الخميس أكتوبر 16, 2025
الخميس, أكتوبر 16, 2025

 الولايات المتحدة والنظام الإمبريالي العالمي الجديد

دول العالم الولايات المتحدة والنظام الإمبريالي العالمي الجديد

✍🏾 إيسبي رامو – الولايات المتحدة


مقدمة

 زمن الهيمنة المطلقة للولايات المتحدة على العالم بات في طي النسيان، رغم أن تلك الهيمنة كانت مدعومة من قبل قوى الغرب الإمبريالية الأخرى. اليوم يشهد العالم أزمة تنخر في عظام النظام القديم، وتتجسد هذه الأزمة في صعود إمبرياليات جديدة مثل الصين وروسيا، وفي احتدام التنافس الإمبريالي بين الولايات المتحدة والصين في سباق الهيمنة العالمية. ورغم أن هذا الصراع لايزال غير متكافئ وغير مستقر، إلا أن التحالفات والتكتلات الناشئة حول هاتين القوتين المهيمنتين لا تزال هشة ومتقلبة، إذ تتخللها تناقضات متعددة تبعا للاصطفافات المختلفة.
وصول دونالد ترامب إلى الحكم في عام 2025 يعد تسريعا لمسار الأزمة الإمبريالية الجارية، بما يحمله من تصعيد جديد في سباق التسلح، وربما عودة إلى سياسات إمبريالية أكثر عدوانية وتوسعية وعسكرة.
الشكل الجديد للإمبريالية اليوم يذكرنا إلى حد كبير بما ساد في النصف الأول من القرن العشرين؛ إذ كان الوضع يتسم بتنامي التنافس بين الدول الإمبريالية على استغلال العالم شبه المستعمر والسيطرة عليه، وبظهور بؤر صراع تتشابك فيها حركات التحرر الوطني والنضالات الديمقراطية مع التنافس بين القوى الكبرى، فضلا عن ترسيخ هرمية معقدة بين القوى الإمبريالية نفسها.
في هذا السياق، برزت قوى إقليمية أو “شبه إمبريالية” مثل تركيا والسعودية، لتلعب دور الشريك الأدنى في تحالفات القوى العظمى حين تتفاقم التناقضات، وإن كانت تسعى في الوقت ذاته إلى تحقيق طموحاتها الإقليمية الخاصة.
بؤر الصراع الطبقي العالمي تتوزع اليوم حول عدة مناطق: الحرب في أوكرانيا، والصراع على الهيمنة في أوروبا؛ وحرب الإبادة الجماعية التي تقترفها اسرائيل في فلسطين؛ وكذلك تبعات سقوط نظام الأسد في سورية؛ والحرب متعددة الأطراف ذات الطابع الرجعي في السودان؛ ناهيك بالأزمة المستمرة في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ وأخيرا المنافسة في جنوب شرق آسيا، والتي تتركز حول تايوان، والسيطرة على بحر الصين الجنوبي.
في هذا السياق، تبرز ضرورة أن يقدم الاشتراكيون والماركسيون برنامجا واضحا يواجه خطر الحروب الإمبريالية، عبر رفض الانصياع لضغوط أي من هاتين الكتلتين الإمبرياليتين، ومعارضة سباق التسلح المتسارع، إلى جانب دعم نضالات التحرر الوطني والحركات الديمقراطية بشكل مبدئي. وللنضال ضد مخططات الأذرع الرأسمالية الكبرى. ينبغي على الماركسيين طرح مخرج عمالي يخلص العالم من الكارثة المحدقة، ويضع في جوهره خطة عمل طبقية تلبي احتياجات المستغَلين والمضطهدين، إضافة إلى طرح برنامج طارئ لمواجهة الكارثة البيئية العالمية.

انتخاب ترامب يسرع انهيار النظام العالمي القديم

النهج الإمبريالي الذي يتبعه دونالد ترامب، تحت شعار “أميركا أولا”، يعد عودة واضحة إلى السياسات الاقتصادية الحمائية، ويستند إلى إلغاء ما يسمى بـ”النظام العالمي” الذي شيدته الولايات المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية. لقد كان ذلك النظام يقوم على مبدأ الهيمنة الإمبريالية تحت غطاء “الديمقراطية الليبرالية” التي تم الترويج لها كقيمة كونية، عبر المشاورات والمفاوضات بين واشنطن وحلفائها الغربيين من خلال المؤسسات الدولية التي كانت تحت سيطرتها، مثل حلف شمال الأطلسي (الحلف العسكري الغربي) ومنظمة الأمم المتحدة.
إلا أن الولايات المتحدة لم تعد تدافع حتى عن هذه المؤسسات التي أنشأتها؛ إذ انسحب ترامب للمرة الثانية من “اتفاق باريس للمناخ” ومن “منظمة الصحة العالمية”. كما أعاد ما يعرف بـ”مشروع عام 2025″ تعريف علاقة واشنطن بهذه الهيئات الدولية، مؤكدا أن “العضوية فيها ينبغي فهمها بوصفها وسيلة لتحقيق أهداف محددة، لا غاية في ذاتها”، واقترح الانسحاب من “البنك الدولي” و”صندوق النقد الدولي”.
كذلك قلبت الإدارة الأميركية الجديدة موازين الاقتصاد الدولي رأسا على عقب، بعد تهديدها بفرض رسوم جمركية مرتفعة على كندا والمكسيك والصين وعدد من الدول الأخرى، بالتوازي مع مطالبة حلفائها التقليديين في الحلف العسكري الغربي بزيادة إنفاقهم الدفاعي إلى خمسة في المئة من ناتجهم المحلي الإجمالي، تحت طائلة انسحاب الولايات المتحدة من الحلف. وتنطلق هذه السياسة من ذهنية نفعية عدوانية بحتة، إذ تتخلى عن أي تشاور أو تنسيق مع الحلفاء التقليديين، وتتعامل مع جميع الدول، سواء كانت صديقة أم عدوة، على قدم المساواة، استنادا إلى عقلية ابتزازية هدفها تحقيق مكاسب سريعة تصب في مصلحة واشنطن وحدها.
الصحفي البريطاني المتخصص في الشؤون المالية، جون بلندر، أوضح هذا التحول قائلا: إن “ضيق أفق ترامب في تعريفه للمصالح الأمنية والاقتصادية ليس أمرا مستجدا”، مضيفا أن “العالم كان يتجه نحو الطابع التبادلي في العلاقات الدولية قبل وصول ترامب إلى الحكم بوقت طويل”، مشيرا إلى أن صعود الصين وسعيها للهيمنة الإقليمية ثم العالمية في عهد شي جين بينغ جعل انقسام العالم إلى كتل نفوذ قائمة على المصالح الاقتصادية المباشرة مسألة حتمية.
غير أنّ فهم الاستراتيجية التي تتبناها الولايات المتحدة اليوم، كقوةٍ إمبرياليةٍ متراجعةٍ تتلمّس سبل الحفاظ على نفوذها، يتطلّب العودة إلى تاريخ الإمبريالية الأميركية نفسها. فخطة إدارة ترامب تستند صراحةً إلى مبادئ ما يُعرف بـ”مبدأ مونرو”، الذي صيغ في عام 1823 واستمرّ تأثيره حتى ثلاثينيات القرن العشرين، إبّان صعود الولايات المتحدة كقوةٍ اقتصاديةٍ إقليميةٍ ثم كدولةٍ ذات طموحات إمبريالية عالمية.
كان مبدأ مونرو يقوم على فكرة هيمنة الولايات المتحدة على “النصف الغربي من الكرة الأرضية”، أي على دول أمريكا اللاتينية المستقلة حديثًا آنذاك. وقد تُرجِم هذا المبدأ عملياً في الحرب الأميركية – المكسيكية (1846–1848) وما أعقبها من ضمّ تكساس وكاليفورنيا ونيو مكسيكو، ثم شراء ألاسكا عام 1867، تلتها إقامة محميات أميركية في بورتو ريكو وكوبا والفلبين، والتدخل في بنما عام 1903، وهايتي عام 1915، واحتلال نيكاراغوا بين عامي 1912 و1933. وقد هدفت تلك العمليات العسكرية إلى فرض السيطرة الأميركية وتقليص نفوذ القوى الأوروبية المنافسة.
أما اليوم، فإن “مشروع عام 2025” يعيد إحياء هذه الرؤية المتمركزة حول “النصف الغربي”، بغية الحد من التمدد الاقتصادي الصيني في أمريكا الشمالية وأوروبا وأمريكا الوسطى والجنوبية، وهي مناطق تعتبرها الولايات المتحدة “مجال نفوذها الطبيعي”. ويتطلّب هذا التوجّه الجديد تعزيز سلطة الجهاز التنفيذي على حساب المؤسسات الأخرى، وتقويض ما يُسمّى بسيادة القانون داخليا وخارجيا. أما التهديدات التي أطلقها ترامب بضمّ كندا أو قناة بنما أو جزيرة غرينلاند أو المكسيك أو حتى قطاع غزة، فليست نزواتٍ عشوائية، بل أوراق ضغطٍ سياسية واقتصادية تُستخدم لمواجهة النفوذ الصيني في هذه المناطق الاستراتيجية.
وقد تمّ بالفعل اتخاذ خطوةٍ أولى في هذا الاتجاه عندما زار وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو دولة بنما في شباط/ فبراير 2025 بهدف تقويض النفوذ الصيني في الموانئ الحيوية هناك، وأجبر السلطات البنمية على الانسحاب من “مبادرة الحزام والطريق” الصينية وإعادة توثيق تحالفها مع واشنطن.
ينصّ “مشروع عام 2025” على ما يسمّيه “نهجا متمركزا حول النصف الغربي في مجالي الصناعة والطاقة”، ويهدف إلى “نقل التصنيع والصناعات من المناطق البعيدة حول العالم، وخاصة من جمهورية الصين الشعبية التي تُعتبر معادية وتنتهك حقوق الإنسان، إلى بلدان أمريكا الوسطى والجنوبية”. كما يدعو إلى “إعادة توطين الصناعة والطاقة بالقرب من القارة الأميركية” من خلال التعاون مع المكسيك وكندا وغيرها من الدول لصياغة سياسة طاقوية إقليمية تقلّل الاعتماد على مصادر الوقود البعيدة وغير المستقرة، وتعيد حرية تبادل الطاقة بين كبار منتجي النصف الغربي، وتعزّز الإنتاج لتلبية حاجات الدول الساعية إلى توسّع اقتصاديّ سريع”.
وتكتسب جزيرة غرينلاند أهمية خاصة في هذه الرؤية، إذ تتيح الوصول إلى طرقٍ بحرية استراتيجية في القطب الشمالي، فضلا عن امتلاكها ثروات معدنية وطاقوية ضخمة يتنافس عليها كلٌّ من الصين وروسيا. وتحتوي المنطقة على ما يقرب من تسعين مليون برميل من النفط وربع احتياطي الغاز الطبيعي غير المستغل عالميا. ومن ثمّ فإن تهديدات ترامب بشأن غرينلاند ليست سوى إنذارٍ بما قد يلي: فكلّ ما لم تعد الولايات المتحدة قادرة على الاحتفاظ به عبر المنافسة الاقتصادية، ستسعى إلى استعادته عبر الابتزاز المالي، وإن فشل ذلك، فبالقوة العسكرية المباشرة. غير أن ما لا يأخذه ترامب في الحسبان هو أنّ هذه السياسات العدوانية الجديدة قد تشعل موجات واسعة من المقاومة العمالية والشعبية في الداخل الأميركي وفي مناطق نفوذها الخارجية على السواء.

