[أنماط مختلفة من تمركز وسائل الإنتاج في بلدان مختلفة]
“رغم أن المهارة وعلم الميكانيك قد يفعلان الكثير، فإن طغيان العنصر الحيوي اساسي لاتساع المانيفاکتورات. إن نظام التجزؤ (morcellement)، إذ يمنع النمو السريع للسكان، فقد نزع، بصورة غير مباشرة، إلى عرقلة اتساع المانيفاکتورات. وقد كان له هذا التأثير بشكل مباشر أيضا. فلقد أبقى عددا كبيرة من السكان لصيقين بالأرض ويعملون فيها. إن زراعة الأرض هي مهنتهم الأساسية. وهي مهنة يزاولونها بافتخار ورضى. وإن اشتغالهم في الغزل والنسيج وما شابههما، ليس إلا اشتغالاً ثانوياً، ضرورياً، لإعالة أنفسهم. وإنهم یکنزون مدخراتهم لغرض زيادة ميراثهم، وليسوا عرضة للابتعاد عن مسقط رؤوسهم بحثا عن مهنة جديدة أو عادات جديدة”، (إذن هنا بالضبط، حيث الادخار يعادل الاكتناز، وحيث يبقى موجوداً بدرجة عالية نسبياً، بل يكون قادراً على الوجود في ظل الشروط المعينة – فإن تكون رأس المال، نسبياً، وتطور الإنتاج الرأسمالي، بالقياس إلى إنكلترا، يعاق بفعل الشروط الاقتصادية نفسها المؤاتية للاكتناز، إلخ). «إن موقع المالك، امتلاك منزل، وامتلاك قطعة أرض، هي أيضا الهدف الرئيسي لعامل المصنع، ولكل إنسان فقير ليس لديه ملكية أصلا، والواقع إن الجميع يتطلع إلى الأرض…. من هذا الوصف لطابع ومهن الطبقة الأغزر عددا من الشعب الفرنسي، يمكن لنا مباشرة الاستنباط بأن الصناعة المانيفاکتورية الفرنسية تتمثل، على خلاف إنكلترا، في مؤسسات صغيرة»، (هذا يبين مدى ضرورة انتزاع الأرض لتطور الصناعة واسعة النطاق). «يجري تحريك بعضها بالبخار والماء، ويعتمد الكثير منها في قوته المحركة على عمل الدواب، بل إن الكثير من المصانع لا يزال يستخدم العمل اليدوي وحده، بالكامل». إن الخاصية المميزة للصناعة الفرنسية قد وصفت خیر وصف من جانب البارون س. دوبان، بأنها عاقبة نظام حيازة الأرض. وهو يقول: «بما أن فرنسا هي بلد الملكيات المجزأة، بلد الحيازات الصغيرة، لذلك فإنها بلد الصناعة المجزأة وبلد الورش الصغيرة». (تقرير مفتشي المصانع، 31 تشرين الأول/ أكتوبر، 1855، ص 67 – 68) ويقدم مفتش المصانع نفسه (أ. ريدغريف) مسحاً (لعام 1852) لمانيفاکتورات «المنسوجات الفرنسية مهما كانت أهميتها»، ويتضح من المسح أن مصادر القوة المحركة المستخدمة فيها، كانت كالتالي:
«البخار 2053 (قوة حصانية)(*)، الماء 959، قوی میكانیكية أخرى 2057»(**) (المرجع نفسه، ص 69)(1). ويقارن هذه المعطيات بمعطيات عدد من المصانع، إلخ، قدمت إلى مجلس العموم في عام 1850، ويستخدم ذلك ليبين «الفارق الباهر التالي بين نظام مانیفاكتورات المنسوجات الإنكليزية والفرنسية»(***). والنتيجة كالتالي:
