البــــــــــيانات
والموضوعات
والقراراتــــــــ
الصادرة عـــن
المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى
للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
1919-1923
نصوص كاملة
نقلته إلى العربية راجعه ودقٌقه
لينا عاصي كميل داغر
– الإشراف العام على التدقيق والمراجعة والتصحيح والتنضيد الإلكتروني منيف ملحم
– مراجعة فيكتوريوس بيان شمس بالتعاون مع صفحة التراث الأممي الثوري
تـنـبـيـه
يضم هذا الكتاب كل البيانات، والموضوعات، والقرارات التي تبنّتها المؤتمرات الأربع الأولى للأممية الشيوعية، بين عامي 1919-1923.
وإزاء ضخامة كمية الوقائع والأحداث التي ترجع إليها هذه النصوص، كان لابد من إرفاقها بوفرة من الهوامش. ذلك أنه بالنسبة للأجيال الشابّة، لا تزال المهمة التي اضطلعت بها الأممية الشيوعية أيام لينين وبالمشاركة النشيطة من جانب تروتسكي، مجهولة كليا حتى أيامنا هذه.
وإذا لم تكن للاشتراكية – الديموقراطية يوما أية مصلحة في إبراز هذه النصوص، فهذا أمر يسهل فهمه: ففيها نتعرف إلى طريقة إنزال الهزيمة بالإصلاحية، وتنظيم الانتفاضة البروليتارية مع الجماهير الكادحة الغفيرة.
أما الصمت المحتفظ به داخل صفوف الأممية الشيوعية، فله تفسير آخر: ذلك أن كل تجربة الأممية الشيوعية بين عامي 1919 و1923 تتناقض كليا مع المسار السياسي الذي اتبعته منذ عام 1924، والذي انطبع بالإخفاق في ألمانيا عام 1923، وفي بلغاريا واستونيا عام 1924، وبالدعم الممنوح للإصلاحية الإنكليزية عام 1926. وبسحق الثورة الصينية الكبرى عامي 1926-1927، وبالعجز في الثورة الإسبانية، وبالاستسلام أمام الفاشية الألمانية في عامي 1932-1933.
إلاّ أننا اضطررنا للاستغناء عن الهوامش، لأنه كان مستحيلا بالنسبة إلينا أن نضخم هكذا مصنفا كهذا يتصف هو ذاته بالضخامة، لا بل اضطررنا حتى للتخلي عن فكرة مقدمة عامة، وهو أمر كان مع ذلك ضروريا.
لكننا، نحن المنتمين إلى العصبة الشيوعية الأممية (المعارضة اليسارية القديمة)، نعتبر أن التجربة الهائلة للحركات الثورية أثناء الحرب وبعدها، كما لخصتها الأممية الشيوعية بين عامي 1919 و1923، وحللتها، وبلورتها، وجعلتها واعية، تشكل المكسب الأساسي للماركسية المعاصرة.
لهذا أعدنا اليوم نشر هذه الوثائق، كأساس للماركسية – اللينينية المعاصرة.
تقدم البيانات (وبخاصة بيان المؤتمر الثاني)، والقرارات العامة، لوحة دقيقة كفاية عن الوضع السياسي والاقتصادي.
إن عددا من الموضوعات (حول المسألة القومية والمسألة الزراعية، والديمقراطية البرجوازية الديموقراطية البروليتارية)، التي بلورها المؤتمران الأول والثاني، لا تزال القاعدة الأساسية للماركسية في الحقبة الراهنة. وتقدم موضوعات أخرى دروسا في الاستراتيجية والتكتيك لا تقدر بثمن.
جرى إيراد النصوص نقلا عن الترجمات التي تمت في فترة صدورها، وهي ترجمات سيئة أحيانا. ولم يكن في وسعنا القيام بمراجعة كاملة، الأمر الذي كان يتطلب جهدا طويلا. والحال أن هدفنا كان وضع الوثائق بين يدي المناضلين في أسرع وقت ممكن. وقد قمنا بترجمة بعض تلك الوثائق، التي لم يتم نشرها سابقا بالفرنسية.
فلنضف أخيرا أن وثائق المؤتمرين الخامس والسادس للأممية (1925 و1928) سهلة المنال. إن ما سيكون على القارئ أن يراجعه حول الفترة التي تلت وفاة لينين عام 1924، إنما هو قبل كل شيء نقد مشروع برنامج الأممية الشيوعية، لليون تروتسكي، حيث تم تفحص كل التجربة التاريخية والنشاط الثوري لسنوات 1923-1928 على ضوء مبادئ المؤتمرات الأربع الأولى.
إننا مقتنعون أن هذا المصنّف سوف يلقى استقبالا جيدا في صفوف الجيل الصاعد، الذي سيجد فيه التوجه الماركسي والدروس الثمينة التي هو بحاجة إليها.
الناشر الفرنسي
1934
ملخص تاريخي
هذه لمحة عامة عن التطورات الأولى للأممية الشيوعية كتبها ماتياس راكوزي عشية المؤتمر الرابع، لأجل الدليل السنوي للعمل، الذي وضعته الأممية عام 1923.
الأممية الثالثة الشيوعية
كان لا بد أن تبين الأممية الثانية حقيقتها وإمكاناتها خلال الحرب الإمبريالية. وقد كانت معدة لذلك فكريا. كان جرى سلفا وضع تحليل دقيق للغاية لطابع الحرب. ومرارا، كانت المؤتمرات الأممية قررت خوض أشد النضال قوة، وحتى استخدام الإضراب العام الأممي ضد الحرب.
إلاّ أنه حين انفجرت الحرب، حصل العكس تماما. لم تكن الأممية حتى قادرة على تقديم احتجاج. وبدل إعلان الإضراب العام أو النضال ضد الحرب الإمبريالية هرع القادة الاشتراكيون- الديمقراطيون لدعم برجوازيتهم الخاصة بهم، بحجة الدفاع الوطني. كانت تلتهمهم الانتهازية والشوفينية وتربطهم آلاف الروابط بالبورجوازية. ما كان بإمكان الأممية الثانية بطبيعة الحال، أن تكون مختلفة عن الأحزاب التي تتشكل منها. ولم تكن الجمل الثورية قادرة على طمس الواقع إلاّ طالما لم يحن الوقت الذي سيتم خلاله فرض التطابق بين الأفعال والأقوال. لذلك شكلت بداية الحرب العالمية إيذانا بانهيار الأممية الثانية.
لهذا حُرمت الحركة العمالية العالمية من قيادتها، وتحديدا، في لحظة البلبلة الفكرية والأخلاقية الأشد. إن قلة من الرجال، الذين لم يفقدوا صوابهم، حتى وسط موجة الانتهازية والشوفينية التي بدأ، في آب 1914، أنها استحوذت على كافة العقول، سعوا على الفور إلى إفهام هذا الواقع للعمال، وهم بشكل خاص، البلاشفة الروس الذين كانوا، إبّان نضالهم الشرس ضد القيصرية، خاصة خلال عامي 1905-1906، قد تعلموا أن يميزوا بين الأقوال والأفعال الثورية، والذين كانوا قد شكلوا جناحا يساريا داخل الأممية الثانية، التي ينتقدون عملها. كتب الرفيق لينين، في العدد الأول من جريدة البلاشفة المركزية التي صدرت في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 1914: «لقد ماتت الأممية الثانية، قضت عليها الانتهازية. فلتسقط الانتهازية ولتحيَ الأممية الثالثة، متخلصة من المرتدين ولكن أيضا من الإنتهازية!».
إن الأممية الثانية قد قامت بعمل مفيد في تنظيم الجماهير البروليتارية أثناء «مرحلة سلمية» طويلة من أسوأ عبودية رأسمالية خلال الثلث الأخير من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. إن مهمة الأممية الثالثة ستكون تحضير البروليتاريا للنضال الثوري ضد الحكومات الرأسمالية، وللحرب الأهلية ضد البرجوازية في البلدان كافة، بهدف الاستيلاء على السلطات العامة وانتصار الاشتراكية».
وبعد عدة أسابيع، كتب الرفيق زينوفييف حول «الاشتراكية – الديموقراطية الثورية»: «علينا أن نرفع راية الحرب الأهلية، ستتبنى الأممية هذا الشعار وستكون جديرة باسمها، وإلاّ سيكون نموّها بائساً. إن واجبنا هو التحضير للمعارك القادمة، وهو أن نعتاد نحن والحركة العمالية بمجملها على هذه الفكرة: إمّا أن نموت أو ننتصر تحت راية الحرب الأهلية».
إن نشر أفكار كهذه كان يصطدم بصعوبات هائلة. فقد استخدمت البرجوازية في البلدان كافة، وساندها الاشتراكيون – الوطنيون في مسعاها، شتى الوسائل لمنع هذه الأفكار من التغلغل بين الجماهير.
جرت أول محاولة لإعادة تشكيل الأممية الثورية في بداية أيلول/ سبتمبر 1915 في زيمرفالد بسويسرا، وقد دُعيت إليها «كل التنظيمات العمالية التي بقيت أمينة لمبدأ الصراع الطبقي والتضامن الأممي» بمبادرة من الاشتراكيين الإيطاليين، وحضرها مندوبون من ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، دول البلقان، السويد، النروج، بولندا، روسيا، هولندا وسويسرا، وتمثلت فيها الاتجاهات كافة، بدءا بالإصلاحيين السلميين وانتهاء بالماركسيين الثوريين. وقد تبنى الكونغرس بيانا يفضح الحرب الإمبريالية، ويطالب بالاقتداء بمثال كل أولئك الذين اضطُهدوا لأنهم حاولوا إيقاظ الروح الثورية في صفوف الطبقة العاملة. لقد شكل هذا البيان، على الرغم من غموضه، خطوة كبيرة إلى الأمام. هذا، ونشرت المجموعة المدعوة بـ يسار زيمرفالد قرارا أكثر وضوحا ونقاء بكثير، وتضمن هذا القرار المقطع التالي: «رفض كل القروض من أجل الحرب، خروج الوزراء الاشتراكيين من الحكومات البرجوازية، ضرورة فضح الطابع الإمبريالي للحرب من على منصة البرلمان وفي أعمدة الصحف الشرعية وغير الشرعية عند الحاجة، تنظيم التظاهرات ضد الحكومات، الدعاوة داخل الخنادق لصالح التضامن الأممي، حماية الإضرابات الاقتصادية والعمل في الوقت نفسه على تحويلها إلى إضرابات سياسية، حرب أهلية لا سلم اجتماعي».
إن رفض هذا القرار من قبل الكونفرنس يدل بشكل كاف على عقلية الذين شاركوا فيه. هذا وشكل الكونفرنس «لجنة اشتراكية عالمية»، وعلى الرغم من الإعلان الشكلي من قبل أكثرية الكونفرنس عن عدم نيتهم خلق أممية ثالثة، فإن اللجنة أصبحت، انطلاقا من معارضتها للـ «مكتب الاشتراكي العالمي» (الهيئة التنفيذية للأممية الثانية)، نقطة التقاء المعارضة ومنظِّمة الأممية الجديدة. إن ما ميّز الكونفرنس الثاني، كونفرنس كينتال، في نيسان / أبريل 1916 الذي تبع كونفرنس زيمرفالد، كان واقع أن فكرة النضال الثوري الأممي ضد الحرب، وكنتيجة لذلك، ضرورة أممية جديدة، برز في الصدارة أكثر وأكثر، فيما تزايد تأثير «اليسار الزيمرفالدي»، وجرى العمل باندفاع، فطبعت الكراريس والبيانات التي أرسلت إلى مختلف البلدان في أصعب الشروط، وتمت لقاءات صغيرة واجتماعات موسعة، استمرت في نشر فكرة الصراع الطبقي الثوري.
عندما انفجرت الثورة في روسيا، رجعت إليها العناصر الأكثر نشاطا في «اليسار الزيمرفالدي»، وهكذا تم انتقال مركز النضال من أجل الأممية الثالثة إلى روسيا، ولهذا كان زينوفييف على حق عندما كتب: «لقد ربطت الأممية الثالثة مصيرها، منذ نشأتها، بمصير الثورة الروسية، فبانتصار الثورة في روسيا، يفرض شعار «من أجل الأممية الثالثة» نفسه. وبقدر ما تتعزز الثورة الروسية، يتعزز أيضا «وضع الأممية الشيوعية في العالم أجمع».
خلال تظاهرات أول أيار / مايو 1917، كان شعار بناء الأممية الشيوعية أحد الشعارات الأساسية التي رفعتها الجماهير البروليتارية. وقد غدت هذه الأممية أكثر حرارة عندما استلمت البروليتاريا الروسية السلطة، وعندما وقفت الأممية الثانية – كما في الحرب العالمية – إلى جانب البرجوازية أثناء النضال ضد الإمبريالية العالمية.
بعد مضي عدة شهور على هزيمة دول المحور، بادر الحزب الشيوعي الروسي إلى تأسيس الأممية الثالثة، وأظهرت الثورات التي تلت الحرب إفلاس «الدفاع الوطني» وأنصاره الاشتراكيين – الديموقراطيين، ومرت موجة ثورية عارمة للطبقة العاملة في البلدان كافة، فظهرت في أوروبا الوسطى انتفاضات عمالية في كل حدب وصوب. ولم تكن الأرضية خصبة كفاية من أجل تشكيل الأممية الشيوعية فحسب، بل إن هذه الأخيرة أصبحت ضرورة من أجل تحضير النضالات الثورية وتنظيمها.
المؤتمر الأول – أذار/ مارس 1919
في 24 كانون الثاني / يناير 1919 قامت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الروسي والمكاتب الخارجية للأحزاب الشيوعية في بولندا وهنغاريا وألمانيا والنمسا وليتوانيا واللجان المركزية للحزب الشيوعي الفنلندي والاتحاد الاشتراكي البلقاني والحزب الاشتراكي العمالي الأمريكي بتوجيه النداء التالي: «إن الأحزاب والتنظيمات الموقعة أدناه تعتبر اجتماع المؤتمر الأول للأممية الثورية الجديدة ضرورة ملحة. خلال الحرب والثورة، لم يظهر فقط الإفلاس الكامل للأحزاب الاشتراكية والاشتراكية – الديموقراطية الهرمة ومعها الأممية الثانية، ولكن أيضا عجز العناصر الوسطية في الاشتراكية – الديموقراطية الهرمة عن العمل الثوري، فيما بدأت ترتسم بوضوح معالم أممية ثورية حقيقية».
يصف النداء، في اثنتي عشرة نقطة، هدف الأحزاب «الاشتراكية» وتكتيكها ومسلكها، معتبرا أن العصر الحالي يتميز بتحلل النظام الرأسمالي وانهياره، الذي هو، في الوقت نفسه، انهيار للحضارة الأوروبية إذا لم يتم القضاء على الرأسمالية. إن مهمة البروليتاريا هي الاستيلاء المباشر على السلطات العامة، وهذا يقوم على تدمير جهاز الدولة البرجوازية وتنظيم جهاز الدولة البروليتارية. وعلى الجهاز الجديد أن يجسّد ديكتاتورية الطبقة العاملة وأن يُستخدم كأداة قمع منهجي للطبقة المستغلة ومصادرة ملكيتها. إن النموذج الذي تقدمه الدولة البروليتارية ليس الديموقراطية البرجوازية، هذا القناع الذي تختبئ وراءه سيطرة الطغمة المالية، بل الديموقراطية البروليتارية على صورة مجالس. ومن أجل تحقيق مصادرة الأرض ووسائل الإنتاج، التي يجب أن تنتقل إلى أيدي الشعب بأكمله، ينبغي نزع سلاح البرجوازية وتسليح الطبقة العاملة. إن الأسلوب الرئيسي للنضال هو نشاط الجماهير الثورية وصولا إلى الانتفاضة المسلحة ضد الدولة البرجوازية.
في ما يتعلق بموقف الاشتراكيين، جرى التمييز بين ثلاث مجموعات. فبمواجهة الاشتراكيين – الوطنيين الذين يقاتلون إلى جانب البرجوازية، ينبغي النضال دون هوادة، بينما يجب العمل على شق العناصر الثورية الوسطية ونقد قادتها باستمرار وفضحهم. وفي مرحلة معينة من التطور يفرض الانفصال العضوي عن الوسطيين نفسه، وينبغي تشكيل المجموعة الثالثة المكونة من العناصر الثورية في الحركة العمالية. يتبع ذلك تعداد لتسعة وثلاثين حزبا وتنظيما مدعوا للمؤتمر الأول. وترتكز مهمة المؤتمر على «خلق منظمة مقاتلة مكلفة بتنسيق الحركة الأممية الشيوعية وقيادتها، وتحقيق إخضاع مصالح الحركة في بلدان عديدة للمصالح العامة للثورة العالمية».
انعقد المؤتمر الأول في آذار / مارس 1919. في هذه المرحلة كانت روسيا السوفياتية محاصرة تماما، ومحاطة بالجبهات العسكرية من كل الجوانب بحيث أن عددا قليلا فقط من المندوبين تمكن، وفي أصعب الظروف، من الحضور إلى المؤتمر. وقد كتب الرفيق زينوفييف (في تقريره إلى المؤتمر الثاني)، حول موضوع تشكيل هذا المؤتمر، ما يلي: «لم تكن الحركة الشيوعية، في مختلف بلدان أوروبا وأمريكا، في تلك الفترة، إلاّ في بداياتها. وكانت مهمة المؤتمر الأول نشر راية الشيوعية وإعلان فكرة الأممية الشيوعية، غير أن الوضع العام للأحزاب الشيوعية في مختلف البلدان، وعدد المندوبين للمؤتمر الأول لم يسمحا بنقاش معمق للمسائل العملية الخاصة بتنظيم الأممية الشيوعية».
استمع المؤتمر إلى تقارير المندوبين حول وضع الحركة في بلدانهم، وتبنّى قرارات حول توجهات الأممية الشيوعية وحول الديموقراطية البرجوازية وديكتاتورية البروليتاريا، والموقف إزاء التيارات الاشتراكية والوضع العالمي، وقد صيغت هذه القرارات كافة بروحية نداء التأسيس. وتقرر تأسيس الأممية الشيوعية بالإجماع، عدا امتناع خمسة أصوات. وتركت للمؤتمر الثاني مهمة التشكيل النهائي للأممية الشيوعية، التي أسندت قيادتها إلى لجنة تنفيذية تتمثل فيها أحزاب روسيا وألمانيا وهنغاريا، والاتحاد البلقاني والحزبان السويسري والإسكندنافي، وأنهى المؤتمر أعماله بتوجيه بيان إلى بروليتاريا العالم أجمع.
خلال السنة الأولى، كان على اللجنة التنفيذية أن تقوم بعمل صعب التحقيق، وكونها شبه معزولة عن أوروبا الغربية، بقيت أشهراً كاملة دون صحف، محرومة من غالبية أعضائها الذين لم يستطيعوا المجيء، بسبب الحصار. ولكنها، رغم ذلك اتخذت موقفا من المسائل الهامة كافة. وتحديدا في السنة الأولى التي تبعت الحرب، حيث كان يُفتقد الوضوح إلى حد بعيد، كان لنداءات وكتابات اللجنة التنفيذية قيمة ثمينة جدا.
قدم إنشاء الأممية الشيوعية هدفا وقيادة للجماهير المعارضة لسياسة الأممية الثانية. فقد حدث تدفق حقيقي للعمال الثوريين إلى الأممية الشيوعية. ففي آذار / مارس 1919، أعلن الحزب الاشتراكي الإيطالي انتسابه، وفي أيار / مايو جاء دور حزب العمال النرويجي والحزب الاشتراكي «الضيّق» البلغاري، وفي حزيران / يونيو انتسب الحزب الاشتراكي اليساري السويدي والحزب الاشتراكي الشيوعي الهنغاري، الخ… في الوقت نفسه، كانت الأممية الثانية تفرغ بسرعة من عناصرها، فقد تركتها أحزابها الأكثر أهمية الواحد تلو الآخر. وإذا كانت الأممية الشيوعية، إبان تأسيسها، راية أكثر منها جيشا، فإنها لم تجمع خلال العام الأول لوجودها جيشا حول رايتها فحسب، بل أنزلت هزائم بأعدائها.
المؤتمر الثاني – تموز / يوليو 1920
لقد برزت مشاكل جديدة بالترافق مع تطور الأممية الشيوعية، فلم تكن الأحزاب التي انضمت إليها مكوّنة بشكل كاف، ولم يكن هناك وضوح كاف بعد حول موضوع الحزب ودور الشيوعيين في النقابات وموقفهم إزاء المسألة البرلمانية والمسائل الأخرى، فكانت مهمة المؤتمر الثاني تحديد التوجيهات.
أتى المندوبون من البلدان كافة، وافتتح المؤتمر في بتروغراد في 17 تموز / يوليو 1920، وسط تهليل العمال الروس واهتمام العالم البروليتاري بأكمله. لقد جرى تبني قرارات الأممية الشيوعية، التي برز فيها مفهوم الديكتاتورية البروليتارية وسلطة السوفيتات واضحا على قاعدة التجربة العملية، وكذلك شروط تنفيذ هذا الشعار في مختلف البلدان. وتم استعراض سبل تعزيز الحركة الشيوعية، كما جرى أيضا تبني قرارات حول دور الحزب في الثورة البروليتارية، فعلى الحزب الشيوعي أن يشكّل الطليعة، الجزء الأوعى والأكثر ثورية داخل الطليعة العمالية، وعليه أن يتشكّل على قاعدة مبدأ المركزية، ويشكّل، في كافة التنظيمات، أنوية خاضعة لانضباط الحزب.
أما في ما يتعلق بالنقابات، فـ «على الشيوعيين أن يدخلوا إليها لجعلها تشكيلات قتالية ضد الرأسمالية، ومدارس للشيوعيين»، فخروج الشيوعيين من النقابات ستكون نتيجته تسليم الجماهير للقادة الانتهازيين الذين يعملون مع البرجوازية. وجرى تبنّي قرارات أخرى حول موضوع المجالس العمالية ومجالس المصانع، حول البرلمانية وحول المسألة الزراعية والكولونيالية. وجرى أخيرا إقرار النظام الداخلي للأممية الشيوعية.
جرت نقاشات واسعة حول مسألة دور الحزب وحول نشاط الشيوعيين في النقابات والمشاركة في الانتخابات. وهاجم الانتهازيون بعنف الشروط الأحد والعشرين للانضمام إلى الأممية الشيوعية، فالنضال البطولي للبروليتاريا الروسية وإفلاس البرجوازية وحليفتها الأممية الثانية والشعارات والدعوات الثورية للأممية الشيوعية قادت إليها جمهورا من القادة الذين أجبروا على التنازل أمام ضغط الجماهير العمالية. لقد نذروا أنفسهم جسدا وروحا للأممية الثانية ولم يدخلوا الأممية الشيوعية إلاّ كي لا يفقدوا تأثيرهم على الجماهير. وحتى لو كانت الأممية الشيوعية قد أصبحت منظمة قوية ومجرّبة، فإن دخول هذه العناصر الانتهازية كان يحمل خطر إدخال روح الأممية الثانية إلى الأممية الشيوعية.
كانت هذه الشروط تفترض أن تتخذ كل دعاوة وكل تحريض يقوم بهما أي حزب يريد الانتساب إلى الأممية الشيوعية طابعا شيوعيا، وأن تكون الصحافة خاضعة كليا للجنة المركزية للحزب، وأن يبعد الإصلاحيون عن جميع مراكز المسؤولية، وأن يمتلك الحزب جهازا غير شرعي ويقوم بدعاية منظمة في الجيش وفي الأرياف ويقوم بنضال فعال ضد الإصلاحيين والوسطيين. وفي النقابات عليه أن يناضل ضد أممية أمستردام النقابية، وأن يكون شديد المركزية ويتخذ اسم الحزب الشيوعي (فرع الأممية الشيوعية)، كما على كل الأحزاب التي تنتمي إلى الأممية الشيوعية أو تلك التي تريد الدخول إليها، أن تبحث هذه الشروط في مؤتمر استثنائي يعقد في مدة أقصاها أربعة أشهر بعد المؤتمر الثاني، ويطرد من الحزب جميع الأعضاء الذين يرفضون هذه الشروط.
اختتم المؤتمر في 7 آب / أغسطس. وفي شهر أيلول / سبتمبر انشق الحزب الاشتراكي – الديموقراطي التشيكوسلوفاكي، فتبنت أغلبية ساحقة منه الشروط الواحدة والعشرين وشكلت، فيما بعد، حزبا شيوعيا. وفي شهر تشرين الأول / أكتوبر، وخلال مؤتمر هال، أعلنت أكثرية الحزب الاشتراكي – الديموقراطي المستقل انتسابها للأممية الشيوعية. وفي كانون الأول / ديسمبر حصل اندماج بين يسار الحزب المستقل والحزب الشيوعي الألماني (عصبة سبارتكوس) وخرج من ذلك الاندماج الحزب الشيوعي الألماني الموحد. وفي نهاية كانون الأول / ديسمبر انضمت الغالبية العظمى من الحزب الاشتراكي الفرنسي إلى الأممية الشيوعية. وفي شهر كانون الثاني / يناير 1921، حصل انشقاق داخل الحزب الاشتراكي الإيطالي، الذي كان ينتمي آنذاك إلى الأممية الشيوعية غير أن أكثريته الإصلاحية رفضت الشروط الأحد والعشرين. في شتى البلدان التي توجد فيها تنظيمات عمالية حدثت السيرورة نفسها: انفصل الشيوعيون عن الإصلاحيين وشكّلوا فروعا للأممية الشيوعية.
بموازاة تطور وتعزّز الأممية الشيوعية، حصل تفسخ الأممية الثانية، فقد شكلت سلسلة كاملة من الأحزاب التي خرجت من الأممية الثانية ولكنها رفضت الدخول إلى الأممية الشيوعية، «الاتحاد العالمي للأحزاب الاشتراكية»، الذي اصطلح على تسميته بالأممية 2,5، لأنه كان يتذبذب، حول المسائل كافة، بين الأمميتين الثانية والثالثة.
المؤتمر الثالث – حزيران / يوليو 1921
كان على المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية، الذي عقد في حزيران / يونيو1921، أن يعالج مهام جديدة، محددة في جزء منها بواقع أن الأممية الشيوعية كانت قد أصبحت تضم أكثر من خمسين فرعا، بينها أحزاب جماهيرية كبيرة في البلدان الأوروبية الأكثر أهمية، الأمر الذي كان يطرح مسائل تكتيكية وتنظيمية، ولكن، خاصة، بواقع أن تطور الثورة وانهيار البرجوازية شهدا نوعا من التباطؤ الذي ما كان بالإمكان توقعه في فترة انعقاد المؤتمرين الأول والثاني.
بعد انهيار قوات المحور، كانت الموجة الثورية هائلة القوة، وكان هناك انطباع بأن الثورات البروليتارية سوف تعقب مباشرة الثورات البرجوازية. وقد نجحت البروليتاريا في هنغاريا وبافيير في الاستيلاء على السلطة لبعض الوقت؛ حتى بعد هزيمة الجمهوريات السوفياتية في هنغاريا وبافيير لم يختف الأمل بانتصار سريع للطبقة العاملة. لنتذكر الفترة التي كان فيها الجيش الأحمر أمام فرصوفيا وكانت البروليتاريا بأكملها تستعد بشكل محموم لنضالات جديدة.
غير أن البرجوازية بدت أكثر قدرة على المقاومة مما كان يعتقد. كانت قوتها ترتكز، بادئ ذي بدء، على واقع أن الاشتراكيين – الخونة الذين قاتلوا البروليتاريا أثناء الحرب، بكل استبسال، قد ظهروا، حتى بعد الحرب، كأفضل حماة للرأسمالية المزعزعة. وفي شتى البلدان التي لم تستطع فيها البرجوازية أن تبقى سيدة الموقف، سلمت السلطة للاشتراكيين – الديموقراطيين. لقد كانت «الحكومات الاشتراكية – الديموقراطية»، مع نوسكه وإيبرت في ألمانيا، رينير وأوتو باور في النمسا، توسار في تشيكوسلوفاكيا، بوهم وغارامي في هنغاريا، هي التي تولت أعمال البرجوازية خلال المرحلة الثورية، وخنقت بشكل دموي محاولات التحرر التي قامت بها البروليتاريا.
إن الازدهار الظاهري الذي تبع الحرب مباشرة، بإتاحته للرأسماليين تشغيل العمال المسرّحين، شكّل هو أيضا عائقا أمام الثورة. ونجحت البرجوازية في تهدئة العمال العاطلين عن العمل، بإعطائهم إعانات مالية، تضاف إلى ذلك أيضا ظاهرة سيكولوجية، وهي تعب جماهير واسعة من الطبقة العاملة التي خرجت لتوها من المعاناة والحرمان اللذين عانت منهما خلال السنوات الأربع من الحرب الإمبريالية. وأخيرا كانت الأحزاب الشيوعية التي تقع عليها مهمة قيادة نضال البروليتاريا وتنسيقه، لا تزال في طريق تكوينها وغالبا ما تبنّت أساليب نضالية خاطئة.
سمحت كل هذه الظروف للبرجوازية بأن تستجمع قواها ببطء وأن تحوز على ثقتها بنفسها وتستعيد جزءا من مواقعها المفقودة، وفي البلدان كافة، حيث شارك الاشتراكيون في الحكومة، طردتهم البرجوازية عندما لم تعد بحاجة لهم. وتولى الرأسماليون بأنفسهم إدارة أعمالهم، وأنشأوا منظمات عسكرية غير شرعية وسلّحوا القسم الواعي من البرجوازية وانتقلوا إلى الهجوم على الطبقة العاملة.
في هذه الأثناء، طرأت تحولات عميقة على الوضع الاقتصادي. وفي ربيع 1920، ظهرت أزمة في اليابان وأمريكا وامتدت شيئا فشيئا إلى جميع الأمم الصناعية، فتضاءل الاستهلاك بسرعة، وانخفض الإنتاج، وتم الإلقاء بمئات الآلاف، وملايين العمال دون مأوى ولا عمل، وانخفضت مجالات العمل بسرعة، وتقلّص الإنتاج. لقد اتخذت النضالات العمالية أبعادا كبيرة ولكنها انتهت بهزائم، مما عزّز وضع البرجوازية.
هكذا كان الوضع، عندما أفتُتح المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية. لقد بحث المؤتمر بادئ ذي بدء، الوضع الاقتصادي العالمي، وتناول، بعد ذلك، مسألة التكتيك الذي يقتضيه الوضع الجديد. كانت البرجوازية تَقْوى، وكذلك خدامها الاشتراكيون – الديموقراطيون. لقد انقضت مرحلة الانتصارات السهلة التي حققتها الأممية الشيوعية خلال السنوات التي تلت الحرب مباشرة. وبانتظار نضالات ثورية جديدة، كان علينا إعادة بناء تنظيماتنا وتعزيزها والاستيلاء على مواقع الإصلاحيين عن طريق العمل المتواصل داخل المنظمات العمالية. إن احتلال المصانع في إيطاليا وإضراب كانون الأول / ديسمبر في تشيكوسلوفاكيا، وانتفاضة آذار / مارس في ألمانيا، كانت تُظهر أن الأحزاب الشيوعية حتى عندما تقاتل بشكل واضح من أجل مصالح البروليتاريا بمجملها لا تستطيع أن تنتصر على القوى الموحدة للبرجوازية والاشتراكية – الديمقراطية، ليس فقط عندما لم تكن تحوز على تعاطف أوسع الجماهير، بل أيضا عندما لم تكن تضم جماهير داخل منظماتها عبر انتزاعها من المنظمات المختلفة. لهذا أطلق المؤتمر شعار «توجهوا إلى الجماهير !».
كان على الأحزاب الشيوعية، في أوروبا الغربية، أن تفعل ما بوسعها لإجبار النقابات والأحزاب المستندة إلى الطبقة العاملة، على القيام بعمل مشترك لأجل المصالح المباشرة للطبقة العاملة في الوقت الذي تتحضر فيه هذه الأخيرة لاحتمال خيانة الأحزاب غير الشيوعية.
ظهر نوع من المعارضة «اليسارية» ضد هذا التكتيك، فقد رأى فيه حزب العمال الشيوعي الألماني(1) تخليا عن النضال الثوري، واتهم الأممية الشيوعية بأنها قامت، على الصعيد السياسي، بالتراجع نفسه الذي وجدت سلطة السوفييتات نفسها مجبرة على القيام به على الصعيد الاقتصادي. كما أن بعض الرفاق الجيدين لم يفهموا، في البداية، ضرورة هذا التكتيك.
وإلى جانب مسائل التكتيك، اتخذت مسألة التنظيم الاهتمام الأكبر. وقد شكّل المكتب النقابي، الذي أنشأه المؤتمر الثاني بالتعاون مع النقابات التي انتسبت في الفترة الفاصلة بين المؤتمرين، الأممية النقابية الحمراء بهدف السيطرة على النقابات. وجرى نقاش مسألة أممية الشباب أيضا والحركة النسائية، والمسألة المرتبطة بالعمل في التعاونيات والاتحادات الرياضية العمالية.
استمع المؤتمر، فيما بعد، إلى تقرير حول روسيا السوفياتية وأقّر بالإجماع التكتيك المُتّبع.
وحصلت نقاشات واسعة حول التقرير المتعلق بنشاط اللجنة التنفيذية، وقد عارض بعض الرفاق سياسة اللجنة التنفيذية بصدد المسألة الإيطالية، وقضية ليفي وقضية حزب العمال الشيوعي الألماني. لكن المؤتمر أيّد في هذه المسائل كافة نشاط اللجنة التنفيذية. وقد أتت الأحداث لتثبت صحة هذه القرارات.
اختتم المؤتمر أعماله في 12 آب / أغسطس بنقاش المسألة الشرقية.
كانت الأشهر التالية هادئة نسبيا، وفسحت المجال أمام مختلف الأحزاب الشيوعية لتنفيذ قرارات المؤتمر الثالث. وقد خضعت المنظمات لامتحان قاس وتوطد الارتباط بين مختلف الفروع واللجنة التنفيذية. لقد أصبحت الأممية الثالثة خلال ثلاث سنوات من وجودها، منظمة عالمية حقا، فلم يكن للأممية الثانية، مثلا، أي حزب في بلدان كفرنسا وإيطاليا، وعلى العكس، لم يكن هناك أي بلد لم يشكل فيه القسم الأكثر وعيا من البروليتاريا، دون تمييز بين العرق أو اللون، فرعا للأممية الشيوعية. كانت هذه الأخيرة تضم 60 فرعا، ويبلغ عدد أعضائها الإجمالي ثلاثة ملايين وتملك 60 صحيفة يومية. وكان يتم كسب جماهير جديدة ومواقع جديدة بنجاح، فمؤتمر عمال الشرق الأقصى، الذي عقد في موسكو في شهر كانون الثاني / يناير 1922، أقام الصلة بين الطبقتين العاملتين الصينية واليابانية والأممية الشيوعية.
الجبهة المتحدة
انعقد المؤتمر الثالث في فترة كان يسودها هبوط كبير بالمعنويات في صفوف الطبقة العاملة. فقد ثبطت همة البروليتاريا بفعل الهزائم التي تلقتها، وتفاقم هذا الوضع أيضا بعد المؤتمر، وعانى العمال في إنجلترا وأمريكا وإيطاليا والبلدان المحايدة من البطالة الدائمة. وفقدت الطبقة العاملة المكتسبات التي حققتها في السنوات الأخيرة، وجرى تمديد يوم العمل وانخفض مستوى معيشة العمال إلى ما دون المستوى الذي كان عليه قبل الحرب. وإذا كانت البطالة أقل اتساعا في البلدان حيث سعر صرف العملة منخفض، مثل ألمانيا، النمسا وبولندا، فإن بؤس الطبقة العاملة كان أشد قساوة، نظرا إلى الهبوط الثابت في الأجور الفعلية العائد إلى الانخفاض الدائم في القيمة الشرائية للعملة، مما كان يضع العمال إزاء استحالة تلبية حاجاتهم، حتى أكثرها أوليّة.
لم يكن هذا الوضع يحتمل، فبدأت الجماهير، تحت ضغط البؤس المتزايد، بالبحث عن علاج لوضعها. لقد فهمت أن الأساليب القديمة كانت عاجزة عن الوصول إلى أي شيء. كانت الإضرابات تفشل، وعندما تنجح، كانت المكتسبات المحققة تلغى بعد فترة قصيرة عن طريق خفض قيمة العملة. ورأت الجماهير أن الطبقة العاملة الموزعة على أحزاب مختلفة كانت تقاتل بعضها البعض، فيما تخوض الطبقة الرأسمالية ضدها هجمة موحدة، وكان الحل الذي يفرض نفسه، في هذا الوضع، هو توحيد القوى المشتتة للبروليتاريا كي تقف بوجه الهجمة الرأسمالية.
بأية طريقة ينبغي أن يتحقق هذا التوحيد لقوى البروليتاريا؟ لم يكن لدى الجماهير العمالية أية فكرة واضحة تماما بهذا الصدد. في شتى الأحوال، كان واقع أن هناك حركة، تنشأ في كل مكان بهذا الاتجاه، دليل على عمقه وضرورته. كان هذا يثبت أن الجماهير قد تحولت لا شعوريا عن السياسة الإصلاحية للأممية الثانية والأممية النقابية لأمستردام؛ فبعد قدر كبير من الأخطاء والهزائم، قررت أخيرا السير في طريق توحيد قوى البروليتاريا.
في الوقت نفسه، كان هذا يعني تحولا في تقويم دور الأحزاب الشيوعية والأممية الشيوعية. لقد كانت البروليتاريا خلال عامي 1918 و1919 قد هُزمت، لأن طليعتها، الحزب الشيوعي، كان يمثل اتجاها أكثر منه تنظيما قادرا على الإمساك بقيادة الصراع الطبقي، وأجبرت تجربة الهزائم الشيوعيين على خلق المنظمات المقاتلة الضرورية وذلك عن طريق الانشقاقات وعبر إنشاء الأحزاب المستقلة. تزامنت هذه المرحلة من الانشقاقات مع مرحلة تراجع الموجة الثورية الكبرى، ومع بدء الهجمة المضادة الرأسمالية. وحتى لو لم يعرف الاشتراكيون – الديموقراطيون كيف يستغلون هذا الظرف بمهارة فإن استياء كان سيحصل في صفوف الجماهير من «الانشقاقيين» لأنها لم تستطع فهم ضرورة هذا التكتيك، كذلك لم تفهم الجماهير جيدا محاولات الاستنهاض التي قام بها الشيوعيون، عندما طالبوا، قبل الطبقة العاملة بمجملها – تحديدا لأنهم يشكلون القسم الأكثر وعيا داخلها – باستخدام أساليب نضال أكثر فعالية. لقد كان إضراب كانون الأول / ديسمبر في تشيكوسلوفاكيا، وحركة آذار / مارس في ألمانيا سيفشلان حتماً حتى لو جرت قيادتهما بشكل أفضل، لأن أوسع الجماهير لم تكن تدرك بعد ضرورة هكذا أسلوب في النضال. غير أن ضغط البؤس جعلها تفهم سريعا ضرورة ما كانت تعتبره في السابق عصيانا مسلحا. إن العمل الذي قام به الشيوعيون لوحدهم، في مرحلة الإحباط، وكلفهم تضحيات هائلة، أصبح ينتج ثماره.
لقد أضيف إلى ذلك واقع أن العمال، خلال النضال، لم يعودوا يبالون بالحدود بين الأحزاب التي حاول الاشتراكيون- الديمقراطيون أن يبعدوهم بواسطتها عن الشيوعيين.
سعى محازبو أمستردام، أعضاء الأممية الثانية والأممية 2,5، إلى استغلال التيار الجديد بإثارتهم حركة لصالح الوحدة، ضد الشيوعيين. غير أن المرحلة، التي كانت هكذا مناورات ممكنة خلالها لأن الاشتراكيين – الديموقراطيين كانوا يمسكون بأيديهم كل التنظيمات العمالية وكل الصحافة العمالية، كانت قد انقضت. وقد فضحت اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية هذا المُخطط، وقامت بحملة «من أجل وحدة البروليتاريا العالمية، ضد الاتحاد مع الاشتراكيين – الخونة». وتوجهت في البداية إلى أممية أمستردام بصدد قضية إغاثة الجياع وإغاثة عمال يوغسلافيا وإسبانيا، دون نتيجة. ولكن عندما أصبحت ملامح الموجة الجديدة أكثر وضوحا وأكثر ظهورا، اتخذت اللجنة التنفيذية، بعد نقاشات طويلة، موقفا بصدد المسألة.
وفي «قرارات حول الجبهة المتحدة للعمال وحول العلاقات مع العمال الذين ينتمون إلى الأممية الثانية، والأممية 2,5، وأممية أمستردام النقابية، والتنظيمات الفوضوية – النقابية»، جرى تحليل الوضع ووضع هدف واضح ومحدد للجهود الأولية في سبيل الجبهة المتحدة، «ليست الجبهة المتحدة سوى اتحاد لكل العمال الذين قرروا النضال ضد الرأسمالية». كان على الشيوعيين التمسك بهذا الشعار حول أكبر وحدة ممكنة لكل التنظيمات العمالية في كل عمل ضد الرأسمالية. لقد خان زعماء الأممية الثانية وكذلك زعماء الأممية 2,5 وزعماء أممية أمستردام النقابية الجماهيرية العمالية في شتى مسائل النضال العمالية ضد الرأسمالية، هذه المرة أيضا فضّلوا الوحدة مع البرجوازية على الوحدة مع البروليتاريا. كان دور الأممية الشيوعية ومختلف فروعها، إقناع الجماهير العمالية، هذه المرة، بنفاق الاشتراكيين – الخونة، الذين تكشفوا كهدّامي وحدة جبهة الطبقة العاملة. ضمن هذا الهدف أصبح الاستقلال المطلق وحرية النقد الكاملة الشرطين الأساسيين للأحزاب الشيوعية.
وشددت القرارات أيضا على المخاطر التي يمكن أن تنشأ، لدى وضع هذا التكتيك موضع التنفيذ، حيث الأحزاب الشيوعية لم تتملك بعد الوضوح الإيديولوجي الضروري والتجانس اللازم.
في منتصف شهر كانون الأول / ديسمبر جرى تبني هذه القرارات، ولاتخاذ القرار النهائي بصددها تمت الدعوة إلى عقد دورة موسعة للجنة التنفيذية في موسكو في أوائل شهر شباط / فبراير اللاحق. وفي نداء حول الجبهة المتحدة العمالية، بتاريخ أول كانون الثاني / يناير 1922، بيّنت اللجنة التنفيذية ضرورة النضال المشترك ردّا على كونفرانس واشنطن والهجمة الشاملة للرأسمالية ضد الطبقة العاملة. لقد انتشرت القرارات ونداء اللجنة التنفيذية بسرعة في كل البلدان، وأصبحت موضوع نقاشات طويلة من جانب الشيوعيين وأعدائهم، وأسهمت في توضيح مسألة الجبهة المتحدة. وأطلق الاشتراكيون – الخونة الصرخات العالية، إذ فهموا أنهم وُضِعوا هنا إزاء مسألة ستجبرهم على كشف أقنعتهم. غير أن سخطهم على هذه «المناورة الشيوعية الجديدة» لم يكن بمقدوره إزالة الانطباع لدى الجماهير بأن الشيوعيين، الذين كان يطلق عليهم حتى ذلك الوقت اسم «الانشقاقيين»، كانوا في الواقع الأنصار الحقيقيين لوحدة جبهة البروليتاريا. وبسبب إضراب عمال سكك الحديد الألمان لم تعقد جلسة اللجنة التنفيذية الموسعة إلاّ في نهاية شباط / فبراير. لقد كانت الجلسة بالواقع مؤتمرا صغيرا ضمّ أكثر من 100 مندوب يمثلون 36 بلدا. كان جدول الأعمال مثقلا بعض الشيء: يتضمن تقارير الأحزاب عن البلدان الأكثر أهمية، ومهام الشيوعيين في النقابات، ومسالة النضال ضد مخاطر الحرب، ومسألة السياسة الاقتصادية الجديدة في روسيا السوفياتية ومسألة النضال ضد بؤس الشبيبة العمالية، غير أن المسألة الأساسية كانت مسألة الجبهة المتحدة والمشاركة في الكونفرانس المشترك الذي اقترحته الأممية 2,5.
أعلن الرفاق الفرنسيون والإيطاليون معارضتهم للوحدة الجبهوية بالشكل الذي قُدِّمت فيه في قرارات اللجنة التنفيذية، فقد عبّر الرفاق الفرنسيين عن خشيتهم من ألاّ تفهم الجماهير العمالية الفرنسية عملاً مشتركا بين الشيوعيين والمنشقين، وأعلنوا عن أنفسهم كمناصرين للجبهة المتحدة للعمال الثوريين كما أعلنوا أن نشاط الشيوعيين، في فرنسا، يتجه إلى تشكيل تكتل العمال الثوريين حول مسألة يوم العمل من ثماني ساعات ومسألة الضريبة على الأجور. كان الحزب الفرنسي لا يزال فتيا جدا ولا يمتلك قدرة كبيرة على المناورة وغير قادر على القيام بعمل مشترك مع الاشتراكيين المنشقين والنقابات الإصلاحية، التي انفصل عنها منذ فترة وجيزة.
وأعلن المندوبون الإيطاليون مناصرتهم لوحدة الجبهة النقابية، لكنهم عارضوا وحدة الجبهة السياسية مع الاشتراكيين، وعبّروا عن رأيهم بأن الجماهير لن تفهم العمل المشترك بين مختلف الأحزاب العمالية، وبأن الأرضية الفعلية، حيث الجبهة المتحدة ممكنة، هي النقابة، حيث يوجد الشيوعيون والاشتراكيون معا.
لقد أبدى جميع المندوبين الآخرين الحاضرين في الكونفرنس رأيا مختلفا. فعلى الرغم من خيانات الزعماء الإصلاحيين التي لا تحصى، فقد نجحوا، حتى الآن، في الحفاظ على تأثيرهم على الجزء الأكبر من التنظيمات العمالية، ولن نستطيع أن نكسب العمال إلينا إذا ما رددنا، مرة أخرى، أن هؤلاء خونة. فالمقصود هنا، إذ تسود بين الجماهير إرادة القتال، أن نظهر لها ليس فقط أن الاشتراكيين – الديموقراطيين لا يريدون النضال من أجل الاشتراكية، بل أنهم لا يريدون كذلك النضال من أجل مطالب الطبقة العاملة الأكثر مباشرة. فحتى الآن لم نكن قد نجحنا بعد في فضحهم، أولا لأننا لم نكن نمتلك الوسائل الضرورية لذلك، ولأن الوضع النفسي، بالتالي، والجو الذي يستطيع فيه العمال أن يفهموا الخيانات التي تستهدفهم، كانا مفقودين. لقد توفرت لنا الفرصة أخيرا لفضحهم، لذلك فإن رفضنا النضال إلى جانب الإصلاحيين لأنهم لا يناضلون أبدا بجدية ضد البرجوازية وهم خدامها، فإننا سنحصل على رضى الرفاق الذين يعرفون ذلك من قبل، لكننا لن نقنع عاملا واحدا من الذين ما زالوا يتبعون الإصلاحيين. وعلى العكس من ذلك، فإن الشيوعيين برفضهم القيام بالنضال المشترك، في فترة تريد فيها الجماهير العمالية هذا النضال، فإنما يقدمون للاشتراكيين – الخونة إمكانية تصويرهم كمخربين لوحدة الجبهة البروليتارية، ولكن إذا اشتركنا في النضال، سترى الجماهير، بعد قليل، من يريد فعليا النضال ضد البرجوازية ومن لا يريده. إن رفاقنا الذين سينظرون إلينا باستياء في البداية ونحن جالسون مع الإصلاحيين على طاولة واحدة، سيفهمون، خلال المفاوضات، أننا نقوم، هنا أيضا، بعمل ثوري.
بعد أن أقرت اللجنة التنفيذية الموسعة التوجهات التي تتضمنها القرارات، بإجماع الأصوات، ما عدا الرفاق الفرنسيين والاسبانيين والإيطاليين، أدلت الوفود الثلاثة المعارضة للجبهة المتحدة بتصريح تؤكد فيه خضوعها لهذه التوجهات.
وقررت اللجنة التنفيذية الموّسعة قبول دعوة أممية فيينا للمشاركة في كونفرانس أممي، مقترحة أن تدعى إلى الكونفرانس ليس فقط الأممية الشيوعية، ولكن أيضا الأممية النقابية الحمراء، وأممية أمستردام النقابية، والتنظيمات الفوضوية – النقابية والتنظيمات النقابية المستقلة، وأن يوضع على جدول أعمال الكونفرانس، إلى جانب النضال ضد الهجمة الرأسمالية وضد الرجعية، مسألة النضال ضد حروب إمبريالية جديدة، وإعادة بناء روسيا السوفياتية، ومسألة التعويضات ومعاهدة فرساي.
اختتم الكونفرنس في 4 آذار / مارس بعد تسوية بعض المسائل الأخرى (تلك الخاصة بالصحافة الشيوعية والمعارضة العمالية في الحزب الشيوعي الروسي الخ…) وبعد انتخاب رئيس اللجنة التنفيذية.
الكونفرنس التمهيدي
للأمميات الثلاث
عقدت في 2 نيسان/ أبريل الجلسة الأولى لوفود الأمميات الثلاث، التي يتشكل كل منها من 10 أعضاء. لقد حاول ممثلو الأممية الثانية مباشرة تخريب الكونفرنس وخنق الجبهة المتحدة في المهد. وضعوا شروطا على الأممية الشيوعية، وطالبوا بـ «ضمانات» ضد تكتيك «الأنوية» وراحوا يناقشون مسالة جورجيا ومسألة الاشتراكيين – الثوريين. وانتهى ذلك إلى وضع يهدد بانفراط الكونفرنس. وبفضل الموقف الحازم لمندوبي الأممية الشيوعية الذين طالبوا بالجبهة المتحدة دون شروط، أيد مندوبو أممية فيينا وجهة نظرهم، مما أجبر مندوبي الأممية الثانية على التراجع. وبعد أربعة أيام من المفاوضات، تقررت الدعوة إلى كونفرنس عام، في أقرب مهلة. وشكلت لجنة مؤلفة من ثلاثة أعضاء من كل لجنة تنفيذية كلفت بالتحضير له. وبانتظار اجتماع الكونفرنس العام، تقرر تنظيم تظاهرة مشتركة لكل الأحزاب المنتسبة إلى الأمميات الثلاث في العشرين من نيسان / أبريل، وحيث يتعذر ذلك من الناحية العملية تجري في أول أيار / مايو تحت الشعارات التالية:
– من أجل يوم عمل من ثماني ساعات.
– من أجل النضال ضد البطالة، الناتجة عن سياسة التعويضات التي تنتهجها الدول الرأسمالية الكبرى.
– من أجل العمل الموحد للبروليتاريا ضد الهجمة الرأسمالية.
– من أجل الثورة الروسية، من أجل روسيا الجائعة، من أجل إعادة العلاقات السياسية والاقتصادية مع روسيا.
– من أجل إعادة بناء الجبهة المتحدة الوطنية والأممية.
لقد كُلفت لجنة التنظيم بالتوسط بين ممثلي أممية أمستردام النقابية وممثلي أممية النقابات الحمراء. وصرح مندوبو الأممية الشيوعية بأن محاكمة الاشتراكيين – الثوريين ستحصل بعلنية كاملة، وستنتهي دون أحكام إعدام. ولحظ القرار أيضا أن الكونفرنس العام لا يمكن أن يعقد في نيسان / أبريل، لأن الأممية الثانية كانت ترفضه تحت تبريرات مختلفة. كانت هذه الأخيرة ترفض كذلك وضع معاهدة فرساي وإعادة النظر فيها على جدول أعمال الكونفرنس.
بيّنت تظاهرات 30 نيسان / أبريل وأول أيار / مايو التالي، التي شاركت فيها جماهير عمالية ضخمة، أن البروليتاريا صممت أن تناضل بشكل مشترك من أجل الشعارات التي كانت قد أطلقت. حاولت الأممية الثانية والأحزاب التي تتشكل منها، اليوم كما بالأمس، أن تخرّب الجبهة المتحدة، فقد رفضت تنظيم تظاهرات مشتركة، وأخرت تنفيذ القرارات المتخذة فأسهمت بذلك في فضح نفسها أمام الجماهير.
إنها مهمة الأممية الشيوعية وفروعها القومية أن تُظهر بنشاطها أن النضال ضد الهجمة الرأسمالية وضد الرأسمالية بشكل عام، لا يمكن أن ينجح إلاّ بقيادة الأممية الشيوعية.
وكما كان منتظرا، أطاحت الأممية الثانية وأممية فيينا لجنة التسعة. فبعد أن توصلتا إلى الحيلولة دون اجتماع اللجنة خلال كونفرنس جنوا لكي لا تعكرا صفو البرجوازية في شيء خلال مشاوراتها المعادية لروسيا السوفياتية، عقدت الجلسة الأولى، والتي كانت الأخيرة أيضا، في 23 أيار / مايو في برلين. وفي 21 أيار / مايو كان قد عُقد اجتماع ضم حزب العمال (الإنجليزي) وحزب العمال البلجيكي والحزب الاشتراكي الفرنسي، تقرر خلاله عقد كونفرنس عام لكافة الأحزاب الاشتراكية، باستثناء الأحزاب الشيوعية. كان واضحا أن الأممية الثانية والأممية 2,5 قد عادتا إلى مشروعهما بإنشاء جبهة متحدة ضد الشيوعيين. على الرغم من ذلك، قامت الأممية الشيوعية بكل ما في وسعها لإتاحة انعقاد مؤتمر عالمي لكل الأحزاب الاشتراكية. ومن أجل الوصول إلى أهداف الجبهة المتحدة، أي النضال ضد هجمة الرأسمال، وضد انخفاض الأجور وضد البطالة، أعلنت استعدادها لحذف مسألة دعم روسيا السوفياتية من جدول أعمال المؤتمر وكانت قد أقرت في البرنامج المشترك، وطلبت بالمقابل جوابا محددا عما إذا كانت الأممية الثانية تقبل بالمؤتمر العمالي العالمي. وبمواجهة هذا السؤال برزت الأممية الثانية معادية للجبهة المتحدة، وكذلك أممية فيينا، نصيرتها المتطوعة. وهكذا انفرطت لجنة التسعة.
عند ذلك دعت الأممية الشيوعية لدورة جديدة للجنة التنفيذية الموسعة، فاجتمعت في 7 حزيران / يونيو، وحضرها 60 مندوبا يمثلون 27 بلدا. وقد ناقش الكونفرنس مسالة التكتيك الواجب اتباعه بعد توجهات المرحلة الأولى للنضال لصالح الجبهة المتحدة، وتكتيك الأحزاب التي لا تتفق سياستها مع السياسة العامة للأممية الشيوعية، وأخيرا موقف الأممية الشيوعية تجاه محاكمات الاشتراكيين – الثوريين، والدعوة لمؤتمر عالمي.
في ما يتعلق بتكتيك الجبهة المتحدة، سجّل الكونفرنس أنه بالرغم من فشل لجنة التسعة، فإن المسلمات السياسية والاقتصادية لتكتيك الجبهة المتحدة قائمة كما في السابق وتبعا لذلك يجب أن يقوم تكتيك مختلف فروع الأممية الشيوعية على تحقيق وحدة الجبهة ضد هجمة الرأسمال.
وبما أن الأحزاب الفرنسية والإيطالية والنروجية لم تنفّذ تكتيك الجبهة المتحدة، أو أنها لم تنفذه إلاّ بتردد أو جزئيا، اهتم الكونفرنس تفصيليا بوضع هذه الأحزاب، وعبّر عن أمله بأن يُطبّق هذا التكتيك أيضا في هذه البلدان. وفي ما يتعلق بالحزب الفرنسي، ونظرا لأن وجود يمين انتهازي هام داخله يشكل عائقا أمام نشاطه ونموه، أعلنت اللجنة التنفيذية أن أفضل طريقة لمعالجة الوضع هي وحدة الوسط واليسار ضد اليمين. وبحث الكونفرنس أيضا وضع الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي حيث ظهرت عوارض أزمة قادمة، ورأى سببها في بعض السلبية داخل قيادة الحزب وحدّد التوجيهات الملائمة من أجل إزالتها.
وفي صدد محاكمة الاشتراكيين – الثوريين، سجل أنه في الوقت الذي شرعت فيه الأممية الثانية وأممية فيينا بحملة ضد الأممية الشيوعية وروسيا السوفياتية، وبما أن الأمر، بالإضافة إلى ذلك، يتعلق بقضية هامة تعني في الوقت نفسه روسيا السوفياتية، حصن الثورة العالمية، والأممية الشيوعية، فعلى هذه الأخيرة أن تشارك بفعالية بالمحاكمة وترسل مدّعين، ومحامين، وشهوداً وخبراء.
المؤتمر الرابع – تشرين الثاني / نوفمبر 1922
عيّن المؤتمر العالمي الرابع في 7 تشرين الثاني / نوفمبر 1922، تاريخ الذكرى الخامسة للثورة البروليتارية، مع جدول الأعمال التالي:
1- تقرير اللجنة التنفيذية؛
2- تكتيك الأممية الشيوعية؛
3- برنامج الأممية الشيوعية وفروعها: الألماني، الفرنسي، الإيطالي، التشيكوسلوفاكي، البلغاري، النروجي، الأمريكي والياباني؛
4- المسألة الزراعية؛
5- المسألة النقابية؛
6- التربية؛
7- مسألة الشبيبة؛
8- مسألة الشرق.
تقرر أن ينصب العمل الأساسي للمؤتمر الرابع على النقطة الثالثة. وقد عُيّنت مباشرة لجنة للإعداد لبرنامج الأممية الشيوعية، وكُلفت أيضا بالمساعدة في صياغة برامج مختلف الفروع.
بيّن الكونفرنس نمو الحركة الشيوعية في مختلف البلدان وتعزيزها. وكان أحد أهم مظاهر ذلك العصبية المتزايدة لأنصار أممية أمستردام، الذين كانوا ينظرون بخوف إلى تطور تأثير الشيوعيين في النقابات. وقد أظهرت العديد من الأدلة أنهم في هذه اللحظة، قد صمموا على طرد الشيوعيين من النقابات في كل البلدان، وأنه ضمن هذا الهدف لن يتراجعوا إزاء انشقاق الحركة النقابية. ولذلك كانت المهمة الأساسية للأممية الشيوعية داخل النقابات، تقوم على فضح هذه المناورة والحيلولة دون أن يُضعف أنصار أمستردام البروليتاريا بتحطيمهم للنقابات.
(1) وهو غير الحزب الشيوعي الألماني الموحد.
المؤتمر الأول
رسالة دعوة للحزب الشيوعي الألماني (عصبة سبارتاكوس)
إلى المؤتمر الأول للأممية الشيوعية
أيها الرفاق الأعزاء!
تعتبر الأحزاب والمنظمات الموقّعة أدناه أن الدعوة إلى المؤتمر الأول للأممية الشيوعية الجديدة ذات ضرورة ملحة. لقد ظهرت أثناء الحرب والثورة، ليس فقط الهزيمة الكاملة للأحزاب الاشتراكية والاشتراكية – الديموقراطية القديمة، والأممية الثانية في الوقت نفسه، وليس فقط عجز العناصر الوسطية الاشتراكية – الديموقراطية (المسماة بـ «الوسط») عن الفعل الثوري الفعّال، بل إننا نرى حاليا ارتسام معالم أممية ثورية فعلية. إن الحركة الصاعدة فائقة السرعة للثورة العالمية تطرح، باستمرار، مشاكل جديدة. إن خطر خنق هذه الثورة عبر التحالف بين الدول الرأسمالية المتحدة ضد الثورة تحت راية «عصبة الأمم» المخادعة ومحاولات الأحزاب الاشتراكية – الخائنة أن تتوحد وتعين حكوماتها وبرجوازيتها من جديد على خيانة الطبقة العاملة، بعد أن مُنحت «العفو» مقابل ذلك؛ وأخيرا التجربة الثورية فائقة الغنى التي جرى اكتسابها، وعالمية الحركة الثورية – كل هذه الظروف تجبرنا على اتخاذ المبادرة بوضع مسألة الدعوة إلى مؤتمر عالمي للأحزاب البروليتارية الثورية على جدول أعمال النقاش.
1- الأهداف والتكتيك
إن الاعتراف بالفقرات التالية، المثبّتة هنا كبرنامج، والمبلورة على قاعدة برامج عصبة سبارتاكوس في ألمانيا والحزب الشيوعي (البلشفي) في روسيا، ينبغي أن يُشكل بالنسبة لنا قاعدة للأممية الجديدة.
أ- إن المرحلة الحالية هي مرحلة تحلّل وانهيار النظام الرأسمالي العالمي بمجمله، وستكون مرحلة انهيار الحضارة الأوروبية بشكل عام، إذا لم يتم تحطيم الرأسمالية وتناقضاتها التي لا حل لها.
ب- تقوم مهمة البروليتاريا حاليا على استلام سلطة الدولة، ويعني استلام سلطة الدولة تحطيم جهاز الدولة البرجوازي وتنظيم جهاز جديد للسلطة البروليتارية.
ج- يجب أن يمثل جهاز السلطة الجديد دكتاتورية الطبقة العاملة، وفي بعض المناطق يجب أن يمثل أيضا سلطة صغار الفلاحين والعمال الزراعيين، أي يجب أن يكون أداة الإطاحة المنهجية للطبقة المستغِلة ونزع ملكيتها. ليس الديموقراطية البرجوازية المزيفة – هذا الشكل المخادع لسيطرة الأوليغارشية المالية – بمساواتها الشكلية المحضة، بل الديموقراطية البروليتارية، مع إمكانية تحقيق الحرية للجماهير العاملة، وليس البرلمانية بل الإدارة الذاتية لهذه الجماهير عبر هيئاتها المنتخبة، ليس البيروقراطية الرأسمالية، بل الأجهزة الإدارية التي تخلقها الجماهير بنفسها، بمشاركة حقيقية لهذه الجماهير في إدارة البلد والعمل لأجل البناء الاشتراكي – هذا ما يجب أن يكون عليه نموذج الدولة البروليتارية. إن سلطة المجالس العمالية والمنظمات العمالية هي شكلها الملموس.
د- يجب أن تكون دكتاتورية البروليتاريا الرافعة للمصادرة المباشرة للرأسمال، وإلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وتحويل هذه الملكية إلى ملكية شعبية.
إن المشكلات الأساسية الراهنة تتلخص في تشريك (ونعني بالتشريك هنا إلغاء الملكية الخاصة التي تتسلمها الدولة البروليتارية، والإدارة الاشتراكية للطبقة العاملة) الصناعة الكبيرة والبنوك، مراكز تنظيمها؛ ومصادرة أراضي كبار الملاكين العقاريين وتشريك الإنتاج الزراعي الرأسمالي، واحتكار التجارة؛ وتشريك الأبنية الكبرى في المدن والملكيات الكبرى في الريف؛ وإدخال الإدارة العمالية ومركزة المهام الاقتصادية بين أيدي الهيئات المنبثقة عن الدكتاتورية البروليتارية.
هـ- من أجل أمن الثورة الاشتراكية، ومن أجل الدفاع عنها ضد أعدائها الداخليين والخارجيين، من أجل مساعدة الأجزاء الأخرى القومية في البروليتاريا المناضلة.. الخ، فإن نزع السلاح الكامل للبرجوازية وعملائها، والتسليح العام للبروليتاريا، هما مسألتان ضروريتان.
و- يفترض الوضع العالمي حاليا الاتصال الوثيق جدا بين مختلف أجزاء البروليتاريا الثورية، والوحدة التامة بين البلدان التي انتصرت فيها الثورة الاشتراكية.
ز- إن الوسيلة الأساسية للنضال هي النشاط الجماهيري للبروليتاريا، بما فيه النضال المسلح المفتوح ضد سلطة دولة الرأسمال.
2- العلاقات مع الأحزاب «الاشتراكية»
ح- لقد انقسمت الأممية الثانية إلى ثلاث مجموعات رئيسية: الاشتراكيون – الوطنيون المُعلنون، وهم الذين دعموا، على امتداد الحرب الإمبريالية خلال السنوات 1914- 1918، برجوازيتهم الخاصة وحوّلوا الطبقة العاملة إلى جلاّد الثورة العالمية؛ «الوسط»، وزعيمه النظري حاليا هو كاوتسكي، ويمثل تنظيما مؤلفا من عناصر متذبذبة باستمرار، عاجزة عن اتباع خط موجّه محدد، وهؤلاء يتحركون أحيانا كخونة حقيقيين؛ وأخيرا الجناح اليساري الثوري.
ط- بمواجهة الاشتراكيين – الوطنيين، الذين يجابهون، في كل مكان وفي اللحظات الحاسمة، الثورة البروليتارية بالسلاح، فإن النضال العنيد هو وحده الممكن، وبمواجهة «الوسط»: يجب اتباع تكتيك كسب العناصر الثورية، والنقد القاسي، وفضح القادة. وفي مرحلة معينة من التطور يصبح الانفصال التنظيمي عن الوسطيين ضرورة مطلقة.
ي- من جهة ثانية هناك ضرورة للتكتل مع هذه العناصر من الحركة الثورية التي، بالرغم من عدم انتمائها يوما إلى الحزب الاشتراكي، تقف الآن بمجملها على أرضية دكتاتورية البروليتاريا تحت شكل السلطة السوفياتية، وهؤلاء هم بالدرجة الأولى العناصر النقابية في الحركة العمالية.
ك- وأخيرا، من الضروري جذب كل المجموعات والتنظيمات البروليتارية التي، بالرغم من عدم انضمامها صراحة إلى التيار اليساري الثوري، تُظهر مع ذلك في تطورها ميلا بهذا الاتجاه.
ل- نقترح، وبشكل ملموس، أن يشارك في المؤتمر، ممثلو الأحزاب والتيارات والمجموعات التالية (سيكون الأعضاء كاملو الحقوق في الأممية الثالثة، أحزابا مختلفة تماما، تقف كليا على أرضيتها):
1- عصبة سبارتاكوس (ألمانيا)
2- الحزب الشيوعي (البلاشفة) (روسيا)
3- الحزب الشيوعي في النمسا الألمانية
4- الحزب الشيوعي في هنغاريا
5- الحزب الشيوعي في فنلندا
6- الحزب الشيوعي العمالي البولندي
7- الحزب الشيوعي في استونيا
8- الحزب الشيوعي في ليتونيا
9- الحزب الشيوعي في ليتوانيا
10- الحزب الشيوعي في روسيا البيضاء
11- الحزب الشيوعي في أوكرانيا
12- العناصر الثورية في الحزب الاشتراكي – الديموقراطي التشيكي
13- الحزب الاشتراكي – الديموقراطي البلغاري (الضيق)
14- الحزب الاشتراكي – الديموقراطي الروماني
15- الجناح اليساري في الحزب الاشتراكي – الديموقراطي في الصرب
16- يسار الحزب الاشتراكي – الديموقراطي في السويد
17- الحزب الاشتراكي – الديموقراطي النروجي
18- عن الدنمارك، تجمع كلاسن كامبن
19- الحزب الشيوعي الهولندي
20- العناصر الثورية في حزب العمال البلجيكي
21- و 22- المجموعات والتنظيمات داخل الحركة الاشتراكية والنقابية الفرنسية التي تتضامن بمجملها مع لوريو
23- يسار الاشتراكية – الديموقراطية في سويسرا
24- الحزب الاشتراكي الإيطالي
25- العناصر الثورية في الحزب الاشتراكي الإسباني
26- العناصر الثورية في الحزب الاشتراكي البرتغالي
27- الأحزاب الاشتراكية البريطانية (وفي مقدمتها التيار الذي يمثله ماك لين)
28- S.L.P (إنجلترا)
29- I.W.W. (إنجلترا)
30- I.W. في بريطانيا العظمى
31- العناصر الثورية في التنظيمات العمالية الإيرلندية
32- العناصر الثورية بين ممثلي شغيلة المتاجر (بريطانيا).
33- S.L.P. (أمريكا)
34- العناصر الثورية في الحزب الشيوعي الأمريكي (الاتجاه الممثل بدبس وعصبة الدعوة الاشتراكية).
35-I.W.W. الأمريكي
36-I.W.W. (أستراليا)
37- الاتحاد الصناعي العالمي للعمال (أمريكا).
38- المجموعات الاشتراكية لتوكي ويوكوهاما (الممثلة بالرفيق كاتاياما)
39- الأممية الاشتراكية للشباب (الممثلة بالرفيق مانزينبرغ).
3- المسألة التنظيمية واسم الحزب
م- يقوم أساس الأممية الثالثة على واقع أن مجموعات وتنظيمات من رفاق في الأفكار كانت قد تشكلت في أنحاء مختلفة من أوروبا، وهي تقف على أرضية برنامج مشترك وتستخدم، إجمالا، الأساليب التكتيكية نفسها، وهؤلاء هم في الدرجة الأولى السبارتاكيون في ألمانيا والأحزاب الشيوعية في العديد من البلدان الأخرى.
ن- يجب أن ينبثق من المؤتمر، بهدف الاتصال الدائم والقيادة النظامية للحركة، جهاز نضال مشترك، يكون مركز الأممية الشيوعية، ويخضع مصالح الحركة في كل بلد للمصالح المشتركة للثورة على الصعيد العالمي. وسيقوم المؤتمر بوضع الأشكال الملموسة للتنظيم والتمثيل.
ص- يتخذ المؤتمر اسم «المؤتمر الأول للأممية الشيوعية» وتصبح مختلف الأحزاب فروعا لهذه الأممية. على الصعيد النظري، وجد ماركس وإنجلز أن تسمية «اشتراكي – ديموقراطي» خاطئة، ويفرض هنا الانهيار المخزي للأممية الاشتراكية – الديموقراطية انفصالا عنها. وبالنهاية فإن النواة الأساسية للحركة الكبرى قد تشكلت من أحزاب اتخذت هذا الاسم.
انطلاقا مما سبق ذكره، نقترح على كل الأحزاب والتنظيمات الشقيقة أن تضع على جدول أعمالها مسألة الدعوة إلى المؤتمر الأممي الشيوعي. مع تحياتنا الاشتراكية.
اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الروسي (لينين، تروتسكي).
المكتب الخارجي لحزب العمال الشيوعي البولندي (كارسكي).
المكتب الخارجي لحزب العمال الشيوعي الهنغاري (رودنيانسكي).
المكتب الخارجي لحزب العمال الشيوعي في النمسا الألمانية (دورا).
المكتب الروسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الليتواني (روزينغ).
اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفنلندي (سيرولا).
اللجنة التنفيذية للاتحاد الاشتراكي – الديموقراطي الثوري البلقاني (راكوفسكي).
عن الـS.L.P. (أمريكا) (رينستين).
كانت الدعوة أعلاه موجهة إلى الشيوعيين في كل البلدان لحضور كونفرنس يعقد في موسكو في 15 شباط / فبراير 1919، غير أن الافتتاح تأخر بسبب الصعوبات الكبيرة في التنقل، ولم يعقد إلاّ في 2 آذار / مارس. وقد افتتح لينين الكونفرنس بكلمة صغيرة في السادسة مساء، واعتمدت اللغة الألمانية في النقاشات، وبالإضافة إليها استخدمت الروسية والفرنسية والإنجليزية.
وقد انتخبت بالإجماع، كرؤساء للمؤتمر، الرفاق: لينين (روسيا)، ألبرت (ألمانيا)، بلاتين (سويسرا)، أمّا الرابع فقد جرى انتدابه، دوريا، من مختلف الأحزاب. وانتخب المؤتمر الرفيق كلينغر كأمين سر للمؤتمر.
وقد سجلت لجنة المندوبين حضور الأحزاب التالية وقامت بتوزيع الأصوات:
المشاركون في مؤتمر الأممية الشيوعية في موسكو
2 – 6 آذار / مارس 1919
البلد والحزب عدد الأصوات
1 الحزب الشيوعي الألماني 5
2 الحزب الشيوعي الروسي 5
3 الحزب الشيوعي في النمسا الألمانية 3
4 الحزب الشيوعي الهنغاري 3
5 الاشتراكي – الديموقراطي اليساري السويدي 3
6 الحزب الاشتراكي – الديموقراطي النروجي 3
7 الحزب الاشتراكي – الديموقراطي السويدي 3
8 S.L.P. الأمريكي 5
9 الاتحاد البلقاني (تشنياك البلغاري والحزب الشيوعي الروماني) 3
10 الحزب الشيوعي البولندي 3
11 الحزب الشيوعي الفنلندي 3
12 الحزب الشيوعي الأوكراني 3
13 الحزب الشيوعي الليتوني 1
14 الحزب الشيوعي في روسيا البيضاء والليتواني 1
15 الحزب الشيوعي الاستوني 1
16 الحزب الشيوعي الأرميني 1
17 الحزب الشيوعي في فولغا الألمانية 1
18 التجمع الموحد لشعوب روسيا الشرق 1
19 يسار زيمرفالد الفرنسي 5
الأصوات الاستشارية:
20 الحزب الشيوعي التشيكي
21 الحزب الشيوعي البلغاري
22 الحزب الشيوعي للبلدان السلافية الجنوبية
23 الحزب الشيوعي الإنجليزي
24 الحزب الشيوعي الفرنسي
25 الحزب الاشتراكي – الديموقراطي الهولندي
26 عصبة الدعاوة الاشتراكية الأمريكية
فروع المكتب المركزي للبلدان الشرقية:
27 شيوعيون سويسريون
28 شيوعيون توركستانيون
29 الفرع التركي
30 الفرع الجيورجي
31 الفرع الأذربيجاني
32 الفرع الإيراني
33 الحزب العمالي الاشتراكي الصيني
34 الاتحاد العمالي في كوريا
35 لجنة زيمرفالد
خطاب لينين الافتتاحي
نيابة عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الروسي، أفتتح المؤتمر الأممي الأول. قبل أي شيء، أرجوكم أن تقفوا تمجيدا لذكرى أفضل ممثلي الأممية الثالثة، ذكرى كارل ليبكنخت وروزا لوكسمبرغ.
أيها الرفاق، يكتسي مؤتمرنا أهمية كبرى في التاريخ العالمي، إنه يثبت إفلاس كل أوهام الديموقراطية البرجوازية، لقد أصبحت الحرب الأهلية واقعا ليس في روسيا وحسب بل في البلدان الرأسمالية الأكثر تطورا، ألمانيا مثلا.
لقد جنّت البرجوازية من الذعر أمام الحركة الثورية البروليتارية المتنامية وهذا يمكن فهمه، لأن كل مسار الأحداث منذ نهاية الحرب الإمبريالية، يعزز، حتما، الحركة الثورية البروليتارية، ولأن الثورة الأممية العالمية تبدأ وتنمو في البلدان كافة.
إذ يتبين الشعب عظمة هذا النضال وأهميته، كان يفترض إيجاد الشكل العملي الذي يسمح للبروليتاريا بممارسة سيطرتها. هذا الشكل، هو نظام السوفيتات مع ديكتاتورية البروليتاريا. ديكتاتورية البروليتاريا: هاتان الكلمتان كانتا حتى أيامنا من «اللغة اللاتينية» بالنسبة للجماهير. أمّا الآن، فبفضل نظام السوفيتات، جرت ترجمة هذا التعبير اللاتيني إلى كل اللغات الحديثة؛ لقد أوجدت الجماهير الشعبية الشكل العملي للديكتاتورية، التي أصبحت مفهومة لدى أوسع الجماهير العمالية بفضل سلطة السوفيتات في روسيا، والسبارتاكيين في ألمانيا، وبعض التنظيمات المماثلة في البلدان الأخرى مثل لجان ممثلي شغيلة المتاجر في إنجلترا. كل هذا يثبت أن الشكل الثوري لديكتاتورية البروليتاريا قد وجد، وأن البروليتاريا تقوم بممارسة سيطرتها الفعلية.
أيها الرفاق ! إنني أعتقد أنه بعد الأحداث في روسيا وبعد معارك كانون الثاني / يناير في ألمانيا، ينبغي بشكل خاص الإشارة إلى أن الشكل الجديد لحركة البروليتاريا بدأ يظهر ويشق طريقه في بلدان أخرى أيضا، فقد قرأت اليوم في صحيفة إنجليزية معادية للاشتراكية، برقية تعلن أن الحكومة الإنجليزية استقبلت سوفيتات مندوبي العمال في برمنغهام ووعدته بالاعتراف بالسوفيتات كمنظمات اقتصادية. إن النظام السوفياتي حقق النصر ليس في روسيا المتخلفة فحسب بل في البلدان الأكثر تحضرا في أوروبا كألمانيا، وفي أقدم بلد رأسمالي: إنجلترا.
باستطاعة البرجوازية أن تعاقب بقسوة؛ وباستطاعتها أن تقتل أيضا آلاف العمال – غير أن النصر سيكون لنا. إن انتصار الثورة الشيوعية العالمية مؤكد.
أيها الرفاق! أرحب بكم بحرارة باسم لجنتنا المركزية.
موضوعات لينين
حول الديموقراطية البرجوازية
وديكتاتورية البروليتاريا
1- إن نمو الحركة الثورية البروليتارية في كل البلدان يحفّز الجهود المتشنجة للبرجوازية، وعملائها في التنظيمات العمالية، من أجل اكتشاف الحجج الفلسفية السياسية القادرة على المساعدة في الدفاع عن سيطرة المستغِلين. وتندرج إدانة الدكتاتورية والدفاع عن الديموقراطية في إطار هذه الحجج. إن الكذب والخبث في هكذا حجة أرهقت السامعين من كثرة تردادها في الصحافة الرأسمالية وفي كونفرنس الأممية الصفراء في برن، شباط / فبراير 1919، بديهيان بالنسبة لجميع أولئك الذين لا يسعون إلى خيانة المبادئ الأساسية للاشتراكية.
2- بداية، ترتكز هذه الحجة على مفاهيم الـ «ديموقراطية بشكل عام» والـ «ديكتاتورية بشكل عام» دون تحديد المسألة الطبقية. إن طرح المشكلة بهذا الشكل، خارج المسألة الطبقية، بدعوى مراعاة الأمة بمجملها، هو بالضبط الهزء بالمذهب الرئيسي للاشتراكية، أي مذهب الصراع الطبقي، المسلّم بصحته قولا ولكن ينساه في الواقع الاشتراكيون الذين انتقلوا إلى معسكر البرجوازية، ذلك أنه لا يوجد في أي بلد متحضر، في أي بلد رأسمالي ديموقراطية بشكل عام، لا يوجد إلاّ الديموقراطية البرجوازية. ولا يتعلق الأمر أكثر بالديكتاتورية التي تمارسها الطبقة المضطهَدة، أي البروليتاريا، على المضطهِدين والمستغِلين، أي الطبقة البرجوازية، بهدف التغلب على مقاومة المستغِلين الذين يكافحون من أجل سيطرتهم.
3- يعلّم التاريخ أنه ما من طبقة مضطهَدة توصلت إلى السيطرة، أو استطاعت التوصل إليها دون المرور بمرحلة ديكتاتورية تستولي خلالها على السلطة السياسية وتتغلب عن طريق القوة على المقاومة اليائسة، الساخطة التي يواجِه بها المستغَلون دائما والتي لا ترتدع عن أية جريمة. إن البرجوازية، التي يدعم الاشتراكيون اليوم سيطرتها، خاطبين بإطناب حول الديكتاتورية «بشكل عام»، وضاجّين من أجل الديموقراطية «بشكل عام»، قد استولت على السلطة في البلدان المتحضرة عبر سلسلة انتفاضات وحروب أهلية، وعبر الإطاحة بالملوك والنبلاء ومالكي العبيد بالقوة، وعبر قمع محاولات الردة.
لقد شرح الاشتراكيون في كل البلدان للشعب، آلاف المرات، الطابع الطبقي لهذه الثورات البرجوازية، في كتبهم وكراريسهم، في قرارات مؤتمراتهم وفي خطبهم الدعاوية. لذلك ليس الدفاع الحالي عن الديموقراطية البرجوازية عبر الخطب عن الـ «الديكتاتورية بشكل عام»، وليست كل هذه الصرخات وهذه الدموع ضد ديكتاتورية البروليتاريا تحت حجة إدانة «الديكتاتورية بشكل عام»، إلاّ خيانة فعلية للاشتراكية، وتخلياً مميزا لصالح البرجوازية، ليست إلاّ إنكارا لحق البروليتاريا في ثورتها البروليتارية. إنه الدفاع عن الإصلاحية البرجوازية، وتحديدا في الوقت الذي انهزمت فيه في العالم أجمع، فيما خلقت الحرب حالة ثورية.
4- إن كل الاشتراكيين، إذ أثبتوا الطابع الطبقي للحضارة البرجوازية والديموقراطية البرجوازية والبرلمانية البرجوازية، عبّروا عن هذه الفكرة، التي كان قد صاغها ماركس وإنجلز بأقصى ما يمكن من الصحة العلمية، والقائلة إن أكثر الجمهوريات البرجوازية ديموقراطية ليست شيئا آخر سوى آلة لاضطهاد الطبقة العاملة لصالح البرجوازية، وجماهير الشغيلة لصالح قبضة من الرأسماليين. ليس هناك ثوري واحد، ولا ماركسي واحد بين هؤلاء الذين يصرخون اليوم ضد الديكتاتورية ومن أجل الديموقراطية، لم يكن قد أقسم بأكبر آلهته أمام العمال، بأنه يقبل هذه الحقيقة الأساسية في الاشتراكية. واليوم بينما البروليتاريا الثورية تختمر وتتحرك، وتنزع إلى تحطيم آلة الاضطهاد هذه وتحقيق ديكتاتورية البروليتاريا، يريد هؤلاء الخونة الإيهام بأن البرجوازية قد أعطت الشغيلة الـ «ديموقراطية الصافية» وكأن البرجوازية قد استنكفت عن أية مقاومة وكانت جاهزة لإطاعة غالبية الشغيلة، وكأنه في أية ديموقراطية برجوازية، لم يكن هناك آلة حكومية معدّة لسحق العمل على يد الرأسمال.
5- إن كومونة باريس، التي يجلّها قولا كل الذين يريدون أن يُعتبروا اشتراكيين، لأنهم يعلمون أن الجماهير مفعمة بالتعاطف القوي والصادق معها، قد أثبتت بوضوح مميز النسبية التاريخية والقيمة المحدودة للبرلمانية البرجوازية والديموقراطية البرجوازية، وهما المؤسستان اللتان تسجلان تطوراً كبير الأهمية بالنسبة لمؤسسات القرون الوسطى، ولكنهما تفترضان بالضرورة إصلاحا أساسيا في عصر الثورة البروليتارية. لقد أظهر ماركس، الذي ثمّن أكثر من غيره الأهمية التاريخية للكومونة عبر تحليلها، طابع الاستغلال في الديموقراطية والبرلمانية البرجوازية، وهو النظام الذي تحصل فيه الطبقات المضطهدَة، ليوم واحد، على حق تقرير من سيكون ممثل الطبقات المالكة الذي سيمثل الشعب ويضطهده في البرلمان خلال مرحلة تمتد عدة سنوات. وفي الوقت الذي تشمل الحركة السوفياتية العالم أجمع، وتكمل بنظر الجميع عمل الكومونة، ينسى الخونة الاشتراكيون التجربة الملموسة لكومونة باريس، ويرددون الترهات البرجوازية حول الـ «ديموقراطية بشكل عام». مع ذلك، لم تكن كومونة باريس مؤسسة برلمانية.
6- تتمثل قيمة الكومونة كذلك في أنها حاولت أن تقلب رأسا على عقب الجهاز الحكومي البرجوازي وتحطمه سواء في الإدارة، أو القضاء، أو الجيش أو الشرطة وذلك عن طريق استبداله بالتنظيم الذاتي للجماهير العمالية، دون الاعتراف بأي تمييز بين السلطات التشريعية والتنفيذية.
إن كل الديموقراطيات البرجوازية المعاصرة، ودون استثناء الجمهورية الألمانية التي يسميها خونة الاشتراكية بروليتارية رغما عن الحقيقة، تحفظ على العكس الجهاز الحكومي القديم. وهكذا يتأكد مرة أخرى وبشكل بديهي كليا أن كل هذه الصرخات لصالح الديموقراطية لا تخدم بالواقع إلاّ الدفاع عن البرجوازية وعن امتيازات الطبقة المستغلة.
7- يمكن أخذ حرية الاجتماع مثالا على الديموقراطية الصافية. إن أي عامل واع لم يقطع مع طبقته، يفهم منذ اللحظة الأولى أنه من الحماقة بمكان السماح بحرية الاجتماع للمستغِلين في الوقت والظروف التي يقاوم فيها المستغِلون سقوطهم ويدافعون عن امتيازاتهم. عندما كانت البرجوازية ثورية في إنجلترا عام 1649 أو في فرنسا عام 1793 لم تمنح حرية الاجتماع للملكيين ولا للنبلاء الذين استدعوا القوات الأجنبية و«اجتمعوا» لتنظيم محاولات الردة. إذا كانت البرجوازية اليوم، التي أصبحت رجعية منذ فترة طويلة، تطالب البروليتاريا بأن تضمن لها مسبقاً، وبالرغم من كل المقاومة التي يقوم بها الرأسماليون ضد مصادرة ملكيتهم، حرية الاجتماع للمستغلين، فإن العمال لا يملكون إلاّ أن يضحكوا من نفاق البرجوازية.
من جهة أخرى، يعلم العمال جيدا جدا أن حرية الاجتماع، حتى في الجمهورية البرجوازية الأكثر ديموقراطية، هي جملة لا معنى لها، طالما أن الأغنياء يملكون أفضل العمارات الخاصة والعامة، ووقت الفراغ اللازم للاجتماع تحت حماية هذا الجهاز الحكومي البرجوازي. إن بروليتاريي المدن والأرياف وصغار الفلاحين، أي الأغلبية العظمى من السكان لا تملك لا تلك العمارات ولا ذلك الوقت. وطالما أن الأمر كذلك، فإن المساواة، أي الديموقراطية المحضة ليست إلاّ خديعة. من أجل الحصول على المساواة الفعلية، ومن أجل تحقيق الديموقراطية فعلا لصالح الشغيلة، ينبغي مسبقا انتزاع كل المساكن الغنية العامة والخاصة من المستغِلين، وينبغي مسبقا تأمين أوقات الفراغ للشغيلة، وينبغي أن تتم حماية اجتماعاتهم بواسطة عمال مسلحين، وليس أبدا من قبل الضباط النبلاء الريفيين أو الرأسماليين، والجنود الموالين لهم.
عندئذ فقط يمكننا أن نتكلم على حرية الاجتماع والمساواة، دون أن نهزأ من العمال والشغيلة. والحال، مَنْ باستطاعته إنجاز هذا الإصلاح غير الطبقة العمالية، أي البروليتاريا، عن طريق إطاحة المستغِلين والبرجوازية؟
8- إن حرية الصحافة هي أيضا أحد أكبر شعارات الديموقراطية المحضة. ومرة أخرى يعلم العمال أن الاشتراكيين في كل البلدان قد اعترفوا ملايين المرات بأن هذه الحرية هي أكذوبة، طالما أن أفضل المطابع وأكبر مخازن الورق يستأثر بها الرأسماليون، وطالما بقيت سلطة الرأسمال قائمة في العالم أجمع، وبوضوح وصفاء وصلافة أكبر، كلما كان النظام الديموقراطي والجمهوري أكثر تطورا، كما في أمريكا مثلا. فمن أجل الحصول على المساواة الفعلية والديموقراطية الحقيقية بما يخدم مصالح الشغيلة، العمال والفلاحين، ينبغي أن تنزع من الرأسمال قدرته على استئجار الكتّاب، وشراء الصحف ودور النشر وإفسادها، ومن أجل هذا ينبغي إسقاط نير الرأسمال، إسقاط المستغلين، وتحطيم مقاومتهم. إن الرأسماليين يطلقون اسم حرية الصحافة على قدرة الأغنياء على إفساد الصحافة، وقدرتهم على استخدام ثرواتهم، من أجل فبركة الرأي العام المزعوم والمحافظة عليه. إن المدافعين عن «الديموقراطية المحضة» هم في الواقع، مرة أخرى، مدافعون عن النظام الحقير والفاسد لسيطرة الأغنياء على إعلام الجماهير، إنهم هؤلاء الذين يخدعون الشعب ويضللونه بالجمل الكاذبة، حول هذه الضرورة التاريخية، وهي تحرير الصحافة من خضوعها للرأسمال. إن الحرية الفعلية أو المساواة الفعلية لن توجدا إلاّ في النظام الذي يبنيه الشيوعيون، حيث يستحيل ماديا إخضاع الصحافة بشكل مباشر أو غير مباشر لسلطة المال، وحيث لا شيء يمنع أي شغيل أو مجموعة من الشغيلة في ظل هذا النظام من امتلاك، أو استخدام، حق استعمال مطابع الدولة وورقها، وبمساواة تامة.
لقد بين لنا تاريخ القرن التاسع عشر والقرن العشرين، حتى قبل الحرب، ما كانت عليه الديموقراطية المحضة الشهيرة في ظل النظام الرأسمالي. ردّد الماركسيون دوما أنه كلما كانت الديموقراطية أكثر تطورا، وكلما كانت أكثر صفاء، كلما وجب أن يكون الصراع الطبقي أكثر حيوية وحدة وشراسة، وكلما ظهر أكثر صفاء نير الرأسمال وديكتاتورية البرجوازية. إن قضية درايفوس في فرنسا الجمهورية، والعنف الدموي للمفارز المستأجرة والمسلّحة من قبل الرأسماليين ضد المضربين في الجمهورية الأمريكية الحرة والديموقراطية، إن هذه الوقائع والآلاف المشابهة غيرها، تكشف هذه الحقيقة التي تسعى البرجوازية عبثا إلى إخفائها، وهي أنه، تحديدا، في الجمهوريات الأكثر ديموقراطية، يسود الرعب وديكتاتورية البرجوازية. رعب ودكتاتورية يظهران بصراحة في كل مرة يبدو فيها للمستغِلين أن سلطة الرأسمال بدأت تتزعزع.
9- أظهرت الحرب الإمبريالية بين عامي 1914 و1918 بشكل نهائي، حتى أمام أعين العمال غير المستنيرين، هذا الطابع الحقيقي للديموقراطية البرجوازية، حتى في الجمهوريات الأكثر حرية – بما هو طابع ديكتاتورية برجوازية. فمن أجل إغناء حفنة من أصحاب الملايين أو المليارات الألمان أو الإنجليز، جرى ذبح عشرات الملايين من الرجال، وتم تأسيس الديكتاتورية العسكرية للبرجوازية في الجمهوريات الأكثر حرية. وما زالت هذه الديكتاتورية العسكرية مستمرة في البلدان الحليفة حتى بعد هزيمة ألمانيا. إن الحرب أكثر من أي شيء آخر، هي التي فتحت أعين الشغيلة ونزعت المغريات الكاذبة للديموقراطية البرجوازية؛ لقد أظهرت للشعب جحيم المضاربة والربح خلال الحرب وبمناسبة الحرب. لقد قامت البرجوازية بهذه الحرب باسم الحرية والمساواة، وباسم الحرية والمساواة جنى مموّنو الجيش ثروات خيالية. ولم تتوصل كل جهود أممية برن الصفراء إلى أن تخفي عن الجماهير طابع الاستغلال، الظاهر حاليا، للحرية البرجوازية، وللمساواة البرجوازية وللديموقراطية البرجوازية.