الإمبريالية كمرحلة من الرأسمالية: قراءة ماركسية في ضوء الأزمة الأميركية

في سجاله مع المفكّر الاشتراكي كارل كاوتسكي، الذي حصر مفهوم الإمبريالية في جملة من السياسات العسكرية العدوانية كالحروب والضمّ والاستعمار، أكّد فلاديمير لينين أنّ الإمبريالية ليست مجرد سياسة خارجية توسّعية، بل هي مرحلة من مراحل تطوّر النظام الرأسمالي، حيث تميل القوى العظمى دائما إلى انتهاك حقّ الشعوب في تقرير مصيرها، بغضّ النظر عن الطابع “التقدّمي” أو “الرجعي” لحكوماتها.
فالإمبريالية، في المفهوم الماركسي، تُفهم بوصفها طورا من تطوّر الرأسمالية يتميّز بظهور الاحتكارات الكبرى التي أصبحت شركات صناعية متعددة الجنسيات تتحكّم بالإنتاج العالمي، وبهيمنة رأس المال المالي على الاقتصاد. ورأس المال المالي، بطبيعته، لا يميل إلى الحرية، بل إلى السيطرة والاستعباد.
وفي كتابه كاريكاتور الماركسية، أوضح لينين أنّ من الخطأ، بل من اللاماركسية واللامنهجية العلمية، أن يُفصل الحديث عن “السياسة الخارجية” عن السياسة الداخلية عند تناول مفهوم الإمبريالية، إذ “إن الإمبريالية، في سياستها الخارجية والداخلية على السواء، تسعى إلى انتهاك الديمقراطية وإلى الرجعية”.
فجميع السياسات الإمبريالية، على اختلاف أساليبها، تهدف إلى غاية واحدة: الضمّ الاقتصادي، أي القضاء على المنافسة داخل البلاد وخارجها، لتسهيل نهب الموارد الطبيعية، واستغلال اليد العاملة الرخيصة، وتأمين السيطرة على الأسواق الحيوية
وقد بيّن لينين أنّ هذا الضمّ الاقتصادي يمكن أن يتحقّق “دون الحاجة إلى ضمٍّ سياسي مباشر، وهو أمر شائع في الممارسات الإمبريالية الحديثة”. وقد تجلّى ذلك لاحقًا في الهيمنة الاقتصادية شبه المطلقة التي مارستها الولايات المتحدة على مناطق واسعة من العالم بعد الحرب العالمية الثانية طوال عقود، وهي هيمنةٌ استلزمت قمع حركات التحرّر الوطني ومواجهة الاتحاد السوفييتي والثورتين الصينية والكوبيّة.
في الواقع، سعى النظام الإمبريالي دوما إلى وضع العوائق أمام أي نضالٍ ديمقراطي. يقول لينين في هذا الصدد:
“إنّ حقّ الشعوب في تقرير مصيرها يعني الاستقلال السياسي، والإمبريالية تسعى إلى انتهاك هذا الاستقلال، لأنّ الضمّ السياسي يجعل الضمّ الاقتصادي أسهل وأرخص، سواء عبر شراء الذمم أو الحصول على الامتيازات أو تمرير التشريعات المواتية للمحتلّ. فالإمبريالية تسعى عموما إلى استبدال الديمقراطية بحكم القلة”.
ويبدو أنّ هذا التحليل بات اليوم أكثر انطباقا من أي وقت مضى في ظلّ تدهور القوى الإمبريالية وصراعها على البقاء.
تواجه الولايات المتحدة الآن معضلة البحث عن أسهل وأرخص السبل لتحقيق الضمّ الاقتصادي لنصف الكرة الغربي، بغية طرد رأس المال الصيني من أسواقه، وإعادة تجميع قواها لمنافسة الصين في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ. لكن الوسائل الاقتصادية والمالية التي سمحت لها بالحفاظ على هيمنتها خلال العقود الماضية لم تعد متاحة.
فالقوة الإمبريالية الغربية تعاني اليوم من ركود في نمو الناتج المحلي الإجمالي، وعجزٍ متزايد في الميزان التجاري، وديونٍ ضخمة متفاقمة. فمنذ عام 1982 والولايات المتحدة تعيش على عجزٍ تجاريّ مستمر، ازداد سوءا في الأعوام الأخيرة، ليبلغ 75.3 مليار دولار عام 2020، و123 مليارا عام 2024.
أما معدّل الربح في الشركات الأميركية فقد استقرّ عند نحو 16% فقط، وفقًا لتحليل الاقتصادي مايكل روبرتس، الذي يرى أنّ البلاد تعاني منذ عام 2001 من ما يسمّيه “الكساد الطويل” — أي فترة ركود ممتدّة تتخلّلها انتعاشات قصيرة غير كافية لاستعادة النمو.
والأخطر من ذلك أنّ الدَّين العام الأميركي قد تضاعف منذ عام 2014، ليصل في العام الماضي إلى 35.4 تريليون دولار، أي ما يعادل 123% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وتشير التقديرات إلى أنّ مدفوعات الفائدة على هذا الدين في عام 2025 ستصل إلى 16% من إجمالي الإنفاق الفيدرالي، متجاوزة بذلك مخصّصات وزارة الدفاع.
وبينما تمتلك الصين منذ عقدين فائضا هائلا في الإنتاج الصناعي ورأس المال، يسمح لها بالاستثمار الخارجي وبناء شراكات اقتصادية جديدة، تفتقر الولايات المتحدة اليوم إلى هذه المقوّمات. ولهذا، فإنها تميل أكثر فأكثر إلى الأساليب العدوانية والمغامرات العسكرية لاستعادة السيطرة الكاملة على مناطق نفوذها القديمة، ومحاولة تطويق التمدّد الصيني في جنوب شرق آسيا.