إن عدد المصانع في فرنسا هو ثلاثة أضعاف عددها في إنكلترا، في حين أن عدد الأشخاص المستخدمين فيها هو أكبر ب 1/5 فقط؛ ولكن النسب المتباينة جدا في الآلات والقوة المحركة تتضح على وجه أفضل من خلال المقارنة التالية (****):
عدد المصانع | فرنسا | انكلترا | |
12,986 | 4330 | ||
عدد الأشخاص المستخدمين | 706,450 | 596,082 | في الواقع إن الأرقام الفرنسية تتضمن ما لا يعتبر في إنكلترا مصنعاً. |
متوسط عدد الأشخاص في كل مصنع | 54 | 137 | |
متوسط عدد المغازل لكل شخص مستخدم | 7 | 43 | في إنكلترا ستة أضعاف ما في فرنسا |
متوسط عدد الأشخاص لكل نول | 2 (نول آلي ويدوي) | 2 (نول آلي فقط) |
لذا، يوجد في فرنسا أشخاص مستخدمون أكثر مما في إنكلترا، ولكن فقط بسبب أن جميع الأنوال اليدوية قد أقصيت من المعطيات الإنكليزية. ولكن يوجد في المؤسسة الوسطية ضعف ما يوجد في فرنسا (54/136 = 27/68 = 13/34 = ⅓ تقريباً)، أي يوجد عدد أكبر من الناس جمعوا معا تحت إمرة رأس المال الواحد نفسه. وفي فرنسا يوجد 3 أضعاف عدد المصانع، ولكن فقط ⅕ أكثر من الناس المستخدمين فيها، أي عدد أقل من الأشخاص نسبة إلى عدد المؤسسات. يضاف إلى ذلك، فيما يتعلق بكتلة الآلات التي تصيب الشخص الواحد، هناك من المغازل في إنكلترا 6 أمثال ما في فرنسا. ولو كان جميع الأشخاص المستخدمين غازلين، لكان هناك 4,945,150 مغزلاً في فرنسا، و أقل في
إنكلترا. لذا يوجد في إنكلترا نول بخاري واحد بين شخصين، وفي فرنسا نول بخاري واحد أو نول يدوي واحد.
هكذا يوجد في إنكلترا 25,631,526 مغزلاً. زد على ذلك، أن القوة البخارية المستخدمة في بريطانيا العظمى = 108,113 قوة حصانية، (ق. ح) ونسبة الأشخاص المستخدمين حوالي 5 شخص لكل قوة حصانية بخارية، والنسب في فرنسا حسب هذا التقدير ينبغي أن تعطينا قوة بخارية = 128,409 (ق. ح)، في حين أن مجمل القوة البخارية لفرنسا لم تكن تبلغ سوی = 75,518 (ق .ح) في عام 1852، أنتجها 6080 محركاً بخارياً، ذي قدرة متوسطة تقل عن ½ 12 ق .ح لكل محرك؛ في حين يبدو أن عدد المحركات البخارية المستخدمة في مصانع النسيج الفرنسية قد كان 2053 في عام 1852، وقوة هذه المحركات تساوي 20,282 (ق .ح)، موزعة كالتالي(*5):
مجال الاستخدام | عدد المصانع | القوة الحصانية |
في الغزل فقط | 1438 | 16,494 |
في النسيج فقط | 101 | 1738 |
في الإنجاز النهائي | 242 | 612 |
في عمليات أخرى | 272 | 1438 |
المجموع | 2053 | 20,282 |
(المرجع نفسه ص 70)
“إن غياب عظام وأعصاب المانيفاکتورات في فرنسا، الفحم والحديد، لا بد من أن يعوق أبداً تقدمها كبلد مانيفاکتوري، (المرجع نفسه)(*6) إذ يوجد بالنسبة إلى كل عامل في مصنع إنكليزي، بالمقارنة مع الفرنسيين، آلات أكثر للعمل، وكذلك أجهزة مولدة للقوة المحركة أكثر بكثير (قوة ميكانيكية (Mechanic Power) وعليه، أيضا فإنه يعالج مواد أولية أكثر من نظيره الفرنسي خلال الزمن نفسه.