10- إن الأشهر الأولى من هذه الحرية الجمهورية التامة في ألمانيا، البلد الرأسمالي الأكثر تطورا في أوروبا، هذه الحرية التي حملتها هزيمة ألمانيا الإمبريالية، قد أظهرت للعمال الألمان وللعالم أجمع الطابع الطبقي للجمهورية الديموقراطية البرجوازية. إن اغتيال كارل ليبكنخت وروزا لوكسمبرغ هو حدث ذو أهمية تاريخية عالمية، ليس فقط بسبب الموت المأساوي لإثنين من أفضل شخصيات وقيادات الأممية البروليتارية والشيوعية الحقيقية، بل أيضا لأنها أظهرت الجوهر الفعلي للنظام البرجوازي في الدولة الأكثر تطورا في أوروبا، لا بل يمكننا القول، في العالم أجمع. إذا كان هناك أشخاص قيد الاعتقال، بمعنى أنهم موضوعون تحت حراسة السلطة الحكومية للاشتراكيين الوطنيين، قد أمكن قتلهم، دون محاكمة، من قبل الضباط والرأسماليين، فهذا يعني أن الجمهورية الديموقراطية التي أمكن أن يتم فيها حدث مماثل ليست إلاّ ديكتاتورية البرجوازية. إن الأشخاص الذين يعبّرون عن نقمتهم بصدد موضوع اغتيال كارل ليـبكنخت وروزا لوكسمبرغ، لكن دون أن يفهموا هذه الحقيقة، لا يثبتون بذلك إلاّ غباءهم أو نفاقهم. إن الحرية، في إحدى أكثر جمهوريات العالم حرية وتقدما، الجمهورية الألمانية، هي حرية قتل قادة البروليتاريا الموقوفين دون محاكمة. ولا يمكن أن يكون الأمر مختلفا طالما بقيت الرأسمالية، لأن تطور المبدأ الديموقراطي، بعيدا عن أن يضعف الصراع الطبقي، زاد من حدته؛ وقد بلغ هذا الصراع نقطة الغليان بفعل مضاعفات الحرب وتأثيرها.
ويجري اليوم، في كل العالم المتحضر طرد البلاشفة، وملاحقتهم وسجنهم، كما حصل مثلا في سويسرا، إحدى الجمهوريات البرجوازية الأكثر حرية، وفي أمريكا حيث يجري ذبح الشيوعيين الخ. ومن وجهة نظر الديموقراطية بشكل عام والديموقراطية المحضة، من السخف تماما أن تخاف الدول المتحضرة والمتقدمة، والديموقراطية المسلحة حتى الأسنان، من وجود بضع عشرات من الأشخاص القادمين من روسيا المتأخرة الجائعة والمهدمة، من روسيا هذه التي يسمونها في ملايين النسخ في الصحف البرجوازية، بالمتوحشة والمجرمة، الخ. من الواضح أن الشروط الاجتماعية التي أمكن أن ينمو فيها تناقض صارخ إلى هذا الحد، تُحقّق في الواقع دكتاتورية البرجوازية.
11- في حالة كهذه، ليست ديكتاتورية البروليتاريا شرعية بشكل مطلق فحسب، كأداة خاصة بالبروليتاريا لإطاحة المستغلين وسحق مقاومتهم، بل إنه لا غنى عنها بالمطلق بالنسبة لكل الجماهير العاملة، كونها الوسيلة الوحيدة للدفاع ضد دكتاتورية البرجوازية التي سبّبت الحرب والتي تُحضّر لحروب جديدة.
إن النقطة الأكثر أهمية، التي لا يفهمها الاشتراكيون، والتي تشكل قصر نظرهم النظري وانحباسهم في الأفكار المسبقة البرجوازية وخيانتهم السياسية تجاه البروليتاريا، هي أنه عندما يحتدم الصراع الطبقي في المجتمع الرأسمالي، وهو في أساس هذا المجتمع، لا يعود هناك حل وسط بين ديكتاتورية البرجوازية وديكتاتورية البروليتاريا، فكل الأحلام حول حل وسيط ليست إلاّ نواحا رجعيا من جانب برجوازيين صغار.
لقد حملت البرهان على ذلك تجربة تطور الديموقراطية البرجوازية والحركة العمالية منذ أكثر من قرن في كل البلدان المتحضرة، وبشكل خاص تجربة السنوات الخمس الأخيرة، وهذه أيضا الحقيقة التي يعلّمها كل علم الاقتصاد السياسي، وكل مضمون الماركسية الذي يشرح بحكم أية ضرورة اقتصادية تولد ديكتاتورية البرجوازية، وكيف أنه لا يمكن أن تستبدل إلاّ بطبقة متطورة، مضاعفة، معزّزة، أصبحت شديدة التماسك بفعل تطور الرأسمالية نفسها، أي طبقة البروليتاريين.
12- إن الخطأ النظري والسياسي الآخر للاشتراكيين، يقوم على عدم فهمهم أن أشكال الديموقراطية قد تغيّرت باستمرار خلال القرون التي مرت، منذ بذورها الأولى في العصور القديمة، كلما أستُبدلت طبقةٌ مسيطرة بأخرى. في الجمهوريات اليونانية القديمة، وفي المدن في القرون الوسطى، وفي البلدان الرأسمالية المتحضرة، تتخذ الديموقراطية أشكالا مختلفة وعلى درجة من التكيف مختلفة. وسيكون حماقة لا حماقة بعدها الاعتقادُ بأن الثورة الأكثر عمقا في تاريخ الإنسانية وبأن انتقال السلطة، للمرة الأولى في العالم، من أقلية من المستغِلين إلى أكثرية من المستغَلين، يمكن أن تحدث في الأطر القديمة للديموقراطية البرجوازية والبرلمانية، ويمكن أن تحدث دون شروخ واضحة، دون أن تخلق مؤسسات جديدة تجسد شروط الحياة الجديدة هذه الخ…
13- تشبه ديكتاتورية البروليتاريا ديكتاتورية الطبقات الأخرى، لأنها تَنْتُج مثل كل صنف من الديكتاتورية، عن ضرورة قمع مقاومة الطبقة التي خسرت سيطرتها السياسية، وبشكل عنيف. إن النقطة الأساسية التي تفصل ديكتاتورية البروليتاريا عن تلك الخاصة بالطبقات الأخرى، عن ديكتاتورية العناصر الإقطاعية في القرون الوسطى والديكتاتورية البرجوازية في كل البلدان المتحضرة الرأسمالية، هي أن ديكتاتورية العناصر الإقطاعية وديكتاتورية البرجوازية، تتمثلان بالسحق العنيف لمقاومة الأكثرية الهائلة من السكان ومن الطبقة العاملة، فيما تسحق ديكتاتورية البروليتاريا عن طريق القوة، مقاومة المستغِلين، أي الأقلية الضئيلة من السكان، الملاكين العقاريين والرأسماليين.
ينتج عن هذا أيضا أن ديكتاتورية البروليتاريا تُحدث بشكل حتمي تغييراً ليس فقط في الأشكال والمؤسسات الديموقراطية بشكل عام بل أنها أيضا تُحدث تغييراً يصل إلى حد التوسيع غير المعروف حتى الآن للمبدأ الديموقراطي لصالح الطبقات التي تستغلها الرأسمالية، لصالح الطبقات الكادحة.
في الواقع، إن شكل ديكتاتورية البروليتاريا الذي تم تحقيقه بالفعل، أي سلطة السوفيات في روسيا، والـRaete Système في ألمانيا، والـShop Stewadrs Committees، والمؤسسات الأخرى المشابهة في البلدان الأخرى، يعني للطبقات الكادحة، أي الأغلبية العظمى من السكان، ويحقق لها إمكانية سريعة للإفادة من الحقوق والحريات الديموقراطية كما لم يحصل أبدا من قبل، ولو بشكل مشابه، في الجمهوريات الأفضل والأكثر ديموقراطية.
إن جوهر سلطة السوفيات يقوم على أن الأساس الثابت والوحيد لكل السلطة الحكومية هو منظمة الجماهير المضطَهدة سابقا على يد الرأسماليين، أي العمال وأشباه البروليتاريا (الفلاحين الذين لا يستغلون عمل غيرهم والذين هم بحاجة بشكل ثابت لبيع جزء على الأقل من قوة عملهم). هذه هي الجماهير التي تتمتع حتى في الجمهوريات البرجوازية الأكثر ديموقراطية، بالمساواة تبعا للقانون، فيما هي مبعدة في الواقع، وبواسطة آلاف الأعراف والمناورات، عن كل مشاركة في الحياة السياسية، عن كل استخدام للحقوق والحريات الديموقراطية، وهي المدعوة اليوم إلى اتخاذ نصيب هام وإلزامي، نصيب حاسم، في الإدارة الديموقراطية للدولة.
14- إن المساواة بين المواطنين، بغض النظر عن الجنس والدين والعرق والقومية، التي وعدت بها الديموقراطية البرجوازية دائما وفي كل مكان، لكنها لم تحققها في أي مكان، ولن تستطيع تحقيقها نظرا لسيطرة الرأسمالية، تحققها سلطة السوفيات أو ديكتاتورية البروليتاريا دفعة واحدة وبشكل كامل، لأنها وحدها القادرة على تحقيق سلطة العمال غير المنتفعين من الملكية الخاصة، ووسائل الإنتاج، والصراع من أجل اقتسامها وتوزيعها.
15- كانت الديموقراطية القديمة، أي الديموقراطية البرجوازية والبرلمانية منظمة بطريقة تبعد الجماهير الكادحة، أكثر فأكثر، عن الجهاز الحكومي. إن سلطة السوفيات، أي ديكتاتورية البروليتاريا، مبنية على العكس بحيث تقرّب الجماهير الكادحة من الجهاز الحكومي، وللغاية نفسها بهدف الجمع بين السلطة التشريعية والتنفيذية في التنظيم السوفياتي للدولة، كذلك استبدال الدوائر الانتخابية الإقليمية بوحدات عمل، مثل المصانع والمشاغل.
16- لم يكن الجيش أداة قمع في ظل الملكية فقط، بل بقي كذلك في كل الجمهوريات البرجوازية حتى أكثرها ديموقراطية. إن سلطة السوفيتات وحدها، باعتبارها التنظيم الدائم للطبقات المضطهدة على يد الرأسمالية، هي القادرة على إزالة خضوع الجيش للقيادة البرجوازية، وعلى الدمج الفعلي للبروليتاريا بالجيش، عبر إنجاز تسليح البروليتاريا ونزع سلاح البرجوازية، اللذين بدونهما يستحيل انتصار الاشتراكية.
17- يتكيّف التنظيم السوفياتي للدولة مع الدور القيادي للبروليتاريا، باعتبارها طبقة متمركزة إلى حد بعيد، وقد تربّت على يد البرجوازية. إن تجربة كل الثورات وكل حركات الطبقات المضطهدة، وتجربة الحركة الاشتراكية في العالم أجمع، تعلمنا أن البروليتاريا هي وحدها القادرة على توحيد وقيادة الجماهير المتشتتة والمتخلفة من السكان الكادحين والمستغَلين.
18- إن التنظيم السوفياتي للدولة هو وحده القادر فعليا، وبضربة واحدة، على تحطيم الجهاز الإداري والقضائي البرجوازي القديم وتدميره، بشكل نهائي، هذا الجهاز الذي بقي وكان من المحتم أن يبقى في ظل الرأسمالية حتى في الجمهوريات الأكثر ديموقراطية، لأنه كان بالفعل الحائل الأكبر أمام وضع المبادئ الديموقراطية لصالح العمال والشغيلة موضع التنفيذ. لقد قامت كومونة باريس، في هذا الطريق، بالخطوة الأولى ذات الأهمية التاريخية العالمية، وقامت سلطة السوفيات بالخطوة التالية.
19- إن القضاء على السلطة الحكومية هو الهدف الذي أخذه الاشتراكيون على عاتقهم وكان ماركس أولهم. دون تحقيق هذا الهدف، لا يمكن تحقيق الديموقراطية الحقيقية، أي المساواة والحرية. وعليه فإن الوسيلة الوحيدة لتحقيقه هي الديموقراطية السوفياتية أو البروليتارية، ذلك أنها بدعوتها منظمات الجماهير الكادحة إلى الإسهام الحقيقي والإلزامي بالحكومة، تبدأ من الآن بالإعداد للإزالة التامة لكل حكومة.
20- إن الإفلاس الكامل للاشتراكيين المجتمعين في برن وعدم فهمهم المطلق للديموقراطية البروليتارية الجديدة يظهران بشكل خاص بالتالي: في العاشر من شباط / فبراير 1919، اختتم برانتينغ في برن الكونفرانس العالمي للأممية الصفراء. وفي 11 شباط / فبراير 1919، نُشر في برلين في صحيفة شركاء برانتينغ في العقيدة، صحيفة Die Freiheit، نداء من حزب المستقلين إلى البروليتاريا. يجري الاعتراف في هذا النداء بالطابع البرجوازي لحكومة شيدمان، التي يتهمها بالرغبة في إلغاء السوفيتات، المدعوة بالمبشرة بالثورة والمدافعة عنها، وتجري مطالبة الحكومة باعتبار السوفيتات شرعية ومنحها الحقوق السياسية وحق التصويت ضد قرارات الجمعية التأسيسية، على أن يبقى الاستفتاء الحكم الأخير.
يبيّن هذا النداء السقوط الكامل للمنظرين المدافعين عن الديموقراطية دون فهم طابعها البرجوازي. إن هذه المحاولة السخيفة لدمج نظام السوفيتات، أي ديكتاتورية البروليتاريا بالجمعية التأسيسية، أي دكتاتورية البرجوازية، تفضح بالعمق، وفي آن معا، الفقر الفكري للاشتراكيين الصُّفر والاشتراكيين الديموقراطيين، وطابعهم الرجعي البرجوازي الصغير، وتنازلاتهم الجبانة أمام القوة المتصاعدة باضطراد للديموقراطية البروليتارية الجديدة.
21- إذا أدانت البلشفية أغلبية أممية برن، التي لم تجرؤ على التصويت الشكلي على جدول أعمال يتفق مع فكرها، خوفا من الجماهير العمالية، فإنها تصرفت بالضبط انطلاقا من وجهة نظرها الطبقية. إن هذه الأكثرية متضامنة بالكامل مع المناشفة والاشتراكيين الثوريين الروس، وأنصار شيدمان الألمان.
إن المناشفة والاشتراكيين الثوريين الروس، إذ يشتكون من ملاحقة البلاشفة لهم يحاولون أن يخفوا واقع أن سبب هذه الملاحقة هو مشاركة المناشفة والاشتراكيين الثوريين في الحرب الأهلية إلى جانب البرجوازية ضد البروليتاريا. ولقد كان أنصار شيدمان وحزبهم قد أظهروا بالطريقة نفسها في ألمانيا، أنهم يشاركون في الحرب الأهلية إلى جانب البرجوازية ضد العمال.
من الطبيعي، تبعا لذلك، أن تعلن أغلبية المشاركين في أممية برن الصفراء معاداتها للبلاشفة، وبذلك لا تظهر أبدا الرغبة في الدفاع عن الديموقراطية المحضة بل الحاجة للدفاع عن النفس، لدى أشخاص يحسون ويعلمون أنهم يقفون إلى جانب البرجوازية ضد البروليتاريا في الحرب الأهلية.
لذلك، ومن وجهة نظر الصراع الطبقي، من المستحيل عدم الاعتراف بصحة قرار أكثرية الأممية الصفراء. لا ينبغي للبروليتاريا أن تخشى الحقيقة بل أن تنظر إليها مواجهة وتستخلص النتائج الناجمة عنها.
على قاعدة هذه الموضوعات، ونظرا إلى تقارير المندوبين في مختلف البلدان يعلن مؤتمر الأممية الشيوعية أن المهمة الأساسية للأحزاب الشيوعية في مختلف المناطق حيث لم تتشكل سلطة السوفيتات بعد، تتمثل بالتالي:
أولا: تنوير جماهير الطبقة العاملة، بشكل واسع، حول المعنى التاريخي للضرورة السياسية والعملية لديموقراطية بروليتارية جديدة، ينبغي أن تحل مكان الديموقراطية البرجوازية والبرلمانية.
ثانيا: توسيع وتنظيم السوفيتات في كل ميادين الصناعة والجيش والبحرية وبين العمال الزراعيين وصغار الفلاحين.
ثالثا: كسب أغلبية شيوعية موثوقة وواعية داخل السوفيتات.
خطاب لينين حول موضوعاته
أيها الرفاق
أريد أن أضيف بعض الكلمات على النقطتين الأخيرتين، وأعتقد أن الرفاق الذين سيقدمون لنا التقرير عن كونفرانس أممية برن سيحدثوننا بتفاصيل أكبر.
خلال كونفرانس برن بأكمله لم تُقل كلمة واحدة عن معنى السلطة السوفياتية، فيما نحن نناقش هذه المسألة منذ سنتين في روسيا. كنا في نيسان / أبريل 1917، في مؤتمر الحزب، قد طرحنا المسألة من وجهة نظر نظرية وسياسية: «ما هي السلطة السوفياتية، ما هو جوهرها وما هو معناها التاريخي؟» وها قد مضى حوالي عامين ونحن ندرس هذه المسألة وقد تبنينا قرارا بهذا الصدد في مؤتمر الحزب.
نشرت صحيفة الفرايهايت (Freiheit) في 11 شباط / فبراير نداء إلى البروليتاريا الألمانية لم يوقعه فقط القادة الاشتراكيون – الديموقراطيون المستقلون في ألمانيا، بل كذلك كل أعضاء تكتل المستقلين. وفي آب / أغسطس 1918، كتب كاوتسكي أكبر منظري المستقلين في كراسه «ديكتاتورية البروليتاريا» أنه كان من مناصري الديموقراطية والأجهزة السوفياتية، ولكن ينبغي ألاّ تتخذ السوفيتات إلاّ طابعا اقتصاديا، ولا يمكن اعتبارها كمنظمات لدولة. ويكرر كاوتسكي هذا التأكيد في عدديْ 11 تشرين الثاني / نوفمبر و12 كانون الثاني / يناير من صحيفة الفراهايت. في 9 شباط / فبراير ظهر مقال لرودولف هيلفردينغ، الذي يُعتبر أيضا أحد المنظرين الأساسيين المسؤولين في الأممية الثانية، يقترح فيه دمج نظامي السوفيتات والجمعية التأسيسية حقوقيا، أي بالطريقة الاشتراعية. كان ذلك في التاسع من شباط / فبراير، وتبنى هذا الاقتراح الثاني حزب المستقلين بكامله، ونُشر بشكل نداء.
على الرغم من أن الجمعية الوطنية باتت موجودة بالفعل، حتى بعد أن تجسدت «الديموقراطية المحضة» في الواقع، وبعد أن شرح كبار منظري الاشتراكية – الديموقراطية أن المنظمات السوفياتية لا يمكن أن تكون منظمات دولة، بعد كل ذلك ورغما عنه، لا زال هناك تردد. هذا يثبت أن هؤلاء السادة لم يفهموا حقا أي شيء عن الحركة الجديدة وشروطها النضالية. لكن هذا يثبت، بالإضافة إلى ذلك، شيئا آخر، وهو أنه يجب أن توجد هناك ظروف ودوافع تؤدي إلى هذا التردد. عندما يقترحون علينا بعد كل تلك الأحداث، بعد ما يقارب عامين من الثورة المنتصرة في روسيا، هكذا مقررات، كما جرى تبنيها في كونفرانس برن، مقررات لم يُذكر فيها أي شيء عن السوفيتات ومعناها، وفي كونفرانس لم ينطق خلاله أي مندوب بكلمة، في أي خطاب، عن هذه المسائل، يكون لدينا الحق في التأكيد بأن كل هؤلاء السادة أموات، بالنسبة لنا، كاشتراكيين وكمنظرين.
لكن، في الواقع، فإن هذا يثبت، أيها الرفاق، من وجهة النظر السياسية، أن هناك تقدما كبيرا يتحقق بين الجماهير، بما أن هؤلاء المستقلين المعاد ين من الناحية النظرية ومن حيث المبدأ لمنظمات الدولة هذه، يقترحون علينا فجأة حماقة من مثل الدمج «السلمي» بين الجمعية الوطنية ونظام السوفيتات، أي الدمج بين ديكتاتورية البرجوازية وديكتاتورية البروليتاريا. وهكذا نرى إلى أي درجة أفلست هذه الجماعة من الناحيتين السياسية والنظرية، ونرى التحول الضخم الذي حصل على الصعيد الجماهيري. إن الجماهير المتخلفة من البروليتاريا الألمانية تأتي إلينا، ماذا أقول؟ لقد أتت إلينا. هكذا فإن معنى الحزب الاشتراكي – الديموقراطي الألماني المستقل، الذي شكل الجزء الأفضل من الناحيتين النظرية والاشتراكية، يساوي صفرا، وهو يحتفظ مع ذلك بأهمية معينة، بمعنى أن عناصره تقدم لنا مؤشرا على حالة الجزء الأكثر تخلفا من البروليتاريا. من هنا تنبع برأيي الأهمية التاريخية الضخمة لهذا الكونفرانس. لقد شهدنا شيئا مشابها خلال ثورتنا، إذ خضع المناشفة خطوة خطوة، تقريبا، للتطور ذاته الذي عرفه المنظرون المستقلون في ألمانيا. عندما كانوا يحوزون الأغلبية في السوفيتات كانوا من أنصارها فلم نكن نسمع آنذاك سوى صيحات مثل: «عاشت السوفيتات»، «من أجل السوفيتات»، «السوفيتات و الديموقراطية الثورية!». لكن عندما حزنا نحن الأكثرية في السوفيتات، نحن البلاشفة، أنشدوا أغنيات أخرى، من مثل: «لا ينبغي للسوفيتات أن توجد في الوقت نفسه مع الجمعية التأسيسية»، لا بل إن بعض المنظرين المناشفة اقترحوا شيئا مشابها لدمج نظام السوفيتات مع الجمعية التأسيسية وإدخالها في منظمات الدولة. ويظهر مرة أخرى أن المجرى العام للثورة البروليتارية متشابه في العالم أجمع: تشكل عفوي وأولي للسوفيتات في البداية، وامتدادها فيما بعد وتطورها، ومن ثم ظهور السؤال التالي في الممارسة: سوفيتات، أو جمعية وطنية تأسيسية، أو برلمانية برجوازية ؟، تشويش مطلق لدى القادة، وفي النهاية الثورة البروليتارية. يبدو لي مع ذلك أنه بعد حوالي عامين من الثورة لا يجب أن نطرح السؤال على هذه الشاكلة، بل ينبغي أن نتخذ مقررات ملموسة لأن انتشار نظام السوفيتات هو بالنسبة لنا، وبشكل خاص بالنسبة لغالبية بلدان أوربا الغربية، إحدى المهام الأكثر جوهرية. إن الغريب الذي لم يسمع أي شيء سابقا عن البلشفية، لن يستطيع أن يكوّن رأيا خاصا عن نقاشاتنا إلاّ بصعوبة بالغة. فكل ما يؤكده البلاشفة يناقضه المناشفة والعكس صحيح، وبالطبع لا يمكن أن يكون الأمر مختلفا في مجرى الصراع. كان من الأهمية بمكان أن يتخذ الكونفرنس الأخير للحزب المنشفي المنعقد في شهر كانون الأول / ديسمبر 1918 قرارا طويلا مفصلا، نشر بكامله في جريدة المناشفة «جريدة التيبوغراف». يطرح المناشفة بالذات، في هذا القرار، تاريخ الصراع الطبقي والحرب الأهلية بشكل مختصر. ويذكر القرار أن المناشفة يدينون المجموعات الحزبية المتحالفة مع الطبقات المسيطرة في الأورال والجنوب والقرم وجورجيا، ويشيرون بدقة إلى كل هذه المناطق. إن المجموعات الحزبية المنشفية المتحالفة مع الطبقات المسيطرة والتي حاربت ضد السلطة السوفياتية هي الآن مدانة بهذا القرار، لكن النقطة الأخيرة تدين كذلك الذين انضموا إلى الشيوعيين. وتبعا لذلك فإن المناشفة مضطرون للاعتراف بأنه لم تعد هناك وحدة في حزبهم، فهم إمّا يقفون إلى جانب البرجوازية أو إلى جانب البروليتاريا. إن قسما هاما من المناشفة انضم إلى البرجوازية وقاتل ضدنا خلال الحرب الأهلية، فطبيعي أن نلاحقهم، وحتى أن نغتالهم، حيث أنهم، في الحرب ضدنا، يقاتلون الجيش الأحمر ويغتالون ضباطنا الحمر. لقد رددنا على البرجوازية، التي أعلنت علينا الحرب البروليتارية، ولا يمكن أن يكون هناك مخرج آخر. هكذا إذن فمن وجهة نظر سياسية ليس كل ذلك إلاّ نفاقا منشفيا. تاريخيا، ثمة أمر لا يمكن فهمه هو أن أشخاصا غير معتبرين رسميا مجانين كان بإمكانهم، وبدفع من المناشفة والاشتراكيين الثوريين أن يتحدثوا، في كونفرانس برن، عن نضال البلاشفة ضدهم، فيما يمرون بصمت على نضالهم المشترك مع البرجوازية ضد البروليتاريا.
جميعهم يهاجموننا بشراسة لأننا نلاحقهم، هذا صحيح، لكنهم يحاذرون أن يقولوا كلمة واحدة عن الموقع الذي اتخذوه هم أنفسهم في الحرب الأهلية. أعتقد أنه من المناسب أن يُنشر النص الكامل للقرار في محضر الجلسة وأتمنى على الرفاق الأجانب أن يعيروه كل اهتمامهم، لأنه يمثل وثيقة تاريخية، المسألة مطروحة فيه بالكامل، وتقدم أفضل توثيق حول النقاش بين الاتجاهات «الاشتراكية» المختلفة في روسيا. توجد بين البروليتاريا والبرجوازية طائفة من الناس تميل تارة إلى هذا الجانب وتارة إلى الجانب الآخر. هكذا كان الوضع دائما وفي كل الثورات، ومن المستحيل على الإطلاق في المجتمع البرجوازي، حيث تشكل البروليتاريا والبرجوازية معسكرين عدوين متقابلين، ألاّ توجد بينهما شرائح اجتماعية وسيطة. إن وجود هذه العناصر المترددة أمر حتمي تاريخيا ولسوء الحظ فإن هذه العناصر التي لا تعرف هي نفسها مع من ستقاتل إذا، سوف تبقى موجودة، ولفترة طويلة نسبيا.
إنني أرغب بتقديم اقتراح ملموس نحو تبني قرار تتم الإشارة فيه بشكل خاص إلى ثلاث نقاط:
1- إن إحدى المهمات الأكثر أهمية بالنسبة للرفاق في أوربا الغربية تقوم على شرح معنى نظام السوفيتات للجماهير وأهميته وضرورته. فإننا نلحظ نقصا في الفهم في هذه الناحية. إذا كان صحيحا أن كاوتسكي وهيلفردينغ قد أفلسا كمنظرين، فإن المقالات الأخيرة التي نشرت في ألـ «فرايهايت» تبرهن، مع ذلك، على أنهما قد عرفا أن يعبرا بدقة عن ذهنية الأقسام المتخلفة من البروليتاريا الألمانية. لقد حصل الشيء نفسه عندنا: خلال الأشهر الثمانية الأولى للثورة الروسية نوقشت مسألة النظام السوفياتي كثيرا، ولم يكن العمال يرون بوضوح كبير على ماذا يقوم النظام الجديد، ولا إذا كان بالإمكان تشكيل جهاز الدولة بواسطة السوفيتات. لقد استطعنا التقدم، في ثورتنا، ليس بالطريقة النظرية بل بالطريقة العملية. وهكذا مثلا، لم نطرح أبدا في السابق مسألة الجمعية التأسيسية نظريا ولم نقل أبدا إننا لن نعترف بها. ونحن لم نقرر حلّ الجمعية التأسيسية إلاّ مؤخرا، عندما انتشرت المؤسسات السوفياتية عبر البلد كله واستولت على السلطة السياسية. إننا نشهد في الوقت الحاضر المسألة تطرح بحدة أكبر في المجر وسويسرا. من جهة، شيء ممتاز أن يكون الأمر كذلك، فإننا نستمد من هذه الواقعة القناعة المطلقة بأن الثورة تتقدم بسرعة أكبر في بلدان أوروبا الغربية، وأنها ستحمل إلينا انتصارات كبيرة، ولكن، من جهة ثانية، هناك خطر ما، وهو أن الصراع سيكون من الشراسة والتوتر بحيث أن وعي الجماهير العمالية لن يتمكن من اللحاق بهذا الإيقاع. حتى الآن ما زال معنى نظام السوفيتات غير واضح بالنسبة لأوسع الجماهير العمالية الألمانية المثقفة سياسيا، ذلك أنها تربّت على عقلية برلمانية وعلى أفكار مسبقة برجوازية.
2- ثمة نقطة متعلقة بانتشار نظام السوفيتات. فعندما نرى مدى السرعة التي تنتشر فيها فكرة السوفيتات في ألمانيا وحتى في انجلترا، يمكننا أن نقول لأنفسنا إن هذا برهان أساسي على أن الثورة البروليتارية سوف تنتصر، ولا يمكن إيقاف مجراها إلاّ لقليل من الوقت. ولكن أن يأتي إلينا الرفيقان ألبرت وبلاتين ليصرّحا بأنه لا يوجد سوفيتات عندهما في الريف بين العمال الزراعيين والفلاحين الصغار، فهذه قضية مختلفة. لقد قرأت، في «روت فاهنه» (Rote Fahne) مقالا ضد السوفيتات الفلاحية ولكنه (وهذا صحيح كليا) يدعم سوفيتات العمال الزراعيين والفلاحين الفقراء. إن البرجوازية وخدامها مثل شيدمان وشركائه قد أطلقوا شعار السوفيتات الفلاحية. ولكننا لا نريد إلاّ سوفيتات العمال الزراعيين والفلاحين الفقراء. يتضح لسوء الحظ، من تقريري الرفيقين ألبرت وبلاتين وغيرهما أننا، باستثناء المجر، لا نقوم إلاّ بالشيء القليل من أجل توسع النظام السوفياتي في الأرياف. وهنا ربما يكمن خطر عملي ذو أهمية بوجه البروليتاريا الألمانية الساعية إلى تحقيق الانتصار. وبالفعل لا يمكن أن يُعتبر الانتصار مضمونا إلاّ عندما لا يُنظم العمال في المدن فقط، بل كذلك العمال الزراعيون. وعندما ينظّمون ليس كما في السابق في النقابات والتعاونيات، بل في السوفيتات. لقد أحرزنا الانتصار بسهولة أكبر لأننا في تشرين الأول/ أكتوبر 1917، مشينا معا نحن وكل الفلاحين. بهذا المعنى فإن ثورتنا كانت آنذاك برجوازية. كانت الخطوة الأولى لحكومتنا البروليتارية هي تحقيق المطالب القديمة لكل الفلاحين، التي عبّرت عنها السوفيتات وجمعيات الفلاحين في عهد كيرنسكي، وذلك عن طريق القانون الذي وضعته حكومتنا في 26 تشرين الأول / أكتوبر (التقويم القديم) 1917، غداة الثورة. هنا تكمن قوتنا ولهذا كان بمقدورنا أن نكسب بسهولة تعاطف الأغلبية الساحقة. لقد استمرت ثورتنا في الريف ثورة برجوازية، ولكن، فيما بعد، وبانقضاء ستة أشهر اضطررنا للشروع، ضمن أطر تنظيم الدولة، بالصراع الطبقي في الأرياف، وبتأسيس لجان الفقراء وأنصاف البروليتاريين في كل قرية والنضال بشكل منظم ضد البرجوازية الريفية. كان ذلك أمرا لا مفر منه عندنا لأن روسيا بلد متخلف. وسيكون الأمر مختلفا تماما في أوربا الغربية، لهذا علينا أن نشدد على الضرورة المطلقة لتوسع النظام السوفياتي وسط السكان الريفيين، بأشكال ملائمة وربما جديدة.
3- ينبغي أن نقول إن كسب الأغلبية الشيوعية داخل السوفيتات يشكل المهمة الرئيسية في مختلف البلدان حيث لم تنتصر بعد السلطة السوفياتية. لقد درست لجنة القرارات عندنا هذه المسألة. ربما أراد بعض الرفاق إبداء رأيهم ولكنني أرغب بتقديم اقتراح، وهو أن يجري تبني النقطة التالية بشكل قرار خاص. من البديهي أننا لن نتمكن من تحديد مجرى تطور الثورة، فمن المحتمل جدا أن تنفجر في دول عديدة من أوروبا الغربية قريبا جدا. في كل الأحوال نحن نميل ويجب أن نميل بصفتنا جناحا منظما من العمال، وبصفتنا حزبا، إلى كسب الأغلبية في السوفيتات. عندها، يصبح انتصارنا مضمونا ولن يبقى هناك من قوة قادرة على القيام بأي شيء ضد الثورة الشيوعية. وإلاّ، فلن يكون النصر سهل البلوغ كما لن يكون استمراره طويلا.
قرار حول الموقف من التيارات
الاشتراكية وكونفرانس برن
لقد تبيّن منذ عام 1907، في المؤتمر العالمي الاشتراكي في شتوتغارت، عندما عرضت الأممية الثانية لمسألة السياسة الكولونيالية والحروب الإمبريالية، أن نصف أعضاء الأممية الثانية وغالبية قياداتها كانوا في هذه المسائل أكثر قربا بكثير إلى وجهات نظر البرجوازية منهم إلى وجهات نظر ماركس وإنغلز الشيوعية.
على الرغم من ذلك، فإن مؤتمر شتوتغارت تبنى تعديلا اقترحه ممثلا الجناح الثوري، ن. لينين وروزا لوكسمبرغ، مصوغا بالشكل التالي :
«بيد أنه إذا اندلعت حرب ما، على الاشتراكيين أن يعملوا على وضع نهاية سريعة لها، وأن يستخدموا، بكل الوسائل، الأزمة الاقتصادية والسياسية الناجمة عن الحرب من أجل إيقاظ الشعب والإسراع بذلك في إسقاط السيطرة الرأسمالية».
وفي مؤتمر بال في تشرين الثاني / نوفمبر 1912، الذي دعي للانعقاد أثناء حرب البلقان، أعلنت الأممية الثانية :
«على الحكومات البرجوازية ألاّ تنسى أن الحرب الفرنسية – الألمانية قد خلقت انتفاضة الكومونة الثورية، وأن الحرب الروسية – اليابانية قد حركت القوى الثورية في روسيا. بنظر البروليتاريين، إن التقاتل لأجل الربح الرأسمالي والتنافس بين السلالات الملكية وازدهار المعاهدات الديبلوماسية، إنما هو جريمة».
وفي أواخر تموز / يوليو وأوائل آب / أغسطس 1914، قبل 24 ساعة من بدء الحرب العالمية استمرت الهيئات والمؤسسات المختصة، بإدانة الحرب التي تقترب، على اعتبار أنها أكبر جريمة ترتكبها البرجوازية. إن التصريحات العائدة إلى تلك الأيام، والصادرة عن الأحزاب القيادية في الأممية الثانية تشكل حكم الإدانة الأكثر بلاغة ضد قياديّي الأممية الثانية.
* * * * *
مع طلقة المدفع الأولى التي سقطت على حقول المجزرة الإمبريالية، خانت الأحزاب الرئيسية في الأممية الثانية الطبقة العاملة، وانحاز كل حزب منها، تحت غطاء «الدفاع الوطني»، إلى جانب برجوازيته الخاصة. شيدمان وألبرت في ألمانيا، توماس ورينودل في فرنسا، هندرسون وهايدمان في إنكلترا، فاندرفلد ودي بروكير في بلجيكا، رينير وبرنر ستورفر في النمسا، بليخانوف وروبانوفيتش في روسيا، برانتينغ وحزبه في السويد، غومير ورفاقه في أمريكا، موسوليني وشركاؤه في إيطاليا، كل هؤلاء نصحوا البروليتاريا بـ «هدنة» مع برجوازية بلد «ها»، وبأن تقلع عن الحرب ضد الحرب، بأن تصبح في الواقع وقودا لمدافع الامبرياليين.
كانت هذه هي اللحظة التي أفلست فيها الأممية الثانية إفلاسا نهائيا وهلكت.
* * * * *
لقد تمكنت البرجوازية في البلدان الأكثر ثراء، بفعل التطور الاقتصادي العام، من إفساد قمة الطبقة العاملة، الأرستقراطية العمالية، وإغرائها، عن طريق الصدقات المأخوذة من أرباحها الضخمة. وتوافد «رفاق نضال» الاشتراكية البرجوازيون الصغار إلى صفوف الأحزاب الاشتراكية – الديموقراطية الرسمية، ووجهوا شيئا فشيئا مجرى هذه الأخيرة وجهة البرجوازية. وشكّل قادة الحركة العمالية البرلمانية والسلمية، والقادة النقابيون، وأمناء سرّ الاشتراكية – الديموقراطية ومحرروها ومستخدموها، شريحة بيروقراطية عمالية كاملة، لها مصالحها الخاصة كمجموعة أنانية، شريحة كانت في الواقع معادية للاشتراكية.
بفعل هذه الظروف مجتمعة انحطت الاشتراكية – الديموقراطية الرسمية إلى حزب معاد للاشتراكية وشوفيني.
كانت قد ظهرت داخل الأممية الثانية ثلاثة اتجاهات رئيسية. وخلال الحرب وحتى بداية الثورة البروليتارية في أوروبا تحددت معالم هذه الاتجاهات الثلاثة بوضوح كامل:
1- الاتجاه الاشتراكي – الشوفيني (اتجاه «الأغلبية») وممثلوه الأكثر نموذجية هم الاشتراكيون – الديموقراطيون الألمان الذين يتقاسمون السلطة اليوم مع البرجوازية الألمانية، والذين أصبحوا قتلة زعيمي الأممية الشيوعية، كارل ليبكنخت وروزا لوكسمبرغ.
لقد انكشف الاشتراكيون – الشوفينيون حاليا كأعداء طبقة البروليتاريا كليا، وهم يتبعون برامج «تصفية» الحرب، الذي أملته عليهم البرجوازية: تحميل الجماهير الكادحة الجزء الأكبر من الضرائب، عدم المساس بالملكية الخاصة، الحفاظ على الجيش بأيدي البرجوازية، حل المجالس العمالية التي تظهر في كل مكان والحفاظ على السلطة السياسية بأيدي البرجوازية – أي برنامج «الديموقراطية» البرجوازية بوجه الاشتراكية.
على الرغم من الشراسة التي قاتل فيها الشيوعيون حتى اليوم «جناح الأكثرية في الاشتراكية – الديموقراطية»، لم يدرك العمال، مع ذلك، بعد كل الخطر الذي يتهدد به هؤلاء الخونة البروليتاريا العالمية، ان فتح أعين العمال كافة على العمل الخياني للاشتراكيين – الشوفينيين وشل قدرة الحزب المعادي للثورة على الأذية، وبقوة السلاح، هو إحدى المهمات الأكثر أهمية للثورة البروليتارية العالمية.
2- الإتجاه الوسطي (الاشتراكيون – السلميون، الكاوتسكيون والمستقلون)، هذا الاتجاه بدأ يتشكل منذ ما قبل الحرب، خاصة في ألمانيا. في بداية الحرب تطابقت بشكل شبه دائم المبادئ العامة للـ «وسط» مع تلك الخاصة بالاشتراكيين – الشوفينيين. ودافع كاوتسكي، الزعيم النظري للـ «وسط» عن سياسة الاشتراكيين – الشوفينيين الألمان والفرنسيين. ولم تكن الأممية سوى «أداة في زمن السلم» و«نضال من أجل السلم»، و«صراع طبقي – في زمن السلم». كانت هذه شعارات كاوتسكي.
منذ بداية الحرب والـ «وسط» داعم لـ «الوحدة» مع الاشتراكيين – الشوفينيين. وبعد اغتيال ليبكنخت ولوكسمبرغ، استمر الـ «وسط» بالتبشير بهذه «الوحدة»، أي وحدة العمال الشيوعيين مع قتلة الزعيمين الشيوعيين، ليبكنخت ولوكسمبرغ.
منذ بداية الحرب والـ «وسط» (كاوتسكي، وفيكتور آدلر، توراتي، ماك دونالد) يروج «للعفو المتبادل»، تجاه زعماء الأحزاب الاشتراكية – الشوفينية في ألمانيا والنمسا من جهة، وفي فرنسا وإنجلترا من جهة ثانية. وما زال «الوسط» حتى اليوم وبعد الحرب ينادي بهذا العفو، معيقا بذلك العمال عن تكوين فكرة واضحة عن أسباب انهيار الأممية الثانية.
لقد أرسل «الوسط» ممثليه إلى برن، إلى الكونفرانس العالمي للاشتراكيين المساومين، مسهلا بذلك مهمة شيدمان ورينودل بخداع العمال.
إنه من الضروري بشكل مطلق فصل العناصر الأكثر ثورية عن «الوسط»، ولا يمكن تحقيق ذلك إلاّ بالنقد الذي لا يرحم لزعماء «الوسط» والتشهير بهم. إن القطيعة التنظيمية مع «الوسط» هي ضرورة تاريخية مطلقة. ومهمة الشيوعيين في كل بلد هي أن يحددوا وقت هذه القطيعة تبعا للمرحلة التي بلغتها الحركة عندهم.
3- الشيوعيون: كان هذا التيار يمثل الأقلية داخل الأممية الثانية، حيث دافع عن المفاهيم الشيوعية – الماركسية حول الحرب ومهام البروليتاريا (شتوتغارت 1907، قرار لينين – لوكسمبرغ). وقد شكل تجمع «اليسار الراديكالي» (عصبة سبارتاكوس فيما بعد) في ألمانيا، والحزب البلشفي في روسيا و«المنبريون» في هولندا، وتجمع الشبيبة في عدد من البلدان، النواة الأولى للأممية الجديدة.
ولما كان هذا الإتجاه مخلصا لمصالح الطبقة العاملة فقد رفع منذ بداية الحرب شعار تحويل الحرب الامبريالية إلى حرب أهلية. لقد تشكل هذا الإتجاه الآن كأممية ثالثة.
* * * * *
كان الكونفرانس الإشتراكي في برن الذي عقد في شباط / فبراير 1919 محاولة لتحنيط جثة الأممية الثانية.
يدل تكوين كونفرانس برن بشكل جلي على أن البروليتاريا الثورية في العالم لا تشترك مع هذا الكونفرانس في أي شيء.
إن البروليتاريا المنتصرة في روسيا، و البروليتاريا البطلة في ألمانيا، والبروليتاريا الإيطالية والحزب الشيوعي البروليتاري النمساوي والمجري، والبروليتاريا السويسرية والطبقة العاملة في بلغاريا، ورومانيا والصرب، والأحزاب العمالية اليسارية في السويد والنرويج وفنلندا، والبروليتاريا الأوكرانية والليتونية والبولندية، والشبيبة الأممية والأممية النسائية، قد رفضت بحزم المشاركة في كونفرنس برن الذي عقده الاشتراكيون – الوطنيون.
إن المشاركين في كونفرنس برن الذين ما زالوا يحفظون شيئا من الصلة مع الحركة العمالية الفعلية في عصرنا، شكلوا تجمعا معارضا، وقف بوجه مكائد الاشتراكيين – الوطنيين، على الأقل بصدد المسألة الجوهرية، مسألة «تقويم الثورة الروسية». إن تصريح الرفيق الفرنسي لوريو، الذي فضح أغلبية كونفرنس برن، يعكس الرأي الفعلي لكل العمال الواعين في العالم أجمع.
لقد كان كونفرنس برن يتحرك دائما، في «قضية المسؤوليات» المزعومة، ضمن أطر الإيديولوجية البرجوازية. وقد تبادل الاشتراكيون – الوطنيون الألمان والفرنسيون التهم نفسها التي تراشقت بها البرجوازيتان الألمانية والفرنسية. وضاع كونفرنس برن في تفاصيل سخيفة حول هذا المسلك أو ذاك لهذا الوزير أو ذاك قبل الحرب، وهم لا يريدون أن يعترفوا بأن الرأسمالية، والرأسمال المالي في مجموعتي القوى وخدامها الاشتراكيين – الوطنيين هم المسؤولون الرئيسيون عن الحرب. لقد كانت أغلبية الاشتراكيين – الوطنيين في برن تريد أن تكتشف من هو المسؤول عن الحرب، وكانت تكفي نظرة واحدة إلى المرآة كي يعترفوا كلهم على أنفسهم كمسؤولين عنها.
إن التصريحات الصادرة عن كونفرنس برن حول المسألة الإقليمية مليئة بالالتباسات. إن هذا الالتباس هو بالضبط ما تحتاج إليه البرجوازية. وقد اعترف السيد كليمنصو ممثل البرجوازية الامبريالية الأكثر رجعية بمزايا الكونفرنس الاشتراكي – الوطني في برن بوجه الرجعية الامبريالية، باستقباله وفدا من كونفرنس برن وبالاقتراح عليه المشاركة في كل لجان الكونفرانس الامبريالية في باريس.
لقد أظهرت المسألة الكولونيالية بوضوح أن كونفرنس برن كان في المؤخرة وراء سياسيي الاستعمار الليبراليين – البرجوازيين هؤلاء، الذين يبررون استغلال البرجوازية الامبريالية للمستعمرات واستعبادها لها، ويسعون فقط إلى تمويه ذينك الاستغلال والاستعباد بجمل خيرية – إنسانية. إن الاشتراكيين – الوطنيين الألمان يطالبون بالإبقاء على انتماء المستعمرات الألمانية للرايخ، أي الإبقاء على استغلال الرأسمال الألماني لهذه المستعمرات. وتبين الاختلافات في وجهات النظر حول هذا الموضوع أن الاشتراكيين – الوطنيين في الدول الحليفة إنما يحملون وجهة نظر تاجر العبيد نفسها، ويعتبرون أنه من الطبيعي جدا أن يستعبد رأس المال الاستعماري المستعمرات الانكليزية والفرنسية. وهكذا يظهر أن كونفرنس برن قد نسي كليا شعار «فلتسقط السياسة الكولونيالية».
في تقويم «جمعية الأمم» أظهر كونفرنس برن أنه يقتفي آثار هذه العناصر البرجوازية، التي تسعى تحت المظهر المخادع لما يسمى بـ «عصبة الأمم» إلى إبعاد الثورة البروليتارية المتعاظمة في العالم أجمع. فبدل أن يفضح كونفرنس برن دسائس مؤتمر الحلفاء المنعقد في باريس، باعتبارها دسائس زمرة تقوم باستنزاف الشعوب الصغيرة التابعة والمجالات الاقتصادية، ساندها في ذلك، إذ جعل من نفسه أداة لها.
إن الموقف الذيلي للكونفرنس الذي ترك لمؤتمر حكومي برجوازي في باريس الاهتمام بحل مسألة التشريع حول حماية العمل، يُظهر أن الاشتراكيين – الوطنيين قد عبّروا بوعي عن دعمهم للإبقاء على عبودية الإجارة الرأسمالية واستعدادهم لخداع الطبقة العاملة بإصلاحات غير مجدية.
إن التحولات، التي أوحت بها السياسة البرجوازية، بأن يتخذ كونفرنس برن قرارا تغطي بموجبه الأممية الثانية أي تدخل عسكري محتمل ضد روسيا، لم تفشل إلاّ بفضل جهود المعارضة. إن النجاحات التي حققتها المعارضة في برن بمواجهة العناصر الشوفينية المعلنة هي بالنسبة لنا دليل غير مباشر على أن البروليتاريا في أوربا الغربية تتعاطف مع الثورة البروليتارية في روسيا، وأنها مستعدة للنضال ضد البرجوازية الامبريالية.
وإزاء خشية خدم البرجوازية هؤلاء من الاهتمام، ولو بالحد الأدنى، بهذه الظاهرة ذات الأهمية التاريخية العالمية، نكتشف الخوف الذي يشعرون به أمام امتداد المجالس العمالية.
تشكل المجالس العمالية الظاهرة الأكثر أهمية منذ كومونة باريس. إن كونفرنس برن بتناسيه هذه المسألة، إنما عبّر عن بؤسه المعنوي وإفلاسه النظري.
يعتبر مؤتمر الأممية الشيوعية أن «الأممية» التي يحاول كونفرانس برن إنشاءها، هي أممية صفراء مشكلة من قامعي الإضرابات، وهي ليست ولن تكون إلاّ أداة للبرجوازية.
إن المؤتمر يدعو عمال العالم أجمع إلى خوض النضال الأكثر حزما ضد الأممية الصفراء، وإلى وقاية أوسع الجماهير من أممية الكذب والخيانة هذه.
إعلان من المشاركين بكونفرانس زيمرفالد
في مؤتمر الأممية الشيوعية
لقد كان لكونفرانسي زيمرفالد وكينتال أهميتهما الخاصة في مرحلة كانت من الضروري فيها توحيد كل العناصر البروليتارية المستعدة، بشكل أو بآخر، للاحتجاج على المجزرة الامبريالية، غير أن بعض العناصر «الوسطية»، السلمية والمترددة، كانت قد دخلت إلى تجمع زيمرفالد إلى جانب العناصر الشيوعية الصرفة. وقد توحدت اليوم، كما ظهر في كونفرانس برن، هذه العناصر الوسطية مع الاشتراكيين الوطنيين من أجل قتال البروليتاريا الثورية، مستخدمة بذلك زيمرفالد لصالح الرجعية.
وكانت الحركة الشيوعية، في الوقت نفسه، تنمو في عدد من البلدان. والآن أصبح النضال ضد العناصر الوسطية، التي تشكل عائقا أمام تطور الثورة الاجتماعية، المهمة الرئيسية للبروليتاريا الثورية. إن تجمع زيمرفالد قد إنتهى، وما تبقى فيه من ثوري بالفعل راح ينحاز وينضم إلى الأممية الشيوعية.
إن المشاركين في زيمرفالد، الموقعين أدناه، يعلنون أنهم يعتبرون تجمع زيمرفالد منحلاًّ، ويطلبون من مكتب كونفرانس زيمرفالد أن يعيد جميع وثائقه إلى اللجنة التنفيذية للأممية الثالثة.
راكوفسكي، لينين، زينوفييف، تروتسكي، بلاتن
قرارات متعلقة بتجمع زيمرفالد
بعد الاستماع إلى تقرير الرفيق بالابانوف، سكرتير اللجنة الاشتراكية العالمية، والرفاق راكوفسكي، بلاتن، لينين، تروتسكي وزينوفييف، أعضاء تجمع زيمرفالد يقرر المؤتمر الشيوعي الأول لزيمرفالد اعتبار تجمع زيمرفالد منحلاً.
********
قرار متعلق بالمسألة التنظيمية
لكي يتمكن المؤتمر من بدء عمله النشط دون تأخير، فإنه يعيّن فورا الهيئات الضرورية، على اعتبار أن التشكيل النهائي للأممية الشيوعية يجب أن يقدمه المؤتمر القادم بناء على اقتراح المكتب.
تُسند قيادة الأممية الشيوعية إلى لجنة تنفيذية، وتتشكل هذه اللجنة من ممثل عن كل حزب شيوعي في البلدان الأكثر أهمية. وعلى الأحزاب في روسيا، وألمانيا، والنمسا الألمانية، وهنغاريا، واتحاد البلقان، وسويسرا وإسكندنافيا، أن ترسل فورا ممثليها إلى أول اجتماع للجنة تنفيذية.
إن الأحزاب في البلدان التي تعلن انتسابها إلى الأممية الشيوعية قبل المؤتمر الثاني تحصل على مقعد في اللجنة التنفيذية.
وحتى وصول ممثلين أجانب يؤمن الرفاق في البلد مركز اللجنة التنفيذية سير العمل، وتنتخب اللجنة التنفيذية مكتبا من خمسة أشخاص.
**********
قرار تأسيس الأممية الشيوعية
بلاتن، رئيساً – سأطلعكم الآن على اقتراح تقدم به المندوبون: راكوفسكي، غروبر، غريملاند ورودنيانسكي. هذا الاقتراح وارد بالشكل التالي:
«إن ممثلي الحزب الشيوعي النمساوي الألماني، وحزب اليسار الاشتراكي – الديموقراطي في السويد والاتحاد العمالي الثوري الاشتراكي – الديموقراطي في البلقان، والحزب الشيوعي الهنغاري، يقترحون تأسيس الأممية الشيوعية.
«1- إن ضرورة النضال من أجل ديكتاتورية البروليتاريا تفترض التنظيم الموحد، المشترك والأممي لكل العناصر الشيوعية التي تقف على هذه الأرضية.
«2- إن هذا التأسيس هو الواجب الأكثر إلحاحا في الوقت الذي تجري فيه حاليا في برن، وربما في مكان آخر أيضا، لاحقاً، محاولة لإعادة الأممية الإنتهازية القديمة، وتجميع كل العناصر البروليتارية المشوشة والمترددة. لهذا من الضروري إقامة فصل واضح بين العناصر البروليتارية الثورية والعناصر الاشتراكية – الخائنة.
«3- إذا لم تتأسس الأممية الثالثة في الكونفرانس المنعقد في موسكو، فإن ذلك سيخلق انطباعا بأن الأحزاب الشيوعية غير متفقة، مما يضعف موقفنا ويزيد من البلبلة بين العناصر المترددة من البروليتاريا في كل البلدان.
«4- إن بناء الأممية الثالثة هو إذن واجب تاريخي مطلق، وعلى الكونفرانس الشيوعي العالمي المنعقد في موسكو أن يجعل منه حقيقة».
يفترض هذا الإقتراح اتخاذ قرار بصدد ما إذا كنا نشكل كونفرانسا أو مؤتمرا. إن هذا القرار يهدف إلى بناء الأممية الثالثة والنقاش مفتوح.
بعد النقاش طرح الرفيق بلاتن على التصويت الاقتراح الذي وقّعه كل من راكوفسكي، غروبر، غريملاند ورودنيانسكي.
وقال: «إن هذا الإقتراح قد وُضع بهدف الوصول إلى قرار حول تأسيس الأممية الثالثة».
جرى تبني القرار بالإجماع، ما عدا امتناع خمسة أصوات (الوفد الألماني).
قرار
4 آذار/ مارس 1919
إن الكونفرانس الشيوعي العالمي يقرر تشكيل نفسه كأممية ثالثة ويتبنى اسم الأممية الشيوعية. إن نُسَب الأصوات الممنوحة لن يطرأ عليها أي تغيير، وكل الأحزاب والتنظيمات والتجمعات تحتفظ بحق الإنضمام بشكل نهائي إلى الأممية الثالثة، ضمن مهلة ثمانية أشهر.
برنامج الأممية الشيوعية
لقد انكشفت بقوة لا مثيل لها تناقضات النظام العالمي، التي كانت مخبأة داخله في السابق، بانفجار هائل: الحرب الامبريالية العالمية الكبرى.
سعت الرأسمالية إلى تخطي فوضاها الخاصة بها عبر تنظيم الإنتاج. فعوضا من المشاريع العديدة المتنافسة، نظمت نفسها في جمعيات رأسمالية (نقابات، كارتيلات، تروستات). لقد اندمج الرأسمال المصرفي بالرأسمال الصناعي. ووقعت الحياة الاقتصادية بمجملها تحت سلطة أوليغارشية مالية رأسمالية، اكتسبت سلطة مطلقة بواسطة تنظيم قائم على هذه السلطة، وحل الاحتكار محل المنافسة الحرة. إن الرأسمالي المنعزل تحول إلى عضو في جمعية رأسمالية؛ لقد حل التنظيم محل الفوضى الجنونية.
ولكن، بقدر ما استبدلت الأساليب الفوضوية في الإنتاج الرأسمالي بالتنظيم الرأسمالي، في كل دولة مأخوذة على حدة، بلغت التناقضات والمنافسة والفوضى في الاقتصاد العالمي درجة أكبر من الحدة. إن الصراع بين أكبر الدول المتنافسة يؤدي، بفعل ضرورة صارمة، إلى الحرب الامبريالية الوحشية. إن التعطش للأرباح يدفع الرأسمالية العالمية إلى الصراع من أجل غزو أسواق جديدة ومصادر جديدة للمواد الخام والأيدي العاملة الرخيصة من عبيد المستعمرات. إن الدول الامبريالية التي تقاسمت العالم أجمع وحولت ملايين البروليتاريين والفلاحين الأفارقة والآسيويين والأمريكيين والأوستراليين إلى بهائم بمجموعهم، كان لابد عاجلا أو آجلا أن تكشف، في نزاع هائل، الطبيعة الفوضوية للرأسمال. وهكذا حدثت إحدى أكبر الجرائم – الحرب اللصوصية العالمية.
سعت الرأسمالية إلى تخطي تناقضات بنيتها الاجتماعية. إن المجتمع البرجوازي هو مجتمع طبقي، لكن رأس المال في الدول الكبرى «المتحضرة» سعى إلى خنق التناقضات الاجتماعية، وعلى حساب الشعوب المستعمرة، التي كان يحطمها، اشترى عبيده المأجورين خالقا وحدة مصالح بين المستغَلين والمستغِلين – وحدة مصالح موجهة ضد المستعمرات المضطَهدة والشعوب المستعمرَة الصفراء والسوداء والحمراء، وقيّد العامل الأوروبي أو الأمريكي إلى «الوطن» الإمبريالي.
غير أن هذا المنهج نفسه من الإفساد المستمر، الذي كان يخلق وطنية الطبقة العاملة وخضوعها المعنوي، أحدث، بفضل الحرب، نقيضه الخاص. فالتحطيم والإخضاع الكلي للبروليتاريا والنير الوحشي، والإفقار والانحطاط والجوع في العالم أجمع كل ذلك كان آخر فدية للسلام الإجتماعي. لقد أفلس ذلك السلام، وتحولت الحرب الإمبريالية إلى حرب أهلية.
وُلد عصر جديد، عصر انحلال الرأسمالية وانهيارها الداخلي، عصر ثورة البروليتاريا الشيوعية.
إن النظام الرأسمالي ينهار.اضطرابات في المستعمرات، تخمّر بين القوميات الصغيرة المحرومة من الاستقلال حتى الآن، انتفاضات بروليتارية، ثورات بروليتارية منتصرة في العديد من البلدان، تفكك في الجيوش الامبريالية، وعجز مطلق لدى الطبقات المسيطرة عن التحكم، من الآن وصاعدا، بمصير الشعوب: هذه هي لوحة الوضع الحالي في العالم أجمع.
إن الإنسانية، التي جرى تخريب حضارتها، مهددة بالدمار. لم يعد هناك إلاّ قوة واحدة قادرة على إنقادها، وهذه القوة هي البروليتاريا. إن «النظام» الرأسمالي القديم لم يعد موجودا، ولم يعد بإمكانه أن يوجد. والنتيجة النهائية للأساليب الرأسمالية في الإنتاج هي الفوضى – وهذه الفوضى لا يمكن التغلب عليها إلاّ بواسطة أكبر طبقة منتجة، الطبقة العاملة، وهي التي ينبغي أن تقيم النضال الفعلي، النظام الشيوعي، وينبغي أن تكسر سيطرة الرأسمال، وتجعل الحروب مستحيلة، وتمحو الحدود بين الدول، وتحوّل العالم إلى جماعة واسعة عاملة من أجل نفسها، وتحقق التضامن الأخوي وتحرر الشعوب.
في غضون ذلك، يتسلح الرأسمال العالمي ضد البروليتاريا في معركة أخيرة. وتحت غطاء عصبة الأمم والثرثرة السلمية يجرب جهوده الأخيرة من أجل ضبط الأجزاء المفككة من تلقاء نفسها في النظام الرأسمالي، وتوجيه قواه ضد الثورة البروليتارية المندفعة بشكل لا يقاوم.
على هذا الجديد، على هذه المؤامرة الضخمة للطبقات الرأسمالية، ينبغي أن ترد البروليتاريا باستلام السلطة السياسية وأن توجه هذه السلطة ضد أعدائها، وأن تستخدمها كرافعة للتحويل الاقتصادي للمجتمع. إن الانتصار النهائي للبروليتاريا العالمية سوف يشكل بداية تاريخ الإنسانية المحررة.
الاستيلاء على السلطة السياسية
إن استيلاء البروليتاريا على السلطة السياسية يعني القضاء على السلطة السياسية للبرجوازية. إن الجهاز الحكومي بجيشه الرأسمالي، الموضوع تحت قيادة هيئة من الضباط البرجوازيين واليونكرز، وبشرطته ودركه، بسجانيه وقضاته، وكهنته وموظفيه…الخ، يشكل أقوى أداة للحكم بين أيدي البرجوازية. إن الاستيلاء على السلطة الحكومية لا يمكن أن يقتصر على تغيير الأشخاص في تأليف الحكومات، بل يجب أن يعني القضاء على جهاز دولة غريب، والاستيلاء على القوة الحقيقية، ونزع سلاح البرجوازية وهيئة الضباط المعادين للثورة والحرس الأبيض، وتسليح البروليتاريا والجنود الثوريين والحرس الأحمر العمالي، وعزل القضاة البرجوازيين وتنظيم المحاكم البروليتارية، وتدمير نزعة التوظيف الرجعية وإنشاء أجهزة جديدة للإدارة البروليتارية. إن النصر البروليتاري مضمون بفعل فساد السلطة العدوة وتنظيم السلطة البروليتارية، وهو ما يجب أن يعني انهيار جهاز الدولة البرجوازي وإنشاء جهاز دولة بروليتاري. ولن تستطيع البروليتاريا إجبار أعدائها القدامى على خدمتها بشكل مفيد، عبر وضعهم بشكل تدريجي تحت رقابتها في سياق عملية بناء الشيوعية، إلاّ بعد الانتصار الكامل، أي عندما تكون حطمت المقاومة البرجوازية نهائيا.
ديموقراطية ودكتاتورية
تمثل الدولة البروليتارية، مثل كل دولة، جهاز إكراه، وهذا الجهاز موجه الآن ضد أعداء الطبقة العاملة. مهمته تحطيم مقاومة المستغلين وجعلها مستحيلة، هؤلاء المستغلين الذين يستخدمون في صراعهم اليائس كل الوسائل من أجل خنق الثورة بشكل دموي. ومن جهة أخرى تجعل دكتاتورية البروليتاريا من هذه الطبقة طبقة حاكمة بشكل رسمي، وتخلق بذلك وضعا انتقاليا.
وبالقدر الذي يجري فيه تحطيم مقاومة البرجوازية، يجري نزع ملكيتها وتتحول إلى جماهير كادحة. عندها تختفي دكتاتورية البروليتاريا، وتموت الدولة، وتنتهي معها الطبقات الاجتماعية.
إن ما يسمى بالديموقراطية، أي الديموقراطية البرجوازية ليست سوى دكتاتورية برجوازية مقّنعة. إن «الإرادة الشعبية» التي طالما جرى تمجيدها ليست سوى تلفيق، مثل وحدة الشعب. الواقع أنه توجد طبقات لا يمكن التوفيق بين مصالحها المتعارضة. وبما أن البرجوازية ليست إلاّ أقلية ضئيلة، فإنها تلجأ إلى هذا التلفيق، هذه «الإدارة الشعبية»، المزعومة من أجل تثبيت سيطرتها على الطبقة العاملة بواسطة التعابير الجميلة، ومن أجل أن تفرض عليها إرادة طبقتها. وعلى العكس من ذلك، فإن البروليتاريا التي تشكل الأغلبية العظمى من السكان، تستخدم بشكل صريح قوة منظماتها الجماهيرية وسوفيتاتها من أجل الدفع بالانتقال نحو مجتمع شيوعي بدون طبقات.
إن جوهر الديموقراطية البرجوازية يقوم على الاعتراف الشكلي المحض بالحقوق والحريات، وتحديدا تلك المتعذرة على البروليتاريين وأنصاف البروليتاريين، بسبب افتقارهم للموارد المادية، بينما تملك البرجوازية كل الإمكانات لتفيد من هذه المصادر المادية، ومن صحافتها وتنظيمها لتكذب على الشعب وتخدعه. على العكس من ذلك يقوم جوهر النظام السوفياتي – هذا النموذج الجديد من السلطة الحكومية – على اكتساب البروليتاريا إمكانية تأمين حقوقها وحريتها بالفعل. إن سلطة السوفيات تضع في أيدي الشعب أجمل القصور والبيوت والمطابع ومستودعات الورق، الخ.. من أجل صحافته واجتماعاته ونقاباته، ولا تصبح الديموقراطية البروليتارية ممكنة فعلا إلاّ عند ذلك.
في ظل النظام البرلماني، لا تعطي الديموقراطية البرجوازية السلطة للجماهير إلاّ بالقول، وتكون تنظيماتها مبعدة كليا عن السلطة الفعلية والإدارة الحقيقية للبلاد. أمّا في النظام السوفياتي فتحكم تنظيمات الجماهير، بواسطتها نفسها، وتستقدم السوفيتات إلى إدارة الدولة عددا متزايدا باستمرار من العمال. وبهذه الطريقة فقط سيتمكن الشعب العامل شيئا فشيئا من المساهمة الفعالة في حكم الدولة. بهذا الشكل، يرتكز النظام السوفياتي على تنظيمات الجماهير البروليتارية، الممثلة بالسوفيتات نفسها والاتحادات المهنية الثورية والتعاونيات الخ.
إن الديموقراطية البرجوازية والبرلمانية، إذ تفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وبغياب حق عزل النواب، تستكمل عزل الجماهير عن الدولة. على العكس، فإن النظام السوفياتي، إذ يقر حق العزل ويجمع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وتبعا لذلك، إذ يتيح للسوفيتات القدرة على تشكيل مجموعات عمل، إنما يربط الجماهير بأجهزة الإدارات. ويتعزز هذا الارتباط بواقع أنه لا تجري الانتخابات في النظام السوفياتي تبعا لتقسيمات مناطقية مصطنعة، بل تتوافق مع الوحدات المحلية للإنتاج.
يؤمن النظام السوفياتي بهذا الشكل إمكانية ديموقراطية بروليتارية حقيقية، ديموقراطية من أجل البروليتاريا وداخل البروليتاريا، موجهة ضد البرجوازية. في هذا النظام يتأمن للبروليتاريا الصناعية وضعٌ مسيطر، ويناط بها دور الطبقة القائدة، بسبب تنظيمها الجيد وتطورها السياسي الكبير. وهذا التفوق الآني للبروليتاريا الصناعية يجب أن يُستخدم من أجل انتزاع الجماهير غير المالكة، البرجوازية الصغيرة الفلاحية، من تحت تأثير الملاكين الريفيين الكبار والبرجوازية، ومن أجل تنظيمها ودعوتها إلى المشاركة في البناء الشيوعي.
نزع ملكية البرجوازية
وتشريك وسائل الإنتاج
إن تحليل النظام الرأسمالي والتنظيم الرأسمالي للعمل يجعلان من المستحيل إعادة تشكيل الإنتاج على الأسس القديمة، نظرا إلى العلاقات بين الطبقات. إن نضال العمال من أجل تحسين الأجور، حتى في حال نجاحه، لا يؤدي إلى التحسن المرتجى في ظروف المعيشة. فزيادة أسعار المنتجات تلغي لا محالة كل نجاح. إن النضال الحازم للعمال من أجل زيادة أجورهم في البلدان حيث الحالة ميؤوس منها بداهة، هذا النضال، بطابعه المندفع والحماسي، وبميله إلى التعميم، يجعل من المستحيل من الآن وصاعدا تطور الإنتاج الرأسمالي. إن تحسن ظروف العمال لا يمكن أن يتحقق إلاّ عندما تستولي البروليتاريا بنفسها على الإنتاج. فمن أجل رفع مستوى القوى الإنتاجية الاقتصادية، ومن أجل كسر المقاومة البرجوازية بأقصى سرعة ممكنة، هذه المقاومة التي تطيل احتضار المجتمع القديم، وتخلق بذلك خطر القضاء الكامل على الحياة الاقتصادية، على دكتاتورية البروليتاريا أن تحقق مصادرة ملكية البرجوازية الكبيرة وطبقة النبلاء، وأن تجعل من وسائل الإنتاج والنقل ملكية جماعية للدولة البروليتارية.
إن الشيوعية تولد حاليا على أنقاض المجتمع الرأسمالي، ولن يترك التاريخ مخرجا آخر أمام الإنسانية. إن الانتهازيين، عبر رغبتهم بتأخير التشريك، وعبر مطلبهم الطوباوي بتجديد الاقتصاد الرأسمالي، لا يقومون إلاّ بتأخير حل الأزمة، وخلق التهديد بالخراب الكامل. بينما تظهر الثورة الشيوعية، بالنسبة للقوة الإنتاجية الحقيقية في المجتمع، بالنسبة للبروليتاريا – ومعها بالنسبة لكل المجتمع – كأفضل وسيلة خلاص وأضمنها.
لا تقود ديكتاتورية البروليتاريا إلى أي توزيع لوسائل الإنتاج والنقل، وعلى العكس فإن مهمتها تقوم على تحقيق أكبر مركزة لوسائل الإنتاج، وعلى إدارة الإنتاج وفق خطة واحدة.
إن الخطوة الأولى نحو تشريك الاقتصاد بمجمله ستتضمن بالضرورة الإجراءات التالية: تشريك المصارف الكبرى التي تدير الإنتاج حاليا، واستيلاء السلطة البروليتارية على كل أجهزة الدولة الرأسمالية التي تدير الحياة الاقتصادية، والاستيلاء على كل المشاريع البلدية، وتشريك فروع الصناعة في التروستات أو النقابات، وكذلك تشريك فروع الصناعة التي تجعل درجة تمركزها من التشريك ممكنا من الناحية التقنية، وتشريك الملكيات الزراعية وتحويلها إلى مشاريع زراعية يديرها المجتمع.
أمّا في ما خصّ المشاريع الأقل أهمية، فعلى البروليتاريا أن تشرّكها تدريجيا، آخذة بعين الاعتبار مدى ضخامة هذه المشاريع.
من المهم أن نشير هنا، أنه لا ينبغي مصادرة الملكية الصغيرة، وينبغي ألاّ يتعرض الملاكون الصغار، الذين لا يستغلون عمل غيرهم، لأي عنف. فسوف تُجذب هذه الطبقة شيئا فشيئا إلى دائرة التنظيم الاجتماعي، عبر النموذج والممارسة اللذين يظهران تفوق البنية الاجتماعية الجديدة، التي تحرر طبقة الفلاحين الصغار والبرجوازية الصغيرة من نير الرأسماليين الكبار ومن مجمل طبقة النبلاء ومن الضرائب الفاحشة (أساسا بعد إلغاء ديون الدولة، الخ..).
إن مهمة ديكتاتورية البروليتاريا في المجال الإقتصادي لا يمكن أن تتحقق إلاّ بالقدر الذي تتمكن فيه البروليتاريا من خلق أجهزة إدارة الإنتاج الممركز، وتحقق التسيير من قبل العمال أنفسهم. وللوصول إلى هذه الغاية ستكون مجبرة على الإفادة من منظماتها الجماهيرية، تلك المرتبطة ارتباطا وثيقا بسيرورة الإنتاج.
أمّا في مجال التوزيع، فعلى ديكتاتورية البروليتاريا أن تحقق استبدال التجارة بتوزيع عادل للمنتجات. ومن بين الإجراءات الضرورية للوصول إلى هذه الغاية، تجدر الإشارة إلى تشريك المشاريع التجارية الكبرى، وتسليم البروليتاريا جميع أجهزة التوزيع في الدولة والبلديات البرجوازية، ومراقبة الاتحادات التعاونية الكبرى التي يحتفظ جهازها المنظم بأهمية اقتصادية كبرى، والمركزة التدريجية لكل هذه الأجهزة وتحويلها إلى كل موحد بهدف التوزيع العقلاني للمنتجات.
وكما في مجال الإنتاج، كذلك في مجال التوزيع، من المهم استخدام كل التقنيين والاختصاصيين المهرة – عندما يتم تحطيم مقاومتهم في الميدان السياسي ويصبحون مستعدين لخدمة نظام الإنتاج الجديد بدل خدمة رأس المال.
ليس لدى البروليتاريا نية اضطهادهم. على العكس فإنها أول من يعطيهم إمكانية تطوير نشاطهم الخلاق الأكثر حيوية. إن ديكتاتورية البروليتاريا تستبدل تقسيم العمل الجسدي والفكري الخاص بالرأسمالية، بالوحدة، جامعة بذلك ما بين العمل والعلم.
وفي الوقت نفسه الذي تصادر فيه البروليتاريا المشاغل، والمناجم والملكيات الخ، عليها أن تضع حدا لاستغلال الرأسمال ومالكي البنايات للسكان، وأن تنقل المساكن الكبرى إلى أيدي السوفيتات العمالية المحلية، وتؤمن سَكن الجمهور العامل في الشقق البرجوازية، الخ.
أثناء هذا التحول الضخم، على السلطة السوفياتية، من جهة، أن تبني جهازا حكوميا ضخما يزداد مركزة بشكل دائم من حيث الشكل، وأن تدعو من جهة أخرى الشرائح المتزايدة الاتساع في الشعب العامل إلى العمل الإداري المباشر.
طريق النصر
إن المرحلة الثورية تتطلب من البروليتاريا أن تستخدم طريقة نضالية تعبئ كل طاقتها، ونقصد بذلك العمل المباشر للجماهير وتتمته المنطقية المتمثلة بالصدام المباشر مع الآلة الحكومية البرجوازية والحرب المعلنة ضدها. ومن أجل هذا الهدف يجب أن تلجأ إلى كل الوسائل الأخرى، بما فيها الاستخدام الثوري للبرلمانية البرجوازية.
إن الشروط التمهيدية الضرورية لهذا النضال الظافر هي: القطيعة ليس فقط مع الخدام المباشرين للرأسمال وجلادي الثورة الشيوعية – ويقوم بهذا الدور اليوم الاشتراكيون – الديموقراطيون – ولكن أيضا القطيعة مع «الوسط» (مجموعة كاوتسكي) الذي تخلى، في اللحظة الحرجة، عن البروليتاريا وتحالف مع أعدائها المعلنين.
من جهة ثانية، هناك ضرورة لتحقيق تكتل مع هذه العناصر من الحركة العمالية الثورية التي، بالرغم من عدم انتسابها سابقا إلى الحزب الاشتراكي، تقف الآن كليا على أرضية ديكتاتورية البروليتاريا بشكلها السوفياتي، أي مع العناصر النقابية التي ينطبق عليها هذا الوصف.
إن نمو الحركة الثورية في كل البلدان، وخطر أن تُخنق هذه الثورة على يد عصبة الدول البرجوازية، ومحاولات الوحدة ما بين الأحزاب التي خانت الاشتراكية (تشكيل الأممية الصفراء في برن)، بهدف خدمة عصبة ويلسون بشكل وضيع، وأخيرا الضرورة المطلقة بالنسبة للبروليتاريا لتنسيق جهودها – كل ذلك يقودنا بشكل حتمي إلى تشكيل الأممية الشيوعية، الثورية حقا والبروليتارية حقا.
إن الأممية، التي ستظهر قدرتها على إخضاع المصالح المسماة قومية لمصالح الثورة العالمية، ستحقق بذلك تكاتف البروليتاريين في مختلف البلدان – حيث أنه دون هذه المساعدة المتبادلة، الاقتصادية وغيرها، لن تكون البروليتاريا قادرة على بناء مجتمع جديد. من جهة ثانية، وبعكس الأممية الاشتراكية الصفراء، فإن الأممية البروليتارية والشيوعية ستدعم الشعوب المستغَلة في المستعمرات في نضالها ضد الإمبريالية، ومن أجل الإسراع بالإنهيار النهائي للنظام الإمبريالي العالمي.
في بداية الحرب العالمية، كان أشرار الرأسمالية يؤكدون أنهم لا يقومون بكل ذلك إلاّ من أجل الدفاع عن وطنهم. غير أن الامبريالية الألمانية أ ظهرت طبيعتها الوحشية في سلسلة من الجرائم الدموية التي ارتكبتها في روسيا، وأوكرانيا، وفنلندا. وبدورها، تنكشف الآن، حتى أمام أعين الشرائح الأكثر تخلفا من السكان، القوات الحليفة التي تنهب العالم أجمع وترتكب المجازر بحق البروليتاريا. وهي تسعى، بالاتفاق مع البرجوازية الألمانية والاشتراكيين – الوطنيين، وكلمة السلام على شفتيها، لأن تسحق الثورة البروليتارية الأوروبية، بواسطة دبابات وقوات استعمارية هائلة وهمجية. إن الإرهاب الأبيض للبرجوازيين – آكلي لحوم البشر كان وحشيا بشكل لا يوصف. والضحايا في صفوف الطبقة العاملة لا تحصى. كما انها فقدت خيرة أبطالها: ليبكنخت وروزا لوكسمبرغ.
ينبغي على البروليتاريا أن تدافع عن نفسها بأي حال. إن الأممية الشيوعية تدعو البروليتاريا العالمية إلى هذا النضال الحاسم. السلاح ضد السلاح! القوة بوجه القوة! لتسقط المؤامرة الإمبريالية للرأسمال! عاشت الجمهورية الأممية للسوفيتات البروليتارية!
موضوعات حول الوضع العالمي
وسياسة التحالف
لقد كشفت تجارب الحرب العالمية، السياسة الإمبريالية للـ «ديموقراطيات» البرجوازية باعتبارها سياسة صراع بين القوى العظمى، الساعية إلى تقاسم العالم وتدعيم دكتاتورية الرأسمال المالي الاقتصادية والسياسية على الجماهير المستغَلة والمضطهدة. إن المجزرة بحق مليون بشري، وإفقار البروليتاريا الواقعة تحت العبودية، والثراء الفاحش للشرائح العليا من البرجوازية بفضل التموينات الحربية والقروض.. إلخ، وانتصار الرجعية العسكرية في كل البلدان، كل ذلك لم يلبث أن طوح بالأوهام حول الدفاع عن الوطن، والهدنة والـ «ديموقراطية». وقد فضحت «سياسة السلم» التطلعات الفعلية الإمبريالية في كل البلدان، وذهبت إلى النهاية في تعريتها.
سلام بريست – ليتوفسك ومساومة الإمبريالية الألمانية
لقد كشف سلام بريست – ليتوفسك وفيما بعد سلام بوخارست طابع النهب والرجعية لدى إمبريالية دول المحور. فقد انتزع المنتصرون من روسيا العزلاء ضرائب وأراضي، واستخدموا حق الشعوب في تقرير مصيرها كتبرير لسياسة الضم، خالقين بذلك دولا تابعة، تشجع حكوماتها الرجعية سياسة النهب وتقمع الحركة الثورية للجماهير الكادحة. إن الامبريالية الألمانية التي لم تستطع أن تحرز نصرا كاملا في الصراع العالمي، لم يكن بإمكانها، في تلك اللحظة، أن تظهر نواياها الفعلية بصراحة كلية، فلجأت مضطرة إلى العيش بسلام ظاهري مع روسيا السوفياتية وإلى تغطية سياسة النهب لديها وسياستها الرجعية بجمل خادعة.
مع ذلك، ما أن حقق الحلفاء انتصارا عالميا حتى تركوا أقنعتهم تسقط وكشفوا أمام أعين العالم أجمع الوجه الحقيقي للإمبريالية العالمية.
انتصار الحلفاء
وتجمع الدول ثانيةً
لقد قسم انتصار الحلفاء البلدان المسماة متحضرة في العالم إلى مجموعات مختلفة، تتشكل المجموعة الأولى من قوى العالم الرأسمالي، القوى العظمى الامبريالية المنتصرة (إنكلترا، أمريكا، فرنسا، اليابان وإيطاليا)، وتقف بمواجهتها البلدان الامبريالية المهزومة التي هدمتها الحرب، وصدعت بنيتها الداخلية بداية الثورة البروليتارية (ألمانيا، النمسا – المجر، مع الدول التابعة لها سابقا). وتتشكل المجموعة الثالثة من الدول التابعة لدول الحلفاء وهي تتألف من الدول الرأسمالية الصغيرة التي شاركت في الحرب إلى جانب الحلفاء (بلجيكا، الصرب والبرتغال، الخ)، والجمهوريات «القومية» الصغيرة والدول العازلة التي أنشئت مؤخرا (جمهورية تشيكو – سلوفاكيا، بولندا والجمهوريات الروسية المعادية للثورة، الخ) وتقترب الدول المحايدة، تبعا لوضعها، من الدول التابعة، ولكنها تتعرض لضغط سياسي واقتصادي قوي، يجعل وضعها، أحيانا، متشابها لوضع الدول المهزومة. أمّا الجمهورية الاشتراكية فهي دولة عمال وفلاحين، تقف خارج العالم الرأسمالي وتمثل بالنسبة للإمبريالية المنتصرة خطرا اجتماعيا هائلا، خطر انهيار كل نتائج النصر تحت مطرقة الثورة العالمية.
«السياسة السلمية» للحلفاء
أو الإمبريالية تفضح نفسها بنفسها
إن «السياسة السلمية» للقوى العالمية الخمس، مأخوذةً بمجملها، كانت ولا تزال سياسة تفضح نفسها بنفسها.
على الرغم من كل العبارات حول «سياستها الخارجية الديموقراطية»، فإنها تشكل الانتصار الكامل للديبلوماسية السرية التي، عن طريق التسويات بين وكلاء سلطة التروستات المالية، تقرر مصير العالم من وراء ظهر ملايين العمال في كل البلدان، وعلى حسابهم. فتجري معالجة كل المسائل الأساسية دون استثناء في جلسات سرية من قبل اللجنة الباريسية للقوى العظمى الخمس، بغياب ممثلي الدول المهزومة والمحايدة والدول التابعة نفسها.
إن خطابات لويد جورج وكليمنصو وسونينو، الخ…، تنادي وتسعى لأن تبرر علناً ضرورة ضم الأراضي والغرامات.
على الرغم من العبارات الكاذبة حول «الحرب من أجل نزع السلاح الشامل»، يجري الإعلان عن ضرورة التسلح أيضا والحفاظ قبل كل شيء على القوة البحرية البريطانية من أجل ما يسمى بـ «حماية حرية البحار».
إن حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، الذي نادى به الحلفاء، جرى دوسه علنا واستبدل بتقاسم المناطق المتنازع عليها بين الدول القوية والدول التابعة لها.
لقد جرى ضم الألزاس – اللورين إلى فرنسا دون استشارة السكان، ولم يكن لإيرلندا ومصر والهند أن تقرر مصيرها بنفسها، وجرى إنشاء الدولة السلافية الجنوبية والجمهورية التشيكوسلوفاكية بقوة السلاح، وتجري المساومة بدون حياء حول تقاسم تركيا الأوروبية والآسيوية، هذا وقد بدأ تقاسم المستعمرات الألمانية، الخ، الخ…
لقد دُفعت سياسة الغرامات إلى درجة النهب الكامل للمهزومين، فلا يجري فقط تقديم فواتير لهم تبلغ مليارات ومليارات ولا يجري انتزاع كل وسائل الحرب منهم فحسب – بل إن دول الحلفاء تسلبهم القطارات وسكك الحديد والمراكب والأدوات الزراعية وأرصدة الذهب، الخ.، الخ.. إضافة إلى ذلك يجب على أسرى الحرب أن يصبحوا عبيدا للمنتصرين. وتتم مناقشة اقتراحات تهدف إلى فرض العمل القسري على العمال الألمان، فلدى القوى الحليفة النية في أن تجعل منهم عبيدا بائسين وجائعين لدى رأسمال دول الحلفاء.
إن سياسة الإثارة القومية مدفوعة إلى أقصاها تجد تعبيرها في الإثارة المستمرة ضد الأمم المهزومة في صحافة الحلفاء وإدارات الإحتلال، كما في حصار الجوع، حاكمة بذلك على شعوب ألمانيا والنمسا بالإبادة. إن هذه السياسة تقود إلى مذابح ضد الألمان، منظمة بدعم الحلفاء، من قبل العناصر الشوفينية التشيكية والبولندية، وإلى مذابح ضد اليهود، تتخطى كل «الأعمال الباهرة» للقيصرية الروسية.
إن الدول الحليفة «الديموقراطية» تتبع سياسة رجعية قصوى.
وتنتصر الرجعية داخل الدول الحليفة نفسها، ومن بينها فرنسا التي عادت إلى أسوأ عهود نابوليون الثالث، كما في العالم الرأسمالي بمجمله الواقع تحت سيطرة الحلفاء. فهؤلاء يخنقون الثورة في البلدان المحتلة: ألمانيا، المجر، بلغاريا، الخ.. ويحرضون الحكومات الانتهازية – البرجوازية في الدول المهزومة ضد العمال الثوريين، بتهديدها بقطع سبل عيشها. لقد أعلن الحلفاء أنهم سيغرقون كل السفن الألمانية التي تجرؤ على رفع علم الثورة الأحمر؛ ورفضوا الاعتراف بالمجالس الألمانية؛ وفي المناطق المحتلة ألغوا يوم العمل من ثماني ساعات. وبغض النظر عن دعم السياسة الرجعية في البلدان المحايدة وتشجيع هذه السياسة في البلدان التابعة (نظام بادريفسكي في بولندا)، فقد حرّض الحلفاء العناصر الرجعية في هذه البلدان (في فنلندا وبولندا والسويد، الخ..) ضد روسيا الثورية، وطالبوا بتدخل القوى المسلحة الألمانية.
تناقضات بين الدول الحليفة
على الرغم من تجانس الخطوط الأساسية للسياسة الامبريالية للقوى العظمى التي تسيطر على العالم، فإن سلسلة من التناقضات العميقة تبرز داخلها.
تتركز هذه التناقضات بالأخص حول برنامج الرأسمال المالي الأمريكي للسلام (البرنامج المسمى برنامج ويلسون). إن النقاط الأكثر أهمية في هذا البرنامج هي التالية: «حرية البحار»، و«عصبة الأمم»، و«تدويل المستعمرات». إن شعار «حرية البحار» – بعد نزع قناعه المخادع – يعني في الواقع إلغاء الهيمنة العسكرية البحرية لبعض القوى العظمى (بالدرجة الأولى هيمنة انكلترا) وفتح الطرق البحرية كافة أمام التجارة الأمريكية. وتعني «عصبة الأمم» أن حق الضم الفوري للدول والشعوب الضعيفة سيكون ممنوعا على القوى العظمى الأوروبية (بالدرجة الأولى فرنسا)؛ أمّا «تدويل المستعمرات» فيحدد القاعدة نفسها بالنسبة للمناطق المستعمرَة.
تتحكم بهذا البرنامج الوقائع التالية: إن الرأسمال الأمريكي لا يملك أكبر أسطول في العالم، ولم يعد بإمكانه أن يقوم بضم مباشر في أوربا، لهذا يهدف إلى استغلال الدول والشعوب الضعيفة عبر العلاقات التجارية وتوظيف الرساميل، ولذلك يريد أن يجبر القوى الأخرى على تشكيل نقابة تروستات دولية، ويريدها أن تتقاسم في ما بينها حصص الاستغلال العالمي «بأمانة»، وأن يتحول الصراع بين التروستات الدولية إلى صراع اقتصادي بحث. أمّا في مجال الإستغلال الاقتصادي فسيكتسب الرأسمال المالي الأمريكي المتطور جدا هيمنة فعالة ستؤمن له السيطرة الاقتصادية والسياسية في العالم.
إن «حرية البحار» تتناقض بشكل حاد مع مصالح انجلترا واليابان، وجزئيا مع مصالح إيطاليا (في الأدرياتيك). وتتناقض «عصبة الأمم» و«تدويل المستعمرات» بشكل حاسم مع مصالح فرنسا واليابان – وبقدر أقل مع مصالح كل القوى الامبريالية العظمى الأخرى. إن سياسة الامبرياليين في فرنسا، حيث يتخذ الرأسمال المالي الشكل المرابي المتميز، وحيث الصناعة قليلة التطور وحيث دمرت الحرب القوى المنتجة بشكل كامل، تهدف بوسائل يائسة إلى الإبقاء على النظام الرأسمالي. وهذه الوسائل هي: النهب البربري لألمانيا، القهر المباشر والاستغلال الجشع للدول التابعة (مشروعا اتحاد الدانوب، واتحاد الدول السلافية الجنوبية) واستيفاء الديون المستحقة على روسيا القيصرية لشيلوك الفرنسي بالعنف. إن فرنسا وإيطاليا (وينطبق ذلك بشكل ملطف على اليابان) باعتبارهما دولتين قاريتين، قادرتان أيضا على متابعة سياسة الضم المباشر.
في الوقت الذي تتناقض فيه مصالح القوى العظمى مع مصالح أمريكا، فإن مصالح كل منها تتناقض مع مصالح الأخرى. إن إنجلترا تخشى إزدياد قوة فرنسا في القارة، ولها مصالح في آسيا الصغرى وفي أفريقيا تتناقض مع مصالح فرنسا. إن مصالح إيطاليا في البلقان والتيرول تتناقض مع مصالح فرنسا، فيما تنازع اليابان أستراليا الإنكليزية على الجزر الواقعة في المحيط الهادي.
تجمعات واتجاهات
داخل الدول الحليفة
إن هذه التناقضات بين القوى العظمى سهّلت إمكانية ظهور تجمعات مختلفة داخل الدول الحليفة. ولقد ارتسمت حتى الآن تركيبتان أساسيتان: التركيبة الفرنسية – الإنكليزية – اليابانية الموجهة ضد أمريكا وإيطاليا، والتركيبة الإنكليزية – الأمريكية المواجهة ضد القوى العظمى الأخرى.
كانت التركيبة الأولى متفوقة حتى بداية كانون الثاني / يناير 1918، طالما أن الرئيس ولسون لم يكن قد تنازل عن مطالبته بإلغاء السيطرة البحرية الانكليزية. إن تطور الحركة الثورية للعمال والجنود في إنكلترا، الذي أدّى إلى وفاق بين إمبرياليي مختلف البلدان من أجل تصفية الأسطورة الروسية والإسراع بإتمام السلام عزّز من ميل إنكلترا نحو هذه التركيبة، وأصبحت مسيطرة منذ كانون الثاني / يناير 1919. وتقف الكتلة الإنكليزية – الأمريكية ضد أسبقية فرنسا في نهب ألمانيا وحدّة هذا النهب المبالغ بها، وهي تضع بعض الحدود لمطالب فرنسا وإيطاليا واليابان بخصوص ضم الأراضي المبالغ به. وتمنع من أن تكون الدول التابعة المؤسسة حديثا ملحقة مباشرة بهذه الدول. أمّا في ما يتعلق بالمسألة الروسية فلدى التركيبة الانجليزية – الأمريكية استعدادات سلمية: تريد أن تكون طليقة اليدين لتتمكن من إتمام تقاسم العالم، وخنق الثورة الأوربية والثورة الروسية فيما بعد.