تصاعد التنافس الإمبريالي بين الولايات المتحدة والصين

لا تزال الولايات المتحدة اليوم القوة الإمبريالية الاقتصادية المهيمنة، ولم يُنزع بعد عنها التفوّق العسكري. ومع ذلك، تُعدّ الصين الإمبريالية اليوم الأكثر ديناميكية، حيث أظهر كل من نفوذها الاقتصادي وتحديث قدراتها العسكرية بوتيرة سريعة أنّ النظام العالمي أصبح أكثر هشاشة، ما يجعل كل من القوتين مضطرّتين للتنافس بشراسة أكبر للحفاظ على حصصهما في الأسواق العالمية والموارد الاستراتيجية أو لاستحواذ حصص جديدة.
من ناحية، تستمر الشركات الأميركية في السيطرة على السوق العالمية: ففي آذار/ مارس 2024، كانت تسع من أكبر عشر شركات في العالم من حيث القيمة السوقية أميركية، بينما احتلت أكبر شركة صينية، وهي “تينسنت”، المرتبة السادسة والعشرين. ولا تزال الولايات المتحدة أكبر مستقبِل لرأس المال الأجنبي، كما تستقطب أكبر عدد من المهاجرين ذوي المهارات العالية مقارنة بأي دولة أخرى. ففي عام 2022، حقّقت الشركات الأميركية 38% من أرباح الشركات العالمية، بينما حقّق حلفاؤها 35%، وحقّقت الصين 16% فقط. ويعزى هذا أيضا إلى أنّ الشركات الإمبريالية الغربية ما تزال تهيمن على سلاسل الإمداد والصناعات ذات القيمة المضافة العالية.
تتصدر الولايات المتحدة قطاعات استراتيجية رئيسية مثل التقنيات الحديثة من خلال ما يُعرف بـ”السبعة العظماء” (آبل، ألفابت، أمازون، ميتا، مايكروسوفت، نفيديا، وتسلا)، إضافة إلى الدفاع والطيران والفضاء والإعلام والتكنولوجيا الحيوية والمرافق العامة. وكانت تتصدر أيضا مجالات الذكاء الاصطناعي والحواسيب الكمّية، غير أنّ التقدّم الصيني الأخير قد يغيّر هذا الواقع.
من ناحية أخرى، تفوّقت الصين على الولايات المتحدة في قطاعات حيوية مثل المواد الخام والتصنيع العالمي، حيث تضمن الصين نحو 30% من الإنتاج العالمي مقابل 15.9% للولايات المتحدة. كما تُحرز تقدما سريعا في صناعة السيارات الكهربائية والإنتاج الصناعي الأخضر، وتستثمر أكثر بكثير من الولايات المتحدة في البحث العلمي والتطوير. ففي العام الماضي، مثّلت الصين 19.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مقابل 12.7% للولايات المتحدة.
ولا تزال الولايات المتحدة تواجه معضلة صعبة للحدّ من التوسع الصناعي والتكنولوجي السريع للصين. وقد اعتُبر نهج الرئيس جو بايدن في “خفض المخاطر”، المتمثّل في فرض رسوم واستهداف صناعات استراتيجية مثل أشباه الموصلات، غير كافٍ. بينما يقترح بعض الخبراء الانفصال الصناعي السريع عن الصين، وإعادة إنتاج الصناعات في الولايات المتحدة أو في “نصف الكرة الغربي”، مع ضرورة مراعاة المخاطر المحتملة. ففي حال تنفيذ هذا الإجراء في وقت السلم، قد يعيق بلا شك الطموحات الإمبريالية الصينية على المدى القصير، لكنه قد يسرّع المواجهة العسكرية بشأن تايوان ويؤدي إلى أزمة اقتصادية واجتماعية عالمية كبيرة. وتشير السيناريوهات الافتراضية الحديثة إلى أنّ فصلا صناعيا واسع النطاق قد يضرّ الاقتصاد الصيني بمعدل 5 إلى 11 ضعف الضرر الذي يلحق بالولايات المتحدة، وقد يؤثر على 15 إلى 51% من الناتج المحلي الإجمالي الصيني. كما سيؤثر على حلفاء الولايات المتحدة، مسببا ضعف التأثير في ألمانيا وثلاثة أضعافه في اليابان. وقد يؤدي اندلاع حرب تجارية متفاقمة مع الصين في توقيت غير مناسب إلى تفاقم المشكلات الهيكلية للاقتصاد الأميركي وتسريع تراجع القوى الإمبريالية الغربية.
تلعب التوجهات المالية للتنافس والتبعية المتزايدة دورا مهما أيضا. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، كانت الصين ثاني أكبر دائن للولايات المتحدة بعد اليابان، بحيازة 768 مليار دولار، أي نحو 8.9% من الدين الأميركي. كما استفادت الولايات المتحدة بشكل كبير من كون الدولار هو العملة المسيطرة في التجارة الدولية، حيث يتيح لها توفير أكثر من 100 مليار دولار سنويا في الفوائد، مما يساعدها على الحفاظ على عجزها المالي المرتفع. ومع ذلك، بدأت الهيمنة الدولارية تتعرض للطعن بسبب تبادلات تجارية موازية بالعملات غير الدولارية. فقد أنشأت الصين نظام الدفع المصرفي العابر للحدود عام 2015 لتعزيز المعاملات ضمن مبادرة “الحزام والطريق” باليوان الصيني، وهو النظام الذي يربط أكثر من 1300 مشارك في أكثر من 100 دولة حتى عام 2023. ومع أنّ استخدامه عالميا لا يزال محدودا، فقد ارتفع من 0.5% من المعاملات العالمية عام 2007 إلى 7% عام 2022، ما جعل اليوان خامس أكثر العملات استخداما في المدفوعات العالمية عام 2023.
ولا يقتصر التنافس الإمبريالي على النمو الاقتصادي والحروب الجمركية، بل يظهر أيضا في سباق التسلح العالمي، والتحول السريع في الاستراتيجية العسكرية الأميركية التي تسعى لتركيز الموارد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. فقد أعلن وزير الدفاع الأميركي الجديد بيت هيغسِث في 12 شباط/ فبراير 2025:
“نواجه منافسا نظيرا في الصين الشيوعية، يمتلك القدرة والنوايا لتهديد وطننا والمصالح الوطنية الأساسية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. الولايات المتحدة تُعطي أولوية لردع الحرب مع الصين في المحيط الهادئ، مع الاعتراف بواقع الندرة، واتخاذ التوازنات اللازمة لضمان عدم فشل الردع”.
ويفسّر هذا محاولات الانسحاب السريع من الحرب في أوكرانيا وفرض صفقة “سلام” مذلّة عليها، والتي تواجه معارضة قوية من المقاومة الشعبية الأوكرانية وحلفائها.
وقد أحدث التحوّل الجذري في سياسة إدارة ترامب تجاه أوكرانيا، وتحالفه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإبرام اتفاق سلام فوق رؤوس القوى الأوروبية الكبرى، أول زلزال صغير بين الولايات المتحدة وحلفائها عبر الأطلسي، محدثا توترا في تحالف حلف شمال الأطلسي. وقد أنشئ الحلف عام 1941 بهدف مزدوج للولايات المتحدة: تأكيد هيمنتها الاقتصادية والعسكرية على أوروبا الغربية، ومنع نشوب حروب جديدة. منذ الولاية الأولى لترامب، أوضح البيت الأبيض رغبته في تقليص التزامه المالي تجاه الحلف. ففي 2018، طالب ترامب جميع الشركاء في الحلف بإنفاق 2% من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع. وقد تابع بايدن هذا النهج، وزاد عدد الدول التي حققت الهدف من تسع إلى ثلاث وعشرين، إضافة إلى ضم السويد وفنلندا كعضوين جديدين على حدود القطب الشمالي. وتطالب الإدارة الجديدة لترامب اليوم بإنفاق 5%، وهو هدف صعب التحقيق للاقتصادات المتعثرة ذات العجز العام المرتفع، إلا أنّ الخطة الأوروبية الجديدة لإعادة التسلح أخذت هذا المطلب في الاعتبار.
إلا أنّ إدارة ترامب لا تملك خطة واضحة للحدّ من التوسع الاقتصادي الصيني في أوروبا خارج نطاق الحرب الجمركية. فالصين تعد الشريك التجاري الثاني للاتحاد الأوروبي بعد الولايات المتحدة بنسبة 15%. وارتفعت استثماراتها الأجنبية في أوروبا بشكل ملحوظ عامي 2016 و2017، لكنها تراجعت في السنوات الأخيرة بسبب تباطؤ الاقتصاد الصيني، لتصل إلى 6.8 مليار دولار عام 2023. ومع ذلك، فإن الاستثمارات في المشاريع الجديدة (Greenfield) تشهد ارتفاعا نسبيا، حيث شكّلت 78% من إجمالي الاستثمارات الصينية في 2023، وكذلك في قطاع الرعاية الصحية والمعدات الطبية.
تتركّز الاستثمارات الصينية الجديدة في مصانع السيارات الكهربائية وبطاريات الطاقة، مع غلبة لدول وسط أوروبا (المجر وسلوفاكيا وبولندا وجمهورية التشيك)، التي استحوذت في 2023 على 44% من إجمالي الاستثمارات الصينية في المنطقة، متجاوزة بذلك ما تُعرف بـ”الثلاث الكبرى” التقليدية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا). وتُعدّ الصين الشريك الاقتصادي الأول لألمانيا، لكن الولايات المتحدة حاولت بقوة تضييق الفجوة، ونجحت في تقليل واردات ألمانيا من الصين بنسبة 19% العام الماضي، ومع ذلك ما زالت الصين تمثل 29% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في ألمانيا.
وعلى الرغم من عودة الحديث عن احتمال “الحرب الشاملة”، فإن اندلاع حرب إمبريالية جديدة ليس وشيكا بالضرورة. فوزارة الدفاع الأميركية تُحضّر حاليا للاستعداد العسكري لمواجهة الصين بحلول عام 2027، لكن هناك عوامل رادعة قوية. فالقوتان تمتلكان اليوم أسلحة نووية، ما يجعل أي مواجهة عسكرية مفتوحة محفوفة بالخسائر أكثر من المكاسب، رغم أنّ احتمالها لا يمكن استبعاده كليا. فعدد الرؤوس النووية التشغيلية للولايات المتحدة يبلغ 3748، ولروسيا 5580، وتقدّر وزارة الدفاع الأميركية أنّ الصين تمتلك أكثر من 600 رأس نووي، ومن المتوقع أن تصل إلى 1500 بحلول عام 2035.
إضافة إلى ذلك، ما زالت كل من الولايات المتحدة والصين متشابكتين اقتصاديا وماليا عبر سلاسل إنتاج مترابطة وأشكال من الاعتماد المالي المتبادل، فيما تحاولان تجاوز هذه التبعية. ومع ذلك، فإن تفاقم أزمة المناخ يرفع من التكاليف ويضع قيودا على النمو، ويزيد بدوره من حدة التنافس في الجهود المستميتة للسيطرة على الموارد الاستراتيجية، مما يرفع من مخاطر المواجهة.
ما هو مؤكد أنّ مواجهة عسكرية مباشرة وواسعة النطاق لم تصبح مفيدة لأيّ من القوتين بعد. ومع ذلك، تزداد احتمالات الاعتداءات الإمبريالية الإقليمية، والتي قد تتطور لاحقا إلى حروب بالوكالة، أو تحركات من قبل كلّ من الولايات المتحدة والصين في منطقة المحيط الهادئ. من المرجّح أن تقوم القوتان الإمبرياليتان بمحاولات لتأمين السيطرة على الموارد والأسواق الاستراتيجية في الدول شبه الاستعمارية، وقد تكون أوكرانيا مجرد البداية.
كما أنّ توسّع النفوذ الصيني في المحيط الهادئ يزيد من مخاطر تعطيل حرية الملاحة الأميركية وتهديد القواعد العسكرية الأميركية على الجزر، ما قد يؤدي إلى بعض المواجهات المحدودة التي لن تتطور على الأغلب إلى حرب شاملة، بل إلى حلقات من التقدم والتراجع بين الطرفين.

