الجمعة نوفمبر 22, 2024
الجمعة, نوفمبر 22, 2024

الوحدة الوطنية و”مداخل لصياغة البديل”

فلسطينالوحدة الوطنية و"مداخل لصياغة البديل"

بقلم تامر خرمه

 

“الوحدة الوطنية” مصطلح بات يطرح على الساحة الفلسطينية بصيغة شعاراتية أخذته بعيدا عما يفترض أن يعبر عنه باعتباره مفهوما سياسيا- اجتماعيا يستوجب، قبل أي شيء آخر، تحقيق حالة التفاف شعبي واسع حول قيادة سياسية، تعبر عن إرادة الناس وفقا لشروط العقد الاجتماعي، الذي هو المبرر الوحيد لوجود هذه القيادة أصلا.. هذا يعني أنه ليس بالضرورة أن يكون مجرد وجود وفاق بين بعض أطراف القيادة، أو حتى كلها، هو تعبير عن تحقيق الوحدة الوطنية، لاسيما في حال تغييب العامل الحاسم المتمثل بالإرادة الشعبية.
في الحالة الفلسطينية يتلخص العقد الاجتماعي الذي يبرر الوجود المحض لأية قيادة حالية، أو سابقة، أو لاحقة، بتولي مهمات مرحلة التحرير الوطني، ومواصلة النضال بكافة أشكاله حتى دحر الاحتلال وانتزاع حق العودة، والتعبير عن إرادة ومصالح الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده. لذا، قبل الإجابة عما إذا كان إنجاز المصالحة بين حركتي فتح وحماس هو رديف لتحقيق الوحدة الوطنية، بالمعنى الحقيقي للمفهوم، لا بد من محاولة الإجابة على التساؤل التالي: إلى أي مدى تحقق سياسات هاتين الحركتين، أو غيرهما، شروط العقد الاجتماعي الذي يبرر وجودهما؟ عندها سيكون طرح مسألة استمرار الانقسام وسبل معالجتها أكثر جدوى.
بداية، حدوث هذا الانقسام واستمراره منذ العام 2007، هما نتيجة للسياسات السلطوية التي تمنح التناقضات الثانوية أهمية على حساب التناقض التناحري الأساسي المتمثل بالصراع مع الاحتلال. لكن الأمر لا يقف عند حدود الفصل الجيوسياسي بين غزة والضفة الغربية، بل يتجاوزه إلى تهميش إرادة الشعب الفلسطيني في كل من القدس، والأراضي المحتلة منذ العام 1948، والشتات، من خلال العمل وفقا لآليات استراتيجية “حل الدولتين”، وسد آفاق إمكانية تحقيق المشاركة الشعبية في صنع القرار استنادا إلى مبدأ وحدة الأرض والشعب والهوية.
في ظل غياب أهم شروط العقد الاجتماعي، والمتمثل بالتعبير عن الإرادة الشعبية، سيكون من العبث اختزال مسألة بالغة الأهمية -أي الوحدة الوطنية- في إجراء مصالحة، أو حتى وفاق، بين حركتي فتح وحماس. كما أن إنجاز هذه المصالحة، وفقا لشروط مهمات مرحلة التحرير الوطني، لا يمكن أن يتحقق برعاية نظام رسمي عربي يبني علاقته مع الاحتلال على أساس توجيهات وإملاءات ما يسمى بالمرجعية الدولية، التي يهيمن عليها “العم سام”، بل يحتاج الأمر إلى وجود تيار فلسطيني ثالث، لا يدور في فلك أي من الطرفين المتنازعين على السلطة، ويلبي استحقاقات مرحلة التحرر الوطني، ويحمل برنامجا يعبر عن الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده. عندها، لن يكون أمام أي طرف من أطراف السلطة المنقسمة سوى الاختيار ما بين التعامل بجدية مع ما يطرحه هذا التيار من مبادرات، أو الخروج من دائرة الفعل والتأثير السياسي.
كثيرة هي المبادرات التي تم طرحها لتحقيق المصالحة، سواء من قبل حركة الجهاد الإسلامي الأكثر قربا من حماس، أو من قبل الجبهتين الشعبية والديمقراطية، اللتين لاتزالان تعتبران أن “منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”، رغم تفرد اليمين الفلسطيني في اتخاذ القرارات الأكثر أهمية لهذه المنظمة منذ ولادتها، ورغم انتحارها عمليا لحظة إلغاء ميثاقها في العام 1998، حيث تم التخلي رسميا عن الهدف الاستراتيجي المتمثل بتحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني.