يقابل هاتين التركيبتين من القوى اتجاهان داخل القوى العظمى، أحدهما ذو توجه متطرف بخصوص مسألة ضم الأراضي، والآخر معتدل وهو يدعم تركيبة ويلسون – لويد جورج.
«عصبة الأمم»
نظرا للتناقضات التي لا يمكن التوفيق بينها والتي ظهرت حتى بين الدول الحليفة فإن عصبة الأمم – حتى لو تحققت على الورق – لن تلعب مع ذلك سوى دور الحلف المقدس بين الرأسماليين من أجل قمع الثورة العالمية. فنشر «عصبة الأمم» هو أفضل وسيلة لبلبلة الوعي الثوري للطبقة العاملة. فبدلاً من شعار أممية الجمهوريات العمالية الثورية، يُطلق شعار جمعية أممية للديموقراطيات المزعومة تتحقق بائتلاف بين البروليتاريا والطبقات البرجوازية.
إن «عصبة الأمم» هي شعار مخادع، يشق بواسطته الاشتراكيون – الخونة القوى البروليتارية بأمر من الرأسمال العالمي، ويشجعون الثورة المضادة الامبريالية.
على البروليتاريين الثوريين في العالم أجمع أن يخوضوا صراعا لا هوادة فيه ضد أفكار عصبة الأمم الخاصة بولسون وأن يحتجوا على الدخول في هذه العصبة: عصبة النهب والاستغلال والثورة المضادة الامبريالية.
السياسة الخارجية والداخلية
للبلدان المهزومة
لقد أدى سحق الإمبرياليتين النمساوية والألمانية العسكري وانهيارهما الداخلي إلى سيطرة النظام البرجوازي الاشتراكي – الانتهازي في دول المحور في المرحلة الأولى من الثورة. إن الاشتراكيين – الخونة، تحت ستار الديموقراطية والاشتراكية، يحمون وينعشون السيطرة الاقتصادية للدكتاتورية السياسية للبرجوازية، وهم يسعون في سياستهم الخارجية إلى ترميم الامبريالية الألمانية عبر طلبهم إعادة المستعمرات وقبول ألمانيا في عصبة النهب. وبقدر ما تتعزز عصابات الحرّاس البيض في ألمانيا وتتطور سيرورة التفسخ في معسكر الحلفاء تتزايد أيضا رغبات البرجوازية والاشتراكيين – الخونة في أن تصبح ألمانيا قوة عظمى. وفي الوقت ذاته، تعمل الحكومات البرجوازية الاشتراكية – الانتهازية أيضا على تلغيم التضامن الأممي البروليتاري وتفصل العمال الألمان عن اخوتهم الطبقيين، بتنفيذها لأوامر الحلفاء المعادية للثورة، وخاصة بتحريضها العمال الألمان ضد الثورة الروسية البروليتارية من أجل إرضاء الحلفاء. إن سياسة البرجوازية والاشتراكيين – الإنتهازيين في النمسا وهنغاريا هي تكرار لسياسة الكتلة البرجوازية الانتهازية في ألمانيا ولكن بشكل ملطَّف.
الدول التابعة للحلفاء
إن سياسة الحلفاء، في الدول التابعة والجمهوريات التي أنشأوها لتوِّهم (تشيكوسلوفاكيا والبلدان السلافية الجنوبية، ويجب أن نضيف أيضا بولندا وفنلندا، الخ)، المستندة إلى الطبقات المسيطرة والاشتراكيين – القوميين، تهدف إلى خلق مراكز حركة قومية معادية للثورة. هذه الحركة مفروض عليها أن توجَِّه ضد الشعوب المهزومة وأن تبقي على توازن قوى الدول الجديدة وتخضعها للحلفاء، وأن تكبح الحركات الثورية التي تنمو داخل الجمهوريات «القومية» الجديدة، وأن تقدّم في نهاية المطاف حرساً أبيض للمواجهة ضد الثورة الأممية وخاصة الثورة الروسية.
في ما يتعلق ببلجيكا والبرتغال واليونان والبلدان الأخرى الصغيرة المتحالفة مع الحلفاء، فإن سياستها محددة كليا بسياسة كبار قطاع الطرق، الذين تخضع لهم بشكل كامل وتطلب عونهم من أجل الحصول على ضم مساحات صغيرة من الأراضي وعلى تعويضات تتعلق بالحرب.
الدول المحايدة
إن وضع الدول المحايد مشابهة لوضع الدول التابعة التي لا تحوز رضى إمبريالية الدول المتحالفة، والتي تتبع الدول الحليفة إزاءها، بشكل ملطّف، الأساليب نفسها التي تستخدمها إزاء الدول المهزومة. أمّا الدول المحايدة الحائزة الرضى، فتتقدم بمطالب مختلفة من أعداء الدول الحليفة (مطامع الدانمارك بفلانسبرغ واقتراح سويسرا تدويل الراين، الخ.) وتنفذ في الوقت نفسه أوامر الدول الحليفة المعادية للثورة (طرد السفير الروسي وتجنيد الحرس الأبيض في البلدان الاسكندنافية، الخ.) فيما تتعرض دول أخرى منها للتجزئة (مشروع ضم مقاطعة ليمسبورغ إلى بلجيكا، وتدويل مصب الأسكوت).
الحلفاء وروسيا السوفياتية
إن السمة النهبية وغير الإنسانية والرجعية الإمبريالية في الدول الحليفة تظهر بأوضح أشكالها تجاه روسيا السوفياتية. فمنذ بداية ثورة أكتوبر وقفت القوى الحليفة إلى جانب الأحزاب والحكومات المعادية للثورة في روسيا، وبمساندة من البرجوازيين المعادين للثورة قامت بضم سيبريا والأورال وشواطئ روسيا الأوربية والقوقاز وجزء من تركستان. وقد اختلست المواد الأولية من المقاطعات التي جرى ضمها (الخشب، النفط والمنغنيز، الخ..)؛ وبمساندة العصابات التشيكوسلوفاكية المأجورة لها سرقت احتياطي الذهب من روسيا، وبقيادة الديبلوماسي الإنكليزي لوكهارت قام العملاء الإنكليز والفرنسيون بنسف الجسور وتحطيم سكك الحديد، وحاولوا إعاقة التموين بالمواد الغذائية. لقد دعم الحلفاء بالأموال والأسلحة والمساعدة العسكرية، الجنرالات الرجعيين: دنكين وكولتشاك وكراسنوف، الذين أعدموا بالرصاص وشنقوا آلاف العمال والفلاحين في روستوف وجوسوفكا ونرفوسيجك وأوسك، الخ.. وأعلن الحلفاء جهارا عبر خطب كليمنصو وبيشون مبدأ «الحصار الاقتصادي»، أي أنهم يريدون تجويع جمهورية العمال والفلاحين الثوريين وتدميرها، ووعدوا بتقديم «الدعم التقني» لعصابات دينيكين وكولتشاك وكراسنوف. هذا ورفض الحلفاء في عدة مناسبات اقتراحات السلام السوفياتية.
في 23 كانون الثاني / يناير 1919 تقدم الحلفاء، الذين تعززت داخلهم الاتجاهات المعتدلة بشكل مؤقت، إلى كل الحكومات الروسية باقتراح إرسال مندوبين إلى جزيرة الأمراء، ولم يخل هذا الاقتراح بالطبع من نية استفزازية حيال الحكومة السوفياتية. وعلى الرغم من أن الحلفاء تلقوا في 4 شباط / فبراير جوابا بالموافقة من قبل الحكومة السوفياتية، جوابا ضمنته هذه الأخيرة استعدادها للبحث في مسألة ضم الأراضي والتعويضات والتنازلات، من أجل إنقاذ العمال والفلاحين الروس من الحرب التي فرضها عليهم الحلفاء، فإن هؤلاء لم يردوا على اقتراح السلام هذا ولا غيره.
إن ذلك يؤكد من جديد صلابة الاتجاهات التوسعية الرجعية لإمبرياليي الدول الحليفة، ويهدد الجمهورية الاشتراكية باقتطاع أجزاء جديدة من أراضيها وبهجمات جديدة معادية للثورة.
وهنا تكشف «سياسة السلم» لدى الحلفاء بشكل قاطع أمام البروليتاريا العالمية طبيعة إمبريالية الدول الحليفة والإمبريالية بشكل عام. وتؤكد في الوقت نفسه أن الحكومات الإمبريالية عاجزة عن الوصول إلى «سلام عادل ودائم»، وأن الرأسمال المالي عاجز عن ترميم الاقتصاد المهدم، وأن الحفاظ على سيطرة رأس المال المالي يؤدي إمّا إلى التحطيم الكامل للمجتمع المتحضر وإمّا إلى زيادة الاستغلال والعبودية والرجعية السياسية والتسلح، وبالنهاية إلى حروب مدمرة جديدة.
قرار حول الإرهاب الأبيض
لقد كان النظام الرأسمالي منذ البداية نظام النهب والاغتيالات الكثيفة؛ ففظاعات التراكم الأولي؛ والسياسة الكولونيالية التي أدت عن طريق الإنجيل والسفلس والكحول إلى القضاء على أجناس وشعوب صغيرة بلا رحمة؛ والبؤس والمجاعة والإنهاك لملايين لا تحصى من البروليتاريين المستغَلين، وموتهم المبكر؛ والقمع الدموي للطبقة العاملة عندما تنتفض ضد مستغليها، وأخيرا المجزرة الهائلة التي لا مثيل لها التي حولت الإنتاج العالمي إلى إنتاج جثث بشرية – هذه هي صورة النظام الرأسمالي.
منذ بداية الحرب قامت الطبقات المسيطرة – التي كانت قد قتلت في ساحات المعارك أكثر من عشرة ملايين إنسان وشوهت أيضا عددا أكبر – بإرساء نظام الديكتاتورية الدموية داخل بلدانها أيضا. لقد أعدمت الحكومة القيصرية بالرصاص العمال وشنقتهم ونظمت المذابح ضد اليهود وأبادت كل ما هو حي في البلاد. وخنقت الملكية النمساوية بشكل دموي انتفاضة الفلاحين والعمال الأوكرانيين والتشيكيين، واغتالت البرجوازية الإنجليزية أفضل ممثلي الشعب الإيرلندي، وهاجت الامبريالية الألمانية داخل بلدها وكان البحارة الثوريون أول ضحايا تلك الفظاظة، وفي فرنسا جرى ذبح الجنود الروس الذين لم يكونوا مستعدين للدفاع عن أرباح أصحاب البنوك الفرنسيين، وأدانت البرجوازية في أمريكا، دون محاكمة، الأمميين وحكمت على المئات من خيرة البروليتاريين بالأعمال الشاقة لمدة عشرين عاما، وذبحت العمال بسبب قيامهم بالإضرابات.
عندما بدأت الحرب الامبريالية بالتحول إلى حرب أهلية وشعرت الطبقات المسيطرة التي لم يعرف التاريخ البشري مثيلا لإجرامها، بأنها مهددة بخطر مباشر وهو انهيار نظامها الدموي، أصبحت وحشيتها أكثر قساوة.
وتستخدم البرجوازية، في صراعها من أجل الحفاظ على النظام الرأسمالي، وسائل لا مثيل لها تبدو إزاءها كل بشاعات القرون الوسطى ومحاكم التفتيش والاستعمار باهتة.
إن الطبقة البرجوازية التي تجد نفسها على حافة القبر تحطم ماديا أهم قوة إنتاجية في المجتمع البشري، أي البروليتاريا، وقد فضحها الآن هذا الإرهاب الأبيض بكل عريها البشع.
إن الجنرالات الروس، الذين يشكلون التجسيد الحي للنظام القيصري قد قتلوا – وهم يقتلون أيضا – العمال بالجملة، بمساندة مباشرة أو غير مباشرة من الاشتراكيين – الخونة. خلال سيطرة الاشتراكيين – الثوريين والمناشفة في روسيا كان الآلاف من العمال والفلاحين يملأون السجون وكان الجنرالات يبيدون فرقا عسكرية بكاملها بسبب عدم الطاعة. في الوقت الحالي، إذ ينعم أنصار كراسنوف ودنيكين بالتعاون الودي من قبل الحلفاء، فهم يقتلون ويشنقون عشرات الآلاف من العمال، ويبقون الجثث معلقة على المشانق لمدة ثلاثة أيام من أجل إرهاب الباقين. وفي الأورال والفولغا تقطع عصابات الحرس الأبيض التشيكوسلوفاكي أيدي المساجين وأرجلهم وتغرقهم في الفولغا وتدفنهم أحياء، فيما يذبح الجنرالات آلاف الشيوعيين وأعدادا لا تحصى من العمال والفلاحين.
إن البرجوازيتين الألمانية والنمساوية، كما الاشتراكيين – الخونة، قد أظهروا بشكل جلي طبيعتهم كآكلي لحوم البشر، عندما علقوا على مشانق الحديد المتنقلة العمال والفلاحين بعد سلبهم، وكذلك فعلوا بالشيوعيين من مواطنيهم، رفاقنا الألمان والنمساويين. وفي فنلندا، بلد الديموقراطية البرجوازية، ساعدوا البرجوازية الفنلندية على إعدام أكثر من 13 إلى 14 ألف بروليتاري رميا بالرصاص، وعلى تعذيب أكثر من 15 ألف حتى الموت في السجون.
في هلسينكي، دفعوا أمامهم النساء والأطفال من أجل حماية أنفسهم من الرشاشات. فبمساعدتهم تمكن الحرس الأبيض الفنلندي والقوى المساعدة السويدية من القيام بتلك العربدات الدامية ضد البروليتاريا الفنلندية المهزومة. وفي تامرفورز أُجبرت النساء المحكوم عليهن بالإعدام على أن يحفرن قبورهن بأيديهن. وفي فيبورغ تم قتل مئات النساء والرجال والأطفال الفنلنديين والروس.
وقد بلغت البرجوازية والاشتراكية – الديموقراطية الألمانية، داخل بلدها، أقصى درجات السعار الرجعي عبر القمع الدموي للانتفاضة العمالية الشيوعية والاغتيال الوحشي لليبكنيخت ولوكسمبرغ، وقتل العمال السبارتاكيين وإبادتهم. الإرهاب الأبيض الجماعي والفردي – هذه هي الراية التي تقود البرجوازية.
وترتسم اللوحة نفسها في بلدان أخرى أمامنا.
في سويسرا الديموقراطية، كل شيء جاهز لإعدام العمال إذا ما تجرأوا على خرق القانون الرأسمالي. وفي أمريكا تظهر الأشغال الشاقة وقانون لينش والكرسي الكهربائي كرموز مختارة للديمقراطية والحرية.(*)
وفي المجر وإنكلترا، وفي بوهميا وبولندا – الشيء نفسه في كل مكان. القتلة البرجوازيون لا يتراجعون عن أية مخزية، ومن أجل تأكيد سيطرتهم يثيرون الشوفينية. فتقوم، مثلا، الديموقراطية البرجوازية الأوكرانية وعلى رأسها المنشفي بتليورا، والديموقراطية البرجوازية البولونية مع الاشتراكي – الوطني بيلسودسكي، وهكذا دواليك… بتنظيم مذابح واسعة ضد اليهود تفوق تلك التي نظمتها شرطة القيصر. وإذا كان الرعاع البولونيون الرجعيون و«الاشتراكيون» قد إغتالوا ممثلي الصليب الأحمر الروسي، فهذه ليست إلاّ نقطة ماء في بحر جرائم وفظاعات البرجوازية آكلة لحوم البشر.
إن «عصبة الأمم»، التي تدعو إلى السلام، حسب تصريحات مؤسسيها، تتجه نحو حرب دموية ضد البروليتاريا في كل البلدان، والقوى الحليفة الراغبة بإنقاذ سيطرتها تشق بجيوش سوداء الطريق أمام إرهاب وحشي لا يُصدق.
إن المؤتمر الأول للأممية الشيوعية، إذ يلعن المجرمين الرأسماليين يدعو العمال في العالم أجمع إلى تجميع قواهم من أجل وضع حد نهائي لنظام الإجرام والنهب، عبر إطاحة النظام الرأسمالي.
(*) قانون لينش: قانون الإعدام من غير محاكمة قانونية، وهو منسوب إلى قاض أميركي بهذا الإسم (المعرّبة).
خطاب الرفيق تروتسكي
الرفيق ليون تروتسكي (روسيا) – لقد قال الرفيق ألبرت إن الجيش الأحمر غالبا ما يكون موضوع نقاش في ألمانيا، وإذا كنت قد فهمته جيدا، فإن الجيش الأحمر يقلق أيضا السيدين إيبرت وشيدمان في ليالي أرقهما، أي إنهما يخافان من خطر اكتساح الجيش الأحمر بروسيا الشرقية. في ما يتعلق بالاكتساح، فإن الرفيق ألبرت يستطيع فعلاً أن يطمئن سادة ألمانيا الحاليين، أننا، لحسن الحظ أو لسوئه – تبعا لوجهة النظر – لم نصل إلى ذلك حاليا. في كل الأحوال، في ما يتعلق بالاجتياحات التي تتهددنا، فإن وضعنا اليوم أفضل بكثير منه خلال مرحلة بريست – ليتوفسك. وهذا شيء أكيد تماما. في تلك المرحلة، كنا ما زلنا أطفالا بالنسبة للتطور العام للحكومة السوفياتية، وكذلك بالنسبة للتطور العام للجيش الأحمر. في تلك المرحلة كان هذا الأخير يسمى بالحرس الأحمر، ومنذ فترة طويلة لم تعد هذه التسمية موجودة عندنا. كان الحرس الأحمر مشكلاً من الفرق الأولى من الأنصار، ومن الفروع المرتجلة من العمال الثوريين الذين نشروا الثورة البروليتارية بدءا من بتروغراد وموسكو في كامل الأرض الروسية، مدفوعين بروحهم الثورية. امتدت هذه المرحلة حتى أول مواجهة لهذا الحرس الأحمر مع الأفواج الألمانية النظامية، حيث رأينا بوضوح أن هذه المجموعات المرتجلة غير قادرة بذاتها على تقديم حماية فعلية للجمهوريات الاشتراكية الثورية، طالما أن المسألة لم تعد مسألة القضاء على الثورة المضادة فحسب بل طرد جيش منظم.
وعندها بدأت تتغير عقلية الطبقة العاملة تجاه الجيش، وتتغير أيضا أساليب تنظيم هذا الجيش. لقد لجأنا، تحت ضغط الوضع، إلى بناء جيش جيد التنظيم، يمتلك وعيا طبقيا، لأن الميليشيا الشعبية كانت موجودة في برنامجنا. لكن الحديث عن المليشيا الشعبية، هذا المطلب السياسي للديمقراطية في بلد تحكمه ديكتاتورية البروليتاريا، هو شيء مستحيل، لأن الجيش مرتبط شديد الارتباط دائما بطابع القوة التي تمسك بالسلطة. إن الحرب، كما يقول العجوز كلاوزفيتش هي استمرار للسياسة ولكن بوسائل أخرى. والجيش هو أداة الحرب ويجب أن يتوافق مع السياسة. فالحكومة بروليتارية، والجيش يجب أن يتوافق أيضا بتركيبه الاجتماعي مع هذه الواقعة.
وهكذا أدخلنا التعداد في تشكيل الجيش. منذ شهر أيار / مايو في العام الماضي، انتقلنا من الجيش المتطوع، من الحرس الأحمر إلى الجيش الذي يستند إلى الخدمة العسكرية الإلزامية، ولكننا لم نكن نقبل إلاّ بالبروليتاريين، أو الفلاحين الذين لا يستغلون يدا عاملة خارجية.
من المستحيل الحديث بجدية عن ميليشيا شعبية في روسيا، عندما نأخذ في الاعتبار واقع أنه كان عندنا، ولا يزال هناك أيضا عدة جيوش للطبقات المعادية على أرض الامبراطورية القيصرية القديمة. وعندنا أيضا، مثلا على أرض الدون، جيش ملكيّ، بقيادة ضباط قوزاق، مؤلف من عناصر برجوازية وفلاحين أغنياء قوزاق. ومن ثم، كان لدينا في صقيع الفولغا والأورال جيش الجمعية التأسيسية، الذي كان أيضا، تبعاً لمفهومه، جيشا شعبيا كما كان يسمى. لقد حُلَّ هذا الجيش بسرعة كبيرة، وانهزم سادة الجمعية التأسيسية هؤلاء، وتركوا الساحة الديموقراطية في الفولغا والأورال بشكل قسري تماما، وطلبوا ضيافة الحكومة السوفياتية. وببساطة اعتقل الأميرال كولتشاك حكومة الجمعية التأسيسية، وتطور الجيش إلى جيش ملكيّ. لا يمكن إذا في بلد يعيش حربا أهلية أن يتم بناء جيش إلاّ على أساس المبدأ الطبقي. هذا ما قمنا به فعلا وبنجاح أيضاً.
لقد أثارت لنا مسألة القادة العسكريين صعوبات كبيرة وبالطبع كان الهم الأول هو تربية الضباط الحمر الذين تم تطويعهم من صفوف الطبقة العاملة ومن بين أبناء الفلاحين الميسورين. لقد لجأنا من البداية إلى هذا العمل، وحتى هنا، أمام باب هذه القاعة، يمكنكم أن تروا بعض «الرقباء» الحمر الذين سيدخلون، خلال فترة قصيرة، في الجيش السوفياتي كضباط حمر، ولدينا عدد كبير منهم. لا أريد أن أعطي أرقاما لأن سر الحرب هو دائما سر حرب. قلت إن عددهم كبير ولكننا لم نكن نستطيع أن ننتظر أن يصبح الرقباء الحمر الشباب، جنرالات حمراً، لأن العدو لم يكن يريد أن يترك لنا الوقت الكافي للراحة. فمن أجل الإفادة بنجاح من هذا الاحتياطي، ولكي نأخذ منه الرجال القادرين، يجب أن نتوجه أيضا إلى قدامى القادة العسكريين. إننا لم نبحث بالطبع عن ضباطنا بين الشريحة اللامعة من رجال البلاط العسكريين، بل إننا كسبنا قوى قادرة تماما من بين العناصر الأكثر بساطة، التي تساعدنا حاليا على مقاتلة زملائها السابقين. فمن جهة، لدينا العناصر الجيدة والمخلصة التي تشكل مجموعة الضباط القدامى والتي أضفنا إليها شيوعيين جيدين بصفة مفوضين سياسيين، وهناك من جهة أخرى أفضل العناصر، بين الجنود والعمال والفلاحين، التي تحتل المراكز القيادية الدنيا. وبهذه الطريقة استطعنا تشكيل هيئة الضباط الحمر.
منذ أن وجدت الجمهورية السوفياتية في روسيا كانت مجبرة دائما على خوض الحرب وما زالت تخوضها اليوم. لدينا جبهة تمتد على أكثر من 8 ألف كلم. في الجنوب والشمال، في الشرق والغرب وفي كل مكان. الأسلحة بأيدينا، يحاربوننا ونحن مضطرون للدفاع عن أنفسنا. هذا وكاوتسكي يتهمنا حتى بتنمية النزعة العسكرية. والحال، أعتقد أنه إذا أردنا الاحتفاظ بالسلطة للعمال، علينا أن ندافع عن أنفسنا بجدية. ومن أجل الدفاع عن أنفسنا علينا أن ندرب العمال على استعمال الأسلحة التي صنعوها. لقد بدأنا بنزع سلاح البرجوازية وبتسليح العمال. وإذا كانت هذه نزعة عسكرية، فإننا إذن قد خلقنا النزعة العسكرية الاشتراكية، وسنستمر بحزم في الإعتماد عليها.
وفي هذا الصدد، كان وضعنا في آب / أغسطس الماضي سيئا بالفعل. ليس فقط أننا كنا محاصرين، بل إن الحصار كان قريبا جدا من موسكو. منذ تلك الفترة وسَّعنا دائرة الحصار بشكل متزايد، وفي الأشهر الستة الأخيرة، أعاد الجيش الأحمر إلى روسيا السوفياتية ليس أقل من 700 ألف كلم مربع مع 42 مليونا من السكان و16 حكومة مع 16 مدينة كبرى، حيث كانت الطبقة العاملة ولا تزال تخوض نضالا شرسا. واليوم، إذا مددتم على الخريطة خطّا من موسكو بأي اتجاه كان، فإنكم ستجدون في كل مكان فلاحا روسيا، عاملا روسيا على الجبهة، يقف مع بندقيته في هذه الليلة الباردة على حدود الجمهورية السوفياتية من أجل الدفاع عنها.
وأستطيع أن أؤكد لكم أن العمال الشيوعيين الذين يشكلون حقا نواة هذا الجيش يتصرفون ليس كجيش لحماية الجمهورية الاشتراكية الروسية فحسب، بل أيضا كجيش أحمر للأممية الثالثة. وإذا كنا قد تمكنا اليوم من استضافة هذا الكونفرنس الشيوعي لنشكر، لمرة واحدة، إخواننا في أوربا على الضيافة التي قدموها لنا خلال عشرات السنين، فنحن من جهتنا إنما ندين بذلك لجهود وتضحيات الجيش الأحمر، الذي يتصرف داخله أفضل الرفاق من الطبقة العاملة الشيوعية كجنود عاديين، وكضباط حمر أو مفوضين، أي كممثلين مباشرين لحزبنا وللحكومة السوفياتية؛ وهم في كل كتيبة وفي كل فرقة يقدمون المثال السياسي والأخلاقي، أي يعلمون، بمثالهم، الجنود الحمر كيف نناضل ونموت من أجل الاشتراكية. ليست هذه كلمات فارغة لدى هؤلاء الرجال، لأنها، مرفقة بالأعمال، وقد فقدنا في هذا النضال المئات والآلاف من خيرة العمال الاشتراكيين؛ وأنا أعتقد أنهم لم يسقطوا فقط من أجل الجمهورية السوفياتية بل أيضا من أجل الأممية الثالثة.
وإذا لم يكن يخامرنا اليوم حتى التفكير بالهجوم على بروسيا الشرقية – على العكس فإننا نكون سعداء جدا لو أن السيدين إيبرت وشيدمان يتركاننا بسلام – فصحيح مع ذلك، أنه عندما يدعونا إخوتنا في الغرب إلى نجدتهم فإننا سنجيب «حاضرون ! لقد تعلمنا خلال هذا الوقت استخدام الأسلحة ونحن جاهزون للنضال والموت من أجل مصلحة الثورة العالمية».
خطاب لينين الاختتامي
(7 آذار/ مارس 1919)
هكذا أنهينا عملنا.
إذا كنا قد استطعنا أن نجتمع على الرغم من كل الصعوبات والقمع البوليسي، وإذا كنا قد نجحنا، دون تعارضات أساسية، في أن نتخذ، في وقت قصير من الزمن، قرارات هامة حول كل المسائل الساخنة للمرحلة الثورية الحالية، فذلك لأن الجماهير البروليتارية في العالم أجمع قد وضعت عبر أفعالها كل هذه المسائل العملية على جدول أعمالها وبدأت بحلها فعلا.
ولم نقم هنا إلاّ بتلخيص ما كانت الجماهير قد نجحت باكتسابه في نضالها الثوري.
إن الحركة الداعمة للسوفيتات تمتد دائما إلى الأبعد، ليس فقط في بلدان أوروبا الشرقية بل أيضا في بلدان أوروبا الغربية، ليس فقط في البلدان المهزومة بل أيضا في البلدان المنتصرة كإنكلترا مثلاً، وهذه الحركة ليست أقل من حركة هدفها خلق ديموقراطية بروليتارية جديدة، إنها التطور الأكثر أهمية نحو ديكتاتورية البروليتاريا ونحو الانتصار الكامل للشيوعية.
فلتستمر البرجوازية في العالم أجمع في التخريب، فلتلاحقْ وتعتقلْ وحتى تغتالْ السبارتاكيين والبلاشفة، فإن هذا لن يخدمها بشيء، لن يكون بمقدوره إلاّ توعية الجماهير، وحفز تصميمها على تخطي أفكارها المسبقة البرجوازية الديموقراطية القديمة وعلى الإنخراط في النضال. إن انتصار الثورة البروليتارية مضمون في العالم أجمع: فتشكيل الجمهورية السوفياتية العالمية يسير قدما.
بيان الأممية الشيوعية
إلى بروليتاريي العالم أجمع!
منذ إثنين وسبعين عاما قدم الحزب الشيوعي برنامجه للعالم على شكل بيان كتبه أكبر أنبياء الثورة البروليتارية، كارل ماركس وفريدريك إنجلز. منذ تلك المرحلة، وفيما كانت الشيوعية لا تزال في بدايات نضالها، أثقلت كاهلها الملاحقات والأكاذيب والحقد والاضطهاد من جانب الطبقات المالكة التي رأت فيها، وعن حق، عدوتها القاتلة. خلال ثلاثة أرباع القرن هذه، اتَّبع تطور الشيوعية طرقا معقدة وشهد، بشكل متناوب، عواصف الحماس وفترات الإحباط، وعرف الانتصارات والخيبات القاسية. ولكن الحركة سارت بالواقع تبعا للطريق الذي رسمه البيان الشيوعي. لقد أتت ساعة النضال النهائي والحاسم متأخرة عمّا كان يقدره ويتوقعه رسولا الثورة الاجتماعية. ولكنها أتت. ونحن الشيوعيين، ممثلي البروليتاريا الثورية في مختلف بلدان أوربا وأمريكا وآسيا، المجتمعين في موسكو، عاصمة روسيا السوفياتية، نشعر أننا ورثة العمل الذي أُعلن برنامجه منذ اثنين وسبعين عاما، ومتابعوا هذا العمل.
إن مهمتنا هي تعميم التجربة الثورية للطبقة العاملة، وتخليص الحركة من الخليط العكر من الانتهازية والاشتراكية – الوطنية، وتوحيد قوى كل أحزاب البروليتاريا العالمية الثورية حقا. وانطلاقا من ذلك تسهيل انتصار الثورة الشيوعية في العالم أجمع والإسراع به.
اليوم، وأوروبا مغطاة بالحطام والأنقاض المحترقة، ينهمك مشعلو الحرائق الأكثر إثما في البحث عن المسؤولين عن الحرب، تتبعهم حاشيتهم من أساتذة وبرلمانيين وصحافيين واشتراكيين – وطنيين وغيرهم من الداعمين السياسيين للبرجوازية.
خلال سلسلة طويلة من السنين، تنبأت الاشتراكية بحتمية الحرب الإمبريالية. لقد رأت أسبابها في الرغبة المسعورة بالربح والتملك لدى الطبقات المالكة في المعسكرين المتنافسين، وبشكل عام في جميع البلدان الرأسمالية. قبل عامين من الانفجار، في مؤتمر بال، كان القادة الاشتراكيون المسؤولون في كافة البلدان يشهِّرون بالإمبريالية باعتبارها المحرضة على الحرب المقبلة، ويهددون البرجوازية بإطلاق الثورة الاجتماعية ضدها وبثأر البروليتاريا من جرائم الرأسمالية.
والآن، بعد تجربة امتدت خمس سنوات، وفيما يكشف التاريخ، بعد أن فضح شهوات ألمانيا الجشعة، ممارسات الحلفاء التي لا تقل إجراما، لم يكفّ الاشتراكيون الرسميون في بلدان الحلفاء عن التشهير بالإمبراطور الألماني المخلوع باعتباره مجرم الحرب الأكبر وذلك جريا خطى حكوماتهم. أكثر من ذلك، إن الاشتراكيين الوطنيين الألمان، الذين جعلوا في آب / أغسطس 1914 من الكتاب الديبلوماسي الأبيض لعائلة هوهينزولرن إنجيل الأمم المقدس، هؤلاء الاشتراكيون الوطنيون، في خنوعهم الدنيء، يتهمون بدورهم اليوم الملكية الألمانية المجندلة، التي كانوا خدامها المخلصين، بأنها المسبب الرئيسي للحرب. وهم يأملون، هكذا، نسيان الدور الذي لعبوه وكسب تسامح المنتصرين في آن واحد. ولكن إلى جانب الدور الذي قامت به عائلات رومانوف وهوهنزولرن وهابسبورغ الملكية المخلوعة والزمر الرأسمالية في تلك البلدان، فإن دور الطبقات الحاكمة في فرنسا وإنكلترا وإيطاليا والولايات المتحدة يظهر بكل ضخامته الإجرامية على ضوء الأحداث الحاصلة والإفشاءات الديبلوماسية.
لم ترفع الديبلوماسية الانكليزية قناعها الخفي أبدا حتى انفجار الحرب. كانت حكومة السيتي(*) تخشى إن هي أعلنت بوضوح عن نيتها الاشتراك في الحرب إلى جانب الحلفاء أن تتراجع حكومة برلين ولا تقع الحرب. لهذا كانت، من جهة، تتصرف بشكل يجعل برلين وفيينا تأملان حيادها، وبشكل يجعل باريس وبيتروغراد من جهة ثانية تعتمدان بثقة على تدخلها.
إن الحرب، التي هيأ لها مسار التاريخ خلال عدة عقود، فجرها استفزاز مباشر وواع من جانب بريطانيا العظمى. لقد كانت حكومة هذا البلد تنوي أن تدعم روسيا وفرنسا فقط بالقدر الضروري الذي يسمح بإنهاكهما عبر إنهاك ألمانيا عدوها اللدود. غير أن قوة التنظيم العسكري الألماني بدت خطرة جدا وفرضت على إنكلترا تدخلا حقيقيا وليس فقط ظاهريا كما كانت تنوي.
إن دور المشاهد الباسم، الذي كانت تطمح إليه بريطانيا جريا على عادتها انتقل إلى الولايات المتحدة. وقبلت حكومة ويلسون بسهولة أكبر الحصار الانكليزي الذي كان يضعف إمكانات مضاربة البورصة الأمريكية على الدم الأوربي، لا سيما أن الدول العظمى المتحالفة عوّضت البرجوازية الأمريكية بأرباح ضخمة من جراء ذلك الخرق «للقانون الدولي». مع ذلك فالتفوق العسكري الهائل لألمانيا أجبر حكومة واشنطن بدورها على الخروج من حالة الحياد الزائف حيال أوروبا، وتكلفت بالمهمة التي أدتها بريطانيا في الحروب السابقة والتي حاولت القيام بها، في الحرب الأخيرة، على صعيد القارة: إضعاف أحد المعسكرين باستخدام الآخر وعدم التورط في العمليات العسكرية إلاّ بالقدر الذي لا مفر منه من أجل تأمين كل مكاسب الوضع. إن الرهان المعروض في اليناصيب الأمريكي لم يكن كبيرا، ولكنه كان الخيار الأخير، ولهذا كان يؤمن لها الربح.
لقد ظهرت تناقضات النظام الرأسمالي للإنسانية أثر الحرب على شكل عذابات جسدية: الجوع، البرد، الأمراض السارية وعودة إلى الهمجية. هكذا تم الحكم المبرم على النزاع الأكاديمي القديم بين الاشتراكيين حول نظرية الإفقار والانتقال التدريجي من الرأسمالية إلى الاشتراكية. كان إحصائيو نظرية تدوير الزوايا وأحبارها قد بحثوا خلال عشرات السنوات في جميع أنحاء العالم عن وقائع حقيقية أو خيالية قادرة على إثبات تقدم رفاهية بعض مجموعات الطبقة العاملة أو فئاتها. لقد اعتبرت نظرية الإفقار مدفونة وسط صفير الاحتقار من جانب الخصيان الذين يحتلون المنابر الجامعية البرجوازية وكبار موظفي الانتهازية الاشتراكية. والآن ليس فقط الإفقار الاجتماعي بل الإفقار الفيزيولوجي والبيولوجي هو الذي يظهر لنا بكل واقعه البشع.
لقد كنّست كارثة الحرب الامبريالية كل مكاسب المعارك النقابية والبرلمانية بصورة جذرية. ومع هذا فقد ولدت تلك الحرب من الاتجاهات الداخلية للرأسمالية مثلها مثل المساومات الاقتصادية أو التسويات السياسية التي دفنتها في الوحل والدم.
بعد أن جر الرأسمال المالي الإنسانية إلى هاوية الحرب، تعرّض هو نفسه لتحول كارثي. لقد انقطعت نهائيا تبعية العملة الورقية للأساس المادي للإنتاج، وتحولت العملة الورقية، بفقدانها بشكل متزايد لقيمتها بما هي وسيلة وضابطة لتبادل المنتوجات في النظام الرأسمالي، إلى أداة تسخير وقهر، وبشكل عام، إلى أداة اضطهاد عسكري واقتصادي.
إن الانخفاض الكلي لقيمة أوراق البنوك يشير إلى الأزمة المميتة الشاملة التي يتعرض لها تداول المنتجات في النظام الرأسمالي. وإذا كان قد تم استبدال المنافسة الحرة، كمنظِّمة للإنتاج والتوزيع، بنظام التروستات والاحتكارات في الحقول الرئيسية للاقتصاد قبل بضعة عقود من الحرب، فإن مسار الحرب نفسه قد انتزع من التجمعات الإقتصادية دورها المنظم والموجِّه، ليضعه مباشرة في أيدي السلطة العسكرية والحكومية. فتوزيع المواد الأولية واستغلال نفط باكو أو رومانيا والفحم الحجري في دونتز وقمح أوكرانيا، واستخدام قطارات ألمانيا وحافلاتها وعرباتها، وتموين أوروبا الجائعة بالخبز واللحم، كل هذه المسائل الأساسية في الحياة الاقتصادية للعالم لم تعد تنظَّم بالمنافسة الحرة ولا حتى بواسطة تشكيلات من التروستات أو الاتحادات الوطنية أو العالمية، لقد وقعت تحت نير الطغيان العسكري كي يستخدمها كضمانة من الآن وصاعدا. وإذا كان خضوع السلطة السياسية للرأسمال المالي قد قاد الإنسانية إلى المجزرة الامبريالية، فإن هذه المجزرة قد سمحت للرأسمال المالي ليس فقط بعسكرة الدولة، بل بعسكرة نفسه بالذات، حيث أنه لم يعد قادرا على القيام بوظائفه الاقتصادية إلاّ بواسطة الحديد والدم.
إن الانتهازيين الذين كانوا يدعون العمال، قبل الحرب، إلى الاعتدال في مطالبهم تحت حجة المرور البطيء نحو الاشتراكية، والذين أجبروهم خلال الحرب على التخلي عن الصراع الطبقي، باسم الوحدة المقدسة والدفاع الوطني، يطلبون تضحية جديدة من البروليتاريا، وهذه المرة من أجل التغلب على النتائج المخيفة للحرب. إذا كان لمثل هذه المواعظ أن تؤثر على الجماهير العمالية، فإن تطور الرأسمال سيستمر، مضحيا بأجيال عديدة عبر أشكال جديدة، أكثر تركيزا وبشاعة أيضا، وبمنظور حتمي لحرب عالمية جديدة. ولكن من حظ الإنسانية، أن ذلك لم يعد ممكنا.
إن دولنة الحياة الاقتصادية التي طالما احتجت عليها الليبرالية الرأسمالية أصبحت أمرا واقعا. إن العودة ليس إلى المنافسة الحرة بل فقط إلى سيطرة التروستات والنقابات أو أي أخطبوط رأسمالي آخر، من الآن فصاعدا، باتت أمرا مستحيلا. فالمسألة الوحيدة التي يجب معرفتها من الآن وصاعدا هي من سيستلم الإنتاج الذي تسيطر عليه الدولة: الدولة الامبريالية أو دولة البروليتاريا المنتصرة.
بعبارات أخرى هل ستصبح الإنسانية العاملة بمجملها العبد التابع لزمرة عالمية منتصرة، تنهب البعض وتخنقه، وتتعهد بالرعاية للبعض الآخر، ولكنها دائما وفي كل مكان، تقيّد البروليتاريا ضمن هدف واحد وهو الحفاظ على سيطرتها، وذلك تحت رعاية عصبة الأمم وبواسطة جيش «أممي» وأسطول «أممي»؟ أم أن الطبقة العاملة في أوربا وفي البلدان الأكثر تقدما في الأجزاء الأخرى من العالم ستستولي على الحياة الاقتصادية على الرغم من فوضاها ودمارها من أجل إعادة بنائها على أسس اشتراكية؟
إن اختصار فترة الأزمة التي نمر بها لا يمكن أن يتم إلاّ بأساليب ديكتاتورية البروليتاريا التي لا تنظر إلى الماضي ولا تقيم وزنا للامتيازات الموروثة ولا لحق الملكية، ولا تقيم اعتبارا إلاّ لضرورة إنقاذ الجماهير الجائعة، وتعبئ من أجل ذلك كل الوسائل وكل القوى، وتقرر إلزامية العمل للجميع وتؤسس لنظام الانضباط العمالي، وذلك ليس فقط من أجل شفاء الجروح الفاغرة التي أحدثتها الحرب بل من أجل الارتفاع بالإنسانية إلى علو جديد غير منتظر.
******
لقد أصبحت الدولة القومية، بعد أن أعطت دفعا قويا للتطور الرأسمالي، ضيقة جدا بالنسبة لتوسع القوى المنتجة، وقد جعلت هذه الظاهرة من وضع الدول الصغرى، المحصورة وسط القوى الكبرى الأوروبية والعالمية، أكثر صعوبة. إن هذه الدول الصغرى التي ولدت في فترات مختلفة كأجزاء من تلك الكبرى، وكعملة النحاس المخصصة لتسديد مختلف الضرائب، وكصمامات استراتيجية، لديها أُسرُها الملكية وشرائحها الحاكمة وأطماعها الامبريالية وحيلها الديبلوماسية. لقد كان استقلالها الوهمي مرتكزا، حتى الحرب، على ما كان يرتكز عليه التوازن الأوربي بالضبط أي العداء بين المعسكرين الامبرياليين. لقد جاءت الحرب لتدمر هذا التوازن. وإذا أعطت الحرب في البداية تفوقا هائلا لألمانيا، دفعت الدول الصغرى إلى البحث عن الخلاص في شهامة العسكرية الألمانية، وبعد أن هزمت ألمانيا، استدارت برجوازية الدول الصغرى، بالاتفاق مع «اشتراكييها» الوطنيين، لتحية امبريالية الحلفاء المنتصرة، وانكبت تبحث في البنود المخادعة لبرنامج ويلسون عن ضمانات للمحافظة على وجودها المستقل. وفي الوقت نفسه، كان عدد الدول الصغرى يتزايد: لقد انفصلت عن الملكية النمساوية – المجرية وامبراطورية القياصرة دول جديدة. ما إن ولدت حتى أمسكت الواحدة منها بخناق الأخرى حول مسألة الحدود. وكان الامبرياليون الحلفاء خلال ذلك الوقت، يعدون لتشكيلات من القوى الصغرى، الجديدة والقديمة، من أجل ربطها بعضها ببعض بحقد متبادل وضعف شامل.
لا يكف الحلفاء الامبرياليون، وهم يسحقون ويقهرون الشعوب الصغيرة والضعيفة ويقضون عليها بالجوع والإذلال كما فعل إمبرياليو دول المحور قبلهم بقليل، لا يكفون عن الحديث عن الحقوق القومية، هذه الحقوق التي داسوها بأرجلهم في أوروبا والعالم أجمع.
إن الثورة البروليتارية وحدها تستطيع أن تضمن للشعوب الصغيرة وجودا حرا، لأنها تحرر القوى المنتجة في كل البلدان من الكماشات التي تشدّها الدول القومية، عبر توحيدها للشعوب في تعاون اقتصادي وثيق، انسجاما مع خطة اقتصادية مشتركة. وهي الوحيدة التي تعطي الشعوب الأضعف والأقل عددا إمكانية حكم نفسها، مع حرية واستقلالية مطلقتين، وتمنحها ثقافتها الوطنية دون أن تلحق أدنى ضرر بالحياة الاقتصادية الموحدة والممركزة في أوروبا والعالم.
إن الحرب الأخيرة التي كانت إلى حد بعيد حربا من أجل الاستيلاء على المستعمرات، كانت في الوقت نفسه حربا وقعت بمساعدة المستعمرات. فبنسب لم تكن معروفة حتى ذلك الحين جُرت الشعوب المستعمرة إلى الحرب الأوروبية. لقد تقاتل الهنود والزنوج والعرب والملقيون على أرض أوروبا، ولكن لماذا؟ باسم حقهم بالبقاء مدة أطول عبيدا لانكلترا وفرنسا. فلم يحصل أبدا بالسابق أن كان مشهد انعدام شرف الدولة الرأسمالية في المستعمرات موجبا للعبرة إلى هذا الحد، ولم يحدث من قبل أن طرحت مشكلة العبودية الاستعمارية بحدة مماثلة.
ومن هنا، قامت سلسلة من الانتفاضات والحركات الثورية في كل المستعمرات في أوروبا نفسها، وذكرت إيرلندا في معارك دموية في الشوارع بأنها لا تزال بلدا مستعبدا وأنها تعي ذلك. في مدغشقر وأنام وأماكن أخرى، كان على قوات الجمهورية البرجوازية، والأكثر من مرة، أن تخمد انتفاضات العبيد المستعمرين. وفي الهند لم تتوقف الحركة الثورية يوما واحدا، وقد أدت في الفترة الأخيرة إلى إضرابات عمالية عظيمة ردت عليها الحكومة البريطانية باستخدام العربات المصفحة.
وهكذا طُرحت المسألة الكولونيالية بكل زخمها ليس فقط على البساط الأخضر لمؤتمر دبلوماسيي باريس، بل في المستعمرات نفسها. لقد كان هدف برنامج ويلسون، في تفسيره الأفضل، تغيير مراسم الاستعباد الاستعماري. إن تحرر المستعمرات لا يمكن إحرازه إلاّ إذا تم بالتزامن مع تحرر الطبقة العاملة في الدول المستعمرة. إن العمال والفلاحين، ليس فقط في أنام والجزائر والبنغال، بل أيضا في إيران وأرمينيا، لا يمكنهم أن يتمتعوا بوجود مستقل إلاّ في اليوم الذي يستولي فيه عمال إنكلترا وفرنسا على السلطة الحكومية، بعد أن يطيحوا لويد جورج وكليمنصو. ومنذ الآن، لم يعد يخاض النضال في المستعمرات الأكثر تطورا تحت راية التحرر القومي فقط، بل إنه يتخذ فورا طابعا اجتماعيا بالغ الوضوح إلى هذا الحد أو ذاك. إذا كانت أوربا الرأسمالية قد قادت الأجزاء الأكثر تخلفا في العالم، رغما عنها، إلى دوامة العلاقات الرأسمالية، فإن أوربا الاشتراكية ستأتي بدورها لإنقاذ المستعمرات المحررة، بواسطة تقنيتها وتنظيمها ونفوذها المعنوي، من أجل الإسراع بانتقالها إلى الحياة الاقتصادية المنظمة بإتقان على يد الاشتراكية.
يا عبيد المستعمرات في افريقيا وآسيا، إن ساعة دكتاتورية البروليتاريا في أوربا ستدق من أجلكم، باعتبارها ساعة خلاصكم.
إن العالم البرجوازي بأكمله يتهم الشيوعيين بإلغاء الحرية والديموقراطية السياسية. هذا ليس صحيحا. إن البروليتاريا باستلامها السلطة لا تقوم إلاّ بإظهار الاستحالة التامة لتطبيق أساليب الديموقراطية البرجوازية، وبخلق الشروط والأشكال الخاصة بديمقراطية عمالية جديدة، وأكثر تقدما. لقد نسف كامل مسار التطور الرأسمالي، وبشكل خاص في العصر الإمبريالي الأخير، أسس الديمقراطية السياسية، ليس فقط بتجزئته الأمم إلى طبقتين عدوتين لا مجال للتوفيق بينها، بل أيضا بحكمه بالهلاك الاقتصادي والعجز السياسي على شرائح عديدة من البرجوازية الصغيرة والبروليتاريا، مثلما فعل بالعناصر الأكثر حرمانا من هذه البروليتاريا نفسها.
لقد استخدمت الطبقة العاملة نظام الديموقراطية السياسية من أجل تنظيم نفسها بمواجهة الرأسمال في البلدان حيث سمح لها التطور التاريخي بذلك. وهذا ما سيحصل في المستقبل في البلدان التي لم تتحقق فيها بعد الشروط التمهيدية لثورة عمالية. لكن جماهير السكان المتوسطين ليس فقط في القرى ولكن أيضا في المدن، ما زالت تشدّهم الرأسمالية إلى الوراء، متخلفين مراحل عديدة عن التطور التاريخي.
إن فلاح بافيير أو باد، الذي ما زال وثيق الصلة بمسقط رأسه، ومزارع العنب الفرنسي الصغير الذي دفعه إلى الإفلاس غش كبار تجار الخمور الرأسماليين، والأمريكي صاحب المزرعة الصغيرة الذي أثقله أصحاب البنوك والنواب بالديون وخدعوه، كل هذه الفئات الاجتماعية التي رمتها الرأسمالية خارج طريق التطور التاريخي الكبير، يدعوها نظام الديموقراطية السياسية للمشاركة بحكومة الدولة. والواقع أنه في المسائل الأساسية التي يتوقف عليها مصير الأمم، هناك طغمة مالية تحكم من وراء كواليس الديموقراطية البرلمانية. هذا ما حصل سابقا في مسألة الحرب ويحصل حاليا في مسألة السلم.
وبقدر العناء الذي ما زالت تتكبده الطغمة المالية من أجل تشريع أعمال الطغيان التي تقوم بها عبر التصويتات البرلمانية، فإن الدولة البرجوازية تستخدم للوصول إلى النتائج المتوخاة كل أسلحة الكذب والديماغوجية والتعذيب والافتراء والإفساد والإرهاب التي وضعتها بيدها عصور العبودية البائدة، والتي ضاعفتها معجزات التقنية الرأسمالية.
أن يُطلب من البروليتاريا، في صراعها الأخير حتى الموت ضد الرأسمال، أن تراعي بورع مبادئ الديموقراطية السياسية، فهذا يعادل مطالبة شخص يدافع عن وجوده وحياته ضد قطاع طرق بأن يراعي القواعد الشكلية والمتفق عليها للملاكمة الفرنسية، تلك القواعد التي وضعها خصمه علما أنه لا يحترمها.
وفي مجال الدمار، حيث لم تعد وسائل الإنتاج والنقل، بل وأيضا مؤسسات الديموقراطية السياسية، إلاّ كومة من الحطام الملطخ بالدم، ستضطر البروليتاريا إلى خلق جهازها الخاص الذي يخدم قبل كل شيء بالإبقاء على التماسك الداخلي للطبقة العاملة نفسها ويمنحها القدرة على التدخل بشكل ثوري في التطور اللاحق للإنسانية. هذا الجهاز هو السوفيتات.
عبرت الأحزاب القديمة والمنظمات النقابية القديمة بشخص زعمائها عن عجزها ليس فقط عن اتخاذ القرار بل حتى عن فهم المشاكل التي يطرحها العصر الجديد. إن البروليتاريا خلقت نموذجا جديدا من التنظيم الواسع، الذي يستوعب الجماهير العمالية بغض النظر عن المهنة ودرجة التطور السياسي. جهازا مرنا قادرا على التجدد والتوسع الدائمين، وبإمكانه دائما جذب فئات جديدة واحتضان شرائح الشغيلة القريبة من بروليتاريا المدينة والريف. إن تنظيم الطبقة العاملة هذا، الذي لا يمكن الاستعاضة عنه والذي يحكم نفسه بنفسه، ويناضل ويستولي بالنهاية على السلطة السياسية، قد خضع للتجربة في بلدان مختلفة وهو يشكل المكسب والسلاح الأكثر قوة في يد البروليتاريا في عصرنا.
في البلدان كافة حيث تتمتع البروليتاريا بحياة واعية، تتشكل اليوم وستتشكل في المستقبل سوفيتات النواب العمال والجنود والفلاحين. إن تعزيز السوفيتات ورفع سلطاتها ووضعها بوجه الجهاز الحكومي للبرجوازية، هذا هو حاليا الهدف الأساسي للعمال الواعين والمخلصين في البلدان كافة. بواسطة السوفيتات تستطيع البروليتاريا أن تتخلص من عناصر التفسخ التي تحمل في داخلها آلام الحرب الجهنمية والجوع وطغيان الأغنياء مع خيانة زعمائها السابقين، وبواسطة السوفيتات تستطيع الطبقة العاملة، بالطريقة الأكثر ثقة والأكثر سهولة، أن تصل إلى السلطة في البلدان كافة حيث تجمع السوفيتات حولها غالبية الشغيلة، وبواسطة السوفيتات تستطيع الطبقة العاملة سيدة السلطة، أن تحكم كل ميادين الحياة الاقتصادية والأخلاقية للبلد، كما هو قائم في روسيا.
إن انحلال الدولة الامبريالية، بدءا بأشكالها القيصرية ووصولا إلى أشكالها الأكثر ديموقراطية، يترافق مع انحلال النظام العسكري الإمبريالي. إن الجيوش المؤلفة من عدة ملايين من الرجال والتي تعبئها الامبريالية لن تستطيع الصمود إلاّ طالما بقيت البروليتاريا خاضعة لنير البرجوازية. إن تحطيم الوحدة الوطنية يعني التحطيم الحتمي للجيوش. هذا ما جرى أولا في روسيا، ومن ثم في ألمانيا والنمسا، وهذا ما ينبغي انتظاره في البلدان الامبريالية الأخرى. إن تمرد الفلاح على المالك والعامل على الرأسمالي، وتمرد الإثنين معا على البيروقراطية الملكية أو «الديموقراطية» يقود بشكل حتمي إلى تمرد الجنود على الضباط. ويؤدي إلى انشقاق مميز بين العناصر البروليتارية والبرجوازية في الجيش نفسه. إن الحرب الإمبريالية إذ وضعت الأمم بعضها بمواجهة البعض قد انقلبت وستنقلب بشكل متزايد إلى حرب أهلية تضع الطبقات بعضها بمواجهة البعض.
يشكل نواح العالم البرجوازي حول الحرب الأهلية والإرهاب الأحمر أضخم نفاق سجله تاريخ الصراعات السياسية. فلم يكن هناك حرب أهلية لو أن طغمة المستغِلين، التي قادت البشرية إلى حافة الهاوية، لم تقف في وجه أي تطور للعمال، ولم تنظم المؤامرات والاغتيالات ولم تطلب النجدة العسكرية من الخارج من أجل الحفاظ على امتيازاتها المغتصبة وتجديدها.
لقد فرضت الحرب الأهلية على الطبقات العاملة أعداؤها اللدودون، فإذا لم تكن الطبقة العاملة تريد الانتحار أو التخلي عن مستقبلها الذي هو مستقبل كل البشرية، ليس بإمكانها إلاّ أن ترد بضربات على ضربات المعتدين عليها. إن الأحزاب الشيوعية لا تثير الحرب الأهلية بشكل مصطنع، وتسعى مستطاعها لتقصير مدتها قدر الإمكان، عندما تظهر هذه الحرب كضرورة لا ترد، ولأن تقلص عدد الضحايا إلى حده الأدنى، ولكن، وفوق كل شيء، أنها تسعى لتحقيق انتصار البروليتاريا. من هنا تنبع ضرورة نزع سلاح البرجوازية في الوقت المناسب وتسليح العمال وخلق جيش شيوعي من أجل الدفاع عن سلطة البروليتاريا وحصانة بنائها الاشتراكي. هذا هو الجيش الأحمر، جيش روسيا السوفياتية الذي برز ويرتفع كسور لمكاسب الطبقة العاملة ضد الهجمات كافة في الداخل والخارج. إن جيشا سوفياتيا لا يمكن فصله عن الدولة السوفياتية.
اتجه العمال الأكثر تقدما، واعين الطابع العالمي لقضيتهم، نحو اتحاد أممي للحركة الاشتراكية، منذ الخطوات الأولى للحركة الاشتراكية المنظمة. لقد وضعت أسس هذا الاتحاد عام 1864 في لندن على يد الأممية الأولى. وقد حصدت الحرب الفرنسية الألمانية، التي نشأت عنها ألمانيا هوهنزلرن، الأممية الأولى وأدت في الوقت نفسه إلى ظهور الأحزاب العمالية القومية. ومنذ عام 1889 اجتمعت هذه الأحزاب في باريس وأنشأت منظمة الأممية الثانية. غير أن مركز ثقل الحركة العمالية كان قد انتقل بشكل كامل، في تلك الفترة، إلى الحقل الوطني في إطار الدول القومية، وعلى قاعدة الصناعة الوطنية في ميدان البرلمانية الوطنية. وخلقت بضعة عقود من العمل والتنظيم والإصلاحات، جيلا من القادة كان بأغلبيته يقبل كلاميا برنامج الثورة الاجتماعية ولكنه كان قد تخلى عنها في الواقع وغاص في الاصلاحية عبر تكيف عبودي مع السيطرة البرجوازية. إن الطابع الانتهازي للأحزاب القائدة للأممية الثانية قد انكشف بشكل واضح وأ دى إلى أكبر انهيار للتاريخ العالمي في اللحظة المحددة التي كان مجرى الأحداث التاريخية فيها يتطلب من أحزاب الطبقة العاملة أساليب ثورية في النضال. إذا كانت حرب 1870 قضت على الأممية الأولى وكشفت أنه وراء برنامجها الاجتماعي والثوري لا توجد أي قوة جماهيرية منظمة، فإن حرب 1914 قد قضت على الأممية الثانية وأظهرت أن الأحزاب التي تسيطر على المنظمات القومية للجماهير العمالية قد أصبحت الأداة الطيّعة للسيطرة البرجوازية.
لا تنطبق هذه الملاحظات فقط على الاشتراكيين – الوطنيين الذين انتقلوا بوضوح وعلانية إلى معسكر البرجوازية وأصبحوا مندوبيها المفضلين وعملاءها الموثوقين وجلادي الطبقة العاملة الأكثر أهلا للثقة، بل تنطبق أيضا على التيار الوسطي غير المحدد وغير الواضح الذي يسعى إلى إحياء الأممية الثانية، أي تخليد ضيق الأفق والانتهازية والعجز الثوري لدوائرها القيادية. ويسعى الحزب الألماني المستقل، والأغلبية الحالية في الحزب الاشتراكي الفرنسي، وحزب العمال الإنكليزي المستقل وكل المجموعات الأخرى المماثلة، في الواقع، إلى شغل الموقع الذي كانت تحتله قبل الحرب الأحزاب الرسمية القديمة للأممية الثانية. وهي تقدم نفسها، كما في السابق، بأفكار التسوية والوحدة، مطيلة بذلك الأزمة ومضاعفة آلام أوروبا. إن النضال ضد الوسط الاشتراكي هو الخلاصة التي لا مفر منها لإنجاح النضال ضد الامبريالية.
نحن، الشيوعيون، المتحدين في الأممية الثالثة، إذ نطرح بعيدا عنا أنصاف الإجراءات وكذب الأحزاب الاشتراكية الرسمية التي مر عليها الزمن وكسلها، نعتبر أنفسنا المكملين المباشرين لجهود سلسلة طويلة من الأجيال الثورية ولاستشهادها البطولي الذي تقبلته، بدءا ببابوف وحتى كارل ليبكنخت وروزا لوكسمبرغ.
إذا كانت الأممية الأولى قد توقعت التطور المقبل ومهدت له الطرق، وإذا كانت الأممية الثانية قد جمّعت ملايين البروليتاريين ونظمتهم، فإن الأممية الثالثة هي أممية العمل الجماهيري، أممية الإنجاز الثوري.
إن النقد الاشتراكي قد أشبع النظام البرجوازي جلدا، ومهمة الحزب الشيوعي الأممي هي قلب نظام الأشياء هذا، وتشييد النظام الاشتراكي مكانه. إننا نطلب من كل العمال والعاملات في كل البلدان أن يتوحدوا تحت الراية الشيوعية التي أصبحت راية الانتصارات البروليتارية الكبرى الأولى في العالم أجمع! فلتتحدوا في النضال ضد الهمجية الامبريالية، ضد الملكية والطبقات صاحبة الامتيازات، ضد الدولة البرجوازية والملكية البرجوازية وضد كل مظاهر الاضطهاد الطبقي والقومي وأشكاله.
تحت راية السوفيتات العمالية، وراية النضال الثوري من أجل السلطة وديكتاتورية البروليتاريا، تحت راية الأممية الثالثة، يا عمال العالم اتحدوا!
(**) Gouvernement de la City، المقصود بالسيتي المنطقة التجارية في لندن، وبالتالي حكومة التجار الإنكليز (المعربة)
المؤتمر الثاني
الأنظمة الداخلية للأممية الشيوعية
تأسست في لندن، عام 1864، أول عصبة أممية للشغيلة: العصبة الأممية الأولى. وقد تضمنت الأنظمة الداخلية لهذه العصبة ما يلي:
«لما كانت العصبة تعتبر:
أن تحرر الطبقة العاملة ينبغي أن تحققه الطبقة العاملة نفسها؛
أن النضال من أجل التحرر لا يعني بأي حال نضالا من أجل خلق امتيازات طبقية جديدة واحتكارات جديدة، بل من أجل إقامة المساواة في الحقوق والواجبات ومن أجل إلغاء كل سيطرة طبقية؛
إن خضوع الأنسان الاقتصادي للعمل في ظل نظام مالكي وسائل الإنتاج (أي كل موارد الحياة) والعبودية بأشكالها كافة، هما السببان الرئيسيان للبؤس الاجتماعي والانحطاط الأخلاقي والخضوع السياسي؛
أن التحرر الاقتصادي للطبقة العاملة هو، في كل مكان، الهدف الأساسي الذي يجب أن ترتهن به كل حركة سياسية، بوصفها وسيلة لبلوغه؛
أن كل الجهود لبلوغ هذا الهدف الكبير قد فشلت بسبب غياب التضامن بين الشغيلة في فروع العمل المختلفة في كل بلد، وغياب التحالف الأخوي بين الشغيلة في البلدان المختلفة؛
أن التحرر ليس مشكلة محلية أو وطنية إطلاقا، بل مشكلة اجتماعية تطول جميع البلدان حيث يوجد النظام الاجتماعي الجديد، ويتوقف حلها على التعاون النظري والعملي بين البلدان الأكثر تقدما، وأن تجديد الحركة العمالية الذي يحدث بشكل متزامن في البلدان الأوربية الصناعية يوقظ فينا من جهة، آمالاً جديدة، ولكنه يشكل لنا، من جهة ثانية، تحذيرا صارخا لعدم الوقوع في الأخطاء القديمة، ويدعونا إلى التنسيق الفوري للحركة التي لم تكن تتمتع إلى الآن بالتماسك والانسجام.
إن الأممية الثانية، التي تأسست في باريس عام 1889، كانت تعهدت بأن تكمل عمل الأممية الأولى، ولكنها تعرضت عام 1914، في بداية الحرب العالمية، إلى انهيار كامل. لقد هلكت الأممية الثانية، نخرتها الانتهازية وجندلتها خيانة زعمائها، الذين انتقلوا إلى معسكر البرجوازية؛
لذلك فإن الأممية الثالثة التي تأسست في آذار / مارس 1919 في عاصمة جمهورية السوفيتات الاشتراكية الاتحادية، موسكو، قد أعلنت بوجه العالم أنها تتكفل بمتابعة وإنجاز العمل الذي شرعت به الأممية الأولى للشغيلة.
لقد تشكلت الأممية الثالثة الشيوعية في نهاية المجزرة الإمبريالية بين عامي 1914 و1918، التي زهقت خلالها البرجوازية، في مختلف البلدان، أرواح 20 مليون بشري.
تذكّر الحرب الإمبريالية! هذه هي الكلمة الأولى التي توجهها الأممية الشيوعية إلى كل شغيل مهما كان أصله أو اللغة التي يتكلمها. تذكَّر أنه بفعل وجود النظام الرأسمالي، تمكنت حفنة من الامبرياليين، خلال سنوات أربع طويلة، من إجبار الشغيلة في كل مكان على ذبح بعضهم بعضا ! تذكر أن الحرب البرجوازية قد أغرقت أوربا والعالم أجمع في الجوع والفقر ! تذكر أنه دون إطاحة الرأسمالية فإن تكرار هذه الحروب الإجرامية لن يكون ممكنا فحسب بل هو محتم !.
إن الأممية الشيوعية قد وضعت نصب أعينها الكفاح المسلح من أجل إطاحة البرجوازية العالمية، وخلق الجمهورية الأممية للسوفيتات، المرحلة الأولى على طريق القضاء التام على كل نظام حكومي. وتعتبر الأممية الشيوعية أن دكتاتورية البروليتاريا هي الوسيلة الوحيدة المهيأة لتخليص الإنسانية من فظائع الرأسمالية، وتعتبر سلطة السوفيتات شكل دكتاتورية البروليتاريا الذي يفرضه التاريخ.
لقد خلقت الحرب الإمبريالية صلة وثيقة جدا بين مصير الشغيلة في بلد محدد ومصير البروليتاريا في البلدان الأخرى كافة.
لقد أكدت الحرب الإمبريالية مرة جديدة صحة ما ورد في الأنظمة الداخلية للأممية الأولى: أن تحرر الشغيلة ليس مهمة محلية، ولا وطنية، بل أنه مهمة اجتماعية وأممية.
إن الأممية الشيوعية تقطع إلى الأبد مع تراث الأممية الثانية، التي لم يكن يوجد في الواقع، بالنسبة لها، إلاّ الشعوب ذات العرق الأبيض. فالأممية الشيوعية تتآخى مع الشعوب في كل الأعراق: الأبيض والأصفر، والأسود، ومع شغيلة الأرض أجمع.
إن الأممية الشيوعية تدعم بالكامل، ودون تحفظ، مكاسب الثورة البروليتارية العظمى في روسيا، أول ثورة اشتراكية منتصرة في التاريخ، وتدعو بروليتاريي العالم إلى السير في الطريق نفسه، وتتعهد الأممية الشيوعية بدعم كل جمهورية اشتراكية تنشأ في أي مكان، بكل الوسائل التي تكون بمتناولها.
لا تجهل الأممية الشيوعية أنه، من أجل تسريع النصر، على العصبة الأممية للشغيلة، التي تقاتل لإزالة الرأسمالية وبناء الشيوعية، أن تمتلك تنظيما شديد المركزية، وأن على الآلية المنظمة للأممية الشيوعية أن تؤمن للشغيلة في كل بلد محدد إمكانية تلقي كل نجدة ممكنة، في أي وقت، من جانب العمال المنظمين في البلدان الأخرى.
آخذة بالاعتبار كل ذلك، تتبنى الأممية الشيوعية الأنظمة التالية:
المادة الأولى:
إن العصبة الأممية الجديدة للشغيلة قد تأسست بهدف تنظيم نشاط شامل للبروليتاريا في البلدان كافة، يتجه نحو غاية واحدة ووحيدة وهي: إطاحة الرأسمالية، وبناء دكتاتورية البروليتاريا وجمهورية السوفيتات الأممية، مما يهيئ لإزالة الطبقات بشكل نهائي، وتحقيق الاشتراكية، الدرجة الأولى في المجتمع الشيوعي.
المادة الثانية:
إن العصبة الأممية الجديدة للشغيلة تتبنى اسم الأممية الشيوعية.
المادة الثالثة:
كل الأحزاب والتنظيمات المنتسبة إلى الأممية الشيوعية تحمل الاسم التالي: الحزب الشيوعي لهذا البلد أو ذاك (فرع الأممية الشيوعية).
المادة الرابعة:
ليست الهيئة العليا للأممية الشيوعية إلاّ المؤتمر العالمي لكل الأحزاب والتنظيمات المنتسبة للأممية. ويقوم المؤتمر العالمي بالمصادقة على برامج مختلف الأحزاب المنتسبة. إنه يدرس القضايا البرنامجية والتكتيكية الأساسية المتعلقة بنشاط الأممية الشيوعية ويحلها. ويحدد عدد الأصوات المقررة، لكل حزب أو تنظيم في المؤتمر العالمي، بقرار خاص من المؤتمر، بالاستناد إلى عدد أعضاء كل تنظيم، على أن يؤخذ بالاعتبار التأثير الفعلي للحزب.
المادة الخامسة:
ينتخب المؤتمر العالمي لجنة تنفيذية للأممية الشيوعية، تكون الهيئة العليا للأممية الشيوعية في الفترة التي تفصل بين دورتين للمؤتمر العالمي.
المادة السادسة:
يحدد المؤتمر العالمي في كل دورة جديدة مقر اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية.
المادة السابعة:
يمكن الدعوة لمؤتمر عالمي استثنائي للأممية الشيوعية بقرار من اللجنة التنفيذية أو بطلب من نصف العدد الكلي للأحزاب المنتسبة في آخر مؤتمر عالمي.
المادة الثامنة:
إن العمل الرئيسي والمسؤولية الكبرى داخل اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية يقعان بشكل أساسي على عاتق البلد الذي حدده المؤتمر كمقر للجنة التنفيذية. وينتدب الحزب الشيوعي في هذا البلد خمسة ممثلين عنه على الأقل يتمتعون بحق التصويت، وبالإضافة إلى ذلك، ينتدب كل حزب من الأحزاب الأكثر أهمية (اثنا عشر حزبا) ممثلا عنه إلى اللجنة التنفيذية يتمتع بحق التصويت. يقر المؤتمر العالمي لائحة بهذه الأحزاب. ويحق للأحزاب والتنظيمات الأخرى أن تنتدب ممثلين عنها إلى اللجنة (بنسبة ممثل واحد عن كل حزب) وتكون أصواتهم استشارية.
المادة التاسعة:
تقود اللجنة التنفيذية في الفترة الفاصلة بين دورات المؤتمرات جميع نشاطات الأممية الشيوعية. وتنشر في لغات أربع على الأقل النشرة المركزية (مجلة الأممية الشيوعية) والبيانات التي تعتبرها ضرورية باسم الأممية الشيوعية. وتقدم التوجيهات لكل الأحزاب والتنظيمات المنتسبة ويكون لهذه التوجيهات حكم القانون ويحق للجنة التنفيذية، أن تطلب من الأحزاب المنتسبة أن تطرد أي مجموعة أو فرد يخرق الانضباط البروليتاري، ويحق لها أن تطلب طرد الأحزاب التي تخرق قرارات المؤتمر العالمي، ولهذه الأحزاب حق الاستئناف أمام المؤتمر العالمي. وعند الضرورة تنظم اللجنة التنفيذية في بلدان مختلفة مكاتب تقنية مساعدة وأخرى خاضعة لها تماما.
المادة العاشرة:
يحق للجنة التنفيذية للأممية الشيوعية أن تعين ممثلين يتمتعون بأصوات استشارية، عن تنظيمات وأحزاب غير مقبولة في الأممية الشيوعية ولكنها نصيرة للشيوعية.
المادة الحادية عشرة:
يجب أن تنشر الصحافة الخاصة بالأحزاب والتنظيمات المنتسبة إلى الأممية الشيوعية أو النصيرة لها، كل الوثائق الرسمية للأممية الشيوعية ولجنتها التنفيذية.
المادة الثانية عشرة:
إن الوضع العام في أوربا وأمريكا يفرض على الشيوعيين أن يخلقوا بموازاة منظماتهم الشرعية، منظمات سرية، وعلى اللجنة التنفيذية أن تسهر على مراعاة هذا البند من بنود النظام الداخلي.
المادة الثالثة عشرة:
إن القاعدة في كل العلاقات السياسية المهمة بين مختلف الأحزاب المنتسبة للأممية الشيوعية، أن تمر عبر اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية. ولكن عند الضرورة الملحة، يمكن أن تكون هذه العلاقات مباشرة، شرط أن تُعلَم اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية بذلك.
المادة الرابعة عشرة:
إن النقابات التي تقف على أرضية الشيوعية والتي تشكل مجموعات عالمية تحت إشراف اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية، تشكل فرعا نقابيا للأممية الشيوعية، وترسل النقابات الشيوعية ممثليها إلى المؤتمر العالمي للأممية الشيوعية بواسطة الحزب الشيوعي في بلدانها، وينتدب الفرع النقابي أحد أعضائه إلى اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية حيث يتمتع بحق التصويت وللجنة التنفيذية أن تنتدب ممثلا عنها إلى الفرع النقابي للأممية الشيوعية، يتمتع بحق التصويت.
المادة الخامسة عشرة:
يخضع الاتحاد العالمي للشبيبة الشيوعية للأممية الشيوعية وللجنتها التنفيذية. وينتدب ممثلا عن لجنته التنفيذية إلى اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية حيث يتمتع بحق التصويت، ويحق للجنة التنفيذية أن تنتدب ممثلا عنها إلى اللجنة التنفيذية لاتحاد الشبيبة، يتمتع بحق التصويت. وتقوم العلاقات المتبادلة القائمة بين اتحاد الشبيبة والحزب الشيوعي، باعتبارها تنظيمين في بلد واحد على المبدأ نفسه.
المادة السادسة عشرة:
تصادق اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية على تعيين أمانة سر الحركة النسائية الأممية، وتنظُّم فرعا نسائيا شيوعيا للأممية.
المادة السابعة عشرة:
كل عضو في الأممية الشيوعية ينتقل من بلد لآخر، يجري استقباله بشكل أخوي من قبل أعضاء الأممية الثالثة.
شروط قبول الأحزاب في الأممية الشيوعية
إن المؤتمر التأسيسي الأول للأممية الشيوعية لم يقم بصياغة الشروط الدقيقة لقبول الأحزاب في الأممية الثالثة. فعندما عقدت الأممية مؤتمرها الأول لم يكن يوجد في غالبية البلدان إلاّ اتجاهات وتجمعات الشيوعية.
إن المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية ينعقد في شروط مختلفة تماما. في أغلب البلدان أصبح هناك أحزاب وتنظيمات شيوعية بدل الاتجاهات والتجمعات.
بشكل متزايد، نرى أحزابا وتجمعات، كانت لوقت قريب تنتمي إلى الأممية الثانية، تتجه إلى الأممية الشيوعية راغبة الآن بالانضمام إليها، دون أن تكون قد أصبحت مع ذلك شيوعية حقا. لقد هُزمت الأممية الثانية بشكل نهائي. والأحزاب الوسطية وتجمعات «الوسط»، إذ رأت وضعها اليائس، تسعى للاستناد إلى الأممية الشيوعية التي تزداد قوتها كل يوم، وهي تأمل الاحتفاظ مع ذلك بـ «استقلالية» تسمح لها بمتابعة سياستها الانتهازية أو «الوسطية» القديمة. فالأممية الشيوعية هي، بشكل أو بآخر، «على الموضة».
إن رغبة بعض المجموعات القيادية «الوسطية» بالانتساب إلى الأممية الثالثة تؤكد لنا بشكل غير مباشر أن الأممية الشيوعية قد كسبت تعاطف الأغلبية العظمى من الشغيلة الواعين في العالم أجمع، وأنها تشكل قوة تزداد نموا يوما بعد يوم.
إن الأممية الشيوعية مهددة بأن تغزوها تجمعات متذبذبة ومترددة لم تستطع بعد القطع مع أيديولوجية الأممية الثانية.
يضاف إلى ذلك أن بعض الأحزاب الهامة (الإيطالي، والسويدي) التي تتبنى الغالبية فيها وجهة النظر الشيوعية، مازالت تحتفظ داخلها بالعديد من العناصر الإصلاحية، والاشتراكية – السلمية التي لا تنتظر إلاّ الفرصة من أجل رفع رأسها وتخريب الثورة البروليتارية بشكل نشط، مقدمة بذلك المساعدة للبرجوازية وللأممية الثانية.
ينبغي على أي شيوعي ألاّ ينسى دروس جمهورية السوفيتات الهنغارية، إن اتحاد الشيوعيين الهنغاريين مع الإصلاحيين كلّف البروليتاريا الهنغارية غاليا.
لذلك يرى المؤتمر الثاني العالمي وجوب تحديد شروط قبول الأحزاب الجديدة تحديدا دقيقا للغاية، والإشارة، بالمناسبة عينها، إلى الواجبات التي تقع على عاتق الأحزاب المنتسبة سابقا.
يقرر المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية أن شروط القبول في الأممية هي التالية:
1- ينبغي أن يكون للدعاوة والتحريض اليوميين طابع شيوعي حقا، وأن يتفقا مع برنامج الأممية الثالثة وقراراتها، وأن يحرر كامل صحافة الحزب شيوعيون حقيقيون، أثبتوا تفانيهم في سبيل قضية البروليتاريا. ولا يحْسن الحديث عن الديكتاتورية البروليتارية كصيغة محفوظة ورائجة، بل يجب أن تتم الدعاوة بشكل يظهر ضرورة هذه الديكتاتورية لكل شغيل، لكل جندي، ولكل فلاح، عبر وقائع الحياة اليومية نفسها المدوّنة في صحافتنا. إن الصحافة الدورية أو غيرها وجميع مصالح النشر يجب أن تخضع كليا للجنة المركزية للحزب، أكان هذا الحزب شرعيا أو غير شرعي. فمن غير المقبول أن تسيء أجهزة الدعاوة استخدام الاستقلالية، من أجل اتباع سياسة لا تتفق مع سياسة الحزب. في أعمدة الصحافة، وفي الاجتماعات العامة، وفي النقابات، وفي التعاونيات، وفي كل مكان يصل إليه أنصار الأممية الثالثة، عليهم أن يفضحوا بشكل دائم ودون شفقة ليس فقط البرجوازية بل المتواطئين معها أيضا، الإصلاحيين بمختلف تلاوينهم.
2- على كل تنظيم يرغب في الانتساب إلى الأممية الشيوعية أن يبعد الإصلاحيين و«الوسطيين» بانتظام وبشكل دائم عن المراكز، التي تفرض ولو حدا أدنى من المسؤولية (منظمات الحزب، التحرير، الكتلة البرلمانية، التعاونيات، والمجالس البلدية)، وأن يستبدلهم بشيوعيين مجربين – دون أن تخشى أن يكون عليه، خاصة في البداية، أن يستبدل مناضلين مجربين بشغيلة متدرجين.
3- يدخل الصراع الطبقي في جميع بلدان أوربا وأمريكا تقريبا مرحلة الحرب الأهلية، ولا يمكن الشيوعيين ضمن هكذا شروط أن يثقوا بالشرعية البرجوازية، وعليهم أن يخلقوا في كل مكان بموازاة التنظيم الشرعي، جهازا سريا قادرا على تأدية واجبه في اللحظة الحاسمة تجاه الثورة. وفي جميع البلدان حيث لا يتمكن الشيوعيون من تطوير نشاطهم بأكمله بشكل شرعي، بسبب حالة الطوارئ والقوانين الاستثنائية، يصبح الجميع بين النشاط الشرعي والنشاط غير الشرعي ضرورة أكيدة.
4- إن واجب نشر الأفكار الشيوعية يفرض ضرورة اتباع دعاوة وتحريض منظمين ومستمرين بين الجنود، كضرورة مطلقة، وحيث تصعب الدعاوة العلنية بسبب القوانين الاستثنائية، يجب أن تتم بشكل غير شرعي، ورفض ذلك يعني خيانة الواجب الثوري وهو بالتالي لا يتناسب مع الانتماء للأممية الشيوعية.
5- هناك ضرورة للتحريض العقلاني والمنهجي في الأرياف. فالطبقة العاملة لا تستطيع أن تنتصر إذا لم تكن مدعومة على الأقل بجزء من شغيلة الأرياف (المياومين الزراعيين وفقراء الفلاحين) وإذا لم تحيّد بسياستها جزءا على الأقل من الريف المتخلف. إن النشاط الشيوعي في الأرياف يكتسب في هذه المرحلة أهمية رئيسية ويجب أن يقوم به العمال الشيوعيون الذين لهم صلة بالأرياف. إن رفض القيام بهذا العمل أو إسناده إلى أنصاف إصلاحيين مشكوك فيهم، يعني التخلي عن الثورة الاشتراكية.
6- على كل حزب يرغب في الانضمام إلى الأممية الشيوعية واجب التشهير بالاشتراكية الوطنية المعلنة كما الاشتراكية – السلمية المنافقة والزائفة. والمقصود أن يبرهن للعمال بشكل مستمر أنه دون الإطاحة الثورية للرأسمالية، فإن أي محكمة تحكيم دولية، وأي نقاش حول خفض الأسلحة، أو أية إعادة تنظيم «ديموقراطية» لعصبة الأمم لا تستطيع أن تحمي الإنسانية من الحروب الإمبريالية.
7- على جميع الأحزاب الراغبة في الانضمام إلى الأممية الشيوعية واجب الاعتراف بضرورة القطيعة التامة والنهائية مع الإصلاحية وسياسة الوسط، وعليها أن تروّج لهذه القطيعة بين أعضاء منظماتها. فالنشاط الشيوعي الحازم ليس ممكنا إلاّ لقاء هذا الثمن.
تفرض الأممية الشيوعية، بشكل إلزامي ودون نقاش، هذه القطيعة، التي يجب أن تتم في أقرب مهلة. فلا تستطيع الأممية الشيوعية أن تقبل أن يكون لإصلاحيين حقيقيين مثل توراتي، وكاوتسكي، وهيلفردينغ، ولونغه، وماكدونالد، وموديلياني وغيرهم، حق اعتبار أنفسهم أعضاء في الأممية الثالثة وأن يكونوا ممثًّلين داخلها. إن وضعا كهذا سيجعل الأممية الثالثة شبيهة إلى حد بعيد بالأممية الثانية.
8- أمّا بصدد مسألة المستعمرات والقوميات المضطهدة، فيجب أن يكون للأحزاب في البلدان حيث البرجوازية تملك مستعمرات وتضطهد أمما، خطُّ سلوك واضح وصريح بشكل خاص. ومن واجب كل حزب ينتمي إلى الأممية الثالثة أن يفضح دون شفقة مآثر إمبرياليي بلده في المستعمرات، وأن يدعم بالفعل، وليس لفظيا، كل حركة تحرر في المستعمرات، ويطالب بطرد إمبرياليي الحواضر من المستعمرات، وأن ينمي في قلب شغيلة البلد مشاعر أخوية فعلية تجاه السكان الكادحين في المستعمرات والقوميات المضطهدة، وأن يقوم بتحريض مستمر بين جنود البلد المستعمِر ضد كل اضطهاد للشعوب المستعمَرة.
9- على كل حزب يرغب في الانضمام إلى الأممية الشيوعية أن يتبع دعاوة مثابرة ومستمرة داخل النقابات والتعاونيات والمنظمات الأخرى للجماهير العمالية. وينبغي تشكيل نوى شيوعية يكسب عملها العنيد والمستمر النقابات إلى الشيوعية. إن من واجبها أن تكشف في كل لحظة خيانة الاشتراكيين – الوطنيين وتردُّد «الوسط»، ويجب أن تكون هذه النُّوى خاضعة بمجملها للحزب.
10- على كل حزب منتسب إلى الأممية الشيوعية واجب محاربة «أممية» النقابات الصفراء المؤسسة في أمستردام بقوة وصلابة. وعليه أن ينشر بحزم داخل النقابات العمالية فكرة ضرورة القطيعة مع أممية أمستردام الصفراء. فيما عليه بالمقابل أن يؤازر بكل قوته الاتحاد العالمي للنقابات الحمراء المنتسب إلى الأممية الشيوعية.
11- على الأحزاب الراغبة في الانتساب إلى الأممية الشيوعية واجب مراجعة تشكيل كتلها البرلمانية، لإقصاء العناصر المشكوك فيها وإخضاعها ليس لفظيا بل عمليا للجنة المركزية للحزب، وعليها أن تطلب من كل نائب شيوعي أن يُخضع كل نشاطه للمصالح الحقيقية للدعاوة الثورية والتحريض.
12- يجب أن تبنى الأحزاب المنتسبة إلى الأممية الشيوعية على مبدأ المركزية الديموقراطية. ففي الفترة الحالية، فترة الحرب الأهلية الضارية، لا يستطيع الحزب الشيوعي أن يقوم بمهامه إلاّ إذا كان منظما بالشكل الأكثر مركزية، إلاّ إذا كان الانضباط الحديدي المشابه للانضباط العسكري مقبولا به، وهيئته المركزية تتمتع بسلطات واسعة وتمارس سلطة مسلما بها، وتتمتع بثقة المناضلين بالإجماع.
13- على الأحزاب الشيوعية في البلدان حيث يناضل الشيوعيون بشكل علني أن تلجأ إلى تطهيرات دورية لمنظماتها، بهدف فصل العناصر المنتفعة والبرجوازية – الصغيرة.
14- على الأحزاب الراغبة في الانتساب إلى الأممية الشيوعية أن تدعم دون تحفظ كل الجمهوريات السوفياتية في نضالاتها ضد الثورة المضادة، وأن تدعو الشغيلة، دون كلل، إلى رفض نقل الذخيرة والمعدات المخصصة لأعداء الجمهوريات السوفياتية وأن تقوم بالدعاوة، سواء بشكل شرعي أو بشكل غير شرعي، بين الجنود المرسلين لقتال الجمهوريات السوفياتية.
15- على الأحزاب التي مازالت تحتفظ حتى الآن بالبرامج الاشتراكية – الديموقراطية القديمة أن تقوم بمراجعتها دون تأخير وأن تصوغ برنامجا شيوعيا جديدا ينسجم مع الشروط المميزة لبلدها ومصمما بذهنية الأممية الشيوعية، والقاعدة أن تجري المصادقة على برامج الأحزاب المنتسبة إلى الأممية الشيوعية من قبل المؤتمر العالمي أو اللجنة التنفيذية. وفي حال رفض هذه الأخيرة المصادقة لأحد الأحزاب، يحق له الاستئناف لدى مؤتمر الأممية الشيوعية.
16- جميع قرارات مؤتمرات الأممية الشيوعية، وكذلك قرارات اللجنة التنفيذية ملزمة لكل الأحزاب المنتسبة للأممية الشيوعية. وفي مرحلة الحرب الأهلية المحتدمة، على الأممية الشيوعية ولجنتها التنفيذية أن تأخذا بالاعتبار شروط النضال شديدة التنوع في مختلف البلدان، وألاّ تبنى قرارات عامة وإلزامية إلاّ في المسائل التي تكون فيها هذه القرارات ممكنة.
17- انسجاما مع كل ما سبق، على كل الأحزاب المنتمية إلى الأممية الشيوعية أن تغير تسميتها. وكل حزب راغب في الانتساب إلى الأممية الشيوعية يجب أن يحمل الاسم التالي: الحزب الشيوعي لـ… (فرع الأممية الثالثة). إن مسألة التسمية هذه ليست مجرد مسألة شكلية، بل لها أهمية سياسية كبيرة. فالأممية الشيوعية قد أعلنت الحرب دون هوادة على العالم البرجوازي القديم بأكمله وعلى الأحزاب الاشتراكية – الديموقراطية الصفراء الهرمة كافة، ومن الأهمية بمكان أن يبرز الفرق بأكثر جلاء ممكن، أمام أعين كل الشغيلة، بين الأحزاب الشيوعية والأحزاب «الاشتراكية – الديموقراطية» الهرمة أو «الاشتراكيين» الرسميين الذين باعوا راية الطبقة العاملة.
18- إن كل الأجهزة القيادية لصحافة الحزب في كل بلد مجبرة على طباعة كل الوثائق الرسمية المهمة الصادرة عن اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية.
19- إن كل الأحزاب المنتسبة إلى الأممية الشيوعية، أو تلك التي تطلب الانضمام، مجبرة على الدعوة (بأقصى سرعة ممكنة) ضمن مهلة أربعة أشهر بعد المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية، كأقصى حد، إلى مؤتمر استثنائي يبت بشأن هذه الشروط. وعلى اللجان المركزية أن تسهر على إيصال قرار المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية إلى كل المنظمات المحلية.
20- على الأحزاب التي تريد الآن الانتساب إلى الأممية الثالثة، ولكنها لم تغير بعد تكتيكها القديم بشكل جذري، أن تعمل بشكل مسبق على أن يكون ثلثا أعضاء لجنتها المركزية ومؤسساتها المركزية الأكثر أهمية من رفاق أعلنوا قبل المؤتمر الثاني دعمهم لانضمام الحزب إلى الأممية الثالثة. ويمكن القبول ببعض الاستثناءات بموافقة اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية. وتحتفظ اللجنة التنفيذية بحق الاستثناء بالنسبة لممثلي التيار الوسطي المذكورين في الفقرة السابعة.
21- إن المنتسبين إلى الحزب الذين يرفضون الشروط والموضوعات التي وضعتها الأممية الشيوعية يجب أن يُطردوا من الحزب، وينطبق الشيء على المنتدبين إلى المؤتمر الاستثنائي.
المهام الرئيسية
للأممية الشيوعية
1- تتميز اللحظة الحالية من تطور الحركة الشيوعية العالمية بواقع أن أفضل ممثلي الحركة البروليتارية في جميع البلدان الرأسمالية قد فهموا جيدا المبادئ الأساسية للأممية الشيوعية، أي، ديكتاتورية البروليتاريا وحكومة السوفيتات، ووقفوا إلى جانبها بتفان مفعم بالحماس. وما هو أكثر أهمية أيضا واقع أن أوسع الجماهير البروليتارية في المدن، والشغيلة المتقدمين في الأرياف، قد أظهروا تعاطفهم دون تحفظ مع هذه المبادئ الأساسية. وهذه خطوة كبيرة إلى الأمام.
من جهة ثانية، يمكننا ملاحظة خطأين أو نقطتي ضعف في الحركة الشيوعية العالمية التي تنمو بسرعة خارقة. إحداهما خطيرة جدا وتشكل خطرا كبيرا مباشرا على قضية تحرر البروليتاريا، وتتمثل في أن بعض الزعماء القدامى وبعض أحزاب الأممية الثانية القديمة يعلنون، بشكل غير واع تحت ضغط الجماهير، أو بشكل واع، انتسابهم المشروط أو غير المشروط إلى الأممية الثالثة، بالرغم من بقائهم، في الواقع، في كل نشاطهم العملي اليومي عند مستوى الأممية الثانية، وهم إنما يخدعون هذه الجماهير ليحافظوا على وضعهم القديم كعملاء للبرجوازية ومساعدين لها داخل الحركة العمالية. هذا الوضع لا يمكن القبول به إطلاقا. فهو يدخل بين الجماهير عنصر إفساد، ويمنع تشكّل حزب شيوعي قوي أو تطوره، ويضع الاحترام المفروض أن تحوزه الأممية الثالثة موضع تشكيك، إذ يهدد بتجدد الخيانات المماثلة لخيانات الاشتراكيين – الديموقراطيين المجريين الذين تنكروا على عجل بثياب الشيوعيين. وثمة خطأ آخر أقل أهمية بكثير، هو بالأحرى من أمراض نمو الحركة، وهو الميل «إلى اليسار»، الذي يؤدي إلى تقويم خاطئ لدور الحزب ومهمته تجاه الطبقة العاملة والجماهير، ولواجب الشيوعيين الثوريين المتمثل بالنضال في البرلمان البرجوازي والنقابات الرجعية.