إن القدرة المنتجة لدى عمله هي، إذن، أعظم بكثير، شأن رأس المال الذي يستخدمه. إن عدد المؤسسات في إنكلترا أقل مما في فرنسا. وإن عدد العمال المستخدمين، وسطياً، في مؤسسة واحدة، هو أكبر في إنكلترا مما في فرنسا، رغم أن العدد الإجمالي للمستخدمين في فرنسا أكبر مما في بريطانيا، وإن يكن بنسبة صغيرة ليست إلا بالقياس إلى عدد المؤسسات(*7).
ويغدو واضحاً تماما أن نرى هنا أنه بسبب الظروف التاريخية وغيرها التي كان لها أثر متفاوت على الحجم النسبي لتركز وسائل الإنتاج، فإن هناك نزعة متفاوتة بالمثل لملكية جمهرة المنتجين المباشرة. وعلى النحو ذاته، هناك تطور متباین جداً للقوى المنتجة وللنمط الرأسمالي للإنتاج بعامة. ويتناسب هذا تناسباً عكسيا مع الإدخار (saving) و«الاكتناز» (hoarding) اللذين يقوم بهما المنتج المباشر نفسه، وهما ضخمان في فرنسا بالمقارنة مع إنكلترا. إن مدى إمكان إدخار واكتناز ومراكمة ودمج العمل الفائض للمنتجين في کتل أعظم، أي تركيزها، وإمكان استخدامها كرأسمال، إن هذا المدی يتطابق بالضبط مع درجة اكتناز عملهم الفائض، إلخ، على يد أرباب العمل بدلا من اكتنازه على أيديهم هم أنفسهم؛ وعليه فإن هذا المدی يتطابق مع درجة حرمان الجمهرة العظمى من المنتجين من إمكانية وشروط «الادخار» و «الاكتناز» و التراكم، أي باختصار، أن هذه الجمهرة تحرم من القدرة على تملك عملها الفائض بالذات بأية درجة مهمة، وذلك بسبب نزع ملكية وسائل الإنتاج من هذه الجمهرة نزعة تامة بهذا القدر أو ذاك. إن التراكم والتركز الرأسماليين يستندان إلى ويتطابقان مع سهولة الاستيلاء على العمل الفائض للناس الآخرين، بكتل ضخمة، والعجز المقابل لهؤلاء الآخرين أنفسهم، عن أي حق في المطالبة بعملهم الفائض ذاته. وعليه فإن من أشد الأوهام والمظاهر المضللة أو الخداع مدعاة للسخرية هو تفسير وتسويغ هذا التراكم الرأسمالي عن طريق خلطه مع، أو، بمقدار ما يتعلق الأمر بالصياغات الكلامية، تحويله إلى عملية هي نقيض له، وبعيدة عنه، عملية تتطابق مع نمط للإنتاج لا يمكن إلا على أنقاضه وحدها أن يترعرع الإنتاج الرأسمالي. وهذا واحد من الأضاليل التي يرعاها الاقتصاد السياسي بعناية بالغة. والحقيقة هي هذه: إن كل عامل، في هذا المجتمع البورجوازي، إذا كان إنساناً ذكياً وبارعاً تماما، وكان قد حُبي بغرائز بورجوازية ونال حظاً استثنائياً فإن من الممكن أن يستطيع تحویل نفسه إلى مستغل لعمل الآخرين. ولكن حيثما لا يوجد عمل (travail) يمكن استغلاله (exploité) فلن يكون هناك، لا رأسمالي ولا إنتاج رأسمالي(*8).
* * *
[75] (*9) إن ریکاردو في الواقع يواسي العمال بقوله إنه، من جراء تنامي إنتاجية العمل، فإن الزيادة في رأس المال الإجمالي تنمو في تعارض مع جزئه المتغير، وكذلك شأن جزء فائض القيمة، الذي يستهلك كإيراد. بناء عليه، «هناك طلب متزايد على الخدم». (ریکاردو، مبادیء، ص 473)(*10).
