الجبهة المتحدة
انعقد المؤتمر الثالث في فترة كان يسودها هبوط كبير بالمعنويات في صفوف الطبقة العاملة. فقد ثبطت همة البروليتاريا بفعل الهزائم التي تلقتها، وتفاقم هذا الوضع أيضا بعد المؤتمر، وعانى العمال في إنجلترا وأمريكا وإيطاليا والبلدان المحايدة من البطالة الدائمة. وفقدت الطبقة العاملة المكتسبات التي حققتها في السنوات الأخيرة، وجرى تمديد يوم العمل وانخفض مستوى معيشة العمال إلى ما دون المستوى الذي كان عليه قبل الحرب. وإذا كانت البطالة أقل اتساعا في البلدان حيث سعر صرف العملة منخفض، مثل ألمانيا، النمسا وبولندا، فإن بؤس الطبقة العاملة كان أشد قساوة، نظرا إلى الهبوط الثابت في الأجور الفعلية العائد إلى الانخفاض الدائم في القيمة الشرائية للعملة، مما كان يضع العمال إزاء استحالة تلبية حاجاتهم، حتى أكثرها أوليّة.
لم يكن هذا الوضع يحتمل، فبدأت الجماهير، تحت ضغط البؤس المتزايد، بالبحث عن علاج لوضعها. لقد فهمت أن الأساليب القديمة كانت عاجزة عن الوصول إلى أي شيء. كانت الإضرابات تفشل، وعندما تنجح، كانت المكتسبات المحققة تلغى بعد فترة قصيرة عن طريق خفض قيمة العملة. ورأت الجماهير أن الطبقة العاملة الموزعة على أحزاب مختلفة كانت تقاتل بعضها البعض، فيما تخوض الطبقة الرأسمالية ضدها هجمة موحدة، وكان الحل الذي يفرض نفسه، في هذا الوضع، هو توحيد القوى المشتتة للبروليتاريا كي تقف بوجه الهجمة الرأسمالية.
بأية طريقة ينبغي أن يتحقق هذا التوحيد لقوى البروليتاريا؟ لم يكن لدى الجماهير العمالية أية فكرة واضحة تماما بهذا الصدد. في شتى الأحوال، كان واقع أن هناك حركة، تنشأ في كل مكان بهذا الاتجاه، دليل على عمقه وضرورته. كان هذا يثبت أن الجماهير قد تحولت لا شعوريا عن السياسة الإصلاحية للأممية الثانية والأممية النقابية لأمستردام؛ فبعد قدر كبير من الأخطاء والهزائم، قررت أخيرا السير في طريق توحيد قوى البروليتاريا.
في الوقت نفسه، كان هذا يعني تحولا في تقويم دور الأحزاب الشيوعية والأممية الشيوعية. لقد كانت البروليتاريا خلال عامي 1918 و1919 قد هُزمت، لأن طليعتها، الحزب الشيوعي، كان يمثل اتجاها أكثر منه تنظيما قادرا على الإمساك بقيادة الصراع الطبقي، وأجبرت تجربة الهزائم الشيوعيين على خلق المنظمات المقاتلة الضرورية وذلك عن طريق الانشقاقات وعبر إنشاء الأحزاب المستقلة. تزامنت هذه المرحلة من الانشقاقات مع مرحلة تراجع الموجة الثورية الكبرى، ومع بدء الهجمة المضادة الرأسمالية. وحتى لو لم يعرف الاشتراكيون – الديموقراطيون كيف يستغلون هذا الظرف بمهارة فإن استياء كان سيحصل في صفوف الجماهير من «الانشقاقيين» لأنها لم تستطع فهم ضرورة هذا التكتيك، كذلك لم تفهم الجماهير جيدا محاولات الاستنهاض التي قام بها الشيوعيون، عندما طالبوا، قبل الطبقة العاملة بمجملها – تحديدا لأنهم يشكلون القسم الأكثر وعيا داخلها – باستخدام أساليب نضال أكثر فعالية. لقد كان إضراب كانون الأول / ديسمبر في تشيكوسلوفاكيا، وحركة آذار / مارس في ألمانيا سيفشلان حتماً حتى لو جرت قيادتهما بشكل أفضل، لأن أوسع الجماهير لم تكن تدرك بعد ضرورة هكذا أسلوب في النضال. غير أن ضغط البؤس جعلها تفهم سريعا ضرورة ما كانت تعتبره في السابق عصيانا مسلحا. إن العمل الذي قام به الشيوعيون لوحدهم، في مرحلة الإحباط، وكلفهم تضحيات هائلة، أصبح ينتج ثماره.