من واجب الشيوعيين ألاّ يسكتوا عن نقاط الضعف في حركتهم، بل أن ينتقدوها علنا من أجل التخلص منها بشكل سريع وجذري. وللوصول إلى هذا الهدف، هناك أهمية في البداية لتحديد مضمون مفهومي ديكتاتورية البروليتاريا وسلطة السوفيتات، وذلك تبعا لتجربتنا العملية. وثانيا تحديد على أي شيء يمكن أن يقوم العمل التحضيري، المباشر والمنظم في جميع البلدان، من أجل تحقيق هذه الشعارات. وثالثا، تحديد الطرق والوسائل التي تسمح لنا بتخليص حركتنا من نقاط الضعف هذه.
أ- جوهر ديكتاتورية البروليتاريا
وسلطة السوفيتات
2- إن انتصار الاشتراكية (المرحلة الأولى من الشيوعية) على الرأسمالية يتطلب أن تنجز البروليتاريا، الطبقة الوحيدة الثورية حقا، المهام الثلاث التالية:
تقوم الأولى على إطاحة المستغِلين وبالدرجة الأولى البرجوازية، ممثلتهم الاقتصادية والسياسية الأساسية، والمقصود أن تلحق بهم هزيمة كاملة، وأن تحطم مقاومتهم، وتجعل كل محاولة من جانبهم لإحياء الرأسمال والعبودية المأجورة مستحيلة. وتقوم المهمة الثانية على جعل كل جمهور الشغيلة الذين يستغلهم الرأسمال، وليس البروليتاريا فقط، يجرون في أثر طليعة البروليتاريا الثورية وحزبها الشيوعي، وتوعيتهم وتنظيمهم وتربيتهم وجعلهم منضبطين حتى خلال النضال الشرس والقاسي ضد المستغلين – وأن يتم انتزاع الأغلبية الساحقة من السكان في جميع البلدان الرأسمالية من البرجوازية، وإعطاؤهم الثقة، عمليا، بالدور القيادي للبروليتاريا وطليعتها الثورية – وتقوم المهمة الثالثة على تحييد – أو شل قدرة – المترددين حتما بين البروليتاريا و البرجوازية، بين الديموقراطية البرجوازية وسلطة السوفيتات، ومن طبقة الملاكين الصغار الزراعيين، والصناعيين والتجار، الذين ما زالوا كثيري العدد على الرغم من أنهم يشكلون أقلية من السكان، ومن فئات المثقفين والمستخدمين.. الخ، الدائرة حول هذه الطبقة.
تتطلب كل من المهمتين الأولى والثانية أساليب عمل خاصة تجاه المستغَلين والمستغِلين. وتَنتُج الثالثة عن المهمتين الأولى والثانية ولا تتطلب سوى تطبيق ذكي، سلس ومناسب للأساليب المطبقة في المهمتين السابقتين والتي ينبغي تكييفها مع الظروف الملموسة.
3- في الظرف الحالي، الناشئ في العالم أجمع – وخاصة في البلدان الرأسمالية الأكثر تقدما والأكثر قوة، واستنارة وحرية – عن النزعة العسكرية، الإمبريالية، واضطهاد المستعمرات والبلدان الضعيفة، والمذبحة الإمبريالية العالمية، و«سلم» فرساي، ليست فكرة الخضوع الهادئ من جانب أكثرية المستغَلين للرأسماليين والتطور السلمي نحو الاشتراكية، علامة رداءة برجوازية صغيرة فحسب، بل أنها أيضا تضليل وإخفاء لعبودية الإجارة. وتشويه للحقيقة أمام أعين الشغيلة. فالحقيقة أن البرجوازية الأكثر استنارة، والأكثر ديموقراطية، لا ترتد أمام مجزرة بحق ملايين العمال والفلاحين بهدف واحد وهو إنقاذ الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. إن إطاحة البرجوازية عن طريق العنف ومصادرة ممتلكاتها وتحطيم جهاز دولتها البرلماني، والقضائي، والعسكري والبيروقراطي، والإداري والبلدي، الخ… وصولا إلى نفي جميع المستغِلين الأكثر خطورة وعنادا أو اعتقالهم، دون استثناء، وممارسة رقابة صارمة في أوساطهم من أجل قمع المحاولات التي لن يتوانوا عن القيام بها على أمل إعادة العبودية الرأسمالية، هذه هي الإجراءات التي بوسعها دون غيرها أن تؤمن الإخضاع الحقيقي لطبقة المستغِلين بمجملها.
من جهة ثانية إن الفكرة المألوفة لدى أحزاب الأممية الثانية الهرمة وقياداتها، بأن في وسع أغلبية الشغيلة والمستغَلين، في ظل النظام الرأسمالي، وتحت النير العبودي للبرجوازية – الذي يتخذ أشكالا شديدة التنوع، ويكون أكثر تفننا وقساوة ودون رحمة كلما كان البلد الرأسمالي أكثر تحضرا – أن تكتسب وعيا اشتراكيا كاملا، وصلابة اشتراكية في القناعات والطبع، إن هذه الفكرة، في رأينا، تضلل الشغيلة أيضا. في الواقع، ليس إلاّ بعد أن تقوم الطليعة البروليتارية، تدعمها الطبقة الثورية الوحيدة أو أغلبيتها، بإطاحة المستغِلين وتحطيمهم، وتحرير المستغَلين من عبوديتهم وتحسين ظروف معيشتهم مباشرة على حساب الرأسماليين المجردين من الملكية، بعد ذلك فقط، ولقاء الحرب الأهلية الأشد ضراوة، يمكن أن تتم تربية أوسع الجماهير المستغَلة وتعليمها وتنظيمها حول البروليتاريا، وتحت نفوذها وقيادتها، وعندها يصبح ممكنا قهر أنانيتها، وعيوبها وافتقادها للتماسك، وهي الأمور التي يرعاها نظام الملكية الخاصة، كما يمكن تحويل تلك الجماهير إلى جمعية واسعة من الشغيلة الأحرار.
* * * * *
4- إن نجاح النضال ضد الرأسمالية يتطلب ميزان قوى صحيحاً بين الحزب الشيوعي كمرشد، والبروليتاريا، الطبقة الثورية، والجماهير، أي مجمل الشغيلة والمستغَلين. إذا كان الحزب الشيوعي يشكل فعلا طليعة الطبقة الثورية ويستوعب أفضل ممثليها، وإذا كان مؤلفا من شيوعيين واعين ومتفانين، مستنيرين ومتمرسين بتجربة نضال ثوري طويلة، وإذا عرف كيف يرتبط بشكل لا فكاك منه بكامل وجود الطبقة العاملة، وعبرها بوجود كل الجماهير المستغلَة، وأن يوحي لها بالثقة التامة، فإنه الحزب الوحيد الذي سيكون قادرا على قيادة البروليتاريا في النضال النهائي، الأكثر ضراوة ضد كل قوى الرأسمالية. وليس إلاّ بقيادة حزب مماثل تستطيع البروليتاريا أن تقضي على البلادة والمقاومة لدى الأرستقراطية العمالية الصغيرة المؤلفة من قادة الحركة النقابية والتعاونية الذين أفسدتهم الرأسمالية، وأن تطور كل طاقاتها التي تفوق بما لا يقاس قوتها العددية بالنسبة إلى السكان، وذلك تبعا للبنية الاقتصادية الرأسمالية نفسها. وأخيرا لن تتمكن الجماهير، أي مجمل العمال والمستغلين المنظمين في السوفيتات، من أن تطوِّر لأول مرة في التاريخ، مبادرة عشرات الملايين من البشر الذين تخنقهم الرأسمالية وطاقتهم، إلاّ بعدما تكون قد تحررت بالفعل من نير الرأسمال والجهاز الحكومي للدولة، وبعد أن تكون قد امتلكت إمكانية التحرك بحرية. ولن تتمكن الجماهير المستغَلة سابقا من المشاركة بفعالية في كامل إ
إدارة البلد، إلّا عندما تصلح السوفيتات جهاز الدولة الوحيد، هذه المشاركة التي كانت مستحيلة، حتى في الديموقراطيات البرجوازية الأكثر استنارة وحرية، بنسبة 95 بالمائة. وفي السوفيتات يبدأ جمهور المستغَلين يتعلم، ليس في الكتب بل عبر تجربته العملية، ماهية البناء الاشتراكي وخلق انضباط اجتماعي جديد ورابطة حرة للشغيلة الأحرار.
ب- على ماذا يجب أن يقوم التحضير الفوري لديكتاتورية البروليتاريا
5- يتميز التطور الحالي للحركة الشيوعية العالمية بواقع أنه في عدد كبير من البلدان الرأسمالية لم يكتمل عمل البروليتاريا التحضيري من أجل ممارسة الديكتاتورية، وفي الغالب أنه لم يبدأ بعد بشكل منظم. هذا لا يعني أن الثورة البروليتاريا ستكون مستحيلة في المستقبل القريب، بل أنها، على العكس، أكثر الأشياء احتمالا. فالوضع السياسي والاقتصادي غنيّ بالمواد الملتهبة بشكل خارق، وبالأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى اشتعالها بشكل مباغت. هناك عامل آخر من عوامل الثورة، خارج الوضع التحضيري للبروليتاريا، وهو تحديدا الأزمة العامة التي تطول كافة الأحزاب الحاكمة والأحزاب البرجوازية. ولكن ينتج عن كل ذلك أن المهمة الحالية للأحزاب الشيوعية تقوم على الإسراع بالثورة، دون إثارتها مع ذلك بشكل مصطنع قبل تحضير كاف. وينبغي أن يتكثف تحضير البروليتاريا للثورة عبر العمل. من جهة ثانية فإن الحالات المشار إليها أعلاه في تاريخ أكثر الأحزاب الاشتراكية، تفترض السهر جيدا على ألا يبقى الاعتراف بدكتاتورية البروليتاريا مجرد اعتراف لفظي.
لهذه الأسباب، فإن المهمة الرئيسية للحزب الشيوعي، من وجهة نظر الحركة البروليتارية الأممية في الوقت الحالي، هي تجميع كل القوى الشيوعية المبعثرة، وتشكيل حزب شيوعي وحيد في كل بلد (أو تعزيز الأحزاب الموجودة سابقا وتجديدها)، من أجل مضاعفة العمل التحضيري للبروليتاريا في سبيل الاستيلاء على السلطة تحت شكل دكتاتورية البروليتاريا. إن العمل الاشتراكي المألوف لدى المجموعات والأحزاب التي تعترف بديكتاتورية البروليتاريا أبعد من أن يكون قد خضع لهذا التغيير الأساسي والتجديد الجذري الضروريين للاعتراف بهذا العمل كعمل شيوعي حقا، ومنسجم مع المهام المطلوب تأديتها عشية ديكتاتورية البروليتاريا.
* * * * *
6- إن استلام البروليتاريا السلطة السياسية، لا يوقف نضالها الطبقي ضد البرجوازية، بل على العكس، فهو يؤدي إلى اتساعه، ويجعله أكثر حدة وقساوة. إن كل التجمعات والأحزاب والمناضلين في الحركة العمالية الذين يتبنون كليا أو جزئيا وجهة النظر الإصلاحية و«الوسطية»، الخ… سيقفون بشكل حتمي، بفعل احتدام الصراع، إمّا إلى جانب البرجوازية أو إلى جانب المترددين، أو (وهو الأكثر خطورة) يقعون في عداد أصدقاء البروليتاريا العديدين، غير المرغوب فيهم. لذلك فإن الإعداد لديكتاتورية البروليتاريا يتطلب ليس فقط تعزيز النضال ضد الاتجاه الإصلاحي بل تعديل طابع هذا النضال، وهذا لا يمكن أن يقتصر على إظهار الطابع المغلوط لهذه الميول، ولكن كذلك على فضح كل مناضل في الحركة العمالية يعبّر عن هذه الميول دون كلل أو رحمة. ودون ذلك لن تستطيع البروليتاريا أن تعرف مع من تسير في نضالها النهائي ضد البرجوازية. هذا النضال هو بحيث يمكن أن يتغير في كل لحظة ويحوّل سلاح النقد – كما أظهرت التجربة – إلى نقد بالسلاح. إن افتقاد روح المثابرة، أو أي تهاون في النضال ضد كل الذين يتصرفون كإصلاحيين أو وسطيين، ستكون نتيجته نموا مباشرا لخطر إطاحة سلطة البروليتاريا على يد البرجوازية التي ستستخدم غداً من أجل الثورة المضادة، ما لا يبدو اليوم بالنسبة لقصيري النظر إلاّ «اختلافا نظريا».
* * * * *
7- من المستحيل الاقتصار على الرفض المعتاد المبدئي لكل تعاون مع البرجوازية وكل «ائتلافية». إن أبسط دفاع عن «الحرية» و«المساواة» في ظل بقاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، يمكن أن يتحول في ظروف ديكتاتورية البروليتاريا، التي لن تكون قادرة أبدا على إلغاء الملكية الخاصة كليا، دفعة واحدة، إلى «تعاون» مع البرجوازية، التي ستنسف مباشرة سلطة الطبقة العاملة، لأن ديكتاتورية البروليتاريا تعني التوطيد الحكومي والدفاع بواسطة كامل جهاز الدولة، ليس عن «الحرية» للمستغلين ليتابعوا عملهم القمعي والاستغلالي، وليس عن «المساواة» بين المالك (أي ذلك الذي يحتفظ من أجل متعته الشخصية ببعض وسائل الإنتاج التي يخلقها العمل الجماعي) والفقير. إن ما يظهر لنا قبل انتصار البروليتاريا كمجرد خلاف حول مسألة «الديموقراطية» سيصبح حتما في الغد، بعد الانتصار، مسألة ينبغي حسمها عن طريق السلاح. ودون التحويل الجذري لكل طابع النضال ضد «الوسطيين» و«المدافعين عن الديموقراطية»، فإن إعداد الجماهير حتى بشكل مسبق من أجل تحقيق ديكتاتورية البروليتاريا سيكون مستحيلا.
8- إن ديكتاتورية البروليتاريا هي الشكل الأكثر حسما والأكثر ثورية للصراع الطبقي بين البروليتاريا والبرجوازية. إن نضالا مماثلا لا يمكن أن يكون ظافرا إلاّ إذا جذبت الطليعة البروليتارية الأكثر ثورية إليها الأكثرية الساحقة العمالية. لهذه الأسباب فإن الإعداد لديكتاتورية البروليتاريا يتطلب ليس فقط فضح الطابع البرجوازي للإصلاحية ولكل دفاع عن الديمقراطية يستتبع المحافظة على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وليس فقط فضح ظهور اتجاهات تعبّر في الواقع عن الدفاع عن البرجوازية داخل الحركة العمالية، بل أيضا استبدال الزعماء القدامى بشيوعيين في جميع أشكال التنظيم البروليتاري، السياسية والنقابية والتعاونية والتربوية، الخ…
كلما كانت سيطرة الديموقراطية البرجوازية طويلة ووطيدة، في بلد محدد كلما نجحت البرجوازية بإيصال رجال تربّوا على يدها ومفاهيمها وأفكارها المسبقة، وهم في الغالب مباعون لها بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى المراكز المهمة في الحركة العمالية. ولا مفر من استبدال ممثلي الأرستقراطية العمالية هؤلاء، بحماس أكبر مائة مرة مما في السابق، بشغيلة قريبين من الجماهير المستغَلة، ولئن كانوا غير مجربين. إن ديكتاتورية البروليتاريا تفترض تعيين هؤلاء الشغيلة، الذين لا يمتلكون تجربة، في المراكز الأكثر أهمية في الحكومة، وبدون ذلك ستبقى سلطة الطبقة العاملة عاجزة ولن تحظى بدعم الجماهير.
* * * * *
9- إن ديكتاتورية البروليتاريا هي التحقيق الناجز لسيطرة كل الشغيلة وكل المستغَلين، الذين تضطهدهم الطبقة الرأسمالية وتخبلهم وترهبهم وتشتتهم وتخدعهم، لكن الذين تقودهم الطبقة الاجتماعية الوحيدة التي أعدها كل تاريخ الرأسمالية لهذه المهمة القيادية. لهذا يجب أن يبدأ الإعداد لديكتاتورية البروليتاريا فورا وفي كل مكان، وذلك بالوسائل التالية:
يجب تشكيل مجموعات ونوى شيوعية في كل المنظمات دون استثناء – النقابات والاتحادات الخ… – في المنظمات البروليتارية أولا ومن تم المنظمات غير البروليتارية للجماهير الكادحة المستغَلة (سواء كانت سياسية، أو نقابية، أو عسكرية، أو تعاونية، أو بعد مدرسية، أو رياضية، الخ…). ومن المفضل أن تكون هذه المجموعات والنوى علنية، أو سرية إذا اقتضى الأمر، وهذا يصبح اضطراريا في كل مرة يكون هناك تخوف من إلغاء شرعيتها وتوقيف أعضائها. إن هذه المجموعات المرتبطة بعضها بالبعض الآخر، والمرتبطة بمركز الحزب، والتي تتبادل نتائج تجاربها، والمنصرفة إلى التحريض والدعاوة والتنظيم، تتكيف مع كل مجالات الحياة الاجتماعية وكل مظاهر الجماهير الكادحة وفئاتها. ويجب أن تعمل، عن طريق نشاطها متعدد الوجوه، على تربيتها الذاتية وتربية الحزب والطبقة العاملة والجماهير.
إلاّ أن من الأهمية بمكان أن تتم عمليا بلورة طرائق عمل – في تطورها الضروري – تكون من جهة تجاه الزعماء أو الممثلين المسؤولين للمنظمات، المفسدين كليا بالأوهام الإمبريالية والبرجوازية الصغيرة (هؤلاء الزعماء يجب فضحهم دون رحمة وطردهم من الحركة العمالية)، ومن جهة أخرى تجاه الجماهير التي بانت مستعدة، خاصة بعد المجزرة الإمبريالية، للإصغاء للتعاليم حول ضرورة أن تلحق بالبروليتاريا، فهي وحدها القادرة على تخليصها من العبودية الرأسمالية. ويجدر التعاطي بصبر وحذر مع الجماهير من أجل فهم الخصوصيات البسيكولوجية لكل مهنة ولكل مجموعة داخل تلك الجماهير.
10- ثمة تجمع أو تكتل داخل الشيوعيين يجب أن يولى اهتماماً خاصاً ورقابة من قبل الحزب: وهو التكتل البرلماني، أو مجموعة أعضاء الحزب المنتخبين إلى البرلمان (أو البلديات، الخ…). فهذه المنابر هي، من جهة، ذات أهمية رئيسية بنظر الشرائح العميقة من الطبقة الكادحة المتخلفة أو المشبعة بالأوهام البرجوازية الصغيرة، وهذا هو السبب الذي يفرض على الشيوعيين أن يقوموا بعمل دعاوي، وتحريضي وتنظيمي من أعلى تلك المنابر، وأن يشرحوا للجماهير لماذا كان ضروريا في روسيا (كما سيتم ذلك عند الاقتضاء في كل البلدان) حل البرلمان البرجوازي بواسطة مؤتمر السوفيتات لعامة روسيا. ومن جهة ثانية فإن مجمل تاريخ الديموقراطية البرجوازية قد جعل من المنبر البرلماني، تحديدا في البلدان المتقدمة، حلبة أو إحدى الحلبات الرئيسية للغش المالي والسياسي والوصولية والخداع واضطهاد الشغيلة؛ لذلك فإن الحقد المتأصل الذي ينميه أفضل ممثلي البروليتاريا تجاه البرلمان إنما هو مبرر تماما. ولذلك على الأحزاب الشيوعية وكل الأحزاب المنتسبة إلى الأممية الثالثة (وبالأخص في حالة الأحزاب التي لم تنشأ عن انشقاق في الأحزاب القديمة)، أن تتخذ موقفا شديد الحزم تجاه تكتلاتها البرلمانية، أي أن تفرض التالي: خضوعها الكامل للجنة المركزية للحزب؛ وإعطاء الأفضلية لإدخال العمال الثوريين في تشكيلها، والتحليل الأكثر دقة في صحافة الحزب واجتماعاته لخطابات البرلمانيين من زاوية موقفهم الشيوعي؛ وتسمية برلمانيين للقيام بعمل دعاوي بين الجماهير والطرد الفوري لكل أولئك الذين قد يظهرون ميلا نحو الأممية الثانية، الخ…
* * * * *
11- إن إحدى العقبات الأكثر خطورة أمام الحركة العمالية الثورية في البلدان الرأسمالية المتطورة ناجمة عن واقع أنه، بفعل الممتلكات الاستعمارية وفائض قيمة الرأسمال المالي، الخ… قد نجح رأس المال في خلق أرستقراطية عمالية صغيرة مستقرة وذات نفوذ كبير نسبيا، وهي تتمتع بأفضل الشروط على صعيد الأجر، وفوق كل ذلك فهي مشربة بالروح الضيقة لأهل الحرف، وبالروح البرجوازية الصغيرة والأوهام الرأسمالية. إنها تشكل «نقطة الارتكاز» الاجتماعية الفعلية للأممية الثانية والإصلاحيين و«الوسطيين» وهي قريبة، في الوقت الحالي، من أن تصبح نقطة الارتكاز الأساسية للبرجوازية. إن أي تحضير، ولو مسبق، للبروليتاريا بهدف إطاحة البرجوازية لن يكون ممكنا دون الصراع المباشر المنظم والواسع والمعلن مع هذه الأقلية الصغيرة التي ستقدم دون شك (كما أثبتت التجربة تماما) عددا من أفرادها إلى الحرس الأبيض للبرجوازية بعد انتصار البروليتاريا. وعلى جميع الأحزاب المنتسبة إلى الأممية الثالثة، أن تجسد، مهما كان الثمن، هذا الشعار «فلننخرط أعمق فأعمق في الجماهير»؛ والمقصود بتعبير الجماهير مجموع الشغيلة والمستغلين على يد الرأسمال، وخاصة أقلهم تنظيما ووعيا وأكثرهم اضطهادا وأقلهم استعدادا للتنظيم.
لا تصبح البروليتاريا ثورية إلاّ بالقدر الذي لا تنغلق فيه في أطر النزعة الضيقة لأهل الحرف، وبالقدر الذي تتصرف فيه في مظاهر وميادين الحياة الاجتماعية كافة كقائد لكل الجماهير الكادحة والمستغلة. إن تحقيق دكتاتوريتها سيكون مستحيلا دون إعداد، وعزم على تحمل أكبر الخسائر باسم الانتصار على البرجوازية. ومن هذه الزاوية، تتخذ التجربة الروسية أهمية عملية مبدئية، فالبروليتاريا الروسية لم تستطع أن تحقق دكتاتوريتها ولم تستطع أن تكسب التعاطف والثقة الشاملين من جانب الجماهير العمالية بأكملها لو لم تبرهن عن روح تضحية ولو لم تعانِ الجوع أكثر من كل فئات هذه الجماهير في أصعب ساعات الهجوم والحروب وحصار البرجوازية العالمية.
إن الدعم الأكمل والأكثر إخلاصا من قبل الحزب الشيوعي والبروليتاريا الطليعية هو ضروري بشكل خاص تجاه كل حركة إضراب واسعة، عنيفة وكبيرة، وهو وحده القادر في ظل اضطهاد الرأسمال، على إيقاظ الجماهير فعلا وتحريكها وتنظيمها وإعطائها الثقة الكاملة والتامة بالدور القيادي للبروليتاريا الثورية. ودون هكذا تحضير تستحيل أي دكتاتورية للبروليتاريا، ولا ينبغي التسامح، داخل الأحزاب المرتبطة بالأممية الثالثة مع الأشخاص الذين بوسعهم أن يقفوا قولا وفعلا ضد الإضرابات، مثل كاوتسكي في ألمانيا وتوراتي في إيطاليا. وهذا بالطبع يتعلق أكثر بالزعماء البرلمانيين والنقابيين الذين يخونون العمال في كل لحظة بتعليم هؤلاء الإصلاحية، عن طريق الإضراب، وليس الثورة (أمثلة: جوهو في فرنسا، غومبيرز في أمريكا، ج. هـ. توماس في إنكلترا).
* * * * *
12- لقد حانت اللحظة التي أصبح من الضرورة المطلقة فيها، بالنسبة لكل حزب شيوعي، أن يوحد العمل الشرعي وغير الشرعي، المنظمة الشرعية والمنظمة السرية، وذلك في جميع البلدان، حتى الأكثر «حرية» من بينها والأكثر «شرعية» والأكثر «سلمية» بمعنى الاحتدام الأضعف للصراع الطبقي. لأن الحكومات، في البلدان الأكثر تحضرا والأكثر حرية، ذات النظام البرجوازي – الديموقراطي الأكثر «استقرارا»، على الرغم من تصريحاتها الكاذبة والوقحة، قد بدأت بالفعل بوضع اللوائح السرية السوداء بأسماء الشيوعيين، وهي تخرق في كل لحظة دستورها الخاص بدعمها إلى هذا الحد أو ذاك بشكل سري الحرس الأبيض واغتيال الشيوعيين في كل البلدان، وتعد في الظل للاعتقالات بحق الشيوعيين، وتُدخل عناصر استفزازية بينهم، الخ..
وليس إلاّ الروح البرجوازية الصغيرة، مهما كان جمال العبارات «الديموقراطية» والسلمية التي تتباهى بها، يمكنها أن تنفي هذا الواقع والنتيجة الإلزامية الناجمة عنه: التشكيل الفوري من قبل كل الأحزاب الشيوعية الشرعية لمنظمات سرية من أجل العمل غير الشرعي، منظمات تكون معدة لليوم الذي تبدأ فيه البرجوازية بملاحقة الشيوعيين. إن العمل غير الشرعي في الجيش، وفي الأسطول وفي الشرطة هو في غاية الأهمية. لقد ارتعبت كل حكومات العالم بعد الحرب الإمبريالية الكبرى من الجيش الشعبي ولجأت إلى جميع الأساليب التي يمكن تصورها لأجل تشكيل وحدات عسكرية خاصة من عناصر تم اختيارها بشكل خاص من صفوف البرجوازية ومسلحة بأكثر الأسلحة الفتاكة اتقانا.
من جهة أخرى، من الضروري أيضا في جميع الحالات، دون استثناء، عدم الاقتصار على العمل غير الشرعي، ولكن متابعة العمل الشرعي أيضا، بتخطي جميع الصعوبات في هذا السبيل وبتأسيس الصحف الشرعية والمنظمات الشرعية تحت مختلف التسميات، والإكثار من تغيير تسميتها عند اللزوم. وهذا ما تقوم به الأحزاب الشيوعية اللاشرعية في فنلندا والمجر وألمانيا وإلى حد ما في بولندا وليتوانيا الخ… وهذا ما يجب أن يقوم به «شغيلة العالم الصناعيون» (IWW) في أمريكا وما يجب أن تفعله كل الأحزاب الشيوعية الأخرى الشرعية إذا ما طاب للمدعين العامين أن يقوموا بملاحقتها لمجرد قبولها بقرارات مؤتمرات الأممية الشيوعية، الخ…
إن الضرورة المطلقة لتوحيد العمل الشرعي واللاشرعي لا تتحدد من حيث المبدأ بمجمل شروط الحقبة التي نمر بها، مرحلة عشية دكتاتورية البروليتاريا، بل بالحاجة إلى أن نظهر للبرجوازية أنه لا توجد ولا يمكن أن توجد مجالات وحقول للعمل لم يسيطر عليها الشيوعيون، ولأنه ما زالت توجد أيضا في كل مكان شرائح بروليتارية كبيرة وبنسب أكبر أيضا جماهير كادحة ومستغلة غير بروليتارية تثق بالشرعية البرجوازية الديموقراطية، ومن المهم جدا بالنسبة لنا أن نصرفها عنها.
* * * * *
13- إن وضع الصحافة العمالية في البلدان الرأسمالية الأكثر تقدما تظهر بشكل صارخ كذبة الحرية والمساواة في الديموقراطية البرجوازية، وكذلك تظهر ضرورة توحيد العمل الشرعي وغير الشرعي بشكل منهجي. وسواء في ألمانيا المهزومة أو أمريكا المنتصرة فإن كل قوى الجهاز الحكومي للبرجوازية وكل دهاء ملوك الذهب تتحرك الآن من أجل تجريد العمال من صحافتهم: ملاحقات قضائية واعتقالات (أو اغتيالات يرتكبها قتلة مأجورون) للمحررين، ومصادرة الطرود البريدية ومصادرة الورق، الخ. وكل ما هو ضروري بالنسبة لجريدة يومية من مواد إعلامية موجود بأيدي وكالات تلغرافية برجوازية، والإعلانات التي بدونها لا تستطيع صحيفة كبيرة أن تغطي نفقاتها هي تحت التصرف «الحر» للرأسماليين. وخلاصة ذلك أن البرجوازية بالكذب وضغط الرأسمال والدولة البرجوازية تسلب البروليتاريا الثورية صحافَتَها.
من أجل النضال ضد هذا الواقع، على الأحزاب الشيوعية أن تخلق نمطا جديدا من الصحافة الدورية مخصصة للتوزيع بالجملة بين الشغيلة تتضمن:
أ- نشرات شرعية تتعلم، دون أن تعلن شيوعيتها ودون أن تتحدث عن ارتباطها بالحزب، أن تستفيد من أدنى الإمكانات الشرعية، كما فعل البلاشفة في ظل القيصرية بعد عام 1905.
ب- بيانات غير شرعية ولو ذات حجم صغير تظهر بشكل غير منتظم، ولكن يطبعها العمال في عدد كبير من المطابع (السرية، أو إذا كانت الحركة قد تعززت، عبر وضع اليد على المطابع) وتقدم للبروليتاريا إعلاما حرا ثوريا وشعارات ثورية.
دون معركة ثورية تكسب الجماهير من أجل حرية الصحافة الشيوعية، سيكون الإعداد لديكتاتورية البروليتاريا مستحيلا.
ج- تغيير سلوك الأحزاب المنتمية إلى الأممية الشيوعية أو الأحزاب الراغبة بذلك وبشكل جزئي تغيير تركيبها الاجتماعي
14- إن درجة إعداد البروليتاريا في البلدان الأكثر أهمية، من زاوية الاقتصاد والسياسة العالميين، لتحقيق الديكتاتورية العمالية، تتميز بأكبر قدر من الموضوعية والدقة، بواقع أن الأحزاب الأكثر تأثيرا في الأممية الثانية، كالحزب الاشتراكي الفرنسي والحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني المستقل والحزب العمالي الإنكليزي المستقل والحزب الاشتراكي الأمريكي، قد خرجت من هذه الأممية الصفراء وقررت الانضمام المشروط إلى الأممية الثالثة. لقد ثبت بذلك أن الطليعة ليست وحيدة وأن أغلبية البروليتاريا الثورية بدأت بالانتقال إلى جانبنا وقد أقنعها بذلك كل مسار الأحداث. إن الجوهري الآن هو معرفة استكمال هذا الانتقال وتوطيد ما تم تحقيقه عبر التنظيم لكي يصبح ممكنا التقدم إلى الأمام على طول الخط دون أدنى تردد.
* * * * *
15- إن كل نشاط الأحزاب المذكورة أعلاه (التي يجب أن يضاف إليها الحزب الاشتراكي السويسري إذا كانت البرقية التي تعلمنا بقراره الانضمام إلى الأممية الثالثة صحيحة) يثبت (وأي نشرة صادرة عن هذه الأحزاب تؤكد ذلك بشكل أكيد) أنه لم يصبح نشاطا شيوعيا بعد، ويتجه في الغالب خلافا للمبادئ الأساسية للأممية الثالثة باعترافه بالديموقراطية البرجوازية بدل دكتاتورية البروليتاريا والسلطة السوفياتية.
لهذه الأسباب يعلن المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية أنه لا يعتبر الاعتراف الفوري بتلك الأحزاب ممكناً.
ويؤكد المؤتمر جواب اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية على المستقلين الألمان، وموافقته على الدخول في محادثات مع كل حزب يخرج من الأممية الثانية ويعبر عن رغبته في التقرب من الأممية الثالثة؛ ويمنح صوتا استشاريا لمندوبي هذه الأحزاب إلى جميع مؤتمراته واجتماعاته الموسعة؛ ويضع الشروط التالية من أجل الاتحاد الكامل بين هذه الأحزاب (والأحزاب المماثلة) والأممية الشيوعية:
أ- نشر جميع قرارات مؤتمرات الأممية الشيوعية واللجنة التنفيذية في جميع نشرات الحزب الدورية.
ب- بحث هذه القرارات في اجتماعات خاصة لكل المنظمات المحلية للحزب.
ج- الدعوة بعد هذا البحث لمؤتمر خاص للحزب من أجل إقصاء العناصر التي تستمر في العمل بروحية الأممية الثانية. ويجب أن يدعى إلى هذا المؤتمر بأقصى سرعة ممكنة خلال مهلة لا تتعدى الأربعة أشهر بعد المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية.
د- طرد جميع العناصر التي تستمر في العمل بروحية الأممية الثانية من الحزب.
هـ- انتقال كل النشرات الدورية للحزب إلى أيدي محررين شيوعيين فقط.
و- إن الأحزاب التي تريد الانتساب الآن إلى الأممية الثالثة والتي لم تعدِّل جذريا بعد من تكتيكها السابق، عليها أن تعمل مسبقا على أن يكون ثلثا أعضاء لجنتها المركزية ومؤسساتها المركزية الأكثر أهمية من الرفاق الذين أعلنوا تأييدهم العلني لانضمام الحزب إلى الأممية الثالثة، ويمكن أن تحصل بعض الاستثناءات بموافقة اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية. وتحتفظ اللجنة التنفيذية أيضا بحقها في الاستثناء بما يتعلق بممثلي الاتجاه الوسطي المشار إليه في الفقرة السابعة.
ز- إن أعضاء الحزب الذين يرفضون الشروط والموضوعات التي وضعتها الأممية الشيوعية يجب أن يطردوا من الحزب، وينطبق الشيء نفسه على المندوبين للمؤتمر الاستثنائي.
* * * * *
16- فيما يتعلق بموقف الشيوعيين الذين يشكلون الأقلية الحالية بين المناضلين المسؤولين في الأحزاب المذكورة سابقا أو المماثلة لها، يقرر المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية أنه بسبب الوتيرة السريعة للتطور الحالي للروح الثورية للجماهير فإن خروج الشيوعيين من هذه الأحزاب ليس مرغوب فيه، طالما كان بإمكانهم أن يقوموا داخلها بعمل باتجاه الاعتراف بدكتاتورية البروليتاريا والسلطة السوفياتية ونقد الانتهازيين والوسطيين الذين ما زالوا فيها.
مع ذلك، وما أن يكتسب الجناح اليساري لأي حزب وسطي قوة كافية، بإمكانه، إذا اعتبر ذلك مفيدا لتطور الشيوعية، أن يترك الحزب ككتلة ويشكل حزبا شيوعيا.
وفي الوقت نفسه، يؤيد المؤتمر الثاني للأممية الثالثة أيضا انضمام مجموعات وتنظيمات شيوعية أو متعاطفة مع الشيوعية إلى جانب حزب العمال الانكليزي على الرغم من أن هذا الأخير لم يخرج بعد من الأممية الثانية، طالما أن هذا الحزب يترك لمنظماته حريتها الحالية في النقد، والعمل والدعاوة والتحريض والتنظيم من أجل ديكتاتورية البروليتاريا والسلطة السوفياتية، وطالما حافظ على طابعه كاتحاد لكل المنظمات النقابية للطبقة العاملة. وعلى الشيوعيين أن يقوموا بكل المحاولات وصولا إلى بعض التسويات بهدف امتلاك إمكانية تأثير على أوسع جماهير الشغيلة وفضح زعمائها الانتهازيين من أعلى المنابر التي في متناول الجماهير، والإسراع بنقل السلطة السياسية من أيدي الممثلين المباشرين للبرجوازية لأيدي ممثلين عمال للطبقة العاملة، من أجل تخليص الجماهير من آخر الأوهام حول هذا الموضوع بأسرع وقت ممكن.
* * * * *
17- فيما يتعلق بالحزب الاشتراكي الإيطالي. إن المؤتمر الثاني للأممية الثالثة، إذ يعترف بأن المراجعة البرنامجية التي أقرها الحزب في مؤتمره في بولونيا العام الماضي تشكل مرحلة شديدة الأهمية في تحوله نحو الشيوعية، وأن الاقتراحات التي تقدم بها فرع تورين إلى المجلس العام للحزب، المنشورة في صحيفة الـ «أورديني نووفو» L’Ordine Nuovo في 8 أيار / مايو 1920، تنسجم مع جميع المبادئ الأساسية للأممية الثالثة، ويتمنى على الحزب الاشتراكي الإيطالي أن يبحث في مؤتمره القادم، الذي ستتم الدعوة إليه بموجب الأنظمة الداخلية للحزب والإجراءات العامة بشأن القبول في الأممية الثالثة، الاقتراحات المذكورة آنفا وكل قرارات المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية خاصة في موضوع التكتل البرلماني، والنقابات والعناصر غير الشيوعية في الحزب.
* * * * *
18- يعتبر المؤتمر الثاني للأممية الثالثة أن المفاهيم حول علاقات الحزب بالطبقة العاملة والجماهير حول المشاركة الاختيارية للأحزاب الشيوعية بالعمل البرلماني والعمل داخل النقابات الرجعية غير ملائمة. وكانت هذه المفاهيم قد دحضت بشكل واسع في القرارات الخاصة للمؤتمر الحالي، بعد أن كان قد جرى الدفاع عنها من قبل «حزب العمال الشيوعي الألماني» بشكل خاص، وبعض الشيء من قبل «الحزب الشيوعي السويسري» وصحيفة مكتب الأممية الشيوعية لأوروبا الشرقية في فيينا (كومونيسموس)، وبعض الرفاق الهولنديين وبعض التنظيمات الشيوعية في إنكلترا – من بينها «الاتحاد العمالي الاشتراكي»، الخ. وكذلك منظمة «شغيلة العالم الاشتراكيين» الأمريكية و«لجان الممثلين النقابيين للمؤسسات» الإنكليزية الخ… الخ…
بيد أن المؤتمر الثاني للأممية الثالثة يعتقد أنه من الممكن والمرغوب فيه أن تنضم إلى الأممية الثالثة كل من تلك التنظيمات التي لم تنتسب إليها رسميا بعد، لأننا في الحالة الراهنة، وخاصة إزاء «لجان الممثلين النقابيين للمؤسسات» الإنكليزية، نجد أنفسنا أمام حركة بروليتارية عميقة، تقف في الواقع على أرضية المبادئ الأساسية للأممية الشيوعية. إن المفاهيم الخاطئة حول المشاركة في العمل داخل البرلمانات البرجوازية في تنظيمات كهذه، لا تعود بشكل أساسي إلى دور العناصر ذات الأصل البرجوازي التي تُحمّل مفاهيمها، بالحقيقة، روحية برجوازية صغيرة، كما هي في الغالب مفاهيم الفوضويين، بل إلى فقدان التجربة السياسية للبروليتاريين الثوريين حقا والمرتبطين بالجماهير.
لهذه الأسباب، يتمنى المؤتمر الثاني للأممية الثالثة على كل التنظيمات والتجمعات الشيوعية في البلدان الأنجلو – ساكسونية أن تواصل، حتى في حال عدم انضمام «شغيلة العالم الصناعيين» (IWW) و«لجان الممثلين النقابيين للمؤسسات» مباشرة إلى الأممية الثالثة، سياسة علاقات أكثر ودية مع هذين التنظيمين، وتقارب معهما ومع الجماهير المتعاطفة معهما، عبر افهامهما بشكل ودي، من زاوية تجربة جميع الثورات الروسية في القرن العشرين، الطابع الخاطئ لمفاهيمهما، وتكرار محاولات الاندماج معهما في حزب شيوعي وحيد.
* * * * *
19- يلفت المؤتمر انتباه كل الرفاق، وخاصة في البلدان اللاتينية الأنجلو – ساكسونية إلى هذا الواقع: لقد حصل منذ الحرب انقسام عميق في الأفكار بين الفوضويين في العالم أجمع حول موضوع الموقف الواجب اتخاذه إزاء ديكتاتورية البروليتاريا والسلطة السوفياتية. في هذه الظروف، نلاحظ في صفوف العناصر البروليتارية التي كانت مدفوعة في الغالب إلى الفوضوية بسبب حقدها، المبرر تماما، على انتهازية الأممية الثانية وإصلاحيتها، تفهما صحيحا بشكل مميز لهذه المبادئ، يتسع بشكل متزايد، كلما أصبحت تجربة روسيا وفنلندا وهنغاريا وليتوانيا وبولندا وألمانيا، معروفة بشكل أفضل.
لهذه الأسباب يعتبر المؤتمر أن من واجب جميع الرفاق أن يدعموا بكل الوسائل انتقال جميع العناصر البروليتارية ضمن الجماهير من الفوضوية إلى الأممية الثالثة.
ويعتبر المؤتمر أن نجاح نشاط الأحزاب الشيوعية حقا يجب أن يُقوَّم في بعض جوانبه، بالقدر الذي تنجح فيه باجتذاب العناصر البروليتارية حقا ضمن الفوضوية.
قرار حول دور الحزب الشيوعي
في الثورة البروليتارية
تقف البروليتاريا العالمية على عتبة نضال حاسم، فالحقبة التي نعيشها هي حقبة عمل مباشر ضد البرجوازية. إن الساعة الحاسمة تقترب، وقريبا سيكون على الطبقة العاملة في كل البلدان حيث توجد حركة عمالية واعية أن تخوض سلسلة معارك ضارية مسلحة. الآن أكثر من أي وقت مضى تحتاج الطبقة العاملة إلى تنظيم صلب، وعليها أن تعد نفسها من الآن وصاعدا، دون كلل، لهذا النضال، دون إضاعة ساعة واحدة من الوقت الثمين.
لو كانت الطبقة العاملة تملك، خلال كومونة باريس (1871) حزبا شيوعيا متين التنظيم، ولئن قليل العدد، لكانت الانتفاضة الأولى للبروليتاريا الفرنسية البطلة أكثر قوة، ولكانت تفادت الكثير من الأغلاط والكثير من الأخطاء. إن المعارك التي سيكون على البروليتاريا أن تخوضها الآن في ظروف تاريخية مختلفة تماما، ستكون ذات نتائج أخطر بكثير منها 1871.
إن المؤتمر الثاني العالمي للأممية الشيوعية يظهر للعمال الثوريين في العالم أجمع أهمية ما يلي:
1- إن الحزب الشيوعي هو جزء من الطبقة العاملة، وهو يشكل بالطبع الجزء الأكثر تقدما ووعيا وإخلاصا ووضوح رؤية. ليس للحزب الشيوعي مصالح مختلفة عن مصالح الطبقة العاملة، ولا يختلف عن أوسع جماهير الشغيلة إلاّ في تبصره للرسالة التاريخية لمجموع الطبقة العاملة، وهو يجهد، عند كل منعطفات الدرب، للدفاع ليس عن مصالح بعض المجموعات أو بعض المهن، بل عن مصالح الطبقة العاملة بمجملها. إن الحزب الشيوعي يشكل القوة التنظيمية والسياسية، التي يقود بواسطتها الجزءُ الأكثر تقدما من الطبقة العاملة جماهير البروليتاريا وأنصاف البروليتاريا، في الطريق الصحيح.
2- طالما أن البروليتاريا لم تستول بعد على السلطة الحكومية، وطالما أنها لم ترسخ سيطرتها نهائيا بعد، ولم تحتط لكل محاولة لإعادة إحياء البرجوازية، فإن الحزب الشيوعي لن يضم في صفوفه المنظمة إلاّ أقلية عمالية. ويستطيع الحزب الشيوعي، بفعل ظروف ملائمة، إلى أن يستلم السلطة وخلال المرحلة الانتقالية، أن يمارس تأثيرا أيديولوجيا وسياسيا أكيدا على كل شرائح البروليتاريا وأنصاف البروليتاريا من السكان، ولكنه لا يستطيع أن يجمعهم منظمين في صفوفه. ولا يبدأ جميع العمال أو على الأقل معظمهم بالدخول في صفوف الحزب الشيوعي، إلاّ عندما تحرم دكتاتورية البروليتاريا البرجوازية من وسائل النشاط الأكثر فعالية مثل الصحافة والبرلمان والكنيسة والإدارة الخ… عندما تصبح هزيمة النظام البرجوازي أمرا بديهيا أمام أنظار الجميع.
3- يجب التمييز بين مفهومي الحزب والطبقة بأكبر دقة ممكنة. إن أعضاء النقابات «المسيحية» والليبرالية في ألمانيا وإنجلترا وفي بلدان أخرى ينتمون دون شك إلى الطبقة العاملة، كذلك التجمعات العمالية الضخمة إلى هذا الحد أو ذاك التي ما زالت تتبع شيدمان وغومبيرز وشركائهما. وفي شروط تاريخية مماثلة من المحتمل جدا أن تظهر تيارات رجعية عديدة داخل الطبقة العاملة. وليست مهمة الشيوعيين التكيف مع هذه العناصر المتخلفة من الطبقة العاملة، بل أن يرفعوا مجمل الطبقة العاملة إلى مستوى الطليعة الشيوعية. ويمكن أن يؤدي الالتباس بين هذين المفهومين للحزب والطبقة إلى أخطاء والتباسات شديدة الخطورة. فمن البديهي، مثلا، أنه كان على الأحزاب العمالية، على الرغم من أوهام وعقلية قسم من الطبقة العاملة خلال الحرب، أن تحارب، بأي ثمن كان، هذه الأوهام وهذه العقلية، باسم المصالح التاريخية للبروليتاريا التي تلزم حزبها بإعلان الحرب على الحرب.
وهكذا مثلا لم تتوان الأحزاب الإشتراكية في كل البلدان، في بداية الحرب الإمبريالية عام 1914 بدعمها لبرجوازياتها الخاصة، عن تبرير سلوكها بالتذرع بإرادة الطبقة العاملة. إنها تنسى بذلك، حتى لو كان الأمر على هذه الشاكلة، بأن مهمة الحزب البروليتاري هي في أن يحارب العقلية العمالية العامة وأن يدافع عن جميع المصالح التاريخية للبروليتاريا. وهكذا كان المناشفة في بداية القرن العشرين (وكانوا يسمون أنفسهم بـ «الاقتصاديين» آنذاك) يرفضون النضال العلني ضد القيصرية لأن الطبقة العاملة بمجملها، كما كانوا يقولون، لم تكن مستعدة بعد لفهم ضرورة النضال السياسي.
وهكذا كان المستقلون اليمينيون في ألمانيا يبررون دائما أنصاف إجراءاتهم قائلين إنه يجب فهم رغبات الجماهير قبل كل شيء، ولم يفهموا هم أنفسهم بأنه مقضي على الحزب أن يسير في مقدمة الجماهير وأن يدلها على الطريق.
4- إن الأممية الشيوعية مقتنعة تمام الاقتناع أن هزيمة أحزاب الأممية الثانية «الاشتراكية – الديموقراطية» القديمة، لا يمكن أن تعتبر بأي حال من الأحوال كهزيمة للأحزاب البروليتارية بشكل عام. إن عصر النضال المباشر من أجل دكتاتورية البروليتاريا يخلق حزبا بروليتاريا عالميا جديدا – الحزب الشيوعي.
5- ترفض الأممية الشيوعية رفضا قاطعا الرأي القائل بأن على البروليتاريا أن تنجز ثورتها دون أن تمتلك حزبا سياسيا. فكل نضال طبقي هو نضال سياسي. وهد ف هذا النضال الذي يتجه بشكل حتمي للتحول إلى حرب أهلية، هو استلام السلطة السياسية. لهذا لا يمكن الاستيلاء على السلطة السياسية، وتنظيمها وقيادتها إلا بواسطة هذا الحزب السياسي أو ذاك. وليس إلاّ عندما يقود البروليتاريا حزب منظم ومجرَّب، يتبع أهدافا محددة بوضوح، ويمتلك برنامج عمل قابلا للتنفيذ في السياسة الداخلية كما في السياسة الخارجية، ليس إلاّ في هذه الحالة، يمكن اعتبار استلام السلطة السياسية نقطة انطلاق لعمل مستمر لبناء شيوعي للمجتمع تقوم به البروليتاريا، لا مجرد حادثة عرضية.
إن النضال الطبقي عينه يتطلب أيضا المركزية والقيادة الواحدة للأشكال المختلفة للحركة البروليتارية (النقابات، التعاونيات، لجان المصانع، التعليم والانتخابات الخ…). والمركز المنظم والقيادي لا يمكن أن يكون إلاّ حزبا سياسيا، فإن رفض العمل على إنشائه وتوطيده والخضوع له إنما يعادل رفض القيادة الواحدة لقوى البروليتاريا العاملة على جبهات مختلفة. ويتطلب النضال الطبقي تحريضا مركزا، ينير مراحل النضال المختلفة من وجهة نظر واحدة ويجتذب في كل لحظة كل انتباه البروليتاريا إلى المهام التي تعنيها بمجملها. ولا يمكن تحقيق ذلك دون جهاز سياسي مركزي أي دون حزب سياسي.
إن دعاوة بعض النقابويين الثوريين والمنتسبين إلى الحركة الصناعية في العالم أجمع (I.W.W) ضد ضرورة حزب سياسي قائم بذاته، لم تساعد ولا تساعد – إذا أردنا الكلام بموضوعية – إلاّ البرجوازية و«الاشتراكيين الديموقراطيين» المعادين للثورة. فبدعاوتهم ضد الحزب الشيوعي الذي يريدون استبداله بنقابات أو اتحادات عمالية ذات أشكال غير واضحة المعالم وشديدة الاتساع، إنما يتقاطعون في عدد من النقاط مع انتهازيين حقيقيين.
لقد ظل المناشفة الروس خلال عدة سنوات بعد هزيمة ثورة 1905 ينشرون فكرة مؤتمر عمالي (هكذا كانوا يسمونه) من المفترض أن يحل محل حزب الطبقة العاملة الثوري؛ ويريد «العماليون الصفر» على اختلافهم في إنكلترا وأمريكا استبدال الحزب السياسي باتحادات عمالية مائعة، ويختلقون في الوقت نفسه تكتيكا سياسيا برجوازيا على الإطلاق. أمّا النقابيون الثوريون و«الصناعيون» فيريدون محاربة دكتاتورية البرجوازية، لكنهم لا يعرفون كيف يقومون بذلك، ولا يلاحظون أن طبقة عاملة دون حزب سياسي هي جسد بلا رأس. إن النقابوية الثورية و«الصناعوية» لا تشكلان خطوة إلى الأمام إلاّ بالنسبة لإيديولوجية الأممية الثانية الخاملة والمعادية للثورة. ولكنهما تشكلان خطوة إلى الوراء بالنسبة للماركسية الثورية، أي للشيوعية. إن إعلان شيوعيي «اليسار الألماني K.A.P.D» (البرنامج الذي صاغه مؤتمرهم التأسيسي في نيسلن / أبريل الماضي) بأنهم يشكلون حزبا، إنما «ليس بالمعنى الشائع لكلمة حزب» (Keine Partei überlieferten sinne)، هو تراجع أمام الرأي النقابوي و«الصناعوي» يشكِّل واقعةً رجعية.
لكن الطبقة العاملة لن تتمكن من إحراز النصر على البرجوازية عن طريق الإضراب العام، وتكتيك الأيدي المكتوفة، بل يجب أن تحقق ذلك عن طريق الانتفاضة المسلحة. ومن فهم ذلك عليه أن يفهم أيضا أن حزبا سياسيا منظما هو أمر ضروري، وأن الاتحادات العمالية المائعة لا تستطيع أن تحل محله.
يتحدث النقابيون الثوريون في الغالب عن الدور الكبير الذي يجب أن تلعبه أقلية ثورية موطدة العزم. والحال أن هذه الأقلية العازمة من الطبقة العاملة التي يطلبونها، هذه الأقلية الشيوعية، والتي تمتلك برنامجا وتريد أن تنظم النضال الجماهيري، إنما هي في الواقع الحزب الشيوعي بالذات.
6- إن البقاء على اتصال دائم بالتنظيمات البروليتارية الأشد اتساعا هو المهمة الأكثر أهمية لحزب شيوعي حقا، ومن أجل تحقيق ذلك يستطيع الشيوعيون ويجب عليهم أن يشاركوا في مجموعات تضم جماهير بروليتارية واسعة دون أن تكون مجموعات حزبية. هذه هي مثلاً حالة التنظيمات المعروفة باسم تنظيمات المصابين بالعجز في بلدان مختلفة، وجماعات «ارفعوا أيديكم عن روسيا»، والاتحادات البروليتارية للمستأجرين، الخ… ولدينا هنا المثال الروسي لمجالس العمال والفلاحين التي تعلن أنها «غريبة» عن الأحزاب (bezpartinii). وسيجري قريبا تنظيم جمعيات مماثلة في كل مدينة وكل حي عمالي وفي الأرياف أيضاً. وتشارك في هذه الجمعيات أوسع الجماهير التي تضم شغيلة متخلفين أيضا، وهي تضع على جدول أعمالها المسائل الأكثر أهمية: التموين، السكن، مسائل عسكرية، التعليم، المهمة السياسية في اللحظة الراهنة، الخ… وعلى الشيوعيين أن يمتلكوا تأثيرا داخل هذه الجمعيات، وسيكون لذلك أكثر النتائج أهمية بالنسبة للحزب.
يعتبر الشيوعيون أن مهمتهم الرئيسية داخل هذه التنظيمات هي العمل التثقيفي والتنظيمي المنهجي. ومن أجل أن يكون هذا العمل مثيرا وكي لا يتمكن أعداء البروليتاريا الثورية من السيطرة على هذه التنظيمات، يجب أن يكون للشغيلة المتقدمين وللشيوعيين حزبهم ذو النشاط المنظم الذي يعرف الدفاع عن الشيوعية في كل الظروف وأمام جميع الاحتمالات.
7- لا ينفصل الشيوعيون أبدا عن المنظمات العمالية المحايدة سياسياً، حتى لو ارتدت طابعا رجعيا واضحا (اتحادات صفراء، اتحادات مسيحية، الخ…)، فالحزب الشيوعي يواصل داخل تلك المنظمات عمله الخاص بثبات، مظهرا للعمال دون كلل أن الحياد السياسي إنما تزرعه البرجوازية وعملاؤها بينهم عن تبصر، من أجل الانحراف بالبروليتاريا عن النضال من أجل الاشتراكية.
8- إن التقسيم الكلاسيكي القديم للحركة العمالية إلى ثلاثة أشكال (أحزاب، نقابات، تعاونيات) قد مضى عليه الزمن. لقد أوجدت الثورة البروليتارية في روسيا الشكل الأساسي لديكتاتورية البروليتاريا، السوفيتات. فالتقسيم الجديد الذي ننميه في كل مكان هو التالي: 1- الحزب، 2- السوفيات، 3- النقابة.
غير أن العمل في السوفيتات كما في النقابات الصناعية التي أصبحت ثورية يجب أن تتم قيادته بثبات ومنهجية من قبل الحزب البروليتاري، أي الحزب الشيوعي.
الحزب الشيوعي، كطليعة منظمة من الطبقة العاملة، يعكس أيضا الحاجات الاقتصادية، والسياسية والروحية للطبقة العاملة بمجملها، ويجب أن يكون روح النقابات والسوفيتات وكذلك روح كل الأشكال الأخرى للتنظيم البروليتاري.
إن ظهور السوفيتات، الشكل التاريخي الرئيسي لديكتاتورية البروليتاريا، لا يضعف إطلاقا الدور القيادي للحزب الشيوعي في الثورة البروليتارية. عندما يعلن الشيوعيون الألمان «اليساريون» (أنظر بيانهم إلى البروليتاريا الألمانية في 14 نيسان / أبريل 1920 الموقّع من «حزب العمال الشيوعي الألماني») أن «على الحزب الشيوعي، هو أيضا، أن يتكيَّف أكثر فأكثر مع الفكرة السوفياتية وأن يتبلتر (Kommunistische Arbeiterzeitung N. 54)، فنحن لا نجد هنا إلاّ تعبيرا من طرف خفي عن الفكرة القائلة بوجود ذوبان الحزب الشيوعي في السوفيتات، وبإمكانية هذه الأخيرة أن تحل محله. هذه الفكرة خاطئة ومغرقة في الرجعية.
لقد أظهر لنا تاريخ الثورة الروسية، في وقت ما، أن السوفيتات قد خالفت الحزب البروليتاري ودعمت عملاء البرجوازية، وقد لاحظنا الشيء نفسه في ألمانيا، وهو ممكن أيضا في البلدان الأخرى.
من أجل أن تتمكن السوفيتات من تأدية رسالتها التاريخية، فإن وجود حزب شيوعي من القوة بحيث لا «يتكيف» مع السوفيتات، بل يمارس عليها تأثيرا حاسما ويجبرها على «عدم التكيف» مع البرجوازية والاشتراكية – الديموقراطية الرسمية، ويقودها بواسطة هذا الجناح الشيوعي، إنما هو، على العكس، أمر ضروري.
9- إن الحزب الشيوعي ليس ضروريا بالنسبة للطبقة العاملة قبل الاستيلاء على السلطة وأثناء ذلك وحسب، بل أيضا بعد ذلك. ويظهر تاريخ الحزب الشيوعي الروسي، الذي يمسك بالسلطة منذ ثلاثة أعوام، أن دور الحزب الشيوعي، بعيدا عن أن يكون تضاءل منذ استلام السلطة، قد ازداد بشكل ملحوظ.
10- يوم تستولي البروليتاريا على السلطة لا يشكل الحزب الشيوعي، مع ذلك، إلاّ أحد أجنحة طبقة الشغيلة، ولكنه الجناح الذي نظم الانتصار. خلال عشرين عاما، كما رأينا في روسيا، ومنذ سنوات متلاحقة كما رأينا في ألمانيا، يناضل الحزب الشيوعي ليس فقط ضد البرجوازية، ولكن أيضا ضد كل أولئك الاشتراكيين، الذين لا يقومون في الواقع إلاّ بالتعبير عن تأثير الأفكار البرجوازية على البروليتاريا. لقد استوعب الحزب الشيوعي المناضلين الأكثر صلابة ووضوح رؤية وتقدما من الطبقة العاملة. إن وجود تنظيمات بروليتارية مماثلة يسمح بتخطي كل الصعاب التي يصطدم بها الحزب الشيوعي غداة الانتصار. إن تنظيم جيش أحمر بروليتاري جديد، والقضاء على الآلية الحكومية البرجوازية بشكل حقيقي وخلق الملامح الأولى للجهاز الحكومي البروليتاري، والنضال ضد الاتجاهات الحرفية لدى بعض التجمعات العمالية، والوطنية الاقليمية والعقلية الضيقة، والجهود الرامية لإيجاد انضباط جديد في العمل – كلها ميادين حيث على الحزب الشيوعي، الذي يجتذب أعضاؤه بمثالهم الحي الجماهير العمالية، أن يقول كلمة الفصل.
11- لا تنتفي ضرورة حزب سياسي للبروليتاريا إلاّ باختفاء الطبقات الاجتماعية. ففي مسيرة الشيوعية نحو النصر النهائي، من الممكن أن تتغير العلاقة المميزة القائمة بين الأشكال الأساسية الثلاثة للتنظيم البروليتاري المعاصر (أحزاب، سوفيتات، نقابات، مصانع) وأن يتبلور شيئا فشيئا نموذج وحيد توليفي (synthétique) من التنظيم العمالي، غير أن الحزب الشيوعي لن يذوب كليا داخل الطبقة العاملة إلاّ عندما تتوقف الشيوعية عن أن تكون رهان الصراع الاجتماعي، وعندما تصبح الطبقة العاملة بمجملها شيوعية.
12- ليس على المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية أن يدعم الحزب في رسالته التاريخية وحسب بل أن يحدد للبروليتاريا العالمية، على الأقل، الخطوط العريضة للحزب الذي نحتاجه.
13- ترى الأممية الشيوعية أن على الحزب الشيوعي، خاصة في مرحلة دكتاتورية البروليتاريا، أن يكون قائما على مركزية بروليتارية راسخة. ومن أجل قيادة الطبقة العاملة، بشكل فعال، خلال الحرب الأهلية الطويلة والمتواصلة، التي أصبحت وشيكة، على الحزب الشيوعي أن يقيم داخله نظام طاعة حديديا، نظام طاعة عسكريا. لقد أظهرت تجربة الحزب الشيوعي الروسي خلال ثلاث سنوات قاد أثناءها الطبقة العاملة بنجاح، عبر تقلبات الحرب الأهلية، أن انتصار الشغيلة سيكون مستحيلا دون أكثر الانضباط قوة، ودون مركزية كاملة ودون ثقة المنتسبين المطلقة بالمركز القيادي للحزب.
14- يجب أن يقوم الحزب الشيوعي على المركزية الديموقراطية. فتشكيل اللجان الفرعية عن طريق الانتخاب، وخضوع جميع اللجان الإلزامي للجنة التي تعلوها، ووجود مركز يتمتع بالصلاحيات المطلقة، ويملك سلطة لا جدال فيها خلال الفترة الفاصلة بين مؤتمرين، هذه هي المبادئ الرئيسية للمركزية الديمقراطية.
15- لقد وُضعت سلسلة من الأحزاب الشيوعية في أوربا وأمريكا خارج الشرعية بفعل الأحكام العرفية. ومن المناسب أن نتذكر أن المبدأ الانتخابي يمكن أن يتعرض في هذه الظروف لبعض الخروقات، ومن الممكن أن يكون ضروريا منح الهيئات القيادية في الحزب حق تعيين أعضاء جدد، وهذا ما حدث سابقا في روسيا. فالحزب الشيوعي لا يستطيع بالطبع أن يلجأ إلى الاستفتاء الديموقراطي كلما انطرحت مسألة خطيرة (كما أرادت مجموعة من الشيوعيين الأمريكيين)؛ عليه، على العكس، أن يمنح مركزه القيادي إمكانية وحق التقرير السريع في اللحظة المناسبة، عن كل أعضاء الحزب.
16- إن مطلب «الاستقلالية» الواسعة للمجموعات المحلية للحزب لا يمكن في هذه المرحلة إلاّ أن يضعف صفوف الحزب الشيوعي، ويقلل من قدرته على النشاط، ويشجع نمو الاتجاهات الفوضوية والبرجوازية الصغيرة المناقضة للمركزية.
17- في البلدان حيث ما زالت السلطة بيد البرجوازية أو الاشتراكية – الديموقراطية المعادية للثورة، على الأحزاب الشيوعية أن تتعلم الجمع بين العمل الشرعي والعمل السري بشكل منظم، بحيث يشرف الثاني دائما بشكل فعلي على الأول. ويجب أن تكون المجموعات البرلمانية الشيوعية كما التكتلات الشيوعية العاملة في مختلف مؤسسات الدولة خاضعة كليا للحزب الشيوعي – أكان وضع الحزب، شرعيا أو غير شرعي. إن المنتدبين الذين لا يخضعون للحزب بشكل أو بآخر يجب أن يُطردوا منه. إن الصحافة الشرعية (الصحف، والمنشورات المختلفة) يجب أن تخضع لمجمل الحزب ولجنته المركزية خضوعا تاما.
18- إن حجر الزاوية في كل نشاط تنظيمي للحزب أو للشيوعيين يجب أن يوضع عبر تنظيم نواة شيوعية في كل مكان يوجد فيه بعض البروليتاريين وأشباه البروليتاريين. يجب على الفور تنظيم نواة شيوعية في كل سوفيات، وكل نقابة، في كل تعاونية وكل مشغل وكل لجنة مستأجرين، وكل مؤسسة يوجد فيها ثلاثة أشخاص يناصرون الشيوعية. إن التنظيم الشيوعي هو الوحيد الذي يسمح لطليعة الطبقة العاملة بأن تجتذب إليها كل الطبقة العاملة. ويجب أن تخضع كل الأنوية الشيوعية الناشطة بين التنظيمات السياسية المحايدة، بشكل مطلق للحزب، سواء كان شرعيا أو سريا. ويجب أن تُنظَّم الأنوية الشيوعية ضمن تبعية متبادلة صارمة، ينبغي تحديدها بأكبر قدر من الدقة.
19- يولد الحزب الشيوعي، على الدوام تقريبا في المراكز الكبيرة، بين شغيلة الصناعة المدينية. ومن أجل ضمان الانتصار الأكثر سهولة والأسرع للطبقة العاملة لا ينبغي أن يكون الحزب الشيوعي حزبا مدينيا وحسب، بل يجب أن يمتد أيضا إلى الأرياف، وأن يتفرغ، من أجل هذه الغاية، للدعاوة بين المياومين الزراعيين الفقراء والمتوسطين ولتنظيمهم، كما على الحزب الشيوعي أن يتابع تنظيم الأنوية الشيوعية في القرى بعناية خاصة.
لا يمكن التنظيم الأممي للبروليتاريا أن يكون قويا إلاّ إذا اعتُمد هذا الشكل من تصور دور الحزب في كل البلدان حيث يعيش الشيوعيون ويناضلون. إن الأممية الشيوعية تدعو كل النقابات التي تقبل بمبادئ الأممية الثالثة للقطع مع الأممية الصفراء. وستنظم الأممية فرعا أمميا للنقابات الحمراء يقف على أرضية الشيوعية. ولن ترفض الأممية الشيوعية مؤازرة أي تنظيم عمالي محايد سياسيا يرغب بمحاربة البرجوازية، غير أن الأممية الشيوعية لن تتوقف، مع ذلك، عن أن تثبت لبروليتاريي العالم أجمع:
أ- أن الحزب الشيوعي هو السلاح الأساسي والضروري من أجل تحرر البروليتاريا، ويجب أن نمتلك الآن في كل بلد حزبا شيوعيا وليس تجمعات واتجاهات.
ب- ينبغي ألا يكون في كل بلد أكثر من حزب شيوعي واحد ووحيد.
ج- أن يكون الحزب الشيوعي قائما على مبدأ المركزية الأكثر صرامة وأن يرسي داخله، في مرحلة الحرب الأهلية، انضباطا عسكريا.
د- يجب أن يمتلك الحزب الشيوعي نواته المنظمة في كل مكان يوجد فيه بروليتاريون أو أشباه بروليتاريين وإن لم يتعدوا العشرة.
هـ- في كل منظمة غير مسيسة يجب أن توجد نواة شيوعية خاضعة تماما للحزب بكامله.
و- يجب أن يبقى الحزب على الدوام، فيما يدافع دفاعا مستميتا وبتفان مطلق عن البرنامج والتكتيك الثوريين للشيوعية، على علاقات وثيقة مع تنظيمات أوسع الجماهير العمالية، وأن يتفادى العصبوية بقدر تفادي انعدام المبادئ.
الحركة النقابية، ولجان
المعامل والمصانع
أولاً:
1- تمثل النقابات التي أنشأتها الطبقة العاملة خلال مرحلة التطور السلمي للرأسمالية منظمات عمالية معدة للنضال من أجل رفع أجور العمال في سوق العمل وتحسين شروط العمل. كان الماركسيون الثوريون مجبرين على الاتصال بحزب البروليتاريا السياسي، الحزب الاشتراكي – الديمقراطي، بهدف خوض نضال مشترك من أجل الاشتراكية. إلا إن الأسباب نفسها التي جعلت الديمقراطية – الاشتراكية، وان باستثناءات نادرة، تقود الجهد الثوري للبروليتاريا في مصلحة البرجوازية وليس كسلاح للنضال الثوري للبروليتاريا من أجل إطاحة الرأسمالية، جعلت النقابات تظهر في الغالب، خلال الحرب، بمظهر عناصر في جهاز البرجوازية العسكرية. وساعدت هذه الأخيرة في استغلال الطبقة وبأشد حدّة ممكنة، وعلى القيام بالحرب، بالصورة الأكثر حزماً، باسم مصالح الرأسمالية. وإذا لم تضم النقابات إلا العمال المتخصصين الذين يحصلون على أفضل الأجور من أرباب العمل، ولم تعمل إلا في الحدود الحرفية الضيقة جداً، يكبلها جهاز بيروقراطي، غريب كلياً عن الجماهير التي يخدعها زعماؤها الانتهازيون، فإنها لم تقم فقط بخيانة قضية الثورة الاجتماعية بل وأيضا قضية النضال من اجل تحسين الظروف المعيشية للعمال الذين قامت بتنظيمهم. لقد أخلت ساحة النضال المهني ضد أرباب العمل واستبدلتها، مهما كلف الأمر، ببرنامج مصالحة مع الرأسماليين. ولم تكن هذه سياسة النقابات الليبرالية في إنكلترا وأمريكا والنقابات الحرة التي تدعي الاشتراكية في ألمانيا والنمسا فقط، بل سياسة الاتحادات النقابية في فرنسا ايضاً.
2- لقد دفعت الآثار الاقتصادية للحرب وفساد النظام الاقتصادي في العالم أجمع، وغلاء المعيشة الفاحش، واستغلال عمل النساء والأطفال اشد استغلال، ومسألة السكن (وقد تطورت جميعاً من سيء إلى أسوأ)، دفعت الجماهير البروليتارية في طريق النضال ضد الرأسمالية. لقد أصبح هذا النضال، بطابعه واتساعه الذي يرتسم بوضوح أكبر يوما بعد يوم، معركة ثورية كبيرة تحطم الأسس العامة للرأسمالية. إن زيادة الأجور لفئة محددة من العمال، المنتزعة من أرباب العمل لقاء نضال اقتصادي شرس، تتقلص في الغد إلى الصفر بفعل ارتفاع كلفة المعيشة. والحال إن ارتفاع الأسعار سيستمر، لأن الطبقة الرأسمالية في البلدان المنتصرة، وهي تهدم بسياستها الاستغلالية أوروبا الشرقية والوسطى، ليست في وضع تنظيم النظام الاقتصادي في العالم اجمع، بل إنها على العكس تشيع فيه الفوضى أكثر فأكثر. إن في أوسع الجماهير العمالية التي بقيت حتى الآن خارج النقابات تنضم اليها حالياً من أجل ضمان النجاح في النضال الاقتصادي. ونشهد في البلدان الرأسمالية كافة نمواً مذهلاً للنقابات التي لم تعد الآن تمثل تنظيم العناصر المتقدمة من البروليتاريا فقط بل تنظيم كل جمهور البروليتاريا. فالجماهير بدخولها إلى النقابات تسعى لأن تجعل منها سلاحها النضالي. كما يجبر التناحر الطبقي، الذي يصبح باستمرار أكثر فأكثر حدّة. النقابات على تنظيم الإضرابات التي يشعر بأثرها العالم أجمع، عبر إعاقتها لسيرورة الإنتاج والتبادل الرأسماليين. وبازدياد مطالب الجماهير العمالية بقدر ما تزيد كلفة المعيشة، التي تنهكها بشكل متزايد، تحطم هذه الجماهير بذلك كل حساب رأسمالي يمثل الأساس الأولي لاقتصاد منظم. ان النقابات التي كانت قد أصبحت خلال الحرب أجهزة استعباد الجماهير العمالية خدمة لمصالح البرجوازية، إنما تمثل الآن أجهزة تحطيم الرأسمالية.
3- غير إن البيروقراطية المهنية الهرمة والأشكال القديمة للتنظيم النقابي تقف عائقاً، بـأي حال، أمام هذا التحول في طابع النقابات. فالبيروقراطية المهنية الهرمة تسعى في كل مكان إلى أن تحفظ للنقابات طابعها كمنظمات للأرستقراطية العمالية، وتسعى للإبقاء على سريان مفعول القواعد، التي تجعل من المستحيل دخول الجماهير العمالية ذات الدخل المحدد إلى النقابات، وتجهد البيروقراطية النقابية الهرمة لأن تحل محل الحركة الإضرابية، التي تتخذ كل يوم بشكل متزايد، طابع صراع ثوري بين البرجوازية والبروليتاريا، سياسة عقود طويلة الأمد فقدت معناها الكامل أمام التغيرات الهائلة في الأسعار. إنها تسعى لتفرض على العمال سياسة الكومونات العمالية والمجالس المجتمعة للصناعة (joint industrial councils)، وإعاقة توسع الحركة الإضرابية، عن طريق الشرعية، وبمساعدة الدولة الرأسمالية. وفي اللحظات الحرجة تبذر البرجوازية الفتنة بين الجماهير العمالية المناضلة وتمنع الأعمال المعزولة لمختلف فئات العمال من الانصهار بعمل طبقي شامل، ويدعمها، بمحاولاتها هذه، عمل المنظمات النقابية القديمة، الذي يجزء الشغيلة في فرع صناعي محدد إلى مجموعات مهنية معزولة بشكل مصطنع على الرغم من ارتباطها الواحدة بالأخرى بفعل الاستغلال الرأسمالي نفسه. وهي تعتمد على التراث الأيديولوجي للأرستقراطية العمالية القديمة، علماً إن إلغاء امتيازات مختلف مجموعات البروليتاريا يضعف تلك السيطرة دون انقطاع. ويجد إلغاء الامتيازات هذا تفسيره في التفكك العام للرأسمالية وتساوي وضع مختلف عناصر الطبقة العاملة، والمساواة في حاجتها وفقدانها للأمان.
وبهذه الطريقة تستبدل البيروقراطية النقابية التيار الجارف للحركة العمالية بسَواقٍ ضعيفة، وتستبدل الأهداف الثورية العامة للحركة بطالب جزئية إصلاحية وتعيق، بوجه عام، تحول الجهود المعزولة للبروليتاريا إلى نضال ثوري موحد يتجه إلى تحطيم الرأسمالية.
4- نظراً للاتجاه الواضح لدى أوسع الجماهير العمالية للانخراط في النقابات، ونظراً للطابع الموضوعي الثوري للنضال الذي تخوضه هذه الجماهير بالرغم من البيروقراطية المهنية، من المهم أن ينضم الشيوعيين في كل البلدان إلى النقابات وان يعملوا على جعلها أجهزة واعية للنضال من أجل إطاحة النظام الرأسمالي وانتصار الشيوعية، وعليهم أن يتخذوا المبادرة في خلق نقابات في كل مكان لا توجد فيه بعد.
إن كل انسحاب طوعي من الحركة المهنية وكل محاولة لإنشاء مصطنع لنقابات لا يدفع باتجاه القيام بها الأفراط في التعسف من جانب البيروقراطية المهنية (حل الفروع المحلية الثورية النقابية من جانب المراكز الانتهازية) أو سياستها الديمقراطية الضيقة التي تحول دون دخول الجماهير الواسعة من الشغيلة قليلي المهارة إلى الهيئات النقابية، يشكل خطراً كبيراً على الحركة الشيوعية. فهو يبعد العمال عن الجمهور الأكثر تقدماً ووعياً، ويدفعهم نحو القادة الانتهازيين الذين يعملون من أجل مصالح البرجوازية… ولا يمكن التغلب على تردد الجماهير العمالية وعدم تصميمها السياسي، وعلى التأثير الذي يمتلكه عليها القادة الانتهازيين، إلا عن طريق نضال يزداد حدة، كلما تعلمت الشرائح العميقة من البروليتاريا، عبر تجربتها ودروس انتصاراتها وهزائمها، إن النظام الاقتصادي الرأسمالي لن يسمح لها ابدأ بالحصول على شروط معيشة إنسانية محتملة، وكلما تعلم الشغيلة الشيوعيين المتقدمون عبر تجربة نضالهم الاقتصادي ألّا يكونوا فقط دعاة نظريين للفكرة الشيوعية، بل قادة حازمين للعمل الاقتصادي والنقابي. ولا يمكن بغير هذه الطريقة إبعاد القادة الانتهازيين عن النقابات ووضع شيوعيين على رأسها وجعلها أجهزة للنضال الثوري من أجل الشيوعية. ولن يكون إيقاف تفتت النقابات واستبدالها بالاتحادات الصناعية، وإزاحة البيروقراطية الغربية عن الجماهير واستبدالها بجهاز مؤلف من ممثلي العمال الصناعيين (Betriebsvertreter) وعدم التخلي للمؤسسات المركزية إلا عن الوظائف الضرورية جداً، لن يكون ذلك ممكناً إلا على هذا الشكل.
5- بما أن الشيوعيين يعلقون أهمية أكبر على هدف النقابات وجوهرها مما على شكلها، فعليهم ألا يترددوا إزاء الانشقاقات التي يمكن أن تحدث داخل المنظمات النقابية، إذا كان من الضروري، لتفاديها، التخلي عن العمل الثوري والامتناع عن تنظيم الجزء الأكثر تعرضاً للاستغلال من البروليتاريا. ومع ذلك وإذا حدث وفرض نفسه أي انشقاق نفسه كضرورة مطلقة، لا ينبغي للشيوعيين أن يلجأوا إليه إلا بعد أن يتيقّنوا بأنهم سينجحون، بمشاركتهم الاقتصادية، في إقناع أوسع الجماهير العمالية بأن الانشقاق يجد مبرره في المصالح الملموسة والمباشرة للطبقة العاملة والمتفقة مع ضرورات النشاط الاقتصادي، وليس في اعتبارات يمليها هدف ثوري لا يزال بعيداً جداً وغامضاً. وفي حال أن الانشقاق أصبح محتماً ينبغي عل الشيوعيين إيلاء اهتمام كبير بأن لا يعزلهم هذا الانشقاق عن الجماهير العمالية.
6- في كل مكان يكون حدث فيه الانشقاق بين الاتجاهات النقابية الانتهازية والثورية وحيث يوجد، في أمريكا مثلا، نقابات ذات اتجاهات ثورية، إن لم تكن شيوعية، إلى جانب النقابات الانتهازية، وجب على الشيوعيين تقديم العون للنقابات الثورية ودعمها ومساعدتها على التحرر من أوهامها النقابية والوقوف على أرضية الشيوعية، لأن هذه الأخيرة هي وحدها البوصلة الأمينة والأكيدة في كل القضايا المعقدة للنضال الاقتصادي. في كل مكان تتشكل فيه منظمات نقابية (إما على قاعدة نقابات أو خارجها) مثل الـ Shop Stewards والـ Betriebsraete (مجالس الإنتاج)، منظمات تضع النضال ضد اتجاهات البيروقراطية النقابية المضادة للثورة كهدف لها، فإن الشيوعيين ملزمون، بالطبع، بدعمها بكل إمكاناتهم، لكن العون الذي يقدم للنقابات الثورية لا يجب أن يعني خروج الشيوعيين من النقابات الانتهازية التي هي في حالة غليان سياسي وتطور نحو النضال الطبقي، بل بالعكس فإن الشيوعيين، بمحاولتهم الإسراع بهذه الثورة، ثورة كتلة النقابات التي هي على طريق النضال الثوري، سيتمكنون من لعب دور عنصر موحد، معنوياً وعملياً، للعمال المنظمين من اجل نضال مشترك يتجه نحو تحطيم النظام الرأسمالي.
7- في عصر انهيار الرأسمالية، يتحول النضال الاقتصادي للبروليتاريا إلى نضال سياسي بسرعة أكبر بكثير مما في عصر التطور السلمي للنظام الرأسمالي. فكل صراع اقتصادي هام يمكن أن يثير أمام العمال قضية الثورة. لذلك من واجب الشيوعيين أن يبرزوا أمام العمال، خلال مراحل النضال الاقتصادي كافة، إن هذا النضال لن يتوج بالنجاحات إلا عندما تهزم الطبقة العاملة الطبقة الرأسمالية في معركة مواجهة مخططة، وتكلف نفسها، بعد قيام ديكتاتوريتها، عناء التنظيم الاشتراكي للبلاد. وانطلاقاً من ذلك على الشيوعيين أن يتجهوا، قدر الإمكان، إلى تحقيق اتحاد تام بين النقابات والحزب الشيوعي، عبر إخضاعها لهذا الأخير، طليعة الثورة. وبهذا القصد على الشيوعيين أن ينظموا في كل النقابات ومجالس الإنتاج (Betriebsracte) تكتلات شيوعية ستساعدهم على الاستيلاء على الحركة النقابية وقيادتها.
ثانياً:
1- إن النضال الاقتصادي للبروليتاريا من أجل رفع الأجور والتحسين العام لشروط معيشة الجماهير يزيد كل يوم من حدة طابعه كنضال مسدود. إن الفوضى الاقتصادية التي تغزو بلداً تلو الآخر، بنسبة تتزايد باستمرار، تظهر حتى للعمال الأكثر تخلفاً، أنه لا يكفي النضال من أجل رفع الأجور وتقليص يوم العمل حتى تخسر الطبقة الرأسمالية أكثر فأكثر القدرة على تجديد الحياة الاقتصادية وعلى أن تضمن للعمال، على الأقل، الظروف المعيشية التي كانت تؤمنها لهم قبل الحرب. ويخلق الوعي المتنامي باضطراد اتجاهاً لدى الجماهير العمالية لإنشاء منظمات قادرة على خوض النضال من أجل النهضة الاقتصادية بواسطة الإشراف العمالي على الصناعة عبر مجالس الإنتاج. إن هذا الاتجاه لخلق مجالس صناعية عمالية، الذي ينتشر بين العمال في جميع البلدان، يجد أساسه في عوامل مختلفة ومتعددة (النضال ضد البيروقراطية الرجعية، الإنهاك الذي سببته الهزائم التي تكبدتها النقابات، الميول إلى خلق منظمات تشمل كل الشغيلة) ويستوحي، بالنهاية، من الجهد المبذول من أجل الإشراف على الصناعة، المهمة التاريخية الخاصة بالمجالس الصناعية العمالية. لهذا سيكون من الخطأ السعي إلى عدم تشكيل تلك المجالس العمالية إلا من العمال المناصرين لديكتاتورية البروليتاريا، فمهمة الحزب الشيوعي تقوم، على العكس، على الإفادة من الفوضى الاقتصادية من أجل تنظيم العمال ووضعهم ضمن ضرورة النضال من أجل ديكتاتورية البروليتاريا، وفي الوقت نفسه نشر فكرة النضال من أجل الرقابة العمالية، وهي فكرة يفهمها الكل الآن.
2- لا يستطيع الحزب الشيوعي أن يؤدي هذه المهمة إلا بتعزيزه للقناعة الراسخة في وعي الجماهير بأن ترميم الحياة الاقتصادية على الأساس الرأسمالي أصبح الآن مستحيلاً، وهو يعني كذلك عبودية جديدة للطبقة الرأسمالية. إن التنظيم الاقتصادي المنسجم مع مصالح الجماهير العمالية ليس ممكناً إلا إذا كانت تحكمُ الدولةَ الطبقةُ العاملة، وإذا اهتمت القبضة الحازمة لديكتاتورية البروليتاريا بإلغاء الرأسمالية وبالتنظيم الاشتراكي الجديد.
3- إن لنضال لجان المعامل والمصانع ضد الرأسمالية هدفاً مباشراً، وهو إدخال الرقابة العمالية إلى جميع فروع الصناعة. فعمال كل منشأة، بغض النظر عن مهنهم، يعانون من تخريب الرأسماليين الذين يرون، في الغالب، إن إيقاف العمل في هذه الصناعة أو تلك سيعود عليهم بالفائدة. ويُكره الجوعُ العمال على القبول بأقسى الشروط، كي يتجنب أي رأسمالي أي زيادة في التكاليف. إن النضال ضد هذا النوع من التخريب يوحد أغلب العمال بغض النظر عن أفكارهم السياسية ويجعل لجان المصانع والمعامل، التي ينتخبها جميع الشغيلة مشروع معين، منظمات جماهير البروليتاريا حقاً. لكن إفساد تنظيم الاقتصاد الرأسمالي ليس فقط نتيجة الإرادة الواعية للرأسماليين، بل إنه ايضاً وبقدر أكبر بكثير نتيجة الانحطاط الحتمي لنظامهم. لهذا، ستكون اللجان العمالية مجبرة في عملها ضد نتائج هذا الانحطاط على تخطي حدود الرقابة على المعامل والمصانع المعزولة، وستجد نفسها قريبا، إزاء مسألة الرقابة العمالية التي ينبغي ممارستها على فروع صناعية كاملة وعلى الصناعة بمجملها. مع ذلك فإن محاولات العمال لممارسة رقابتهم ليس فقط على تموين المعامل والمصانع بالمواد الأولية ولكن ايضاً على العمليات المالية للمشاريع الصناعية، سوف تؤدي، من جانب البرجوازية والحكومة الرأسمالية، اللي إجراءات عنيفة ضد الطبقة العامة، الأمر الذي يحول النضال العمالي من أجل الإشراف على الصناعة إلى نضال للاستيلاء على السلطة من قبل الطبقة العاملة
4- إن الدعاوة لصالح مجالس الصناعة يجب أن تجري على شكل يُرسِّخ في قناعة أوسع الجماهير العمالية، حتى لدى تلك التي لا تنتمي مباشرة إلى البروليتاريا الصناعية، إن مسؤولية الفوضى الاقتصادية إنما تقع على عاتق البرجوازية وأن البروليتاريا، بمطالبتها بالرقابة العمالية، تناضل من أجل تنظيم الصناعة والقضاء على المضاربة وغلاء المعيشة. ومهمة الأحزاب الشيوعية النضال من أجل الإشراف على الصناعة، مستفيدة، لتحقيق هذا الهدف، من كل الظروف المطروحة على جدول الأعمال، من النقص في الوقود وفوضى النقل، دامجة، لأجل هذا الهدف، العناصر المتفرقة من البروليتاريا، جاذبة إلى جانبها أوسع أوساط البرجوازية الصغيرة التي تتبلتر أكثر فأكثر كل يوم وتعاني أشد المعاناة من الفوضى الاقتصادية.
5- لا يمكن لمجالس الصناعة أن تحل محل النقابات. ولا تستطيع إلا أن تتنظم، خلال العمل، في فروع صناعة مختلفة، وأن تنشئ شيئاً فشيئاً جهازاً شاملاً قادراً على قيادة النضال بمجمله. لقد أصبحت النقابات، في الوقت الحاضر، تمثل هيئات نضالية ممركزة، على الرغم من أنها لا تضم جماهير عمالية بمثل الاتساع الذي يمكن أن تصل إليه مجالس الصناعة العمالية بصفتها منظمات يمكن تشكيلها في كل المنشآت العمالية. إن تقاسم كل مهمات الطبقة العاملة بين لجان الصناعة العمالية والنقابات هو نتاج التطور التاريخي للثورة الاجتماعية، فقد نظمت النقابات الجماهير العمالية بهدف النضال من أجل رفع الأجور وخفض أيام العمل وحققت ذلك على مستوى واسع، بينما تتنظم مجالس الصناعة العمالية من أجل الرقابة على الصناعة والنضال ضد الفوضى الاقتصادية. إنها تضم كل المشاريع العمالية غير إن نضالها لا يرتدي طابعاً سياسياً عاماً إلا ببطء شديد. ولن يكون من واجب الشيوعيين أن يدعموا مجالس الصناعة العمالية في اتجاهاتها الرامية لأن تصبح مجموعات صناعية نقابية، إلا بقدر ما تتوصل إلى تخطي الاتجاهات المضادة للثورة لدى بيروقراطيتها، أو تصبح أجهزة واعية للثورة.
6- تنحصر مهمة الشيوعيين بالجهود التي عليهم بذلها من أجل أن تتشبع النقابات ومجالس الصناعة العمالية بالروح ذاتها الخاصة بالتصميم الكفاحي والواعي والفهم الأفضل الوسائل النضالية، أي الروح الشيوعية. وفي الواقع على الشيوعيين من أجل الاضطلاع بهذه المهمة، أن يخضعوا النقابات والمجالس العمالية للحزب الشيوعي، وأن يخلقوا بذلك أجهزة بروليتارية جماهيرية تشكل قاعدة لحزب شيوعي مركزي قوي، يضم كل المنظمات البروليتارية ويجعلها تسير في الطريق الذي يؤدي إلى انتصار الطبقة العاملة وإلى ديكتاتورية البروليتاريا – أي الشيوعية.
7- بينما يجعل الشيوعيون من النقابات والمجالس الصناعية سلاحاً قوياً من أجل الثورة، تعد هذه المنظمات الجماهيرية نفسها للدور الكبير الذي سيقع على عاتقها عند إرساء ديكتاتورية البروليتاريا. وهذا هو واجبها بالفعل، أن تصبح القاعدة الاشتراكية للتنظيم الجديد للحياة الاقتصادية. وستقوم النقابات المنظمة بصفتها ركائز للصناعة، والمستندة إلى المجالس الصناعية العمالية التي ستمثل منظمات المعامل والمصانع، بتعليم الجماهير العمالية واجبها الصناعي، وستجعل من العمال الاكثر تقدماً مديرين مباشرين للمشاريع، وتنظم الإشراف التقني للاختصاصيين، وتدرس خطط السياسة الاقتصادية الاشتراكية وتنفذها بالاتفاق مع ممثلي السلطة العمالية.
ثالثاً:
كانت النقابات تعبر، في زمن السلم، عن اتجاهات لتشكيل اتحاد عالمي. فخلال الإضرابات، كان الرأسماليون يلجأون إلى اليد العاملة في البلدان المجاورة، وخدمات “الثعالب” الأجانب. لكن الأممية النقابية، لم تكن تملك، قبل الحرب، سوى أهمية ثانوية، وكانت تهتم بتنظيم الإعانات المالية المتبادلة، وبخدمة إحصائية تتعلق بالحياة العمالية، ولكنها لم تكن تسعى إلى توحيد الحياة العمالية، لان النقابات التي كان يقودها انتهازيون كانت تقوم بكل ما في وسعها للتملص من كل نضال ثوري أممي. والآن يسعى قادة النقابات الانتهازيون، الذين كانوا، خلال الحرب، الخدم المخلصين لبورجوازيات بلدانهم، إلى إحياء الأممية النقابية بجعل أنفسهم سلاحاً للرأسمالية الشاملة العالمية، موجهاً ضد البروليتاريا. وقد أنشأوا “مكتب عمل” مع جوهو وغومبرز ولوجيين، لدى “عصبة الأمم” التي ليست سوى تنظيم اللصوصية الرأسمالية العالمية. وهم يسعون لخنق حركة الإضراب في كل البلدان، إذ يقررون التحكيم الإلزامي لممثلي الدولة البرجوازية، ويعملون في كل مكان ليحصلوا، بفعل المساومات مع الرأسماليين، على كل أنواع الامتيازات للعمال الرأسماليين، بهدف أن يحطموا بهذه الطريقة وحدة الطبقة العاملة التي تزداد وثوقاً يوماً بعد يوم. وهكذا فإن أممية أمستردام النقابية هي البديل من أممية بروكسل الثانية المفلسة، وعلى العكس ينبغي للعمال الشيوعيين الذين يشكلون جزء من النقابات في شتى البلدان، أن ينشئوا جبهة نقابية عالمية. فلم يعد الأمر متعلقاً بإعانات مالية أثناء الإضراب. فمن الآن وصاعداً، حين يهدد خطر الطبقة العاملة في بلد ما، يجب أن تدافع عنها النقابات في البلدان الأخرى، بوصفها منظمات جماهيرية، وأن تفعل ما بوسعها من أجل منع البرجوازية في بلدها من نجدة البرجوازية التي تكون في صراع مع الطبقة العاملة. إن النضال الاقتصادي للبروليتاريا يصبح أكثر فأكثر ثورية في الدول كافة، لذا فإن على النقابات أن تستخدم بوعي كل طاقتها من أجل دعم كل عمل ثوري في بلدها كما في البلدان الأخرى، وعليها أن تتجه، لتحقيق هذا الهدف، نحو المركزية الأشد في العمل، ليس فقط في كل بلد على حدى، بل ايضاً داخل الأممية، وهي ستقوم بذلك عبر انتسابها للأممية الشيوعية، وعبر دمجها لكل العناصر المنخرطة في المعركة في جيش واحد، من أجل أن تتحرك بالتوافق فيما بينها وتتبادل المساعدة
موضوعات وإضافات
حول المسألة القومية ومسألة المستعمرات
أولاً – موضوعات
1- إن الطرح المجرد والشكلي لمسألة المساواة – ومن ضمنها المساواة بين القوميات – هو طرح خاص بالديموقراطية البرجوازية، تحت شكل المساواة بين الأفراد بشكل عام؛ في الديموقراطية البرجوازية تطالب بالمساواة الشكلية أو الحقوقية للبروليتاري، المساواة بين المستغِل والمستغَل، مضللة بذلك الطبقات المضطهدة أكبر تضليل. إن فكرة المساواة التي ليست سوى انعكاس للعلاقات الناتجة عن الإنتاج من أجل التبادل، تصبح سلاحا بيد البرجوازية ضد إزالة الطبقات، هذه الإزالة التي يجري قتالها باسم المساواة المطلقة بين الشخصيات الإنسانية. أمّا فيما خص المعنى الحقيقي لمطلب المساواة، فهو لا يكمن إلاّ في إرادة إزالة الطبقات.