خطة الصين لتحدّي الهيمنة الأميركية

يتجلّى عدم التماثل في التنافس الإمبريالي الجديد أيضا في طريقة تكوين التحالفات الإمبريالية. فعلى الرغم من أنّ الولايات المتحدة والإمبريالية الغربية تصنّف الصين وإيران وروسيا وكوريا الشمالية بشكل متزايد ضمن ما يُسمّى “محور الشر”، إلا أنّه سيكون خطأ اعتبار هذه الدول كتكتّل موحّد بقيادة الرئيس الصيني شي جين بينغ، يشبه الحلف الأطلسي كما كان في السابق.
لقد نجحت الصين بلا شك في توسيع نفوذها على مجموعة دول البريكس، فابتداءً من عام 2013، دمجت 139 دولة ضمن مبادرة الحزام والطريق، تمثل مجتمعة نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (39 دولة في أفريقيا جنوب الصحراء، و34 دولة في أوروبا وآسيا الوسطى، ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وست دول في جنوب آسيا). كما طوّرت الصين مؤسسات إقليمية خاصة لتعزيز مصالحها الاقتصادية، مثل بنك الاستثمار في البنية التحتية الآسيوي، ومنتدى التعاون الصيني – الأفريقي، ومنتدى الصين – مجموعة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (CELAC)، ومنظمة شنغهاي للتعاون، والتي تمثل أيضا اتفاقا للتعاون العسكري بدأ مع روسيا وآسيا الوسطى، وتوسع خلال العقد الماضي. ففي عام 2017، انضمت ثماني دول جديدة، منها الهند وباكستان، كما انضمت إيران في 2023 وروسيا البيضاء في 2024.
وعلى الرغم من النفوذ الاقتصادي والدبلوماسي القوي للصين على روسيا وإيران، إلا أنّها لم تُقيم معهما علاقات رسمية مماثلة لتلك التي أقامتها الولايات المتحدة مع حلفائها الغربيين، ويبدو أنّ ذلك مقصود. الدولة الصينية لديها اتفاقية عسكرية واحدة فقط، وهي مع كوريا الشمالية، التي تُعدّ شريكها التجاري الرئيسي، وتم توقيع معاهدة دفاع متبادل بينهما منذ عام 2021. إذ تعتبر الصين نفسها المحرك الرئيس للتكتّل الإمبريالي “الشرقي الصاعد”، لكنها تختار عمدا الحفاظ على علاقات فضفاضة مع حلفائها.
فقد طوّرت الصين مع إيران شراكة استراتيجية شاملة في 2021، وفي 2023 اشترت نحو 90% من نفط إيران، مساعدا الدولة الإيرانية على التملّص من العقوبات الأميركية، إلا أنّ ذلك لا يرقى إلى مستوى معاهدة دفاعية.
وينطبق نفس الأمر على روسيا. فمنذ بداية الحرب في أوكرانيا، تعززت الروابط الاقتصادية بين القوتين الإمبرياليتين. فالصين تنتج نحو 90% من شرائح الحواسيب المستخدمة في الصناعة الروسية، وأرسل الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين 9 مليارات دولار من السلع الصناعية ذات الاستخدام المزدوج (مدني وعسكري). وتشكل البضائع الصينية الآن نحو 38% من إجمالي واردات روسيا. ومع أنّ الصين تحصل على الغاز الطبيعي بخصم 44% عن السعر الذي تدفعه أوروبا، إلا أنّ “شي” لم يؤيّد غزو أوكرانيا، ولم يوافق على الدفاع عن روسيا ضد أي ردّ محتمل من حلف الناتو، رغم أنّ الدولتين تجريان تدريبات عسكرية مشتركة منذ 2018 في خليج عمان. والسبب في هذا التريث هو رغبة الصين في مواصلة التجارة مع أوروبا وزيادة استثماراتها في المشاريع الجديدة.
من الواضح أنّ روسيا ستكون حليفا عسكريا حاسما للصين إذا ما دخلت الأخيرة في مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة. ومن خلال خط أنابيب شرق سيبيريا – المحيط الهادئ، تصدر روسيا النفط إلى الأسواق الآسيوية، ويمكنها تصدير نحو 35 مليون طن سنويا إلى الصين. كما يُتوقع أن ينقل خط أنابيب قوة سيبيريا الغاز الطبيعي إلى الصين بمعدل 38 مليار متر مكعب سنويا بحلول 2025.
وكما أشار أحد المحللين في شؤون خارجية مؤخرا:
“هناك سبب لهذا الغموض. ترغب الصين في استبدال الولايات المتحدة كالقوة المهيمنة عالميا، ومع أنّ الشراكة مع إيران وكوريا الشمالية وروسيا تساعد بكين في هذا المسعى، فإن هذه الدول الثلاث قد تُقوّض أهدافها أيضا. فهي تضعف واشنطن من خلال جذب مواردها وتشتيت انتباهها عن بكين. لكنها في الوقت نفسه أثارت استياء جيرانها الأقوياء، مثل ألمانيا واليابان والسعودية، الذين لا ترغب الصين في إغضابهم. لذلك، يجب على المسؤولين الصينيين السير على خط دقيق: علاقاتهم مع [إيران وروسيا وكوريا الشمالية] يجب أن تكون وثيقة بما يكفي لاستخدامها، لكنها ليست وثيقة لدرجة تحميلهم مسؤولية أي سلوك خاطئ.
ولمنع تكوين تكتّل إمبريالي منافس خارج الغرب، تسعى الإدارة الأميركية، كما فعل الرئيس ريتشارد نيكسون في السبعينيات، إلى تفكيك تحالفات الصين المتنامية مع روسيا وإيران. فقد أوضح كيث كيلوغ، مبعوث ترامب لحرب أوكرانيا، أنّ خطوة ترامب لإذلال أوكرانيا وحلفائها الأوروبيين عبر الدخول في مفاوضات ثنائية مع بوتين لإنهاء الحرب كانت تهدف تحديدا إلى “تفكيك” تحالفات روسيا مع الصين وإيران وكوريا الشمالية.
وبالمثل، وبما يتوافق مع مشروع 2025، تم تنفيذ السياسة الأميركية لـ”عرقلة طموحات إيران” بهدف خلق فجوة بين إيران والصين، عبر فرض عقوبات على أكثر من 30 وسيطا وشركة ناقلة متورطة في تهريب النفط الإيراني إلى الصين. وقد تكون الخطوة التالية فرض عقوبات ثانوية على الصين لاستمرار تعاملها التجاري مع إيران. ومع ذلك، لا تزال أهداف ترامب بعيدة عن التحقيق، إذ ما تزال الولايات المتحدة منشغلة بإدارة عدة صراعات، وعاجزة عن تركيز جهودها كلها على الصين.