لقد أضيف إلى ذلك واقع أن العمال، خلال النضال، لم يعودوا يبالون بالحدود بين الأحزاب التي حاول الاشتراكيون- الديمقراطيون أن يبعدوهم بواسطتها عن الشيوعيين.
سعى محازبو أمستردام، أعضاء الأممية الثانية والأممية 2,5، إلى استغلال التيار الجديد بإثارتهم حركة لصالح الوحدة، ضد الشيوعيين. غير أن المرحلة، التي كانت هكذا مناورات ممكنة خلالها لأن الاشتراكيين – الديموقراطيين كانوا يمسكون بأيديهم كل التنظيمات العمالية وكل الصحافة العمالية، كانت قد انقضت. وقد فضحت اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية هذا المُخطط، وقامت بحملة «من أجل وحدة البروليتاريا العالمية، ضد الاتحاد مع الاشتراكيين – الخونة». وتوجهت في البداية إلى أممية أمستردام بصدد قضية إغاثة الجياع وإغاثة عمال يوغسلافيا وإسبانيا، دون نتيجة. ولكن عندما أصبحت ملامح الموجة الجديدة أكثر وضوحا وأكثر ظهورا، اتخذت اللجنة التنفيذية، بعد نقاشات طويلة، موقفا بصدد المسألة.
وفي «قرارات حول الجبهة المتحدة للعمال وحول العلاقات مع العمال الذين ينتمون إلى الأممية الثانية، والأممية 2,5، وأممية أمستردام النقابية، والتنظيمات الفوضوية – النقابية»، جرى تحليل الوضع ووضع هدف واضح ومحدد للجهود الأولية في سبيل الجبهة المتحدة، «ليست الجبهة المتحدة سوى اتحاد لكل العمال الذين قرروا النضال ضد الرأسمالية». كان على الشيوعيين التمسك بهذا الشعار حول أكبر وحدة ممكنة لكل التنظيمات العمالية في كل عمل ضد الرأسمالية. لقد خان زعماء الأممية الثانية وكذلك زعماء الأممية 2,5 وزعماء أممية أمستردام النقابية الجماهيرية العمالية في شتى مسائل النضال العمالية ضد الرأسمالية، هذه المرة أيضا فضّلوا الوحدة مع البرجوازية على الوحدة مع البروليتاريا. كان دور الأممية الشيوعية ومختلف فروعها، إقناع الجماهير العمالية، هذه المرة، بنفاق الاشتراكيين – الخونة، الذين تكشفوا كهدّامي وحدة جبهة الطبقة العاملة. ضمن هذا الهدف أصبح الاستقلال المطلق وحرية النقد الكاملة الشرطين الأساسيين للأحزاب الشيوعية.
وشددت القرارات أيضا على المخاطر التي يمكن أن تنشأ، لدى وضع هذا التكتيك موضع التنفيذ، حيث الأحزاب الشيوعية لم تتملك بعد الوضوح الإيديولوجي الضروري والتجانس اللازم.
