إعلان من المشاركين بكونفرانس زيمرفالد في مؤتمر الأممية الشيوعية
لقد كان لكونفرانسي زيمرفالد وكينتال أهميتهما الخاصة في مرحلة كانت من الضروري فيها توحيد كل العناصر البروليتارية المستعدة، بشكل أو بآخر، للاحتجاج على المجزرة الامبريالية، غير أن بعض العناصر «الوسطية»، السلمية والمترددة، كانت قد دخلت إلى تجمع زيمرفالد إلى جانب العناصر الشيوعية الصرفة. وقد توحدت اليوم، كما ظهر في كونفرانس برن، هذه العناصر الوسطية مع الاشتراكيين الوطنيين من أجل قتال البروليتاريا الثورية، مستخدمة بذلك زيمرفالد لصالح الرجعية.
وكانت الحركة الشيوعية، في الوقت نفسه، تنمو في عدد من البلدان. والآن أصبح النضال ضد العناصر الوسطية، التي تشكل عائقا أمام تطور الثورة الاجتماعية، المهمة الرئيسية للبروليتاريا الثورية. إن تجمع زيمرفالد قد إنتهى، وما تبقى فيه من ثوري بالفعل راح ينحاز وينضم إلى الأممية الشيوعية.
إن المشاركين في زيمرفالد، الموقعين أدناه، يعلنون أنهم يعتبرون تجمع زيمرفالد منحلاًّ، ويطلبون من مكتب كونفرانس زيمرفالد أن يعيد جميع وثائقه إلى اللجنة التنفيذية للأممية الثالثة.
راكوفسكي، لينين، زينوفييف، تروتسكي، بلاتن
قرارات متعلقة بتجمع زيمرفالد
بعد الاستماع إلى تقرير الرفيق بالابانوف، سكرتير اللجنة الاشتراكية العالمية، والرفاق راكوفسكي، بلاتن، لينين، تروتسكي وزينوفييف، أعضاء تجمع زيمرفالد يقرر المؤتمر الشيوعي الأول لزيمرفالد اعتبار تجمع زيمرفالد منحلاً.
********
قرار متعلق بالمسألة التنظيمية
لكي يتمكن المؤتمر من بدء عمله النشط دون تأخير، فإنه يعيّن فورا الهيئات الضرورية، على اعتبار أن التشكيل النهائي للأممية الشيوعية يجب أن يقدمه المؤتمر القادم بناء على اقتراح المكتب.
تُسند قيادة الأممية الشيوعية إلى لجنة تنفيذية، وتتشكل هذه اللجنة من ممثل عن كل حزب شيوعي في البلدان الأكثر أهمية. وعلى الأحزاب في روسيا، وألمانيا، والنمسا الألمانية، وهنغاريا، واتحاد البلقان، وسويسرا وإسكندنافيا، أن ترسل فورا ممثليها إلى أول اجتماع للجنة تنفيذية.
إن الأحزاب في البلدان التي تعلن انتسابها إلى الأممية الشيوعية قبل المؤتمر الثاني تحصل على مقعد في اللجنة التنفيذية.
وحتى وصول ممثلين أجانب يؤمن الرفاق في البلد مركز اللجنة التنفيذية سير العمل، وتنتخب اللجنة التنفيذية مكتبا من خمسة أشخاص.
**********
قرار تأسيس الأممية الشيوعية
بلاتن، رئيساً – سأطلعكم الآن على اقتراح تقدم به المندوبون: راكوفسكي، غروبر، غريملاند ورودنيانسكي. هذا الاقتراح وارد بالشكل التالي:
«إن ممثلي الحزب الشيوعي النمساوي الألماني، وحزب اليسار الاشتراكي – الديموقراطي في السويد والاتحاد العمالي الثوري الاشتراكي – الديموقراطي في البلقان، والحزب الشيوعي الهنغاري، يقترحون تأسيس الأممية الشيوعية.
«1- إن ضرورة النضال من أجل ديكتاتورية البروليتاريا تفترض التنظيم الموحد، المشترك والأممي لكل العناصر الشيوعية التي تقف على هذه الأرضية.