«الملكية … ضرورية للحفاظ على العامل العادي غير الماهر من السقوط إلى مستوى جزء من آلة، يشترى بالحد الأدنى من سعر السوق الذي يمكن به إنتاجه، أي السعر الذي يستطيع العمال عنده أن يعيشوا وأن يديموا جنسهم؛ وذلك ما يؤول إليه العامل دوما إن عاجلا أم آجلا، عندما تتمایز مصالح رأس المال عن مصالح العمل، وتترك لكي تتعدل بفعل التأثير الوحيد لقانون العرض والطلب». (صامويل لينج، البؤس القومي، لندن، 1844، ص 46)(*11).
إيرلندا الهجرة
بمقدار ما يمكن للزيادة الحقيقية والنقصان الحقيقي في السكان العاملين أن تمارسا أي تأثير محسوس على سوق العمل خلال الدورة الصناعية الكبرى المؤلفة من 10 سنوات، فإن ذلك لا يمكن أن يحصل إلا في إنكلترا، ولذلك نتخذ منها نموذجا. والسبب هو أن النمط الرأسمالي للإنتاج كامل التطور في إنكلترا، خلافا للقارة، حيث لايزال هذا النمط يعمل على اسس اقتصاد زراعي لا يتواءم معه: بناء عليه يمكن لنا، أن ندرس على انفراد تأثير حاجة رأس المال لإنماء قيمته على تنامي الهجرة وتقلصها. وينبغي أن نبدأ بملاحظة أن هجرة رأس المال، أي هجرة ذلك الجزء من الإيراد السنوي الذي يوظف في الخارج، وبخاصة في المستعمرات والولايات المتحدة الأميركية، هي أكبر بكثير نسبة إلى رصيد التراكم السنوي، من نسبة عدد المهاجرين إلى النمو السنوي للسكان. والحق إن قسماً من هؤلاء يتبع رأس المال فعلا إلى الخارج. زد على ذلك، إن الهجرة من إنكلترا، إذا عاينا قسمها الرئيس، تشمل القطاع الزراعي، لا العمال، بل أبناء الزراع المستأجرين، إلخ. وقد جرى التعويض عن ذلك بالنازحين من إيرلندا. إن فترات الركود والأزمة، حيث يكون الحافز على الهجرة في ذروته، تتماثل مع تلك الفترات التي يرسل فيها المزيد من رأس المال الفائض إلى الخارج، وبالعكس، فإن الفترات التي تهبط فيها الهجرة تطابق تلك الفترات التي تنخفض فيها هجرة رأس المال الفائض. من هنا فإن العلاقة المطلقة بين قدرة – العمل ورأس المال المستخدم في البلاد لا تتأثر، إلى حد كبير، بالتقلبات في الهجرة. فإذا كانت الهجرة من إنكلترا ستتنامى إلى مديات خطيرة قياسا إلى النمو السنوي للسكان، فإنها ستقضي بنهاية سيطرتها على السوق العالمي. إن الهجرة الإيرلندية، منذ عام 1848، قد انتزعت من المالتوسيين كل آمالهم وتوقعاتهم. فلقد أعلنوا، في المقام الأول، إن تجاوز نطاق الهجرة للنمو السكاني أمر مستحيل. وحل الإيرلنديون مشكلتهم رغم الفقر. فأولئك الذين قد هاجروا أصلا، قاموا، في الأغلب، كل عام بإرسال رسائل تمكن الباقين في الوطن من الهجرة بدورهم. ثانياً إن هؤلاء السادة كانوا قد تنبأوا أن المجاعة (famine) التي حصدت مليونا، وسيل النزوح الذي أعقبها، سيكون لهما في إيرلندا الأثر نفسه الذي خلفه الموت الأسود (Black Death) [الطاعون] في إنكلترا أواسط القرن الرابع عشر. لكن العكس هو الذي حصل بالضبط. فالإنتاج قد انخفض بوتيرة أسرع من السكان، وكذلك تقلصت وسائل تشغيل العمال الزراعيين، رغم أن أجورهم الآن، إذا أخذنا الفروق بين أسعار الضروريات في الحساب، ليست أعلى مما كانت عليه عام 1847. مع ذلك فقد تناقص السكان من 8 ملايين إلى ما يقارب 1/2، 4 مليون، في ظرف 15 عاماً. إن إنتاج المواشي قد نما بعض الشيء، والحق يقال؛ وإن اللورد دوفيرين، الذي يتمنى تحويل إيرلندا إلى مرعي للخراف، محق تماما حين يقول إن عدد السكان لا يزال غزيراً أكثر مما ينبغي. في غضون ذلك لا يأخذ الإيرلنديون إلى أميركا عظامهم فحسب، بل أنفسهم أيضا، وإن الوعيد المنذر بأن ينهض منتقم يوما من رفاة عظامنا(*12) (Exoriare aliquis ultor) سوف يتحقق يوما على الجانب الآخر من الأطلسي.