في منتصف شهر كانون الأول / ديسمبر جرى تبني هذه القرارات، ولاتخاذ القرار النهائي بصددها تمت الدعوة إلى عقد دورة موسعة للجنة التنفيذية في موسكو في أوائل شهر شباط / فبراير اللاحق. وفي نداء حول الجبهة المتحدة العمالية، بتاريخ أول كانون الثاني / يناير 1922، بيّنت اللجنة التنفيذية ضرورة النضال المشترك ردّا على كونفرانس واشنطن والهجمة الشاملة للرأسمالية ضد الطبقة العاملة. لقد انتشرت القرارات ونداء اللجنة التنفيذية بسرعة في كل البلدان، وأصبحت موضوع نقاشات طويلة من جانب الشيوعيين وأعدائهم، وأسهمت في توضيح مسألة الجبهة المتحدة. وأطلق الاشتراكيون – الخونة الصرخات العالية، إذ فهموا أنهم وُضِعوا هنا إزاء مسألة ستجبرهم على كشف أقنعتهم. غير أن سخطهم على هذه «المناورة الشيوعية الجديدة» لم يكن بمقدوره إزالة الانطباع لدى الجماهير بأن الشيوعيين، الذين كان يطلق عليهم حتى ذلك الوقت اسم «الانشقاقيين»، كانوا في الواقع الأنصار الحقيقيين لوحدة جبهة البروليتاريا. وبسبب إضراب عمال سكك الحديد الألمان لم تعقد جلسة اللجنة التنفيذية الموسعة إلاّ في نهاية شباط / فبراير. لقد كانت الجلسة بالواقع مؤتمرا صغيرا ضمّ أكثر من 100 مندوب يمثلون 36 بلدا. كان جدول الأعمال مثقلا بعض الشيء: يتضمن تقارير الأحزاب عن البلدان الأكثر أهمية، ومهام الشيوعيين في النقابات، ومسالة النضال ضد مخاطر الحرب، ومسألة السياسة الاقتصادية الجديدة في روسيا السوفياتية ومسألة النضال ضد بؤس الشبيبة العمالية، غير أن المسألة الأساسية كانت مسألة الجبهة المتحدة والمشاركة في الكونفرانس المشترك الذي اقترحته الأممية 2,5.
أعلن الرفاق الفرنسيون والإيطاليون معارضتهم للوحدة الجبهوية بالشكل الذي قُدِّمت فيه في قرارات اللجنة التنفيذية، فقد عبّر الرفاق الفرنسيين عن خشيتهم من ألاّ تفهم الجماهير العمالية الفرنسية عملاً مشتركا بين الشيوعيين والمنشقين، وأعلنوا عن أنفسهم كمناصرين للجبهة المتحدة للعمال الثوريين كما أعلنوا أن نشاط الشيوعيين، في فرنسا، يتجه إلى تشكيل تكتل العمال الثوريين حول مسألة يوم العمل من ثماني ساعات ومسألة الضريبة على الأجور. كان الحزب الفرنسي لا يزال فتيا جدا ولا يمتلك قدرة كبيرة على المناورة وغير قادر على القيام بعمل مشترك مع الاشتراكيين المنشقين والنقابات الإصلاحية، التي انفصل عنها منذ فترة وجيزة.
وأعلن المندوبون الإيطاليون مناصرتهم لوحدة الجبهة النقابية، لكنهم عارضوا وحدة الجبهة السياسية مع الاشتراكيين، وعبّروا عن رأيهم بأن الجماهير لن تفهم العمل المشترك بين مختلف الأحزاب العمالية، وبأن الأرضية الفعلية، حيث الجبهة المتحدة ممكنة، هي النقابة، حيث يوجد الشيوعيون والاشتراكيون معا.
لقد أبدى جميع المندوبين الآخرين الحاضرين في الكونفرنس رأيا مختلفا. فعلى الرغم من خيانات الزعماء الإصلاحيين التي لا تحصى، فقد نجحوا، حتى الآن، في الحفاظ على تأثيرهم على الجزء الأكبر من التنظيمات العمالية، ولن نستطيع أن نكسب العمال إلينا إذا ما رددنا، مرة أخرى، أن هؤلاء خونة. فالمقصود هنا، إذ تسود بين الجماهير إرادة القتال، أن نظهر لها ليس فقط أن الاشتراكيين – الديموقراطيين لا يريدون النضال من أجل الاشتراكية، بل أنهم لا يريدون كذلك النضال من أجل مطالب الطبقة العاملة الأكثر مباشرة. فحتى الآن لم نكن قد نجحنا بعد في فضحهم، أولا لأننا لم نكن نمتلك الوسائل الضرورية لذلك، ولأن الوضع النفسي، بالتالي، والجو الذي يستطيع فيه العمال أن يفهموا الخيانات التي تستهدفهم، كانا مفقودين. لقد توفرت لنا الفرصة أخيرا لفضحهم، لذلك فإن رفضنا النضال إلى جانب الإصلاحيين لأنهم لا يناضلون أبدا بجدية ضد البرجوازية وهم خدامها، فإننا سنحصل على رضى الرفاق الذين يعرفون ذلك من قبل، لكننا لن نقنع عاملا واحدا من الذين ما زالوا يتبعون الإصلاحيين. وعلى العكس من ذلك، فإن الشيوعيين برفضهم القيام بالنضال المشترك، في فترة تريد فيها الجماهير العمالية هذا النضال، فإنما يقدمون للاشتراكيين – الخونة إمكانية تصويرهم كمخربين لوحدة الجبهة البروليتارية، ولكن إذا اشتركنا في النضال، سترى الجماهير، بعد قليل، من يريد فعليا النضال ضد البرجوازية ومن لا يريده. إن رفاقنا الذين سينظرون إلينا باستياء في البداية ونحن جالسون مع الإصلاحيين على طاولة واحدة، سيفهمون، خلال المفاوضات، أننا نقوم، هنا أيضا، بعمل ثوري.