«2- إن هذا التأسيس هو الواجب الأكثر إلحاحا في الوقت الذي تجري فيه حاليا في برن، وربما في مكان آخر أيضا، لاحقاً، محاولة لإعادة الأممية الإنتهازية القديمة، وتجميع كل العناصر البروليتارية المشوشة والمترددة. لهذا من الضروري إقامة فصل واضح بين العناصر البروليتارية الثورية والعناصر الاشتراكية – الخائنة.
«3- إذا لم تتأسس الأممية الثالثة في الكونفرانس المنعقد في موسكو، فإن ذلك سيخلق انطباعا بأن الأحزاب الشيوعية غير متفقة، مما يضعف موقفنا ويزيد من البلبلة بين العناصر المترددة من البروليتاريا في كل البلدان.
«4- إن بناء الأممية الثالثة هو إذن واجب تاريخي مطلق، وعلى الكونفرانس الشيوعي العالمي المنعقد في موسكو أن يجعل منه حقيقة».
يفترض هذا الإقتراح اتخاذ قرار بصدد ما إذا كنا نشكل كونفرانسا أو مؤتمرا. إن هذا القرار يهدف إلى بناء الأممية الثالثة والنقاش مفتوح.
بعد النقاش طرح الرفيق بلاتن على التصويت الاقتراح الذي وقّعه كل من راكوفسكي، غروبر، غريملاند ورودنيانسكي.
وقال: «إن هذا الإقتراح قد وُضع بهدف الوصول إلى قرار حول تأسيس الأممية الثالثة».
جرى تبني القرار بالإجماع، ما عدا امتناع خمسة أصوات (الوفد الألماني).
قرار
4 آذار/ مارس 1919
إن الكونفرانس الشيوعي العالمي يقرر تشكيل نفسه كأممية ثالثة ويتبنى اسم الأممية الشيوعية. إن نُسَب الأصوات الممنوحة لن يطرأ عليها أي تغيير، وكل الأحزاب والتنظيمات والتجمعات تحتفظ بحق الإنضمام بشكل نهائي إلى الأممية الثالثة، ضمن مهلة ثمانية أشهر.
برنامج الأممية الشيوعية
لقد انكشفت بقوة لا مثيل لها تناقضات النظام العالمي، التي كانت مخبأة داخله في السابق، بانفجار هائل: الحرب الامبريالية العالمية الكبرى.
سعت الرأسمالية إلى تخطي فوضاها الخاصة بها عبر تنظيم الإنتاج. فعوضا من المشاريع العديدة المتنافسة، نظمت نفسها في جمعيات رأسمالية (نقابات، كارتيلات، تروستات). لقد اندمج الرأسمال المصرفي بالرأسمال الصناعي. ووقعت الحياة الاقتصادية بمجملها تحت سلطة أوليغارشية مالية رأسمالية، اكتسبت سلطة مطلقة بواسطة تنظيم قائم على هذه السلطة، وحل الاحتكار محل المنافسة الحرة. إن الرأسمالي المنعزل تحول إلى عضو في جمعية رأسمالية؛ لقد حل التنظيم محل الفوضى الجنونية.
ولكن، بقدر ما استبدلت الأساليب الفوضوية في الإنتاج الرأسمالي بالتنظيم الرأسمالي، في كل دولة مأخوذة على حدة، بلغت التناقضات والمنافسة والفوضى في الاقتصاد العالمي درجة أكبر من الحدة. إن الصراع بين أكبر الدول المتنافسة يؤدي، بفعل ضرورة صارمة، إلى الحرب الامبريالية الوحشية. إن التعطش للأرباح يدفع الرأسمالية العالمية إلى الصراع من أجل غزو أسواق جديدة ومصادر جديدة للمواد الخام والأيدي العاملة الرخيصة من عبيد المستعمرات. إن الدول الامبريالية التي تقاسمت العالم أجمع وحولت ملايين البروليتاريين والفلاحين الأفارقة والآسيويين والأمريكيين والأوستراليين إلى بهائم بمجموعهم، كان لابد عاجلا أو آجلا أن تكشف، في نزاع هائل، الطبيعة الفوضوية للرأسمال. وهكذا حدثت إحدى أكبر الجرائم – الحرب اللصوصية العالمية.