ولو درسنا العامين الأخيرين 1864 و1865 لاكتشفنا الأرقام التالية بالنسبة للمحاصيل الرئيسية:|
القمح | 1864 (كوارتر) |
1865 (كوارتر) |
الانخفاض |
875,782 | 826,783 | 48,999 | |
الشوفان | 7,826,332 | 7,659,727 | 166,605 |
الماش | 761,909 | 732,017 | 29’892 |
البرة | 15,160 | 13,989 | 1171 |
البطاطا | 4,312,388 | 3,865,990 | 446,398 |
الكرنب | 3,467,659 | 3,301,683 | 165,976 |
الكتان | 64,506 | 39,561 | 29,945 |
(الاحصاءات الزراعية الرسمية لإيرلندا، دبلن، 1866، ص 4).
إن ذلك لا يمنع الأفراد الذوات من إثراء أنفسهم على حساب خراب الريف بأسره. وعلى سبيل المثال، فإن عدد الأشخاص الذين يتراوح دخلهم السنوي بين 900 جنيه و1000 جنيه كان 59 في عام 1864، و66 في 1865، أما أولئك الذين يتراوح دخلهم السنوي بين 1000 – 2000 جنيه فقد كان عددهم 315 في 1864، و342 في 1866. وكانت المداخيل الأخرى كالتالي:
مداخيل بين |
3000 – 4000 جنيه | 1864 | 1865 |
46 | 50 | ||
4000 – 5000 جنيه | 19 | 28 | |
5000 – 10,000 جنيه | 30 | 44 | |
10,000 – 50,000 جنيه | 23 | 25 |
وكان هناك 3 أشخاص حصل كل واحد منهم على دخل يبلغ 87,706 جنيهات وثلاثة آخرون حصل كل واحد منهم على 91,509 جنيهات. (إحصاءات الدخل وضريبة الأملاك، 7 آب/ أغسطس، 1866) وإن اللورد دوفيرين، الذي هو ذاته أحد «الزائدين عن اللزوم»، يجد، محقاً، أن لإيرلندا سكانا أكثر من اللزوم.