2- ينبغي على الحزب الشيوعي، انسجاما مع هدفه الأساسي – النضال ضد الديموقراطية البرجوازية، التي يجب فضح ريائها – وكونه المعبّر الواعي عن البروليتاريا في نضالها ضد نير البرجوازية، أن يعتبر أن ما يشكل حجر الزاوية في المسألة القومية، ليس المبادئ المجردة والشكلية بل الأمور التالية:
أ- مفهوم واضح للظروف التاريخية والاقتصادية.
ب- الفصل الدقيق لمصالح الطبقات المضطَهَدة، والشغيلة، والمستغَلين عن المفهوم العام لما يسمى بالمصالح القومية، التي تعني بالواقع مصالح الطبقات المسيطرة.
ج- الفصل بالوضوح والدقة نفسيهما بين الأمم المضطَهدة والتابعة والمحمية، والأمم المضطهِدة والمستغِلة التي تتمتع بكل الحقوق. وذلك على عكس الخداع البرجوازي والديموقراطي، الذي يخفي بعناية استعباد الأغلبية العظمى من سكان الكرة الأرضية الخاص بحقبة رأس المال المالي من الإمبريالية على يد أقلية من أغنياء البلدان الرأسمالية، عن طريق القدرة المالية والاستعمارية.
3- لقد كشفت الحرب الإمبريالية (1914-1918) أمام أمم العالم كافة وطبقاته المضطَهدة تضليل العبارات الديموقراطية والبرجوازية الرنانة – فمعاهدة فرساي التي أملتها الديمقراطيات الغربية ذائعة الصيت، لم تقم سوى بإقرار أعمال تعسف أكثر حقارة ووقاحة من أعمال اليونكرز والقيصر* في بريست – ليتوفسك. ولا تقوم عصبة الأمم وسياسة الحلفاء، بمجملها، إلاّ بتأكيد هذا الواقع وتطوير العمل الثوري للبروليتاريا في البلدان المتقدمة وللجماهير العمالية في البلدان المستعمَرة أو الخاضعة، مسرّعتين بذلك إفلاس الأوهام القومية للبرجوازية الصغيرة بصدد إمكانية تجاوز هادئ ومساومة حقيقية بين الأمم في ظل النظام الرأسمالي.
4- ينتج عما سبق أن حجر الزاوية في سياسة الأممية الشيوعية بشأن المسألة القومية ومسألة المستعمرات يجب أن يقوم على التقارب بين بروليتاريي وشغيلة كل القوميات والبلدان من أجل النضال المشترك ضد المالكين والبرجوازية، لأن هذا التقارب هو الضمانة الوحيدة لانتصارنا على الرأسمالية، وبدونه لا يمكن إزالة كل اضطهاد قومي ولا عدم المساواة.
5- إن الوضع السياسي العالمي الحالي يضع ديكتاتورية البروليتاريا على جدول الأعمال. وتتركز كل أحداث السياسة العالمية، بشكل حتمي، حول مركز ثقل واحد: صراع البرجوازية العالمية ضد جمهورية السوفيتات، التي يجب أن تجمع حولها، من جهة، الحركات السوفياتية للشغيلة المتقدمين في شتى البلدان، وحركات التحرر القومية للمستعمرات والقوميات المضطهدة من جهة ثانية، والتي تيقنت بفعل تجربة مرة أن لا خلاص لها خارج التحالف مع البروليتاريا الثورية، والسلطة السوفياتية المنتصرة على الإمبريالية العالمية.
6- لم يعد بإمكاننا، إذن، أن نقف عند حدود الاعتراف بتقارب الشغيلة في البلدان كافة، أو الدعوة إلى ذلك. لقد أصبح من الضروري، من الآن وصاعدا، تحقيق الوحدة الأشد وثوقا بين مختلف الحركات التحررية الوطنية والحركات التحررية في المستعمرات وبين روسيا السوفياتية، بإعطاء هذه الوحدة أشكالها الملائمة لدرجة تطور الحركة البروليتارية وسط بروليتاريا كل بلد، وتطور حركة التحرر الديموقراطية البرجوازية بين العمال والفلاحين في البلدان المتخلفة أو ضمن القوميات المتخلفة.
7- يبدو لنا أن المبدأ الفيدرالي هو الشكل الانتقالي نحو الوحدة الكاملة لشغيلة كل البلدان. لقد كان هذا المبدأ قد أظهر بشكل عملي انسجامه مع الهدف المقتفى، سواء أثناء العلاقات بين الجمهورية الاشتراكية الاتحادية للسوفيتات الروسية والجمهوريات السوفياتية الأخرى (في هنغاريا – وفنلندا وليتونيا في السابق، وفي أذربيجاني وأوكرانيا حاليا) أو داخل الجمهورية الروسية نفسها، تجاه القوميات التي لم تكن تملك دولة ولا وجودا مستقلا في السابق (مثال: جمهورية البشكير والتتار المستقلتان، اللتان أنشئتا في روسيا السوفياتية عام 1919 و1920).
8- تقوم مهمة الأممية الشيوعية على دراسة تجربة هذه الفيدرالية المستندة إلى الشكل السوفياتي والحركة السوفياتية (وتطورها اللاحق)، وعلى التحقيق منها. وإذ نأخذ في الاعتبار أن الفيدرالية هي الشكل الانتقالي نحو الوحدة الكاملة، ومن الضروري بالنسبة لنا أن نتجه إلى اتحاد فيدرالي أكثر فأكثر وثوقا، آخذين بالحسبان المسائل التالية:
أ- استحالة الدفاع عن الجمهوريات السوفياتية المحاطة بأعداء إمبرياليين متفوقين عليها بقوتهم العسكرية أشد تفوق، دون الاتحاد الأشد وثوقا فيما بينها.
ب- ضرورة الاتحاد الاقتصادي الوثيق بين الجمهوريات السوفياتية، الذي لا يمكن بدونه أن يتحقق ضمان بناء القوى المنتجة التي دمرتها الإمبريالية، ولا أمن ورخاء الشغيلة.
ج- الاتجاه نحو تحقيق خطة اقتصادية عالمية يشرف على تطبيقها المنتظم بروليتاريو شتى البلدان، وقد ظهر هذا الاتجاه بوضوح في ظل النظام الرأسمالي، ويجب بالتأكيد أن يستمر بالتطور ويصل إلى الكمال عن طريق النظام الاشتراكي.
9- أمّا في مجال العلاقات الاجتماعية داخل الدول المتشكلة، فلا يمكن أن تكتفي الأممية الشيوعية بالاعتراف الشكلي، الرسمي المحض ودون نتائج عملية، بالمساواة بين الأمم التي يكتفي بها الديموقراطيون البرجوازيون الذين يحملون لقب اشتراكيين.
ولا يكفي الإصرار في دعاوة الأحزاب الشيوعية وتحريضها – من على المنبر البرلماني كما من خارجه – على رفض الخروقات المستمرة لمبدأ المساواة بين القوميات ولحقوق الأقليات القومية في البلدان الرأسمالية كافة (على الرغم من « دساتيرها الديموقراطية ») بل يجب أن تُظهر أيضا، دون توقف، أن حكومة السوفيتات وحدها تستطيع تحقيق المساواة بين القوميات بتوحيدها للبروليتاريين في البداية، ومجموع الشغيلة في ما بعد في النضال ضد البرجوازية، ويجب أن تبين أيضا أن نظام السوفيتات يؤمن مساندة مباشرة، عن طريق الحزب الشيوعي، لكل الحركات الثورية في البلدان التابعة أو المهضومة حقوقها (مثال ايرلندا، والسود الأمريكيين، الخ..) وفي المستعمرات.
ودون هذا الشرط ذي الأهمية الخاصة للنضال ضد اضطهاد البلدان المستعبَدَة أو المستعمرَة، فإن الاعتراف الرسمي بحقها في الاستقلال ليس بالنسبة لنا سوى إعلان كاذب، كما نرى من جانب الأممية الثانية.
10- تلك هي الممارسات المألوفة، ليس فقط لأحزاب الوسط في الأممية الثانية بل أيضا لأولئك الذين تركوا هذه الأممية ليعترفوا بالروح الأممية قولا، وليستبدلوها، فعلا، في الدعاوة والتحريض والممارسة، بالنزعتين القومية والسلمية للبرجوازيين الصغار. وهذا ما يظهر أيضا بين الأحزاب التي تسمى بالشيوعية الآن. إن النضال ضد هذا المرض وضد الأفكار المسبقة للبرجوازية الصغيرة الأعمق رسوخا (التي تظهر بأشكال مختلفة، مثل الحقد العنصري، والعداء القومي والعداء للسامية) يكتسب أهمية أكبر كلما أصبحت أكثر راهنية مشكلةُ التحول من ديكتاتورية البروليتاريا الوطنية (التي لا توجد إلاّ في بلد واحد والتي تكون عاجزة، بالتالي، عن ممارسة أي تأثير على السياسة العالمية) إلى ديكتاتورية البروليتاريا العالمية (التي تحققها، على الأقل، عدة بلدان متقدمة والتي تكون قادرة على ممارسة تأثير حاسم على السياسة العالمية). إن القومية البرجوازية – الصغيرة، تختزل النزعة الأممية إلى الإعتراف بمبدأ المساواة بين الأمم (دون الإلحاح زيادة على الطابع اللفظي المحض لهذا الاعتراف)، ولا تمس الأنانية القومية، بينما تفترض الأممية البروليتارية التالي:
أ- إخضاع مصالح النضال البروليتاري في أحد البلدان لمصلحة هذا النضال في العالم أجمع.
ب- ارتضاء الأمم التي انتصرت على البرجوازية أعظم التضحيات القومية من أجل إطاحة الرأسمال العالمي؛ فالنضال ضد التشويهات الانتهازية والسلمية للأممية، هو إذن من أهم الواجبات المباشرة، في البلدان التي بلغت فيها الرأسمالية تطورها الكامل وحيث توجد الأحزاب العمالية التي تشكل طليعة البروليتاريا.
11- أمّا فيما خصّ الدول والبلدان الأكثر تخلفا حيث تهيمن مؤسسات إقطاعية أو بطريركية – قروية، من المناسب أخذ الأمور التالية بالاعتبار:
أ- ضرورة أن تقدم كل الأحزاب الشيوعية العون للحركات الثورية التحررية في هذه البلدان، هذا العون يجب أن يكون دعما نشطا وأن يحدد شكله الحزب الشيوعي في البلد المعني، إذا ما وجد حزب شيوعي فيه. إن واجب الدعم النشط لهذه الحركة يقع بالدرجة الأولى بشكل طبيعي على عاتق الشغيلة في الحاضرة الاستعمارية، أو في البلد الذي يكون الشعب المعني تابعا له تبعية مالية.
ب- ضرورة محاربة التأثير الرجعي والقروسطوي لرجال الدين، والإرساليات المسيحية والعناصر الأخرى.
ج- ومن الضروري أيضا محاربة الجامعتين الإسلامية والآسيوية وشتى الحركات المشابهة، التي تعمل على استخدام النضال التحرري ضد الإمبريالية الأوربية والأمريكية من أجل تعزيز قوة الإمبرياليتين التركية واليابانية، وقوة النبلاء وكبار الملاكين العقاريين، ورجال الدين، الخ…
د- من الأهمية بمكان مساندة الحركة الفلاحية في البلدان المتخلفة ضد الملاكين العقاريين، وضد بقايا الروح الإقطاعية أو تجلياتها، وينبغي العمل على إعطاء الحركة الفلاحية طابعا ثوريا وتنظيم الفلاحين والمضطهدين كافة في سوفيتات حيثما يكون ذلك ممكنا، وكذلك خلق ارتباط وثيق جدا بين البروليتاريا الشيوعية الأوربية والحركة الثورية الفلاحية في الشرق والمستعمرات والبلدان المتخلفة بشكل عام.
هـ- من الضروري أن تُحارب بعنف محاولات الحركات التحررية، التي ليست شيوعية في الواقع، ولا ثورية، لرفع راية الشيوعية؛ وعلى الأممية الشيوعية ألاّ تدعم الحركات الثورية في المستعمرات والبلدان المتخلفة إلاّ بشرط أن تكون عناصر أنقى الأحزاب الشيوعية – والشيوعية بالفعل – مجمَّعة ومُعْلَمَةً بمهامها الرئيسية، المتمثلة بمحاربة الحركة البرجوازية والديموقراطية. على الأممية الشيوعية أن تدخل في علاقات ظرفية مع الحركات الثورية في المستعمرات والبلدان المتخلفة وأن تشكل اتحادات معها أيضا دون أن تندمج بالرغم من ذلك مع هذه الحركات، وأن تحافظ دائما على طابعها المستقل كحركة بروليتارية ولئن بشكلها الجنيني.
و- من الضروري أن تُفضح دون هوادة الخديعة التي تنظمها الدول الإمبريالية – بمساندة الطبقات صاحبة الامتياز – في البلدان المضطَهدة التي تتظاهر بالدعوة لوجود دول مستقلة سياسيا ليست في الواقع سوى دول تابعة من الناحية الاقتصادية والمالية والعسكرية، ينبغي أن تفضح أمام الجماهير الكادحة في شتى البلدان وخاصة في البلدان والأمم المتخلفة. وكمثال صارخ على الخدع التي تمارسها الدول الإمبريالية المتحالفة والبرجوازية في هذا البلد أو ذاك عبر جهودها المشتركة ضد طبقة الشغيلة في البلدان التابعة، يمكننا أن نذكر قضية الصهاينة في فلسطين، إذ قامت الصهيونية بإخضاع السكان الساخطين من الشغيلة العرب للاستغلال الانكليزي وذلك تحت حجة إنشاء دولة يهودية في هذا البلد حيث عدد اليهود لا يذكر. ففي الوضع العالمي الراهن، لا خلاص للشعوب الضعيفة والمستعبدة خارج اتحاد الجمهوريات السوفياتية.
12- إن اضطهاد الدول الإمبريالية للأمم الصغيرة وللمستعمرات منذ عدة قرون، قد خلق لدى الجماهير الكادحة في البلدان المضطهَدة، ليس فقط شعورا بالحقد تجاه الأمم المضطهِدة بشكل عام بل كذلك شعورا بالريبة تجاه البروليتاريا في البلدان المضطهِدة. إن الخيانة الشائنة للقادة الرسميين للأغلبية الاشتراكية بين عامي 1914-1919، فيما كانت الاشتراكية الشوفينية تطلق اسم «الدفاع الوطني» على الدفاع عن «حقوق برجوازيتها» في استعباد المستعمرات وفرض الخوة على الدول التابعة ماليا، لم تكن إلاّ لتزيد من هذا الإرتياب المشروع تماما. إن هذه الأفكار المسبقة لا يمكن أن تزول إلاّ بعد زوال الرأسمالية والإمبريالية في البلدان المتقدمة وبعد التحول الجذري للحياة الاقتصادية في البلدان المتخلفة. وسيكون استئصالها بطيئا، لذلك من واجب البروليتاريا الواعية في شتى البلدان أن تكون حذرة بشكل خاص تجاه رواسب الشعور القومي في البلدان المضطهَدة منذ فترة طويلة وأن تنظر أيضا في بعض التنازلات المفيدة بقصد تعجيل اختفاء تلك الأفكار المسبقة وتلك الريبة. فالانتصار على الرأسمالية مرهون بإرادة التفاهم لدى البروليتاريا أولاً، ومن ثم لدى الجماهير الكادحة في جميع بلدان العالم وجميع الأمم.
ثانيا: موضوعات إضافية
1- إن التعيين الصحيح لعلاقات الأممية الشيوعية بالحركة الثورية في البلدان التي تسيطر عليها الإمبريالية الرأسمالية، خاصة في الصين، هو إحدى أهم المسائل المطروحة على المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية، فالثورة العالمية تدخل مرحلة من الضروري فيها أن تكون هناك معرفة صحيحة بهذه العلاقات. لقد أظهرت الحرب الأوربية ونتائجها بوضوح أن الجماهير في البلدان الخاضعة خارج أوربا مرتبطة بشكل مطلق بالحركة البروليتارية الأوربية، وأن هذه هي إحدى النتائج التي لا مفر منها للرأسمالية العالمية الممركزة.
2- تشكل المستعمرات أحد أهم مصادر قوة الرأسمالية الأوروبية.
فلولا امتلاك الأسواق الكبيرة ومناطق الاستثمار الكبرى في المستعمرات، لما استطاعت الدول الرأسمالية الأوربية الصمود طويلا.
فإنجلترا، قلعة الإمبريالية، تعاني من فيض في الإنتاج منذ أكثر من قرن. ولم تنجح إنكلترا في الحفاظ على نظامها الرأسمالي، بالرغم من أعبائه، لولا سيطرتها على أراض مستعمرة وأسواق إضافية لبيع منتجات فيض الإنتاج المتزايدة.
فباستعباد مئات الملايين من السكان في آسيا وأفريقيا استطاعت الإمبريالية الإنجليزية إبقاء البروليتاريا البريطانية حتى الوقت الحاضر تحت السيطرة البرجوازية.
3- إن فائض القيمة الناتج عن استغلال المستعمرات هو إحدى ركائز الرأسمالية الحديثة. وطالما أنه لم يتم إلغاء مصدر الأرباح هذا، فسيكون من الصعب على الطبقة العاملة أن تهزم الرأسمالية.
وبفضل إمكانية استغلال اليد العاملة والمصادر الطبيعية للمواد الأولية في المستعمرات أشد الاستغلال، سعت الأمم الرأسمالية الأوربية، ليس دون نجاح، إلى تفادي إفلاسها الوشيك عن طريق تلك الوسائل.
وقد نجحت الإمبريالية الأوربية في بلدانها بأن تقوم بتنازلات متزايدة باستمرار للأرستوقراطية العمالية. وبينما تسعى، من جهة، للحفاظ على مستوى منخفض جدا للظروف المعيشية للعمال في البلدان المستعبدة، فإنها لا تتوانى عن القيام بأي تضحية، وترضى بالتضحية بفائض القيمة في بلدانها، فيبقى لها فائض القيمة في المستعمرات.
4- إن إزالة القوة الاستعمارية في أوروبا بواسطة الثورة البروليتارية ستطيح الرأسمالية الأوربية، ويجب أن تسهم الثورة البروليتارية والثورة في المستعمرات، إلى حد ما، في النهاية الظافرة للنضال. لذلك يجب أن توسع الأممية الشيوعية من دائرة نشاطها، وأن تعقد علاقات مع القوى الثورية العاملة من أجل تدمير الإمبريالية في البلدان التابعة اقتصاديا وسياسيا.
5- تركز الأممية الشيوعية إرادة البروليتاريا الثورية العالمية. وتقوم مهمتها على تنظيم الطبقة العاملة في العالم أجمع من أجل إطاحة النظام الرأسمالي وإقامة الشيوعية.
إن الأممية الشيوعية هي أداة النضال، التي تقع عليها مهمة تجميع كل القوى الثورية في العالم.
لم تعر الأممية الثانية، التي تقودها مجموعة من السياسيين والمشبعة بالمفاهيم البرجوازية، أدنى اهتمام لمسألة المستعمرات. فلم يكن العالم يوجد بالنسبة لها إلاّ في حدود أوروبا، ولم تر ضرورة الحركة الثورية في القارات الأخرى. وبدل أن يقوم أعضاء الأممية الثانية بتقديم الدعم المادي والمعنوي للحركة الثورية في المستعمرات، أصبحوا هم أنفسهم امبرياليين.
6- إن الإمبريالية الأجنبية، التي ترزح بثقلها على الشعوب الشرقية، منعت هذه الأخيرة من أن تتطور اجتماعيا واقتصاديا بالتزامن مع الطبقات في أوربا وأمريكا.
وبفعل السياسة الإمبريالية التي أعاقت التطور الصناعي في المستعمرات، لم تستطع أن تبرز في هذه الأخيرة طبقة بروليتارية بالمعنى الحقيقي للكلمة، في حين أنه تم مؤخرا تدمير الحرف المحلية عبر منافسة منتجات الصناعات الممركزة في البلدان الإمبريالية.
وكانت النتيجة أن الأغلبية العظمى من الشعب وجدت نفسها مبعدة إلى الريف ومجبرة على الانصراف هناك إلى العمل الزراعي وإنتاج المواد الأولية المعدة للتصدير.
وكانت النتيجة تركزا سريعا للملكية الزراعية سواء بأيدي كبار الملاكين العقاريين أو الرأسمال المالي أو الدولة. وهكذا نشأت كتلة ضخمة من الفلاحين الذين لا يملكون أرضا، فيما بقيت الكتلة الكبرى من السكان غارقة في الجهل.
كانت نتيجة هذه السياسة أن الروح الثورية التي ظهرت في بعض تلك البلدان لم تجد تعبيرا عنها إلاّ داخل الطبقة المتوسطة المثقفة.
إن السيطرة الأجنبية تعيق التطور الحر للقوى الاقتصادية. لذا فإن تدميرها هو الخطوة الأولى للثورة في المستعمرات، ولذا فإن الدعم المقدم لتدمير السيطرة الأجنبية في المستعمرات ليس في الواقع دعما مقدما للحركة القومية للبرجوازية المحلية، بل لفتح الطريق أمام البروليتاريا المضطهَدة نفسها.
7- هناك حركتان في البلدان المضطهَدة، تتباعدان يوما بعد يوم، بشكل متزايد: الأولى هي الحركة البرجوازية الديمقراطية القومية التي تحمل برنامج استقلال سياسي ونظام برجوازي؛ والأخرى هي حركة الفلاحين والعمال الأميين والفقراء من أجل تحررهم من شتى أنواع الاستغلال.
تحاول الأولى أن تقود الثانية وقد نجحت غالبا في ذلك إلى حدما. ولكن على الأممية الشيوعية والأحزاب المنتسبة لها أن تحارب هذا الاتجاه وتسعى لتطوير الشعور الطبقي المستقل بين الجماهير العمالية في المستعمرات.
إن إحدى كبرى المهام لتحقيق هذا الهدف هي تشكيل أحزاب شيوعية تنظم العمال والفلاحين وتقودهم إلى الثورة وإلى بناء الجمهورية السوفياتية.
8- لا تقتصر قوى حركة التحرر في المستعمرات على الحلقة الضيقة للقومية البرجوازية الديموقراطية. ففي أغلب المستعمرات، وُجدت حركة اشتراكية – ثورية أو أحزاب شيوعية على ارتباط وثيق بالجماهير العمالية. وينبغي أن تخدم علاقات الأممية الشيوعية بالحركة الثورية في المستعمرات هذه الأحزاب أو المجموعات، لأنها تشكل طليعة الطبقة العاملة. ولئن كانت ضعيفة اليوم، فإنها مع ذلك تمثل إرادة الجماهير، والجماهير ستتبعها في الطريق الثوري. ويجب أن تعمل الأحزاب الشيوعية في مختلف البلدان الإمبريالية بالارتباط مع الأحزاب البروليتارية في المستعمرات وأن تقدم لها الدعم المادي والمعنوي.
9- لا يمكن للثورة في المستعمرات أن تكون، في مرحلتها الأولى، ثورة شيوعية، ولكن إذا كانت القيادة، منذ بداية الثورة، بين أيدي طليعة شيوعية، فلن تُضلَّل الجماهير ولن تنفك تكبر تجربتها الثورية في مختلف المراحل.
وبالتأكيد سيكون خطأ فادحا أن يتم اللجوء إلى تطبيق المبادئ الشيوعية فورا على المسألة الزراعية في البلدان الشرقية. ينبغي أن يكون للثورة، في مرحلتها الأولى، برنامجا يتضمن إصلاحات ذات طابع برجوازي صغير، كتوزيع الأراضي. غير أنه لا يترتب على ذلك بالضرورة أن تترك قيادة الثورة للديمقراطية البرجوازية. بل على العكس ينبغي على الحزب البروليتاري أن يطوِّر دعاوة قوية ومنهجية لصالح السوفيتات، وأن ينظم سوفيتات الفلاحين والعمال. يجب على هذه السوفيتات أن تعمل بتعاون وثيق مع الجمهوريات السوفياتية في البلدان الرأسمالية المتقدمة من أجل الوصول إلى الانتصار النهائي على الرأسمالية في العالم أجمع.
وهكذا، فبقيادة البروليتاريا الواعية في البلدان الرأسمالية المتطورة، ستصل الجماهير في البلدان المتخلفة إلى الشيوعية دون المرور بمختلف مراحل التطور الرأسمالي.
(*) لقب إمبراطور ألمانيا، غليوم الثاني (المعرّبة).
موضوعات حول المسألة الزراعية
1- إن البروليتاريا الصناعية في المدن، بقيادة الحزب الشيوعي، هي وحدها القادرة على تحرير الجماهير الكادحة في الأرياف من نير الرأسماليين والملاكين العقاريين ومن الفوضى الاقتصادية والحروب الإمبريالية، التي ستتجدد حتما إذا ما استمر النظام الرأسمالي. ولا يمكن أن تتحرر الجماهير الكادحة في الأرياف، إلاّ شرط أن تناصر البروليتاريا الشيوعية وأن تدعمها دون تحفظ في نضالها الثوري من أجل إطاحة نظام الاضطهاد، نظام كبار الملاكين العقاريين والبرجوازية.
من جهة أخرى، لا تستطيع البروليتاريا الصناعية أن تنجز رسالتها التاريخية العالمية، وهي تحرر الإنسانية من نير الرأسمالية والحروب، إذا ما انغلقت ضمن حدود مصالحها الخاصة والنقابية، وإذا ما ركنت إلى المساعي والجهود الرامية إلى تحسين وضعها البرجوازي المرضي جدا في بعض الأحيان. هكذا تسير الأمور في عدد من البلدان المتقدمة حيث توجد «أرستقراطية عمالية»، سند أحزاب الأممية الثانية، المسماة اشتراكية، بيد أنها في الواقع العدو اللدود للاشتراكية، الخائنة لمبدئها، وهي برجوازية شوفينية وعميلة للرأسماليين في أوساط الشغيلة. ولا تستطيع البروليتاريا أبدا أن تكون قوة ثورية نشطة، وطبقة تعمل لمصلحة الاشتراكية، إذا لم تتصرف كطليعة للشعب الكادح الذي يتعرض للاستغلال، وإذا لم تسلك سلوك قائد الجيش الذي تقع على عاتقه مهمة قيادة الهجوم للإطباق على المستغِلين، ولكن هذا الهجوم لن ينجح إذا لم تشارك الأرياف في الصراع الطبقي، وإذا لم ينضم جمهور الفلاحين الكادحين إلى الحزب الشيوعي البروليتاري في المدن وإذا لم يقم هذا الأخير بتكوين هذا الجمهور.
2- إن جمهور الفلاحين الكادحين المستغَل والذي يجب على بروليتاريا المدن أن تقوده إلى المعركة أو على الأقل أن تكسبه إلى قضيتها، ممثل في جميع البلدان الرأسمالية بـ:
أ- البروليتاريا الريفية المؤلفة من المياومين أو خدم المزرعة المستأجرين لمدة سنة، أو لأجل، أو يوميا، والذين يكسبون معيشتهم عن طريق العمل المأجور في مختلف المشاريع الرأسمالية للاقتصاد الزراعي والصناعي. وتقوم المهمة الأساسية للأحزاب الشيوعية في جميع البلدان على تنظيم هذه البروليتاريا في فئة متميِّزة ومستقلة عن بقية مجموعات سكان الأرياف (من وجهة النظر السياسية، والعسكرية، والمهنية، والتعاونية، الخ..)، والقيام بدعوة واسعة في هذا الوسط، الذي تسعى إلى جلبه في اتجاه السلطة السوفياتية وديكتاتورية البروليتاريا.
ب- أنصاف البروليتاريين أو الفلاحين الذين يعملون بصفتهم عمالا مستأجرين في مختلف المشاريع الزراعية أو الصناعية أو الرأسمالية أو الزارعين لقطعة الأرض التي يملكونها أو المستأجرة، والتي لا تعود عليهم إلاّ بالحد الأدنى الضروري لتأمين معيشة عائلاتهم. إن هذه الفئة من الشغيلة الزراعيين كبيرة العدد في البلدان الرأسمالية. ويسعى ممثلو البرجوازية و«الاشتراكيون» الصفر في الأممية الثانية إلى تمويه الشروط المعيشية الحقيقية لهؤلاء الشغيلة وخاصة وضعهم الاقتصادي، تارة بخداع مقصود للعمال وتارة بفعل عماهم الخاص (أي الشغيلة)، المتأتي من الأفكار الروتينية البرجوازية؛ فيخلطون، بطيبة خاطر، هذه المجموعة مع جمهور «الفلاحين» الواسع. وتمارس هذه المناورة، البرجوازية للغاية، بشكل خاص في ألمانيا وفرنسا وأمريكا، وفي بعض البلدان الأخرى، بهدف خداع العمال. وبالتنظيم الجيد لعمل الحزب الشيوعي، يمكن هذه المجموعة أن تصبح سندا أمينا للشيوعية، لأن وضع أنصاف – البروليتاريين هؤلاء غير ثابت، ولأن الانضمام إلى الحزب الشيوعي يعود عليهم بمكاسب ضخمة ومباشرة.
وفي بعض البلدان، لا يوجد تمييز واضح بين هاتين الفئتين، فمن الجائز، إذن، تبعا للظروف، منحهما تنظيما مشتركا.
ج- صغار الملاكين، وصغار المزارعين الذين يملكون أو يستأجرون قطعا صغيرة من الأراضي، ويستطيعون تلبية حاجات منازلهم وعائلاتهم دون استئجار شغيلة مأجورين، ولدى هذه الفئة من الريفيين الكثير لتكسبه من انتصار البروليتاريا، ويمنح انتصار الطبقة العامل، في الحال، كل ممثل لهذه الفئة المنافع والمكاسب التالية:
– عدم دفع بدل الإيجار وإلغاء المزارَعَة (وهذا ما سيحصل في فرنسا، وإيطاليا، الخ…) اللذين ما زال يستوفيهما حتى الوقت الحاضر كبار الملاكين العقاريين.
– إزالة الديون الرهنية.
– انعتاق من الاضطهاد الاقتصادي الذي يمارسه كبار الملاكين العقاريين، والذي يظهر بأشكال متنوعة (حق استخدام الغابات والأحراج والأراضي البور الخ…).
– مساعدة زراعية خاصة ومالية فورية من السلطة البروليتارية، ولا سيما المساعدة بالأدوات الزراعية؛ ومنح المباني الموجودة على أرض الملكيات الرأسمالية الواسعة التي صادرتها البروليتاريا والتحويل الفوري من قبل الحكومة البروليتارية لكل التعاونيات الريفية والشركات الزراعية، التي لم تكن مُجْزية في ظل النظام الرأسمالي، إلاّ لصالح الفلاحين الأغنياء والميسورين، إلى منظمات اقتصادية هدفها أن تساعد، بالدرجة الأولى، السكان الفقراء، أي البروليتاريين وأنصاف – البروليتاريين والفلاحين الفقراء.
ينبغي أن يفهم الحزب الشيوعي أيضا أنه خلال مرحلة الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية، أي خلال ديكتاتورية البروليتاريا، ستُظهر هذه الفئة من السكان الريفيين، ترددا ظاهرا إلى هذا الحد أو ذاك، ونوعا من الميل إلى حرية التجارة والملكية الخاصة، لأن العديد ممن يشكلون هذه الفئة المشتغلين، ولئن بقدر ضئيل، في تجارة السلع ذات الضرورة الأولية، قد أُفسدوا بفعل المضاربة وعادات الملكية لديهم. ولكن مع ذلك، إذا حققت الحكومة البروليتارية بصدد هذه المسألة سياسة صارمة وصلبة، وإذا سحقت البروليتاريا المنتصرة دون رحمة كبار الملاكين العقاريين والفلاحين الميسورين، فإن هذا التردد لن يدوم طويلا ولن يستطيع تغيير هذا الواقع الثابت المتمثل في أن الفئة المعنية تتعاطف بالنهاية مع الثورة البروليتارية.
3- تشكل هذه الفئات الثلاث، مأخوذة بمجملها، أغلبية السكان في البلدان الرأسمالية كافة. لذلك يمكن أن يعتبر أي انقلاب بروليتاري، في المدن كما في الأرياف، أمرا محسوما ولا جدال فيه، لكن الرأي المواجه يتمتع مع ذلك بتأييد كبير في المجتمع الحالي. وهذه هي الأسباب: إنه لا يستطيع الاستمرار إلاّ بفعل الكثير من الأعمال الخادعة المستندة إلى العلم:
أ- الإحصاء البرجوازي الذي يسعى بمختلف الوسائل التي يملكها إلى حجب الهوة العميقة التي تفصل هذه الطبقات الريفية عن مستغليها، الملاكين العقاريين والرأسماليين، والتي تفصل أنصاف البروليتاريين والفلاحين الفقراء عن الفلاحين الميسورين.
ب- يحافظ هذا الرأي على استمرارية بفعل رعونة أبطال الأممية الثانية الصفراء و«الأرستقراطية العمالية» المفسدة بالامتيازات الإمبريالية، والتقاعس عن القيام بدعاوة بروليتارية وثورية قوية وبعمل تنظيمي جيد بين الفلاحين الفقراء. كان الانتهازيون ولا يزالون يستخدمون جهودهم كافة، من أجل تخيل مختلف أنواع الاتفاق العملي والنظري مع البرجوازية، ومن ضمنها الفلاحون الأغنياء والميسورون، وهم لا يفكرون إطلاقا بإطاحة الحكومة البرجوازية والبرجوازية نفسها ثوريا.
ج- أخيرا، يحافظ الرأي المعني على استمراريته حتى الآن بفعل فكرة مسبقة راسخة، لا تتزعزع إذا جاز القول، لأنها تتحد بشكل وثيق مع كل الأفكار المسبقة الأخرى حول البرلمانية والبرجوازية الديموقراطية. وتقوم هذه الفكرة المسبقة على عدم فهم حقيقة أثبتتها الماركسية النظرية كليا، وأثبتتها تجربة الثورة البروليتارية الروسية بشكل كاف، هي أن الفئات الثلاث من السكان الريفيين التي تحدثنا عنها، المبلدة والمشتتة والمضطهدة والمحكوم عليها، حتى في البلدان الأكثر تحضرا، بأن تعيش حياة شبه همجية، لها، بالتالي، مصلحة اقتصادية، واجتماعية وفكرية بانتصار الاشتراكية. لكنها لا تستطيع، مع ذلك، أن تدعم البروليتاريا الثورية دعما حازما إلاّ بعد استلام السلطة السياسية، وبعد أن تحاكم البروليتاريا كبار الملاكين العقاريين والرأسماليين، ملزمة بذلك الجماهير الريفية بأن ترى فيها قائدا ومدافعا منظما، قادرا بما فيه الكفاية على قيادتها وإظهار الطريق الصحيح لها.
4- «الفلاحون المتوسطون»، وهم من وجهة النظر الاقتصادية ملاكون ريفيون صغار يملكون أو يستأجرون لأجل محدد، هم أيضا، قطع أرض قليلة الأهمية بالطبع لكنها تتيح لهم مع ذلك في ظل النظام الرأسمالي، ليس فقط إعالة عائلاتهم وتعهد ملكياتهم الزراعية الصغيرة بحالة جيدة، بل تحقيق فائض من الأرباح أيضا، يمكن أن يتحول، على الأقل في غضون سنوات من المحصول الجيد، إلى ادخار هام نسبيا. وغالبا ما يستخدم هؤلاء الفلاحون عمالا (عاملين أو ثلاثة لكل مشروع، مثلا) هم بحاجة إليهم في شتى أنواع الأعمال. يمكننا أن نذكر هنا المثال الملموس لـ «الفلاحين المتوسطين» في بلد رأسمالي متقدم هو ألمانيا. فقد كان يوجد في ألمانيا، تبعا لتعداد 1907، فئة من الملاكين الريفيين، يملك كل واحد منهم خمسة إلى عشرة هكتارات في الملكيات التي يصل عدد العمال المستخدمين فيها إلى حوالي ثلث الرقم الكلي للشغيلة في الحقول تقريبا(1). وفي فرنسا، حيث المزروعات الخاصة أكثر تطورا كالكرمة، وحيث تتطلب الأرض جهدا أكبر وعناية أكبر، فمن المحتمل أن تستخدم الملكيات الريفية من هذه الفئة عددا أكبر من الشغيلة المأجورين.
لا يمكن للبروليتاريا الثورية، في مستقبلها الأقرب، وعلى امتداد المرحلة الأولى من دكتاتوريتها، أن تضع لنفسها مهمة كسب تلك الفئة الريفية، وعليها أن تكتفي بتحييدها في الصراع الذي يدور بين البروليتاريا والبرجوازية. إن ميل هذه الشريحة من السكان تارة نحو حزب سياسي، وتارة نحو حزب سياسي آخر، أمر لا مفر منه، وربما كانت في بداية الحقبة الجديدة، وفي البلدان الرأسمالية للغاية ميالة إلى البرجوازية، وهو ميل طبيعي جدا، بما أن روح الملكية الخاصة تلعب دورا مهيمنا لديها. وستحسُّن البروليتاريا المنتصرة الوضع الاقتصادي لهذه الشريحة من السكان فورا، بإلغائها نظام التأجير والديون الرهنية، وبإدخالها استخدام الآلات واستعمال الكهرباء في الزراعة. إلاّ أنه لا يجب أن تلغي السلطة البروليتارية في مختلف البلدان الرأسمالية، على الفور وكليا، الحق بالملكية الخاصة، بل يجب أن تحرر هذه الطبقة من شتى الالتزامات والضرائب التي يخضعها لها الملاكون العقاريون. إن السلطة السوفياتية ستؤمن للفلاحين الفقراء ومتوسطي الحال امتلاك الأراضي، حتى أنها ستسعى لزيادة مساحتها، بتمليك الفلاحين الأراضي التي كانوا يستأجرونها في السابق (إلغاء المزارعة).
ستؤمن جميع هذه الإجراءات، يليها نضال دون رحمة ضد البرجوازية، النجاح الكامل لسياسة التحييد. ولا يجب أن تنتقل السلطة البروليتارية إلى الزراعة الجماعية إلاّ بأكبر حذر، تدريجيا، وبواسطة العديد من الأمثلة ودون أدنى إجراء إكراهي إزاء الفلاحين «المتوسطين».
5- إن الفلاحين الأغنياء والميسورين هم المقاولون الرأسماليون في الزراعة، وهم يزرعون أراضيهم، عادة، بمعونة الشغيلة المأجورين، ولا يرتبطون بطبقة الفلاحين إلاّ بتطورهم الفكري الضيق جداً. وحياتهم الريفية والعمل الشخصي الذين يقومون به بشكل مشترك يستخدمونهم. هذه الشريحة من السكان الريفيين كبيرة العدد وتشكل في الوقت نفسه الخصم الأعند للبروليتاريا الثورية. ولهذا يجب أن يتركز كل العمل السياسي للأحزاب الشيوعية في الأرياف على النضال ضد هذا العنصر من أجل تحرير أغلبية السكان الريفيين الكادحين والمستغَلين من التأثير الفكري والسياسي، المؤذي جدا، هؤلاء المستغِلين الريفيين.
ومن المحتمل جدا أن تلجأ هذه العناصر، ما أن تنتصر البروليتاريا في المدن، إلى أعمال تخريب وأعمال مسلحة معادية للثورة بشكل ظاهر. لهذا سيتوجب على البروليتاريا الثورية أن تشرع فورا بالإعداد الفكري والتنظيمي لكل القوى التي ستحتاج إليها من أجل نزع سلاح هذه العناصر وإطلاق رصاصة الرحمة عليها، في حين تطيح النظام الرأسمالي والصناعي. ومن أجل ذلك سيكون على البروليتاريا الثورية في المدن أن تسلح حلفاءها الريفيين وتنظم سوفيتات في كل القرى، لا يُقبل داخلها أيُّ مستغِل، ويكون البروليتاريون وأنصاف البروليتاريين مدعوين إلى لعب الدور المهيمن فيها. وحتى في هذه الحالة، لا يجب أن تتضمن المهمة المباشرة للبروليتاريا المنتصرة مصادرة الملكيات الفلاحية الكبرى، لأن الشروط المادية وإلى حد ما، التقنية والاجتماعية، الضرورية من أجل تشريك الملكيات الكبرى لا تكون، حتى في هذه اللحظة، قد تحققت بعد. كل شيء يحمل على الاعتقاد، بأنه في عدد من الحالات الفردية ستتم مصادرة أراض مستأجرة أو شديدة الضرورة للفلاحين الفقراء في الجوار. وسيُمنح هؤلاء أيضا حق الاستخدام المجاني، مع بعض الشروط رغم ذلك، لجزء من المعدات الزراعية للملاكين الريفيين الأغنياء أو الميسورين. ولكن على السلطة البروليتارية، كقاعدة عامة، أن تترك للفلاحين الأغنياء أو الميسورين أراضيهم وألاّ تستولي عليها إلاّ في حالة معارضة واضحة لسياسة سلطة الشغيلة وتعليماتها. هذا السلوك ضروري، إذ بينت تجربة الثورة البروليتارية الروسية حيث يطول النضال ضد الفلاحين الأغنياء والميسورين في شروط معقدة جداً، أن هذه العناصر من السكان الريفيين التي وًجهت إليها ضربات أليمة بسبب كل محاولات المقاومة من جانبها، حتى الأضعف منها، هي مع ذلك قادرة على القيام بإخلاص بالأعمال التي تكلفها بها الدولة البروليتارية، وتبدأ حتى، ولو ببطء شديد، تتشبّع باحترام السلطة التي تدافع عن كل شغيل وتسحق دون شفقة كل غني عاطل عن العمل.
إن الشروط الخاصة التي أدّت إلى تعقيد نضال البروليتاريا الروسية المنتصرة على البرجوازية ضد الفلاحين الأغنياء وإلى تأخيره، نجمت فقط عن واقع أنه بعد حدث 25 تشرين الأول / أكتوبر 1917، مرت الثورة الروسية بمرحلة «ديموقراطية» – أي بالواقع، مرحلة برجوازية ديمقراطية – من نضال الفلاحين ضد الملاكين العقاريين. وتعود هذه الشروط الخاصة أيضا إلى الضعف العددي لبروليتاريا المدن ووضعها المتخلف وأخيرا إلى مساحة البلد الشاسعة وخراب طرق مواصلاته. لكن البلدان المتقدمة في أوربا وأمريكا تجهل كل أسباب التأخير هذه، لذلك يتوجب على البروليتاريا الثورية فيها أن تحطم مقاومة الفلاحين الأغنياء والميسورين، بحزم أكبر وبسرعة أكبر، وبتصميم أقوى ونجاح أكبر بكثير، وأن تحرمهم من كل إمكانية معارضة في المستقبل. إن هذا الانتصار لجماهير البروليتاريين وأنصاف البروليتاريين والفلاحين، لا غنى عنه إطلاقا، وطالما لم يتم إحرازه، فإن السلطة السوفياتية لا يمكن أن تعتبر نفسها سلطة مستقرة وصلبة.
6- يجب على البروليتاريا الثورية أن تصادر في الحال ودون تحفظ كل الأراضي العائدة إلى كبار الملاكين العقاريين، أي كل الأشخاص الذين يستغلون منهجيا، في البلدان الرأسمالية، الشغيلة المأجورين والفلاحين الفقراء وحتى، في أغلب الأحيان، الفلاحين المتوسطين في المنطقة، سواء بطريقة مباشرة أو بواسطة مستأجري المزارع، وكل الملاكين الذين لا يشاركون أبدا بالعمل الجسدي – وهم في أغلب الحالات يتحدرون من الأعيان الإقطاعيين (نبلاء روسيا وألمانيا والمجر، ونبلاء فرنسا الذين عادوا إلى الحكم واللوردات الإنجليز وقدامى مالكي العبيد في أمريكا) وكبار أقطاب المال أو، أخيرا، أولئك المتحدرين من هاتين الفئتين من المستغلين والخاملين.
وينبغي على الأحزاب الشيوعية أن تعارض بقوة فكرة التعويض على كبار الملاكين العقاريين الذين صودرت ملكياتهم، وأن تناضل ضد كل دعاوة بهذا المعنى، ولا يجب أن تنسى الأحزاب الشيوعية أن دفع مثل هذا التعويض سيكون خيانة للاشتراكية وضريبة جديدة تُفرض على الجماهير المستغلة، الرازحة تحت عبء الحرب، التي ضاعفت من عدد أصحاب الملايين وزادت ثرواتهم.
ترى الأممية الشيوعية أنه سيكون من المستحسن والعملي ألاّ تُمس الملكيات الزراعية الكبيرة في البلدان الرأسمالية المتقدمة وأن يتم استثمارها بالطريقة نفسها التي يتم فيها استثمار «الملكيات السوفياتية» في روسيا. (2)
وفيما يتعلق بزراعة الأراضي التي انتزعتها البروليتاريا المنتصرة من كبار الملاكين العقاريين في روسيا، فقد كانت حتى الآن موزعة بين الفلاحين، لأن البلاد المتخلفة جدا من الناحية الاقتصادية. وفي حالات نادرة جدا أبقت الحكومة البروليتارية الروسية تحت سيطرتها الملكيات الريفية المسماة «سوفياتية» والتي تستغلها الدولة البروليتارية نفسها، محوّلة العمال المأجورين السابقين إلى «مندوبي عمل» أو أعضاء سوفيتات.
إن الحفاظ على الأملاك الكبيرة يخدم بشكل أفضل مصالح العناصر الثورية من السكان وبشكل خاص المزارعين الذين لا يمتلكون أي قطعة أرض وأنصاف البروليتاريين وصغار الملاكين الذين يعيشون من عملهم في المشاريع الكبرى. فضلا عن ذلك فإن تأميم الملكيات الكبرى يجعل من السكان المدينيين أقل تبعية إزاء الأرياف من ناحية التموين.
أمّا حيث ما زالت توجد مخلّفات للنظام الإقطاعي أو حيث تولّد امتيازات الملاكين العقاريين أشكالا خاصة من الاستغلال، وحيث ما زلنا نشهد «الرق» و«المزارعة»، فمن الضروري تسليم الفلاحين جزءا من أراضي الملكيات الكبرى.
وفي البلدان حيث عدد الملكيات الكبرى غير ذي أهمية، وحيث يطالب المزارعون الصغار بالحصول على أراض، فإن توزيع الملكيات الكبرى حصصا ربما كان الوسيلة الأكثر ضمانا من أجل كسب الفلاحين إلى الثورة، فيما لن تعود المحافظة على هذه الأملاك الكبيرة بالفائدة على المدن من ناحية التموين.
إن المهمة الأولى للبروليتاريا والأكثر أهمية هي أن تضمن لنفسها انتصارا دائما. ولا ينبغي أن تخشى من أي انخفاض في الإنتاج، إذا كان هذا ضروريا من أجل نجاح الثورة. ولن يكون من الممكن ضمان الوجود الدائم للسلطة البروليتارية إلاّ بالحفاظ على حياد طبقة الفلاحين المتوسطة وضمان مساندة أغلبية بروليتاريي الأرياف إن لم يكن كاملهم.
وكلما تم توزيع أراضي كبار الملاكين العقاريين، يجب أن تقدم مصالح البروليتاريا الزراعية على سواها.
ويجب أن تصادر جميع المعدات الزراعية والتقنية لكبار الملاكين العقاريين والريفيين وأن تُسلّم للدولة، بشرط أن يستطيع الفلاحون الصغار، بعد أن يتم توزيع هذه المعدات بعدد كاف على ملكيات الدولة الريفية الكبرى، الاستفادة منها مجانا، وطبقا للأنظمة التي تضعها السلطة البروليتارية بهذا الشأن.
وإذا كان من الضروري بشكل مطلق، في بداية الثورة البروليتارية، أن تتم مصادرة الملكيات العقارية الكبيرة مباشرة وكذلك طرد مالكيها زعماء الثورة المضادة ومضطهدي كل السكان الريفيين دون رحمة، أو اعتقالهم – ينبغي أن تتجه السلطة البروليتارية، بشكل منهجي، كلما تعزز موقعها في المدن والأرياف، إلى استخدام قوى من هذه الطبقة، تملك تجربة قيّمة من المعارف والإمكانات التنظيمية، من أجل خلق زراعة سوفياتية واسعة بمساندتها وتحت إشراف شيوعيين سبق اختبارهم.
7- لن تنتصر الاشتراكية على الرأسمالية بشكل ناجز، ولن تتوطد أبدا، إلاّ عندما تكون السلطة الحكومية البروليتارية قد قمعت كل مقاومة من جانب المستغلين وأمنت سلطتها ونظمت الصناعة بمجملها على قاعدة إنتاج جماعي جديد وعلى أساس تقني جديد (استخدام شامل للطاقة الكهربائية في جميع فروع الزراعة والاقتصاد الريفي). إن إعادة التنظيم هذه تستطيع وحدها إعطاء المدن إمكانية منح الأرياف المتخلفة مساعدة تقنية واجتماعية قادرة على إحداث نمو هائل لإنتاجية العمل الزراعي والريفي وإلزام الفلاحين الصغار عن طريق القدوة بأن ينتقلوا بشكل تدريجي وبما يخدم مصلحتهم الخاصة إلى زراعة جماعية ممكْننة.
إن إمكانية النضال الظافر من أجل القضية الاشتراكية، تتطلب، من جانب الأحزاب الشيوعية، تحديدا في الأرياف، جهدا لتثير لدى البروليتاريا الصناعية الشعور بضرورة تقديم التضحيات، التي يجب أن ترتضيها من أجل إطاحة البرجوازية وتوطيد السلطة البروليتارية. وهو أمر ضروري على الإطلاق لأن دكتاتورية البروليتاريا، تعني أن البروليتاريا تعرف كيفية تنظيم الشغيلة المستَغلين وقيادتهم، وأن تكون طليعتها مستعدة دائما من أجل الوصول إلى هذا الهدف لبذل أقصى الجهود البطولية والتضحيات. فضلا عن ذلك، تفترض الاشتراكية من أجل إحراز الانتصار الناجز أن ترى الجماهير الكادحة الأكثر تعرضا للاستغلال في الأرياف، ما أن ينتصر العمال، أن وضعها قد تحسن على الفور تقريبا على حساب المستغِلين. وإذا لم يكن الأمر كذلك فإن البروليتاريا الصناعية لن تتمكن من الاعتماد على دعم الأرياف ولن تتمكن، انطلاقا من هذا الواقع، من تأمين التموين للمدن.
8- إن الصعوبات الجمة التي يطرحها تنظيم الشغيلة الريفيين وإعداده للنضال الثوري، هذا الجمهور الذي أرهقه النظام الرأسمالي وشتته واستعبده كما في القرون الوسطى تقريبا، تتطلب من جانب الأحزاب الشيوعية، إيلاء اهتمام كبير لحركة الإضراب الريفية، وتقديم الدعم الأقوى لإضرابات جماهير البروليتاريين وأنصاف – البروليتاريين لتطويرها بقوة. إن تجربة الثورات الروسية عام 1905 و1917، التي أثبتتها تجربة الثورة الألمانية والثورات في البلدان الأخرى المتقدمة واستكملتها، برهنت على أن حركة الإضراب وحدها، المتصاعدة دون توقف (مع مشاركة «الفلاحين الصغار» في بعض الظروف) يمكنها أن تخرج القرى من سباتها، وتوقظ الوعي الطبقي لدى الفلاحين والشعور بضرورة منظمة طبقية للجماهير الريفية المستغَلة، وتظهر لسكان الريف بوضوح الأهمية العملية لاتحادهم مع شغيلة المدن. من وجهة النظر هذه، يتخذ إنشاء نقابات عمالية زراعية وتعاون الشيوعيين في منظمات العمال الزراعيين وعمال الأحراج أهمية عظمى؛ وينبغي على الشيوعيين أن يدعموا بشكل خاص المنظمات المشكلة من السكان الزراعيين المرتبطين بقوة بالحركة العمالية الثورية، ويجب أن تتم دعاوة قوية بين الفلاحين البروليتاريين.
إن مؤتمر الأممية الشيوعية يفضح ويدين بشدة الاشتراكيين الغادرين والخونة الذين نجدهم، للأسف، ليس داخل الأممية الثانية الصفراء وحسب، بل أيضا وسط الأحزاب الثلاثة الأوربية الأكثر أهمية، التي خرجت من هذه الأممية. إن المؤتمر يصم بالعار الاشتراكيين الذين لا يستطيعون فقط أن ينظروا بعين اللامبالاة لحركة الإضراب الريفية بل يقاومونها أيضا (مثل كارل كاوتسكي)، خوفا من أن تؤدي إلى انخفاض التموين. إن كل البرامج وكل التصريحات الأكثر احتفالية لا قيمة لها إطلاقا إذا لم يكن من الممكن أن يثبت الشيوعيون والقادة العمال عمليا أنهم يعرفون كيف يضعون تطور الثورة البروليتارية وانتصارها فوق كل شيء، وكيف يرتضون لأنفسهم أكبر التضحيات، لأنه لا حلول أخرى ولا وسائل أخرى لقهر المجاعة والفوضى الاقتصادية، ولتجنب حروب إمبريالية جديدة.
9- على الأحزاب الشيوعية أن تفعل كل ما في وسعها من أجل الشروع بأسرع وقت ممكن في تنظيم السوفيتات في الأرياف. وبالدرجة الأولى السوفيتات التي تمثل الشغيلة المأجورين وأنصاف البروليتاريين. ولن تتمكن السوفيتات من الاضطلاع بمهمتها ولن تصبح من القوة بحيث تخضع لتأثيرها «صغار الفلاحين» (وتجندهم بعد ذلك) إلاّ بالتعاون الوثيق مع حركة الإضراب الجماهيرية، ومع الطبقة الأكثر اضطهادا. أمّا إذا لم تكن حركة الإضراب متطورة بشكل كاف، وإذا كانت قدرة التنظيم لدى البروليتاريا الريفية ضعيفة جدا، سواء بسبب اضطهاد الملاكين العقاريين والفلاحين الأغنياء، أو لعدم كفاية الدعم الذي يقدمه العمال الصناعيون ونقاباتهم، فسيتطلب إنشاء السوفيتات في الأرياف إعدادا طويلا، وينبغي أن يتم ذلك عبر خلق بؤر شيوعية، ودعاوة نشطة، بعبارات واضحة وصريحة، بصدد التطلعات الشيوعية التي سيجري شرحها بالكثير من الأمثال التي توضح مختلف طرق الاستغلال والاضطهاد، وأخيرا بواسطة جولات دعاوية منهجية يقوم بها الشغيلة الصناعيون في الأرياف.
الحزب الشيوعي والبرلمانية
1- العصر الجديد والبرلمانية الجديدة
في عصر الأممية الأولى، كان موقف الأحزاب الاشتراكية حيال المسألة البرلمانية يقوم، في الأصل، على استخدام البرلمانات البرجوازية من اجل التحريض. فكانت المشاركة في العمل البرلماني تطرح من وجهة نظر تطور الوعي الطبقي، أي استيقاظ عداء الطبقات البروليتارية تجاه الطبقات الحاكمة. هذا الموقف قد تبدل، ليس بتأثير إحدى النظريات، بل بتأثير التقدم السياسي. لقد اكتسبت الرأسمالية ومعها الدول البرلمانية استقراراً مستديماً بفعل تنامي القوى المنتجة غير المنقطع، وتوسع مجال الاستغلال الرأسمالي.
من هنا، برز تكييف التكتيك البرلماني للأحزاب الاشتراكية مع العمل التشريعي “العضوي” للبرلمانات البرجوازية، الأهمية المتزايدة باستمرار للنضال من أجل إدخال الإصلاحات ضمن أطر الرأسمالية، وهيمنة برنامج الحد الأدنى للأحزاب الاشتراكية وتحول برنامج الحد الأقصى إلى برنامج معد للنقاشات حول “هدف نهائي” بعيد. على هذه القاعدة تطورت الوصولية البرلمانية، وتطور الفساد والخيانة، الواضحة أو المموهة، لمصالح الطبقة العاملة الأساسية.
لا يتحدد موقف الأممية الثالثة من المسألة البرلمانية انطلاقاً من نظرية جديدة، بل انطلاقاً من تحول دور البرلمانية نفسها. ففي العصر السابق كان البرلمان، أداة الرأسمالية النامية، قد عمل، بمعنى من المعاني، لصالح التقدم التاريخي. أما في الظروف الحالية، التي تتميز بجموح الإمبريالية، فقد أصبح البرلمان أداة الكذب والغش وأعمال العنف والدمار وأعمال اللصوصية. لقد فقدت الإصلاحات البرلمانية، المجردة من الثبات والاستقرار، والمتصورة من دون خطة شاملة، كل أهمية عملية بالنسبة للجماهير الكادحة.
لقد فقدت البرلمانية استقرارها مثلها مثل المجتمع البرجوازي بأكمله، فيما يخلق الانتقال من المرحلة العضوية إلى المرحلة الحرجة قاعدة جديدة لتكتيك البروليتاريا في الحقل البرلماني. هكذا كان الحزب العمال الروسي (الحزب البلشفي) قد حدد أسس البرلمانية الثورية في المرحلة السابقة، بعد أن فقدت روسيا توازنها السياسي والاجتماعي منذ عام 1905 ودخلت منذ ذلك الحين في مرحلة من الاضطرابات والتقلبات.
وعندما يشير بعض الاشتراكيين، التواقين إلى الشيوعية، إلى إن ساعة الثورة لم تحن بعد في بلدانهم، ويرفضون الانفصال عن الانتهازيين البرلمانيين، فانهم يعملون، بالحقيقة، وفق تصور واع أو غير واع، للمرحلة التي ندخلها، المعتبرة مرحلة استقرار نسبي للمجتمع الإمبريالي، ويظنون، لهذا السبب، بأن التعاون مع أمثال توراتي ولونجي يمكن أن يقدم على هذه القاعدة نتائج عملية في النضال من أجل الإصلاحات.
ينبغي أن تتخذ الشيوعية الدراسة النظرية لعصرنا كنقطة انطلاق (أوج الرأسمالية، اتجاهات الإمبريالية نحو نفي نفسها بنفسها وتدميرها الذاتي وتفاقم الحرب الأهلية المستمر، الخ…). ويمكن أن تأخذ العلاقات السياسية والتجمعات أشكالا مختلفة من بلد لآخر، ولكن جوهر الأشياء يبقى هو نفسه في كل مكان: يتعلق الأمر، بالنسبة لنا بالإعداد الفوري السياسي والتقني للانتفاضة البروليتارية، التي يجب أن تحطم السلطة البرجوازية وتقيم السلطة البروليتارية الجديدة.
بالنسبة للشيوعيين، لا يمكن للبرلمان أن يكون بأي حال من الأحوال، في المرحلة الراهنة، مسرحاً للنضال من أجل الإصلاحات وتحسين وضع الطبقة العاملة، كما حصل في بعض الأحيان في المرحلة السابقة. لقد خرج مركز ثقل الحياة السياسية من البرلمان كلياً ونهائياً. من جهة ثانية فإن البرجوازية مجبرة، بحكم علاقاتها مع الجماهير الكادحة، وأيضا تبعاً للعلاقات المعقدة القائمة داخل الطبقات البرجوازية، على جعل البرلمان بمختلف الأشكال، يصادق على بعض أعمالها، هذا البرلمان الذي تتصارع الكتل فيه على السلطة، وتستعرض قواها وتظهر نقاط ضعفها وتعرض نفسها للشبهات، إلخ…
لذا فإن الواجب التاريخي المباشر للطبقة العاملة هو أن تنزع هذه الأجهزة من الطبقات الحاكمة وتحطمها وتدمرها وتستبدلها بالأجهزة الجديدة للسلطة البروليتارية. يضاف إلى ذلك، إن هيئة الأركان الثورية للطبقة العاملة مهتمة جداً بأن يكون لها في المؤسسات البرلمانية للبرجوازية كشافة يسهلون عملها التدميري. إننا نرى بوضوح من الآن وصاعداً الفرق الأساسي بين تكتيك الشيوعيين الآتين إلى البرلمان لأهداف ثورية وبين تكتيك البرلمانية – الاشتراكية الذي يبدأ من الاعتراف بالاستقرار النسبي للنظام واستمراريته غير المحدودة. إن البرلمانية – الاشتراكية تضع لنفسها مهمة الحصول على الإصلاحات بأي ثمن كان. وهي مهتمة بأن تدرج الجماهير كل مكسب في حساب البرلمانية – الاشتراكية (توراتي، لونجي، وشركاؤها).
لقد استبدلت البرلمانية الهرمة القائمة على التكيف ببرلمانية جديدة، تشكل إحدى الوسائل للقضاء على البرلمانية بشكل عام. لكن تراث التكتيك البرلماني القديم المحبط يقرب بعض العناصر الثورية من المعادين للبرلمانية من حيث المبدأ (عمال العالم الصناعيين، النقابويين الثوريين، وحزب العمال الشيوعي الألماني).
ونظراً لهذا الوضع، فإن المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية توصل إلى النتائج التالية:
2- الشيوعية. النضال من أجل ديكتاتورية البروليتاريا و”من أجل استخدام” البرلمان البرجوازي
-أ-
1- لقد أصبحت النزعة البرلمانية الحكومية الشكل “الديمقراطي” لسيطرة البرجوازية، التي تتطلب في مرحلة معينة من تطورها خرافة تمثيل شعبي يعبر ظاهرياً عن “إرادة الشعب” وليس إرادة الطبقات، ولكنه يشكل في الواقع أداة إكراه واضطهاد بين يدي الرأسمال السائد.
2- إن البرلمانية هي شكل محدد للدولة. لهذا فإنها لا تناسب المجتمع الشيوعي بأي شكل من الأشكال، الذي لا يعرف لا الطبقات، ولا الصراع الطبقي ولا السلطة الحكومية بأي نوع من أنواعها.
3- إن البرلمانية لا يمكن مان تكون أيضاً شكل الحكومة “البروليتارية” في المرحلة الانتقالية من دكتاتورية البرجوازية إلى ديكتاتورية البروليتاريا. وفي اللحظة الأخطر من الصراع الطبقي عندما يتحول هذا الأخير إلى حرب أهلية، يجب على البروليتاريا حتماً أن تبني تنظيمها الحكومي الخاص، باعتباره تنظيماً نضالياً لا يقبل فيه ممثلو الطبقات المسيطرة القديمة، وستكون كل خرافة حول الإرادة الشعبية، خلال هذه المرحلة، مضرة بالنسبة للبروليتاريا. فهذه الأخيرة لا حاجة لها أبدأ إلى الفصل البرلماني بين السلطات، الذي لا يمكن أن يكون إلا وبالاً عليها. إن جمهورية السوفيتات هي شكل ديكتاتورية البروليتاريا.
4- إن البرلمانات البرجوازية التي تشكل أحد الأجهزة الأساسية للآلة الحكومية للبرجوازية لا يمكن أن تستولي عليها البروليتاريا مثلما لا يمكنها أن تستولي على الدولة البرجوازية بشكل عام. وتقوم مهمة البروليتاريا على نسف الآلة الحكومية للبرجوازية وتدميرها، ومن ضمنها المؤسسات البرلمانية، سواء كانت مؤسسات الجمهوريات أو مؤسسات الملكيات الدستورية.
5- وينطبق الشيء نفسه على المؤسسات البرجوازية البلدية أو القروية التي من الخطأ نظرياً اعتبارها متعارضة مع الأجهزة الحكومية، فهي بالحقيقة تشكل جزءاً من الآلة الحكومية للبرجوازية، ويجب أن تدمرها البروليتاريا الثورية وتستبدلها بسوفيتات النواب العمال.
6- ترفض الشيوعية أن ترى في البرلمانية أحد أشكال مجتمع المستقبل، وترفض أن ترى فيها شكل ديكتاتورية طبقة البروليتاريا، وتنفي إمكانية الاستيلاء المتمادي على البرلمانات. إنها تضع إزالة البرلمانية كهدف لها. ومن الآن وصاعداً لا يمكن أن يكون وارداً إلا استخدام المؤسسات الحكومية البرجوازية بهدف تدميرها. بهذا المعنى وبهذه المعنى فقط يمكن أن تطرح المسألة.
-ب-
7- إن كل صراع طبقي هو صراع سياسي، إلا أنه في نهاية الامر، صراع من اجل السلطة. وكل إضراب يشمل البلد بأكمله، يصبح تهديداً للدولة ويكتسب من هنا بالذات طابعاً سياسياً. فالعمل من أجل إطاحة البرجوازية وتحطيم الدولة البرجوازية هو دعم لنضال سياسي. وأن ننشئ لأنفسنا جهازاً حكومياً وجهاز إكراه بروليتارياً، طبقياً، ضد البرجوازية العاصية، هو أن نستولي على السلطة السياسية، مهما كان هذا الجهاز.
8- لا يقتصر الصراع السياسي إذن أبداً على مسألة موقف من البرلمانية، بل يطول كل النضال الطبقي للبروليتاريا، إذ أن هذا النضال يكف عن أن يكون نضالاً محلياً او جزئياً ويتجه لإطاحة النظام الرأسمالي بشكل عام.
9- إن الطريقة الأساسية لنضال البروليتاريا ضد البرجوازية، أي ضد سلطتها الحكومية، هي قبل كل شيء طريقة النشاطات الجماهيرية. وتقوم المنظمات الجماهيرية البروليتارية (النقابات والأحزاب والسوفيتات) بتنظيم هذه النشاطات وقيادتها، تحت الإشراف العام للحزب الشيوعي، الموحد وبشكل متين، والمنضبط والممركز. إن الحرب الأهلية هي حرب. وعلى البروليتاريا في هذه الحرب أن تمتلك كوادر سياسية جيدة وهيئة أركان سياسية جيدة تقود شتى العمليات في جميع ميادين النشاط.
10- يشكل نضال الجماهير نظاما كاملاً من النشاطات المتنامية باستمرار التي تتأجج بفعل شكلها بالذات، وتقود منطقياً إلى الانتفاضة ضد الدولة الرأسمالية. في هذا النضال الجماهيري، المدعو لأن يصبح حرباً أهلية، ينبغي على الحزب القائد للبروليتاريا، كقاعدة عامة، أن يعزز جميع مواقعه الشرعية، ويجعل منها نقاط ارتكاز ثانوية لنشاطه الثوري، ويخضعها لخطة الحملة الرئيسية. أي النضال الجماهيري.
11- إن منبر البرلمان البرجوازي هو أحد نقاط الارتكاز الثانوية، ولا يمكن التذرع بالصفة البرجوازية للمؤسسة نفسها للوقوف ضد النشاط البرلماني. فالحزب الشيوعي يدخل هذه المؤسسة ليس للقيام بنشاط عضوي، بل من أجل تقويض الآلة الحكومية والبرلمان من الداخل (مثلاً: نشاط ليبكنخت في ألمانيا، والبلاشفة في دوما القيصر وفي “الكونفرنس الديمقراطي” وفي “البرلمان الأولي” لكرنسكي وفي الجبهة التأسيسية والبلديات، وأخيراً في عمل الشيوعيين البلغار).
12- هذا العمل البرلماني الذي يقوم بشكل خاص على العمل البرلماني لأهداف تحريضية ثورية، ولإحباط مناورات الخصم، وتجميع الجماهير حول بعض الأفكار، هذه الجماهير التي تنظر إلى المنبر البرلماني خاصة في البلدان المتخلفة، بكثير من الأوهام الديمقراطية، يجب أن يخضع كلياً لأهداف نضال الجماهير خارج البرلمان، ومهمات هذا النضال.
إن للمشاركة في الحملات الانتخابية والدعاوة الثورية من أعلى المنبر البرلماني دلالة خاصة من أجل الكسب السياسي لأوساط الطبقة العاملة، التي بقيت حتى الآن، كما الجماهير الكادحة الريفية، بعيدة عن الحركة الثورية وعن السياسة.
13- على الشيوعيين، إذا حازوا الأغلبية في البلديات:
أ) أن يشكلوا معارضة ثورية للسلطة المركزية للبرجوازية.
ب) أن يعملوا بمختلف الوسائل لتقديم خدمة للجزء الأكثر فقراً من السكان (إجراءات اقتصادية، إنشاء أو محاولة إنشاء ميليشيا شعبية مسلحة، الخ…)
ج) أن يكشفوا، في كل مناسبة، العوائق التي تضعها الدولة البرجوازية بوجه أي إصلاح جذري.
د) أن يطوروا دعاوة ثورية حازمة، على هذا الأساس، دون الخوف من النزاع مع السلطة البرجوازية.
هـ) أن يستبدلوا البلديات في بعض الظروف، بسوفيتات للنواب العمال، وينبغي أن يندرج كل نشاط يقوم به الشيوعيون في البلديات بالنشاط العام لتقويض النظام الرأسمالي.
14- ينبغي أن تجري الحملة الإنتخابية ليس باتجاه الحصول على الحد الأقصى من المقاعد البرلمانية، بل باتجاه تعبئة الجماهير تحت شعارات الثورة البروليتارية. ولا يجب أن ينحصر النضال الانتخابي بقيادات الحزب فقط، بل ينبغي أن يشارك فيها مجموع الأعضاء، ويجب أن تستخدم كل حركة جماهيرية (إضرابات، تظاهرات اضطرابات في الجيش وفي الأسطول، الخ…) فيقام اتصال وثيق بهذه الحركة، ويصار إلى استثارة نشاط المنظمات البروليتارية باستمرار.
15- باستيفاء هذه الشروط وتلك المشار إليها في توجيه خاص، يدخل العمل البرلماني في تعارض كامل مع “الحرتقة” السياسية المثيرة للاشمئزاز للأحزاب الاشتراكية في البلدان كافة، التي يذهب نوابها إلى البرلمان بهدف دعم هذه المؤسسة “الديمقراطية”، وفي أحسن الأحوال، من أجل “الاستيلاء عليها” لكن الحزب الشيوعي لا يمكن أن يقبل إلا بالاستخدام الثوري فقط للبرلمانية، على طريق ليبكنخت وهوغلند والبلاشفة.
في البرلمان
-ج-
16- ليست “معاداة البرلمانية” مبدئياً، المتصورة كرفض مطلق وقاطع للمشاركة في الانتخابات وللعمل البرلماني الثوري، إلا عقيدة طفولية وسطحية لا تصمد أمام النقد، وهي في بعض الأحيان نتاج قرف صحي من بعض السياسيين البرلمانيين، ولكنها لا تلحظ فضلاً عن ذلك، إمكانية البرلمانية الثورية. ويحصل أن يرتكز هذا الرأي كذلك على مفهوم خاطئ كليا لدور الحزب باعتباره ليس الطليعة العمالية الممركزة والمنظمة من أجل المعركة، بل نظاماً غير ممركز لمجموعات لا تملك ارتباطاً قوياً فيما بينها.
17- من جهة أخرى، لا تنبع ضرورة المشاركة الفعلية في انتخابات وجمعيات برلمانية معينة من الاعتراف المبدئي بالعمل الثوري في البرلمان. فكل شيء يتعلق هنا بسلسلة من الشروط الخاصة. إن خروج الشيوعيين من البرلمان يمكن أن يصبح ضرورياً في لحظة معينة، كما كانت الحال عندما انسحب البلاشفة من البرلمان الأولي لكيرنسكي، بقصد نسفه، وجعله عاجزاً دفعة واحدة، ومواجهته بسوفييتات بتروغراد بشكل واضح، عشية الوقوف على رأس الانتفاضة. وكانت هذه الحال عندما نقل البلاشفة مركز ثقل الأحداث السياسية إلى المؤتمر الثالث للسوفيتات. وفي بعض الظروف قد تفرض مقاطعة الانتخابات نفسها أو التدمير المباشر للدولة البرجوازية والزمرة البرجوازية عن طريق القوة، أو يمكن أن تتطابق أيضاً المشاركة مع مقاطعة البرلمان نفسه، إلخ…
18- إن الحزب الشيوعي، معترفاً على هذا الشكل، كقاعدة عامة بضرورة المشاركة في الانتخابات البرلمانية والبلدية وبالعمل في البرلمان والبلديات، يجب أن يحسم المسألة تبعاً للحالة الملموسة، مستوحياً الخصائص المميزة للوضع. إن مقاطعة الانتخابات أو البرلمان، وكذلك الخروج من البرلمان أمران مقبولان بهما خاصة حين توجد شروط تسمح بالانتقال المباشر إلى النضال المسلح من أجل استلام السلطة.
19- من الضروري أن يراعى باستمرار الطابع الثانوي نسبياً لهذه المسألة. فيما أن مركز الثقل هو النضال خارج البرلمان من أجل السلطة السياسية، من المسلم به إن المسألة العامة لديكتاتورية البروليتاريا والنضال الجماهيري من أجل هذه الديكتاتورية لا يمكن أن تقارن بالمسألة الخاصة لاستخدام البرلمانية.
20- لهذا السبب، تؤكد الأممية الشيوعية، بشكل قاطع، أنها تعتبر كل انشقاق أو محاولة انشقاق مفتعلة داخل الحزب الشيوعي بسبب هذه المسألة وبسببها فقط خطأ خطيراً بحق الحركة العمالية. ويدعو المؤتمر كل أنصار النضال الجماهيري من أجل دكتاتورية البروليتاريا اللي تحقيق الوحدة الكاملة بين العناصر الشيوعية، تحت قيادة حزب ممركز على جميع منظمات الطبقة العاملة، على الرغم من التباين الآراء المحتمل فيما يتعلق باستخدام البرلمانات البرجوازية.
3- التكتيك الثوري
تفرض الإجراءات التالية نفسها من اجل ضمانة التطبيق الفعلي للتكتيك الثوري في البرلمان:
1- يتأكد الحزب الشيوعي بأكمله ولجنته المركزية، منذ المرحلة التحضيرية التي تسبق الانتخابات، من إخلاص أعضاء المجموعة البرلمانية الشيوعية وقيمتهم الشيوعية، وله الحق الذي لا يناقش فيه بأن يطعن في أي مرشح تعينه احدى منظمات الحزب، إذا لم يكن لديه الاقتناع بأن هذا المرشح سينفذ سياسة شيوعية فعلاً.
وينبغي على الأحزاب الشيوعية أن تمتنع عن العادة الاشتراكية – الديمقراطية الهرمة، عادة الانتخاب الحصري لبرلمانيين “مجربين” ومحامين، بشكل خاص. فالمتبع أن يتم اختيار المرشحين من بين العمال: ولا يجب أن يخشى تعيين أعضاء بسيطين دون كبير تجربة برلمانية.
وعلى الأحزاب الشيوعية أن ترفض باحتقار لا رحمة فيه الوصوليين الذين يأتون إليها بهدف وحيد وهو الدخول إلى البرلمان، وعلى اللجان المركزية ألا تصادق إلا على ترشيحات الأشخاص الذين قدموا، طوال سنوات عديدة، البراهين الثابتة على إخلاصهم للطبقة العاملة.
2- ما أن تنتهي الانتخابات، تقوم اللجنة المركزية حصراً بتنظيم المجموعة البرلمانية، سواء كان الحزب شرعياً أو غير شرعي. وينبغي أن تصادق اللجنة المركزية على اختيار رئيس مكتب المجموعة البرلمانية وأعضاءه. وسيكون للجنة المركزية ممثل دائم يتمتع بحق الفيتو. وفي كل المسائل الهامة، يجب أن تلتزم المجموعة البرلمانية بطلب التوجيهات المسبقة من اللجنة المركزية.
ويحق للجنة المركزية -ومن واجبها- أن تعيّن خطباء المجموعة المدعوين للمداخلة حول مسائل هامة أو تطعن فيهم، وان تفرض إخضاع الموضوعات والنصوص الكاملة لخطبهم، إلخ… لموافقتها. وأن يوقع كل مرشح مسجل على اللائحة الشيوعية تعهداً رسمياً بأن يتخلى عن نيابته عند أول يعاز من اللجنة المركزية، كي يكون الحزب قادراً دائماً على استبداله.
3- وفي البلدان التي نجح فيها إصلاحيون أو أنصاف – إصلاحيين، بل مجرد وصوليين في دخول المجموعة البرلمانية الشيوعية (وهذه هي الحال في عدد من البلدان)، على الأحزاب الشيوعية أن تقوم بتطهير جذري لهذه المجموعات، مستوحية المبدأ القائل أن مجموعة برلمانية قليلة العدد ولكن شيوعية حقاً تخدم بشكل أفضل بكثير مصالح الطبقة العاملة، من مجموعة كبيرة العدد دون سياسة شيوعية حازمة.
4- ينبغي أن يلتزم كل نائب شيوعي، بناء على قرار اللجنة المركزية، بأن يجمع بين العمل الشرعي والعمل غير الشرعي. وفي البلدان التي لا زال النواب الشيوعيون يتمتعون فيها، بموجب القوانين البرجوازية، بنوع من الحصانة البرلمانية، يجب أن تخدم هذه الحصانة تنظيم الحزب ودعاوته غير الشرعية.
5- إن النواب الشيوعيين ملزمون بإخضاع مجمل نشاطهم البرلماني لعمل الحزب خارج البرلمان. أما التقدم بمشاريع قوانين ذات هدف برهاني محض، ليس بهدف أن تتبناه الأغلبية البرجوازية. ولكن من أجل الدعاوة والتحريض والتنظيم، فيجب أن يحصل تبعاً لتوجيهات الحزب ولجنته المركزية.
6- يتوجب على النائب الشيوعي، في المظاهرات والنشاطات الثورية، أن يقف على رأس الجماهير البروليتارية في مكان ظاهر كلياً، بالصف الأول.
7- يتوجب على النواب الشيوعيين أن يلتزموا، بكل الوسائل، بإقامة (تحت إشراف الحزب) علاقات مراسلة وعلاقات أخرى مع العمال والفلاحين والشغيلة الثوريين من جميع الفئات، دون أن يقلدوا، بأي حال من الأحوال النواب الاشتراكيين الذين يعملون على إقامة علاقات عمل مع ناخبيهم، وأن يكونوا دائماً بتصرف المنظمات الشيوعية من أجل العمل الدعاوي في البلاد.
8- يلتزم كل نائب شيوعي في البرلمان بأن يتذكر بأنه ليس “مشترعاً” يبحث عن لغة مشتركة مع المشترعين الآخرين، بل محرض حزبي مرسل إلى العدو من أجل تنفيذ قرارات الحزب. والنائب الشيوعي مسؤول ليس أمام جمهور الناخبين المجهول، بل أمام الحزب الشيوعي سواء كان شرعياً أو غير شرعي.
9- على النواب الشيوعيين أن يتحدثوا في البرلمان لغة يفهمها العامل والفلاح والغسالة والراعي، وبشكل يمكن الحزب من نشر خطبهم ببيانات يوزعها في أقصى أرجاء البلاد.
10- على العمال الشيوعيين في عداد النواب، حتى لو كانوا في بداية تجربتهم البرلمانية، أن يعتلوا دون خوف منصة البرلمانات البورجوازية ولا يتركوا مكانهم لخطباء أكثر “تجربة”. وعند الضرورة، يكتفي النواب العمال ببساطة بقراءة خطبهم، المعدة للنشر في الصحافة أو بواسطة البيانات.
11- على النواب الشيوعيين أن يستخدموا المنبر البرلماني ليس من أجل فضح البرجوازية وخدمها الرسميين وحسب، بل الاشتراكيين – الوطنيين أيضاً والإصلاحيين، والسياسيين الوسطيين المراوغين، وبوجه عام، أخصام الشيوعية، وكذلك بهدف نشر أفكار الأممية الثالثة على نطاق واسع.
12- يتوجب على النواب، حتى لو كانوا نائباً واحداً أو اثنين، أن يتحدّوا الرأسمالية بكل مواقفهم ولا ينسوا أبداً إن من يستحق أن يحمل اسم الشيوعية، هو من يظهر كعدو للمجتمع البرجوازي، وخدامه الاشتراكيين الوطنيين بالأفعال وليس بالأقوال.
بيان المؤتمر
العالم الرأسمالي والأممية الشيوعية
1- العلاقات الدولية بعد معاهدة فرساي
تتذكر برجوازية العالم أجمع الأيام الغابرة بمرارة وحسرة، فكل أسس السياسة العالمية أو الداخلية قد تزعزعت أو اهتزت. والغد عاصف بالنسبة لعالم المستغِلين. لقد استكملت الحرب الإمبريالية تدمير نظام الأحلاف والضمانات المتبادلة القديم، الذي كان يرتكز عليه التوازن العالمي والسلم المسلّح. ولم ينتج عن سلم فرساي أي توازن جديد.
لقد رُميت روسيا أولاً، ومن ثم النمسا – المجر وألمانيا خارج الحلبة. وأصبحت هذه الدول، صاحبة المقام الأول بالذات، ضحية النهب وعرضة للتجزئة بعد أن احتلت الصدارة بين قراصنة الإمبريالية العالمية. وانفتح أمام امبريالية الدول الحليفة المنتصرة حقل غير محدود للاستغلال الاستعماري، بدءا من الراين، شاملا كل أوروبا الوسطى والشرقية وصولا إلى المحيط الهادي. هل يمكن أن تقارن الكونغو، وسوريا ومصر والمكسيك مع سهوب روسيا وغاباتها وجبالها، ومع القوى العمالية والعمال المتخصصين في ألمانيا ؟ لقد كان البرنامج الكولونيالي الجديد للمنتصرين بسيطا جدا: إطاحة الجمهورية البروليتارية في روسيا، ونهب موادنا الأولية، والاستئثار باليد العاملة الألمانية والفحم الألماني، وفرض دور الخفير على المقاول الألماني، وحيازة السلع التي تم الحصول عليها على هذا الشكل وكذلك عائدات المشاريع. وقد استعادت الدول الحليفة المنتصرة مشروع «تنظيم أوربا» الذي وضعته الإمبريالية الألمانية أثناء حقبة انتصاراتها العسكرية. إن حكومات الدول الحليفة عندما تضع أوغاد الإمبراطورية الألمانية في قفص الإتهام فإنما تعتبرهم أندادا لها. لكن ثمة مغلوبين حتى في معسكر الغالبين.
فالبرجوازية الفرنسية وقد أسكرتها الشوفينية وأسكرتها انتصاراتها ترى نفسها سيدة أوروبا. والواقع أن فرنسا لم تكن يوما، من مختلف النواحي، في تبعية أشد عبودية تجاه أخصامها الأكثر قوة، إنجلترا وأمريكا، مما هي عليه الآن. فهي تفرض على بلجيكا برنامجا اقتصاديا وعسكريا، وتحوّل حليفتها الضعيفة إلى مقاطعة ملحقة. لكنها تلعب إزاء إنجلترا، وعلى نطاق واسع، دور بلجيكا. وحاليا يترك الإمبرياليون الإنجليز للمرابين الفرنسيين مهمة الاقتصاص في الحدود القارية المرسومة لهم، ملقين بذلك على فرنسا سخط الشغيلة في أوروبا وفي إنجلترا نفسها. إن جبروت فرنسا المدمّاة والمهدمة ليس إلاّ ظاهريا ومزيفا، فعاجلا أو آجلا سيضطر الاشتراكيون الوطنيون الفرنسيون إلى ملاحظة ذلك. أمّا إيطاليا فقد خسرت أكثر أيضا من وزنها في العلاقات الدولية، والبرجوازية الإيطالية إذ تفتقر إلى الفحم، وتفتقر إلى الخبز، وتفتقر إلى المواد الأولية، وقد اختل توازنها اختلالا كليا بفعل الحرب، ليست قادرة، بالرغم من كل سوء نيتها، على ممارسة النهب وأعمال العنف التي تعتبرها من حقها، حتى في زوايا المستعمرات التي تخلّت لها عنها إنجلترا بطيبة خاطر.
واليابان التي تفترسها التناقضات الملازمة للنظام الرأسمالي في مجتمع لا يزال إقطاعيا، هي على أعتاب إحدى الأزمات الثورية الأشد عمقا. وقد شلّت هذه الأزمة اندفاع اليابان الإمبريالي، على الرغم من ظروف ملائمة لها في السياسة الدولية.
ولا يبقى على الصعيد العالمي سوى قوتين عظميين فقط، بريطانيا العظمى والولايات المتحدة.
لقد تخلصت الإمبريالية الإنجليزية من خصمها الأسيوي، القيصرية، ومن المنافسة الألمانية الخطيرة، وبلغ سلطان بريطانيا العظمى على البحار أوجه، فهي تحيط القارات بسلسلة من الشعوب الخاضعة لها. وقد وضعت يدها على فنلندا واستونيا وليتونيا، وانتزعت من السويد والنرويج بقايا استقلالهما، وحوّلت بحر البلطيق إلى خليج في نطاق المياه البريطانية، ولا يقاومها أحد في بحر الشمال. وبامتلاكها للكاب ومصر والهند وإيران وأفغانستان جعلت من المحيط الهندي بحرا داخليا يخضع كليا لسيطرتها، وكونها سيدة المحيطات، فإنها تسيطر على القارات. وكسيدة للعالم لا تجد حدودا لسلطانها إلاّ جمهورية الدولار الأمريكية وجمهورية السوفيتات الروسية.
أجبرت الحرب الولايات المتحدة على التخلي كليا عن نزعتها المحافظة الإقليمية. واستبدلت، بعد اتساع ازدهارها، برنامج رأسماليتها الوطنية – «أمريكا للأمريكيين» (نظرية مونرو) – ببرنامج الإمبريالية «العالم أجمع للأمريكيين». وإذا لم تعد تكتفي باستغلال الحرب عن طريق التجارة والصناعة، وعمليات البورصة فإنها تسعى إلى مصادر جديدة للثروة غير تلك التي امتصتها من الدم الأوروبي عندما كانت محايدة. لقد دخلت أمريكا في الحرب ولعبت دورا حاسما في هزيمة ألمانيا وتدخلت في حل جميع قضايا السياسة الأوروبية والعالمية.
لقد حاولت الولايات المتحدة، تحت راية عصبة الأمم، أن تنقل التجربة التي كانت قامت بها في بلادها إلى الجانب الآخر من المحيط، تجربة التجمع الفيدرالي لشعوب كبيرة تنتمي إلى أعراق مختلفة، وأرادت أن تربط إلى عربتها المنتصرة شعوب أوربا وشعوب الأجزاء الأخرى من العالم عبر إخضاعها لحكومة واشنطن. إن عصبة الأمم ليست بالنهاية سوى شركة تتمتع باحتكار عالمي تحت اسم: «يانكي وشركاه».
لقد نزل رئيس الولايات المتحدة، أحد أكبر أنبياء الأفكار المبتذلة، من سينائه لأجل الاستيلاء على أوربا، حاملا معه بنوده الأربعة عشر. لكن رجال البورصة والوزراء ورجال الأعمال البرجوازيين لم ينخدعوا للحظة حول المعنى الحقيقي للوحي الجديد. بالمقابل، أصيب «الاشتراكيون» الأوربيون، الذين فعلت فيهم خميرة كاوتسكي فعلها، بنشوة دينية وراحوا يرقصون كالملك داود وهم يواكبون سفينة ويلسون المقدسة.
وعندما لزم حل مسائل عملية، رأى الرسول الأمريكي بوضوح أنه على الرغم من الارتفاع الهائل لسعر الدولار، فإن بريطانيا العظمى ما زالت تهيمن على جميع الطرق البحرية التي تصل بين الأمم وتفصل فيما بينها، لأن إنكلترا تمتلك الأسطول الأقوى والكابل الأطول، ولها تجربة عريقة في القرصنة الدولية. بالإضافة إلى ذلك اصطدم ويلسون بالجمهورية السوفياتية وبالشيوعية. وأحس المسيح الأمريكي بجرح عميق، فتنصل من عصبة الأمم التي جعلتها إنكلترا إحدى مستشارياتها الديبلوماسية، وأدار ظهره لأوروبا.
مع ذلك، فمن السذاجة الاعتقاد أن الإمبريالية الأمريكية ستنطوي على نفسها بمجرد ما تلقت أول ضربة من إنجلترا. هل هذا يعني القول إنها ستتقيد من جديد بنظرية مونرو؟ كلا. ستستمر في إخضاع القارة الأمريكية بشكل أكثر عنفا، محوّلة بلدان أمريكا الوسطى والجنوبية إلى مستعمرات. فالولايات المتحدة تستعد، ممثلة بحزبيها القياديين، الديموقراطي والجمهوري، لتضليل عصبة الأمم التي أنشأتها إنجلترا، وتشكيل عصبة خاصة بها حيث تلعب أمريكا الشمالية دور مركز عالمي. ومن أجل أن تحرز النجاح، فإنها تنوي أن تجعل من أسطولها، خلال السنوات الثلاث أو الخمس القادمة، أداة صراع أقوى من الأسطول البريطاني، وهذا ما يجبر إنجلترا الإمبريالية على طرح السؤال التالي: نكون أو لا نكون؟.
ويضاف إلى هذه المنافسة المستعرة بين هذين الجبارين في مجال الإنشاءات البحرية صراع ليس أقل ضراوة على امتلاك النفط.
أمّا فرنسا التي كانت تنوي أن تلعب دور الحكم بين إنجلترا والولايات المتحدة، فقد وجدت نفسها تدور في فلك بريطانيا العظمى، مثل كوكب تابع من الدرجة الثانية. وتشكل عصبة الأمم بالنسبة لها عبئا لا يحتمل، وهي تسعى للتخلص منه بتسعير العداء بين إنكلترا والولايات المتحدة.
وهكذا تعمل أقوى الدول العظمى على تحضير مبارزة عالمية جديدة.
