منذ البداية، “كان من الممكن بذل الجهود بشكل أفضل في تنظيم عمل جماهيري من أجل فلسطين، بطرق تنأى عن الحزب الديمقراطي”.
في نهاية المطاف، جاءت تلك الحملة لخدمة نفس الهدف الذي تكرست لأجله سائر الاستعراضات خلال المؤتمر الوطني الديمقراطي، لخلق الأوهام بين النشطاء والمنظمين في الحزب الديمقراطي، ودفعهم إلى الالتفاف حول كامالا هاريس.
هل هي حملة من أجل الحرية؟
في خطابها الذي ألقته ليلة الخميس 22 آب الماضي، نظمت كامالا هاريس إيقاع حملتها على نغمة “حرية العيش في مأمن من العنف المسلح في المدارس والمجتمعات وأماكن العبادة؛ وحرية حب من تعشق علانية وبفخر؛ وحرية تنفس الهواء النظيف، وشرب المياه النظيفة، والعيش بعيدا عن التلوث الذي يغذي أزمة المناخ؛ والحرية التي تفتح الأبواب للجميع – حرية التصويت”.
في حين أن هذا الخطاب جديد من ناحية سعيه إلى استخدام الإطار المحافظ تقليديا للتدخل الحكومي من أجل الدفاع عن القضايا التقدمية، إلا أنه لا يختلف جوهريا عما يقال لنا عند كل محطة انتخابية – وهو أن هذه الانتخابات هي الأكثر أهمية في حياتنا، وإذا لم ندعم الديمقراطيين فسوف نفقد حقوقنا.
لكن طالما كان هذا تهديدا فارغا ــ ليس لأن الجمهوريين وحلفائهم من اليمين المتطرف لا يشكلون خطرا حقيقيا على حقوقنا، بل لأن الحزب الديمقراطي غير ملتزم بالدفاع عن تلك الحقوق. وما عليك إلا أن تنظر تحت سطح الخطاب إلى الأفعال والسياسات التي يتم المضي بها!
التحرر من العنف المسلح كان أول ما ذكرته في خطابها، بيد أن الأبحاث تبين على الدوام أن هذا العنف يرتبط بشكل وثيق بالفقر. وحتى بعد معالجة مسائل الجنس والعرق والكثافة وملكية الأسلحة النارية، هناك أدلة على أن برامج تنمية القوى العاملة في المجتمع المحلي تساعد على التخفيف من العنف المسلح، عبر زيادة فرص العمل، والمساعدة في التخفيف من حدة الفقر.
لكن رغم هذا، فلطالما دعم الديمقراطيون التآكل البطيء والثابت للبرامج الاجتماعية البسيطة المخصصة لمساعدة الفقراء والطبقة العاملة. في الواقع أنهم لا يستطيعون دعم الإجراءات التي تقوض فعليا أسباب العنف المسلح، ولن يقوموا باتخاذها، لأنهم ببساطة يدعمون النظام الرأسمالي ذاته الذي يتسبب في الفقر والإفقار واستغلال المضطهدين والطبقة العاملة بشكل عام.
هل قد يكونون الأفضل فيما يتعلق بحقوق المغايرين في توجهاتهم الجنسانية؟ “الحرية في أن تحب من تعشق”، كما قالت هاريس في خطابها. لكن رغم هذا، قبل أقل من شهرين، أعلنت إدارة بايدن – هاريس معارضتها لجراحة تأكيد الجنس للقصر، ما أدى إلى تأجيج حملة الذعر من المتحولين جنسيا على يد الجمهوريين واليمين المتطرف. وكما قلنا في ذلك الوقت، “ما يقود خيار إدارة بايدن للابتعاد عن دعم حقوق المتحولين جنسيا لا علاقة له بما هو مهم لأفراد الطبقة العاملة، بل هو كامن في النمط التاريخي الأعمق للحزب الديمقراطي. وفي النهاية فإن أي حزب سياسي ممول من قبل الطبقة الرأسمالية، يعتمد في كل حملة انتخابية، سواء للديمقراطيين أو الجمهوريين، على نفس السادة، ويلبي متطلبات البنوك الكبرى، وكافة أنواع الشركات”.
نرى هذا الزيف بشكل صارخ عندما ننتقل إلى ثالث أشكال الحرية التي ذكرتها هاريس في خطابها، “حرية تنفس الهواء النظيف، وشرب الماء النظيف، والعيش بمنأى عن التلوث الذي يغذي أزمة المناخ”، ففي حين أن هذا الخطاب قد يكون مختلفا بعض الشيء، فقد سبق وأن ادعى بايدن دعم هذه الحرية عندما خاض حملته في عام 2020 تحت شعار “لا مزيد من الحفر”، ولكن رغم هذا الوعد، فقد شهدنا في عام 2023، أي بعد أول عامين من إدارة بايدن – هاريس، عددا أكبر من التصاريح لحفر آبار النفط والغاز في الأراضي العامة مقارنة بالعامين الأولين من حكم ترامب. في الواقع، تشهد الولايات المتحدة حاليا طفرة نفطية!