[نزع الملكية ونزف السكان في شرقي ألمانيا خلال القرن الثامن عشر]
(*13) «لم يكفل للرعايا (الفلاحين البروسيين ضمان الحيازة وحق استيراث الأرض في أغلب أقاليم المملكة إلا في عهد فريدريك الثاني. وإن المرسوم الذي اشترع ذلك ساعد على وضع نهاية لتظلمات السكان الريفيين التي كانت تهدد بنزف سكان الريف. ففي مطلع القرن الثامن عشر)، ومنذ أن بدأ لوردات الأرض بتركيز جهودهم لزيادة محصول ممتلكاتهم، وجدوا أن من مصلحتهم طرد الكثير من رعاياهم، وضم حقول هؤلاء إلى عقاراتهم، وإن الناس الذين نُزعت ملكيتهم على هذا النحو، وفقدوا أي مأوى لهم، باتوا فقراء معوزين؛ أما الذين بقوا فقد أبهظتهم الأعباء المفروضة عليهم، نظرا لأن لوردات الضِيَع صاروا يطلبون منهم الآن أن يحرثوا الحقول التي كانت تُحرث في السابق على يد المستأجرين المحاصصين، الذين كان عملهم في السابق يسهل، إلى حد كبير، زراعة حقول اللوردات. إن عملية التسييج هذه، المعروفة باسم إقصاء الفلاحين (Bauernlegen) كانت بالغة القسوة في الانحاء الشرقية من ألمانيا. وحين غزا فريدريك الثاني سيليزيا، كانت هناك بضعة آلاف من المزارع دون زارعین؛ وكانت الأكواخ مهدمة، والحقول في أيدي لوردات الضيع. وكان ينبغي إعادة تنظيم كل الأراضي المصادرة، وإيجاد زارعين، وتوفير المواشي، والمعدات، وجرت إعادة توزيع الأرض على الفلاحين مع كفالة حقهم في الحيازة ونقل الأرض إلى ورثتهم. وفي روجن، حتى خلال عهد صبا موریتز آرندت، أدت التجاوزات نفسها إلى اندلاع انتفاضات قام بها سكان الريف، فتوجب إرسال قوات عسكرية، وسُجن الثائرون: بعد ذلك سعى الفلاحون إلى النار لأنفسهم، فصاروا ينصبون الكمائن لنبلاء أفراد، ويفتكون بهم. وبالمثل، أدت تجاوزات مماثلة، في مقاطعة ساكسوني، إلى انتفاضة في عام 1790» (غوستاف فرایتاغ).
إن حقيقة المشاعر النبيلة للوردات الاقطاعيين تتكشف هنا بجلاء ساطع(*14).
[الملكية ورأس المال]
رغم أن تكوين رأس المال والنمط الرأسمالي للإنتاج لا يقومان جوهرياً على نقض الإنتاج الاقطاعي وحده فحسب، بل أيضا على نزع ملكية الفلاحين والحرفيين، وبوجه عام تقويض نمط الإنتاج الذي يقوم على الملكية الخاصة للمنتج المباشر لشروط إنتاجه؛ ورغم أن الإنتاج الرأسمالي، ما إن يبرز، حتى يواصل تطوره بنفس معدل تدمير أية ملكية خاصة ونمط الإنتاج المرتكز عليها، بحيث يجري نزع ملكية أولئك المنتجين المباشرين باسم تركز رأس المال (تمرکز)؛ ورغم أن التكرار النظامي اللاحق لعملية نزع الملكية في اطار «إخلاء العقارات» (Clearing of estates) هو، في جانب، فعل عنف يعلن بدء النمط الرأسمالي للإنتاج – رغم أن ذلك كله يمثل واقع الحال، فإن كلا من نظرية الإنتاج الرأسمالي (الاقتصاد السياسي، فلسفة الحق، إلخ) والرأسمالي نفسه، في رأسه هو بالذات، يغتبطان لخلط نمط ملكيته وتملكه، الذي يقوم في منابعه على نزع ملكية المنتج المباشر، ويقوم في تطوره اللاحق على الاستيلاء على عمل الغير، خلطه بنقيضه: بنمط إنتاج يفترض سلفا أن المنتج المباشر يملك شروط إنتاجه ملكية خاصة – وهي مقدمة تجعل الإنتاج الرأسمالي في الزراعة والصناعة، إلخ، غير ممكن، ونتيجة لذلك فإنه يعتبر كل هجوم على هذا الشكل الأخير من التملك هجوما على الشكل الأول، بل يعتبره في الواقع هجوما على كل أصناف الملكية. ومن الطبيعي أن يجد الرأسمالي، دوماً، أن من الصعب تماما تقدیم نزع ملكية جماهير الشغيلة كشرط مسبق للملكية القائمة على العمل. (بالمناسبة هناك في كل نمط من أنماط الملكية الخاصة عبودية ضمناً لأفراد الأسرة في الأقل، ما دام رب الأسرة يستخدمهم ويستغلهم). من هنا فإن الفكرة الحقوقية العامة من جون لوك حتى ریکاردو، هي على الدوام فكرة ملكية المالك الصغير، في حين أن علاقات الإنتاج التي يصفونها تنتمي إلى النمط الرأسمالي للإنتاج. والشيء الذي يجعل ذلك ممكنا هو علاقة الشاري والبائع التي تظل على حالها شكلياً في كلتا الحالتين. ونجد لدى سائر هؤلاء الكتاب الازدواجية التالية ظاهرة:
1) اقتصادياً، يعارضون الملكية الخاصة القائمة على العمل، ويعرضون مزايا نزع ملكية الجماهير، والنمط الرأسمالي للإنتاج.