لقد جلب برنامج تحرير الأمم الصغيرة، الذي وضع في الصدارة أثناء الحرب، الهزيمة الكاملة والاستعباد المطلق لشعوب البلقان، المهزومة أو المنتصرة، وأدى إلى بلقنة جزء هام من أوربا. إن المصالح الإمبريالية للدول المنتصرة قد دفعتها لسلخ بعض الدول الصغيرة التي تمثل قوميات متمايزة عن الدول الكبرى التي هزمتها. ولا يتعلق الأمر هنا بما يسمى بمبدأ القوميات: فالإمبريالية تقوم على تحطيم الأطر القومية حتى بالنسبة للدول العظمى. وليست الدول البرجوازية الصغرى المنشأة حديثا سوى فُضالة الإمبريالية. وإذ تنشئ الإمبريالية سلسلة كاملة من الأمم الصغيرة المضطهدة علنا أو المحمية رسميا ولكنها في الواقع ملحقة بها كي تجد فيها سندا مؤقتا (النمسا، والمجر، وبولونيا، ويوغوسلافيا، وبوهيميا، وفنلندا وليتونيا وليتونيا وليستونيا، وأرمينيا وجورجيا، الخ…) وإذ تسيطر عليها عن طريق البنوك وسكك الحديد واحتكار الفحم، إنما تحكم عليها بمعاناة صعوبات اقتصادية وقومية لا تحتمل، وصراعات دائمة وشجارات دامية.
وأي سخرية بشعة في التاريخ! فبعد أن كانت إعادة بناء بولندا جزءا من برنامج الديموقراطية الثورية ومن أولى تجليات البروليتاريا العالمية، تولت الإمبريالية تحقيق ذلك بقصد إعاقة الثورة! وبولندا «الديموقراطية»، التي مات المبشرون بها على متاريس أوربا بكاملها، هي في هذه اللحظة أداة قذرة ودامية بين أيدي قطاع الطرق الأنجلو – فرنسيين الذين يهاجمون أول جمهورية بروليتارية عرفها التاريخ.
وإلى جانب بولندا، تقدم تشيكوسلوفاكيا «الديموقراطية»، المباعة للرأسمال الفرنسي، حرسا أبيضا ضد روسيا السوفياتية وضد المجر السوفياتية.
إن المحاولة البطولية التي قامت بها البروليتاريا المجرية للتخلص من الفوضى السياسية والاقتصادية في أوربا الوسطى وولوج طريق الفدرالية السوفياتية، – التي هي فعلا طريق الخلاص الوحيدة –، قد خنقتها الرجعية الرأسمالية المتحدة، في وقت كانت فيه بروليتاريا الدول الأوربية العظمى، وقد خدعتها الأحزاب التي تقودها، عاجزة عن تأدية واجبها نحو المجر الاشتراكية ونحو نفسها بالذات.
لقد تمت إطاحة حكومة بودابست السوفياتية بمساعدة اشتراكيين خونة، الذين بعد أن استمروا في الحكم ثلاث سنوات ونصفاً، ألقي بهم أرضا الأوغاد المسعورون المعادون للثورة، الذين فاقت جريمتهم الدامية جرائم كولتشاك ودينيكين ورانغل وبقية عملاء الدول الحليفة…
لكن المجر السوفياتية على الرغم من هزيمتها إلى حين، لا تزال تنير شغيلة أوروبا الوسطى، كمنارة ساطعة.
لم يكن الشعب التركي يريد الخضوع للسلام المخجل الذي فرضه عليه طغاة لندن. وكي تُجبر إنكلترا تركيا على تنفيذ المعاهدة قامت بتسليح اليونان وأطلقتها ضدها. وهكذا قضي على شبه الجزيرة البلقانية وآسيا الصغرى وعلى الأتراك واليونانيين بخراب كامل ومجازر متبادلة.
وقد سُجلت أرمينيا في برنامج صراع الحلفاء ضد تركيا، وبلجيكا في برنامج الصراع ضد ألمانيا، والصرب في الصراع ضد النمسا – المجر. وبعد إنشاء أرمينيا دون حدود معينة – ودون إمكانية استمرار – رفض ويلسون الانتداب على أرمينيا الذي اقترحته عليه «عصبة الأمم»: لأن أرض أرمينيا لا تحتوي لا على نفط ولا على بلاتين. إن أرمينيا «المحررة» عزلاء أكثر من أي وقت مضى.
ويكاد يكون لكل من الدول «القومية» المنشأة حديثا انضماميتها(3)، أي دملتها الوطنية الكامنة.
في الوقت نفسه، بلغ النضال الوطني في المناطق التي يسيطر عليها المنتصرون ذروة احتدامه. فالبرجوازية الإنجليزية التي أرادت وضع شعوب العالم بأكمله تحت وصايتها، عاجزة عن حل المسألة الإيرلندية حلاً مرضيا، وهي التي تقع في جوارها مباشرة.
أمّا المسألة الوطنية في المستعمرات فتحبل بمخاطر أكبر أيضا، فالانتفاضات تهز مصر والهند وإيران، فيما ينقل البروليتاريون المتقدمون في أوروبا وأمريكا إلى شغيلة المستعمرات شعار الاتحاد السوفياتي.
إن أوروبا الرسمية والحكومية، والوطنية، والمتحضرة، والبرجوازية، – كما خرجت من الحرب ومن سلم فرساي، – توحي ببيت للمجانين. فالدول الصغرى المصطنعة، والمجزأة، والمختنقة من الناحية الاقتصادية ضمن الحدود التي رُسمت لها يأخذ بعضها بخناق بعض وتتخاصم لانتزاع مرافئ ومقاطعات ومدن صغيرة، ودونما سبب. وتطلب حماية الدول الأقوى التي يزداد تناحرها يوما بعد يوم. فإيطاليا تقف موقفا عدائيا من فرنسا، وهي على استعداد لمساندة ألمانيا ضدها إذا ما وجدت هذه الأخيرة نفسها قادرة على النهوض. ويسمم فرنسا الحسد الذي تحمله إزاء إنجلترا، وهي مستعدة لأن تشعل النار في زوايا أوروبا الأربع كي تحصِّل إيراداتها. وبمساندة فرنسا، تبقي إنجلترا أوروبا في حالة فوضى وعجز، مما يطلق يديها كي تقوم بعملياتها الدولية الموجهة ضد أمريكا. أمّأ الولايات المتحدة فتترك اليابان تتورط في سيبيريا الشرقية كي تضمن لأسطولها، في هذه الأثناء، التفوق على أسطول بريطانيا العظمى قبل عام 1925، إلاّ إذا قررت إنجلترا أن تتبارى معها قبل هذا التاريخ.
وكي تكتمل هذه اللوحة كما يجب، فإن وسيط الوحي العسكري للبرجوازية الفرنسية، المارشال فوش، يخطرنا بأن الحرب القادمة ستنطلق من حيث وقفت الحرب السابقة: سنشهد أولا ظهور الطائرات والدبابات، البندقية الأوتوماتيكية والرشاشات بدل البندقية النقالة، والقنبلة بدل الحربة.
يا عمال وفلاحي أوربا وأمريكا وآسيا وأفريقيا وأستراليا ! لقد ضحيتم بعشرة ملايين نسمة وعشرين مليون جريح ومشوه. الآن تعرفون على الأقل ماذا نلتم لقاء هذا الثمن!
2- الوضع الاقتصادي
في الوقت نفسه يستمر دمار الإنسانية.
لقد دمرت الحرب، بشكل آلي، الروابط الاقتصادية التي كان تطورها يشكل أحد أهم إنجازات الرأسمالية العالمية. فانفصلت إنجلترا وفرنسا وإيطاليا انفصالا كليا عن أوروبا الوسطى والشرق الأوسط منذ عام 1914، وعن روسيا منذ عام 1917.
وعلى امتداد عدة سنوات من حرب دمّرت ما أنجزته عدة أجيال، سُخّر العمل البشري بشكل أساسي، وبعد تقليصه إلى حده الأدنى، لتحويل احتياطي المواد الأولية إلى سلع، هذه المواد التي كانت في المتناول منذ وقت طويل، والتي تحوّلت إلى أسلحة وأدوات دمار بشكل خاص.
أمّا في المجالات الاقتصادية، حيث يدخل الإنسان في صراع مباشر مع الطبيعة الشحيحة والجامدة، مستخرجا من أحشائها الوقود والمواد الأولية، فقد استحال العمل تدريجيا إلى عدم.إن انتصار الحلفاء وسلام فيرساي لم يوقفا التدمير الاقتصادي والانحطاط العام، بل غيّرا طرقه وأشكاله وحسب. فحصار روسيا السوفياتية والحرب الأهلية التي افتعلت على طول حدودها الخصبة سببت وما زالت تسبب أضرارا هائلة برخاء البشرية جمعاء. فلو جرى دعم روسيا من الناحية التقنية، وإنْ بقدر متواضع جدا، – والأممية تؤكد ذلك أمام العالم كله، – لاستطاعت، بفضل الأشكال السوفياتية للاقتصاد، أن تقدم لأوروبا ضعفي أو ثلاثة أضعاف ما كانت تقدمه روسيا القيصرية في السابق من منتجات غذائية. بدلا من ذلك تكره الإمبريالية الأنجلو – فرنسية جمهورية الشغيلة على استخدام كل طاقتها وجميع مواردها من أجل الدفاع عن نفسها. ومن أجل حرمان العمال الروس من الوقود، تحتفظ إنجلترا بين مخالبها بمنطقة باكو التي بقي نفطها بسبب ذلك دون استخدام تقريبا، لأنها لم تنجح في استيراد أكثر من قسم ضئيل منه. أمّا حوض الدون العظيم، الغني بالفحم الحجري، فقد دمّرته العصابات البيضاء المأجورة للحلفاء، في كل مرة نجحت فيها في القيام بهجوم على ذلك القطاع. وانصرف المهندسون والنقابون الفرنسيون أكثر من مرة إلى تدمير جسورنا وسككنا الحديدية، بينما لم تكف اليابان حتى الآن عن نهب سيبيريا الشرقية وتدميرها.
إن العلم الصناعي الألماني والإنتاجية المرتفعة جدا لليد العاملة الألمانية، هذان العاملان اللذان يتخذان أهمية قصوى في عملية إحياء الحياة الاقتصادية الأوربية، تشلهما بنود سلام فرساي أكثر مما شلتهما الحرب. ويجد الحلفاء أنفسهم أمام مأزق: فمن أجل فرض دفع التعويضات يجب توفير مجالات العمل، ومن أجل توفير هذه الأخيرة يجب تأمين المعيشة. وأن يتاح لألمانيا المهدمة والمجزأة والمستنزفة أن تجدد حياتها، إنما يعني تمكينها من الانتفاض محتجة. إن فوش خائف من ثأر ألمانيا، وهذا الخوف ينضح من كل ما يقوم به، مثلا في الشكل الذي تُشد به، أكثر فأكثر كل يوم، الملزمة العسكرية التي ينبغي أن تمنع ألمانيا من النهوض.
الجميع يفتقر إلى شيء ما، الجميع في عوز. وليست موازنة ألمانيا فقط هي الوحيدة التي تؤشر إلى ديون، بل أيضا موازنة فرنسا وإنجلترا. فالدين الفرنسي يبلغ 300 مليار فرنك، حيث أن ثلثيه على الأقل، حسب تأكيد السناتور الرجعي غودان دو فيلان، هما نتاج جميع أنواع الاختلاس والإسراف والفوضى.
فرنسا بحاجة إلى الذهب، فرنسا بحاجة إلى الفحم. ويرجع البرجوازي الفرنسي إلى القبور التي لا تحصى للجنود الذين قتلوا أثناء الحرب، للمطالبة بفوائد رساميله. على ألمانيا أن تدفع: أليس عند الجنرال فوش عدد كافٍ من السنغاليين من أجل احتلال المدن الألمانية ؟ على روسيا أن تدفع! ومن أجل أن تقنعنا الحكومة الفرنسية بذلك فإنها تنفق من أجل تخريب روسيا المليارات المنتزعة من دافعي الضرائب لأجل إعادة بناء المحافظات الفرنسية.
إن الوفاق المالي الدولي الذي كان من المفترض أن يخفف عبء الضرائب الفرنسية، لم يحصل: فقد ظهرت الولايات المتحدة غير مستعدة كثيرا لتقديم هدية مقدارها عشرة مليارات من الجنيهات الإسترلينية إلى أوروبا.
ويستمر إصدار العملة الورقية، بالغاً كل يوم رقما أضخم. وفي روسيا، حيث يوجد تنظيم اقتصادي موحد وتوزيع منظم للمواد الغذائية، وحيث يتجه الأجر النقدي أكثر فأكثر لأن يُستبدل بالدفع العيني، ليس الإصدار المستمر للعملة الورقية والهبوط السريع في قيمتها، سوى تأكيد لانحطاط النظام المالي والتجاري القديم. لكن الكمية المتزايدة من سندات الخزينة في السوق هي في البلدان الرأسمالية علامة اضطراب اقتصادي عميق وإفلاس وشيك.
وتسافر الكونفرنسات التي يدعو إليها الحلفاء من مكان إلى آخر، باحثة عن الوحي على هذا الشاطئ أو ذاك تبعا للموضة. كل واحد يطالب بفوائد الدم الذي جرى إهراقه أثناء الحرب، تعويضا متناسبا مع عدد قتلاه. ويكرر هذا الشكل من البورصة النقالة، كل أسبوعين، السؤال نفسه، وهو إذا ما كان يجب أن تنال فرنسا 50 أو 55 % من تعويض ليست ألمانيا قادرة على دفعه أصلا. لقد أُعدت هذه الاجتماعات بشكل جيد لتتويج «تنظيم» أوروبا الشهير والذي طاب لهم امتداحه كثيرا.
لقد أدت الحرب إلى تطور في الرأسمالية. فالعصر المنهجي لفائض القيمة الذي كان في السابق المورد الوحيد لدخل أصحاب المشاريع، يبدو حاليا عملا تافها بالنسبة للسادة البرجوازيين، الذين اعتادوا زيادة حصصهم إلى الضعفين أو العشرة أضعاف في مدى عدة أيام عن طريق المضاربات البارعة القائمة على اللصوصية الدولية.
وقد طرحت البرجوازية بضعة أوهام كانت تزعجها، وكسبت سطوة كانت تفتقر إليها حتى الآن. عوّدتها الحرب، كما لو أن ذلك من أكثر الأفعال عادية، تجويع بلدان بأسرها عن طريق الحصار، وقصف المدن والقرى المسالمة وحرقها، وتلويث الينابيع والأنهر بزرع جراثيم الكوليرا فيها، ونقل الديناميت في الحقائب الديبلوماسية، ولإصدار الأوراق المصرفية المزيّفة التي تقلِّد أوراق العدو، واللجوء إلى الإفساد والتجسس والتهريب بنسب لم تكن معروفة قبل الآن. واستمرت أساليب العمل نفسها المطبّقة في الحرب معمولا بها في العالم التجاري بعد اتفاق السلام. وتجري العمليات التجارية التي تتسم ببعض الأهمية تحت إشراف الدولة. وقد أصبحت هذه الأخيرة أشبه بجمعية من الأشقياء المسلحين حتى العظم. فيما يضيق مجال الإنتاج العالمي كل يوم ويصبح الاستيلاء على الإنتاج بالتالي أكثر سعارا وكُلْفته أغلى فأغلى.
المنع: هذه هي آخر كلمة للسياسة الرأسمالية، الشعار الذي يحل محل الحماية والتبادل الحر! إن العدوان الذي كانت المجر ضحيته من قبل الأوغاد الرومانيين الذين نهبوا منها كل شيء، وقع تحت أيديهم دون تمييز بين عربات القطارات والحلي، هذا العدوان هو ما يميز الفلسفة الاقتصادية للويد – جورج وميللران.
ولا تعرف البرجوازية، في سياستها الاقتصادية الداخلية، بأي شيء تتشبث؛ هل بنظام تأمين وتنظيم وإشراف من قبل الدولة قد يكون من أشد سياساتها فعالية، أم بالاحتجاجات التي تدوّي ضد استيلاء الدولة على الشؤون الاقتصادية من جهة أخرى؟ فالبرلمان الفرنسي يبحث عن مساومة تسمح له بحصر إدارة جميع السكك الحديدية داخل الجمهورية في يد واحدة دون أن يضر مع ذلك بمصالح الرأسماليين المساهمين في شركات السكك الحديدية الخاصة. وفي الوقت نفسه تقوم الصحافة الرأسمالية بحملة مسعورة ضد «الدولنة» (l’étatisme) التي تشكل الخطوة الأولى في تدخل الدولة، وكابحا للمبادرة الحرّة. وقد وقعت سكك الحديد الأمريكية التي كانت الدولة تشرف عليها أثناء الحرب والتي دُمرت، في وضع أكثر صعوبة عندما أزيل عنها إشراف الدولة. بيد أن الحزب الجمهوري يعِدُ في برنامجه بتحرير الحياة الاقتصادية من التدخل الحكومي. ويناضل زعيم النقابات الأمريكية صموئيل غومبيرز، هذا الحارس الشرس للرأسمال، ضد تأميم سكك الحديد الذي يقترحه السذج والانتهازيون الإصلاحيون على فرنسا كترياق عالمي. والواقع أن التدخل الفوضوي للدولة لا يمكن أن يحصل إلا لدعم نشاط المضاربين التخريبي، ولإتمام إدخال الفوضى الأعم في الاقتصاد الرأسمالي، في اللحظة التي يعيش فيها هذا الأخير حقبة انحطاطه. فأن تنتزع من التروستات وسائل الإنتاج والنقل لتُسلم إلى «الأمة» أي الدولة البرجوازية، أي أقوى تروستات الرأسماليين وأكثرها شرهاً، إن هذا ليس محوا للبلبلة، بل جعلها قانونا عاما.
وليس انخفاض الأسعار وارتفاع قيمة العملة سوى مؤشرين خادعين، لا يمكنهما أن يخفيا الخراب الوشيك. وعبثا تنخفض الأسعار، فذلك لا يعني حصول زيادة في المواد الأولية، ولا أن العمل أصبح أكثر إنتاجية.
وبعد محنة الحرب الدامية، لم يعد الجمهور العمالي قادرا على العمل بالنشاط نفسه والشروط نفسها. إن تدمير القيم، التي تطلّب خلقها عدة سنوات، خلال بضع ساعات، والمضاربة الوقحة برهانات تبلغ عدة مليارات من قبل زمرة مالية، وإلى جانب ذلك أكوام عظام الموتى والخراب – تلك الدروس التي قدمها التاريخ لم يكن من شأنها أن تعزز لدى الطبقة العاملة نظام الطاعة الآلي الملازم للعمل المأجور. ويحدثنا الاقتصاديون البرجوازيون وواضعو الروايات المسلسلة عن «موجة كسل» تجتاح أوربا، حسب رأيهم، وتهدد مستقبلها الاقتصادي. ويسعى الإداريون لكسب الوقت عن طريق منح العمال المهرة عدداً من الامتيازات، لكنهم يضيعون جهدهم سدى. فمن أجل إعادة تجديد إنتاج العمل وتطويره، من الضروري أن تثق الطبقة العاملة بأن كل ضربة مطرقة ستؤدي إلى تحسين وضعها وتسهيل تثقيفها وتقريبها من سلام عالمي. والحال أن تلك الثقة لا يمكن أن تقدمها لها سوى ثورة اجتماعية.
وينشر ارتفاع أسعار المأكولات الاستياء والتمرد في جميع البلدان. ولا تجد برجوازيات فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبقية البلدان سوى مسكنات تواجه بها ويلات غلاء المعيشة وموجة الإضرابات المهددة. وكي تكون الدولة قادرة على أن تدفع للمزارعين ولو جزءا من تكاليف الإنتاج، فإنها تدخل، مثقلة بالديون، في مضاربات مشبوهة وتسرق نفسها بنفسها من أجل تأجيل ساعة وفاء الدين. وإذا صحّ أن بعض فئات العمال يعيش حاليا في شروط أفضل حتى من قبل الحرب، فإن ذلك لا يعني شيئا بالواقع فيما يتعلق بالحالة الاقتصادية للبلدان الرأسمالية. ويتم الحصول على نتائج مؤقتة بالاعتماد على الغد من أجل الاكتتاب بقروض مشعوذين؛ فسيحمل الغد البؤس وكل أنواع الآفات.
وماذا نقول عن الولايات المتحدة؟ «أمريكا أمل الإنسانية»: يقول ميللران. يردد هذا البورجوازي الفرنسي حكمة تورغو، وهو يأمل تأجيل ديونه، هو الذي لا يؤجل ديون أحد. لكن الولايات المتحدة ليست قادرة على إنقاذ أوروبا من المأزق الذي تتخبط فيه. فقد استنفذت خلال السنوات الست الأخيرة مخزونها من المواد الأولية. فيما قلّص تكيف الرأسمالية الأمريكية مع متطلبات الحرب قاعدتها الصناعية. وكف الأوربيون عن الهجرة إلى أمريكا. وأفقدت موجة من العودة إلى الوطن الصناعة الأمريكية آلاف الألمانيين والإيطاليين والبولنديين والصربيين والتشيكيين الذين كان يدعوهم إلى أوروبا إمّا الاستنفار أو سراب وطن مستعاد. إن جمهورية ما وراء الأطلنطي ترزح تحت وطأة الافتقار إلى المواد الأولية واليد العاملة، الأمر الذي تدخل بسببه البروليتاريا الأمريكية مرحلة جديدة من النضال الثوري. فأمريكا تصبح أوروبية بشكل سريع.
ولم يفلت المحايدون من نتائج الحرب والحصار. وأشبه بسائل محتجز في أوعية متصلة، يتجه اقتصاد الدول الرأسمالية المرتبطة فيما بينها بشكل وثيق إلى اتخاذ مستوى واحد، مستوى البؤس والمجاعة والتلف، أكانت هذه الدول كبرى أو صغرى، محاربة أو محايدة، منتصرة أو مهزومة.
فسويسرا تعيش كفاف يومها، وكل احتمال يهدد بطرحها خارج كل توازن. وفي اسكندنافيا لا يمكن أن يحل مشكلة التموين التصدير الواسع للذهب. كما تضطر إلى طلب الفحم من إنجلترا بكميات ضئيلة وذلك بعد تملّق شديد. وبرغم المجاعة في أوروبا يتعرض صيد السمك في النرويج لأزمة مذهلة.
ولا يمكن لإسبانيا التي جلبت منها فرنسا رجالا وخيولا وأطعمة، أن تتخلص من صعوبات جمة على الصعيد التمويني، تؤدي بدورها إلى اضطرابات عنيفة وتظاهرات من جانب الجماهير التي يجبرها الجوع على النزول إلى الشارع.
تعتمد البرجوازية اعتمادا قويا على الأرياف. ويؤكد اقتصاديوها أن رخاء الفلاحين ازداد ازديادا هائلا. إن هذا وهم. فصحيح أن الفلاحين الذين يحملون منتجاتهم إلى السوق قد جمعوا ثروة إلى هذا الحد أو ذاك، في كل مكان أثناء الحرب. باعوا منتجاتهم بأسعار عالية، ودفعوا ديونهم، التي ترتبت عليهم عندما كان سعر العملة مرتفعا، بعملة بخسة الثمن. لكن استثماراتهم سقطت، أثناء الحرب، في الفوضى وانخفض مردودها. وكانوا بحاجة إلى أدوات مصنّعة، وقد تضاعفت سعر تلك الأدوات بقدر ما قلّت قيمة النقود. وأصبحت متطلبات مصلحة الضرائب هائلة، تهدد بابتلاع الفلاح مع منتجاته وأراضيه. هكذا، بعد فترة انتعاش مؤقت من الرخاء، وقع فلاحو الطبقة الصغيرة أكثر فأكثر في صعوبات مستعصية. وازداد استياؤهم من نتائج الحرب. إن الفلاح، ممثلا بجيش دائم، يعد قدرا غير قليل من المفاجآت المزعجة للبرجوازية.
إن ترميم أوروبا اقتصاديا، الذي يتحدث عنه الوزراء الذين يحكمونها، ليس سوى كذبة. فأوروبا تتهدم ومعها يتهدم العالم أجمع.
فما من خلاص على أسس الرأسمالية. ولا يمكن سياسة الإمبريالية أن تزيل العوز، فهي لا تستطيع إلاّ جعله أكثر إيلاما بتشجيعها تبديد المدخرات الباقية.
أمّا مسألة الوقود والمواد الأولية فمسألة دولية لا يمكن أن تحل إلاّ على أساس إنتاج مخطط وجماعي واشتراكي.
يجب إلغاء ديون الدولة. يجب تحرير العمل وثماره من الجزية الضخمة التي يدفعها للطغمة المالية العالمية. يجب إطاحة الطغمة المالية. يجب إسقاط الحواجز الحكومية التي تجزئ الاقتصاد العالمي. يجب استبدال المجلس الاقتصادي الأعلى لإمبرياليي الدول الحليفة بالمجلس الاقتصادي الأعلى للبروليتاريا العالمية من أجل الاستثمار الممركز لجميع موارد البشرية.
يجب القضاء على الإمبريالية من أجل أن يستطيع الجنس البشري الاستمرار في البقاء.
3- النظام البرجوازي بعد الحرب
تتركز كل طاقات الطبقات الثرية حول المسألتين التاليتين: البقاء في السلطة إبّان الصراع الدولي وعدم السماح للبروليتاريا بأن تصبح سيدة البلاد. وفقا لهذا البرنامج، اختفت المجموعات السياسية البرجوازية القديمة في روسيا، حيث أصبحت راية الحزب الدستوري الديمقراطي (الكاديت)، خلال الفترة الحاسمة من الصراع راية جميع الأغنياء المنتصبين ضد ثورة العمال والفلاحين، لكن أيضا في البلدان صاحبة الثقافة السياسية الأعرق والجذور الأعمق، واختفت معها البرامج السابقة التي كانت تُفرق مختلف الأجنحة البرجوازية، دون أن تترك أي أثر تقريبا. وذلك قبل الهجوم المعلن الذي قامت به البروليتاريا الثورية بوقت طويل.
إن لويد جورج يجعل من نفسه المبشر باتحاد المحافظين والوحدويين والليبراليين في سبيل النضال المشترك ضد خطر سيطرة الطبقة العاملة. ويضع هذا الديماغوجي العجوز الكنيسة المقدسة في أساس نظامه، مقارنا إياها بمحطة كهرباء مركزية تزود جميع أحزاب الطبقات الثرية بتيار متساو. وفي فرنسا تبدو الفترة الصاخبة لمعاداة الاكليركية، والتي ما زالت قريبة العهد، وكأنها رؤيا من عالم آخر: فالراديكاليون والملكيون والكاثوليك يشكلون حاليا كتلة للنظام الوطني ضد البروليتاريا التي ترفع رأسها. وتمد الحكومة الفرنسية يدها إلى جميع القوى الرجعية، مقدمة دعمها لعضو عصابة المائة السود، رانغل، وتعيد علاقاتها الديبلوماسية مع الفاتيكان.
ويمسك المحايد المقتنع بحياده، المشايع للألمان، جيوليتي، بدفة الدول الإيطالية بصفته القائد العام للمتدخلين والمحايدين والاكليريكيين والماتزينيين: وهو مستعد لأن يتحايل في المسائل الثانوية الخاصة بالسياسة الداخلية والخارجية كي يصد بحيوية أقوى هجوم البروليتاريين الثوريين في المدن والقرى. وتعتبر حكومة جيوليتي نفسها، بحق، الورقة الأخيرة للبرجوازية الإيطالية.
وتتجه سياسة جميع الحكومات الألمانية والأحزاب الحكومية، بعد هزيمة عائلة هوهنزولرن، بالاتفاق مع الطبقات الحاكمة للبلدان المتحالفة، إلى إقامة أرضية مشتركة من الحقد ضد البلشفية، أي ضد الثورة البروليتارية.
وبينما يخنق شايلوك(4) الأنجلو – فرنسي الشعب الألماني بوحشية متزايدة، تطلب البرجوازية الألمانية من العدو، دون تمييز بين أحزابها، أن يحلّ العقدة التي تخنقها بالقدر الذي يسمح لها فقط بذبح طليعة البروليتاريا الألمانية بيدها. وهذا بالإجمال ما تدور حوله دائما الاجتماعات الدورية التي تعقد، والاتفاقات التي توقع بشأن نزع الأسلحة وتسليم الآليات الحربية.
وفي أمريكا لم يعد ثمة فرق بين جمهوريين وديموقراطيين. وقد أظهرت هاتان المنظمتان السياسيتان القويتان للمستغِلين والمكيفتان وفق الدائرة الضيقة للمصالح الأمريكية، أظهرتا بوضوح تام كم كانتا مجردتين من الحزم عندما دخلت البرجوازية الأمريكية ميدان اللصوصية العالمية.
لم يحدث أبدا أن برهنت دسائس القادة وعصاباتهم – في المعارضة كما في الوزارات – عن مثل هذه الصفاقة، وأن تحركت بمثل هذه العلنية. بيد أن كل القادة وزمرتهم الأحزاب البرجوازية في كل البلدان، يشكلون جبهة موحدة ضد البروليتاريا الثورية.
وبينما يستمر أغبياء الاشتراكية – الديموقراطية بمواجهة أعمال عنف الطريق الديكتاتوري بطريق الديموقراطية، تداس آخر آثار الديموقراطية بالأقدام وتعدم في جميع دول العالم.
وبعد حرب كانت مجالس الممثلين خلالها، رغم أنها لا تتمتع بالسلطة، تستخدم من أجل تغطية نشاط العصابات الحاكمة الإمبريالية بصرخاتها الوطنية، سقطت البرلمانات في انحطاط كامل. فجميع المسائل الجدية تُحل خارج البرلمانات، ولا يغيّر بطابع الأمر شيئا التوسيع الوهمي للصلاحيات البرلمانية الذي يعلنه بأبهة مشعوذو الإمبريالية في إيطاليا وبقية البلدان. وكأسياد فعليين للموقف، ومتحكمين بمصير الدولة، فإن اللورد روتشيلد، واللورد فير، ومورغان وروكفببر، وشنايدر ولوثور، وهوغوستينز وفيليكس دوتش، وريزيللو وآنيللي، – ملوك الذهب والفحم والنفط والمعادن – يتحركون خلف الكواليس مرسلين صغار موظفيهم إلى البرلمانات من أجل تصريف أعمالهم.
أمّا البرلمان الفرنسي الذي ما زال يتسلى بأصول قراءة مشاريع القوانين التافهة ثلاث مرات، البرلمان الفرنسي الذي تحط من شأنه أكثر من غيره الخطابية المفرطة والكذب والصفاقة التي يبيع نفسه بها، فهو يكتشف فجأة أن الأربع مليارات التي خصصها للترميم في الأقاليم المخربة من فرنسا قد أنفقها كليمنصو لأهداف مختلفة كليا، وبشكل رئيسي لمواصلة أعمال التخريب الجارية في المقاطعات الروسية.
والأغلبية الساحقة من نواب البرلمان الإنكليزي، المزعوم أنه كلي القدرة، لا تعرف عن النوايا الفعلية للويد جورج ولكرسن، فيما يتعلق بروسيا السوفياتية وحتى بفرنسا، أكثر مما تعرف عنها النسوة العجائز في قرى البنغال.
أمّا البرلمان في الولايات المتحدة فيشكل جوقة طيّعة أو أنه يتململ أحيانا تحت عصا الرئيس. وهذا البرلمان ليس سوى خادم للآلة الانتخابية التي تشكل جهازا سياسيا للتروستات – وبقدر أوسع بكثير، بعد الحرب، مما كان الأمر عليه في السابق.
والبرلمانية الألمانية المتأخرة، طِرْحُ الثورة البرجوازية التي ليست هي نفسها سوى طرْحُ التاريخ، كانت منذ طفولتها عرضة لجميع الأمراض التي تصيب الكلاب الهرمة. إن رايخ جمهورية إيبرت «الأكثر ديمقراطية في العالم» يبقى عاجزا ليس أمام العصا التي يلوح بها المارشال فوش وحسب، بل أيضا أمام دسائس رجال بورصته، وأمثال ستين لديه، كما أمام المؤامرات العسكرية لزمرة من الضباط. فالديمقراطية البرلمانية الألمانية ليست سوى فراغ بين ديكتاتوريتين.
لقد حدثت تغيرات عميقة في تكوين البرجوازية نفسه، أثناء الحرب. فبوجه الإفقار الشامل للعالم بأجمعه، قفز تمركز الرساميل قفزة كبيرة إلى الأمام، وبرزت بيوت تجارية إلى الصدارة كانت قد بقيت في الظل سابقا. إن الصلابة والتوازن والميل إلى المساومات «العقلانية»، والحفاظ على بعض اللياقة في الاستغلال كما في استعمال المنتجات – كل هذا جرفه سيل الإمبريالية.
إنهم أثرياء جدد تصدروا الواجهة: ممونو جيوش، مضاربون من الدرجة الدنيا، محدثو نعمة، أغنياء مشبوهون، نهابون، مجرمون سابقون يغطيهم الماس، أوغاد دون إيمان ولا شريعة، شرهون إلى الترف، مستعدون لأقصى الفظائع من أجل إعاقة الثورة البروليتارية التي لا يمكن أن تعدهم إلاّ بأنشوطة.
إن النظام الحالي، كونه نظام سيطرة الأغنياء، ينتصب بوجه الجماهير بكل صلافته. وفي أمريكا وفرنسا وإنجلترا، اتخذ الترف بعد الحرب طابعا جنونيا. وباريس المزدحمة بطفيليي الوطنية الدولية، تشبه حسب اعتراف «الزمن»، بابل عشية كارثة.
حسب رغبة هذه البرجوازية، تنتظم السياسة والعدالة والصحافة والفن والكنيسة. كل الكوابح وكل المبادئ طُرحت جانبا. ولا يتوانى ولسون وكليمنصو وميللران ولويد جورج وتشرشل عن القيام بأوقح الخدائع وأفحش الأكاذيب، وعندما يفاجأون أثناء قيامهم بالأعمال الساقطة، يتابعون بهدوء مآثرهم التي يجب أن تقودهم إلى محكمة الجنايات. ولم تعد القواعد الكلاسيكية للانحراف السياسي التي صاغها العجوز مكيافللي سوى حِكَم ساذجة لغبي ريفي، بالمقارنة مع المبادئ التي يسير عليها حكام اليوم البرجوازيين. لقد راحت المحاكم التي كانت في السابق تغطي جوهرها البرجوازي برداء ديموقراطي برّاق، تهين البروليتاريا علنا وتقوم بعمل استفزازي معادٍ للثورة. ودون تردد، يطلق قضاة الجمهورية الثالثة قاتل جوريس وتشجع محاكم ألمانيا، التي كانت قد أُعلنت جمهورية اشتراكية، قتلة ليبكنخت وروزا لوكسمبورغ وكثير من بقية شهداء البروليتاريا. إن محاكم الديموقراطيات البرجوازية تعمل على جعل كل جرائم الإرهاب الأبيض، جرائم قانونية بشكل رسمي.
إن الصحافة البرجوازية تبيع نفسها علنا، وتحمل دمغة البيع على جبينها مثل الماركة التجارية. فالصحف القيادية للبرجوازية العالمية هي فبارك أكاذيب ضخمة وافتراءات وسجون روحية.
إن استعدادات البرجوازية ومشاعرها عرضة للصعود والهبوط العصبي كأسعار أسواقها. وطوال الأشهر الأولى التي تلت الحرب، اصطكّت أسنان البرجوازية العالمية، وخاصة الفرنسية أمام الشيوعية المتهدّدة. وجعلت من الخطر المحدق فكرة مرتبطة بالجرائم الدامية التي ارتكبتها، لكنها عرفت كيف تصد الهجوم الأول. لقد قدّمت لها الأحزاب الاشتراكية ونقابات الأممية الثانية، المرتبطة بها بسلاسل مسؤولية مشتركة، خدمة أخيرة، إذ أدارت ظهرها لأولى الضربات التي سددها غضب الشغيلة. ونالت البرجوازية قسطا من الراحة لقاء غرق الأممية الثانية بالكامل. وقد تطلب الأمر عددا من التصويتات المعادية للثورة حصل عليها كليمنصو في الانتخابات البرلمانية، وبضعة أشهر في التوازن غير المستقر، وفشل إضراب أيار / مايو، حتى استطاعت البرجوازية الفرنسية أن تنظر بأمان إلى صلابة نظامها الراسخة. وبلغت غطرسة هذه الطبقة المستوى الذي كانت قد بلغته مخاوفها في السابق.
لقد أصبح التهديد الحجة الوحيدة للبرجوازية، فهي لا تؤمن بالأقوال وتطالب بالأفعال: اعتقلوا، فرقوا التظاهرات، صادروا، ارموا بالرصاص! ويعمل الوزراء والبرلمانيون البرجوازيون على خداع البرجوازية بالتظاهر بأنهم رجال من فولاذ. فينصح لويد جورج، بخشونة، الوزراء الألمان بإعدام «الكومونيين» لديهم، كما حصل في فرنسا عام 1871. ويمكن موظفا من الدرجة الثالثة أن يعتمد على التصفيق الصاخب للمجلس إذا عرف كيف يضع في نهاية تقرير تافه بضع تهديدات موجهة إلى العمال.
وبينما تتحول الإدارة إلى منظمة وقحة أكثر فأكثر، معدة لممارسة قمع دموي إزاء الطبقات الكادحة، تعمل منظمات أخرى معادية للثورة، مشكلة تحت إشرافها، وموضوعة تحت تصرفها، على منع الإضرابات بالقوة، والقيام بالاستفزازات و الإدلاء بشهادات كاذبة وتدمير المنظمات الثورية والاستيلاء عن المؤسسات الشيوعية، وارتكاب المجازر والحرائق، واغتيال الأسر الثورية، واتخاذ إجراءات أخرى من النوع نفسه في سبيل الدفاع عن الملكية الخاصة والديموقراطية.
ويشكل أبناء كبار الملاكين وكبار البرجوازيين، والبرجوازيون الصغار الذين لا يعرفون من يهاجمون، وبشكل عام العناصر الفاقدة لهويتها الطبقية، وبالدرجة الأولى المذكورون آنفا من مختلف فئات الروس المهاجرين، كوادر احتياط لا تنضب للجيوش غير النظامية المعادية للثورة، وعلى رأسهم ضباط نشأوا في مدرسة الحرب الإمبريالية.
ويشكل العشرين ألف ضابط من جيش هوهنزولرن، خاصة بعد انتفاضة كاب – لوتفيتز، نواة ثورة مضادة صلبة، لا تقوى الديموقراطية الألمانية على التخلص منها مباشرة، إذا لم تقم مطرقة ديكتاتورية البروليتاريا بتحطيمها. وتكتمل هذه المنظمة الممركزة من إرهابيي النظام السابق بفصائل الأنصار المشكلة من قبل كبار الجلادين البروسيين.
وفي الولايات المتحدة، تشكل الاتحادات مثل عصبة الأمن الوطني (Nacional Security League)، وفرسان الحرية (Knigths Of Liberty) طليعة الرأسمال، وتعمل على ضفافها عصابات اللصوص الممثلة بـ وكالات التحري (Detective Agencies) للتجسس الخاص.
وفي فرنسا ليست العصبة المدنية شيئا آخر سوى منظمة متقنة من «الثعالب»، بينما جرى حل اتحاد العمل، على الرغم من كونه إصلاحيا.
أمّا مافيا الضباط البيض في هنغاريا، التي ما زالت تحتفظ بوجود سري مع أن حكومتهم المؤلفة من الجلادين المعادين للثورة تستمر تبعاً لرغبة إنكلترا، فقد أظهرت أمام بروليتاريا العالم بأسره، كيف تمارس هذه الحضارة وهذه الإنسانية اللتين يتبناهما ويلسون ولويد جورج، بعد أن لعنا سلطة السوفيات وأعمال العنف الثوري.
وتجهد الحكومات «الديمقراطية» في فنلندا وجورجيا وليتونيا واستونيا من أجل الوصول إلى مستوى كمال مثالها الهنغاري. وفي برشلونة، لدى الشرطة عصابات من المجرمين تأتمر بأوامرها، وكذلك الحال في كل مكان.
وحتى في بلد مهزوم ومهدم كبلغاريا، يجتمع الضباط الذين لا عمل لهم في جمعيات سرية مستعدة لدى أول إشارة للبرهنة عن وطنيتها على حساب العمال البلغاريين.
هكذا يوضع برنامج التوفيق بين المصالح المتناقضة والتعاون الطبقي والإصلاحية البرلمانية والتشريك التدريجي والاتفاق المتبادل داخل كل أمة، موضع التنفيذ في النظام البرجوازي لما بعد الحرب. إن كل هذا لا يمثل سوى تهريج مشؤوم. وقد رفضت البرجوازية نهائيا توفيق مصالحها الخاصة مع مصالح البروليتاريا عن طريق إصلاحات بسيطة. وهي تفسد أولئك الذين ينالون الصدقات من الطبقة العاملة، وتُخضع البروليتاريا لقاعدة لا تلين، عن طريق الحديد والنار.
ما من مسألة هامة تقرّر بغالبية الأصوات، ولم يبق من المبدأ الديموقراطي سوى ذكرى في أدمغة الإصلاحيين الضبابية. وتصر البرجوازية كل يوم، بشكل متزايد، على تجنيد ما يشكل العصب الأساسي للحكومات، أي أفواج الجنود. ولم تعد البرجوازية تضيع وقتها في «عدّ الإجاصات على الشجرة» فهي تعدّ البنادق والرشاشات والمدافع التي ستكون بمتناولها عندما تحين الساعة التي لا تعود فيها مسألة السلطة والملكية تحتمل أي تأجيل.
من يأتي ليحدثنا عن التعاون أو الوساطة؟ إن ما ينبغي لخلاصنا هو دمار البرجوازية، والثورة البروليتارية وحدها هي التي تستطيع أن تحدث هذا الدمار.
4– روسيا السوفياتية
تتلاطم الشوفينية والجشع والنزاع في رقصة جامحة، فيما يبقى المبدأ الشيوعي وحده، في مواجهة العالم، حيويا وخلاقا. ورغم أن السلطة السوفياتية قد قامت، كبداية، في بلد متخلف خربته الحرب، ومحاط بأعداء أقوياء، فقد أظهرت أنها تتمتع ليس بصلابة نادرة فحسب، بل أيضا بنشاط مذهل. لقد برهنت بالفعل عن قوة الشيوعية الكامنة. ويشكل تطور السلطة السوفياتية وتوطّدها نقطة الذروة في تاريخ العالم منذ إنشاء الأممية الشيوعية.
حتى الآن، كانت دائما القدرة على تشكيل جيش هي المقياس لكل نشاط اقتصادي أو سياسي. وقوة الجيش أو ضعفه هما المؤشر الذي يخدم في تقدير قوة الدولة أو ضعفها من الناحية الاقتصادية. لقد خلقت سلطة السوفيتات، على دوي المدافع، قوة عسكرية من الدرجة الأولى، وبفضلها تغلبت بتفوق لا جدال فيه ليس على أبطال روسيا القديمة الملكية والبرجوازية وحسب، وعلى جيوش كولتشاك ودينكين ويدونتش وفرانجل وآخرين، بل أيضا على الجيوش الوطنية للجمهوريات «الديمقراطية» التي دخلت الحرب وفقا لرغبة الإمبريالية العالمية (فنلندا، واستونيا، وليتونيا، وبولندا).
من الناحية الاقتصادية، فإن صمود روسيا السوفياتية هذه السنوات الثلاث الأولى، هو معجزة كبيرة، بل إنها قامت بأفضل من ذلك، لقد تطورت بما أنها إذ امتلكت طاقة انتزاع أدوات الاستغلال من بين أيدي البرجوازية، جعلت منها أدوات إنتاج صناعي ووضعتها في العمل بشكل منهجي. ولم يمنعها ضجيج المدفعية على طول الجبهة التي تحيط بروسيا من جميع الجوانب من اتخاذ إجراءات في سبيل إعادة تنظيم الحياة الاقتصادية والثقافية المزعزعة.
إن احتكار الدولة الاشتراكية للمواد الغذائية الأساسية، والنضال الذي لا يرحم ضد المضاربين، هما وحدهما اللذان أنقذا المدن الروسية من مجاعة قاتلة، وأتاحا إمكانية التموين للجيش الأحمر. أمّا جمع المصانع والمشاغل وسكك الحديد والطرق البحرية تحت رقابة الدولة فهو وحده الذي سمح بجعل الإنتاج منتظما وبتنظيم النقل. ويؤدي تمركز الصناعة والنقل بين أيدي الحكومة إلى تبسيط الأساليب التقنية، بخلق أنماط واحدة لمختلف القطع، أنماط تستخدم كنموذج لكل إنتاج لاحق. فالاشتراكية وحدها تجعل من الممكن التقدير الدقيق لكمية المسامير الكبيرة للقاطرات والعربات والسفن البخارية الواجب إنتاجها وإصلاحها.
ويمكن كذلك توقّع الإنتاج الإجمالي الضروري لقطع الآلات المطابقة للنموذج دوريا، الأمر الذي يمثل مكاسب جمة لزيادة وتيرة الإنتاج.
ولم تعد تواجه التقدم الاقتصادي والتنظيم العملي للصناعة وتطبيق نظام تايلور مطهرا من جميع الميول إلى الاستغلال الفظ «Sweating»، أية عوائق إلاّ تلك التي يعمل على إثارتها الامبرياليون الأجانب.
وبينما تشكل مصالح القوميات، التي تصطدم بمطامع الامبرياليين، مصدرا دائما للنزاعات العالمية والتمردات والحروب، أظهرت روسيا السوفياتية أن حكومة عمالية هي القادرة على التوفيق بين الحاجات الوطنية والحاجات الاقتصادية، مطهّرة الأولى من كل شوفينية والثانية من كل امبريالية. وتهدف الاشتراكية إلى ربط جميع الأقاليم وجميع المقاطعات وجميع القوميات بوحدة النظام الاقتصادي نفسه. إن المركزية الاقتصادية لن تقبل بعد الآن باستغلال طبقة لأخرى وأمة لأخرى، وكونها، انطلاقا من هذا بالذات، في مصلحة الجميع على السواء، فإنها لا تشلّ أي شكل من التطور الحر للاقتصاد الوطني.
إن مثال روسيا السوفياتية يسمح لشعوب أوربا الوسطى وجنوب شرق البلقان والممتلكات الاستعمارية لبريطانيا العظمى، وجميع الأمم والشعوب الصغرى المضطهدة، وللشعب المصري والايرلندي والبلغاري، بإدراك أن تضامن جميع قوميات العالم ليس ممكن التحقيق إلاّ باتحاد جمهوريات سوفياتية.
لقد جعلت الثورة من روسيا القوة البروليتارية الأولى. منذ ثلاث سنوات على وجودها، لم تتوقف حدودها عن التغير. وبعد أن أصبحت أكثر ضيقا بسبب هجوم الإمبريالية العالمية، كانت تسترجع اتساعها عندما تخف وطأة الهجوم. أصبح النضال من أجل السوفيتات نضالا ضد الرأسمالية العالمية، وغدت مسألة روسيا السوفيتات المحك لجميع المنظمات العمالية. فالخيانة الثانية الدنيئة للاشتراكية – الديموقراطية الألمانية، بعد خيانة الرابع من آب / أغسطس عام 1914، تمثلت، بعد اشتراكها في الحكومة، بطلب نجدة الإمبريالية الغربية، بدل التحالف مع ثورة الشرق. ولو أن ألمانيا السوفياتية تحالفت مع روسيا السوفياتية، لكانتا، وحدهما فقط، أقوى من كل الدول الرأسمالية مجتمعة.
لقد جعلت الأممية الشيوعية من قضية روسيا السوفياتية قضيتها. ولن تعيد البروليتاريا العالمية سيفها إلى الغمد إلاّ عندما تكون روسيا السوفياتية قد أصبحت إحدى حلقات اتحاد جمهوريات سوفياتية تشمل العالم.
5- الثورة البروليتارية والأممية الشيوعية
إن الحرب الأهلية على جدول الأعمال في العالم أجمع، وشعارها: «السلطة للسوفيتات».
لقد جعلت الرأسمالية من البروليتاريا الأكثرية الساحقة من الانسانية. وأخرجت الإمبريالية الجماهير من بلادتها ودفعتها إلى الحركة الثورية. والذي نعنيه الآن بكلمة «جمهور» ليس هو ما كنّا نعنيه بها منذ بضع سنوات. فما كان جمهورا في عصر الإمبريالية، في عصر البرلمانية والنقابية، أصبح النخبة في أيامنا. إن ملايين الرجال وعشرات الملايين منهم الذين عاشوا حتى الآن خارج كل سياسة يتحولون إلى جمهور ثوري. لقد أيقظت الحرب العالم كله، وأيقضت الحس السياسي لدى أكثر الأوساط تخلفا، لقد أعطتهم الأوهام والآمال وخيبتها جميعا. انضباط نقابي ضيق، وبالإجمال، بلادة البروليتاريين الأكثر وعيا، من جهة، وخمول الجماهير الذي لا شفاء منه من جهة أخرى – هذه السمات المميزة للأشكال القديمة من الحركة العمالية قد سقطت في النسيان إلى الأبد. ودخل ملايين من المتطوعين الجدد على الخط. فيما تسهم النساء، اللواتي فقدن أزواجهن وآباءهن، وكان عليهن أن يعملن مكانهم، مساهمة واسعة في الحركة الثورية. واستقبل عمال الجيل الجديد الذين اعتادوا دوي الحرب ووميضها منذ الطفولة، استقبلوا الثورة وكأنها عنصر طبيعي بالنسبة لهم. يمر النضال في مراحل مختلفة تبعا للبلد. لكن هذه المعركة هي المعركة الأخيرة. ويحدث أنَّ تدفق الموجات الثورية على صرح منظمة بالية يهب تلك المنظمة حياة جديدة. هنا وهناك على سطح الأمواج، تطفو رايات قديمة وشعارات نصف ممحوّة. الأدمغة مليئة بالاضطراب والظلمات والأفكار المسبقة والأوهام. لكن الحركة الثورية بمجملها تمتلك طابعا ثوريا بالعمق. لا يمكن إضعافه أو إيقافه، إنه يمتد، ويترسّخ ويتطهر ويلفظ كل ما مرّ عليه الزمن. ولن يتوقف ما لم تصل البروليتاريا العالمية إلى السلطة.
إن الإضراب هو الوسيلة الأكثر اعتيادا لدى الحركة الثورية. والذي يتسبب به في الغالب، وبشكل لا يقهر، هو ارتفاع أسعار المواد الغذائية ذات الضرورة الأولية. وغالبا ما ينبثق الإضراب عن نزاعات إقليمية. وهو صرخة احتجاج من الجماهير التي عيل صبرها من تآمر الاشتراكيين البرلماني، ويعبر عن التضامن بين المستغَلين في البلد الواحد أو في بلدان مختلفة. وشعاراته ذات طابع اقتصادي وسياسي في آن. وغالبا ما تختلط فيه شعارات الثورة الاجتماعية مع نتف إصلاحية. وهو يغضب البرجوازية لأنه يغتنم كل فرصة ليعبر عن تعاطفه مع روسيا السوفياتية، ولا تخدعه هواجس المستغلين. هذا الإضراب المشوَّش ليس في الواقع سوى استعراض للقوى الثورية، واستنفار للبروليتاريا الثورية كي تحمل السلاح.
إن التبعية الوثيقة التي تربط كل البلدان الواحد بالآخر والتي تظهر بشكل كارثي أثناء الحرب، تعطي أهمية خاصة لفروع العمل التي تربط بين البلدان، وتضع عمال سكك الحديد في الصدارة، وعمال النقل عموما؛ لقد أتيحت الفرصة لبروليتاريا النقل لتظهر جانبا من قوتها بمقاطعة هنغاريا البيضاء وبولندا البيضاء. واكتسب الإضراب والمقاطعة، وهما أسلوبان كانت الطبقة العاملة تطبقهما في بداية نضالها النقابي، أي عندما لم تكن قد بدأت بعد باستخدام البرلمانية، اكتسبا في أيامنا الأهمية نفسها والدلالة نفسها الخطيرتين كما عند إعداد المدفعية قبل الهجوم الأخير.
إن العجز الذي يجد المرء نفسه إزاءه قد صغر أمام الاندفاعة العمياء للأحداث التاريخية. لا يُكره مجموعات جديدة فقط من العمال والعاملات على دخول صفوف المنظمات النقابية، بل أيضا المستخدمين والموظفين والمثقفين البرجوازيين الصغار. وقبل أن يفرض مسار الثورة البروليتارية إنشاء سوفيتات تحلق فوق كل التنظيمات العمالية الهرمة، يتجمع الشغيلة في نقابات ويتحملون في هذه الأثناء التركيبة القديمة لها في النقابات وبرنامجها الرسمي ونخبتها القيادية، لكنهم في الوقت نفسه يحملون إلى هذه المنظمات العمالية الطاقة الثورية المتنامية للجماهير، التي لم تكن قد تكشفت بعد.
إن الفئات الدنيا، البروليتاريين في الريف والعمال اليدويين، ترفع رأسها. وفي إيطاليا وألمانيا والبلدان الأخرى، نشهد نموا رائعا لحركة العمال الزراعيين الثورية وتقاربهم مع بروليتاريا المدن.
وينظر الفلاحون الفقراء بعين الاستحسان إلى الاشتراكية. وإذا كانت دسائس الإصلاحيين البرلمانية، التي تسعى إلى استغلال الأفكار المسبقة حول الملكية لدى الموجيك، بقيت دون جدوى، فإن حركة البروليتاريا الثورية حقا ونضالها العنيد ضد المضطهدين، يولدان بصيص أمل في قلب الشغيل الأكثر تواضعا، والأشد إرهاقا، والأكثر بؤسا.
إن هوة البؤس البشري والجهل لا قرار لها. وكل شريحة نهضت للتوّ تترك وراءها شريحة أخرى تكاد تحاول أن تنهض. لكن ليس للطليعة أن تنتظر جمهور المؤخرة الكثيف كي تبدأ المعركة. فإن مهمة إيقاظ الفئات الأكثر تخلفا وحثها وتربيتها، ستتولاها البروليتاريا عندما تكون قد وصلت إلى السلطة.
لقد استيقظ شغيلة المستعمرات والبلدان شبه المستعمرة. وفي المساحات اللامتناهية للهند ومصر وإيران، حيث يتمدد أفعوان الإمبريالية الأمريكية ذو الرؤوس السبعة، في هذا البحر البشري الذي لا قرار له، يتم عمل مستتر، غير منقطع، يثير أمواجا ترتعد لها أسهم البورصة والأفئدة في «السيتي».
وفي حركة الشعوب المستعمرة، يختلط العنصر الاجتماعي بجميع أشكاله مع العنصر الوطني، لكن كليهما موجهان ضد الإمبريالية، وبدءا بالمحاولات الأولى، وصولا إلى الأشكال المتقنة، يتواصل طريق النضال في المستعمرات والبلدان المتخلفة بخطى حثيثة، تحت ضغط الإمبريالية وبقيادة البروليتاريا الثورية.
إن التقارب المثمر الذي يجري بين الشعوب الإسلامية وغير الإسلامية التي توحدها السلالة المشتركة للسيطرة الانكليزية والسيطرة الأجنبية عموما، كما أن التطهير الداخلي للحركة، والتضاؤل المستمر في نفوذ رجال الدين والرجعية الشوفينية، والنضال الذي يقوم به السكان المحليون في آن واحد ضد الغزاة وضد ملاكيهم الإقطاعيين، كهنة ومرابين، كل ذلك يجعل من جيش الانتفاضة المتعاظم في المستعمرات قوة تاريخية من الطراز الأول، واحتياطيا لا ينضب للبروليتاريا العالمية.
المنبوذون ينهضون، ويتجه فكرهم الذي يستيقظ نحو روسيا السوفييتات، نحو المتاريس المقامة في شوارع مدن ألمانيا، نحو النضال المستميت للعمال المضربين في إنكلترا، نحو الأممية الشيوعية.
إن الاشتراكية التي تدافع عن الوضع المتميز لبعض الأمم على حساب الأخرى، دفاعا مباشرا أو غير مباشر، وتتكيف مع العبودية الاستعمارية وتقبل اختلافا في الحقوق بين البشر من أعراق وألوان مختلفة، وتساعد البرجوازية في الحواضر في الإبقاء على سيطرتها على المستعمرات، بدل تشجيع الانتفاضة المسلحة لتلك المستعمرات؛ إن الاشتراكية الانجليزية التي لا تدعم بكل قوتها انتفاضة إيرلندا ومصر والهند ضد سلطة الأغنياء اللندنية – تلك «الاشتراكية»، بعيدا عن أن تطمح لتمثيل البروليتاريا وتكسب ثقتها، تستحق، إن لم يكن الرصاص، فوصمة العار على الأقل.
والحال فإن البروليتاريا في جهودها الرامية إلى تحقيق الثورة العالمية، تصطدم ليس فقط بخطوط الأسلاك الشائكة نصف المدمرة التي ما زالت تنتصب بين البلدان منذ الحرب، بل على الأخص بأنانية المنظمات الحزبية والنقابية الهرمة، ونزعتها المحافظة وعماها، هذه المنظمات التي عاشت على حساب البروليتاريا في الحقبة السابقة.
إن الخيانة التي أصبحت الاشتراكية – الديموقراطية العالمية معتادة عليها، ليس لها نظير في تاريخ النضال ضد العبودية. وتظهر أكثر آثارها فظاعة في ألمانيا، فهزيمة الإمبريالية الألمانية كانت في الوقت نفسه هزيمة للنظام الاقتصادي الرأسمالي. وباستثناء البروليتاريا، لم تكن توجد أية طبقة تستطيع أن تطمح إلى سلطة الدولة. وكان تحسين التقنية وعدد الطبقة العاملة الألمانية ومستواها الثقافي ضمانات أكيدة لنجاح الثورة الاجتماعية. وللأسف اعترضت الاشتراكية – الديموقراطية الألمانية الطريق. وبفعل مناورات معقدة اختلطت فيها الحيلة بالغباء، شلت طاقة البروليتاريا، من أجل حرفها عن الاستيلاء على السلطة، التي كانت هدفها الطبيعي والضروري.
لقد اجتهدت الاشتراكية – الديموقراطية، خلال عشرات السنين، لكسب ثقة العمال، كي تضع كل نفوذها، فيما بعد، في خدمة المستغِلين، في اللحظة الحاسمة التي كان مصير المجتمع البرجوازي خلالها في خطر.
إن خيانة الليبرالية وإفلاس الديموقراطية البرجوازية حادثتان تافهتان بالمقارنة مع خيانة الأحزاب الاشتراكية البشعة. ويشحب دور الكنيسة نفسها، تلك المحطة الكهربائية المركزية للنزعة المحافظة، كما حددها لويد جورج، أمام دور الأممية الثانية المعادي للاشتراكية.
لقد أرادت الاشتراكية تبرير خيانتها للثورة، خلال الحرب، بصيغة الدفاع الوطني، وهي تغطي سياستها المعادية للثورة، بعد اتفاق السلام، بصيغة الديموقراطية. دفاع وطني وديموقراطية، هاتان هما الصيغتان الرسميتان لاستسلام البروليتاريا أمام إرادة البرجوازية.
لكن الانهيار لا يقف عند هذا الحد. فالاشتراكية – الديموقراطية، إذ تواصل سياستها في الدفاع عن النظام الرأسمالي، مجبرة على أن تدوس بالأقدام «الدفاع الوطني» و«الديموقراطية»، سائرة في ركب البرجوازية. فيقبّل شيدمان وأيبرت أيدي الإمبريالية الفرنسية التي يطالبان دعمها ضد الثورة السوفياتية. ويجسد نوسكه الإرهاب الأبيض والثورة المضادة البرجوازية.
أمّا ألبرت توماس فتحول إلى سمسار لعصبة الأمم، هذه الوكالة الشائنة للامبريالية، وأصبح فاندرفلد، الصورة المعبّرة عن هشاشة الأممية الثانية التي كان زعيما لها، وزيرا للملك، وزيميلاً لدولاكروا رجل الدين، ومدافعا عن رجال الدين الكاثوليك البلجيكيين، ومحاميا للفظاعات الرأسمالية المرتكبة ضد زنوج الكونغو.
وهندرسون الذي يقلد كبار رجال البرجوازية، والذي يمثل على التوالي دور وزير الملك وممثل المعارضة العمالية لجلالته، وتوم شو الذي يطالب الحكومة السوفياتية ببراهين لا تدحض حول كيف أن حكومة لندن مؤلفة من نصابين ولصوص وحانثين باليمين، من هم أولئك السادة جميعا، إن لم يكونوا الأعداء اللدودين للطبقة العاملة ؟
رينير وسيتز، نيمتس وتوزار، ترولسترا وبرانتينغ، دزاينسكي وتشكيدزه، كل منهم يعبر عن لغة برجوازيته الصغيرة غير الشريفة، يعبر عن إفلاس الأممية الثانية.
وأخيرا كال كاوتسكي المنظر السابق للأممية الثانية والماركسي السابق، يصبح المستشار المتلعثم، المعتمد رسميا لدى الصحافة الصفراء في جميع البلدان.
إن العناصر الأكثر مرونة ضمن الاشتراكية الهرمة، تحت تأثير اندفاع الجماهير ودون أن تغيّر من طبيعتها أو من أسلوبها ولونها، تنفصل أو تستعد للانفصال عن الأممية الثانية، المتقهقرة كما هي دائما أمام كل تحرك جماهيري وثوري، وحتى أمام كل بداية جدية للتحرك.
ومن أجل تعيين الممثلين في هذا الحفل التنكري، وكشفهم في الوقت نفسه، يكفي القول بأن الحزب الاشتراكي البولندي الذي يتزعمه دازينسكي وشفيعه بيلسودسكي، حزب الصلافة البرجوازية والتعصب الشوفيني، يعلن انسحابه من الأممية الثانية.
وتبقى، في الواقع، النخبة البرلمانية القيادية للحزب الاشتراكي الفرنسي التي تقترع الآن ضد الموازنة وضد معاهدة فرساي، إحدى دعائم الجمهورية البرجوازية. ومن وقت لآخر، تذهب معارضتها إلى مدى أبعد. وذلك بالضبط كي لا تتزعزع نصف – الثقة التي تمنحها إياها أكثر أوساط البروليتاريا محافظة.
وفي القضايا الأساسية للصراع الطبقي، تستمر الاشتراكية البرلمانية الفرنسية في خداع إرادة الطبقة العاملة، بالإيحاء لها أن اللحظة الراهنة ليست مناسبة للاستيلاء على السلطة، لأن فرنسا مفقرة جدا، كما كانت بالأمس غير مهيأة بسبب الحرب، وكما كان الازدهار الاقتصادي عشية الحرب هو العائق، وقبله الأزمة الصناعية. وإلى جانب الاشتراكية البرلمانية وعلى المستوى نفسه تقف النقابية الثرثارة والمراوغة، نقابية جوهو وشركاه.
إن إنشاء حزب شيوعي قوي ومفعم بروح الوحدة – الإنضباط في فرنسا، هو مسألة حياة أو موت بالنسبة للبروليتاريا الفرنسية.
يتلقى الجيل الجديد من العمال الألمان تربيته من الإضرابات والانتفاضات ويستمد قوته منها. وستكلفه تجربته عددا متزايدا من الضحايا بقدر ما يستمر الحزب الاشتراكي المستقل بالخضوع لتأثير المحافظين والاشتراكيين – الديموقراطيين والروتينيين الذين يتذكرون الاشتراكية – الديموقراطية من عهد بيبل، والذين لا يفهمون شيئا عن الطابع الثوري للمرحلة، ويرتجفون أمام الحرب الأهلية والإرهاب الثوري، وينجرفون مع تيار الأحداث بانتظار المعجزة التي يجب أن تأتي لإنقادهم من عجزهم. لكن حزب روزا لوكسمبورغ وكارل ليبكنخت يعلّم العمال الألمان تحت نار المعركة، أين يوجد الطريق الصحيح.
أمّا داخل الحركة العمالية الانكليزية، فيسيطر الروتين على الحركة، بحيث أن إنكلترا لم تشعر بعد بالحاجة إلى نقل البندقية من كتف إلى آخر: فزعماء الحزب العمالي البريطاني يصرّون على البقاء ضمن أطر الأممية الثانية.
وبينما جعل مجرى أحداث السنوات الأخيرة الجماهير الكادحة قادرة على استيعاب البرنامج الثوري على أحسن ما يكون، إذ زعزع استقرار الحياة الاقتصادية في إنكلترا المحافظة، فإن الآلية الرسمية للأمة البرجوازية بسلطتها الملكية ومجلس لورداتها ومجلس عمومها وكنيستها ونقاباتها وحزبها العمالي وجورج الخامس وأسقف كنتربري وهندرسون بقيت دون أن تمسّ، كابحا تلقائيا قويا ضد التطور وليس إلاّ الحزب الشيوعي، المتحرر من الروتين ومن الروح العصبوية والمرتبط ارتباطا حميما بالمنظمات العمالية الكبرى، من يستطيع مجابهة هذه النخبة الرسمية بالعنصر البروليتاري.
وفي إيطاليا، حيث تعترف البرجوازية صراحة بأن مصير البلاد من الآن وصاعدا بين أيدي الحزب الاشتراكي، تعمل سياسة الجناح اليميني المتمثل بتوراتي على إعادة سيل الثورة البروليتارية إلى مجرى الإصلاحات البرلمانية. وهذا ما يكمن الآن في التخريب الداخلي، أكثر من أي شيء آخر.
يا بروليتاريي إيطاليا، فكروا بالمجر التي دخل مثالها في التاريخ من أجل أن يُذكر، مع الأسف، بأنه في النضال من أجل السلطة كما أثناء ممارستها، على البروليتاريا أن تبقى جريئة وتلفظ جميع العناصر المترددة وتقتصّ دون رحمة من جميع محاولات الخيانة.
في الولايات المتحدة، وفي بقية بلدان القارة الأمريكية، تدشّن الكوارث العسكرية التي تتبعها أزمة اقتصادية مخيفة فصلا جديدا من فصول الحركة العمالية. إن تصفية الدجل والوقاحة الويلسونية، هي بالتالي تصفية لهذه الاشتراكية الأمريكية، التي تشكل مزيجا من الأوهام السلمية والنشاط المركنتيلي، والتي تشكل نقابية غومبرز وشركاه تتويجا لها. إن الاتحاد الوثيق بين الأحزاب العمالية الثورية والمنظمات البروليتارية في القارة الأمريكية، وشبه جزيرة ألاسكا، ورأس هورن، في فرع أمريكي متراص للأممية، بوجه الإمبريالية الجبارة والمتهدّدة، إمبريالية الولايات المتحدة، هذه هي المشكلة التي يجب أن تُحل في النضال ضد كل القوى التي يعبئها الدولار للدفاع عن نفسه.
لقد كان للاشتراكيين الحكوميين وشركائهم في جميع البلدان، الكثير من الأسباب ليتهموا الشيوعيين بأنهم استفزوا بتكتيكهم المتصلب نشاط الثورة المضادة، التي يساهمون برصّ صفوفها. هذه التهمة السياسية ليست شيئا آخر سوى طبعة جديدة متأخرة لشكاوى الليبرالية. وقد كانت هذه الأخيرة، بالتحديد، تؤكد أن النضال العفوي للبروليتاريا يدفع بأصحاب الامتيازات إلى معسكر الرجعية. إنها حقيقة لا جدال فيها. فلو أن الطبقة العاملة لم تكن تهاجم أسس السيطرة البرجوازية، لما كانت هذه الأخيرة احتاجت إلى أعمال القمع، بل إن فكرة الثورة المضادة لم تكن لتوجد لو لم يعرف التاريخ الثورة. وإذا كانت انتفاضات البروليتاريا تقود حتما إلى اتحاد البرجوازية للدفاع والهجوم المضاد، فإن هذا لا يبرهن إلاّ على شيء واحد، وهو أن الثورة هي صراع بين طبقتين لا يمكن التوفيق بينهما، ولا يمكن إلاّ أن يؤدي إلى الانتصار النهائي لإحداهما على الأخرى.
إن الشيوعية تستنكر بازدراء السياسة التي تقوم على إبقاء الجماهير في حالة ركود، بتخويفها من هراوة الثورة المضادة.
إن الأممية الشيوعية تواجه عدم تماسك العالم الرأسمالي وفوضاه، هذا العالم الذي تهدد جهوده الأخيرة بابتلاع كل الحضارة الإنسانية، بالنضال المركّب للبروليتاريا العالمية، من أجل تدمير الملكية الخاصة كأداة للإنتاج، ومن أجل إعادة بناء اقتصاد وطني وعالمي على أساس خطة اقتصادية واحدة، يضعها ويحققها مجتمع المنتجين المتضامن. والأممية الشيوعية إذ تجمع ملايين الشغيلة في جميع أنحاء العالم تحت راية ديكتاتورية البروليتاريا والنظام السوفياتي للدولة، تناضل بعناد من أجل تنظيم عناصرها وتطهيرها.
إن الأممية الشيوعية هي حزب انتفاضة البروليتاريا العالمية الثورية. وهي تلفظ جميع المنظمات والأحزاب، التي تعمل بشكل علني أو مقّنع على تنويم البروليتاريا وإحباطها وتحطيم أعصابها، بحثّها على الانحناء أمام الأصناف التي تتباهى بها ديكتاتورية البرجوازية: الشرعية، والديموقراطية والدفاع الوطني، الخ…
لا يمكن الأممية الشيوعية أن تقبل بعد الآن في صفوفها المنظمات التي على الرغم من إدخالها مفهوم ديكتاتورية البروليتاريا في برنامجها، تصرّ على ممارسة سياسة تجهد للبحث عن حل سلمي للأزمة التاريخية. فالاعتراف بالنظام السوفياتي لا يعني حلاّ للمسألة. إن التنظيم السوفياتي لا يحمل فضيلة عجائبية. فهذه الفضيلة الثورية تكمن في البروليتاريا بالذات. وينبغي ألاّ تتردد البروليتاريا في أن تنتفض لتستلم السلطة، وعندها فقط سيُظهر التنظيم السوفياتي ميزاته وسيبقى بالنسبة لها السلاح الأكثر فعالية.
إن الأممية الشيوعية تطالب بطرد جميع القادة المرتبطين بشكل مباشر أو غير مباشر بتعاون سياسي مع البرجوازية، من صفوف الحركة العمالية. إن من نحتاج إليهم هم القادة الذين لا يكنّون للمجتمع البرجوازي إلاّ الحقد القاتل والذين ينظمون البروليتاريا من أجل نضال لا رحمة فيه، والمستعدون لقيادة جيش المتمردين إلى المعركة، والذين لا يتوقفون في منتصف الطريق مهما حصل، ولا يخافون اللجوء إلى إجراءات قمع لا رحمة فيها ضد جميع أولئك الذين سيحاولون التصدي لهم بالقوة.
إن الأممية الشيوعية هي الحزب العالمي لانتفاضة البروليتاريا وديكتاتوريتها. وبالنسبة لها ليس هناك أهداف سوى أهداف البروليتاريا ولا مشاكل سوى مشاكل البروليتاريا. إن ادعاءات الشّلل الصغيرة التي تريد كل منها إنقاذ الطبقة العاملة على طريقتها الخاصة، غريبة عن روح الأممية الشيوعية ومتعارضة معها، فهذه الأخيرة لا تملك الترياق العالمي، الدواء الذي لا يخطئ لجميع الأوجاع؛ إنما تستخلص الدرس من تجربة الطبقة العاملة في الماضي وفي الحاضر، وتستخدم هذه التجربة من أجل إصلاح أخطائها وسهواتها؛ وتستخلص منها خطة شاملة، وهي لا تعترف ولا تقرّ إلاّ بالصيغ الثورية التي هي صيغ العمل الجماهيري.
تنظيم مهني، إضراب اقتصادي وسياسي، مقاطعة، انتخابات برلمانية وبلدية، منبر برلماني، دعاوة شرعية وغير شرعية، منظمات سرية في الجيش، عمل تعاوني، متاريس، من كل ذلك لا ترفض الأممية الشيوعية أي شكل تنظيمي أو نضالي ينشأ في مجرى الحركة العمالية، لكنها كذلك، لا تكرّس أيّا منها كترياق عالمي.
ليس نظام السوفيتات مبدأ مجرداً يريد الشيوعيون أن يجابهوا به النظام البرلماني فحسب، فإن السوفيتات هي جهاز سلطة بروليتارية يجب أن يحل محل البرلمانية، بعد النضال وأثناء هذا النضال فقط. وفي الوقت نفسه الذي تناضل فيه الأممية الشيوعية النضال الأكثر تصميما ضد إصلاحية النقابات، وضد وصولية البرلمانات وغباوتها، فإنها لا تنسى أن تدين تزمّت أولئك الذين يدعون البروليتاريين إلى ترك صفوف المنظمات النقابية التي تضم ملايين الأعضاء، وإدارة ظهورهم للمؤسسات البرلمانية والنيابية؛ فالشيوعيون لا يهملون بأي شكل من الأشكال الجماهير التي يخدعها الإصلاحيون و«الوطنيون» ويبيعونها، لكنهم يقبلون النضال معها داخل المنظمات الجماهيرية والمؤسسات نفسها التي أنشأها المجتمع البرجوازي، بحيث يتمكنون من إطاحة هذا المجتمع بشكل سريع وأكيد.
وبينما وجدت الأجهزة التنظيمية الطبقية ووسائل النضال الشرعية بصورة شبه حصرية، بينما وجدت نفسها، تحت قيادة الأممية الثانية، خاضعة كليا لرقابة البرجوازية وقيادتها في نهاية المطاف، وبينما كان العملاء الإصلاحيون قد لجموا الطبقة الثورية، فإن الأممية الشيوعية، على العكس تماما تنتزع من أيدي البرجوازية كل الأعنة التي كانت قد استولت عليها، وتأخذ على عاتقها تنظيم الحركة العمالية، وتجمعها تحت قيادة ثورية، وبمساعدة هذه الحركة تحدد للبروليتاريا هدفا واحدا: استلام السلطة من أجل تدمير الدولة البرجوازية وبناء المجتمع الشيوعي.
وينبغي على الشيوعي، في مجرى نشاطه، أكان محرضا على إضراب احتجاج أو قياديا في منظمة سرية، أو أمين سر نقابة، أو داعية في الاحتفالات الجماهيرية أو نائبا في البرلمان، رائدا للتعاون، أو جنديا وراء المتارس، أن يبقى أمينا، أي خاضعا لانضباط الحزب، مناضلا لا يكل، عدوا لدودا للمجتمع الرأسمالي ولقواعده الاقتصادية وأشكاله الإدارية وكذبه الديموقراطي ودينه وأخلاقه؛ ينبغي أن يكون المدافع المتفاني عن الثورة البروليتارية وبطل المجتمع الجديد، الذي لا يكل ولا يملّ.
أيها العمال، أيتها العاملات!
لا يوجد على الأرض سوى راية واحدة تستحق النضال والموت في ظلها، إنها راية الأممية الشيوعية.
الإمضاء:
روسيا: ن. لينين، ج. زينوفييف، ن. بوخارين، ل. تروتسكي.
ألمانيا: ب. ليفي، أ. ماير، ي. فالتشر، ر. فولفستين.
فرنسا: روزمير، جاك سادول، هنري غيلبو.
انكترا: توم كلش، غالاشر، أ. سيلفا، بانكيرست، ماس لين.
أمريكا (الولايات المتحدة): فلين، أ. فرانيا، أ. بيلان، ج. ريد.
إيطاليا: د.م. سيراتي، ن. بومباسي، غراسيادي، أ. بورديغا.
النروج: فرايز، شافلو، أ. مادسن.
السويد: ك. دالستروم، ساميلسون، فينبرغ.
الدانمارك: أو. جورجينس، م. نيلسون.
هولندا: فينكوب، جانسن، فان لوف.
بلجيكا: فان أوفرسترايتن.
اسبانيا: بيستانا.
سويسرا: هيرنزوغ، أ. هامبرت – دروز.
المجر: راكوفسكي، أ. رودينيانسكي، فارغا.
غاليسيا: لفيتسكي.
بولونيا: و. مارشلفسكي.
لاتفي: ستوتشكا، كراستين.
ليتوانيا: ميتزكفيتش – كابوسكا.
تشيكوسلوفاكيا: فانيك، غالا، زابوتوتسكي.
إستونيا: ر. فاكمان، ج. بوغلمان.
فنلندا: ا. راكيا، ليتونمياكي، ك. مانيير.
بلغاريا: كاباكتشيف، ماكسيموف، شابلين.
يوغوسلافيا: ميلكيتش.
جورجيا: م. تزاكيا.
أرمينيا: نازاريتيان.
تركيا: نيتشاد.
إيران: سلطان – زاده.
الهند: أتشاريا، شفيك.
الهند – الهولندية: مارنيغ.
الصين: لاوو – سيو – sتشيو.
كوريا: باك دجينشون، هيم هولين.
(١) هذه بعض الأرقام الدقيقة: ألمانيا: ملكيات ريفية من 5 إلى 10 هكتارات، تستخدم عمالا مستأجرين – 652,798 (من أصل 5,736,082)، عمالا مأجورين – 487,764، عمالا متزوجين – 2,003,633. النمسا (تعداد عام 1910) – 383,351 ملكيات ريفية، منها 126,136 تستخدم شغيلة مستأجرين؛ عمالا مأجورين – 146,044، عمال متزوجون 1,265,969. يبلغ العدد الكلي للمزارع في النمسا 2,856,349.
(2) سيكون من المستحسن تشجيع إنشاء مزارع تديرها جماعات (الكومونات)
(3) بالأجنبية irrédentisme وتعريبها انضمامية وهي نظرية سياسية نادى بها الوطنيون الإيطاليون بعد عام 1870، غايتها ضم المناطق التي يسكنها أبناء جنسهم ولغتهم، والخاضعة لدول أجنبية (المُعرّبة)
(4) شخصية في المسرح الشكسبيري ترمز إلى اليهودي الجشع (المُعرّبة)
المؤتمر الثالث
موضوعات حول الوضع العالمي ومهمة الأممية الشيوعية
أولا: جوهر المسألة
1- تميزت الحركة الثورية في نهاية الحرب الإمبريالية ومنذ تلك الحرب باتساع لا سابقة له في التاريخ. في آذار / مارس 1917، أطيحت القيصرية. وفي أيار / مايو 1917، نضال إضرابي عاصف في انجلترا. وفي تشرين الثاني / نوفمبر 1917، البروليتاريا الروسية تستولي على سلطة الدولة. وفي تشرين الثاني / نوفمبر 1918 سقوط الحاكمين الملكيين في ألمانيا والنمسا – المجرية. حركة الإضراب تسيطر على سلسلة من البلدان الأوروبية، وتتطور، بشكل خاص في مجرى السنوات التالية: ففي آذار / مارس 1919، أقيمت الجمهورية السوفياتية في المجر. وفي نهاية السنة نفسها تقريبا، اهتزت الولايات المتحدة بفعل الإضرابات الضخمة لعمال المعادن، والمناجم والسكك الحديدية. وفي ألمانيا، بعد معارك كانون الثاني / يناير وآذار / مارس 1919، بلغت الحركة أوْجها، غداة عصيان كاب في آذار / مارس 1920. وفي فرنسا بلغ التوتر الداخلي أشده في شهر أيار / مايو 1920. وفي إيطاليا، كانت حركة البروليتاريا الصناعية والريفية تتنامى دون توقف، وأدت في أيلول / سبتمبر 1920 إلى مصادرة المصانع والمعامل والملكيات العقارية على يد العمال. وحملت البروليتاريا التشيكية، في كانون الأول / ديسمبر 1920 سلاح الإضراب العام السياسي. وفي آذار / مارس 1921، وقع عصيان العمال في ألمانيا الوسطى وإضراب عمال المناجم في إنجلترا.
وبلغت الحركة أبعادا كبيرة جدا، واحتداما أكثر عنفا في البلدان التي كانت في حالة حرب بالأمس، وخاصة في البلدان المهزومة، غير أنها امتدت أيضا إلى البلدان المحايدة. وفي آسيا وإفريقيا كانت تستثير أو تعزِّز السخط الثوري لدى العديد من الجماهير المستعمَرة.
ومع ذلك لم تنجح هذه الموجة العاتية بأن تطيح الرأسمالية العالمية، ولا حتى الرأسمالية الأوروبية.
2- خلال العام الذي انقضى بين المؤتمر الثاني والمؤتمر الثالث للأممية الشيوعية، قامت الطبقة العاملة بسلسلة انتفاضات ونضالات انتهت جزئيا إلى الهزيمة (تقدم الجيش الأحمر نحو فرصوفيا في آب / أغسطس 1920، تحرك البروليتاريا الإيطالية في أيلول / سبتمبر 1920، انتفاضة العمال الألمان في آذار / مارس 1921).
تميّزت المرحلة الأولى من الحركة الثورية، بعد الحرب، بعنفها البدائي، وغموض الأهداف والأساليب المعبّر جدا، والذعر الشديد الذي استولى على الطبقات الحاكمة؛ وقد بدا أنها انتهت إلى حد بعيد. وقد تعزَّز شعور البرجوازية بقوتها وبالصلابة الخارجية لأجهزة دولتها. وتضاءل الخوف من الشيوعية ولئن لم يختف كليا. وراح يتباهى قادة البرجوازية بقوة آلية دولتهم، وينتقلون في كل البلدان إلى الهجوم ضد الجماهير العمالية، سواء على الجبهة الاقتصادية أو على الجبهة السياسية.
3- نظرا لهذا الوضع، فالأممية الشيوعية تطرح على نفسها وعلى الطبقة العاملة الأسئلة التالية: إلى أي حد تتناسب حقا العلاقات المتبادلة الجديدة بين البرجوازية والبروليتاريا مع ميزان القوى الأعمق القائم بينهما؟ هل أن البرجوازية قادرة فعلا على إعادة التوازن الذي حطمته الحرب؟ هل هناك أسباب للافتراض أنه بعد حقبة من الاضطرابات السياسية والصراعات الطبقية، أتت حقبة جديدة طويلة من تجدّد الرأسمالية وتوسعها؟ ألا تترتب على ذلك ضرورة مراجعة برنامج الأممية الشيوعية، أو تكتيكها؟
ثانيا: الحرب، ازدهار المضاربات والأزمة. البلدان الأوروبية
4- شكل العقدان اللذان سبقا الحرب حقبة نمو رأسمالي قوي بشكل مميز. وتميزت فترات الازدهار بطول أمدها واتساعها، فيما تميزت فترات الركود أو الأزمة، على العكس، بقصرها. عموما، كان النبع قد ارتفع فجأة؛ واغتنت الأمم الرأسمالية.
وإذ طوّق أسياد مصائر البشر السوق العالمي بتروستاتهم وكارتيلاتهم واتحاداتهم، فقد تنبهوا إلى أن التطور المسعور للإنتاج سوف يصطدم بحدود القدرة الشرائية للسوق الرأسمالية العالمية، وحاولوا الخروج من هذا الوضع عبر أساليب عنفية، وجاءت الأزمة الدموية للحرب العالمية لتحل محل فترة طويلة من الركود الاقتصادي المتهدِّد، وبالنتيجة السابقة نفسها، أي تدمير قوى إنتاج ضخمة.
بيد أن الحرب قد جمعت ما بين القدرة التدميرية القصوى لطرائقها والمدة الطويلة بشكل غير متوقع لاستخدام تلك الطرائق. وكانت النتيجة أنها لم تدمّر فقط الإنتاج «الفائض»، بالمعنى الاقتصادي، بل أضعفت كذلك الآلية الأساسية للإنتاج في أوروبا، وزعزعتها وخربتها. وساهمت في الوقت نفسه بالتطور الرأسمالي الكبير في الولايات المتحدة والنمو المحموم في اليابان. لقد انتقل مركز ثقل الاقتصاد العالمي من أوروبا إلى أميركا.
5- لقد بدت مرحلة إيقاف المجزرة التي امتدت أربع سنوات، مرحلة تسريح الجيوش والانتقال من حالة الحرب إلى حالة السلم، والتي تترافق بشكل حتمي مع أزمة اقتصادية نتيجة الإنهاك وفوضى الحرب، بدت أمام أعين البرجوازية –ولديها الحق في ذلك- كمرحلة حبلى بأكبر المخاطر. والحقيقة أنه في السنتين اللتين تلتا الحرب، أصبحت البلدان التي خربتها هذه الحرب حلبة لتحركات بروليتارية ضخمة.
وشكّل واقع أن ما حدث بعد عدة أشهر من انتهاء الحرب لم يكن الأزمة المحتومة بل انتعاشا اقتصاديا، أحد الأسباب الرئيسية في أن البرجوازية حافظت مع ذلك على موقعها المسيطر. امتدت هذه المرحلة حوالي عام ونصف وشغّلت الصناعة العمال المسرّحين بمجملهم تقريبا. ومع أن الأجور لم تستطع عموما أن تبلغ أسعار السلع الاستهلاكية إلاّ أنها ارتفعت بشكل كافٍ لخلق سراب مكاسب اقتصادية.
إن نتيجة هذا الازدهار الاقتصادي بين عامي 1919- 1920، الذي لطّف المرحلة الأكثر حدّة لتصفية الحرب، كانت بالضبط تجدُّد ثقة البرجوازية بنفسها، وقد طرح مسألة قدوم حقبة عضوية جديدة من التطور الرأسمالي.
مع ذلك، فإن الانتعاش بين عامي 1919 – 1920 لم يشر في الحقيقة إلى بداية إحياء الاقتصاد الرأسمالي بعد الحرب، بل إلى استمرار الوضع المصطنع للصناعة والتجارة الذي خلقته الحرب، والذي أمكنه أن يزعزع الاقتصاد الرأسمالي.
6- اندلعت الحرب الإمبريالية في مرحلة كانت فيها الأزمة الصناعية والتجارية، التي ولدت في أميركا (1913) قد بدأت باجتياح أوروبا.
لقد انقطع التطور الطبيعي للدورة الصناعية بفعل الحرب التي أصبحت هي نفسها العامل الاقتصادي الأقوى. وخلقت الحرب سوقا غير محدود إلى هذا الحد أو ذاك للفروع الأساسية في الصناعة، في مأمن من كل منافسة. لم يكن يحصل المشتري الكبير أبدا على ما يكفيه مما يجري توفيره له. وتحول إنتاج وسائل الإنتاج إلى إنتاج وسائل التدمير، وأصبح ملايين الأفراد، الذين لا ينتجون، ولا يقومون إلاّ بالتدمير، يحصلون على السلع الاستهلاكية الشخصية لقاء أسعار ترتفع باستمرار. وكانت هذه بالذات سيرورة التدمير، ولكن بموجب التناقضات المخيفة للمجتمع الرأسمالي اتخذ هذا الخراب شكل الثراء. وأصدرت الدولة قروضا فوق قروض، وإصدارات مالية فوق إصدارات مالية، وانتقلت الميزانيات التي كانت تبلغ في السابق الملايين إلى مليارات. وتم تخريب الآلات والمباني ولم يجر استبدالها. وأهملت زراعة الأرض. وتوقفت الإنشاءات الأساسية في المدن والسكك الحديدية. فيما كان يزداد في الوقت نفسه عدد سندات الدولة، وسندات الائتمان وسندات الخزينة وإصدار النقود دون توقف. وتضخم الرأسمال الإسمي بالقدر الذي كان فيه الرأسمال الإنتاجي يدمّر. وتحول نظام الإقراض، وهي وسيلة لتبادل البضائع، إلى وسيلة لتداول الثروات الوطنية، بما فيها الثروات التي من المفترض أن تخلقها الأجيال القادمة.
وخوفا من أزمة كان يمكن أن تكون كارثة، تصرفت الدولة الرأسمالية بعد الحرب على الشاكلة نفسها التي تصرفت بها أثناءها: إصدارات مالية جديدة، اقتراضات جديدة، تنظيم أسعار مبيع السلع الأكثر أهمية وأسعار شرائها، ضمان الأرباح، مواد غذائية بأسعار مخفضة، ومخصصات عديدة إضافة إلى المعاشات والأجور ـ بالإضافة إلى كل ذلك رقابة عسكرية ودكتاتورية ضباط.
7- وفي الوقت نفسه، كشف توقف الأعمال الحربية وإعادة العلاقات الدولية، الطلب الكبير على السلع الأكثر تنوعا، على امتداد الكرة الأرضية. لقد تركت الحرب كميات ضخمة من المنتجات، ومبالغ ضخمة من الأموال، تجمعت بين أيدي المورّدين والمضاربين الذين كانوا يستخدموها حيث يكون الربح أكبر ظرفيا. وأدى ذلك إلى نشاط تجاري محموم، في حين أنه مع الارتفاع المذهل في الأسعار وأرباح الأسهم الخيالية، لم تقترب الصناعة في أي من الفروع الأساسية من مستواها قبل الحرب.
8- ولقاء التدمير الاقتصادي للنظام الاقتصادي، نمو الرأسمال الإسمي، وانخفاض الأسعار، والمضاربة، فإن الحكومة البرجوازية ـ بدل أن تضمد الجروح الاقتصادية – نجحت بالاتفاق مع الاتحادات المصرفية وتروستات الصناعة في إبعاد بداية الأزمة الاقتصادية، في الوقت الذي كانت تنتهي فيه الأزمة السياسية لتسريح الجيش وأول امتحان لذيول الحرب.
وبحصولها بذلك على استراحة طويلة، ظنت البرجوازية أن خطر الأزمة قد استبعد إلى وقت غير محدد. واستحوذ تفاؤل كبير على العقول، وبدا أن حاجات إعادة البناء سوف تفتح حقبة من الازدهار الصناعي والتجاري، وبشكل خاص حقبة مضاربات موفّقة. لقد كان عام 1920 عام الآمال المخيبة.
بشكل مالي بالبداية، ومن ثم بشكلٍ تجاري وأخيرا تحت شكل صناعي، وقعت الأزمة في آذار / مارس 1920 في اليابان، وفي نيسان / أبريل في الولايات المتحدة (كان انخفاض طفيف في الأسعار بدأ في كانون الثاني / يناير)، وانتقلت الأزمة إلى إنجلترا، وفرنسا وإيطاليا، في شهر نيسان / أبريل ذاته، وإلى بلدان أوروبا المحايدة، وظهرت بشكل خفيف في ألمانيا، وانتشرت في النصف الثاني من العام 1920 في العالم الرأسمالي بأكمله.
9- انطلاقا من ذلك، فإن أزمة عام 1920، لم تكن حقبة من حقبات الدورة «الطبيعية» الصناعية. وهذا أساسي لفهم الوضع العالمي، بل كانت ردة فعل أكثر عمقا على الازدهار الصوري في زمن الحرب، وفي السنتين التاليتين، ازدهار قائم على التدمير والإنهاك.
كان التناوب العادي للأزمات وفترات الازدهار يتواصل في السابق وفقا لمنحنى النمو الصناعي وعلى العكس، ففي السنوات السبع الأخيرة، بدل أن ترتفع القوى المنتجة في أوروبا، انخفضت بشكل عنيف.