تصاعد المنافسة في جنوب شرق آسيا

كما يشير الكاتب الاشتراكي آشلي سميث:
“حتى إدارة ترامب الأولى، كانت سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين مزيجا من الاحتواء والانخراط، أو ما وصفه بعض المحللين السياسيين بـ “التفاعل المزدوج” (…) وعلى النقيض تماما من أوباما، تخلت إدارة ترامب عن الاستراتيجية الشاملة كمشرف على النظام الليبرالي العالمي الجديد، واعتمدت استراتيجية جديدة تقوم على القومية الاقتصادية و”الهيمنة غير الليبرالية”. وبدلا من “التفاعل المزدوج”، اتبعت سياسات أحادية الجانب لممارسة “التنافس بين القوى العظمى” مع الصين.”
وقد فشلت إدارة بايدن في تطوير سياسة واضحة وفعّالة لعكس التأثيرات السلبية لانسحاب ترامب في 2017 من شراكة عبر المحيط الهادئ، وللحدّ من توسّع الصين في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان).
وتظل أستراليا اليوم أقرب حليف للولايات المتحدة في المنطقة، تليها اليابان وكوريا الجنوبية والهند، في حين تحاول الصين تقويض النفوذ الأميركي لدى هذه الدول. كما يشعر المحللون الأميركيون بالقلق إزاء توسع النفوذ الصيني في جنوب شرق آسيا، حيث تُعد رابطة آسيان، المكوّنة من 10 دول، منطقة في كامل مراحل النمو الاقتصادي.
“من 2010 إلى 2020 … بلغ الناتج المحلي الإجمالي المشترك 3 تريليونات دولار في 2020، وساهمت هذه الدول أكثر في النمو الاقتصادي العالمي مقارنة بالاتحاد الأوروبي، الذي بلغ ناتجه المحلي الإجمالي المشترك 15 تريليون دولار.”
وعلى الرغم من أنّ رابطة آسيان تأسست عام 1967 بدعم أميركي قوي، وكانت الصين والاتحاد السوفيتي يعارضانها باعتبارها أداة إمبريالية أميركية، إلا أنّ الوضع اليوم قد انعكس. ففي 2002، وقّعت آسيان اتفاقا مع الصين أدى إلى نمو سريع في حجم التجارة، فبينما كانت التجارة بين آسيان والصين عام 2000 تبلغ 29 مليار دولار فقط -أي نحو ربع تجارة المنطقة مع الولايات المتحدة- ارتفعت هذه التجارة بحلول 2021 إلى 669 مليار دولار، مقابل 364 مليار دولار مع الولايات المتحدة.
وخلال العقد الماضي، بينما تذبذبت السياسة الاقتصادية الأميركية في المنطقة، واصلت الصين إحراز تقدم. فـالشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RECP)، التي دخلت حيز التنفيذ منذ 2022، تمثل اتفاقية تجارة حرة إقليمية مع الأعضاء العشرة في آسيان، بما في ذلك أستراليا واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية والصين. ويشكل هذا التكتل الجديد، بقيادة الصين، نحو 30% من سكان العالم و30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ما يجعله أكبر تكتل للتجارة الحرة في التاريخ.
وبجانب هذه الانتكاسات التجارية، عجزت الولايات المتحدة عن مضاهاة استثمارات الصين في المنطقة. ففي نوفمبر 2021، تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ بتخصيص 1.5 مليار دولار لدول آسيان خلال السنوات الثلاث التالية لدعم مكافحة جائحة كوفيد-19 وتعافي اقتصاداتها. وفي قمة الولايات المتحدة وآسيان في مايو 2022، لم يتمكن الرئيس بايدن سوى من تخصيص 150 مليون دولار للبنية التحتية والأمن والاستعداد للجائحات في المنطقة.
وخلال السنوات الأخيرة، حاولت الولايات المتحدة إعادة تنشيط قدراتها العسكرية وحلفائها في المنطقة لمنافسة الصين. ويعرب البنتاغون الأميركي عن قلقه إزاء وتيرة التوسع البحري الصيني، ويقر بأن الولايات المتحدة، في حال نشوب صراع مع الصين حول تايوان، تواجه وضعا استراتيجيا عسكريا غير مؤات. فالأسطول الأميركي يضم نحو 294 سفينة، بينما تمتلك الصين 370 سفينة وتعمل على بناء حاملة الطائرات الثالثة. وبحسب البنتاغون، من المقرر أن تصل الصين إلى أسطول مكون من 400 سفينة بحلول 2025 و440 سفينة بحلول 2030، في حين تخطط البحرية الأميركية 2022 للوصول إلى 350 سفينة مأهولة. وتشير وثيقة مسربة من البحرية الأميركية إلى أن “القدرة الإنتاجية للأحواض الصينية أكبر من مثيلتها الأميركية بأكثر من 232 مرة”.
كما يواكب سلاح الجو الصيني (القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي) نظيره الأميركي، فخلال السنوات الثلاث الماضية، بنت الصين أكثر من 400 مقاتلة حديثة، وطوّرت قاذفة جديدة متخفية، وأظهرت قدراتها في إنتاج صواريخ فرط صوتية، وضاعفت مخزونها من الصواريخ.
ولمواجهة صعود القوة العسكرية الصينية، أعادت الولايات المتحدة إطلاق حوار الأمن الرباعي (QUAD) عام 2017، وهو تحالف عسكري يضم الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابان. كما كشفت عن تحالف AUKUS، الذي يشمل الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا، وتسعى أيضا لتطوير اتفاقيات عسكرية مع الهند. وفي السنوات الأخيرة، زادت الولايات المتحدة تعاونها العسكري مع اليابان وكوريا الجنوبية. ومع ذلك، لمجاراة القوة العسكرية الصينية، تحتاج الولايات المتحدة، كما يقترح هغسث، إلى توجيه معظم مواردها نحو المنطقة.

