الأحد ديسمبر 22, 2024
الأحد, ديسمبر 22, 2024

النبي المسلّح: الفصل الرابع عشر (104)

النظرية الماركسيةالنبي المسلّح: الفصل الرابع عشر (104)

هزيمة في الإنتصار ج5


كان تروتسکی، مقابلهم، يحث الحزب على أن يتوقف مؤقتا عن المناداة بالديمقراطية البروليتارية وممارستها، ويبذل جهده لبناء ديمقراطية المنتجين. بكلام اوضح: كان على الحزب أن يرفض اعطاء الشغيلة حقوقهم السياسية، وأن يمنحهم، بالمقابل دورا مهما ومسؤوليات قيادية في إعادة البناء الاقتصادي. وقد أعلن تروتسكي أمام المؤتمر العاشر (آذار/ مارس ۱۹۲۱): في اللحظة الأكثر حدة من لحظات ذلك الجدال:

ولقد تخلصت المعارضة العمالية من الورطة بشعارات خطيرة. حولت المبادئ الديمقراطية إلى أصنام، ووضعت حق الشغيلة في انتخاب ممثليهم فوق الحزب، کما لو لم يكن للحزب الحق في فرض دیکتاتوریته، حتى إذا اصطدمت هذه الديكتاتورية مؤقتا بالأحكام المتبدلة للديمقراطية العمالية … علينا أن نعي مهمة الحزب التاريخية الثورية. إن الحزب مضطر للابقاء على ديكتاتوريته دون أن يأخذ بالحسبان تماوجات مؤقتة في رد فعل الجماهير العفوي، أو حتى التذبذبات الآنية للطبقة العاملة. ويشكل هذا الوعي بالنسبة إلينا خميرة وحدة لا غنى عنها. والديكتاتورية لا تستند في كل حين إلى مبدأ الديمقراطية العمالية الشكلي، مع أن الديمقراطية العمالية تبقى بالطبع الطريقة الوحيدة بالنسبة

للجماهير کي تشارك اكثر فأكثر في الحياة السياسية.

لقد بعد الوقت الذي كان تروتسكي يؤكد فيه أن نظام الحكم السوفياتي أرقى من البرلمانية البورجوازية، لأن الناخبين يتمتعون، بين ما يتمتعون به، بحق إعادة انتخاب ممثليهم في كل لحظة، لا فقط بشكل دوري؛ وأن ذلك يسمح للسوفييتات بأن تعكس، بشكل وثيق وفوري، کل تبدل في الرأي الشعبي، وهو ما لم يكن يمكن أن يفعله أي برلمان. مذاك، كانت إعلانات المبادىء الغامضة الصادرة عنه المتعلقة بالديمقراطية البروليتارية تدوي كمحض بنود انشائية. فيما كان جوهرياً إنما هو «مهمة الحزب التاريخية» وقناعة الحزب بأنه «العنصر التوحيدي الذي لا غنى عنه». مذاك كان يمجد، بنوع من التورية، لكن بما يكفي من الفصاحة، التضامن الجماعي للفريق الحاكم في وجه أمة معادية أو متبلدة.

كان لينين يرفض الاعتراف جهارا بالطلاق بين الديكتاتورية والديمقراطية البروليتارية، وهو ايضا كان يعي النزاع القائم بين الشعب من جهة، والحكومة والحزب من جهة اخرى، إلا أنه كان يخشى أن تؤدي سياسة تروتسكي إلى تأبيد هذا الوضع. لقد كان الحزب مضطرة لإعادة النقابات الى رشدها، وإقالة قادتها المعاندين، وتحطيم المقاومة الشعبية أو تدارکها والحيلولة دون التكون الحر للرأي داخل السوفييتات. فليينن كان يرى أن ذلك هو السبيل الوحيد لإنقاذ الثورة؛ إلا أنه كان يأمل فقط، عن طريق اللجوء لتلك الطرائق، إعطاء الحكومة وقتا تتنفس فيه – لم يعد مسلکه بكامله غير نضال لكسب الوقت – حتى تتمكن من تعديل سياستها، وتنجح في انهاض البلاد مجدداً، وتحسين وضع الشغيلة وكسبهم للبلشفية من جديد. عندئذ يمكن للديكتاتورية أن تعود تدريجيا إلى وضع الديمقراطية البروليتارية. وإذا كان ذلك هو الهدف – وهو ما كان يوافق عليه تروتسكي – كان على الحزب أن يعيد فوراً تأكيد فكرة تلك الديمقراطية، وألا يبادر إلى أي تدبير جذري يوحي بالتخلي عنها. وحتى إذا كان النظام لجأ في الغالب إلى القسر، كان لينين يؤكد أن القسر هو أسلوب عمله الأخير، والإقناع الأسلوب الأول. كان ينبغي إذا الا تتحول النقابات إلى هيئات تابعة للدولة، بل أن تحافظ على بعض الاستقلال. كان عليها أن تتكلم باسم العمال، وإذا اقتضى الأمر ضد الحكومة؛ كان عليها أن تصبح مراكز تكوين شیوعية لا مراکز ترویض. كان يمكن أن تضايق مطالب النقابات الإدارة أو أن تضعها في موقف صعب (وكان تروتسكي يتصور المشكلة من هذه الزاوية)؛ وكان يمكن أن تكون الادارة محقة في وجه النقابات في بعض الظروف الخاصة؛ لكن بعد التفكير العميق، كان من المناسب أن تواجه الادارة صعوبات من هذا النوع وتخضع لضغوط شرعية أو حرکات اجتماعية. لم يكن يفيد في شيء أن يقال للعمال إن من واجبهم ألا يعارضوا دولة الشغيلة، فتلك الدولة فكرة مجردة. وقد أشار لينين إلى أن من واجب ادارته أن تأخذ، في الواقع، بالحسبان مصالح الفلاحين، إلى جانب مصالح العمال؛ وكانت تفسد عملها الفوضى، «وتشوهات بيروقراطية» خطيرة، والممارسة الاعتباطية للسلطة.