بعد أن أقرت اللجنة التنفيذية الموسعة التوجهات التي تتضمنها القرارات، بإجماع الأصوات، ما عدا الرفاق الفرنسيين والاسبانيين والإيطاليين، أدلت الوفود الثلاثة المعارضة للجبهة المتحدة بتصريح تؤكد فيه خضوعها لهذه التوجهات.
وقررت اللجنة التنفيذية الموّسعة قبول دعوة أممية فيينا للمشاركة في كونفرانس أممي، مقترحة أن تدعى إلى الكونفرانس ليس فقط الأممية الشيوعية، ولكن أيضا الأممية النقابية الحمراء، وأممية أمستردام النقابية، والتنظيمات الفوضوية – النقابية والتنظيمات النقابية المستقلة، وأن يوضع على جدول أعمال الكونفرانس، إلى جانب النضال ضد الهجمة الرأسمالية وضد الرجعية، مسألة النضال ضد حروب إمبريالية جديدة، وإعادة بناء روسيا السوفياتية، ومسألة التعويضات ومعاهدة فرساي.
اختتم الكونفرنس في 4 آذار / مارس بعد تسوية بعض المسائل الأخرى (تلك الخاصة بالصحافة الشيوعية والمعارضة العمالية في الحزب الشيوعي الروسي الخ…) وبعد انتخاب رئيس اللجنة التنفيذية.
الكونفرنس التمهيدي
للأمميات الثلاث
عقدت في 2 نيسان/ أبريل الجلسة الأولى لوفود الأمميات الثلاث، التي يتشكل كل منها من 10 أعضاء. لقد حاول ممثلو الأممية الثانية مباشرة تخريب الكونفرنس وخنق الجبهة المتحدة في المهد. وضعوا شروطا على الأممية الشيوعية، وطالبوا بـ «ضمانات» ضد تكتيك «الأنوية» وراحوا يناقشون مسالة جورجيا ومسألة الاشتراكيين – الثوريين. وانتهى ذلك إلى وضع يهدد بانفراط الكونفرنس. وبفضل الموقف الحازم لمندوبي الأممية الشيوعية الذين طالبوا بالجبهة المتحدة دون شروط، أيد مندوبو أممية فيينا وجهة نظرهم، مما أجبر مندوبي الأممية الثانية على التراجع. وبعد أربعة أيام من المفاوضات، تقررت الدعوة إلى كونفرنس عام، في أقرب مهلة. وشكلت لجنة مؤلفة من ثلاثة أعضاء من كل لجنة تنفيذية كلفت بالتحضير له. وبانتظار اجتماع الكونفرنس العام، تقرر تنظيم تظاهرة مشتركة لكل الأحزاب المنتسبة إلى الأمميات الثلاث في العشرين من نيسان / أبريل، وحيث يتعذر ذلك من الناحية العملية تجري في أول أيار / مايو تحت الشعارات التالية:
– من أجل يوم عمل من ثماني ساعات.
– من أجل النضال ضد البطالة، الناتجة عن سياسة التعويضات التي تنتهجها الدول الرأسمالية الكبرى.