لابد أن يظهر تدمير أسس الاقتصاد بالذات، في البداية، في مجمل البنية الفوقية. ومن أجل الوصول إلى انسجام داخلي معين، سيتوجب على الاقتصاد الأوروبي في السنوات القليلة القادمة أن يتقلص وينخفض. وسيهبط منحنى القوى المنتجة من ارتفاعه الصوري الحالي. ولا يمكن لفترات الازدهار في هذه الحالة إلاّ أن تكون قصيرة الأمد وستتخذ بشكل خاص طابع المضاربة. وستكون الأزمات طويلة ومضنية. إن الأزمة الحالية في أوروبا هي أزمة نقص إنتاج. وهي ردة فعل البؤس على الجهود المبذولة من أجل الإنتاج، والاتجار والعيش على منوال الحياة في الحقبة الرأسمالية السابقة.
10- وفي أوروبا، فإن إنجلترا هي البلد الأقوى اقتصاديا والذي عانى أقل من غيره من الحرب؛ لا يمكننا مع ذلك الحديث، حتى بالنسبة لهذا البلد، عن إعادة التوازن الرأسمالي بعد الحرب. لا شك أن إنجلترا، بفضل تنظيمها العالمي وموقعها كمنتصرة، أحرزت بعد الحرب بعض النجاحات التجارية والمالية، وحسّنت ميزانها التجاري، ورفعت سعر الجنيه الاسترليني، وحصلت على فائض في العائدات بالنسبة للمصاريف في الميزانية؛ ولكن إنجلترا تقهقرت على الصعيد الصناعي منذ الحرب، فمردود العمل والعائدات الوطنية منخفضة بشكل لا يقارن عما كانت عليه قبل الحرب. والوضع الصناعي الأكثر أهمية، أي وضع صناعة الفحم، يتفاقم بشكل متزايد، مفاقما وضع الفروع الأخرى. وحركات الإضراب المتواصلة لم تكن السبب في خراب الاقتصاد الإنجليزي، بل نتيجة هذا الخراب.
11- لقد دُمرت فرنسا وبلجيكا وإيطاليا بفعل الحرب بشكل لا يمكن تعويضه، ومحاولة إحياء الاقتصاد الفرنسي على حساب ألمانيا هو عمل لصوصية حقيقي يصحبه اضطهاد دبلوماسي يميل، دون أن ينقذ فرنسا، إلى إنهاك ألمانيا بشكل نهائي (عن طريق نهب الفحم، والآلات، والماشية، والذهب). وهذا الإجراء يوجه ضربة جدية لاقتصاد أوروبا القارية بمجملها. ففرنسا تكسب أقل بكثير مما تخسر ألمانيا، وتسير نحو الخراب الاقتصادي، على الرغم من أن فلاحيها قاموا بفعل جهود خارقة، بإصلاح جزء كبير من المزروعات، وأن بعض فروع الصناعة (مثلا صناعة المواد الكيميائية) قد تطورت بشكل ملحوظ خلال الحرب. فقد بلغت ديون الدولة ومصاريفها (المتأتية من النزعة العسكرية) أرقاما خيالية في نهاية مرحلة الازدهار الأولى، وهبط سعر الصرف الفرنسي بمقدار 60 بالمائة. وتعيق الخسائر الضخمة بالأرواح البشرية التي سببتها الحرب إحياء الاقتصاد الفرنسي، وهي خسائر من المستحيل تعويضها، بسبب النمو البطيء للسكان في فرنسا. وينطبق الشيء نفسه، إلى هذا الحد أو ذاك، على اقتصاد كل من بلجيكا وإيطاليا.
12- إن الطابع الوهمي لمرحلة الازدهار جليّ بشكل خاص في ألمانيا. ففي مدة من الزمن ارتفعت فيها الأسعار خلال عام ونصف بمعدل ستة أضعاف استمر إنتاج البلاد بالانخفاض بسرعة كبيرة. إن المشاركة الظافرة ظاهريا من جانب ألمانيا، في التهريب التجاري العالمي لما قبل الحرب، تم دفع ثمنها بسعر مضاعف: تبذير الرأسمال الأساسي للأمة (عن طريق تحطيم جهاز الإنتاج، والنقل والائتمان)، والانخفاض المتلاحق لمستوى معيشة الطبقة العاملة. وقد عبّرت أرباح المستوردين عن نفسها بخسارة دون تعويض من زاوية اقتصاد الدولة. فتحت شكل التصدير، يجري بيع ألمانيا بالذات بسعر بخس. والسادة الرأسماليون يضمنون لأنفسهم حصة متزايدة باستمرار من الثروة الوطنية، التي تتناقص، من جهتها، دون توقف. لقد أصبح العمال الألمان حمالي أوروبا.
13- وكما يقوم الاستقلال السياسي الصوري للبلدان الصغيرة المحايدة على التضاد القائم بين الدول الكبرى، فإن ازدهارها الاقتصادي يخضع للسوق العالمي، الذي كان قد حدّد طابعه الأساسي قبل الحرب كل من إنجلترا وألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا. حققت برجوازية البلدان الصغيرة المحايدة في أوروبا خلال الحرب أرباحا هائلة لكن دمار البلدان الأوروبية التي شاركت في الحرب وخرابها حمل الخراب الاقتصادي للبلدان الصغيرة المحايدة. فارتفعت ديونها، وانخفضت أسعار عملتها. لقد وجهت لها الأزمة الضربة تلو الأخرى.
ثالثا: الولايات المتحدة، اليابان
البلدان المستعمَرة وروسيا السوفياتية
14- يمثل تطور الولايات المتحدة خلال الحرب، بمعنى من المعاني، نقيض تطور أوروبا. فقد كانت مشاركة الولايات المتحدة بالحرب مشاركة مموّنين. ولم تشعر الولايات المتحدة أبدا بالآثار التدميرية للحرب. وكان التأثير التدميري غير المباشر للحرب على النقليات والاقتصاد الريفي، الخ.، أضعف بكثير في هذا البلد منه في إنجلترا ـ دون الحديث عن فرنسا وألمانيا. ومن جهة ثانية استغلت الولايات المتحدة بشكل كامل انعدام المنافسة الأوروبية أو على الأقل ضعفها الحاد، ودَفعت صناعاتها الأكثر أهمية إلى درجة من التطور غير المنتظر (النفط، الإنشاءات البحرية، السيارات، الفحم)، وليس النفط الأميركي وحده ولا الزُّروع(1) الأميركية، بل أيضا الفحم هو ما يبقي غالبية البلدان الأوروبية في حالة تبعية.
وإذا كانت أميركا تصدر، إلى حين اندلاع الحرب، المنتجات الزراعية والمواد الأولية (تشكل ثلثي حجم الصادرات الكلية) فهي في الوقت الحاضر تصدِّر بشكل خاص، وعلى العكس، المنتجات الصناعية (60 بالمائة من الصادرات). وإذا كانت أميركا حتى الحرب مدينة، فإنها أصبحت في الوقت الحاضر دائنة للعالم أجمع. فنصف احتياطي الذهب العالمي ما زال يتدفق إليها. وانتقل الدور الحاسم في السوق من الجنيه الاسترليني إلى الدولار.
15- مع ذلك، فإن الرأسمال الأميركي قد خرج هو أيضا عن التوازن. فالازدهار الخارق للصناعة الأميركية قد تحدد حصرا بجملة شروط عالمية: إلغاء المنافسة الأوروبية، وبشكل خاص الطلب في سوق الأسلحة في أوروبا. وإذا لم تستطع أوروبا المدمَّرة أن تعود بعد الحرب إلى موقعها كمنافسة لأميركا أي إلى موقعها في السوق العالمي ما قبل الحرب، فإنها لا تستطيع من جهة ثانية كسوق لأميركا، أن تحصل من الآن وصاعدا إلاّ على جزء لا قيمة له من أهميتها السابقة. فقد أصبحت الولايات المتحدة بلدا مصدّرا بدرجة أكبر بكثير مما كانت عليه قبل الحرب. إن الجهاز الإنتاجي فائق التطور لا يمكن أن يستخدم بشكل كامل خلال الحرب بسبب افتقاد الأسواق. وهكذا أصبحت بعض الصناعات صناعات موسمية لا يمكن أن تؤمن العمل للعمال إلاّ لجزء من السنة. إن الأزمة في الولايات المتحدة هي بداية دمار اقتصادي عميق ومستديم بنتيجة انهيار أوروبا. وهنا تكمن نتيجة تدمير تقسيم العمل العالمي.
16- لقد أفادت اليابان أيضا من الحرب من أجل توسيع موقعها في السوق العالمي. إن تطورها أكثر محدودية بما لا يقارن مع الولايات المتحدة، ويتخذ في سلسلة من الفروع طابعا مصطنعا محضا. وإذا كانت قواها المنتجة كافية من أجل السيطرة على سوق خال من المنافسين، إلاّ أنها تبدو مع ذلك غير كافية من أجل الحفاظ على هذا السوق في الصراع مع البلدان الرأسمالية الأقوى، وقد نتج عن ذلك أزمة حادة كانت بالتحديد بداية الأزمات الأخرى كافة.
17- وأفادت البلدان الساحلية المصدِّرة للمواد الأولية، ومن ضمنها البلدان المستعمَرة (أميركا الجنوبية، كندا، أستراليا، الهند، ومصر، الخ)، كل بدورها، من توقف المواصلات الدولية من أجل تطوير صناعتها المحلية. لقد امتدت الأزمة العالمية إلى هذه البلدان أيضا. إن تطور الصناعة الوطنية في هذه البلدان يصبح بدوره مصدرا لصعوبات تجارية جديدة لإنجلترا وأوروبا بأكملها.
18- وفي مجال إنتاج التجارة والتسليف، ليس ثمة سبب للتأكيد ـ ليس فقط في أوروبا بل على الصعيد العالمي – بأن هناك أي إعادة لتوازن مستقر بعد الحرب.
فالانهيار الاقتصادي يستمر في أوروبا، ولكن تدمير أسس الاقتصاد الأوروبي لن يظهر خلال السنوات القادمة إلاّ بشكل خفيف.
السوق العالمي في فوضى. أوروبا بحاجة للمنتجات الأميركية، غير أنها لا تستطيع أن تعطي أميركا أي مقابل. أوروبا مصابة بفقر الدم، وأميركا مصابة بنمو زائد. ويشكل انخفاض قيمة العملة في البلدان الأوروبية (الذي يصل إلى نسبة 99 بالمائة) عائقا أمام التجارة العالمية يكاد يمكن تجاوزه. إن التقلبات الدائمة وغير المتوقعة للعملة تحوِّل الإنتاج الرأسمالي إلى مضاربة لا كابح لها. ولا يمكن إعادة سعر الذهب إلى ما كان عليه في أوروبا إلاّ عن طريق رفع الصادرات وخفض الواردات. وأوروبا المهدّمة غير قادرة على هذا التحول. وأميركا بدورها تقاوم الواردات الأوروبية المصطنعة (الإغراق) عن طريق رفع التعرفات الجمركية.
وتبقى أوروبا مستشفى للأمراض العقلية. فأغلبية الدول تصدر قوانين تحظر الاستيراد والتصدير، وتضاعف تعرفات الحماية لديها. إنكلترا تطبق حقوق الحظر على الصادرات الألمانية ومجمل الحياة الاقتصادية الألمانية رهن بعصابة من المضاربين في الدول الحليفة وخاصة فرنسا. وأراضي النمسا – المجرية تقسمها عشرات الخطوط الجمركية. وربطة خيوط معاهدات السلم تصبح أكثر تداخلا وتعقيدا يوما بعد يوم.
19- لقد ساهم اختفاء روسيا السوفياتية كسوق للمنتجات الصناعية وكمموِّن بالمواد الخام في الإخلال بتوازن السوق العالمي. وعودتها في المرحلة القادمة إلى السوق العالمي لن تحمل إليه تحولات كبيرة. كان الجهاز الرأسمالي لروسيا، من ناحية وسائل الإنتاج، في تبعية كاملة للصناعة العالمية، وتعززت أيضا هذه التبعية تجاه الدول الحليفة خلال الحرب، فيما كانت صناعة روسيا الداخلية مستنفرة بشكل كامل. لقد قطع الحصار هذه الروابط الحيوية بضربة واحدة. وليس واردا أن يتمكن هذا البلد، الذي أنهكته ثلاث سنوات من الحرب الأهلية ودمرته، من تنظيم الفروع الصناعية الجديدة لديه، التي بدونها كانت الفروع القديمة تدمرت حتما بفعل استنزاف معداتها الأساسية. يضاف إلى ذلك واقع استيعاب الجيش الأحمر لعشرات الآلاف من أفضل العمال، إلى حد بعيد أكثرهم اختصاصا. ضمن هذه الشروط التاريخية، لم يكن أي نظام آخر ليستطيع، وهو مطوّق بالحصار، ومعرّض لحروب لا تتوقف، ويحمل إرثا رهيبا من الدمار، أن يحافظ على الحياة الاقتصادية ويخلق إدارة ممركزة. ولكن لا يمكننا أن نشك بأنه تم دفع ثمن النضال ضد الإمبريالية العالمية بالاستنزاف المتواصل للقوى المنتجة في روسيا في فروع أساسية عديدة من الاقتصاد ولم يحصل إلاّ في الوقت الحاضر، بعد فك الحصار، وإحياء بعض الأشكال الأكثر طبيعية للعلاقات بين المدينة والريف، إن توفرت للسلطة السوفياتية إمكانية قيادة ممركزة ثابتة وصلبة لا تلين لأجل إنهاض البلد.
رابعا: احتدام التعارضات الاجتماعية
20- إن الحرب التي أنتجت تدميرا للقوى المنتجة لا سابقة له في التاريخ، لم توقف سيرورة التمايز الاجتماعي؛ بل على العكس حصل تقدم مخيف على صعيد بلترة شرائح متوسطة واسعة، بما فيها الطبقة الوسطى (المستخدمين، والموظفين) في البلدان التي عانت أكثر من غيرها من الحرب. لقد أصبحت المسألة ستينز Stinnes مسألة أساسية في الحياة الاقتصادية الألمانية.
لقد كان ارتفاع أسعار السلع الملازم للانخفاض الكارثي للصرف في كل البلدان الأوروبية التي شاركت في الحرب يشهد في الواقع على توزيع جديد للدخل الوطني على حساب الطبقة العاملة والمستخدمين والموظفين وأصحاب الريع الضئيل، وبشكل عام على حساب جميع فئات الأفراد الذين يحصلون على ريع محدد إلى هذا الحد أو ذاك.
على هذه الشاكلة عادت أوروبا لناحية مواردها المادية عشرات السنوات إلى الوراء وبعيدا عن أن يتوقف مجرى احتدام التعارضات الاجتماعية، الذي لم يعد ممكنا مقارنته من الآن وصاعدا بما كان عليه بالسابق، راح يتفاقم بسرعة مذهلة. هذه الواقعة الرئيسية كافية لتحطيم كل أمل مبني على تطور متواصل وسلمي للقوى الديمقراطية. إن التمايز المتنامي -«الستنزة»(2)، من جهة، ومن جهة أخرى البلترة والإفقار-، القائم على الدمار الاقتصادي، يحدد الطابع المتوتر والحاسم والقاسي للصراع الطبقي.
إن الطابع الحالي للأزمة يشكل إدامة، من هذه الزاوية، لعمل الحرب ولاندفاع المضاربة الذي تبع تلك الحرب.
21- أدى ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية، بخلقه لوهم الثراء العام للريف، إلى ازدياد فعلي في دخول الفلاحين الأغنياء وثرواتهم. فلقد استطاع الفلاحون في الواقع أن يدفعوا ديونهم التي ترتبت عليهم حين كان لا يزال سعر العملة عاديا، بواسطة أوراق مالية هابطة القيمة كانوا قد راكموها بكميات كبيرة. على الرغم من الارتفاع الكبير بسعر الأرض وعلى الرغم من سوء الاستخدام الوقح لاحتكار وسائل المعيشة، وأخيرا على الرغم من إثراء كبار الملاكين العقاريين والفلاحين الميسورين، فإن تراجع الاقتصاد الريفي في أوروبا لا جدال فيه: وهو تراجع متعدد الوجوه يعبر عن نفسه بتوسيع أشكال الاقتصاد الزراعي، وتحويل الأراضي الصالحة للزراعة إلى حقول، وإبادة الماشية، وتطبيق نظام الأراضي المرتاحة. ومن أسباب هذا التراجع أيضا نقص الأدوات المصنوعة وغلاؤها وارتفاع أسعارها. وأخيرا الخفض المنظم ـ في أوروبا الوسطى والشرقية – للإنتاج، الذي جاء كردة فعل على محاولات سلطة الدولة وضع يدها على الإشراف على المنتجات الزراعية. ويخلق الفلاحون الميسورون، وإلى حد ما الفلاحون المتوسطون، منظمات سياسية واقتصادية من أجل حماية أنفسهم من هجمات البرجوازية ومن أجل أن يفرضوا على الدولة ـ كثمن للدعم الذي يقدمونه بمواجهة البروليتاريا – سياسة تعرفات وضرائب أحادية الجانب ولصالح الفلاحين حصرا، سياسة تعيق تجديد الرأسمالية. بذلك ينشأ تعارض بين البرجوازية المدينية والبرجوازية القروية، مما يضعف قوة الطبقة البرجوازية بمجملها. فيما يتبلتر، في الوقت نفسه، جزء كبير من الفلاحين الفقراء، وتتحول القرية إلى جيش من الساخطين، ويتنامى الوعي الطبقي لطبقة البروليتاريا الريفية.
من جهة ثانية، سبّب الإفقار العام في أوروبا، الذي جعلها عاجزة عن شراء الكمية الضرورية من الزروع الأميركية، أزمة كبيرة في الاقتصاد الريفي لما وراء الأطلسي. ونلاحظ تفاقم وضع الفلاح والمزارع الصغير ليس فقط في أوروبا بل أيضا في الولايات المتحدة وكندا والأرجنتين وأستراليا وجنوب إفريقيا.
22- لقد تفاقم وضع الموظفين والمستخدمين بشكل عام، بفعل انخفاض القدرة الشرائية للعملة، بحدة أكبر من وضع البروليتاريا. واختلّت شروط المعيشة للموظفين الصغار والمتوسطين اختلالا كليا، بحيث أصبحت هذه العناصر خميرة سخط سياسي، يقوّض صلابة آلية الدولة، التي يخدمها هؤلاء. إن «الفئة المغلقة المتوسطة الجديدة» التي تمثل بالنسبة للإصلاحيين مركز القوى المحافظة، تصبح بالأحرى خلال مرحلة الانتقال عاملا ثوريا.
23- لقد فقدت أوروبا الرأسمالية أخيرا موقعها الاقتصادي المهيمن في العالم. من جهة ثانية، كان توازنها الطبقي النسبي يقوم على هذه الهيمنة الواسعة. وكل الجهود التي قامت بها البلدان الأوروبية (إنجلترا وإلى حد ما فرنسا) من أجل إعادة الوضع الداخلي إلى ما كان عليه، لم تكن إلاّ لتزيد من فوضى الحيرة والتقلب.
24- فيما كان تركّز الملكية في أوروبا ينجز على قاعدة الدمار وصل هذا التركّز والتضاد الطبقي في الولايات المتحدة إلى درجة قصوى على قاعدة إثراء رأسمالي محموم. إن التحولات المفاجئة للوضع بفعل التقلب العام بالسوق العالمي، أعطت الصراع الطبقي على الأرض الأميركية طابعا متوترا للغاية وثوريا. ولا بد أن يلي بلوغ الرأسمالية ذروة لا مثيل لها في التاريخ بلوغ النضال الثوري ذروته.
25- كانت هجرة العمال والفلاحين إلى ما وراء المحيط تخدم دائما كصمام أمان للنظام الرأسمالي في أوروبا وكانت تزداد خلال فترات الركود المتواصلة وبعد هزيمة الحركات الثورية. غير أن أميركا وأستراليا تعيقان الآن الهجرة ودائما بشكل متزايد. إن صمام الأمان الخاص بالهجرة لم يعد يشتغل.
26- خلق التطور النشط للرأسمالية في الشرق، وخاصة في الهند والصين، أسسا اجتماعية جديدة للنضال الثوري وعزّزت البرجوازية في هذه البلدان روابطها بالرأسمال الأجنبي وأصبحت على هذه الشاكلة أداته الأساسية للسيطرة. إن صراعها مع الإمبريالية الأجنبية، صراع المنافس الأشد ضعفا، يتخذ أساسا طابعا نصف وهمي، فتطور البروليتاريا المحلية يشلُّ الميول الثورية الوطنية للبرجوازية الرأسمالية. ولكن، وفي الوقت نفسه، تجد الصفوف الواسعة للفلاحين، في شخص الطليعة الشيوعية الواعية، قادة ثوريين حقيقيين.
إن اجتماع الاضطهاد القومي العسكري بواسطة الإمبريالية الأجنبية، والاستغلال الرأسمالي بواسطة البرجوازية المحلية والبرجوازية الأجنبية، وكذلك بقايا العبودية الإقطاعية، كل ذلك يخلق الشروط التي تستطيع البروليتاريا الناشئة أن تتطور بفعلها سريعا، وتقف على رأس حركة فلاحية واسعة.
لقد أصبحت الآن الحركة الشعبية الثورية في الهند والمستعمرات الأخرى جزءا لا يتجزأ من الثورة العالمية للشغيلة، تماما كما هو الحال مع انتفاض البروليتاريا في البلدان الرأسمالية في العالم القديم أو في العالم الجديد.
خامسا: العلاقات الدولية
27- يحدد الوضع العام للاقتصاد العالمي وقبل كل شيء خراب أوروبا مرحلة طويلة من صعوبات اقتصادية كبيرة، وهزات وأزمات جزئية وعامة، الخ. وتتولى العلاقات الدولية، كما توطدت كنتيجة للحرب ومعاهدة فرساي، جعل الوضع أمام جدار مسدود.
لقد ولدت الإمبريالية تعبيرا عن حاجات القوى المنتجة التي تنزع إلى إلغاء حدود الدول القومية وخلق أرض أوروبية وعالمية اقتصادية واحدة؛ وكانت نتيجة الصراع بين الامبرياليات المتعادية إتاحة حدود جديدة وجمارك جديدة وجيوش جديدة في أوروبا الوسطى والشرقية. لقد أعيدت أوروبا، بالمعنى الاقتصادي والعملي إلى القرون الوسطى.
وعلى أرض مستنزفة ومهدمة، تتم المحافظة حاليا على جيش أكبر مرة ونصفا مما كان عليه عام 1914، أي في ذروة «السلم المسلح».
28- يمكن أن نقسم السياسة القيادية لفرنسا في القارة الأوروبية إلى قسمين: أحدهما يشهد على الغضب الأعمى للمرابي المستعد لخنق المستدين المفلس، والثاني يتمثل بجشع الصناعة الكبيرة النهّابة بغية خلق الشروط الملائمة لإمبريالية صناعية، قادرة على الحلول محل الإمبريالية المالية المفلسة، وذلك عن طريق أحواض السار والروهر وسيليزيا العليا.
غير أن هذه الجهود تتعارض مع مصالح إنكلترا. فمهمة هذه الأخيرة تقوم على فصل الفحم الألماني عن الركاز (3) الفرنسي، اللذين يشكل الجمع بينهما شرطا ضروريا لإحياء أوروبا من جديد.
29- تبدو الإمبراطورية البريطانية حاليا في ذروة قوتها. فقد حافظت على ممتلكاتها القديمة واحتلت أخرى جديدة. ولكن اللحظة الحالية تحديدا تُظهر أن الموقع المهيمن لإنجلترا يتناقض مع انحطاطها الاقتصادي الفعلي. وقد سُحقت ألمانيا، برأسماليتها الأكثر تطورا بما لا يقارن لناحية التقنية والتنظيم، بواسطة القوة العسكرية. ولكن يقف بمواجهة إنجلترا خصم منتصر وأكثر تهديدا من ألمانيا، تمثله الولايات المتحدة، سيدة الأميركيتين اقتصاديا. إن مردود العمل في الصناعات في الولايات المتحدة، بفعل تنظيم أفضل وتقنية أفضل، أعلى بما لا يقارن مما هو عليه في إنكلترا. فالولايات المتحدة تنتج 65 إلى 70 بالمائة من النفط المستهلك في العالم أجمع، الذي يتوقف عليه استخدام السيارات والجرارات، والأسطول والطيران. إن الموقع العريق في القدم وشبه الاحتكاري لإنجلترا في سوق الفحم قد تحطّم نهائيا، واحتلت أميركا المركز الأول. فصادراتها إلى أوروبا تتزايد بشكل مهدِّد، وأسطولها التجاري يضاهي تقريبا الأسطول الإنجليزي، وهي لم تعد تريد الإذعان لاحتكار إنجلترا العالمي. وعلى الصعيد الصناعي، تنتقل بريطانيا العظمى إلى موقع الدفاع، وتحت حجة محاربة المنافسة الألمانية «الخبيثة» تتسلح بإجراءات حماية بمواجهة الولايات المتحدة. وأخيرا في حين توقف عن التطور أسطول إنجلترا العسكري، الذي يضم عددا كبيرا من الوحدات القديمة، استعادت حكومة هاردينغ برنامج حكومة ويلسون فيما يختص بالإنشاءات البحرية، التي ستمنح أميركا، خلال السنتين أو الثلاث سنوات القادمة، الهيمنة على البحار.
إن الوضع هو على الصورة التالية: إمّا أن تُدفع إنجلترا إلى موقع ثانوي وعلى الرغم من انتصارها على ألمانيا، تصبح قوة من الدرجة الثانية، وإمّا ـ وهو ما باتت ترى نفسها مجبرة عليه – أن تجند فعلا، في مستقبل قريب جدا، كل القوى التي اكتسبتها في الماضي في صراع مستميت مع الولايات المتحدة.
وضمن هذا المنظور تحافظ إنجلترا على تحالفها مع اليابان وتسعى، لقاء تنازلات تتزايد باستمرار، لكسب دعم فرنسا أو على الأقل حيادها.
إن تنامي دور هذه الأخيرة الدولي ـ في حدود القارة – خلال العام الجاري لا يعود إلى ضعف اعترى فرنسا، بل إلى الضعف الدولي لإنجلترا.
إن استسلام ألمانيا في أيار / مايو الماضي في مسألة تعويضات الحرب، يشير إلى الانتصار الظرفي لإنجلترا في كل مكان، ويؤكد الانهيار الاقتصادي اللاحق لأوروبا الوسطى، دون استبعاد احتلال فرنسا لأحواض الروهر وسيليزيا العليا، في مستقبل قريب.
30- إن العداء بين اليابان والولايات المتحدة، الذي كان مستقرا ظرفيا بسبب مشاركتهما في الحرب ضد ألمانيا، ينمّي اتجاهاته علنا في هذه المرحلة، فقد اقتربت اليابان من شواطئ الولايات المتحدة بعد أن استولت على جزر ذات أهمية استراتيجية كبيرة في المحيط الهادي.
لقد أيقظت الأزمة الصناعية التي تطورت بسرعة في اليابان، مسألة الهجرة من جديد؛ فاليابان بلد ذو كثافة سكانية، وفقير بالموارد الطبيعية، مجبر على تصدير السلع أو الأشخاص. وفي الحالة الأولى كما في الثانية يصطدم بالولايات المتحدة، في كاليفورنيا وفي الصين وعلى جزيرة جاب.
تنفق اليابان أكثر من نصف ميزانيتها على الجيش وعلى الأسطول. وتلعب اليابان في البحر، بسبب النزاع بين إنكلترا وأميركا الدور الذي تلعبه فرنسا على الأرض في الحرب مع ألمانيا. وتستفيد اليابان حاليا من العداء بين بريطانيا العظمى وأميركا، غير أن الصراع النهائي بين هذين العملاقين على السيطرة على العالم، سيتقرر في النهاية على حسابها.
31- لقد كانت المجزرة الأخيرة أوروبية بأسبابها وبالمشتركين بها. وكان محور الصراع هو العداء بين إنكلترا وألمانيا، وقد وسّع تدخل الولايات المتحدة أُطُرَه، دون أن يحوله عن اتجاهه الأساسي؛ لقد تم حل النزاع الأوروبي على مستوى العالم أجمع. إن الحرب التي أنهت على طريقتها الخلاف بين إنجلترا وألمانيا، ليس فقط لم تحل مسألة العلاقات بين الولايات المتحدة وإنجلترا بل، على العكس، فقد وضعتها من جديد في الواجهة، بكل أبعادها، باعتبارها مسألة أساسية في السياسة الدولية. كما طرحت مسألة من الدرجة الثانية، وهي مسألة العلاقات بين الولايات المتحدة واليابان. وبهذا المعنى كانت الحرب الأخيرة مقدمة أوربية للحرب العالمية حقا التي ستقرر السيطرة الإمبريالية المطلقة.
32- ولكن هذا ليس إلاّ محورا من محاور السياسة الدولية. وهناك محور آخر أيضا: فاتحاد السوفيتات الروسية والأممية الثالثة قد ولدتها نتائج الحرب الأخيرة. وتجمع القوى الثورية العالمية موجه كليا ضد كل التجمعات الإمبريالية.
إن للحفاظ على التحالف بين إنجلترا وفرنسا أو على العكس، فرط هذا التحالف، الثمن نفسه من وجهة نظر مصالح البروليتاريا ومن وجهة نظر السلام، وسواء تجدّد أو لم يتجدد التحالف الإنجليزي – الياباني، وسواء دخلت الولايات المتحدة (أو رفضت الدخول) إلى عصبة الأمم، فالبروليتاريا لن تجد ضمانة كبرى للسلام في التجمع العابر والجشع وغير الموثوق به بين الدول الرأسمالية، الذي تتعهده سياستها المتطورة باستمرار حول التضاد الإنجليزي – الأميركي، فيما تعدّ لانفجار دموي.
إن إبرام بعض الدول الرأسمالية معاهدات سلمية واتفاقات تجارية مع روسيا السوفياتية هو أبعد من أن يعني أن البرجوازية العالمية قد تخلت عن هدف تدمير الجمهورية السوفياتية. إننا لا نستطيع أن نرى في ذلك إلاّ تحولا ربما كان عابرا لأشكال وأساليب الصراع. وربما دلّ الانقلاب الياباني في الشرق الأقصى على بداية مرحلة جديدة من التدخل المسلح.
ومن الواضح بشكل مطلق، أنه كلما تباطأت الحركة البروليتارية الثورية العالمية كلما دفعت تناقضات الوضع الاقتصادي والسياسي العالمي البرجوازية كي تحاول مجددا إيجاد حل بقوة السلاح على المستوى العالمي. وهذا يعني أن «إعادة التوازن الرأسمالي» سترتكز بعد الحرب الجديدة على إنهاك اقتصادي وانكفاء للحضارة بحيث تبدو لدى المقارنة مع الوضع الحالي أوروبا، ذروة الرخاء.
33- وعلى الرغم من أن تجربة الحرب الأخيرة قد أثبتت بيقين مرعب أن «الحرب هي حساب خادع» – حقيقة تشمل كل نزعة سلمية، سواء كانت اشتراكية أو برجوازية – فإن الإعداد لحرب جديدة، الإعداد الاقتصادي والسياسي والأيديولوجي والتقني، يستمر بخطوات حثيثة في العالم الرأسمالي بأكمله. إن النزعة السلمية الإنسانية المعادية للثورة قد أصبحت قوة داعمة للنزعة العسكرية.
إن الاشتراكيين – الديمقراطيين بمختلف تلاوينهم ونقابويي أمستردام يوحون للبروليتاريا العالمية بالقناعة بضرورة التكيف مع القواعد الاقتصادية والحق الدولي للدول كما جرى إقرارها بنتيجة الحرب، ويبدون بذلك كمعاونين باهرين للبرجوازية الإمبريالية في الإعداد لمجزرة جديدة تهدد بتدمير الحضارة الإنسانية نهائيا.
سادسا: الطبقة العاملة بعد الحرب
34- تتلخص بالواقع مسألة إحياء الرأسمالية على الأسس المذكورة أعلاه، على الشكل التالي: هل الطبقة العاملة مستعدة، وضمن شروط جديدة أصعب بما لا يقارن مما في السابق، لتقديم التضحيات اللازمة من أجل ضمان شروط استعبادها الخاص، الأكثر قساوة وتضييقا مما كان عليه قبل الحرب؟
من أجل ترميم الاقتصاد الرأسمالي، عبر استبدال جهاز الإنتاج المهدم خلال الحرب، هناك ضرورة لتأسيس قوى جديدة لرأس المال. ولن يكون ذلك ممكنا إلاّ إذا كانت البروليتاريا مستعدة للعمل أكثر وبشروط معيشية متدنية جدا. هذا ما يطلبه الرأسماليون، وهذا ما يشير عليها به قادة الأممية الصفراء الخونة: دعم ترميم الرأسمالية في البداية ومن ثم النضال من أجل تحسين وضع العمال. ولكن البروليتاريا الأوروبية غير مستعدة للتضحية، وتطالب بتحسين شروطها المعيشية، الأمر الذي يتعارض تعارضا مطلقا حاليا مع الإمكانات الموضوعية للرأسمالية. من هنا الإضرابات والانتفاضات المتواصلة واستحالة إحياء الاقتصاد الأوروبي. إن إعادة سعر الصرف إلى ما كان عليه، بالنسبة للعديد من الدول الأوروبية (ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، النمسا، المجر، بولندا، البلقان) هو قبل كل شيء التخلص من الأعباء التي تتخطى إمكاناتها، أي أن تعلن إفلاسها. ويعني كذلك إعطاء دفعة قوية لصراع الطبقات من أجل توزيع جديد للعائد الوطني. إن إعادة سعر الصرف إلى ما كان عليه، تعني مستقبلا خفض مصاريف الدولة على حساب الجماهير (رفض تثبيت الحدّ الأدنى للأجور، وأسعار السلع الاستهلاكية الأساسية) ومنع وصول السلع الضرورية الرخيصة الآتية من الخارج، وإنعاش التصدير بخفض تكاليف الإنتاج، أي، مرة أخرى، تعزيز استغلال الجمهور العمالي بالدرجة الأولى. إن كلّ إجراء جدّي، يتجه إلى إعادة التوازن الرأسمالي سيزعزع التوازن المختل أصلا بين الطبقات أكثر مما هو مزعزع وسيعطي النضال الثوري اندفاعة جديدة. وبالتالي تصبح مسألة معرفة ما إذا كان بالإمكان إحياء الرأسمالية من جديد، مسألة صراع بين القوى الحية: القوى الطبقية والحزبية. ومن بين الطبقتين الأساسيتين، البرجوازية والبروليتاريا، إذا تخلت إحداهما، أي الأخيرة، عن النضال الثوري، فإن الثانية، أي البرجوازية، ستجد بلا ريب بنهاية الأمر، توازنا رأسماليا جديدا ـ توازن تفكك مادي ومعنوي – بواسطة أزمات جديدة وحروب جديدة، وإفقار مستمر لبلدان بأكملها، وموت عشرات الملايين من الشغيلة.
غير أن الوضع الحالي للبروليتاريا العالمية لا يقدّم أبدا أسبابا لتوقع هذا التوازن.
35- لقد فقدت العناصر الاجتماعية المتمثلة بالاستقرار والنزعة المحافظة والتقاليد جزءا كبيرا من تأثيرها على عقول الجماهير الكادحة. وإذا كانت الاشتراكية – الديمقراطية والنقابات لا تزال تحتفظ ببعض التأثير على جزء هام من البروليتاريا بفضل إرث الجهاز التنظيمي وإرث الماضي، فإن هذا التأثير ضعيف كليا. فالحرب لم تغير عقلية البروليتاريا وحسب بل وتشكيلها. وهذه التغييرات تتعارض كليا مع التنظيم التدريجي لما قبل الحرب.
وفي أغلب البلدان لا زالت تسيطر في قمة البروليتاريا بيروقراطية عمالية متطورة جدا، وموحدة بشكل وثيق، تعدُّ طرائقها وأساليبها الخاصة للسيطرة. وترتبط بآلاف الروابط بمؤسسات الدولة الرأسمالية وأجهزتها.
تأتي بعد ذلك مجموعة من العمال، الأفضل موقعا في الإنتاج، الذين يشتغلون أو يسعون لشغل مراكز إدارية، والذين يشكلون الدعامة الأكثر ضمانة للبيروقراطية العمالية.
ومن ثم الجيل القديم من الاشتراكيين الديمقراطيين، والعمال النقابيين المتخصصين بأغلبيتهم، المرتبطين بمنظمتهم بعقود من النضال، والذين لا يستطيعون أن يقرروا القطع معها، على الرغم من خياناتها وإفلاسها. مع ذلك، وفي فروع عديدة للإنتاج يختلط العمال المتخصصون بالعمال غير المتخصصين، وخاصة النساء منهم.
وهناك أيضا ملايين العمال الذين تعلموا الحرب، وتعودوا استخدام السلاح وهم مستعدون، بغالبيتهم، لأن يستخدموه ضد العدو الطبقي لكن بشرط إعداد جدي مسبق وقيادة صلبة وهما أمران ضروريان لإحراز الانتصارات.
وكذلك ملايين العمال الجدد، والعاملات بشكل خاص، الذين جذبوا إلى الصناعة أثناء الحرب وحملوا إلى البروليتاريا ليس فقط أفكارهم المسبقة البرجوازية الصغيرة، بل أيضا تطلعاتهم المتلهفة إلى شروط معيشية أفضل.
وأخيرا هناك ملايين العمال والعاملات الشباب الذين تربوا أثناء العاصفة الثورية، وهم أكثر تقبلا للخطاب الشيوعي ويشتعلون رغبة بالتحرك.
وهناك بالدرجة الأخيرة جيش ضخم من العاطلين عن العمل وهم بغالبيتهم مقتلعون من جذورهم الطبقية أو شبه مقتلعين، وتعكس تقلبات هذا الجيش، بالشكل الأكثر عمقا، مسار انحطاط الاقتصاد الرأسمالي، وتضع النظام البرجوازي تحت تهديدها المستمر.
لم تنجذب هذه العناصر بعد الحرب على اختلاف أصولها وسماتها إلى الحركة في آن واحد وبالطريقة نفسها. من هنا تعثر النضال الثوري وتقلبه وتقدمه وتراجعه. غير أن الجمهور البروليتاري، بأغلبيته العظمى، يرص صفوفه بسرعة على أنقاض كل الأوهام القديمة، وعدم استقرار الحياة اليومية المخيف، وأمام كل قوة الرأسمال الممركَز، وأمام الأساليب اللصوصية للدولة المعسكرة. ويبحث هذا الجمهور الذي يضم عدة ملايين من الأشخاص عن قيادة حازمة وواضحة، وبرنامج عمل واضح، ويخلق بذلك بالذات قاعدة الدور الحاسم المدعو للعبه الحزب الشيوعي المتماسك والممركز.
36- لقد تفاقم وضع الطبقة العاملة بالتأكيد خلال الحرب وازدهر وضع بعض المجموعات العمالية، ونجحت بعض العائلات التي استطاع عدد من أفرادها العمل في المصانع خلال الحرب أن تحافظ على مستوى معيشتها أو ترفع منه. ولكن بشكل عام، لم تزدد الأجور بالتناسب مع غلاء المعيشة.
في أوروبا الشرقية حُكم على الطبقة العاملة بعوز يتزايد باستمرار. أمّا في البلدان القارية المتحالفة، فكان انخفاض مستوى المعيشة أقل عنفا في هذه السنوات الأخيرة. ففي إنكلترا أوقفت الطبقة العاملة سيرورة تدهور شروط معيشتها عن طريق نضال نشط خلال المرحلة الأخيرة من الحرب.
وتحسّن وضع بعض شرائح الطبقة العاملة في الولايات المتحدة، فيما حافظت بعض الشرائح على وضعها القديم أو تعرضت لانخفاض بمستوى معيشتها.
لقد انقضّت الأزمة على البروليتاريا في العالم أجمع بقوة مخيفة. وتخطى انخفاض الأجور انخفاض الأسعار، وأصبح عدد العاطلين عن العمل وأنصاف العاطلين عن العمل ضخما، بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ. إن التحولات المتلاحقة في شروط المعيشة الفردية تؤثر بشكل سلبي جدا على مردود العمل ولكنها تستبعد إمكانية إقامة التوازن الطبقي على الأرضية الأساسية، أي أرضية الإنتاج. إن عدم استقرار الشروط المعيشية، الذي يعكس الضعف العام للظروف الاقتصادية الوطنية والعالمية، يشكل في الوقت الحاضر العامل الأكثر ثورية.
سابعا: الآفاق والمهمات
37- لم تسبب الحرب مباشرة الثورة البروليتارية. وقد اعتبرت البرجوازية ذلك ـ مع بعض الحق في الظاهر- أحد أكبر انتصاراتها.
ليس إلاّ صاحب العقلية البرجوازية الصغيرة قصير النظر من يمكنه أن يرى إفلاس برنامج الأممية الشيوعية في واقع أن البروليتاريا الأوروبية لم تطح البرجوازية خلال الحرب أو بعدها مباشرة. فتطور الأممية الشيوعية في الثورة البروليتارية لا يفترض تحديدا دوغمائيا لتاريخ معين على روزنامة الثورة، ولا ضرورة قيام الثورة آليا في التاريخ المحدد. لقد كانت الثورة وستبقى نضالا لقوى حيّة على الأسس التاريخية المعطاة. إن تحطيم التوازن الرأسمالي بواسطة الحرب على الصعيد العالمي قد خلق الشروط الملائمة للقوى الأساسية للثورة، للبروليتاريا. وجهود الأممية الشيوعية كانت ولا تزال موجهة نحو استغلال هذا الوضع استغلالا تاما.
إن التعارضات بين الأممية الشيوعية والاشتراكيين الديمقراطيين من المجموعتين لا تقوم على أننا قد حددنا تاريخا معينا للثورة، فيما لم يقم الاشتراكيون الديمقراطيون وزنا للطوباوية و«النزعة الانقلابية»؛ فهذه التعارضات تكمن في أن الاشتراكيين الديمقراطيين يتحركون ضد التطور الثوري الفعلي، بدعمهم لإعادة توازن الدولة البرجوازية بكل قواهم سواء كانوا في الحكومة، أو في المعارضة، فيما يستغل الشيوعيون الفرص كافة، وبكل الطرق والأساليب من أجل إطاحة الدولة البرجوازية وسحقها بواسطة دكتاتورية البروليتاريا.
لقد أظهرت البروليتاريا في شتى البلدان خلال عامين ونصف انقضيا على الحرب، الكثير من الطاقة والاستعداد للنضال وروح التضحية بحيث كان أمكنها أن تضطلع بمهمتها إلى حد بعيد وتنجز ثورة ظافرة، لو أنها وجدت على رأسها حزبا شيوعيا أمميا حقا، حسن الإعداد وممركزا بقوة. غير أن ظروفا تاريخية عديدة وتأثيرات الماضي وضعت على رأس البروليتاريا الأوروبية، خلال الحرب ومنذ ذلك الحين، منظمة الأممية الثانية التي أصبحت وستبقى أداة سياسية لا تقدر بثمن بين يدي البرجوازية.
38- كانت السلطة في ألمانيا، نحو نهاية عام 1918 وبداية عام 1919 بين يدي الطبقة العاملة. لقد حرّك الاشتراكيون – الديمقراطيون والنقابات كل تأثيرهم التقليدي وكل جهازهم من أجل إعادة السلطة إلى البرجوازية.
وفي إيطاليا، نمت حركة البروليتاريا الثورية المندفعة، بشكل متزايد خلال الثمانية عشر شهرا الماضية وليس غير فقدان الحزم لدى حزب اشتراكي برجوازي – صغير، والسياسة الخيانية للكتلة البرلمانية والانتهازية الجبانة للمنظمات النقابية، هو ما سمح للبرجوازية بتجديد جهازها وتعبئة حرسها الأبيض، والانتقال إلى الهجوم ضد البروليتاريا المحبطة ظرفيا بسبب إفلاس أجهزتها القيادية الهرمة.
لقد تحطمت حركة الإضراب القوية، باستمرار، في السنوات الأخيرة، في إنكلترا بمواجهة القوة المسلحة للدولة، التي كانت تقوم بتخويف قادة النقابات. فلو بقي هؤلاء القادة أوفياء لقضية الطبقة العاملة، لكان من الممكن، مع ذلك، وعلى الرغم من كل أخطائهم، وضع آلية النقابات في خدمة المعارك الثورية. لقد ظهرت خلال أزمة «الحلف الثلاثي» الأخيرة إمكانية تصادم ثوري مع البرجوازية، غير أن العقلية المحافظة للقادة النقابيين وجبنهم وخيانتهم قد منعت هذا التصادم. ولو كان جهاز النقابات الإنكليزي يعمل لمصلحة الاشتراكية فقط بمعدل نصف العمل الذي يقوم به الآن لمصلحة رأس المال، لاستولت البروليتاريا على السلطة بأقصى التضحيات ولكان بإمكانها أن تأخذ على عاتقها مهمة إعادة تنظيم البلد بشكل منهجي.
وينطبق ما ذكرناه، إلى هذا الحد أو ذاك، على كل البلدان الرأسمالية.
39- مما لا ريب فيه أن نضال البروليتاريا الثوري من أجل السلطة، يُبدي في الظرف الحالي، وعلى المستوى العالمي، بعض التراجع، وبعض التباطؤ. ولكن، في واقع الأمر، لم يكن من الممكن أن نتوقع تطورا غير منقطع للهجمة الثورية لما بعد الحرب بمقدار ما لم تؤد دفعة واحدة إلى النصر ـ فللتطور السياسي دوراته أيضا، وطلعاته ونزلاته. والعدو لا يظل سلبيا، فهو يقاتل أيضا، فإذا لم يكلل هجوم البروليتاريا بالنجاح، فإن البرجوازية تنتقل عند أول فرصة إلى الهجوم المضاد. إن خسارة البروليتاريا لبعض المواقع التي سبق أن احتلتها دون صعوبة، تنشر بعض الإحباط في صفوفها. ولكن إذا كان مما لا ريب فيه، في العصر الذي نعيشه، أن منحنى التطور الرأسمالي هابط بشكل عام، مع مؤشرات صعود عابرة، فإن منحنى الثورة صاعد مع بعض الانحناءات.
إن الشرط الذي لا بد منه لإحياء الرأسمالية هو تكثيف الاستغلال، وخسارة ملايين البشر إلى ما دون الحد الأدنى (Existenzminimum) للشروط المتوسطة للمعيشة، وعدم الاستقرار الدائم للبروليتاريا، الأمر الذي يشكّل عاملا ثابتا للإضراب والتمرد. وتحت ضغط هذه الأسباب وفي المعارك التي تولدها ينمو عزم الجماهير على إطاحة المجتمع الرأسمالي.
40- إن المهمة الرئيسية للحزب الشيوعي خلال الأزمة التي نجتازها هي قيادة المعارك الدفاعية للبروليتاريا وتوسيعها وتعميقها وجمعها وتحويلها ـ تبعا لسيرورة التطور- إلى معارك سياسية من أجل الهدف النهائي. ولكن إذا تطورت الأحداث ببطء أكبر، وتبعت الأزمة الاقتصادية الحالية مرحلة صعود في عدد كبير إلى هذا الحد أو ذاك من البلدان، فلا يمكن تفسير ذلك باعتباره مجيئا لمرحلة «تنظيم». فطالما بقيت الرأسمالية، لا مفر من تقلبات في التطور. وهذه التقلبات سترافق الرأسمالية في احتضارها كما رافقتها في شبابها ونضوجها.
وفي حال أدى هجوم رأس المال في الأزمة الحالية إلى دفع البروليتاريا إلى الوراء، فهي ستنتقل إلى الهجوم ما أن يظهر بعض التحسن في الوضع. وإن هجومها الاقتصادي الذي ستقوم به حتما في هذه الحالة الأخيرة، تحت شعار الرد على كل مخادعات زمن الحرب، وضد كل النهب وكل الإهانات التي مورست خلال الأزمة، سيكون له، لهذا السبب بالذات، الميل نفسه، الذي يتخذه النضال الدفاعي الحالي، للتحول إلى حرب أهلية مفتوحة.
41- سواء تبعت الحركة الثورية خلال المرحلة المقبلة مجرى أكثر تسارعا أو أكثر بطئا، فعلى الحزب الشيوعي، في الحالتين، أن يصبح حزب فعل. عليه أن يقود الجماهير المقاتلة، ويصوغ بحزم ووضوح شعارات قتالية، ويفضح الشعارات الملتبسة للاشتراكية – الديمقراطية، المرتكزة دائما على المساومات.
وينبغي أن يسعى الحزب الشيوعي، خلال كل خيارات المعركة، لكي يعزز نقاط استناده الجديد عبر وسائل تنظيمية، وأن يدرّب الجماهير على المناورات القتالية النشطة ويسلحها بأساليب وطرائق جديدة ترتكز على الاصطدام المباشر والمفتوح بقوات العدو. وإذ يستغل الحزب الشيوعي كل استراحة من أجل استيعاب تجربة المرحلة السابقة من النضال، عليه أن يبذل جهده من أجل تعميق الصراعات الطبقية وتوسيعها والربط فيما بينها على الصعيدين الوطني والعالمي، ضمن فكرة الهدف والنشاط العملي، بشكل يمكن معه تحطيم كل مقاومة، في المستويات العليا للبروليتاريا، تعترض طريق الدكتاتورية والثورة الاجتماعية.
موضوعة حول التكتيك
1 – تعيين المسائل
«لقد تأسست الجمعية الأممية الجديدة للشغيلة من أجل تنظيم الأعمال المشتركة للبروليتاريين في مختلف البلدان، أعمال هدفها المشترك هو: إطاحة الرأسمالية، إقامة دكتاتورية البروليتاريا وجمهورية سوفيتات عالمية، بهدف إلغاء الطبقات بشكل كامل وتحقيق الاشتراكية، الدرجة الأولى من المجتمع الشيوعي».
إن هذا التحديد لأهداف الأممية الشيوعية، الوارد في أنظمتها الداخلية، يعيّن بوضوح كل مسائل التكتيك التي ينبغي حلها.
والمقصود هو التكتيك الذي يجب أن نستخدمه في نضالنا من أجل دكتاتورية البروليتاريا. والمقصود هو الوسائل المفروض استخدامها من أجل كسب جزء كبير من الطبقة العاملة إلى مبادئ الأممية الشيوعية والوسائل التي ينبغي استخدامها من أجل تنظيم العناصر الحاسمة اجتماعيا داخل البروليتاريا في النضال من أجل تحقيق الشيوعية. والمقصود هو العلاقات مع الشرائح البرجوازية الصغيرة المبلترة، والوسائل والطرق التي من المفروض استخدامها من أجل تقويض أجهزة السلطة البرجوازية بأقصى سرعة ممكنة، وتحويلها إلى ركام وخوض النضال العالمي النهائي من أجل الدكتاتورية.
إن مسألة الدكتاتورية نفسها، باعتبارها الطريق الوحيد الذي يقود إلى النصر، مسألة لا نقاش فيها. فقد أظهر تطور الثورة العالمية بوضوح أنه ليس هناك إلاّ خيار واحد متوفر في الوضع التاريخي الحالي: إمّا دكتاتورية رأسمالية أو دكتاتورية بروليتارية.
إن المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية يستأنف فحص مسائل التكتيك ضمن ظروف جديدة، بما أن الوضع الموضوعي قد اتخذ في عدد كبير من البلدان حدّة ثورية، وتشكّل عدد كبير من الأحزاب الشيوعية، التي لا تمتلك مع ذلك في أي مكان القيادة الفعلية للجزء الأكبر من الطبقة العاملة، في النضال الثوري الحقيقي.
2 – عشية معارك جديدة
إن الثورة العالمية، أي تدمير الرأسمالية، وتجميع الطاقات الثورية للبروليتاريا وتنظيم البروليتاريا كقوة هجومية ومنتصرة تتطلب مرحلة طويلة من المعارك الثورية.
إن الحدّة المتنوعة للتضادات واختلاف البنية الاجتماعية والعقبات الواجب تخطيها تبعا للبلدان، والدرجة العالية لتنظيم البرجوازية في البلدان ذات التطور الرأسمالي الرفيع في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية، كانت أسبابا كافية كيلا تؤدي الحرب العالمية مباشرة إلى انتصار الثورة العالمية. كان الشيوعيون على حق إذن بأن يعلنوا، حتى الحرب، بأن المرحلة الإمبريالية ستقود إلى حقبة الثورة الاجتماعية، أي إلى سلسلة طويلة من الحروب الأهلية داخل دول رأسمالية عديدة ومن الحروب بين دول رأسمالية من جهة، والدول البروليتارية والشعوب المستعمَرة المستغَلة، من جهة ثانية.
ليست الثورة العالمية سيرورة تتطور تبعا لخط مستقيم؛ إنها الانحلال البطيء للرأسمالية والتقويض الثوري اليومي اللذان يكثفان من وقت لآخر ويتركزان في أزمات حادة.
لقد طال مسار الثورة العالمية أكثر لأن منظمات قوية وأحزابا عمالية، أي الأحزاب والنقابات الاشتراكية – الديمقراطية، التي شكلتها البروليتاريا من أجل قيادة نضالها ضد البرجوازية، تحولت خلال الحرب إلى أدوات تأثير معادية للثورة، وأدوات لشل البروليتاريا، وبقيت كذلك بعد نهاية الحرب. هذا ما سمح للبرجوازية العالمية بتخطي أزمة تسريح الجيوش بسهولة؛ وهذا ما سمح لها خلال مرحلة الازدهار الظاهري لعامي 1919 – 1920، بأن توقظ لدى البروليتاريا أملا جديدا بتحسين وضعها في إطار الرأسمالية، كان السبب الأساسي وراء فشل انتفاضات 1919 وتباطؤ الحركات الثورية خلال عامي 1919- 1920.
إن الأزمة الاقتصادية العالمية، التي ظهرت في منتصف عام 1920 وتمتد اليوم إلى العالم أجمع، مضاعِفَة البطالة في كل مكان، تُثبت للبروليتاريا العالمية أن البرجوازية ليست قادرة على إعادة تعمير العالم. ويُظهر احتدام التضادات السياسية العالمية، وحملة فرنسا الضارية على ألمانيا، والتنافس الإنكليزي – الأميركي والأميركي – الياباني، مع سباق التسلح الذي ينتج عنه، أن العالم الرأسمالي المحتضر يترنح من جديد باتجاه الحرب العالمية. إن عصبة الأمم، التروست العالمي للدول المنتصرة من أجل استغلال المنافسين المهزومين والشعوب المستعمَرة، مشلولة في الوقت الحاضر بفعل المنافسة الأميركية. والوهم الذي حَرّفَت به الاشتراكية – الديمقراطية العالمية والبيروقراطية النقابية الجماهير العمالية عن النضال الثوري، وهْمُ أنها تستطيع، بتخليها عن الاستيلاء على السلطة بواسطة النضال الثوري، أن تمتلك تدريجيا وسلميا السلطة الاقتصادية وحق إدارة نفسها بنفسها، هذا الوهم هو في طريقه إلى الزوال.
إن مهازل التشريك في ألمانيا، التي سعت حكومة شيدمان – نوسكه بواسطتها إلى إمساك البروليتاريا عن القيام بالهجوم الحاسم، تُقارب نهايتها. والعبارات حول التشريك أفسحت المجال أمام نظام ستينز الحقيقي، أي إخضاع الصناعة الألمانية إلى طاغية رأسمالي وزمرته. وتشكل هجمة الحكومة البروسية تحت قيادة الاشتراكي – الديمقراطي سيفيرنغ ضد عمال المناجم في ألمانيا الوسطى مدخلا للهجمة الشاملة للبرجوازية الألمانية بهدف خفض أجور البروليتاريا الألمانية.
في إنكلترا، ذهبت كل خطط التشريك أدراج الرياح. فبدل تحقيق مشاريع التشريك التي وضعتها لجنة سانكي، تدعم الحكومة إقفال المصانع بوجه عمال المناجم الإنجليز، عن طريق تجنيد الفرق لأجل ذلك.
ولم تتوصل الحكومة إلى تأجيل إفلاسها الاقتصادي إلاّ بحملة نهب في ألمانيا. وهي لا تفكر بأي إعادة بناء منهجية للاقتصاد الوطني. وحتى إعادة بناء البقاع المدمرة في شمال فرنسا، بالمقدار الذي يتم تنفيذها فيه، لا تخدم إلاّ في إغناء رأسماليي القطاع الخاص.
وفي إيطاليا بادرت البرجوازية إلى الهجوم على الطبقة العاملة بمساعدة العصابات الفاشية البيضاء.
لقد اضطرت الديمقراطية – البرجوازية في كل مكان إلى نزع القناع عن وجهها، وبشكل أكمل في الدول الديمقراطية الهرمة مما في الدول الجديدة المنبثقة عن الانهيار الإمبريالي. الحرس الأبيض، تعسف الحكومة الدكتاتوري ضد عمال المناجم المضربين، الفاشيون والـ Guardaregia في إيطاليا والـ Pinkertons، طرد النواب الاشتراكيين من البرلمانات، وقانون لنش (4) في الولايات المتحدة، الإرهاب الأبيض في بولندا ويوغوسلافيا ورومانيا وليتونيا وأستونيا، إضفاء الشرعية على الإرهاب الأبيض في فنلندا والمجر ودول البلقان، «القوانين المناهضة للشيوعية» في سويسرا وفرنسا الخ… في كل مكان تسعى البرجوازية لتحميل الطبقة العاملة آثار الفوضى الاقتصادية المتنامية، وتمديد يوم العمل وخفض الأجور. في كل مكان تبحث البرجوازية عن مساعدين بين قادة الاشتراكية – الديمقراطية وأممية أمستردام النقابية. والحال أن هؤلاء الأخيرين يمكن أن يؤخروا نهوض الجماهير العمالية من أجل معركة جديدة، واقتراب موجات ثورية جديدة، ولكنهم لا يستطيعون أن يمنعوها.
لقد رأينا البروليتاريا الألمانية تعد نفسها للهجوم المضاد؛ ورأينا عمال المناجم الإنجليز، على الرغم من خيانة قادة النقابات، يصمدون ببطولة خلال أسابيع طويلة من النضال ضد الرأسمال المنجمي. ونرى كيف أن إرادة القتال تتنامى في الصفوف المتقدمة للبروليتاريا الإيطالية بعد التجربة التي عاشتها بفعل السياسة المترددة لمجموعة سيراتي، إرادة القتال التي يعبر عنها تشكيل الحزب الشيوعي الإيطالي. ونرى في فرنسا، بعد الانشقاق وانفصال الاشتراكيين – الوطنيين والوسطيين، كيف بدأ الحزب الاشتراكي ينتقل من التحريض والدعاوة للشيوعية إلى التظاهرات الجماهيرية ضد الشهوات الجشعة للإمبريالية الفرنسية. وفي تشيكوسلوفاكيا شهدنا إضراب كانون الأول / ديسمبر السياسي، الذي اجتذب مليون عامل على الرغم من افتقاده الكامل لقيادة موحدة، وأدى، كنتيجة لذلك، إلى تشكيل حزب شيوعي تشيكي، حزب للجماهير. وفي شباط / فبراير حصل في بولندا إضراب عمال السكك الحديدية، الذي قاده الحزب الشيوعي، وأدى إلى إضراب عام، وشهدنا التفكك التدريجي للحزب الاشتراكي البولندي، الاشتراكي – الوطني.
ما يجب أن ننتظره ليس تراجع الثورة العالمية، ولا انحسار موجاتها، بل على العكس: في الظروف القائمة يبدو الاحتدام الفوري للتناحرات الاجتماعية والصراعات الاجتماعية هو الأكثر احتمالا.
3 – المهمة الراهنة الأكثر أهمية
اكتساب التأثير المهيمن على الجزء الأكبر من الطبقة العاملة، وإدخال الأجزاء الحاسمة من هذه الطبقة في المعركة، هذه هي المسألة الأكثر أهمية بالنسبة للأممية الشيوعية.
لأنه عبثا نجد أنفسنا إزاء وضع اقتصادي وسياسي ثوري موضوعيا يمكن أن تنفجر فيه فجأة الأزمة الثورية الأكثر حدة (على أثر إضراب كبير، أو تمرد في البلدان المستعمَرة، أو حرب جديدة أو حتى أزمة برلمانية كبيرة، الخ…) فإن العدد الأكبر من العمال لم يتأثر بالشيوعية بعد، خاصة في البلدان حيث ولّدت السلطة القوية بشكل مميز للرأسمالية المالية شرائح واسعة من العمال الذين أفسدتهم الإمبريالية (مثلا في إنجلترا أو الولايات المتحدة) وحيث الدعاوة الثورية الحقيقية بين الجماهير ما زالت في بدايتها.
إن ما وضعته الأممية الشيوعية منذ اليوم الأول لتأسيسها كهدف لها، بشكل واضح ودون التباس، ليس تشكيل شلل شيوعية صغيرة تسعى لممارسة تأثيرها على الجماهير العمالية عبر التحريض والدعاوة فقط، بل الانخراط في نضال الجماهير العمالية، وقيادة هذا النضال في الاتجاه الشيوعي وتشكيل أحزاب شيوعية ثورية كبيرة في سيرورة المعركة.
وقد رفضت الأممية الشيوعية سابقا خلال السنة الأولى من وجودها الاتجاهات العصبوية إذ أشارت على الأحزاب المنتسبة، وإن كانت أحزابا صغيرة بأن تتعاون مع النقابات، وأن تشارك في القضاء على بيروقراطيتها الرجعية من داخلها بالذات وأن تحولها إلى منظمات ثورية للجماهير البروليتارية وإلى أدوات للمعركة. وأشارت الأممية الشيوعية على الأحزاب الشيوعية، منذ السنة الأولى لوجودها ألاّ تنغلق في حلقات دعاوية، بل أن تستخدم في تربية البروليتاريا وتنظيمها كل الإمكانات التي يجبر دستور الدولة البرجوازية هذه الأخيرة على تركها مفتوحة: حرية الصحافة، حرية الاجتماع والتجمع، والمؤسسات البرلمانية البرجوازية كافة، مهما كانت مدعاة للرثاء، من أجل جعلها أسلحة، ومنابر وساحات عرض للشيوعية. وقد رفضت الأممية الشيوعية علنا في مؤتمرها الثاني كل الاتجاهات العصبوية.
إن التجارب النضالية التي خاضتها الأحزاب الشيوعية خلال هذين العامين تؤكد بمجملها وجهة نظر الأممية الشيوعية. فقد قادت هذه الأخيرة، بسياستها، العمال الثوريين في عدد كبير من البلدان إلى الانفصال ليس فقط عن الإصلاحيين المعلنين، بل أيضا عن الوسطيين. فقد شكّل الوسطيون منذ ذلك الحين الأممية 2 ½ المتحالفة علنا مع جماعات شيدمان وجوهو وهندرسون على أرضية أممية أمستردام النقابية، وبان ميدان المعركة مذاك أكثر وضوحا بكثير أمام الجماهير البروليتارية مما يسهّل المعارك اللاحقة.
وتحولت الحركة الشيوعية الألمانية من مجرد اتجاه سياسي، وهو ما كانت عليه خلال معارك كانون الثاني / يناير وآذار / مارس 1919، إلى حزب جماهيري ثوري كبير، بفعل تكتيك الأممية الشيوعية (عمل ثوري في النقابات، رسالة مفتوحة، الخ…) واستطاعت هذه الحركة أن تمتلك تأثيرا في النقابات بشكل أجبر البيروقراطية النقابية، خوفا من التأثير الثوري لعملها النقابي، على طرد العديد من الشيوعيين من النقابات واتهامهم بالانشقاقية.
ونجح الشيوعيون في تشيكوسلوفاكيا بكسب أغلبية العمال المنظمين إلى قضيتهم.
وفي بولندا، لم يعرف الحزب الشيوعي أن يدخل في علاقات مع الجماهير فحسب، بفضل حفره داخل النقابات، بل أصبح دليلها في النضال، على الرغم من الاضطهاد المخيف الذي يفرض على المنظمات الشيوعية وجودا سريا على الإطلاق.
وفي فرنسا، كسب الشيوعيون الأغلبية داخل الحزب الاشتراكي.
وتُنجَزُ في إنجلترا عملية تمتين المجموعات الشيوعية على أرضية التوجيهات التكتيكية للأممية الشيوعية، ويجبر التأثير المتنامي للشيوعيين الاشتراكيين – الخونة على محاولة جعل دخول الشيوعيين إلى حزب العمال مستحيلا.
أمّا المجموعات الشيوعية العصبوية (مثل الـ K. A. P. D الخ…) فلم تلق في طريقها أي نجاح، فنظرية تعزيز الشيوعية بواسطة الدعاوة والتحريض وحدهما، وتشكيل نقابات شيوعية مستقلة، قد أفلست إفلاسا كاملا، فلم يُبنَ في أي مكان أي حزب شيوعي يمتلك شيئا من التأثير على هذه الشاكلة.
4 – الوضع داخل الأممية الشيوعية
لم تذهب الأممية الشيوعية بعيدا بشكل كاف في أي مكان في هذا الطريق المؤدي إلى تشكيل أحزاب شيوعية جماهيرية، وحتى في اثنين من أهم بلدان الرأسمالية المنتصرة، ما زال عليها أن تفعل الكثير في هذا المجال.
ففي الولايات المتحدة لأميركا الشمالية، حيث لم توجد في السابق قبل الحرب، ولأسباب تاريخية، أية حركة ثورية على قدر من الاتساع، ما زال على الشيوعيين أن يقوموا بالمهام الأساسية الأكثر أولية: تشكيل نواة شيوعية وربطها بالجماهير العمالية. والأزمة الاقتصادية التي أنتجت خمسة ملايين عامل دون عمل، تقدم لهذا السبب أرضية ملائمة جدا. وإذ يعي الرأسمال الأميركي الخطر الذي يتهدده في تجذر الحركة العمالية، وممارسة الشيوعيين لتأثيرهم عليها، فهو يسعى لتحطيم الحركة الشيوعية الفتية بواسطة التعذيب الهمجي، وإبادتها، وإجبارها على الانكفاء إلى اللا شرعية، وهو يظن أن الحركة ستنحط بذلك، وعبر عزلها عن الجماهير، إلى شلة دعاوية ويصيبها الجفاف.
تلفت الأممية الشيوعية انتباه الحزب الشيوعي الموحد في أميركا لواقع أن التنظيم غير الشرعي لا ينبغي أن يشكل إلاّ أرضية للتجمع وللتوعية بالنسبة للقوى الشيوعية الأكثر نشاطا، ولكن من واجب الحزب الموحد أن يسعى بكل الوسائل وكل الطرق لتخطي هذه التنظيمات غير الشرعية والوصول إلى أوسع الجماهير العمالية التي تختمر؛ وعليه واجب اتخاذ الأشكال والطرق الخاصة من أجل حشد هذه الجماهير سياسيا في حياتها العامة بهدف النضال ضد الرأسمال الأميركي.
ولم تنجح الحركة الشيوعية الإنكليزية هي الأخرى، على الرغم من تركيز قواها في حزب شيوعي موحد، بأن تصبح حزبا جماهيريا.
إن الفوضى المستديمة في الاقتصاد الإنكليزي، والاحتدام المذهل للحركة الإضرابية، والسخط المتنامي لأوسع الجماهير الشعبية على نظام لويد جورج، وإمكانية انتصار حزب العمال والحزب الليبرالي في الانتخابات البرلمانية المقبلة، كل ذلك يفتح آفاقا جديدة أمام تطور إنكلترا ويطرح أمام الشيوعيين الإنكليز مسائل ذات أهمية قصوى.
إن المهمة الأولى والرئيسية المطروحة على الحزب الشيوعي في إنكلترا هي أن يصبح حزبا جماهيريا. وعلى الشيوعيين الإنكليز أن يقفوا بحزم متزايد على أرضية الحركة الجماهيرية القائمة في الواقع والمتنامية باستمرار؛ عليهم أن يتغلغلوا في كل الخصوصيات الملموسة لهذه الحركة وأن يجعلوا من المطالب المعزولة أو الجزئية للعمال نقطة الانطلاق لتحريضهم الخاص ودعاوتهم النشطة والتي لا تكل.
إن حركة الإضراب القوية تُخضِع للتجربة، أمام أنظار مئات الآلاف وملايين العمال، مدى قدرة النقابات وقادتها، وإخلاصهم وثباتهم ووعيهم. ضمن هذه الشروط يتخذ عمل الشيوعيين داخل النقابات أهمية حاسمة. ولا يمكن لأي نقد يوجهه الحزب من الخارج أن يمارس، حتى ولو على المدى الطويل، تأثيرا مماثلا لذلك الذي يمكن أن يمارس بواسطة العمل اليومي والثابت للأنوية الشيوعية في النقابات، بواسطة العمل المتجه إلى فضح الخونة والبرجوازيين في الحركة النقابية وإفقادهم حظوتهم، هؤلاء الذين يشكلون في إنجلترا أكثر مما في أي بلد آخر، لعبة سياسية بيد رأس المال.
وفي بلدان أخرى إذا كانت مهمة الأحزاب الشيوعية التي أصبحت أحزابا جماهيرية تقوم إلى حد بعيد على المبادرة إلى العمل الجماهيري، فإن مهمة الحزب الشيوعي في إنجلترا تقوم قبل كل شيء، وعلى قاعدة النشاط الجماهيري الذي يتطور في الواقع، على أن يظهر ويثبت بنموذجه الخاص أن الشيوعيين قادرون على التعبير عن مصالح الجماهير وحاجاتها ومشاعرها، بصدق وشجاعة.
إن الأحزاب الشيوعية الجماهيرية في أوروبا الوسطى والغربية هي في أوج تشكيل وسائل تحريضها ودعاوتها الثورية، في أوج تكوين طرائق تنظيم تستجيب لطابعها القتالي، وأخيرا، هي في أوج الانتقال من الدعاوة والتحريض الشيوعيين إلى العمل. وقد أعاق هذه السيرورة واقع أن دخول العمال الذين أصبحوا ثوريين إلى معسكر الشيوعية قد تم في العديد من البلدان تحت قيادة قادة لم يتخطوا بعد ميولهم الوسطية، وليسوا في وضع القيام بتحريض ودعاوة شيوعيين فعالين بين الشعب ويخافون حتى هذه الدعاوة لأنهم يعلمون أنها ستقود الأحزاب إلى المعارك الثورية.
لقد أدت هذه الاتجاهات الوسطية إلى انشقاق الحزب في إيطاليا. فبدل أن يحوِّل قادة الحزب والنقابات، المجتمعون حول سيراتي، الحركات العفوية لجمهور العمال ونشاطهم المتنامي إلى نضال واع من أجل السلطة، نضال كان الوضع في إيطاليا ناضجا له، تركوا هذه الحركات تغوص في الرمل. لم تكن الشيوعية بالنسبة لهم وسيلة لهزِّ الجماهير العمالية وحشدها من أجل المعركة. ولأنهم كانوا يخافون القتال لجأوا إلى إذابة الدعاوة والتحريض الشيوعيين، وتسييرهما في قنوات المياه الوسطية، وعززوا، على هذا الشكل، تأثير الإصلاحيين مثل توراتي وتريف داخل الحزب وأراغونا داخل النقابات. وبما أنهم لا يتميزون عن الإصلاحيين لا على مستوى الأقوال ولا على مستوى الأفعال، لم يريدوا أيضا الانفصال عنهم، بل فضلوا الانفصال عن الشيوعيين. وهذه السياسة التي اتبعها اتجاه سيراتي، إذ عززت من جهة تأثير الإصلاحيين، خلقت من جهة ثانية الخطر المزدوج المتمثل بتدعيم مواقع الفوضويين والنقابيين، وبتوليد اتجاهات معادية للبرلمانية، جذرية على مستوى الأقوال فقط، داخل الحزب بالذات.
إن انشقاق ليفورن، وتشكيل الحزب الشيوعي الإيطالي، وحشد كل العناصر الشيوعية حقا في حزب شيوعي، على أرضية قرارات المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية، تجعل من الشيوعية في هذا البلد قوة جماهيرية، شرط أن يحارب الحزب الشيوعي، دون هوادة أو ضعف، السياسة الانتهازية للسيراتية، ويمنح نفسه بذلك إمكانية البقاء مرتبطا بجماهير البروليتاريا في النقابات والإضرابات وفي الصراع مع المنظمات الفاشية المعادية للثورة، وتوحيد الحركات التي تضم هذه الجماهير، وتحويل نشاطاتها العفوية إلى نضالات معدّة بإتقان.
وفي فرنسا حيث السم الشوفيني لـ «الدفاع الوطني» ومن ثم نشوة الانتصار كانا أقوى مما في أي مكان آخر تطورت ردات الفعل المعادية للحرب أبطأ مما في البلدان الأخرى. وبفعل تأثير الثورة الروسية والنضالات الثورية في البلدان الرأسمالية وتجربة النضالات الأولى للبروليتاريا الفرنسية التي خانها قادتها، تطور الحزب الاشتراكي بأغلبيته نحو الشيوعية، حتى قبل أن يضعه مجرى الأحداث أمام القضايا الحاسمة للعمل الثوري. وهذا الوضع سيتم استغلاله بشكل أفضل وعلى نطاق أوسع من قبل الحزب الشيوعي الفرنسي بمقدار ما يصفي بوضوح داخله، وخاصة في أوساطه القيادية، بقايا الأيديولوجية السلمية الوطنية والإصلاحية البرلمانية. ويجب على الحزب، وبدرجة أكبر ليس فقط مقارنة بالماضي، أن يقترب من الجماهير وشرائحها المضطهدة، ويقدم التعبير الواضح والكامل والعنيد عن معاناتها وحاجاتها. وعلى الحزب أن يقطع نهائيا مع الأشكال الكريهة والمشبعة بالكذب للبرلمانية الفرنسية، التي خلقتها البرجوازية، عن وعي، كي تبهر ممثلي الطبقة العاملة.
وعلى البرلمانيين الفرنسيين أن يسعوا جهدهم، في جميع مداخلاتهم، لنزع القناع الوطني – الديمقراطي، الجمهوري والثوري تقليديا، وأن يقدموا بوضوح كل مسألة على أساس أنها مسألة مصالح ونضال طبقي لا هوادة فيه.
ينبغي أن يتخذ التحريض العملي طابعا أكثر تركيزا بكثير، وأكثر توترا وحماسا. ولا ينبغي أن يتشتت عبر الأوضاع والتراكيب المتبدِّلة والمتنوِّعة للسياسة اليومية. ومن كل الأحداث الصغيرة أو الكبيرة، عليه أن يستخلص النتائج الثورية الأساسية نفسها، وأن يرسخها لدى الجماهير العمالية وحتى لدى أكثرها تخلفا. وليس إلاّ بشرط مراعاة هذا الموقف الثوري فعلا، يمكن أن يتوقف الحزب عن أن يبدو ـ ويكون بالفعل كذلك – مجرد جناح لهذه الكتلة الراديكالية اللونغيّة Longuettiste
(5) ، التي تقدم خدماتها للمجتمع البرجوازي بإصرار ونجاحات تكبر باستمرار، من أجل حمايته من الهزات التي تعلن عن نفسها في فرنسا، بمنطق عنيد. وبغض النظر عما إذا كانت هذه الأحداث الثورية الحاسمة ستحصل بصورة مبكرة إلى هذا الحد أو ذاك، سيجد الحزب الشيوعي، الذي يمتلك تربية أخلاقية والمشبع بالإرادة الثورية، إمكانية تعبئة الجماهير العمالية على الأرضية السياسية والاقتصادية، حتى في مرحلة الإعداد الحالية، وإعطاء نضالها طابعا أكثر وضوحا واتساعا.
إن المحاولات التي قامت بها بعض العناصر الثورية والمفتقرة إلى الصبر والتي لا تملك تجربة سياسية، إذ أرادت استخدام الأساليب القصوى التي تشكّل في جوهرها أساليب الانتفاض الثوري الحاسم للبروليتاريا (مثل اقتراح دعوة الفرقة 19 لعدم الاستجابة للتعبئة) في مسائل ولأهداف معزولة، هذه المحاولات يمكن، فيما لو طبقت، أن تقضي لزمن طويل على الإعداد الثوري حقا للبروليتاريا من أجل استلام السلطة. إنه ليتعين على الحزب الشيوعي الفرنسي وكل الأحزاب الأخرى المشابهة، أن ترفض هذه الأساليب الخطرة جدا، ولكن لا ينبغي أن يفسح هذا الواجب المجال في أي حال من الأحوال أمام بلادة الحزب، بل العكس هو ما ينبغي أن يحصل.
إن تعزيز ارتباط الحزب بالجماهير يعني قبل كل شيء ربطه بالنقابات بشكل أدق. وهذا الهدف لا يقوم أبدا على إخضاع النقابات آليا ومن الخارج للحزب، والتخلي عن استقلاليتها المتأتية بالضرورة من طابع عملها: إنه يقوم على أن تبادر العناصر الثورية حقا، المجتمعة في الحزب الشيوعي، فتشكّل في إطار النقابات اتجاها ينسجم مع المصالح المشتركة للبروليتاريا، المناضلة من أجل استلام السلطة.
نظرا لهذا الواقع، يجب على الحزب الشيوعي الفرنسي أن ينتقد بشكل رفاقي ولكن حاسم وواضح كل الاتجاهات الفوضوية – النقابية، التي ترفض دكتاتورية البروليتاريا وضرورة اتحاد طليعتها في منظمة قيادية، ممركزة، أي في حزب شيوعي وينتقد كذلك كل الاتجاهات النقابية الانتقالية التي إذ تتمسك بشرعة أميان التي صيغت قبل الحرب بثماني سنوات، لم يعد بمقدورها أن تقدم اليوم جوابا واضحا على المسائل الأساسية التي تطرحها الحقبة الجديدة ما بعد الحرب.
إن العداء الذي يظهر في الحركة النقابية الفرنسية ضد عقلية الفئة السياسية المغلقة هو قبل كل شيء حقد مبرر تماما ضد البرلمانيين «الاشتراكيين – التقليديين». لكن الطابع الثوري الصرف للحزب الشيوعي يؤهله لإمكانية إفهام كل العناصر الثورية ضرورة التجمع السياسي بهدف استيلاء الطبقة العاملة على السلطة.
إن اندماج التجمع النقابي الثوري مع التنظيم الشيوعي بمجمله هو شرط ضروري ولا غنى عنه في كل نضال جدي للبروليتاريا الفرنسية.
ولن يكون من الممكن تخطي الميول نحو العمل المبتسر واستبعادها والتغلب على غموض المبادئ والانفصالية التنظيمية للنقابيين – الثوريين إلاّ عندما يصبح الحزب نفسه ـ كما قلنا أعلاه – مركز جذب لهؤلاء، بمعالجته مسألة الحياة والنضال اليومي للجماهير العمالية الفرنسية بشكل ثوري حقا.
لقد تخطت الجماهير الكادحة في تشيكوسلوفاكيا إلى حد بعيد خلال هذين العامين والنصف، الأوهام الإصلاحية والقومية. وانفصلت أغلبية العمال الاشتراكيين الديمقراطيين، في أيلول / سبتمبر الفائت، عن قادتها الإصلاحيين. وفي كانون الأول / ديسمبر تصدى حوالي مليون عامل، من أصل ثلاثة ملايين شغيل صناعي في تشيكوسلوفاكيا، بتحرك جماهيري ثوري، للحكومة الرأسمالية التشيكوسلوفاكية. وفي شهر أيار / مايو من هذه السنة تشكّل الحزب الشيوعي في تشيكوسلوفاكي من حوالي 350,000 عضو إلى جانب الحزب الشيوعي في بوهيميا الألمانية، المشكّل سابقا والذي يضم حوالي 600,000 عضو. ويشكل الشيوعيون بذلك جزءا كبيرا ليس فقط من بروليتاريا تشيكوسلوفاكيا بل أيضا من مجموع سكانها. ويجد الحزب التشيكوسلوفاكي نفسه أمام مشكلة اجتذاب الجماهير العمالية الواسعة أكثر من ذلك، بواسطة التحريض الشيوعي حقا، وتربية أعضاء جرى كسبهم سابقا أو حديثا، بواسطة دعاوة شيوعية واضحة ودون وجل، وتوحيد العمال من كل القوميات في تشيكوسلوفاكيا من أجل تشكيل جبهة دائمة للبروليتاريين بمواجهة النزعة القومية، معقل البرجوازية في تشيكوسلوفاكيا، وجعل قوة البروليتاريا، التي أنشئت على هذه الشاكلة، تتحول خلال المعارك اللاحقة ضد اتجاهات الاضطهاد الخاصة بالرأسمالية وضد الحكومة، إلى قوة لا تقهر. وسيصبح الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي على مستوى هذه الرسالة بسرعة متزايدة بمقدار ما يتمكن من التغلب بوضوح في الرؤية وحزم في القرار على التقاليد والأفكار المسبقة الوسطية، ويعتمد سياسة تربي أوسع الجماهير البروليتارية ثوريا وتحشدها، وبمقدار ما يغدو قادرا هكذا على إعداد هذه النشاطات الجماهيرية وإنجازها بنجاح. ويقرر المؤتمر أنه على الأحزاب الشيوعية في تشيكوسلوفاكيا وألمانيا – البوهيمية أن تدمج تنظيماتها وتشكل حزبا واحدا في مهلة تحددها اللجنة التنفيذية.
إن الحزب الشيوعي الألماني الموحد الذي نشأ عن اتحاد مجموعة سبارتاكوس مع الجماهير العمالية لمستقلي اليسار على الرغم من أنه بات حزبا جماهيريا كبيرا، تقع عليه المهمة الجسيمة المتمثلة بزيادة تأثيره على أوسع الجماهير وتعزيز منظمات الجماهير البروليتارية، والسيطرة على النقابات وضرب تأثير الحزب الاشتراكي – الديمقراطي والبيروقراطية النقابية، وبأن يكتشف إبان النضالات القادمة للبروليتاريا قادة الحركات الجماهيرية. وتتطلب هذه المهمة الرئيسية للحزب أن يبذل من أجلها كل جهوده في التكيّف والدعاوة والتنظيم، وأن يسعى إلى كسب تعاطف أغلبية البروليتاريا، التي بدونها لن يكون إحراز أي انتصار في ألمانيا ممكنا، نظرا إلى قوة رأس المال الألماني.
لم يبد الحزب الموحد لألمانيا بعد على مستوى هذه المهمة، لناحية اتساع التحريض ومحتواه. ولم يعرف بعد أن يتبع بشكل منطقي الطريق التي رسمها في «رسالته المفتوحة»، هذا الطريق الذي تتواجه على قاعدته المصالح العملية للبروليتاريا مع السياسة الخيانية للأحزاب الاشتراكية – الديمقراطية والبيروقراطية النقابية. وما زالت صحافة الحزب وتنظيمه يحملان دمغة الشركات وليس صفة الأدوات والمنظمات النضالية. وقد أدت الاتجاهات الوسطية التي ما زالت تعبر عن نفسها داخل هذا الحزب والتي لم يجر تخطيها فيه، إلى هذا الوضع الذي فُرض بنتيجته على الحزب، إزاء ضرورة المعركة، أن يدخلها دون إعداد كاف، ولم يستطع أن يحافظ على اتصال معنوي كافٍ مع الجماهير غير الشيوعية. ولن يتمكن الحزب الشيوعي الألماني الموحد من تلبية متطلبات العمل التي ستفرض عليه قريبا، بفعل سيرورة تدمير الاقتصاد الألماني وهجمة رأس المال ضد الجماهير العمالية، إلاّ إذا أبقى الروح القتالية يقظة دائما في تنظيمه، ممتنعا عن معارضة هدفه من العمل بأهدافه الخاصة بالتحريض والتنظيم، وإذا أعطى تحريضه طابعا شعبيا بالفعل، واتخذ تنظيمه شكلا يجعله قادرا، عبر تطويره اتصاله بالجماهير، على أن يطرح وضع النضال بالشكل الأكثر اتقانا، ويهيئ هذا النضال بصورة لا تقل اتقانا.
إن أحزاب الأممية الشيوعية سوف تصبح أحزابا جماهيرية ثورية، إذا عرفت كيف تتغلب على الانتهازية في صفوفها وبقاياها وموروثاتها، عبر سعيها لأن ترتبط بالجماهير العمالية المناضلة بشكل وثيق، ولأن تستمد أهدافها من النضالات العملية للبروليتاريا، وأن ترفض في مجرى نضالاتها السياسية الانتهازيةً المتمثلةَ بتسطيح التناحرات التي لا تقهر ومحوها، كما العبارات الثورية التي تحجب ميزان القوى الفعلي وصعوبات النضال الحقيقية. لقد ولدت الأحزاب الشيوعية من انشقاق الأحزاب الاشتراكية – الديمقراطية القديمة. ونتج هذا الانشقاق عن واقع أن هذه الأحزاب قد خانت خلال الحرب بإقامة تحالف مع البرجوازية أو بسياسة مترددة تسعى لتفادي كل نضال. وتشكل مبادئ الأحزاب الشيوعية الأرضية الوحيدة التي تستطيع عليها الجماهير العمالية أن تتحد مجددا، لأن هذه المبادئ تعبر عن حاجات نضال البروليتاريا. ولأن الأمر كذلك، فإن الأحزاب والاتجاهات الاشتراكية – الديمقراطية والوسطية هي التي تمثل حاليا انقسام البروليتاريا وتشتتها، فيما تشكل الأحزاب الشيوعية عنصر توحيد.
في ألمانيا، كان الوسطيون هم الذين انفصلوا عن أغلبية الحزب، عندما تبعت هذه الأخيرة راية الشيوعية. ورفض الاشتراكيون – الديمقراطيون والمستقلون الألمان، والبيروقراطية النقابية الاشتراكية – الديمقراطية أيضا، خوفا من التأثير التوحيدي للشيوعية، أن يتعاونوا مع الشيوعيين في نشاطات مشتركة دفاعا عن أبسط مصالح البروليتاريا. وفي تشيكوسلوفاكيا، كان الاشتراكيون – الديمقراطيون هم الذين فجّروا الحزب القديم عندما تنبهوا لانتصار الشيوعية. وفي فرنسا كان اللونغيون هم الذين انفصلوا عن أغلبية العمال الاشتراكيين، في حين سعى الحزب الشيوعي لتوحيد العمال الاشتراكيين والنقابيين. وفي إنجلترا، كان الإصلاحيون والوسطيون هم الذين طردوا الشيوعيين من حزب العمال، خوفا من تأثيرهم، وخربوا تركّز العمال في نضالهم ضد الرأسماليين. وبذلك تصبح الأحزاب الشيوعية عوامل توحيد للبروليتاريا في نضالها من أجل مصالحها؛ وفي وعيها لدورها سوف تراكم قوى جديدة.
5 – معارك ومطالب جزئية
لا تستطيع الأحزاب الشيوعية أن تتطور إلاّ في النضال. حتى أصغر الأحزاب الشيوعية لا يجب أن تكتفي بمجرد الدعاوة والتحريض. بل يجب أن تشكل في المنظمات الجماهيرية البروليتارية كافة، الطليعة التي تُظهر للجماهير المتخلفة والمترددة، كيف ينبغي أن تخاض المعركة، وتكشف لها بذلك خيانة جميع الأحزاب غير الشيوعية، إذ ترسم لهذه الجماهير الأهداف الملموسة لهذه المعركة، وتحثها على النضال من أجل المطالبة بحاجاتها الحيوية. وفقط إذا عرفت الأحزاب الشيوعية كيف تقف على رأس البروليتاريا في كل المعارك، وأن تتسبب بهذه المعارك، فإنها تستطيع أن تكسب بالفعل أوسع الجماهير البروليتارية في النضال من أجل الدكتاتورية.
ينبغي أن يكون كل تحريض وكل دعاوة وكل نشاط للحزب الشيوعي مشبعا بهذا الشعور بأنه، على قاعدة الرأسمالية، سيكون أي تحسن مستديم لوضع جمهور البروليتاريا مستحيلا؛ وأن إطاحة البرجوازية وتحطيم الدولة الرأسمالية سيتيحان وحدهما العمل على تحسين وضع الطبقة العاملة وإحياء الاقتصاد الوطني الذي دمرته الرأسمالية.
غير أن هذا الشعور لا ينبغي أن يجعلنا نتخلى عن النضال من أجل المطالب الحيوية الآنية والمباشرة للبروليتاريا، بانتظار أن تغدو قادرة على الدفاع عنها بواسطة دكتاتوريتها. وفي حين لم تعد الرأسمالية قادرة على ضمان حتى حياة عبيد مشبعين للعمال، فإن الاشتراكية – الديمقراطية التي تتقدم الآن بالبرنامج الاشتراكي – الديمقراطي القديم للإصلاحات السلمية، وهي إصلاحات ينبغي أن تتحقق بالطريق السلمي على أرضية الرأسمالية المفلسة وفي إطارها، هذه الاشتراكية – الديمقراطية تخدع الجماهير العمالية عن تبصر. هذا وليس فقط أن الرأسمالية عاجزة، وهي في فترة تفككها وانحلالها، عن تأمين شروط معيشة إنسانية بعض الشيء للعمال، بل كذلك فإن الاشتراكيين – الديمقراطيين، والإصلاحيين في جميع البلدان يثبتون كل يوم أنه لا نية لديهم إطلاقا لخوض أية معركة من أجل أكثر المطالب تواضعا، وهي مطالب واردة في برنامجهم الخاص.
إن المطالبة بتشريك الفروع الصناعية الأكثر أهمية أو تأميمها، كما تفعل الأحزاب الوسطية، هي أيضا خداع للجماهير الشعبية. إن الوسطيين لم يضللوا الجماهير فحسب بسعيهم لإقناعها بأن التشريك يمكن أن ينتزع الفروع الأساسية للصناعة من أيدي رأس المال دون أن يتم التغلب على البرجوازية، بل إنهم يسعون أيضا إلى حرف العمال عن النضال الحيوي الحقيقي من أجل حاجاتهم الأكثر مباشرة، بجعلهم يأملون بمصادرة تدريجية لمختلف الصناعات الواحدة تلو الأخرى، وهو الأمر الذي يبدأ بعده البناء «المنهجي» للنظام الاقتصادي. إنهم يعودون بذلك إلى برنامج الحد الأدنى للاشتراكية – الديمقراطية، أي إصلاح الرأسمالية، والذي يشكل تضليلا حقيقيا معاديا للثورة.