وكان على الطبقة العاملة ان تدافع إذا عن نفسها، في الوقت ذاته الذي تبقى فيه سيدة ذاتها، وان تدعم مطالبها بمواجهة الادارة. كان لينين پری أن على الدولة ترك المجال مفتوحا أمام تعدد في المصالح والتأثيرات. أما تروتسكي فكان يرى أن الدولة احادية الاتجاه ضمنا. 

وقد أيد المؤتمر العاشر مشاريع القرارات التي قدمها لينين، بأغلبية ساحقة. فالبلشفية انحرفت عن الديمقراطية البروليتارية، لكنها لم تكن اصبحت مستعدة للقبول بعكسها، أي الدولة وحيدة الاتجاه.

              *          *         *

خلال انعقاد المؤتمر، اندلعت في قلعة كرونشتادت البحرية الانتفاضة الأكثر فرادة بين كل الانتفاضات الروسية، انتفاضة قال لينين إنها أضاءت الواقع كالبرق.

كان المتمردون، وهم بحارة في الأسطول الأحمر، بقيادة بعض الفوضويين. كان يسود اضطراب اقصى منذ نهاية شباط/ فبراير. حدثت اضطرابات قريبة من ذلك المكان، في بتروغراد بالذات؛ وتوقع الناس اضرابا عاما. وكانت کرونشتادت هائجة؛ فقد راجت شائعة تقول أنه حدثت اشتباكات بين عمال بتروغراد والجنود. كان رجال المراكب الحربية يعيشون حالة حماس سياسي تذكر بحمى ۱۹۱۷. وخلال اللقاءات الجماعية كانوا يتداولون مشاريع قرارات تطالب بالحرية للعمال، وبـ «برنامج جديد» للفلاحين، وانتخابات حرة إلى السوفييتات. بدأت الدعوة إلى ثورة ثالثة تسيطر على كل الاجتماعات، الثورة التي ينبغي أن تطيح البلاشفة وتقيم ديمقراطية السوفييتات. وقد أخطأ كالينين، رئیس جمهورية السوفييتات، فقام بزيارة إلى القاعدة البحرية، حيث ندد بالبحارة كـ «مخادعين» وغير مسؤولين، واشترط خضوعهم. وجاءت بعثة من البحارة إلى بتروغراد، فتم توقيفها.

وللحال شاعت عبر کرونشتادت صيحة: «فليسقط الطغيان البلشفي!» جری إذلال المفوضين البلاشفة وسجنهم؛ واضطلعت لجنة فوضوية بالقيادة. ووسط الحماس، رفع البحارة راية التمرد. وكتب مؤرخ فوضوي يقول عن الانتفاضة: «کرونشتادت، البطولية والشهمة، كانت تحلم بتحرير روسيا» … لم تتم صياغة أي برنامج واضح، أما الشعارات فكانت : الحرية والاخوة بين كل شعوب العالم. كانوا ينظرون إلى الثورة الثالثة كلحظة انتقالية نحو التحرر النهائي، ولانتخابات حرة إلى سوفييتات مستقلة كخطوة أولى في هذا الاتجاه. وبالتأكيد، كان على السوفييتات أن تكون مستقلة عن أي حزب سياسي – التعبير الحر عن إرادة الشعب ومصالحه.

ندد البلاشفة برجال كرونشتادت كعصاة معادين للثورة يقودهم جنرال ابيض. ويبدو هذا الاتهام عارياً من كل صحة. فالبلاشفة الذين ناضلوا طويلا ضد عصیانات لا تحصى، كان يكفلها الحراس البيض أو يشجعونها، ما كان يمكن لهم أن يصدقوا أن الحراس البيض لم يلعبوا أي دور في انتفاضة كرونشتادت. وقبل الحدث ببعض الوقت، المحت صحف المهاجرين البيض بشكل غامض الى تمرد تحت الرماد في كرونشتادت، فقدم ذلك ذريعة للشبهات. وقد حاول المكتب السياسي في البدء عقد مفاوضات مع المتمردين، إلا أنه قرر في الأخير أن يقمع تمردهم. ما كان في وسعه التسامح إزاء تحدي البحرية، فمع أنه لم يكن للعصيان أي حظ للتحول إلى ثورة، كان المكتب يخشى مفاقمته للفوضى السائدة. ذلك أنه حتى بعد هزيمة الحرس الأبيض، كانت تجوب البلاد عصابات عديدة من المتمردين والنهابين، من سواحل الشمال حتى بحر قزوين، فتقوم بغارات وغزوات داخل المدن، وتغتال المأمورين الحكوميين. وباسم ثورة جديدة، اكتسحت عصابات من فلاحي الفولغا الجائعين ساراتوف، ولم يمر وقت قصير حتى كان توخاتشيفسكي يحتاج إلى سبع وعشرين فرقة من الرماة لإخضاعهم. بلغت الفوضى حدا كان لا بد معه للرأفة حيال متمردي کرونشتادت أن يتم اعتبارها علامة ضعف، مما يمكن أن يفاقم الأمور.

لمراجعة الفصل السابق يرجى الدخول من خلال الرابط أدناه:

https://litci.org/arab/archives/4435?fbclid=IwAR2swbIeWHvSN4IJ9kirebnIXvtbVlh5CQ_VH9e9VnP-DEd1U4P1ygS684s

Check out our other content

Check out other tags:

Most Popular Articles