معضلة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط

يتطلّب خطة الولايات المتحدة لإعادة توجيه مواردها نحو المنافسة مع الصين في منطقة الهندو – باسيفيك، كل من استقرار منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر تعزيز التحالفات الاستراتيجية، وكذلك، كما في أوروبا، تفويض جزء من تكلفة الأمن لحلفائها الإقليميين. ويظل الهدف هو توسيع اتفاقيات أبراهام الثنائية التي تفاوض عليها ترامب في 2020 لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية (الإمارات العربية المتحدة، البحرين، السودان، والمغرب) لتشمل دولا جديدة مثل السعودية. علاوة على ذلك، يقترح مشروع 2025 الوصول إلى اتفاق ثان لـحوار الأمن الرباعي (QUAD) للتعاون العسكري “يشمل إسرائيل ومصر ودول الخليج وربما الهند”، بهدف:
“حماية حرية الملاحة في الخليج وفي البحر الأحمر / قناة السويس، وهو أمر حيوي للاقتصاد العالمي وبالتالي لازدهار الولايات المتحدة.
وبصرف النظر عن الأهداف العسكرية والأمنية، تحتاج الولايات المتحدة إلى الحفاظ على نفوذها في المنطقة لضمان استمرار تنفيذ المعاملات الرئيسية للطاقة بالدولار، في ظل محاولات الصين دفع شركائها الإقليميين إلى فصل مبيعات النفط عن الدولار، باستخدام اليوان أو الروبية أو الروبل.
مع ذلك، هناك عدة عوامل تعرقل الخطط الإمبريالية الأميركية في الشرق الأوسط، منها هدف تقليص تمويل السلطة الفلسطينية. وأهم هذه العوائق هو المقاومة البطولية المستمرة للشعب الفلسطيني وحلفائه، وكذلك انتعاش الحركات الاجتماعية والديمقراطية في سوريا. ثانيا، يشكل موقف نتنياهو الحالي الذي يطالب بضم غزة، واستكمال الاحتلال في الضفة الغربية، ونزع السلاح في جنوب سوريا، وحقه المزعوم في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، عائقا إضافيا أمام رغبة الولايات المتحدة في “استقرار” المنطقة. وأي ضم لغزة سيجعل من المستحيل ضم دول جديدة إلى اتفاقيات أبراهام أو حتى الحفاظ على الدول الحالية. وقد تدعم الولايات المتحدة لجنة من الخبراء للإشراف على إعادة إعمار غزة، تحت إشرافها وإشراف الدول العربية.
كما يشكل الدمار الشامل في المنطقة عاملا آخر لزعزعة الاستقرار، وهو يذكّر بما شهدته أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، ومن المرجح أن يؤدي إلى مزيد من الأزمات الاجتماعية والسياسية. ويقدّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تكلفة إعادة إعمار غزة بين 40 و50 مليار دولار، وبين 350 و650 مليار دولار للمنطقة بأسرها، نظرا لتعرض لبنان وسوريا والسودان وليبيا واليمن للنزاعات. ومع ذلك، لا توجد جهة مستعدة لإقراض الأموال أو الاستثمار في المنطقة بسبب الأزمة العامة للربحية وارتفاع مستوى الصراع الطبقي.

الموقف الماركسي من التنافس الإمبريالي والحرب

في ظل تصاعد التنافس الإمبريالي بين الولايات المتحدة والصين، ومع نشوء حركات تحرر وطني جديدة (فلسطين، أوكرانيا) وتجدد النضالات الديمقراطية (سوريا، السودان)، يوفّر البرنامج الماركسي خطوطا إرشادية أساسية: معارضة مبدئية لجميع الكتل الإمبريالية وسياساتها الاقتصادية الشوفينية، ودعم نشط لكافة نضالات شعوب العمال من أجل تقرير المصير، والالتزام ببناء معسكر طبقي عمالي يحمل برنامجا ثوريا دوليا ومعاديا للإمبريالية.
وقد شكّلت الحربان العالميتان في القرن العشرين تحديا رئيسيا للطبقة العاملة والحركة الاشتراكية. فشلت الأحزاب الرئيسية في الأممية الثانية في إعداد الطبقات العاملة الوطنية لمواجهة تصاعد العنصرية القومية والنازية في أوطانها، والأسوأ من ذلك، أن معظم هذه الأحزاب انتهى بها الأمر بالتصويت للمخصصات الحربية بما يخدم برجوازياتها الوطنية. أدى هذا إلى انقسام كبير بين القطاعات الإصلاحية أو الوطنية الاجتماعية والقطاعات الثورية الداخلية.
وفي كتابه الاشتراكية والحرب (1915)، أشار لينين إلى أن الشوفينية الاجتماعية تؤدي إلى “رفض الصراع الطبقي في زمن الحرب، والتصويت للمخصصات العسكرية”، وهي “في الواقع دفاع عن امتيازات وسلطات ونهب وعنف البرجوازية الإمبريالية الخاصة بك أو بأي دولة أخرى”.
وكان التحدي أمام الثوريين خلال الاستعدادات للحروب الإمبريالية، ولا يزال، هو ربط “مشاعر الجماهير من أجل السلام” باستراتيجية اشتراكية، وتحويل “الغضب والوعي بطبيعة الحرب الرجعية” التي تحدث عنها لينين إلى تصاعد النضال الاجتماعي داخليا. ويتطلب ذلك مواجهة الفكرة المضللة التي تروّج لها كافة الاتجاهات الإصلاحية، سواء السلميون أو المولعون بالحرب، بأن “السلام ممكن دون ضم، ودون قمع للأمم، ودون نهب، ودون زرع بذور حروب جديدة بين الحكومات الحالية والطبقات الحاكمة”، دون حركة ثورية تتصدى لجذر الإمبريالية: الرأسمالية.