هناك أيضا الحرية الأخيرة التي ذكرتها، وهي حرية التصويت. وهنا تجدر الإشارة إلى حزمة القوانين التي صدرت على مستوى الولاية، والتي تحاول تقييد الوصول إلى صناديق الاقتراع. وبينما كان يتم النظر غالبا إلى مثل تلك القوانين على أنها ناجمة عن تصرفات حصرية للجمهوريين، فإن الواقع هو أن الديمقراطيين أيضا ليس لديهم موقف مبدئي بشأن الحقوق الديمقراطية. في أتلانتا مثلا، أقر مجلس المدينة الديمقراطي، ذو الأغلبية السوداء، تغييرا في عملية استفتاءات المواطنين عبر أوراق الاقتراع، وذلك ردا على حملة جماهيرية جمعت 116,000 توقيع من الناخبين للسماح للمواطنين بالتصويت على مشروع “مدينة الشرطة” سيئ السمعة. في النهاية، سيتطلب التغيير مطابقة كل التواقيع على عريضة الاستفتاء مع التوقيعات في قاعدة بيانات تسجيل الناخبين، وهي العملية التي يدينها دعاة حقوق التصويت لتأثيرها بشكل غير متناسب على الأشخاص الملونين. ولكن، من هو عمدة أتلانتا الذي يقود المعركة ضد الديمقراطية؟ إنه الديمقراطي أندريه ديكنز، مستشار الحملة الديمقراطية للرئاسة.
لقد شهدنا مثالا صارخا ومرعبا للمكان التي سيوصلنا إليه منطق أهون الشرين الذي روج له الحزب الديمقراطي في عام 2022، عندما ألغت المحكمة العليا حماية الإجهاض في قضية “رو ضد وايد” في قرار دوبس ضد منظمة صحة المرأة جاكسون. رغم أنه كان لدى الحزب الديمقراطي 49 عاما لترسيخ الحماية الممنوحة بموجب قضية “رو ضد وايد” في القانون الفيدرالي.
بدلا من ذلك، شهدنا دعم الديمقراطيين المتكرر لمسائل من قبيل تعديل هايد، الذي تم استخدامه بداية عام 1980، لمنع استخدام الأموال الفيدرالية للوصول إلى حق رعاية الإجهاض. وقد أيد بيل كلينتون ذلك، كما أيده جو بايدن، وكان أوباما قد أصدر أمرا تنفيذيا لتوسيع مظلة القرار ليشمل قانون الرعاية الميسرة، حتى أن السناتور الديمقراطي بوب كيسي قدم مشروع قانون لتدوين تعديل هايد، وجعله قانونا فيدراليا يغطي التمويل الفيدرالي. ويمكن تعميم تقييمنا لدور الحزب الديمقراطي فيما يتعلق بالنضال من أجل حقوق الإجهاض على كافة الحركات الشعبية من أجل العدالة: كان سياسيو الحزب الديمقراطي هم الحلفاء الأقل موثوقية، حيث استخدموا الانضباط الحزبي لإحباط التعبئة الجماهيرية لصالح نهج انتخابي فشل مرارا وتكرارا منذ عام 1973.
قضية دوبس (ضد منظمة جاكسون لصحة المرأة) ليست استثناء، بل هي نتيجة لسياسة الحزب الديمقراطي، وهي مثال على ما سيتمخض في النهاية عن اتباع نهج الحزب الديمقراطي.
كقاعدة عامة، وخاصة في أوقات الانتخابات، يتلاعب كلا الحزبين الرأسماليين لتضليل الناخبين، واستقطاب حركات التغيير الاجتماعي، عبر إبرام وعود غامضة. ولكن بعد الحصول على أصواتنا، نادرا ما يتردد السياسيون الديمقراطيون والجمهوريون في المضي بمهمتهم الموكلة إليهم، والمتعلقة بتعزيز مصالح أصحاب الأموال الطائلة، وضد تطلعات واحتياجات العمال والمضطهدين. لهذا السبب، يجب علينا مضاعفة جهودنا لبناء حركات احتجاج جماهيرية في الشوارع وفي أماكن العمل، والسعي لضمان بقاء حراكنا مستقل تماما عن كل من الديمقراطيين والجمهوريين. لقد باتت مسألة تولي العمال في الولايات المتحدة مهمة بناء حزبهم المستقل ملحة تماما، ليتولى النضال المستمر من أجل مصالحهم.
ترجمة تامر خرمه
مراجعة فيكتوريوس بيان شمس