2) إيديولوجياً وحقوقياً، يجري ترحيل إيديولوجية الملكية الخاصة القائمة على العمل دون مزید عناء إلى الملكية القائمة على نزع ملكية المنتجين المباشرين.
وهكذا، على سبيل المثال، يجري الكلام عن إزالة الأعباء الحالية بواسطة الديون الحكومية التي توضع على أكتاف أجيال المستقبل. حين يقوم (ب) بإقراض (آ) سلعة، سواء في الواقع أم في الظاهر، فإن باستطاعة (آ) أن يعطيه ورقة تعهد على منتوجات المستقبل، مثلما أن هناك شعراء وموسيقيي المستقبل.. ولكن ليس بامكان (آ) ولا (ب) أن يستهلكا ذرة من منتوج المستقبل. فكل عصر ينبغي أن يسدد تكاليف حروبه.
من جهة أخرى، بمقدور العامل أن ينفق سلفاً في هذه السنة عمل السنوات الثلاث القادمة.
«إن الادعاء بدرء أعباء الساعة الراهنة إلى يوم قادم في المستقبل، وإن الادعاء أن بوسعك إلقاء العبء على الأخلاف من الذرية القادمة لإشباع حاجات الجيل الحالي» ينطوي على زعم لا معقول مفاده «إن بوسعك أن تستهلك ما لم يوجد بعد، وإن بإمكانك أن تأكل قوتا لم تُبذر بذوره في الأرض بعد… إن كل حكمة سياسيينا سوف تنتهي إلى نقل كبير للملكية من طبقة إلى أخرى، وإلى خلق رصيد كبير لأجل مكافآت الوظائف والاختلاس». (بيرسي رافنستون، أفكار حول نظام التمويل ونتائجه، لندن، 1824، ص 8-9)(*15).
عمال مناجم الفحم
إن ما يعنيه اعتماد عمال الفحم على المستغلين من أجل مساكنهم، يمكن أن يرى عملياً، في أي اضراب. لنأخذ مثلا الاضراب في دورهام في تشرين الثاني/نوفمبر، 1863. لقد جرى إجلاء الناس، بما في ذلك النساء والأطفال، في أسوأ طقس؛ ورُمي متاعهم في الطريق. وكانت أول مشكلة تواجههم هي العثور على سقف يقيهم الليالي الباردة. بات الكثيرون منهم في العراء، واقتحم آخرون مساكنهم المخلاة واحتلوها في الليل. وفي اليوم التالي عمل أصحاب المناجم على إحكام غلق الأبواب والنوافذ بالمسامير، لحرمان المطرودين من ترف النوم، في ليالي البرد المثلج، على الأرضيات العارية في الأكواخ الخالية. ولجأ الناس عندئذ إلى إقامة كابينات خشبية، وأكواخ بيضوية من نبات الخث، لكن مالكي الحقول التي أقيمت فيها هذه، سرعان ما هدموها. وتوفي حشد من الأطفال، أو تحطموا خلال حملة العمل هذه ضد رأس المال. (صحيفة رینولدز، 29 تشرين الثاني / نوفمبر، 1863).