سعت الرأسمالية إلى تخطي تناقضات بنيتها الاجتماعية. إن المجتمع البرجوازي هو مجتمع طبقي، لكن رأس المال في الدول الكبرى «المتحضرة» سعى إلى خنق التناقضات الاجتماعية، وعلى حساب الشعوب المستعمرة، التي كان يحطمها، اشترى عبيده المأجورين خالقا وحدة مصالح بين المستغَلين والمستغِلين – وحدة مصالح موجهة ضد المستعمرات المضطَهدة والشعوب المستعمرَة الصفراء والسوداء والحمراء، وقيّد العامل الأوروبي أو الأمريكي إلى «الوطن» الإمبريالي.
غير أن هذا المنهج نفسه من الإفساد المستمر، الذي كان يخلق وطنية الطبقة العاملة وخضوعها المعنوي، أحدث، بفضل الحرب، نقيضه الخاص. فالتحطيم والإخضاع الكلي للبروليتاريا والنير الوحشي، والإفقار والانحطاط والجوع في العالم أجمع كل ذلك كان آخر فدية للسلام الإجتماعي. لقد أفلس ذلك السلام، وتحولت الحرب الإمبريالية إلى حرب أهلية.
وُلد عصر جديد، عصر انحلال الرأسمالية وانهيارها الداخلي، عصر ثورة البروليتاريا الشيوعية.
إن النظام الرأسمالي ينهار.اضطرابات في المستعمرات، تخمّر بين القوميات الصغيرة المحرومة من الاستقلال حتى الآن، انتفاضات بروليتارية، ثورات بروليتارية منتصرة في العديد من البلدان، تفكك في الجيوش الامبريالية، وعجز مطلق لدى الطبقات المسيطرة عن التحكم، من الآن وصاعدا، بمصير الشعوب: هذه هي لوحة الوضع الحالي في العالم أجمع.
إن الإنسانية، التي جرى تخريب حضارتها، مهددة بالدمار. لم يعد هناك إلاّ قوة واحدة قادرة على إنقادها، وهذه القوة هي البروليتاريا. إن «النظام» الرأسمالي القديم لم يعد موجودا، ولم يعد بإمكانه أن يوجد. والنتيجة النهائية للأساليب الرأسمالية في الإنتاج هي الفوضى – وهذه الفوضى لا يمكن التغلب عليها إلاّ بواسطة أكبر طبقة منتجة، الطبقة العاملة، وهي التي ينبغي أن تقيم النضال الفعلي، النظام الشيوعي، وينبغي أن تكسر سيطرة الرأسمال، وتجعل الحروب مستحيلة، وتمحو الحدود بين الدول، وتحوّل العالم إلى جماعة واسعة عاملة من أجل نفسها، وتحقق التضامن الأخوي وتحرر الشعوب.
في غضون ذلك، يتسلح الرأسمال العالمي ضد البروليتاريا في معركة أخيرة. وتحت غطاء عصبة الأمم والثرثرة السلمية يجرب جهوده الأخيرة من أجل ضبط الأجزاء المفككة من تلقاء نفسها في النظام الرأسمالي، وتوجيه قواه ضد الثورة البروليتارية المندفعة بشكل لا يقاوم.
على هذا الجديد، على هذه المؤامرة الضخمة للطبقات الرأسمالية، ينبغي أن ترد البروليتاريا باستلام السلطة السياسية وأن توجه هذه السلطة ضد أعدائها، وأن تستخدمها كرافعة للتحويل الاقتصادي للمجتمع. إن الانتصار النهائي للبروليتاريا العالمية سوف يشكل بداية تاريخ الإنسانية المحررة.