ويجب على الماركسيين توضيح أن:
“من يريد سلاما دائما وديمقراطيا يجب أن يكون مع الحرب الأهلية ضد الحكومات والبرجوازية.”
وما هو أهم، يجب عليهم إظهار أن ذلك ضروري وممكن عبر تنظيم جبهة طبقية عاملة ضد كل القوى البرجوازية، ومواجهة خطط الحرب القادمة بالنضال العاجل من أجل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للعمال داخليا وخارجيا، وعند حلول اللحظة الحاسمة، تقديم مبادرات عملية لتنفيذ برنامج هزيمة ثورية.
اليوم، أصبح من الضروري للغاية أن تحارب الحركات الاشتراكية وحركات العمال العالمية خطط التحضير للحروب الإمبريالية. وللعمال الذين يشعرون بالاشمئزاز من الإمبريالية الأميركية، أو العدوان الإمبريالي الروسي، أو التنمّر الصيني في المحيط الهادئ، تحتاج القوى الثورية إلى توضيح أنه لا وجود لـ “إمبريالية تقدمية” يمكن دعمها، ولا في الصين أو روسيا، ولا في الاتحاد الأوروبي “الديموقراطي حقاً”، ولا في الولايات المتحدة التي يراها البعض الملاذ الأخير للحفاظ على النظام الليبرالي.
ولهذا يجب معارضة ميزانيات الحرب وإعادة التسليح في جميع الدول الإمبريالية، وإدانة الحرب الاقتصادية المتزايدة من خلال العقوبات والرسوم والإجراءات الوطنية القومية، ومواجهة كل الدعاية والسياسات الشوفينية والعنصرية بكل حزم.
وينبغي أن يكون الماركسيون مستعدين لتقديم حجج قوية لبناء معسكر يسعى للاستقلال الطبقي عبر النضال الطبقي، ومواجهة البدائل الرجعية ببرنامج مرحلي نحو الاشتراكية، لضمان السلام الحقيقي والعدالة الاجتماعية بعيدا عن الحرب والإمبريالية والدمار البيئي.
التحول المفاجئ نحو سياسات قومية حمائية متطرفة بعد عقود من الاحتفاء النيوليبرالي بفضائل التجارة الحرة وما يُسمّى بالمنافسة يشكل على الأرجح مصدر ارتباك كبير للحركة العمالية والنشطاء الاجتماعيين. نعم، هذه ليست المرة الأولى التي تضطر فيها الحركة الماركسية للتعامل مع السياسات التبادلية المتقلبة للقطاعات الرأسمالية المنافسة. ففي المراحل الأولى لتطور الرأسمالية، رفض ماركس وإنجلز تأييد أي من أدوات القطاعات البورجوازية الوطنية المتنافسة، سواء كانت التجارة الحرة أو سياسات التعريفات الجمركية. ففي عام 1845، صرح إنجلز بأن الاشتراكيين “ليس لديهم نية للدفاع عن التعرفات الحمائية أكثر من التجارة الحرة، بل نقد كلا النظامين من منظورنا الخاص. منظورنا هو المنظور الشيوعي”. وبعد عامين، أوضح ماركس أن “نظام التعرفات الحمائية يضع في يد رأسمال بلد واحد الأسلحة التي تمكّنه من تحدي رأسمال الدول الأخرى؛ إنه يزيد قوة هذا الرأسمال في مواجهة الرأسمال الأجنبي”.
وقد تم توسيع هذا المفهوم خلال الحقبة الإمبريالية. فقد كتب رودولف هيلفردينغ في كتابه “رأسمال التمويل” (1910): “يتجنب البروليتاريا معضلة البورجوازية – الحماية أو التجارة الحرة – بحل خاص بها؛ لا حماية ولا تجارة حرة، بل الاشتراكية، تنظيم الإنتاج، والتحكم الواعي بالاقتصاد ليس لمصلحة الرأسماليين الكبار، بل من أجل المجتمع ككل”.
ستظل جميع سياسات التجارة تستغل العمال في الداخل والخارج ما لم يتمكن العمال من السيطرة على السلطة وتأميم الإنتاج والتجارة عالميا تحت سيطرة العمال. وبينما يكافح الماركسيون لتحقيق هذا الهدف، يجب أن يكونوا واضحين أن ما يحتاج إلى حماية ليس السلع أو رأس المال، بل المنتجون الحقيقيون لكل الثروة، وهم الناس العاملون، وكذلك بيئتنا. كما أشار إنجلز، سواء كانت التعريفات الحمائية أو التجارة الحرة أو مزيجا منهما، ففي كل الحالات “لن يحصل العامل على أجر أكبر عن عمله مما يكفي بالكاد لإعالة نفسه. من أي جانب، يحصل العامل على ما يحتاجه فقط للاستمرار كآلة عمل”.
إنه دائما الناس العاملون الذين يزدادون تعرضا للانكشاف، ويعانون من التضخم وفقدان الوظائف وتخفيض الأجور والترحيلات، في حين تستفيد السلع من حماية قوانين الملكية الخاصة (براءات الاختراع وحقوق النشر)، وتتجنب تدفقات رأس المال القيود والضرائب. كل هذه المخططات مصممة لضمان أرباح الشركات متعددة الجنسيات فقط. كل أشكال القومية الاقتصادية تمهد الطريق للشوفينية الاجتماعية والتنافس بين العمال عبر الدول. البديل الوحيد القابل للتطبيق هو الدفاع عن التضامن الدولي للعمال وبرنامج اشتراكي يكافح من أجل مطالب العمال الفورية ويبرز الحاجة إلى حكومة للعمال.
وينبغي أن يمتد نفس المنطق إلى مسألة العقوبات الإمبريالية، والتي أوضحها المؤرخ نيكولاس مولدر مؤخرا بأنها تم تصورها أول مرة من قبل عصبة الأمم عام 1919 كـ “سياسة قسرية لم تكن ممكنة إلا في زمن الحرب”. تم تصميم العقوبات لتكون استمرارا للحرب الاقتصادية بعد الحرب العالمية الأولى بعد انتهاء المواجهة العسكرية، بهدف منع العدو المهزوم من الحصول على وسائل إعادة التسلح والهجوم مرة أخرى من خلال التحكم في تنميته الاقتصادية. ومع ذلك، أظهر التاريخ أن هذه الحرب الاقتصادية سرعت فقط الشروط اللازمة لحرب إمبريالية جديدة: فقد جعل العزلة الاقتصادية لإيطاليا ألمانيا واليابان تخشيان أي حصار محتمل، مما دفع هذه الدول إلى اتخاذ إجراءات حمائية متطرفة، وتعزيز الأيديولوجيات القومية البيضاء المتطرفة، وظهور أنظمة فاشية إمبريالية مكرسة بالكامل لسباق تسلح غير محدود لتحقيق الانتقام.
في عام 1936، حذّر تروتسكي من أن “العقوبات الاقتصادية، إذا كانت حقيقية، تؤدي إلى عقوبات عسكرية، وإلى الحرب”. وفي نفس العام، جادل الحزب الاشتراكي العمالي في الولايات المتحدة بأن هناك نقطة ستصل عندها “الصراعات الاقتصادية والحروب الصغيرة لتوسع رأس المال، التعريفات والتبادل والتسلح والاستغلال التنافسي” إلى “نقطة يتم فيها السعي لإيجاد حل سياسي للتناقضات الاقتصادية والاجتماعية من خلال الحرب، حرب الإمبريالية المفتوحة والعلنية بين الأمم التابعة؛ حروب إخضاع من الدول الإمبريالية ضد الشعوب التابعة؛ وأخيرا الحرب العالمية للدول الإمبريالية فيما بينها، للصراع على إعادة تقسيم العالم”. وقد تم الوصول إلى هذه النقطة بعد ثلاث سنوات حين اندلعت الحرب العالمية الثانية، وظلت الطبقة العاملة غير مستعدة إلى حد كبير لتقديم بديل عن القومية الاقتصادية وطريق دولي للخروج من موجة الدمار الجديدة. يجب أن تستوعب الحركات الاشتراكية والعمالية هذه الدروس الصعبة لتجنب تكرار نفس الأخطاء.
أخيرا، إلى جانب المبدأ الراسخ في معارضة الحرب الإمبريالية، هناك حاجة للدفاع بلا قيد أو شرط عن حق الدفاع عن النفس لجميع الشعوب المظلومة، بما في ذلك حقها في طلب وقبول كل المساعدات المادية والعسكرية من أي مصدر ضروري لتحقيق تحريرها. من المرجح أن تطرح المنافسة الإمبريالية المتزايدة تحديات للحركات الوطنية للتحرير والصراعات الديمقراطية الناشئة ردا على الاعتداءات. إن دروس الحركة الماركسية والدولية الرابعة في الصراعات المماثلة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، مثل الحرب الإيطالية – الإثيوبية الثانية والحرب الصينية – اليابانية الثانية، لا تزال ذات صلة اليوم. في مواجهة تكتيكات وتشويهات القوى الإمبريالية المتنافسة لتحويل هذه الصراعات والتآمر على “التركيبات الإمبريالية” من الأعلى، تكمن مهمة الاشتراكيين في دعم هذه الحركات المعارضة بنشاط من خلال تعزيز القوى الاجتماعية العاملة المشاركة في النضال، خصوصا أولئك الذين يسعون للحفاظ على استقلالهم السياسي عن الحكومات الرأسمالية وحلفائها الإمبرياليين. نهجنا هو خلق بدائل مستقلة لمقاومة الطبقة العاملة للحروب الإمبريالية، سواء في أوكرانيا أو فلسطين، وتعزيز المبادرات العمالية للتضامن مع المظلومين.