صحيح أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تطالب، بالتوازي مع مبادراتها لتحقيق المصالحة، بإعادة بناء المنظمة “على أسس وطنية وديمقراطية”، وبتبني “برنامج سياسي يتجاوز أوسلو وتبعاته”. لكن هل كانت قرارات المنظمة، حتى قبل توقيع اتفاقية أوسلو في العام 1992، تتخذ على أسس ديمقراطية، أم على أسس المحاصصة الفصائلية؟ وحتى لو اعترفت حركتي حماس والجهاد الإسلامي بوحدانية “شرعية” التمثيل وحصرها في هذه المنظمة، فهل فعلا سيعاد بناء مؤسساتها استنادا إلى ما يفرضه الناخب الفلسطيني، أيا كان مكان تواجده، أم وفقا لتفاهمات المحاصصة؟ وقبل كل شيء، ماذا تبقى لهذه المنظمة من “شرعية” بعد اعترافها، رسميا، بدولة الاحتلال، وتخليها عن الكفاح المسلح؟!
في المقابل، فإن حركة حماس كانت ولاتزال تتصرف، منذ انتهاء الانتفاضة الأولى، على أنها “البديل الوحيد” لهذه المنظمة، وهذا من أهم الأسباب التي قادت، إلى جانب عوامل ذاتية وموضوعية أخرى، إلى تفاقم النزاع وصولا إلى الانقسام، ومن ثم عزل قطاع غزة عن الكل الفلسطيني. لكن هل يمكن لحماس أن تقود فعلا مسيرة التحرر الوطني، رغم ما تمارسه من سياسات إقصائية في القطاع، ورغم القمع الذي تواجه به حراكات التحرر الاجتماعي (مثل حراك “بدنا نعيش” في العام 2019)، ورغم أنها تعمل وفقا لآليات حل الدولتين، حتى وإن لم تعلن ذلك صراحة؟
الجانب السياسي لا يمكن فصله، حتى في مراحل التحرير الوطني عن نظيره الاجتماعي، فالنضال من أجل التحرر الاجتماعي، في سياق النضال ضد الاحتلال، هو شرط أساسي لإنجاز المهمات الثورية الاستراتيجية، وضمان عدم احتكار القرار السياسي في يد أقلية لا تعبر عن مصالح الجماهير الشعبية الأكثر تضررا من وجود الاحتلال واستمراره. كلتا الحركتان، فتح وحماس، تتصرفان على أنهما “الشرعية المطلقة”، دون أن يكون للقواعد الشعبية، سواء في الداخل أو في الشتات، أي دور جوهري في حساباتهما السياسية، فالأولى تتذرع بوهم “الرصاصة الأولى”، بينما تطرح الثانية ذاتها على أنها “البديل الوحيد”! أما اليسار الفلسطيني، الذي يحاول تصوير نفسه على أنه “التيار الثالث”، فلايزال يدور في في فلك القيادة اليمينية المتنفذة في م. ت. ف منذ تبني مقاربة “الحل المرحلي”.
رغم كل هذا، لايزال الحديث عن الوحدة الوطنية يدور وكأن مجرد مبادرة يطرحها فصيل ما، تقود إلى تصالح قيادات فتح وحماس، من شأنهما اختزال المسألة. لكن في الحقيقة، لا يمكن لأية وحدة أن تكون وطنية إن لم تكن شعبية في جوهرها. لا يوجد أي فصيل فلسطيني قادر على قيادة النضال وحده. وحتى لو توافقت كافة الفصائل على برنامج موحد واستراتيجية عمل واحدة، فإن نجاحها في قيادة النضال سيبقى مرهونا بدرجة الانخراط الشعبي في العمل النضالي. ما نحتاجه اليوم هو وجود بديل حقيقي، يتجاوز وهم الحل المرحلي، ويطرح برنامجا ثوريا انطلاقا من مبدأ وحدة الارض والهوية، والشراكة الشعبية النضالية، التي يجب أن تستمر حتى بعد إنجاز كافة مهمات مرحلة التحرر الوطني. هذا وحده ما سيفرض الوحدة الوطنية الشعبية على أرض الواقع، وليس مجرد اتفاق يعقد بين طرفين متنازعين على السلطة، برعاية رسمية عربية!

ننوّه إلى أن الآراء الواردة في المواد المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن آراء ومواقف “الرابطة الأممية للعمال – الأممية الرابعة”

Check out our other content

Check out other tags:

Most Popular Articles