الاستيلاء على السلطة السياسية
إن استيلاء البروليتاريا على السلطة السياسية يعني القضاء على السلطة السياسية للبرجوازية. إن الجهاز الحكومي بجيشه الرأسمالي، الموضوع تحت قيادة هيئة من الضباط البرجوازيين واليونكرز، وبشرطته ودركه، بسجانيه وقضاته، وكهنته وموظفيه…الخ، يشكل أقوى أداة للحكم بين أيدي البرجوازية. إن الاستيلاء على السلطة الحكومية لا يمكن أن يقتصر على تغيير الأشخاص في تأليف الحكومات، بل يجب أن يعني القضاء على جهاز دولة غريب، والاستيلاء على القوة الحقيقية، ونزع سلاح البرجوازية وهيئة الضباط المعادين للثورة والحرس الأبيض، وتسليح البروليتاريا والجنود الثوريين والحرس الأحمر العمالي، وعزل القضاة البرجوازيين وتنظيم المحاكم البروليتارية، وتدمير نزعة التوظيف الرجعية وإنشاء أجهزة جديدة للإدارة البروليتارية. إن النصر البروليتاري مضمون بفعل فساد السلطة العدوة وتنظيم السلطة البروليتارية، وهو ما يجب أن يعني انهيار جهاز الدولة البرجوازي وإنشاء جهاز دولة بروليتاري. ولن تستطيع البروليتاريا إجبار أعدائها القدامى على خدمتها بشكل مفيد، عبر وضعهم بشكل تدريجي تحت رقابتها في سياق عملية بناء الشيوعية، إلاّ بعد الانتصار الكامل، أي عندما تكون حطمت المقاومة البرجوازية نهائيا.
ديموقراطية ودكتاتورية
تمثل الدولة البروليتارية، مثل كل دولة، جهاز إكراه، وهذا الجهاز موجه الآن ضد أعداء الطبقة العاملة. مهمته تحطيم مقاومة المستغلين وجعلها مستحيلة، هؤلاء المستغلين الذين يستخدمون في صراعهم اليائس كل الوسائل من أجل خنق الثورة بشكل دموي. ومن جهة أخرى تجعل دكتاتورية البروليتاريا من هذه الطبقة طبقة حاكمة بشكل رسمي، وتخلق بذلك وضعا انتقاليا.
وبالقدر الذي يجري فيه تحطيم مقاومة البرجوازية، يجري نزع ملكيتها وتتحول إلى جماهير كادحة. عندها تختفي دكتاتورية البروليتاريا، وتموت الدولة، وتنتهي معها الطبقات الاجتماعية.
إن ما يسمى بالديموقراطية، أي الديموقراطية البرجوازية ليست سوى دكتاتورية برجوازية مقّنعة. إن «الإرادة الشعبية» التي طالما جرى تمجيدها ليست سوى تلفيق، مثل وحدة الشعب. الواقع أنه توجد طبقات لا يمكن التوفيق بين مصالحها المتعارضة. وبما أن البرجوازية ليست إلاّ أقلية ضئيلة، فإنها تلجأ إلى هذا التلفيق، هذه «الإدارة الشعبية»، المزعومة من أجل تثبيت سيطرتها على الطبقة العاملة بواسطة التعابير الجميلة، ومن أجل أن تفرض عليها إرادة طبقتها. وعلى العكس من ذلك، فإن البروليتاريا التي تشكل الأغلبية العظمى من السكان، تستخدم بشكل صريح قوة منظماتها الجماهيرية وسوفيتاتها من أجل الدفع بالانتقال نحو مجتمع شيوعي بدون طبقات.
إن جوهر الديموقراطية البرجوازية يقوم على الاعتراف الشكلي المحض بالحقوق والحريات، وتحديدا تلك المتعذرة على البروليتاريين وأنصاف البروليتاريين، بسبب افتقارهم للموارد المادية، بينما تملك البرجوازية كل الإمكانات لتفيد من هذه المصادر المادية، ومن صحافتها وتنظيمها لتكذب على الشعب وتخدعه. على العكس من ذلك يقوم جوهر النظام السوفياتي – هذا النموذج الجديد من السلطة الحكومية – على اكتساب البروليتاريا إمكانية تأمين حقوقها وحريتها بالفعل. إن سلطة السوفيات تضع في أيدي الشعب أجمل القصور والبيوت والمطابع ومستودعات الورق، الخ.. من أجل صحافته واجتماعاته ونقاباته، ولا تصبح الديموقراطية البروليتارية ممكنة فعلا إلاّ عند ذلك.
في ظل النظام البرلماني، لا تعطي الديموقراطية البرجوازية السلطة للجماهير إلاّ بالقول، وتكون تنظيماتها مبعدة كليا عن السلطة الفعلية والإدارة الحقيقية للبلاد. أمّا في النظام السوفياتي فتحكم تنظيمات الجماهير، بواسطتها نفسها، وتستقدم السوفيتات إلى إدارة الدولة عددا متزايدا باستمرار من العمال. وبهذه الطريقة فقط سيتمكن الشعب العامل شيئا فشيئا من المساهمة الفعالة في حكم الدولة. بهذا الشكل، يرتكز النظام السوفياتي على تنظيمات الجماهير البروليتارية، الممثلة بالسوفيتات نفسها والاتحادات المهنية الثورية والتعاونيات الخ.