الملاحظات

  1. دانس، بول وغروفز، ستيفن. تفويض للقيادة: وعد المحافظين، واشنطن العاصمة: مؤسسة هيريتدج، 2023، ص. 190.
  2. بليندر، جون. «العالم كان يتجه نحو التعاملات التجارية قبل ترامب بوقت طويل»، فاينانشال تايمز، 6 فبراير 2025.
  3. تفويض للقيادة، ص. 184.
  4. لينين، ف.إ. كاركيتشر الماركسية والاقتصاد الإمبريالي، 1916.
  5. لينين، ف.إ. كاركيتشر الماركسية والاقتصاد الإمبريالي، 1916.
  6. «بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس: الميزان التجاري: البضائع، أساس ميزان المدفوعات، 1992-2024»، 5 فبراير 2025، https://fred.stlouisfed.org/series/BOPGTB#.
  7. روبرتس، مايكل. «الاقتصاد الأمريكي: ازدهار استثنائي أم فقاعة قابلة للانفجار»، 4 ديسمبر 2024.
  8. «الحكومة الأمريكية: ما هو الدين الوطني؟» https://fiscaldata.treasury.gov/americasfinance-guide/national-debt/؛ «كم أنفقت الحكومة الأمريكية هذا العام؟»
  9. بلانشيت، جود وهاس، رايان. «اعرف خصمك، اعرف نفسك: تقييم التحدي الصيني»، فورين أفيرز، 7 يناير 2025.
  10. بروكس، ستيفن وفاجل، بن. «البطاقة الحقيقية لترامب ضد الصين: قضية الصقور ضد الانفصال الصناعي»، فورين أفيرز، 20 فبراير 2025.
  11. «البطاقة الحقيقية لترامب ضد الصين».
  12. سيباستيان، أندرو. «خمسة دول تمتلك أكبر جزء من الدين الأمريكي»، إنفستوبيديا، 25 يناير 2025.
  13. «ترامب بدأ صراعًا شبيهًا بالمافيا للسيطرة العالمية»، ذا إيكونوميست، 25 فبراير 2025.
  14. زوكر-مارسكيس، مارينا. «تدويل العملات، بنى الدفع التحتية والبنوك المركزية: تحليل مؤسسي لتدويل اليوان»، البحوث في الأعمال الدولية والمالية، المجلد 73، الجزء أ، 2025.
  15. هيغسث، بيت. «الكلمة الافتتاحية لوزير الدفاع بيت هيغسث في مجموعة اتصال الدفاع عن أوكرانيا»، وزارة الدفاع الأمريكية، 12 فبراير 2025.
  16. كراتز، أغاتا وآخرون. الاستثمارات المتراجعة تصبح أكثر تركيزًا: التحديث الصيني للاستثمار الأجنبي في أوروبا 2023، مجموعة روديم ومركس.
  17. ساكس، ديفيد. «الدول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق الصينية: من الداخل ومن الخارج»، مجلس العلاقات الخارجية، 24 مارس 2021.
  18. كاريل، كريستيان. «صفقة كبرى مع روسيا ستكون كارثة»، فورين بوليسي، 20 فبراير 2025.
  19. ماسترو، أوريانا سكاي لار. «عملاء الصين للفوضى: المنطق العسكري لشراكات بكين المتنامية»، فورين أفيرز، 22 أكتوبر 2024.
  20. المرجع نفسه.
  21. المرجع نفسه.
  22. «جنة العصابات»، ذا إيكونوميست، 1 مارس 2025.
  23. فريدمان، إيلي؛ لين، كيفين؛ ليو، روزا؛ سميث، أشلي. الصين في الرأسمالية العالمية: بناء التضامن الدولي ضد التنافس الإمبريالي، شيكاغو: هاي ماركت بوكس، 2024، ص. 108-109.
  24. محباني، كيشور. «الطريق الثالث لآسيا: كيف ينجو ويزدهر الآسيان في ظل التنافس بين القوى الكبرى»، فورين أفيرز، 28 فبراير 2023.
  25. المرجع نفسه.
  26. المرجع نفسه.
  27. جارامون، جيم. «تقرير وزارة الدفاع يوضح جهود الصين لبناء القوة العسكرية»، وزارة الدفاع الأمريكية، 19 أكتوبر 2023.
  28. وي، كوان وتان، كيفين. «الصين لديها القدرة على بناء سفن قتالية للجيش الشعبي بمعدل 200 مرة أكثر من الولايات المتحدة، وفقًا لمخابرات البحرية الأمريكية المسربة»، بيزنس إنسايدر، 14 سبتمبر 2023.
  29. ليندون، بارد وبريتزكي، هايلي. «الولايات المتحدة لا تستطيع مواكبة بناء السفن الحربية للصين، يقول وزير البحرية»، سي إن إن وورلد، 22 فبراير 2023.
  30. «اعرف خصمك، اعرف نفسك».
  31. كايف، داميان. «الولايات المتحدة تسعى لشراكة دفاعية مع الهند لردع العدوان الصيني»، نيويورك تايمز، 17 أكتوبر 2023.
  32. كارلين، مارا. «عودة الحرب الشاملة: فهم – والاستعداد – لعصر جديد من الصراع الشامل»، فورين أفيرز، 22 أكتوبر 2024.
  33. تفويض للقيادة، ص. 185.
  34. نورتون، بن. «الولايات المتحدة تضغط على السعودية لبيع النفط بالدولار وليس باليوان الصيني، في ظل مفاوضات إسرائيل»، جيوبوليتيكال إيكونومي، 10 أغسطس 2023.
  35. لينين، ف.إ. «حول تحويل الحرب الإمبريالية إلى حرب أهلية»، 1915، من الاشتراكية والحرب، في سوشياليست أبيل، المجلد الثالث، العدد 21، 4 أبريل 1939، ص. 3.
  36. إنجلز، فريدريك. «رسالة إلى يوليوس كامب»، الأعمال الكاملة لماركس وإنجلز، المجلد 38، لندن: لورانس وويشارت، 1982، ص. 34.
  37. ماركس، كارل. «الحماية التجارية، التجارة الحرة والطبقة العاملة (1847)»، الأعمال الكاملة لماركس وإنجلز، المجلد 6، لندن: لورانس وويشارت، 1976، ص. 280-281.
  38. هيلفردينغ، رودولف. رأسمال التمويل (1910)، لندن: روتليدج، 1981، ص. 366.
  39. إنجلز، فريدريك. «التعريفات الجمركية الوقائية أم نظام التجارة الحرة» (1847)، الأعمال الكاملة لماركس وإنجلز، المجلد 6، لندن: لورانس وويشارت، 1976، ص. 96.
  40. مولدر، نيكولاس. السلاح الاقتصادي: صعود العقوبات كأداة للحرب الحديثة، نيو هافن: جامعة ييل، 2022، ص. 3.
  41. تروتسكي، ليون. «مرة أخرى: الحزب العمالي المستقل»، فبراير 1936. https://www.marxists.org/archive/trotsky/1936/xx/ilp.htm
  42. ويست، جون (جيمس بورنهام). الحرب والعمال، 1936.
  43. ميس، بلانكا. «من أوكرانيا إلى فلسطين، تحديات الدولية المتسقة»، مجلة سبكتر، 17 سبتمبر 2024.

ترجمة تامر خرمه
تدقيق ومراجعة فيكتوريوس بيان شمس

Check out our other content

Check out other tags:

Most Popular Articles