– من أجل العمل الموحد للبروليتاريا ضد الهجمة الرأسمالية.
– من أجل الثورة الروسية، من أجل روسيا الجائعة، من أجل إعادة العلاقات السياسية والاقتصادية مع روسيا.
– من أجل إعادة بناء الجبهة المتحدة الوطنية والأممية.
لقد كُلفت لجنة التنظيم بالتوسط بين ممثلي أممية أمستردام النقابية وممثلي أممية النقابات الحمراء. وصرح مندوبو الأممية الشيوعية بأن محاكمة الاشتراكيين – الثوريين ستحصل بعلنية كاملة، وستنتهي دون أحكام إعدام. ولحظ القرار أيضا أن الكونفرنس العام لا يمكن أن يعقد في نيسان / أبريل، لأن الأممية الثانية كانت ترفضه تحت تبريرات مختلفة. كانت هذه الأخيرة ترفض كذلك وضع معاهدة فرساي وإعادة النظر فيها على جدول أعمال الكونفرنس.
بيّنت تظاهرات 30 نيسان / أبريل وأول أيار / مايو التالي، التي شاركت فيها جماهير عمالية ضخمة، أن البروليتاريا صممت أن تناضل بشكل مشترك من أجل الشعارات التي كانت قد أطلقت. حاولت الأممية الثانية والأحزاب التي تتشكل منها، اليوم كما بالأمس، أن تخرّب الجبهة المتحدة، فقد رفضت تنظيم تظاهرات مشتركة، وأخرت تنفيذ القرارات المتخذة فأسهمت بذلك في فضح نفسها أمام الجماهير.
إنها مهمة الأممية الشيوعية وفروعها القومية أن تُظهر بنشاطها أن النضال ضد الهجمة الرأسمالية وضد الرأسمالية بشكل عام، لا يمكن أن ينجح إلاّ بقيادة الأممية الشيوعية.
وكما كان منتظرا، أطاحت الأممية الثانية وأممية فيينا لجنة التسعة. فبعد أن توصلتا إلى الحيلولة دون اجتماع اللجنة خلال كونفرنس جنوا لكي لا تعكرا صفو البرجوازية في شيء خلال مشاوراتها المعادية لروسيا السوفياتية، عقدت الجلسة الأولى، والتي كانت الأخيرة أيضا، في 23 أيار / مايو في برلين. وفي 21 أيار / مايو كان قد عُقد اجتماع ضم حزب العمال (الإنجليزي) وحزب العمال البلجيكي والحزب الاشتراكي الفرنسي، تقرر خلاله عقد كونفرنس عام لكافة الأحزاب الاشتراكية، باستثناء الأحزاب الشيوعية. كان واضحا أن الأممية الثانية والأممية 2,5 قد عادتا إلى مشروعهما بإنشاء جبهة متحدة ضد الشيوعيين. على الرغم من ذلك، قامت الأممية الشيوعية بكل ما في وسعها لإتاحة انعقاد مؤتمر عالمي لكل الأحزاب الاشتراكية. ومن أجل الوصول إلى أهداف الجبهة المتحدة، أي النضال ضد هجمة الرأسمال، وضد انخفاض الأجور وضد البطالة، أعلنت استعدادها لحذف مسألة دعم روسيا السوفياتية من جدول أعمال المؤتمر وكانت قد أقرت في البرنامج المشترك، وطلبت بالمقابل جوابا محددا عما إذا كانت الأممية الثانية تقبل بالمؤتمر العمالي العالمي. وبمواجهة هذا السؤال برزت الأممية الثانية معادية للجبهة المتحدة، وكذلك أممية فيينا، نصيرتها المتطوعة. وهكذا انفرطت لجنة التسعة.
عند ذلك دعت الأممية الشيوعية لدورة جديدة للجنة التنفيذية الموسعة، فاجتمعت في 7 حزيران / يونيو، وحضرها 60 مندوبا يمثلون 27 بلدا. وقد ناقش الكونفرنس مسالة التكتيك الواجب اتباعه بعد توجهات المرحلة الأولى للنضال لصالح الجبهة المتحدة، وتكتيك الأحزاب التي لا تتفق سياستها مع السياسة العامة للأممية الشيوعية، وأخيرا موقف الأممية الشيوعية تجاه محاكمات الاشتراكيين – الثوريين، والدعوة لمؤتمر عالمي.