إن الديموقراطية البرجوازية والبرلمانية، إذ تفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وبغياب حق عزل النواب، تستكمل عزل الجماهير عن الدولة. على العكس، فإن النظام السوفياتي، إذ يقر حق العزل ويجمع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وتبعا لذلك، إذ يتيح للسوفيتات القدرة على تشكيل مجموعات عمل، إنما يربط الجماهير بأجهزة الإدارات. ويتعزز هذا الارتباط بواقع أنه لا تجري الانتخابات في النظام السوفياتي تبعا لتقسيمات مناطقية مصطنعة، بل تتوافق مع الوحدات المحلية للإنتاج.
يؤمن النظام السوفياتي بهذا الشكل إمكانية ديموقراطية بروليتارية حقيقية، ديموقراطية من أجل البروليتاريا وداخل البروليتاريا، موجهة ضد البرجوازية. في هذا النظام يتأمن للبروليتاريا الصناعية وضعٌ مسيطر، ويناط بها دور الطبقة القائدة، بسبب تنظيمها الجيد وتطورها السياسي الكبير. وهذا التفوق الآني للبروليتاريا الصناعية يجب أن يُستخدم من أجل انتزاع الجماهير غير المالكة، البرجوازية الصغيرة الفلاحية، من تحت تأثير الملاكين الريفيين الكبار والبرجوازية، ومن أجل تنظيمها ودعوتها إلى المشاركة في البناء الشيوعي.
نزع ملكية البرجوازية
وتشريك وسائل الإنتاج
إن تحليل النظام الرأسمالي والتنظيم الرأسمالي للعمل يجعلان من المستحيل إعادة تشكيل الإنتاج على الأسس القديمة، نظرا إلى العلاقات بين الطبقات. إن نضال العمال من أجل تحسين الأجور، حتى في حال نجاحه، لا يؤدي إلى التحسن المرتجى في ظروف المعيشة. فزيادة أسعار المنتجات تلغي لا محالة كل نجاح. إن النضال الحازم للعمال من أجل زيادة أجورهم في البلدان حيث الحالة ميؤوس منها بداهة، هذا النضال، بطابعه المندفع والحماسي، وبميله إلى التعميم، يجعل من المستحيل من الآن وصاعدا تطور الإنتاج الرأسمالي. إن تحسن ظروف العمال لا يمكن أن يتحقق إلاّ عندما تستولي البروليتاريا بنفسها على الإنتاج. فمن أجل رفع مستوى القوى الإنتاجية الاقتصادية، ومن أجل كسر المقاومة البرجوازية بأقصى سرعة ممكنة، هذه المقاومة التي تطيل احتضار المجتمع القديم، وتخلق بذلك خطر القضاء الكامل على الحياة الاقتصادية، على دكتاتورية البروليتاريا أن تحقق مصادرة ملكية البرجوازية الكبيرة وطبقة النبلاء، وأن تجعل من وسائل الإنتاج والنقل ملكية جماعية للدولة البروليتارية.
إن الشيوعية تولد حاليا على أنقاض المجتمع الرأسمالي، ولن يترك التاريخ مخرجا آخر أمام الإنسانية. إن الانتهازيين، عبر رغبتهم بتأخير التشريك، وعبر مطلبهم الطوباوي بتجديد الاقتصاد الرأسمالي، لا يقومون إلاّ بتأخير حل الأزمة، وخلق التهديد بالخراب الكامل. بينما تظهر الثورة الشيوعية، بالنسبة للقوة الإنتاجية الحقيقية في المجتمع، بالنسبة للبروليتاريا – ومعها بالنسبة لكل المجتمع – كأفضل وسيلة خلاص وأضمنها.
لا تقود ديكتاتورية البروليتاريا إلى أي توزيع لوسائل الإنتاج والنقل، وعلى العكس فإن مهمتها تقوم على تحقيق أكبر مركزة لوسائل الإنتاج، وعلى إدارة الإنتاج وفق خطة واحدة.