– انتهى –
___________________
(*) هذه الفقرة كلها مشطوبة في المخطوطة.
(1) إن ما ينجلي بصفة تراكم أولي (بدائي) لرأس المال هو، في الواقع، العملية التي تصبح فيها شروط الإنتاج مستقلة – إنها تنفصل عن المنتج الذي يعمل لنفسه بنفسه (Self – employing)، فيتحول إلى عامل مأجور. في النص، جرى عرض ذلك بالنسبة إلى الصناعة. ولكن ذلك يتضح على سبيل المثال، في العلاقات بين المزارع الرأسمالي (farming capitalist) والفلاح، إلخ. «إن الزراعة واسعة النطاق لا تتطلب مقداراً من رأس المال أكبر مما تتطلبه الزراعة على نطاق صغير أو متوسط. على العكس، فهي تتطلب أقل، لكن توزيع رأس المال متفاوت بين هذه الأنظمة المختلفة. إن مقادیر رأس المال الموظفة في الزراعة واسعة النطاق ينبغي الاحتفاظ بها بين أيدي عدد قليل من الناس الذين يدفعون أجور الأشخاص الذين يقومون باستخدامهم». (ماتيودو دومبال، السجلات الزراعية لروفیل، الطبعة الثانية، 1825، ص 218).
(**) هذا المقتبس المطول ورد بالإنكليزية، وهو مدرج في قسم المقتبسات باللغات غير الألمانية، ص 1186 – 1185. [ن. ع].
(***) نص المقتبس باللغة الإنكليزية مدرج في قسم المقتبسات باللغات غير الألمانية، ص 1186. [ن. ع].
(****) نص المقتبس بالإنكليزية مدرج في قسم المقتبسات باللغات غير الألمانية، ص 1186-118. [ن. ع].
(*5) نص المقتبس باللغة الإنكليزية مدرج في قسم المقتبسات باللغات غير الألمانية، ص 1187. [ن. ع].
(*6) نص المقتبس باللغة الإنكليزية مدرج في قسم المقتبسات باللغات غير الألمانية، ص 1187. [ن. ع].
(*7) نص المقتبس باللغة الإنكليزية مدرج في قسم المقتبسات باللغات غير الألمانية، ص [ن. ع].
(*8) نص المقتبس باللغة الإنكليزية مدرج في قسم المقتبسات باللغات غير الألمانية، ص 1187، 1188. [ن. ع].
(*9) إن هذا الرقم، والأرقام التي تليه ليست بأرقام صفحات، بل نشير، عوضا عن ذلك إلى هوامش منفصلة، تؤلف بقية النص. إن الصفحات التي دونت فيها هذه النصوص لیست مرقمة.
(*10) نص المقتبس باللغة الإنكليزية مدرج في قسم المقتبسات باللغات غير الألمانية، ص 1188. [ن. ع].
(*11) نص المقتبس باللغة الإنكليزية مدرج في قسم المقتبسات باللغات غير الألمانية، ص 1188. [ن. ع].
(*12) فيرجل، الإنيادة، المجلد الرابع، البيت 625. [ن. ع].
(*13) هذه الصفحة غير مرقمة شان التي تليها.
(*14) شطب النص في هذه الصفحة بخط عامودي واحد.
(*15) نص المقتبس باللغة الإنكليزية مدرج في قسم المقتبسات باللغات غير الألمانية، ص 1189 [ن. ع].
لمراجعة الفصل السابق يرجى الدخول من الرابط أدناه:
https://litci.org/arab/archives/4166?fbclid=IwAR3OtWsx1DLnDARBUDy66FZt6LJnQem9tl5FDmHCZn1I2HfbgLyTvvOIXJw