في ما يتعلق بتكتيك الجبهة المتحدة، سجّل الكونفرنس أنه بالرغم من فشل لجنة التسعة، فإن المسلمات السياسية والاقتصادية لتكتيك الجبهة المتحدة قائمة كما في السابق وتبعا لذلك يجب أن يقوم تكتيك مختلف فروع الأممية الشيوعية على تحقيق وحدة الجبهة ضد هجمة الرأسمال.
وبما أن الأحزاب الفرنسية والإيطالية والنروجية لم تنفّذ تكتيك الجبهة المتحدة، أو أنها لم تنفذه إلاّ بتردد أو جزئيا، اهتم الكونفرنس تفصيليا بوضع هذه الأحزاب، وعبّر عن أمله بأن يُطبّق هذا التكتيك أيضا في هذه البلدان. وفي ما يتعلق بالحزب الفرنسي، ونظرا لأن وجود يمين انتهازي هام داخله يشكل عائقا أمام نشاطه ونموه، أعلنت اللجنة التنفيذية أن أفضل طريقة لمعالجة الوضع هي وحدة الوسط واليسار ضد اليمين. وبحث الكونفرنس أيضا وضع الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي حيث ظهرت عوارض أزمة قادمة، ورأى سببها في بعض السلبية داخل قيادة الحزب وحدّد التوجيهات الملائمة من أجل إزالتها.
وفي صدد محاكمة الاشتراكيين – الثوريين، سجل أنه في الوقت الذي شرعت فيه الأممية الثانية وأممية فيينا بحملة ضد الأممية الشيوعية وروسيا السوفياتية، وبما أن الأمر، بالإضافة إلى ذلك، يتعلق بقضية هامة تعني في الوقت نفسه روسيا السوفياتية، حصن الثورة العالمية، والأممية الشيوعية، فعلى هذه الأخيرة أن تشارك بفعالية بالمحاكمة وترسل مدّعين، ومحامين، وشهوداً وخبراء.
المؤتمر الرابع – تشرين الثاني / نوفمبر 1922
عيّن المؤتمر العالمي الرابع في 7 تشرين الثاني / نوفمبر 1922، تاريخ الذكرى الخامسة للثورة البروليتارية، مع جدول الأعمال التالي:
1- تقرير اللجنة التنفيذية؛
2- تكتيك الأممية الشيوعية؛
3- برنامج الأممية الشيوعية وفروعها: الألماني، الفرنسي، الإيطالي، التشيكوسلوفاكي، البلغاري، النروجي، الأمريكي والياباني؛
4- المسألة الزراعية؛
5- المسألة النقابية؛
6- التربية؛
7- مسألة الشبيبة؛
8- مسألة الشرق.
تقرر أن ينصب العمل الأساسي للمؤتمر الرابع على النقطة الثالثة. وقد عُيّنت مباشرة لجنة للإعداد لبرنامج الأممية الشيوعية، وكُلفت أيضا بالمساعدة في صياغة برامج مختلف الفروع.
بيّن الكونفرنس نمو الحركة الشيوعية في مختلف البلدان وتعزيزها. وكان أحد أهم مظاهر ذلك العصبية المتزايدة لأنصار أممية أمستردام، الذين كانوا ينظرون بخوف إلى تطور تأثير الشيوعيين في النقابات. وقد أظهرت العديد من الأدلة أنهم في هذه اللحظة، قد صمموا على طرد الشيوعيين من النقابات في كل البلدان، وأنه ضمن هذا الهدف لن يتراجعوا إزاء انشقاق الحركة النقابية. ولذلك كانت المهمة الأساسية للأممية الشيوعية داخل النقابات، تقوم على فضح هذه المناورة والحيلولة دون أن يُضعف أنصار أمستردام البروليتاريا بتحطيمهم للنقابات.
______________
(1) وهو غير الحزب الشيوعي الألماني الموحد.
لمراجعة الفصل السابق يرجى الدخول من خلال الرابط أدناه:
المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة (2)