إن الخطوة الأولى نحو تشريك الاقتصاد بمجمله ستتضمن بالضرورة الإجراءات التالية: تشريك المصارف الكبرى التي تدير الإنتاج حاليا، واستيلاء السلطة البروليتارية على كل أجهزة الدولة الرأسمالية التي تدير الحياة الاقتصادية، والاستيلاء على كل المشاريع البلدية، وتشريك فروع الصناعة في التروستات أو النقابات، وكذلك تشريك فروع الصناعة التي تجعل درجة تمركزها من التشريك ممكنا من الناحية التقنية، وتشريك الملكيات الزراعية وتحويلها إلى مشاريع زراعية يديرها المجتمع.
أمّا في ما خصّ المشاريع الأقل أهمية، فعلى البروليتاريا أن تشرّكها تدريجيا، آخذة بعين الاعتبار مدى ضخامة هذه المشاريع.
من المهم أن نشير هنا، أنه لا ينبغي مصادرة الملكية الصغيرة، وينبغي ألاّ يتعرض الملاكون الصغار، الذين لا يستغلون عمل غيرهم، لأي عنف. فسوف تُجذب هذه الطبقة شيئا فشيئا إلى دائرة التنظيم الاجتماعي، عبر النموذج والممارسة اللذين يظهران تفوق البنية الاجتماعية الجديدة، التي تحرر طبقة الفلاحين الصغار والبرجوازية الصغيرة من نير الرأسماليين الكبار ومن مجمل طبقة النبلاء ومن الضرائب الفاحشة (أساسا بعد إلغاء ديون الدولة، الخ..).
إن مهمة ديكتاتورية البروليتاريا في المجال الإقتصادي لا يمكن أن تتحقق إلاّ بالقدر الذي تتمكن فيه البروليتاريا من خلق أجهزة إدارة الإنتاج الممركز، وتحقق التسيير من قبل العمال أنفسهم. وللوصول إلى هذه الغاية ستكون مجبرة على الإفادة من منظماتها الجماهيرية، تلك المرتبطة ارتباطا وثيقا بسيرورة الإنتاج.
أمّا في مجال التوزيع، فعلى ديكتاتورية البروليتاريا أن تحقق استبدال التجارة بتوزيع عادل للمنتجات. ومن بين الإجراءات الضرورية للوصول إلى هذه الغاية، تجدر الإشارة إلى تشريك المشاريع التجارية الكبرى، وتسليم البروليتاريا جميع أجهزة التوزيع في الدولة والبلديات البرجوازية، ومراقبة الاتحادات التعاونية الكبرى التي يحتفظ جهازها المنظم بأهمية اقتصادية كبرى، والمركزة التدريجية لكل هذه الأجهزة وتحويلها إلى كل موحد بهدف التوزيع العقلاني للمنتجات.
وكما في مجال الإنتاج، كذلك في مجال التوزيع، من المهم استخدام كل التقنيين والاختصاصيين المهرة – عندما يتم تحطيم مقاومتهم في الميدان السياسي ويصبحون مستعدين لخدمة نظام الإنتاج الجديد بدل خدمة رأس المال.
ليس لدى البروليتاريا نية اضطهادهم. على العكس فإنها أول من يعطيهم إمكانية تطوير نشاطهم الخلاق الأكثر حيوية. إن ديكتاتورية البروليتاريا تستبدل تقسيم العمل الجسدي والفكري الخاص بالرأسمالية، بالوحدة، جامعة بذلك ما بين العمل والعلم.
وفي الوقت نفسه الذي تصادر فيه البروليتاريا المشاغل، والمناجم والملكيات الخ، عليها أن تضع حدا لاستغلال الرأسمال ومالكي البنايات للسكان، وأن تنقل المساكن الكبرى إلى أيدي السوفيتات العمالية المحلية، وتؤمن سَكن الجمهور العامل في الشقق البرجوازية، الخ.
أثناء هذا التحول الضخم، على السلطة السوفياتية، من جهة، أن تبني جهازا حكوميا ضخما يزداد مركزة بشكل دائم من حيث الشكل، وأن تدعو من جهة أخرى الشرائح المتزايدة الاتساع في الشعب العامل إلى العمل الإداري المباشر.
طريق النصر
إن المرحلة الثورية تتطلب من البروليتاريا أن تستخدم طريقة نضالية تعبئ كل طاقتها، ونقصد بذلك العمل المباشر للجماهير وتتمته المنطقية المتمثلة بالصدام المباشر مع الآلة الحكومية البرجوازية والحرب المعلنة ضدها. ومن أجل هذا الهدف يجب أن تلجأ إلى كل الوسائل الأخرى، بما فيها الاستخدام الثوري للبرلمانية البرجوازية.
إن الشروط التمهيدية الضرورية لهذا النضال الظافر هي: القطيعة ليس فقط مع الخدام المباشرين للرأسمال وجلادي الثورة الشيوعية – ويقوم بهذا الدور اليوم الاشتراكيون – الديموقراطيون – ولكن أيضا القطيعة مع «الوسط» (مجموعة كاوتسكي) الذي تخلى، في اللحظة الحرجة، عن البروليتاريا وتحالف مع أعدائها المعلنين.
من جهة ثانية، هناك ضرورة لتحقيق تكتل مع هذه العناصر من الحركة العمالية الثورية التي، بالرغم من عدم انتسابها سابقا إلى الحزب الاشتراكي، تقف الآن كليا على أرضية ديكتاتورية البروليتاريا بشكلها السوفياتي، أي مع العناصر النقابية التي ينطبق عليها هذا الوصف.
إن نمو الحركة الثورية في كل البلدان، وخطر أن تُخنق هذه الثورة على يد عصبة الدول البرجوازية، ومحاولات الوحدة ما بين الأحزاب التي خانت الاشتراكية (تشكيل الأممية الصفراء في برن)، بهدف خدمة عصبة ويلسون بشكل وضيع، وأخيرا الضرورة المطلقة بالنسبة للبروليتاريا لتنسيق جهودها – كل ذلك يقودنا بشكل حتمي إلى تشكيل الأممية الشيوعية، الثورية حقا والبروليتارية حقا.
إن الأممية، التي ستظهر قدرتها على إخضاع المصالح المسماة قومية لمصالح الثورة العالمية، ستحقق بذلك تكاتف البروليتاريين في مختلف البلدان – حيث أنه دون هذه المساعدة المتبادلة، الاقتصادية وغيرها، لن تكون البروليتاريا قادرة على بناء مجتمع جديد. من جهة ثانية، وبعكس الأممية الاشتراكية الصفراء، فإن الأممية البروليتارية والشيوعية ستدعم الشعوب المستغَلة في المستعمرات في نضالها ضد الإمبريالية، ومن أجل الإسراع بالإنهيار النهائي للنظام الإمبريالي العالمي.
في بداية الحرب العالمية، كان أشرار الرأسمالية يؤكدون أنهم لا يقومون بكل ذلك إلاّ من أجل الدفاع عن وطنهم. غير أن الامبريالية الألمانية أ ظهرت طبيعتها الوحشية في سلسلة من الجرائم الدموية التي ارتكبتها في روسيا، وأوكرانيا، وفنلندا. وبدورها، تنكشف الآن، حتى أمام أعين الشرائح الأكثر تخلفا من السكان، القوات الحليفة التي تنهب العالم أجمع وترتكب المجازر بحق البروليتاريا. وهي تسعى، بالاتفاق مع البرجوازية الألمانية والاشتراكيين – الوطنيين، وكلمة السلام على شفتيها، لأن تسحق الثورة البروليتارية الأوروبية، بواسطة دبابات وقوات استعمارية هائلة وهمجية. إن الإرهاب الأبيض للبرجوازيين – آكلي لحوم البشر كان وحشيا بشكل لا يوصف. والضحايا في صفوف الطبقة العاملة لا تحصى. كما انها فقدت خيرة أبطالها: ليبكنخت وروزا لوكسمبرغ.
ينبغي على البروليتاريا أن تدافع عن نفسها بأي حال. إن الأممية الشيوعية تدعو البروليتاريا العالمية إلى هذا النضال الحاسم. السلاح ضد السلاح! القوة بوجه القوة! لتسقط المؤامرة الإمبريالية للرأسمال! عاشت الجمهورية الأممية للسوفيتات البروليتارية!
لمراجعة الفصل السابق يرجى الدخول من خلال الرابط أدناه:
المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة (6)