وإذا كانت فكرة لاسال، حول تركيز كل الجهود في مطلب وحيد لجعله رافعة النشاط الثوري الذي يقود في تطوره إلى النضال من أجل السلطة، ما زالت تلعب دورا في برنامج التأميم هذا، مثلا تأميم صناعة الفحم، فإننا في هذه الحالة أمام حلم لصاحب أوهام: فالطبقة العاملة تعاني اليوم في جميع البلدان الرأسمالية من ويلات عديدة جدا ومخيفة جدا، بحيث تستحيل محاربة كل هذه الأعباء الساحقة وضرباتها عبر ملاحقة موضوع دقيق جدا وخيالي بشكل كامل. يجب على العكس اتخاذ كل حاجة جماهيرية كنقطة انطلاق للنضالات الثورية القادرة بمجملها على تشكيل التيار الجارف للثورة الاجتماعية. إن الأحزاب الشيوعية لا تضع في الواجهة من أجل هذه المعركة أي برنامج حد أدنى يسعى إلى تدعيم البناء الرأسمالي المهتز وتحسينه. فانهيار هذا البناء يبقى هدفها الموجه، ومهمتها الراهنة. لكن من أجل الاضطلاع بهذه المهمة، فإن على الأحزاب الشيوعية أن تطرح مطالب يشكّل تحقيقها ضرورة مباشرة وملحة للطبقة العاملة وعليها أن تدافع عن هذه المطالب في النضال الجماهيري، دون أن تراعي ما إذا كانت هذه المطالب منسجمة أو غير منسجمة مع الاستغلال الربوي من جانب الطبقة الرأسمالية.
وليست إمكانات وجود الصناعة الرأسمالية وإمكانات المنافسة لديها، وليست قوة المقاومة لدى الأموال الرأسمالية، هما ما يجب أن تأخذه الشيوعية بالاعتبار، بل اتساع البؤس الذي لا تستطيع البروليتاريا ولا يجب أن تتحمله. وإذا استجابت هذه المطالب للحاجات الحيوية للجماهير البروليتارية الواسعة، وإذا تشبعت هذه الجماهير بالشعور بأنه من دون تحقيق هذه المطالب سيكون وجودها مستحيلا، فإن النضال من أجل هذه المطالب سيصبح نقطة الانطلاق للنضال من أجل السلطة. ومكان برنامج الحد الأدنى للإصلاحيين والوسطيين تضع الأممية الشيوعية برنامج النضال من أجل الحاجات الملموسة للبروليتاريا ومن أجل مجموعة من المطالب تقوِّض بمجملها قوة البرجوازية، وتنظِّم البروليتاريا، وتشكِّل مراحل النضال من أجل دكتاتورية البروليتاريا، وتعبر كل واحدة منها بوجه خاص عن حاجة من حاجات أوسع الجماهير، حتى إذا كانت هذه الجماهير لم تقف بعد على أرضية دكتاتورية البروليتاريا.
وبقدر ما يشمل النضال من أجل هذه المطالب جماهير متزايدة باستمرار ويعبئها، وبقدر ما يجعل هذا النضال الحاجات الحيوية للجماهير تدخل في تعارض مع الحاجات الحيوية للمجتمع الرأسمالي، سوف تعي الطبقة العاملة حقيقة أنها إذا أرادت أن تعيش، فيجب أن تموت الرأسمالية. وهذه الملاحظة سوف تولِّد لديها إرادة النضال من أجل الدكتاتورية. ومهمة الأحزاب الشيوعية هي أن توسّع النضالات التي تتطور باسم هذه المطالب الملموسة، وتعمقها وتربط فيما بينها. وكل نشاط جزئي تقوم به الجماهير العمالية من أجل مطالب جزئية، وكل إضراب اقتصادي جدي يؤديان مباشرة لتعبئة البرجوازية بأكملها من أجل حماية المهددين من أصحاب المشاريع، وجعل كل انتصار للبروليتاريا مستحيلا حتى لو كان جزئيا (دعم تقني لكاسري الإضراب البرجوازيين خلال إضراب عمال سكك الحديد البريطانيين، ودعم الفاشيين). وتستنفر البرجوازية أيضا كل آلية الدولة من أجل محاربة العمال (عسكرة العمال في بولندا، قوانين استثنائية خلال إضراب عمال المناجم في إنجلترا). إن العمال الذين يناضلون من أجل مطالبهم الجزئية، ينخرطون بشكل آلي بمحاربة البرجوازية بأكملها وجهاز دولتها. وبالقدر الذي تتسع فيه النضالات من أجل المطالب الجزئية، والنضالات الجزئية لمجموعات مختلفة من العمال وتتحول إلى نضال شامل للطبقة العاملة ضد الرأسمالية، يجب على الحزب الشيوعي أن يتقدم بشعارات أكثر تقدما وشمولا وصولا إلى شعار الإطاحة المباشر للخصم وبما فيه هذا الشعار.
وإذ تضع الأحزاب الشيوعية مطالبها الجزئية، عليها أن تسهر على ألاّ تقف هذه المطالب، ذات الصلة بمصالح أوسع الجماهير، عند اجتذاب هذه الجماهير إلى النضال بل أن تكون بذاتها قادرة على تنظيمها.
إن كل الشعارات الملموسة التي تنبع من الحاجات الاقتصادية العمالية يجب أن تندرج في خطة النضال من أجل الرقابة العمالية التي لن تكون نظام تنظيم بيروقراطي للاقتصاد الوطني في ظل النظام الرأسمالي، بل نضالا تخوضه السوفيتات الصناعية والنقابات الثورية ضد الرأسمالية. ولن يتمكن نضال الجماهير العمالية من اكتساب وحدة عضوية كما لن يمكن مواجهة انقسام الجماهير المسؤولة عنه الاشتراكية – الديمقراطية والقادة النقابيون إلاّ ببناء منظمات صناعية على هذه الشاكلة، وإلاّ عبر ربطها فيما بينها على شكل فروع صناعية ومراكز صناعية. إن السوفيتات الصناعية سوف تنجز هذه المهمة فقط إذا ولدت أثناء النضال من أجل أهداف اقتصادية مشتركة بالنسبة لأوسع الجماهير العمالية وفقط إذا خلقت ارتباط بين كل الأقسام الثورية من البروليتاريا: الحزب الشيوعي، والعمال الثوريين وكل النقابات السائرة في طريق التطور الثوري.
وكل اعتراض على رفع مطالب جزئية من هذا النوع، وكل اتهام بالإصلاحية تحت حجة هذه النضالات الجزئية، ينبعان من عدم القدرة نفسها على فهم الشروط الحية للنشاط الثوري التي ظهرت سابقا في معارضة بعض المجموعات الشيوعية للمشاركة في النقابات ولاستخدام البرلمانية. إن الأمر لا يتعلق أبدا بالاقتصار على تبشير البروليتاريا دائما بالأهداف النهائية بل بتطوير نضال ملموس بإمكانه وحده أن يقودها إلى النضال من أجل هذه الأهداف النهائية. إن هذه الاعتراضات على المطالب الجزئية تفتقد إلى أي أساس، وهي غريبة عن متطلبات الحياة الثورية. وهذا يبرز، بشكل خاص، في واقع أنه حتى المنظمات الصغيرة التي أسسها الشيوعيون الموصوفون باليساريين، على أنها ملاجئ للعقيدة الخالصة، وجدت نفسها مضطرة لأن تضع في الواجهة مطالب جزئية عندما أرادت أن تجذب إلى النضال جماهير عمالية أكبر عددا من تلك المجتمعة حولها، أو عندما تريد أن تشارك في نضالات الجماهير الشعبية الواسعة كي تتمكن من ممارسة تأثيرها عليها.
ترتكز الطبيعة الثورية للمرحلة الحالية، تحديدا، على التالي: وهو أن الشروط المعيشية الأكثر تواضعا للجماهير العمالية تتعارض مع وجود المجتمع الرأسمالي، وأنه لهذا السبب يتخذ النضال حتى من أجل المطالب الأكثر تواضعا أبعاد نضال من أجل الشيوعية.
وفيما يستفيد الرأسماليون من جيش العاطلين عن العمل المتنامي باستمرار من أجل ممارسة الضغط على العمل المنظّم بهدف خفض الأجور، يتحول الاشتراكيون – الديمقراطيون والمستقلون والقادة الرسميون للنقابات بجبن عن العاطلين عن العمل، ويعتبرونهم ببساطة كرعايا للإحسان الحكومي والنقابي، ويصفونهم سياسيا بأنهم بروليتاريا رثّة. على الشيوعيين أن يعوا أن جيش العاطلين عن العمل يشكل في الظروف الحالية عاملا ثوريا عظيم الأهمية. وأن قيادة هذا الجيش تقع على عاتق الشيوعيين، وعبر الضغط الذي يمارسه العاطلون عن العمل على النقابات يجب على الشيوعيين أن يسرّعوا تجديد النقابات، وبالدرجة الأولى تحريرها من تأثير القادة الخونة. إن الحزب الشيوعي، بتوحيده العاطلين عن العمل مع طليعة البروليتاريا في النضال من أجل الثورة الاشتراكية، سوف يمسك العناصر الأكثر ثورية والأكثر نفاد صبر من العاطلين عن العمل عن القيام بتصرفات يائسة معزولة، ويمكّن كل الجماهير من أن تدعم ضمن شروط ملائمة الهجمة التي تبدأها مجموعة من البروليتاريين، وتتولى تطوير هذا الصراع ليتخطى الأطر المعطاة وتجعل منه نقطة الانطلاق لهجمة حازمة، وباختصار، سوف يحوّل كل هذا الجمهور، ومن جيش احتياط للصناعة سوف يجعله جيشا نشطا للثورة.
إن الأحزاب الشيوعية إذ تتولى الدفاع الأكثر عزما عن هذه الفئة من العمال وإذ تغوص في أعماق الطبقة العاملة فهي لا تمثل مصالح شريحة عمالية ضد شريحة أخرى، إنها تمثل بذلك المصلحة المشتركة للطبقة العاملة التي خانها القادة المعادون للثورة لحساب المصالح الآنية للأرستقراطية العمالية: كلما اتسعت شريحة العاطلين عن العمل والشغيلة بدوام جزئي، وكلما تحولت مصالحها إلى المصلحة المشتركة للطبقة العاملة كلما وجب إخضاع المصالح العارضة للأرستقراطية العمالية لهذه المصالح المشتركة. إن وجهة النظر التي تستند إلى مصالح الأرستقراطية العمالية من أجل استخدامها كسلاح ضد العاطلين عن العمل أو من أجل ترك هؤلاء الأخيرين يواجهون مصيرهم تمزّق الطبقة العاملة وهي معادية للثورة في الواقع. ولا يمكن أن يكتفي الحزب الشيوعي كممثل للمصلحة العامة للطبقة العاملة بالاعتراف بهذه المصلحة المشتركة في دعاوته. إنه لا يستطيع أن يمثل هذه المصلحة المشتركة بشكل فعال إلاّ إذا قاد أوسع الجماهير العمالية الأكثر اضطهادا وإفقارا في ظروف محددة، في معركة ضد المقاومة التي تبديها الأرستقراطية العمالية.
6 – الإعداد للنضال
إن طابع المرحلة الانتقالية يجعل من واجب كل الأحزاب الشيوعية أن ترفع روحها القتالية إلى أعلى درجة. فكل معركة معزولة يمكن أن تؤدي إلى معركة من أجل السلطة. ولا يستطيع الحزب الشيوعي أن يحصل على هذه الحيوية الضرورية إلاّ إذا أعطى دعاوته بمجملها طابعا هجوميا متقدا ضد المجتمع الرأسمالي. وإذا عرف أن يرتبط بهذا التحضير بأوسع جماهير الشعب، وإذا عرف أن يكلمها بطريقة تجعلها تكتسب القناعة بأن تكون تحت قيادة طليعة تناضل بشكل حقيقي من أجل السلطة. ولا ينبغي أن تكون صحافة الحزب الشيوعي وبياناته منشورات أكاديمية تسعى لأن تثبت نظريا صحة الشيوعية، بل يجب أن تكون صرخات دعوة للثورة البروليتارية. ولا ينبغي أن يتجه نشاط الشيوعيين في البرلمانات للنقاش مع العدو أو لإقناعه، بل لفضحه دون تحفظ ولا هوادة ولفضح عملاء البرجوازية، وشدّ عزيمة القتال لدى الجماهير العمالية ودفع الشرائح البرجوازية – الصغيرة، وشبه البروليتارية من الشعب للانضمام إلى البروليتاريا. إن عملنا التنظيمي في النقابات كما في الأحزاب لا يجب أن يهدف إلى بناء آلي وزيادة عددية في صفوفنا، بل يجب أن يكون مشبعا بروح النضالات القادمة. ولن يكون الحزب قادرا على إتمام رسالته في اللحظات التي ستتوفر فيها كل الشروط الضرورية للقيام بنشاطات قتالية أعظم، إلاّ عندما ستتجسد لديه إرادة القتال وذلك في كل تجليات حياته وفي كل أشكاله التنظيمية.
وحيث يمثل الحزب الشيوعي قوة ضخمة، وحيث يصل تأثيره، ما وراء أطر المنظمات الخاصة بالحزب، إلى أوسع الجماهير العمالية، عليه واجب أن يستحث بالعمل الجماهير العمالية إلى المعركة. ولا يمكن أن تكتفي أحزاب جماهيرية كبيرة بانتقاد عجز أحزاب أخرى ومواجهة مطالبها بمطالب شيوعية. فكونها أحزابا جماهيرية، تقع عليها مسؤولية تطوير الثورة. وحيث يصبح وضع الجماهير العمالية غير محتمل أكثر فأكثر، على الأحزاب الشيوعية أن تسعى جهدها لحمل الجماهير العمالية على الدفاع عن مصالحها عبر النضال. وبمواجهة واقع أن الجماهير العمالية في أوروبا الغربية وأميركا منظمة في نقابات وأحزاب سياسية، وحيث لا يمكن الاعتماد، بالتالي، وحتى إشعار آخر، على حركات عفوية إلاّ في حالات نادرة جدا، من واجب الأحزاب الشيوعية، مستخدمة كل تأثيرها في النقابات ومعززة ضغطها على الأحزاب الأخرى التي تستند إلى الجماهير العمالية، أن تسعى لتحقيق اندلاع شامل للمعركة من أجل المصالح المباشرة للبروليتاريا. وإذا كانت الأحزاب غير الشيوعية مجبرة على الاشتراك في هذه المعركة، فإن مهمة الشيوعيين هي في تحضير الجماهير العمالية مسبقا لخيانة محتملة من قبل الأحزاب غير الشيوعية خلال إحدى المراحل اللاحقة للمعركة، وتأزيم الوضع قدر الإمكان ومفاقمته من أجل أن تكون قادرة على مواصلة المعركة، عند الاقتضاء، دون الأحزاب الأخرى (أنظر الرسالة المفتوحة للـ V. K. P .D التي يمكن أن تخدم كنقطة انطلاق نموذجية لأعمال أخرى). وإذا كان ضغط الحزب الشيوعي في النقابات والصحافة غير كاف من أجل دفع البروليتاريا للانخراط في المعركة على قاعدة جبهة متحدة فمن واجب الحزب الشيوعي عندئذ أن يسعى وحده لدفع أجزاء واسعة من الجماهير العمالية للانخراط في هذه المعركة. وهذه السياسة المستقلة، القائمة على الدفاع عن المصالح الحيوية للبروليتاريا بواسطة جناحها الأكثر وعيا ونشاطا، لن تتوج بالنجاح، ولن تنجح في تحريك الجماهير المتخلفة إلاّ إذا كانت أهداف المعركة المنبثقة من الوضع الملموس، في متناول فهم أوسع الجماهير، وإذا رأت هذه الجماهير في هذه الأهداف أهدافها الخاصة، دون أن تكون قادرة بعد على المحاربة من أجلها.
لا يجب أن يكتفي الحزب الشيوعي مع ذلك بالدفاع عن البروليتاريا ضد الأخطار التي تتهددها وتدارك الضربات الموجهة للجماهير العمالية. فالحزب الشيوعي هو، في مرحلة الثورة العالمية وانطلاقا من جوهره بالذات، حزب صدامي، حزب هجوم ضد المجتمع الرأسمالي. ويترتب عليه، ما أن يتخذ صراع دفاعي ضد المجتمع الرأسمالي عمقا واتساعا، أن يحوّله إلى هجوم. وعلى الحزب الشيوعي بالإضافة إلى ذلك واجب أن يبذل كل جهده من أجل قيادة الجماهير العمالية دفعة واحدة إلى هذا الهجوم حيث تكون الشروط المؤاتية متوفرة.
إن من يعارض مبدئيا سياسة الهجوم ضد المجتمع الرأسمالي، إنما ينتهك التوجيهات الشيوعية.
وتقوم هذه الشروط أولا على احتدام الصراعات في معسكر البرجوازية نفسها في الإطارين القومي والعالمي. وإذا كانت صراعات البرجوازية الداخلية قد اتخذت أبعاداً يمكن على أساسها التوقع بأن الطبقة العاملة ستكون بمواجهة قوة عدوة مجزأة ومقسمة فعلى الحزب أن يبادر بعد إعداد دقيق في المجال السياسي وإذا أمكن في مجال التنظيم الداخلي، إلى قيادة الجماهير إلى المعركة.
أمّا الشرط الثاني للقيام بإغارات وهجمات على جبهة واسعة، فهو التخمر الواسع الحاصل في الفئات الحاسمة من الطبقة العاملة، تخمر يسمح بالتوقع بأن الطبقة العاملة ستكون جاهزة للنضال على كل الجبهات ضد الحكومة الرأسمالية. وإذا كان من الملح عندما تنمو الحركة اتساعا، أن تزداد حدة شعارات المعركة، فعلى القادة الشيوعيين أيضا عندما تتخذ الحركة مسارا تراجعيا أن يسحبوا الجماهير المقاتلة من المعركة بأقصى تنظيم وتماسك.
وتتوقف مسألة معرفة ما إذا كان على الحزب الشيوعي أن يستخدم الهجوم أو الدفاع على الظروف الملموسة. فالأساس أن يكون مشبعا بروح قتالية وأن يتغلب على هذه السلبية الوسطية التي تسقط بالضرورة دعاوة الحزب نفسها في الروتين نصف الإصلاحي. إن هذا الاستعداد الدائم للمعركة، يجب أن يشكّل خاصية الأحزاب الشيوعية الكبيرة، ليس فقط لأنه يقع عليها كأحزاب جماهيرية عبء المعركة، بل أيضا بسبب الوضع الحالي بمجمله: تفكك الرأسمالية والإفقار المتزايد للجماهير. وينبغي اختصار مرحلة التفكك هذه إذا كنا لا نريد إعدام كل الأسس المادية للشيوعية وتحطيم كل طاقة الجماهير العمالية خلال هذه المرحلة.
7 – دروس تحرك آذار (مارس)
لقد كان تحرك آذار/ مارس صراعا فرضته على الحزب الشيوعي الألماني الموحد هجمة الحكومة على البروليتاريا في ألمانيا الوسطى.
وقد ارتكب الحزب الشيوعي الموحد، خلال هذه المعركة الأولى الكبرى التي كان عليه أن يخوضها بعد تشكيله، سلسلة أخطاء كان الخطأ الأساسي بينها أنه بدل أن يبرز وبصورة واضحة الطابع الدفاعي لهذا النضال أعطى بدعوته إلى الهجوم أعداء البروليتاريا عديمي الذمة، البرجوازية والحزب الاشتراكي – الديمقراطي والحزب المستقل حجة كي يتهموا الحزب الموحد أمام البروليتاريا بأنه محرّض على الإنقلاب. وقد جرى تضخيم هذا الخطأ من قبل عدد من رفاق الحزب، الذين قدّموا الهجوم على أنه الطريقة الأساسية لنضال الحزب الشيوعي الألماني الموحد في الوضع الحالي. ولكن الهيئات الرسمية في الحزب من مثل رئيسه الرفيق براندلر، احتجت على هذه الأخطاء.
يعتبر المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية تحرك آذار / مارس للحزب الشيوعي الألماني الموحد خطوة إلى الأمام. ويرى المؤتمر أن الحزب الشيوعي الموحد سيكون قادرا أكثر على تنفيذ تحركاته الجماهيرية بنجاح بقدر ما سيعرف في المستقبل أن يكيّف شعاراته القتالية بشكل أفضل مع الوضع الفعلي، ويدرس هذا الوضع بعناية أكبر، ويتصرف بوحدة أكبر.
على الحزب الشيوعي الألماني الموحد، من ضمن الاهتمام بالتقدير الدقيق لإمكانات النضال، أن يأخذ بالاعتبار الوقائع والانعكاسات باهتمام ويزن بعناية صحة الآراء التي تشير إلى صعوبات العمل ولكن في اللحظة التي تقرر فيها السلطات الحزبية عملا معينا على كل الرفاق أن يخضعوا لقرارات الحزب وينفذوا هذه الأعمال، ولا يمكن نقد هذه الأعمال إلا عند انتهائها، ولا ينبغي أن يطرح هذا النقد إلاّ داخل الحزب وهيئاته على أن يؤخذ بالاعتبار الوضع الذي يجد الحزب نفسه فيه بالنسبة للعدو الطبقي.
ولأن الرفيق ليفي قد استخف بالمتطلبات البديهية للانضباط والشروط الموضوعة لانتقاد الحزب، فإن المؤتمر يصادق على طرده من الحزب ويعتبر كل تعامل سياسي معه من جانب أعضاء الأممية الشيوعية غير مقبول.
8 – شكل النضال المباشر وأساليبه
تتوقف أشكال النضال وأساليبه وأبعاده، كما مسألة الهجوم أو الدفاع، على عدة شروط لا يمكن أن تصاغ اعتباطيا، فقد أظهرت التجارب السابقة للثورة أشكال عمل جزئية مختلفة:
1- أعمال جزئية لشرائح معزولة من البروليتاريا، تحرك عمال المناجم، وعمال السكك الحديدية الخ (في ألمانيا، وفي إنكلترا، تحرك العمال الزراعيين، الخ..).
2- أعمال جزئية لمجمل العمال من أجل أهداف محدودة (التحرك خلال أيام كاب، تحرك عمال المناجم الإنجليز ضد التدخل العسكري للحكومة الإنجليزية خلال الحرب الروسية – البولندية).
على صعيد إقليمي، يمكن أن تشمل هذه النضالات الجزئية مناطق معزولة أو بلدانا بأكملها، أو عدة بلدان في وقت واحد.
كان تحرك آذار / مارس نضالا بطوليا خاضه مئات آلاف البروليتاريين ضد البرجوازية. ويثبت الحزب الشيوعي الألماني الموحد بوقوفه بقوة على رأس الدفاع عن العمال في ألمانيا الوسطى أنه حزب البروليتاريا الثورية الألمانية حقا.
ومقضيّ على جميع أشكال المعركة هذه أن تتعاقب تكرارا خلال الثورة. وبالطبع، لا يمكن أن يرفض الحزب الشيوعي التحركات الجزئية المحدودة جغرافيا ولكن جهوده ينبغي أن تتجه إلى تحول كل معركة محلية أكثر أهمية إلى نضال شامل للبروليتاريا. ومثلما يتعين عليه، من أجل الدفاع عن العمال الذين يقاتلون في أحد فروع الصناعة، أن يدعو الطبقة العاملة بمجملها لمساندتهم، فإنه مجبر أيضا، من أجل الدفاع عن العمال الذين يقاتلون من أجل مطلب معين، أن يستنفر قدر الإمكان العمال في المراكز الصناعية الأخرى. وتظهر تجربة الثورة أنه كلما كان ميدان المعركة أكبر، كلما كانت آفاق الانتصار أكبر. فإن البرجوازية في نضالها ضد الثورة العالمية التي تتطور، تستند من جهة لمنظمات الحرس الأبيض ومن جهة ثانية إلى التفتت الحقيقي للطبقة العاملة والبطء الحقيقي في تشكيل الجبهة البروليتارية. وكلما كانت جماهير البروليتاريا التي تدخل المعركة أكبر، وكلما كان ميدان المعركة أكبر، كلما كان على العدو أن يقسّم قواه ويشتتها وحتى لو هرعت الأجزاء الأخرى من الطبقة العاملة لنجدة جزء من البروليتاريا في موقف سيء ولم تكن قادرة في هذه اللحظة على تجنيد مجموع قواها من أجل دعمها. فإن مجرد تدخلها يجبر الرأسماليين على شق قواهم العسكرية، لأنهم لا يستطيعون معرفة أي امتداد وأي اندفاع ستتخذهما مشاركة بقية البروليتاريا في المعركة.
في مجرى السنة الماضية التي شاهدنا خلالها هجمة تتعاظم بشكل متزايد لرأس المال ضد العمل، رأينا في الوقت نفسه، وفي جميع البلدان، البرجوازية غير الراضية عن عمل هيئاتها السياسية تنشئ منظمات حرس أبيض، شرعية أو نصف شرعية ولكن دائما تحت حماية الدولة وتلعب دورا حاسما في كل صدمة اقتصادية وسياسية كبرى.
في ألمانيا، هناك الأورغيش التي تدعمها الحكومة، والتي تضم أحزابا من شتى التلاوين بدءا بستينز وصولا إلى شيدمان.
وفي إيطاليا، هناك الفاشيون، الذين غيّرت مآثرهم البطولية كقُطّاع طرق الاستعداد الذهني للبرجوازية وخلقت الوهم بتحول كامل في ميزان القوى بين القوى السياسية.
وفي إنجلترا، توجهت حكومة لويد جورج، من أجل مواجهة خطر الإضراب، إلى المتطوعين الذين مهمتهم «حماية الملكية وحرية العمل»، تارة للحلول محل المضربين وطورا لتحطيم منظماتهم.
وفي فرنسا، تقود الجريدة شبه الرسمية «الوقت»، التي تلهمها زمرة ميللران، حملة نشطة لصالح تطور «الروابط الوطنية» الموجودة سابقا وغرس الأساليب الفاشية على الأرض الفرنسية.
وقد امتلكت منظمات كاسري الإضرابات والقتلة، الذين كانوا يكملون دائما نظام الحرية الأميركية، هيئة قيادية تحت شكل الفيلق الأميركي الذي استمر بعد الحرب.
إن البرجوازية التي تعتمد على قوتها وتفاخر بصلابتها تعرف جيدا، بشخص حكامها، أنها لا تحصل بذاك إلاّ على لحظة استراحة، وأنه في الظروف الحالية يملك كل إضراب كبير ميلا لأن يتحول إلى حرب أهلية وإلى نضال مباشر من أجل السلطة.
في نضال البروليتاريا ضد هجمة رأس المال، من واجب الشيوعيين ليس فقط أن يحتلوا المواقع الأولى وأن يقوموا بتربية المقاتلين على فهم الأهداف الأساسية التي يجب تحقيقها بواسطة الثورة، بل أيضا أن يستندوا إلى العناصر الأفضل والأكثر نشاطا في المشروعات والنقابات من أجل خلق جيشهم العمالي الخاص ومنظماتهم القتالية الخاصة للتصدي للفاشيين، ومن أجل جعل أبناء الذوات البرجوازيين يتخلون عن عادتهم بشتم المضربين.
ونظرا للأهمية الاستثنائية للزمر الهجومية المعادية للثورة، يجب على الحزب الشيوعي والأندية الشيوعية في النقابات أن تعير أكبر اهتمام لمسألة جهاز الارتباط والاستقصاء، وممارسة الرقابة الثابتة على أجهزة الصراع، وقوات الحرس الأبيض، وهيئات الأركان، ومستودعات الأسلحة لديها، وارتباط كوادرها بالبوليس والصحافة والأحزاب السياسية، والإعداد المسبق لكل الخصوصيات الضرورية للدفاع والهجوم المضاد.
وعلى هذا الشكل ينبغي للحزب الشيوعي أن يرسخ في ذهن أوسع شرائح البروليتاريا فعلا وقولا، فكرة أن كل صراع اقتصادي أو سياسي يمكن أن يتحول، في حال توفر الظروف الملائمة، إلى حرب أهلية تكون مهمة البروليتاريا خلالها الاستيلاء على السلطة السياسية.
على الحزب الشيوعي، بمواجهة أفعال الإرهاب الأبيض وهياج كاريكاتور العدالة الخسيس لدى البيض، أن يحافظ باستمرار على هذه الفكرة لدى البروليتاريا، وهي أن لا تُخدع، أثناء الانتفاضة، بدعوات الخصم إلى الليونة، بل على العكس أن تقدم تعبيرا عن العدالة البروليتارية بواسطة أفعال قضاء شعبي منظم، وتصفي حساباتها مع جلادي طبقتها. ولكن في الأوقات التي تكون فيها البروليتاريا في بداية مهمتها، ولا تزال هناك ضرورة لتعبئتها بواسطة التحريض، والحملات السياسية، والإضرابات، فإن استخدام السلاح وأعمال التخريب لا تكون مفيدة إلاّ إذا خدمت في منع نقل القوات المسلحة ضد الجماهير البروليتارية المقاتلة، أو في انتزاع موقع مهم من العدو في النضال المباشر. إن أعمال الإرهاب الفردية، مهما وجب تثمينها عاليا على اعتبار أنها تشكل برهانا على الغليان الثوري وأحد أغراضه، ومهما وجب الدفاع عنها إزاء قانون لينش الخاص بالبرجوازية وخدامها الاشتراكيين – الديمقراطيين، فإنها مع ذلك غير كفيلة إطلاقا برفع مستوى تنظيم البروليتاريا واستعداداتها القتالية، ذلك أنها توقظ لدى الجماهير الوهم بأن أعمالا بطولية معزولة يمكن أن تحل محل النضال الثوري للبروليتاريا.
9 – الموقف تجاه الشرائح الوسطى والبروليتاريا
في أوروبا الغربية لا توجد أي طبقة كبيرة أخرى، عدا البروليتاريا، تستطيع أن تكون عاملا حاسما في الثورة العالمية، كما كانت الحال في روسيا. حيث كانت طبقة الفلاحين معدّة مسبقا، بفعل الحرب وفقدان الأرض، لأن تكون عاملا حاسما في المعركة الثورية إلى جانب الطبقة العاملة.
ولكن في أوروبا الغربية، هناك أجزاء من الفلاحين، وأجزاء واسعة من البرجوازية الصغيرة المدينية، وشريحة واسعة من هذه الطبقة الثالثة الجديدة، التي تضم المستخدمين، الخ. الموضوعين ضمن شروط معيشة لا تحتمل أكثر فأكثر. وتدخل هذه الجماهير تحت ضغط ارتفاع أسعار المعيشة، وأزمة السكن، وعدم استقرار وضعها، في تخمّر يجعلها تخرج من بلادتها السياسية وتنخرط في المعركة الدائرة بين الثورة والثورة المضادة. ويدفع إفلاس الإمبريالية في الدول المهزومة، وإفلاس النزعة السلمية والاتجاهات الاشتراكية – الإصلاحية في معسكر الثورة المضادة المعلنة في البلدان المنتصرة، يدفع جزءا من الشرائح الوسيطة إلى معسكر الثورة. وينبغي أن يعير الحزب الشيوعي انتباهه لهذه الشرائح بشكل دائم.
إن كسب الفلاح الصغير إلى الأفكار الشيوعية وكسب العامل الزراعي وتنظيمه، هو أحد أكثر الشروط التمهيدية أساسية من أجل انتصار دكتاتورية البروليتاريا، لأنه يسمح بنقل الثورة من المراكز الصناعية إلى الأرياف، ويخلق لها نقاط الارتكاز الأكثر أهمية من أجل حل مسألة التموين، التي تشكل المسألة الحيوية في الثورة.
إن كسب حلقات واسعة من مستخدمي التجارة والصناعة ومن الموظفين الصغار والمتوسطين ومن المثقفين يسهّل على دكتاتورية البروليتاريا، خلال مرحلة الانتقال بين الرأسمالية والشيوعية، حل قضايا التقنية وتنظيم الصناعة، والإدارة الاقتصادية والسياسية. إنه سيبعث البلبلة في صفوف العدو ويوقف عزلة البروليتاريا عن الرأي العام.
ينبغي أن تراقب الأحزاب الشيوعية بالشكل الأشد يقظة، اختمار الشرائح البرجوازية الصغيرة؛ وينبغي أن تستخدم هذه الشرائح بالشكل الأكثر ملاءمة، حتى لو لم تتحرر هذه الأخيرة بعد من الأوهام البرجوازية الصغيرة. وينبغي أن تُدخل الأجزاء من المثقفين والمستخدمين التي تخطت هذه الأوهام في الجبهة البروليتارية، وتجعلها تخدم في اجتذاب الجماهير البرجوازية الصغيرة التي تختمر.
ويجبر الانهيار الاقتصادي وتزعزع مالية الدولة الذي نجم عنه البرجوازية نفسها على ترك قاعدة جهازها الحكومي الخاص من المستخدمين الصغار والمتوسطين، عرضة لإفقار متزايد. وتطول الحركات الاقتصادية التي تحدث داخل هذه الشرائح هيكل الدولة البرجوازية مباشرة، وحتى لو توطدت هذه الأخيرة لفترة من الزمن في كل مرة، فسيكون من المستحيل عليها كذلك أن تؤمن الحياة المادية للبروليتاريا في حين تحافظ في الوقت نفسه على نظام الاستغلال الخاص بها. وإذ تأخذ الأحزاب الشيوعية على عاتقها الدفاع عن المستخدمين المتوسطين والصغار بكل قوة نشاطها، ودون مراعاة وضع مالية الدولة، فإنها تنجز العمل التمهيدي الفعّال من أجل تحطيم المؤسسات الحكومية البرجوازية وتحضير عناصر البناء الحكومي البروليتاري.
10 – التنسيق العالمي للعمل
من أجل استخدام كل قوى الأممية الشيوعية بهدف شق جبهة الثورة المضادة العالمية، والإسراع بانتصار الثورة، يجب بذل أقصى الجهد لإعطاء النضال الثوري قيادة عالمية موحدة.
إن الأممية الشيوعية تفرض على الأحزاب الشيوعية كافة واجب تقديم الدعم المتبادل الأكثر حزما أثناء المعركة وتفرض النضالات الاقتصادية التي تنمو، حيث يكون ذلك ممكنا، تدخّل بروليتاريا البلدان الأخرى. وعلى الشيوعيين أن يعملوا داخل النقابات من أجل أن تمنع هذه الأخيرة، بكل الوسائل، ليس فقط تدخل كاسري الإضراب، بل أن تقاطع أيضا التصدير إلى البلدان حيث يكون جزء هام من البروليتاريا منخرطا في النضال. وفي الحالات التي تتخذ فيها الحكومات الرأسمالية في بلد ما إجراءات عنف ضد بلد آخر لنهبه أو إخضاعه، فواجب الأحزاب الشيوعية ألاّ تكتفي أبدا بالاحتجاجات بل أن تمنع بمختلف الوسائل حملات النهب التي تقوم بها حكوماتها.
ويهنئ المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية الشيوعيين الفرنسيين على تظاهراتهم، كما على الشروع بتصعيد نشاطهم بمواجهة دور رأس المال الفرنسي الجشع المعادي للثورة ويذكرهم بواجبهم بأن يعملوا بكل قواهم من أجل أن يتعلم الجنود الفرنسيون في البلدان المحتلة أن يفهموا دورهم كجلادين في خدمة الرأسمال الفرنسي، وأن يثوروا على المهمة المخجلة التي أوكلت إليهم. إنها مهمة الحزب الشيوعي الفرنسي أن يدخل في وعي الشعب الفرنسي أنه بتساهله إزاء تشكيل جيش احتلال فرنسي مشبع بالروحية القومية، إنما يغذّي عدوه الخاص. والجيوش في المناطق المحتلة تتدرب وتكون في ما بعد مستعدة لقمع الحركة الثورية للطبقة العاملة الفرنسية بشكل دموي. ويفرض وجود الجيوش السوداء على أرض فرنسا، وفي المناطق المحتلة، على الحزب الشيوعي مهمات خاصة. فهذا الوجود يمنح الحزب الفرنسي إمكانية الوصول إلى عبيد المستعمرات، وأن يشرح لهم بأنهم يخدمون مستغِليهم وجلاديهم وأن يحثهم على النضال ضد نظام المستعمرين، وأن يصبح، بواسطتهم، على صلة بشعوب المستعمرات الفرنسية.
وعلى الحزب الشيوعي الألماني أن يجعل البروليتاريا الألمانية تفهم، عبر نشاطه، أن أي نضال ضد استغلالها من قبل رأس مال الحلفاء لن يكون ممكنا دون إطاحة الحكومة الرأسمالية الألمانية، التي على الرغم من تشكّيها بصوت عال من الحلفاء، تشكل حاجب رأس مال الدول الحليفة وجلاده. ولن يكون الحزب الشيوعي الألماني الموحد قادرا على تنمية إرادة النضال لدى الجماهير البروليتارية في فرنسا ضد الإمبريالية الفرنسية، إلا إذا أثبت في صراع عنيف ودون هوادة ضد الحكومة الألمانية، أنه لا يبحث عن مخرج للإمبريالية الألمانية المفلسة، بل انه منكب على إزالة ركام الإمبريالية الألمانية من الطريق.
إن الأممية الشيوعية، التي شهّرت، أمام البروليتاريا العالمية، بالمطالبة بتعويضات الحرب من قبل رأسمال الدول الحليفة باعتبارها حملة نهب للجماهير الكادحة في البلدان المهزومة، والتي فضحت محاولات اللونغيين والمستقلين الألمان إعطاء شكل ما لهذا النهب، الذي هو على الأقل موجع جدا للجماهير العمالية، باعتبارها استسلاما جبانا أمام أسماك القرش في بورصة الدول الحليفة، إن الأممية الشيوعية تظهر في الوقت نفسه للبروليتاريا الفرنسية والألمانية الطريق الوحيد المؤدي إلى إعادة بناء المناطق المهدمة والتعويض على الأرامل واليتامى، بدعوتها البروليتاريين في البلدين إلى النضال المشترك ضد مستغِليهم.
إن الطبقة العاملة الألمانية لا تستطيع مساندة البروليتاريا الروسية في نضالها الصعب إلاّ إذا سرّعت بنضالها الظافر وحدة روسيا الزراعية مع ألمانيا الصناعية.
وهذا واجب الأحزاب الشيوعية في كل البلدان التي تشارك جيوشها في استعباد تركيا وتجزئتها، أن تستخدم كل الوسائل من أجل تثوير هذه الجيوش.
وعلى الأحزاب الشيوعية في البلدان البلقانية واجب استنفار كل قوى الجماهير التي تؤطرها من أجل ضبط النزعة القومية عبر خلق اتحاد بلقاني شيوعي، وعدم إغفال أي شيء في تقريب لحظة النصر. إن انتصار الأحزاب الشيوعية في بلغاريا والصرب الذي سيؤدي إلى سقوط نظام هورتي البشع، وتصفية إقطاعية الأثرياء الرومانيين، سينشر في أغلبية البلدان المجاورة المتطورة القاعدة الزراعية الضرورية للثورة الإيطالية.
ويبقى دعم روسيا السوفياتية دون تحفظ، كما في السابق، الواجب الأساسي للشيوعيين في كل البلدان. ولا ينبغي أن يقفوا بالشكل الأكثر عزما ضد كل هجوم على روسيا السوفياتية وحسب، بل أن يبذلوا جهدهم أيضا، وبالشكل الأكثر عزما، من أجل إزالة العوائق التي تضعها الرأسمالية أمام علاقات روسيا السوفياتية بالسوق العالمي وكل الشعوب. ويجب أن تنجح روسيا السوفياتية بتصحيح وضعها الاقتصادي، وتخفيف البؤس الكبير الذي سببته ثلاث سنوات من الحرب الإمبريالية وثلاث سنوات من الحرب الأهلية، ويجب أن تنجح في رفع قدرة العمل لدى الجماهير الشعبية، كي تكون قادرة على مساعدة الدول البروليتارية المنتصرة في الغرب وتزويدها بالمؤن والمواد الأولية وحمايتها من الاختناق على يد الرأسمال الأميركي.
ويتمثل دور الأممية الشيوعية، في السياسة الكونية، ليس فقط في تظاهرات بمناسبة أحداث خاصة، بل أيضا في تحسين الارتباط الأممي بين الشيوعيين في نضالهم المشترك الثابت على جبهة غير منقطعة. في أي قطاع من هذه الجبهة سيحدث الاختراق الظافر للبروليتاريا هل في ألمانيا الرأسمالية، ببروليتارييها الخاضعة لاضطهادٍ أقصى من جانب البرجوازية الألمانية وبرجوازيات البلدان المتحالفة، والموضوعة أمام خيار واحد، إمّا الموت أو الإنتصار؟ أو في البلدان الزراعية في الجنوب الشرقي؟ أو في إيطاليا حيث تقويض البرجوازية متقدم جدا؟ لا يمكن قول ذلك مسبقا. إنه واجب الأممية الشيوعية أن تكثف جهودها إلى أبعد الحدود على كل قطاعات الجبهة العالمية للبروليتاريا، وإنه واجب الأحزاب الشيوعية أن تقدم كل ما بوسعها من أجل دعم النضالات الحاسمة لكل قطاع من قطاعات الأممية الشيوعية بكل الوسائل التي تمتلكها. وتتميز هذه الصلة، قبل كل شيء، بأنه عندما تبدأ أزمة كبيرة في بلد ما، على الأحزاب الشيوعية في البلدان الأخرى أن تسعى لشحذ الصراعات الداخلية كافة وإثارتها.
انهيار الأممية الثانية والأممية ½ 2
كانت السنة الثانية من عمر الأممية الشيوعية شاهدا على السقوط الأكمل للأحزاب الاشتراكي – الديمقراطية والقادة النقابيين الإصلاحيين، الذين انفضحوا وتعرّوا.
لكن هذه السنة شهدت كذلك محاولتهم التكتل في منظمة واحدة والمبادرة إلى الهجوم على الأممية الشيوعية.
وأظهر قادة حزب العمال والنقابات في إنجلترا خلال إضراب عمال المناجم أنهم لا يهدفون إلا إلى أن يبلبلوا بصورة واعية الجبهة البروليتارية التي في طور التشكل، ويدافعوا بوعي عن الرأسماليين ضد العمال. إن انهيار الحلف الثلاثي يقدم الدليل على أن القادة النقابيين الإصلاحيين ليسوا مستعدين حتى للنضال من أجل تحسين وضع البروليتاريا في إطار الرأسمالية.
وفي ألمانيا، أثبت الحزب الاشتراكي – الديمقراطي الذي خرج من الحكومة، أنه عاجز حتى عن القيام بمعارضة دعاوية، كالتي قامت بها الاشتراكية – الديمقراطية القديمة قبل الحرب. وعند كل حركة معارضة، كان الحزب منشغلا فقط بعدم إثارة أي نضال للطبقة العاملة. وعلى الرغم من وجوده المزعوم في المعارضة داخل الرايخ، فقد نظم الحزب الاشتراكي – الديمقراطي في بروسيا حملة الحرس الأبيض ضد عمال المناجم في ألمانيا الوسطى، من أجل دفعهم إلى الكفاح المسلح، كما أعلن ذلك بنفسه، قبل أن تنتظم صفوف الشيوعيين من أجل المعركة. وإزاء استسلام البرجوازية الألمانية أمام الحلفاء، وإزاء هذا الواقع البديهي المتمثل بأن البرجوازية لا تتمكن من تنفيذ الشروط التي وضعها الحلفاء، إلا إذا جعلت حياة البروليتاريا الألمانية لا تحتمل أبدا، دخلت الاشتراكية – الديمقراطية من جديد إلى الحكومة من أجل مساعدة البرجوازية على تحويل البروليتاريا الألمانية إلى قطيع من الرقيق.
وفي تشيكوسلوفاكيا قامت الاشتراكية – الديمقراطية بتعبئة الجيش والشرطة من أجل نزع ملكية العمال الشيوعيين لبيوتهم ومؤسساتهم.
وساعد الحزب الاشتراكي البولندي، بتكتيكه الكاذب بيلسودسكي على تنظيم حملة اللصوصية التي قام بها ضد روسيا السوفياتية. ويساعد حكومته على رمي آلاف العمال في السجون عن طريق سعيه لطردهم من النقابات، حيث يجمعون عددا متزايدا باستمرار من الجماهير إلى جانبهم على الرغم من التنكيل.
ويبقى الاشتراكيون – الديمقراطيون البلجيكيون في حكومة تشارك في إخضاع الشعب الألماني بشكل كامل للعبودية.
ولا تظهر أحزاب ومجموعات الأممية ½ 2 الوسطية اقل قبحا من الأحزاب المعادية للثورة.
يرفض المستقلون الألمان بفظاظة دعوة الحزب الشيوعي للقيام بنضال مشترك ضد تفاقم وضع الطبقة العاملة، على الرغم من الخلافات المبدئية. وخلال أيام آذار / مارس انحازوا بصورة واعية إلى حكومة الحرس الأبيض ضد العمال في ألمانيا الوسطى، ليعودوا في ما بعد، بعد أن ساعدوا في انتصار الإرهاب الأبيض، وبعد أن شهّروا بالصفوف المتقدمة من البروليتاريا أمام الرأي العام البرجوازي باعتبارها بروليتاريا النهابين وقطاع الطرق، يشتكون بخبث من هذا الإرهاب الأبيض نفسه. وعلى الرغم من تعهدهم في مؤتمر هال بدعم روسيا السوفياتية، يقود المستقلون في صحافتهم حملة افتراءات على الحكومة السوفياتية في روسيا. ويدخلون في صفوف الثورة المضادة الروسية في أكملها مع فرانجل وميليوكوف وبورتسيف، بدعمهم انتفاضة كرونشتاد ضد جمهورية السوفيتات، انتفاضة أظهرت بدايات تكتيك جديد للثورة المضادة العالمية ضد روسيا السوفياتية: إطاحة الحزب الشيوعي الروسي، روح الجمهورية السوفياتية وقلبها وعامودها الفقري وجهازها العصبي، من أجل قتل هذه الأخيرة ولكي لا يكون عليهم في ما بعد إلاّ تكنيس جثتها.
ويشارك في هذه الحملة إلى جانب المستقلين الألمان اللونغيون الفرنسيون، ويتحالفون بذلك علنا مع الثورة المضادة الفرنسية التي دشنت هذا التكتيك الجديد تجاه روسيا.
إن سياسة مجموعات الوسط وسيراتي وآراغونا، سياسة التراجع أمام كل نضال أفعمت البرجوازية في إيطاليا بشجاعة جديدة وأعطتها إمكانية السيطرة على الحياة الإيطالية بأكملها عن طريق العصابات الفاشية البيضاء.
لقد توحدت الأحزاب الوسطية في شباط / فبراير في جمعية أممية مستقلة ببرنامج سياسي وأنظمة داخلية خاصة. وتحاول الأممية ½ 2 هذه أن تتذبذب على الورق بين شعاري الديمقراطية ودكتاتورية البروليتاريا. وعمليا لا تساند الطبقة الرأسمالية في كل بلد وحسب بزرعها روح التردد لدى الطبقة العاملة، بل إنها، أمام الدمار الذي راكمته البرجوازية العالمية، وأمام خضوع جزء من العالم لإرادة الدول الرأسمالية الحليفة المنتصرة، تقدم نصائح للبرجوازية من أجل تحقيق خطتها للنهب دون أن تطلق القوى الثورية للجماهير البروليتارية. وتتميز الأممية ½ 2 عن الأممية الثانية فقط بأنها إلى الخوف المشترك من قوة رأس المال الذي يجمع الإصلاحيين مع الوسطيين، تجمع الخوف، إن هي صاغت وجهة نظرها بوضوح، من أن تخسر تأثيرها على الجماهير التي لا زالت مترددة، لكنها ذات شعور ثوري. وتجد الهوية السياسية الأساسية للإصلاحيين والوسطيين تعبيرها في دفاعهم بشكل مشترك عن أممية أمستردام النقابية، التي تشكل معقلا أخيرا للبرجوازية العالمية. ويثبت الوسطيون مثلهم مثل الاشتراكيين – الديمقراطيين باتحادهم، في كل مكان يملكون فيه تأثيرا على النقابات، مع الإصلاحيين والبيروقراطية النقابية من أجل محاربة الشيوعيين، وبإجابتهم عن محاولات تثوير النقابات بطرد الشيوعيين، وشق النقابات، أنهم الأعداء الحازمون لنضال البروليتاريا ومساعدو الثورة المضادة.
ينبغي أن تقود الأممية الشيوعية، كما فعلت حتى الآن، النضال الأكثر حزما ليس فقط ضد الأممية الثانية وضد أممية أمستردام النقابية، بل أيضا ضد الأممية ½ 2. وفقط عبر هذا النضال الذي لا هوادة فيه والذي يظهر يوميا للجماهير أنه ليس لدى الاشتراكيين الديمقراطيين أدنى نية للنضال من أجل إنزال الهزيمة بالرأسمالية، كما لا ينوون حتى النضال لأجل الحاجات الأبسط والأكثر مباشرة لدى الطبقة العاملة، عبر هذا النضال فقط، يمكن للأممية الشيوعية أن تزيل تأثير عملاء البرجوازية هؤلاء على الطبقة العاملة.
من أجل قيادة هذا النضال نحو النصر، يجب أن تخنق الأممية الشيوعية في المهد كل ميل وكل منفذ وسطي داخل صفوفها، وأن تثبت بعملها اليومي أنها أممية النشاط الشيوعي لا أممية الجملة والنظرية الشيوعيتين. إن الأممية الشيوعية هي التنظيم البروليتاري الوحيد المهيأ، انطلاقا من مبادئه، لأن يقود النضال ضد الرأسمالية. وينبغي أن تعزز كذلك تماسكها الداخلي وقيادتها الأممية، وعملها، كي تتمكن من بلوغ الأهداف التي وضعتها في أنظمتها الداخلية: «تنظيم الأعمال المشتركة للبروليتاريين في مختلف البلدان، الذين يسعون إلى الهدف المشترك: إطاحة الرأسمالية، وإقامة دكتاتورية البروليتاريا والجمهورية السوفياتية الأممية».
قرار حول تقرير اللجنة التنفيذية
يأخذ المؤتمر، بارتياح، علما بتقرير اللجنة التنفيذية، ويسجل أن سياسة اللجنة التنفيذية ونشاطها خلال العام المنصرم كانا منصبّين على تنفيذ قرارات المؤتمر الثاني. ويمتدح المؤتمر بشكل خاص تطبيق اللجنة التنفيذية في مختلف البلدان الشروط الأحد والعشرين التي صاغها المؤتمر الثاني. ويمتدح أيضا عمل اللجنة التنفيذية الهادف إلى تشجيع تشكيل أحزاب شيوعية جماهيرية كبرى والنضال الحازم ضد الاتجاهات الانتهازية التي ظهرت داخل هذه الأحزاب.
1- في إيطاليا يُظهر الموقف الذي اتخذته مجموعة القادة المحيطين بسيراتي، بعد المؤتمر العالمي الثاني مباشرة، أنه لم تكن لديها جديا إرادة تنفيذ قرارات المؤتمر العالمي والأممية الشيوعية، غير أن ما أظهر بوضوح أن مجموعة القادة هذه تريد الاستفادة من الشيوعية كراية تخفي تحتها سياستها الانتهازية، كان بشكل خاص الدور الذي لعبته خلال نضالات أيلول / سبتمبر، وموقفها في ليفورن، وأكثر من ذلك أيضا السياسة التي اتبعتها منذ ذلك الحين. ضمن هذه الشروط، لم يكن من الممكن تفادي الانشقاق. ويقر المؤتمر التدخل الحازم والصلب للتنفيذية في هذه الحالة، الذي تعتبره الأممية الشيوعية ذا أهمية مبدئية. ويؤيد قرار اللجنة التنفيذية الذي اعترف آنذاك مباشرة بالحزب الشيوعي الإيطالي كفرع شيوعي وحيد في هذا البلد.
وإذ يثبّت المؤتمر الثالث القرارات التي انتسب الحزب الاشتراكي الإيطالي بموجبها إلى الأممية الثالثة، هذه القرارات التي قبل بمبادئها الأساسية دون تحفظ، يعترض على طرد هذا الحزب من الأممية الشيوعية ـ وهو طرد تم إبلاغه به بواسطة ممثل اللجنة التنفيذية، على اثر خلافات في وجهات النظر في تقويم قضايا محلية وتفاصيل كان يمكن وينبغي تذليلها عن طريق توضيحات ودية وتفاهم أخوي.
وإذا يثبِّت انتسابه التام والكامل للأممية الثالثة، يعلن احتكامه إلى المؤتمر القادم لهذه الأممية من أجل حل النزاع، ويتعهد من الآن بأن يخضع لقرارها وينفذه.
إثر خروج الشيوعيين من مؤتمر ليفورن، تبنى المؤتمر القرار التالي الذي قدمه الرفيق بنتيفو غليو:
إن المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية مقتنع بأن هذا القرار قد فرضه على مجموعة سيراتي العمال الثوريون. وينتظر المؤتمر أن تبذل العناصر الثورية والبروليتارية كل جهدها، إثر قرارات المؤتمر العالمي الثالث، لتنفيذ هذه القرارات.
وجوابا عن دعوة مؤتمر ليفورن يعلن المؤتمر العالمي بوضوح:
طالما أن الحزب الاشتراكي الإيطالي لم يطرد أولئك الذين شاركوا في كونفرانس ريجيو آميليا والذين يدعمونهم، فإن الحزب الاشتراكي الإيطالي لا يمكن أن ينتمي إلى الأممية الشيوعية.
إذا ما تم تنفيذ هذا الشرط المسبق، والذي يشكل إنذارا نهائيا، فإن المؤتمر العالمي يكلف اللجنة التنفيذية القيام بالمساعي المفيدة من أجل توحيد الحزب الاشتراكي الإيطالي، مطهَّرا من العناصر الإصلاحية، والحزب الشيوعي الإيطالي في فرع موحد للأممية الشيوعية.
2- في ألمانيا، عقد مؤتمر الحزب الاشتراكي المستقل في هال على إثر قرارات المؤتمر العالمي الثاني الذي وضع كشف حساب عن تطور الحركة العمالية، وكان يتجه تدخل التنفيذية لتشكيل قوي لحزب شيوعي في ألمانيا، وقد أظهرت التجربة أن هذه السياسة كانت صحيحة.
ويقر المؤتمر موقف التنفيذية بشكل كامل من الأحداث اللاحقة التي جرت داخل الحزب الشيوعي الألماني الموحد. وينتظر المؤتمر أن تطبق اللجنة التنفيذية في المستقبل مبادئ الانضباط الثوري الأممي.
3- إن قبول الحزب الشيوعي العمالي الألماني، كحزب نصير للأممية الشيوعية، يهدف لضمان تطور الحزب باتجاه الأممية الشيوعية عبر هذه التجربة. لقد كانت المرحلة المنصرمة مقنعة بشكل كاف بهذا الصدد. وقد آن الأوان للطلب إلى الحزب الشيوعي العمالي الألماني، أن ينتسب، ضمن مهلة محددة، إلى الحزب الشيوعي، أو يتقرر، في الحالة المقابلة، طرده من الأممية الشيوعية كحزب نصير.
4- يقر المؤتمر الطريقة التي طبقت بها اللجنة التنفيذية الشروط الأحد والعشرين على الحزب الشيوعي الفرنسي، والتي سمحت بسحب جماهير عمالية واسعة متجهة نحو الشيوعية من تحت تأثير الانتهازيين اللونغيين والوسطيين وبتسريع هذا التطور. وينتظر المؤتمر أن تساهم التنفيذية أيضا في المستقبل بتطور الحزب بهدف تعزيز وضوح مبادئه وقوته النضالية.
5- وفي تشيكوسلوفاكيا، تابعت اللجنة التنفيذية بصبر، آخذة بالاعتبار الوضع بمجمله، التطور الثوري لبروليتاريا سبق أن قدمت إثباتات على إرادتها وقدرتها على القتال. ويقر المؤتمر قرار اللجنة التنفيذية بالسهر على التطبيق الكامل للشروط الأحد والعشرين على الحزب التشيكوسلوفاكي أيضا، وبأن تجتهد خلال مهلة قصيرة في بناء حزب شيوعي حازم. وهناك ضرورة لتحقيق النضال المنظم، بأقصى سرعة ممكنة، من أجل الاستيلاء على النقابات وتوحيدها الأممي.
«ويقر المؤتمر عمل التنفيذية في الشرقين الأدنى والأقصى ويحيي بداية الدعاوة النشطة للتنفيذية في هذه البلدان. ويعتبر المؤتمر أنه من الضروري أيضا تكثيف العمل التنظيمي».
وأخيرا، يرفض المؤتمر الحجج التي يطرحه الأعداء المعلنون أو المقنَّعون للشيوعية ضد المركزة العالمية للحركة الشيوعية. انه يعتبر على العكس أن الأحزاب الشيوعية، المرتبطة بشكل لا تنفصم عراه، بحاجة لقيادة سياسية مركزية تمتلك مبادرة وطاقة أكبر أيضا، وهذا ما يمكن أن يؤمنه إرسال أفضل عناصر هذه الأحزاب إلى اللجنة التنفيذية. وهكذا مثلا فإن تدخل التنفيذية في مسألة العاطلين عن العمل والتعويضات لم يكن سريعا وفعالا بشكل كاف. وينتظر المؤتمر أن تحسِّن التنفيذية، مدعومة بتنسيق وطيد بين الأحزاب المنتسبة، نظام الاتصال مع الأحزاب. إن المشاركة القوية لمندوبي الأحزاب في التنفيذية سوف يسمح لها بأن تضطلع بالمهام المتزايدة التي يترتب عليها القيام بها، وذلك بصورة أفضل مما كانت عليه الحال إلى الآن.
موضوعات حول بنية الأحزاب الشيوعية وأساليبها وعملها
1– عموميات
1- ينبغي أن يكون تنظيم الحزب متكيفا مع شروط نشاطه وأهداف هذا النشاط. وينبغي أن يكون الحزب طليعة البروليتاريا وجيشها القائد خلال كل مراحل نضالها الطبقي الثوري، وخلال المرحلة الانتقالية اللاحقة نحو تحقيق الاشتراكية، تلك الدرجة الأولى من المجتمع الشيوعي.
2- ليس هناك شكل تنظيمي ثابت ومناسب بشكل مطلق للأحزاب الشيوعية. فشروط النضال البروليتاري تتحول دون توقف، وانسجاما مع هذه التحولات، يفترض بمنظمات الطليعة البروليتارية أن تستكشف أيضا باستمرار أشكالا جديدة ملائمة. وتحدد الخصوصيات التاريخية لكل بلد أيضا الأشكال التنظيمية الخاصة لمختلف الأحزاب.
غير أن لهذه الاختلافات حدّا معينا. ويشكل تشابه شروط النضال البروليتاري في مختلف البلدان وفي المراحل المختلفة للثورة البروليتارية، على الرغم من الخصوصيات القائمة، واقعا ذا أهمية أساسية بالنسبة للحركة الشيوعية. وهذا التشابه هو الذي يقدم قاعدة مشتركة لتنظيم الأحزاب الشيوعية في البلدان كافة.
وعلى هذه القاعدة ينبغي تطوير الأحزاب الشيوعية، وليس بالاتجاه لتشكيل نوع من حزب نموذجي جديد بدل الحزب الموجود حاليا، أو البحث عن شكل تنظيمي صحيح بشكل مطلق، أو أنظمة داخلية مثالية.
3- إن واجب النضال ضد البرجوازية المسيطرة إلى الآن، يشكل بالنسبة لأغلبية الأحزاب الشيوعية وكذلك للأممية الشيوعية، باعتبارها تشكل مجموع البروليتاريا في العالم أجمع، الشرط المشترك من شروط نضالها. إن الانتصار على هذه البرجوازية، والاستيلاء على السلطة المنتزعة منها يشكلان الهدف الأساسي الحاسم بالنسبة لهذه الأحزاب وهذه الأممية.
فالأساسي إذا، بالنسبة للعمل التنظيمي للأحزاب الشيوعية في البلدان الرأسمالية، هو بناء منظمة تجعل من الممكن انتصار الثورة البروليتارية على الطبقات المالكة، وتدعِّم هذه الثورة.
4- ومن أجل نجاح الأعمال المشتركة هناك ضرورة لقيادة، وهذه الأخيرة ضرورية في المعارك الكبرى في التاريخ العالمي. فتنظيم الأحزاب الشيوعية هو تنظيم القيادة الشيوعية في الثورة البروليتارية.
إن الحزب الشيوعي، كي يحسن توجيه الجماهير، بحاجة هو بالذات لقيادة جيدة. فالمهمة التنظيمية الأساسية التي تقع على عاتقنا هي إذا التالية: تشكيل حزب شيوعي صاف وقيادي بشكل حقيقي، وتنظيمه وتربيته من أجل توجيه الحركة الثورية البروليتارية بشكل فعلي.
5- تفترض قيادة النضال الاجتماعي الثوري الجمع العضوي، لدى الأحزاب الشيوعية وداخل أجهزتها القيادية، بين أكبر قوة هجومية وأكمل تكيُّف مع الشروط المتغيرة للنضال.
وتفترض القيادة الجيدة بالإضافة إلى ذلك، الارتباط الوثيق جدا بالجماهير البروليتارية. ودون هذا الارتباط، لن تتمكن اللجنة القيادية أبدا من توجيه الجماهير، ولن تتمكن، في أفضل الحالات، أكثر من السير في ذيلها.
ويجب أن تتحقق هذه العلاقات العضوية داخل منظمات الحزب الشيوعي عن طريق المركزية الديمقراطية.
2 – المركزية الديمقراطية
6- ينبغي أن تكون المركزية الديمقراطية في تنظيم الحزب الشيوعي تأليفا Synthèse حقيقيا واندماجا بين المركزية والديمقراطية البروليتارية. ولا يمكن الوصول إلى هذا الاندماج إلاّ عبر النشاط المشترك الدائم، والنضال المشترك أيضا والدائم لمجموع الحزب.
ولا ينبغي أن تكون المركزية في الحزب الشيوعي شكلية وآلية، ينبغي أن تكون مَرْكَزَة للنشاط الشيوعي، أي تشكيل قيادة قادرة، مستعدة للهجوم، وقادرة في الوقت نفسه على التكيف.
إن أي مركزية شكلية أو آلية لن تكون إلاّ مركزة لـ «السلطة» بين أيدي البيروقراطية بهدف الهيمنة على الأعضاء الآخرين في الحزب، أو الجماهير البروليتارية خارج الحزب. غير أن أعداء الشيوعية وحدهم يستطيعون الادعاء أن الحزب يريد أن يهيمن على البروليتاريا الثورية عبر هذه الوظائف القيادية للنضال البروليتاري وعبر مركزة هذه القيادة الشيوعية. هذا كذب، ويضاف إلى ذلك أن الصراع على السيطرة أو تضاداً في السلطات يتعارض مع المبادئ التي تبنتها الأممية الشيوعية بالنسبة للمركزة الديمقراطية.
لقد تطورت في منظمات الحركة العمالية القديمة غير الثورية ازدواجية من الطبيعة نفسها القائمة في تنظيم الدولة البرجوازية. ونقصد الازدواجية بين البيروقراطية و«الشعب». وتحت التأثير المجفِّف للجو البرجوازي، انعزلت الوظائف بشكل ما، واستُبدلت جماعية العمل بديمقراطية شكلية محضة، وانقسم التنظيم نفسه إلى موظفين نشيطين وجمهور سلبي. وترث الحركة العمالية الثورية، حتماً، وإلى حدٍ ما، هذا الميل إلى الشكلية والازدواجية من الوسط البرجوازي.
على الحزب الشيوعي أن يتخطى هذه التضادّات جذريا بواسطة عمل منهجي سياسي وتنظيمي وإصلاحات ومراجعات متكررة.
7- لا ينبغي على حزب اشتراكي كبير وهو يتحول إلى حزب شيوعي أن يكتفي بتركيز وظيفة السلطة بين القيادة المركزية تاركاً نظام الأمور القديم على حاله بما يخص الباقي. فإذا كان يجب ألاّ تبقى المركزة حبراً على ورق، بل أن تصبح فعلاً واقعياً، يجب أن يتم تحقيقها على الشكل الذي تكون فيه تعزيزا لنشاط أعضاء الحزب ونضاليتهم المشتركة وتطويرا لهذين النشاط والنضالية، المبرّرين حقا. وإلاّ فإنها ستبدو للجماهير كمجرد تبقرط للحزب، وستؤدي بذلك إلى معارضة أية مََرْكزة، وكل قيادة، وكل انضباط صارم. إن الفوضوية هي الوجه المعاكس للبيروقراطية.
إن الديمقراطية الشكلية المحضة في الحزب لا يمكنها أن تبعد الميول البيروقراطية ولا الميول الفوضوية، لأنه على قاعدة هذه الديمقراطية بالذات، تطورت الفوضوية والبيروقراطية داخل الحركة العمالية. ولهذا السبب، فإن المَرْكزة، أي الجهد المبذول لامتلاك قيادة قوية، لا يمكن أن تحقق نجاحات، إذا ما حاولنا الحصول عليها على أرضية الديمقراطية الشكلية. وهناك ضرورة قبل كل شيء لتطوير الصلة الحية والعلاقات المتبادلة والمحافظة عليها سواء داخل الحزب، بين أجهزته القيادية وأعضائه، أو بين الحزب والجماهير البروليتارية التي لا تنتمي إليه.
3 – واجب عمل الشيوعيين
8- ينبغي أن يكون الحزب الشيوعي مدرسة عمل للماركسية الثورية. وبالعمل اليومي المشترك داخل منظمات الحزب تتوطد الأواصر بين مختلف التجمعات ومختلف الأعضاء.
لا زالت المشاركة المنتظمة لأغلبية الأعضاء بالعمل السياسي اليومي مفتقدة في الأحزاب الشيوعية الشرعية. وذلك هو خطأها الأكبر والسبب في التردد الدائم في تطورها.
9- إن الخطر الذي يتهدد دائما أي حزب عمالي يقوم بخطواته الأولى نحو التحول الشيوعي هو بأن يكتفي، بقبوله للبرنامج الشيوعي، باستبدال عقيدته السابقة في دعاوته بالعقيدة الشيوعية، وأن يستبدل فقط الموظفين المعادين لهذه العقيدة بشيوعيين. غير أن تبني برنامج شيوعي ليس إلاّ تعبيرا عن إرادة أن يصبح المتبني شيوعيا. وإذا لم تُضف إلى ذلك أعمال شيوعية، وإذا تمت المحافظة في تنظيم العمل السياسي على سلبية جمهور الأعضاء، فإن الحزب لا ينجز أي جزء مما وعد به البروليتاريا عند قبوله بالبرنامج الشيوعي. ذلك أن الشرط الأول لتحقيق هذا البرنامج جدياً، هو تدريب كل الأعضاء على العمل اليومي الدائم.
يقوم فن التنظيم الشيوعي على استخدام كل شيء والجميع من أجل نضال البروليتاريا الطبقي، وتوزيع العمل السياسي على كل أعضاء الحزب بشكل عقلاني واجتذاب أوسع جماهير البروليتاريا إلى داخل الحركة الثورية بواسطتهم، والحفاظ على قيادة الحركة بأكملها بين أيديهم بشكل حازم، ليس بقوة السلطة بل بقوة التأثير، أي بقوة النشاط، والتجربة والقدرة والتسامح.
10- على كل حزب شيوعي إذا، ضمن جهوده لكي لا يكون لديه إلاّ أعضاء نشيطون حقا، أن يفرض على كل واحد من الذين ينخرطون في صفوفه أن يضع قوته ووقته في تصرف الحزب بقدر ما يكون قادرا على التصرف بهما في الظروف المعطاة، وأن يكرس دائما أفضل ما لديه للحزب. وتفترض العضوية في الحزب بشكل عام، إلى جانب القناعة الشيوعية، وهذا أمر لا جدال فيه، إتمام إجراءات التسجيل كمرشح بشكل احتياطي في البدء ومن ثم كعضو. وينبغي دفع الاشتراكات المُقرّة، بشكل منتظم، والاشتراك بجريدة الحزب، الخ. غير أن الشيء الأهم هو مشاركة كل عضو في العمل السياسي اليومي.
11- على كل عضو في الحزب، بشكل عام، وبقصد العمل السياسي اليومي، أن ينضم إلى مجموعة عمل صغيرة: لجنة، هيئة، مكتب، مجمع، فرع أو نواة. بهذه الطريقة فقط يمكن توزيع العمل وتوجيهه وإنجازه بشكل منتظم.
ومما لا جدال فيه أيضا أنه يجب أن يشارك جميع الأعضاء في الاجتماعات العامة للمنظمات المحلية. فمن المسيء، في ظروف علنية، السعي إلى استبدال الاجتماعات الدورية بتمثيلات محلية، يجب على العكس أن يكون كل الأعضاء مجبرين على حضور هذه الاجتماعات بشكل منتظم. ولكن ذلك غير كاف أبدا. إن مجرد التحضير المنتظم لهذه الاجتماعات يفترض عملا تقوم به مجموعات صغيرة أو رفاق مكلفون به بشكل خاص، بالإضافة إلى التحضير للإفادة الفعالة من الاجتماعات العامة للعمال، والتظاهرات والتحركات الجماهيرية للبروليتاريا. ولا يمكن محاولة القيام بالمهام المتعددة لهذا النشاط وإنجازها بشكل مكثف إلاّ بواسطة مجموعات صغيرة. دون هذا العمل، المستمر، ولئن كان متواضعا، من جانب مجموع الأعضاء، الموزع على عدد كبير من المجموعات العمالية الصغيرة، لا يمكن للجهود الأكثر حماسا في النضال الطبقي للبروليتاريا إلا أن تجعل كل المحاولات من أجل التأثير على هذه النضالات غير مجدية؛ ولا يمكن أن يؤدي إلى المركزة الضرورية لكل القوى الثورية الحية في حزب شيوعي موحد وقادر على العمل.
12- ينبغي تشكيل أنوية شيوعية من أجل العمل اليومي في مجالات مختلفة للنشاط السياسي للحزب، ومن أجل التحريض في المنزل، ودراسات الحزب، وخدمات الصحافة، وتوزيع الأدبيات، وخدمات الأنباء، وخدمات الارتباط الخ.
إن الأنوية الشيوعية هي مجموعات العمل الشيوعي اليومي في المشروعات والمشاغل والنقابات والجمعيات البروليتارية، وفي الوحدات العسكرية الخ، وفي كل مكان يوجد فيه على الأقل بعض أعضاء الحزب الشيوعي أو الأعضاء المرشحين. وإذا كان هناك العديد من الأعضاء في مشروع واحد أو نقابة واحدة، الخ، تصبح النواة فرعا تقود عمله مجموعة النواة.
وإذا وجب في البدء تشكيل فرع أكثر اتساعا، يكون فرع معارضة عامة، أو مجرد المشاركة في هكذا منظمة موجودة سابقا، على الشيوعيين أن يسعوا إلى إمساك قيادتها بواسطة نواتهم.
إن تشكيل نواة شيوعية، وتحويلها أو تحويل عملها العلني إلى عمل شيوعي ينبغي أن يخضع لإشراف دقيق ولتحليل المخاطر أو المنافع التي يمثلها الوضع الخاص المنظور فيه.
13- إنها مهمة صعبة جدا بالنسبة لحزب شيوعي جماهيري أن يُرسي الواجب العام المتعلق بالعمل في الحزب وتنظيم مجموعات العمل الصغير هذه. وبالطبع لا يمكن إنجاز هذه المهمة في ليلة واحدة، لأنها تتطلب مواظبة لا كلل فيها، وتفكيرا ناضجا وكثيرا من النشاط.
والشيء المهم بشكل خاص، هو أن تتم إعادة التنظيم هذه منذ البداية، بأكبر عناية ممكنة وبعد تفكير ناضج. فسيكون من السهل جدا أن يتم توزيع جميع الأعضاء، في كل منظمة، تبعا لترسيمة شكلية، إلى أنوية صغيرة، ودعوة هذه الأنوية للعمل في الحياة اليومية للحزب. ستكون هذه البداية أسوأ من الخمول. وستسبب الريبة لدى أعضاء الحزب وتبعدهم عن هذا التحول الهام.
ينبغي توصية قياديي الحزب بأن يقوموا في البدء، وبعد استشارة معمقة للمنظمين المجتهدين، بصياغة الخطوط العريضة الموجِّهة لهذا التحول. وينبغي أن يكون المنظِّمون في آن معا شيوعيين مقتنعين كليا ومتحمسين، وأن يكونوا مطّلعين تماما على وضع الحركة في مختلف مراكز البلد الأساسية. بعد ذلك ينبغي أن ينكب المنظمون ولجان التنظيم، الذين تلقوا التعليمات الضرورية، على إعداد العمل بشكل منتظم في المكان المعين بالذات، وينبغي أن يختاروا قادة المجموعات ويعينوهم ويتخذوا الإجراءات الأولى المباشرة اللازمة لهذا التحول. وينبغي بعد ذلك أن توضع مهام محددة وملموسة كليا أمام المنظمات ومجموعات العمال، والأنوية ومختلف الأعضاء، وينبغي القيام بذلك بالشكل الذي تبدو فيه هذه المهام مفيدة، ومرغوبا فيها وعملية. وإذا كان هناك ضرورة، يمكن أن يوضح لهم عبر أمثلة عملية كيف ينبغي التصرف من أجل تنفيذ هذه المهام. وللقيام بذلك، ينبغي إفهامهم ما هي الأخطاء التي يجب أن يتفادوها بشكل خاص.
14- يجب تنفيذ هذا النمط الجديد من التنظيم خطوة خطوة في الحياة. لذلك لا ينبغي أن يتم تشكيل الكثير من الأنوية الجديدة أو مجموعات العمال في المنظمات المحلية. وينبغي التأكد في البدء، انطلاقا من نتائج ممارسة قصيرة، من أن الأنوية المشكَّلة في مصانع مختلفة ومشاغل هامة تعمل بشكل منتظم، ومن أن المجموعات العمالية الضرورية مشكَّلة في ميادين نشاط الحزب الأخرى وتتوطد لدرجة معينة (مثلا في خدمات الإعلام، والارتباط، والتحريض في المنزل والحركة النسائية، وتوزيع الكتابات، وخدمات الصحافة، وحركة العاطلين عن العمل الخ.). على كل حال لا ينبغي تحطيم الإطار التنظيمي القديم بشكل أعمى، قبل أن يكون الإطار الجديد قد استقر.
لكن خلال هذا العمل بمجمله يجب أن تُستكمل مهمة العمل التنظيمي الشيوعي الأساسية في كل مكان بأقصى ما يمكن من النشاط. وهذا يتطلب جهوداً كبيرة ليس فقط من جانب المنظمات غير الشرعية. وحتى يصبح هناك شبكة واسعة من الأنوية والفروع والمجموعات العمالية في كل النقاط الحيوية للنضال الطبقي البروليتاري، وحتى يشارك كل عضو في الحزب القوي والواعي لأهدافه في العمل الثوري اليومي، وأن يصبح فعل المشاركة هذا مسألة عادة طبيعية بالنسبة للأعضاء، حتى هذه اللحظة لا ينبغي أن يسمح الحزب بأي استراحة في جهوده الرامية إلى تنفيذ هذه المهمة.
15- تفرض هذه المهمة التنظيمية الأساسية على الأجهزة القيادية للحزب أن توجه عمل الحزب بشكل متواصل وتؤثر عليه بشكل منهجي، وأن تقوم بذلك بشكل كامل ودون توسطات. ويترتب، تبعا لذلك، على الرفاق الموجودين على رأس هذه المنظمات الحزبية واجب تحمل الأعباء الأكثر تنوعا. وعلى الجهاز المركزي القيادي ألاّ يسهر فقط على أن يكون جميع الرفاق بشكل عام منشغلين، بل أن يأتي لمساعدتهم، ويقود عملهم تبعا لخطة منظمة ومعرفة عملية بالموضوع، وإرشادهم إلى الطريق الصحيح عبر مختلف الشروط والظروف الخاصة. وعلى المركز أن يسعى في نشاطه الخاص به لاكتشاف الأخطاء المرتكبة، وباستناده إلى التجربة المكتسبة، أن يسعى دائما إلى تحسين أساليب العمل دون أن يغيب عنه أبدا في الوقت نفسه هدف النضال.
16- إن عملنا السياسي العام هو النضال العملي أو النظري أو الإعداد لهذا النضال. لقد كان التخصص في هذا العمل ناقصا حتى الآن. وهناك ميادين مهمة لم يقم فيها الحزب أبدا إلاّ بجهود عرضية بشكل كامل، وهكذا مثلا لم تقم الأحزاب الشرعية بشيء تقريبا في النضال الخاص ضد الشرطة السياسية. ولا يتم تثقيف رفاق الحزب إلاّ بشكل عرضي كلياً وثانوي، وذلك بطريقة جد سطحية بحيث أن الجزء الأكبر من قرارات الحزب الأكثر أهمية، وكذلك برنامج الأممية الشيوعية وقراراتها لا تزال مجهولة تماما لدى أوسع فئات أعضاء الحزب. ينبغي أن يكون العمل التثقيفي منظما ومعمقا باستمرار بواسطة جهاز منظمات الحزب بأكمله، وكل مجموعات العمل، للوصول إلى مستوى من التخصص، أكثر ارتفاعا باستمرار عبر هذه الجهود المنهجية.
17- إن كشف الحساب هو واجب من واجبات التنظيمات الشيوعية الأكثر ضرورية ويفرض نفسه على جميع منظمات وأجهزة الحزب، كما على كل عضو بشكل فردي. وينبغي أن يتم بشكل منتظم خلال مُدَدٍ قصيرة من الوقت، ويجب تقديم تقارير بهذه المناسبة حول إنجاز المهمات الخاصة التي تم التكليف بها من الحزب. ومن المهم أن تنجز كشوفات الحساب هذه بشكل جد منهجي وتترسخ داخل الحركة الشيوعية كأحد أفضل التقاليد.
18- وينبغي أن يقدم الحزب تقريرا لقيادة الأممية الشيوعية بشكل منتظم. وأن تقدم مختلف منظمات الحزب تقريرها إلى اللجنة الأعلى مباشرة (مثلا تقرير المنظمة المحلية الشهري إلى اللجنة الحزبية المختصة).
على كل نواة، وفرع، ومجموعة عمالية أن تقدم تقريرا للجهاز الحزبي الذي تكون تحت قيادته الفعلية. وعلى كل عضو أن يقدم تقريرا بشكل فردي، لنقل تقريرا أسبوعيا، للنواة أو مجموعة العمل (وحتى لقائده تسلسليا) يتعلق بإنجاز المهمات الخاصة التي كلفه بها جهاز الحزب الذي يتوجه إليه التقرير.
إن هذا الشكل من كشف الحساب، يجب أن يتم في أول مناسبة، شفهيا إذا لم يطالب الحزب أو الجهاز المكلف بتقرير مكتوب. ينبغي أن تكون التقارير مكثفة وتتضمن وقائع. والجهاز الذي يتلقى هذه البلاغات يتحمل مسؤولية حفظها حيث أن نشرها ينطوي على مخاطر. وهو أيضا مسؤول عن إيصال التقارير المهمة إلى الهيئة القيادية للحزب وذلك دون إمهال.
19- ومما لا جدال فيه أنه لا يجب أن تكتفي هذه التقارير الحزبية بعرض ما قام به صاحب التقرير فحسب، بل أن تتضمن أيضا بلاغات عن الظروف الملاحظة خلال نشاطه والتي يمكن أن تكون مهمة لنضالنا. يجب أن تشير بشكل خاص إلى الملاحظات التي يمكن أن تكون مناسبة لإحداث تغيير أو تحسين في تكتيكنا المستقبلي. ويجب اقتراح التحسينات التي جرى الإحساس بالحاجة إليها خلال النشاط.
وفي كل الأنوية، والفروع ومجموعات العمل الشيوعية، يجب أن تصبح التقارير التي تتلقاها هذه المنظمات أو تعدها شيئا اعتياديا.
ويجب الاعتناء، في الأنوية ومجموعات العمل، بأن يكلف الأعضاء بشكل فردي أو في المجموعات بمهمة خاصة وهي مراقبة ما يجري في التنظيمات المعادية وتقديم تقرير عنه وبشكل منتظم، وخاصة المنظمات العمالية البرجوازية الصغيرة والأحزاب «الاشتراكية».
4 – الدعاوة والتحريض
20- إن مهمتنا الأكثر أهمية قبل الانتفاضة الثورية المعلنة، هي دعاوة التحريض الثوري. ولا زال هذا النشاط يمارس ويجري تنظيمه غالبا، في الجزء الكبير منه، بالطريقة الشكلانية القديمة: خلال تظاهرات في المناسبات، واجتماعات جماهيرية، دون انشغال خاص بالمحتوى الثوري الملموس للخطب والكتابات.
ينبغي أن تجد الدعاوة والتحريض الشيوعيان جذورهما في الأوساط الأكثر عمقا للبروليتاريا. يجب أن تُولّدهما الحياة اليومية للعمال، ومصالحهم المشتركة وبشكل خاص نضالاتهم وجهودهم.
إن أكثر ما يمنح القوة للدعاوة الشيوعية هو محتواها التثويري. إلى جانب وجهة النظر هذه يجب أن تؤخذ دائما بالاعتبار، بأقصى انتباه ممكن، الشعارات والمواقف الواجب اتخاذها تجاه القضايا الملموسة في أوضاع مختلفة. ومن أجل أن يتمكن الحزب دائما من اتخاذ موقف صحيح، ينبغي إعطاء دروس تثقيفية مطولة وكاملة ليس فقط للدعاويين والمحرضين المحترفين بل كذلك لكل أعضائه الآخرين.
21- إن الأشكال الأساسية للدعاوة والتحريض الشيوعيين هي: لقاءات شخصية شفوية، مشاركة في نضالات الحركات العمالية النقابية والسياسية، عمل بواسطة الصحافة وأدبيات الحزب. وينبغي أن يشارك كل عضو في حزب شرعي أو غير شرعي، بشكل أو بآخر، بهذا النشاط بانتظام.
إن الدعاوة الشخصية الشفوية يجب أن تتم بالدرجة الأولى على شكل التحريض في المنزل المنظم منهجيا والموكل إلى مجموعات جرى تشكيلها خصّيصا من أجل هذا الهدف. ويمكن أن تكون هناك نتائج جيدة للتحريض في الشارع، في المدن الأكثر أهمية، ذلك التحريض المنظم بوجه خاص بواسطة لوحات إعلان وملصقات. وبالإضافة إلى التحريض في المصانع والمشاغل ينبغي تنظيم تحريض شخصي منتظم، تقوم به الأنوية الحزبية أو فروع الحزب ويصحبه توزيع أدبيات.
وفي البلدان حيث يوجد بين السكان أقليات قومية، من واجب الحزب أن يعير الاهتمام الضروري للدعاوة والتحريض بين الشرائح البروليتارية لهذه الأقليات. وينبغي أن تتم الدعاوة والتحريض بطبيعة الحال بلغة الأقليات القومية الخاصة بها، ويجب أن ينشئ الحزب لهذا الهدف أجهزة ملائمة.
22- عندما تتم الدعاوة الشيوعية في البلدان الرأسمالية حيث لا يوجد لدى أغلبية البروليتاريا ميل ثوري واع، يجب البحث عن وسائل عمل أكثر إتقانا بشكل دائم من أجل ملاقاة فهم العامل الذي ليس ثوريا بعد، ولكن بدأ يصبح كذلك، ومن أجل فتح مدخل الحركة الثورية أمامه. ويجب أن تستخدم الدعاوة الشيوعية مبادئها في مختلف الظروف من أجل أن تثبِّت في نفس العامل، خلال نضاله الداخلي ضد التقاليد والميول البرجوازية، التقاليد والميول البروليتارية التي هي بالنسبة إليه عنصر تقدم ثوري.
وفي الوقت نفسه لا يجب أن تقتصر الدعاوة الشيوعية على مطالب الجماهير البروليتارية أو آمالها كما هي اليوم، أي محصورة وملتبسة. إن البذور الثورية لهذه المطالب والآمال لا تشكل إلاّ نقطة البداية الضرورية لنا من أجل التأثير عليهم. ذلك أنه بهذا الجمع وحده يمكننا أن نشرح الشيوعية للبروليتاريا بشكل مفهوم.
23- ينبغي أن يتم التحريض الشيوعي بين الجماهير البروليتارية على الشكل الذي يجعل البروليتاريين المناضلين يعترفون بمنظمتنا الشيوعية على أنها المنظمة التي ينبغي أن تقود حركتهم الخاصة نحو هدف مشترك بصدق وجرأة، وتبصُّر ونشاط.
وفي سبيل هذا الهدف على الشيوعيين أن يشاركوا في كل النضالات العفوية للطبقة العاملة وفي كل حركاتها، وأن يأخذوا على عاتقهم مهمة الحفاظ على مصالح العمال في مجمل صراعهم مع الرأسماليين حول يوم العمل، إلخ. وإذ يقومون بذلك، عليهم أن يهتموا بشكل نشط بالمسائل الملموسة لحياة العمال، وأن يساعدوهم على تدبّر أمرهم في هذه المسائل، ويلفتوا انتباههم إلى حالات الخطأ الأكثر أهمية، ويساعدوهم على صياغة مطالبهم بمواجهة الرأسمالية بشكل صحيح وعملي، وأن يطوروا لديهم في الوقت نفسه روحية التضامن ووعي وحدة مصالحهم ومصالح العمال في البلدان كافة، باعتبارها مصالح طبقة موحدة تشكل جزءا من الجيش البروليتاري العمالي.
وبغير المشاركة الدائمة بهذا العمل اليومي الدقيق والضروري على الإطلاق، والإسهام بكل ما لديه من روحية التضحية في كل نضالات البروليتاريا، لا يستطيع «الحزب الشيوعي» أن يتطور إلى حزب شيوعي حقيقي. وليس إلاّ بهذا العمل يتميز الشيوعيون عن هذه الأحزاب الاشتراكية التي تقوم بالدعاوة المحضة والتنسيب والتي انقضى زمنها، وينحصر نشاطها باجتماعات الأعضاء وخطابات حول الإصلاحات واستغلال الإمكانات البرلمانية. إن المشاركة الواعية والمخلصة لجمهور أعضاء الحزب بأكمله في مدرسة النضالات والنزاعات اليومية بين المستغلين والمستغلين، هي المقدمة الضرورية ليس فقط للانتصار، بل بمقياس أوسع بكثير أيضا لأجل تحقيق دكتاتورية البروليتاريا. ولن يكون الحزب قادرا على أن يصبح طليعة الطبقة العاملة إلاّ إذا قاد الجماهير العمالية في حرب العصابات التي تقوم بها ضد هجمات رأس المال، وتعلّم بشكل منهجي أن يقود فعلا البروليتاريا ويمتلك أساليب الإعداد الواعي لطرد البرجوازية.
24- ينبغي تعبئة الشيوعيين بأعداد واسعة من أجل المشاركة بالحركة العمالية خاصة خلال الإضرابات وإغلاق المصانع وعمليات الطرد الجماعية الأخرى.
ويرتكب الشيوعيون خطأ جسيما جدا إذا ما استندوا إلى البرنامج الشيوعي والمعركة الثورية النهائية لاتخاذ موقف سلبي ومهمل وحتى معاد إزاء نضالات يومية يخوضها العمال اليوم من أجل تحسينات، ولو قليلة الأهمية، في شروط عملهم. ومهما كانت سخيفة ومتواضعة المطالب التي من أجل تحقيقها يبدي العامل اليوم استعداده للدخول على الخط ضد الرأسماليين، فلا ينبغي أن يتخذ الشيوعيون ذلك كحجة من أجل الوقوف خارج المعركة. وفي نشاطنا التحريضي لا يجب أن نفسح المجال للظن بأن الشيوعيين محرضون عميان على الاضرابات الرعناء والتحركات الخرقاء الأخرى، بل يجب أن نكون جديرين في كل مكان بين العمال المناضلين بتسمية أفضل رفاق النضال.
25- لقد أظهرت ممارسة الحركة النقابية أن الأنوية والفروع الشيوعية كانت في الغالب مرتبكة ولا تعرف ما تقوم به عندما توضع بمواجهة أكثر المسائل اليومية بساطة. إنه لسهل، وإن مع الكثير من العقم، أن يجري الوعظ دائما بالمبادئ العامة للشيوعية، للوقوع من ثمَّ في الطريق السلبية تماما لنقابية مبتذلة لدى أولى المسائل الملموسة القادمة. ولا تؤدي هكذا أعمال إلاّ إلى تسهيل لعبة قادة أممية أمستردام الصفراء.
يجب على الشيوعيين، على العكس، أن يحددوا موقفهم تبعا للمعطيات المادية لكل مسألة مطروحة. وعلى سبيل المثال، بدل المعارضة المبدئية لكل عقد تعرفة عمالية ينبغي أن يقوموا قبل كل شيء ومباشرة بقيادة النضال من أجل تعديلات مادية في نص هذه العقود التي أوصى بها قادة أمستردام. صحيح أنه ينبغي إدانة كل المعيقات التي تمنع العمال من أن يكونوا مستعدين للمعارك ومحاربتها بحزم. ولا ينبغي نسيان أن هدف الرأسماليين وشركائهم في أمستردام هو تقييد أيدي العمال بواسطة كل عقد تعرفة. لهذا فمن البديهي أن واجب الشيوعيين يقضي بتوضيح هذا الهدف للعمال. ولكن كقاعدة عامة، إن أفضل وسيلة يتوصل بها الشيوعيون للتصدي لهذا الهدف هي باقتراح تعرفة لا تربط العمال.
وهذا الموقف نفسه، على سبيل المثال، مفيد جدا بالنسبة لصناديق المساعدة ومؤسسات نجدة النقابات العمالية. إن جمع أدوات النضال وتوزيع المعونات أثناء الإضراب بواسطة الصناديق المشتركة ليست أعمالا سيئة بحد ذاتها، ومعارضة هذا النوع من النشاط مبدئيا ستكون في غير محلها. ينبغي فقط القول أن عمليات جمع الأموال هذه وهذه الطريقة في صرفها، التي تتناسب مع توجيهات قادة أمستردام، تتعارض مع مصالح الطبقات الثورية. أمّا بالنسبة لصناديق المستشفى النقابية، الخ… فمن المستحسن أن يطالب الشيوعيون بإلغاء الاشتراكات الخاصة كما بإلغاء كل الشروط الإلزامية في نجدة المرضى، فإن الجزء من هؤلاء الأعضاء الذي يريد الاستمرار بتقديم العون لهذه المؤسسات لن يفهمنا إذا ما حظرنا عليه ذلك دون أي تفسير آخر. يجب أن يُحرَّر هؤلاء الأعضاء، بالبداية، من ميلهم البرجوازي – الصغير، عبر الدعاوة الشخصية المكثّفة.
26- ليس هناك ما يؤمل من أي نوع من اللقاءات مع قادة النقابات، وكذلك مع قادة مختلف الأحزاب العمالية الاشتراكية – الديمقراطية والبرجوازية الصغيرة. فبمواجهة هؤلاء يجب أن ننظم النضال بكل نشاط. ولكن الطريقة الوحيدة الأكيدة والظافرة من أجل محاربتهم هي بانتزاع مؤيديهم منهم وبأن نبيّن للعمال خدمة العبيد العمياء التي يقدمها قادتهم الاشتراكيون الخونة للرأسمالية. ينبغي بالبداية إذن، وقدر الإمكان، وضع هؤلاء القادة في حالة يكونون مجبرين فيها على فضح أنفسهم والانتقال إلى مهاجمتهم، بعد هذه الاستعدادات، بالشكل الأكثر حيوية.
لا يكفي أبدا أن نرمي ببساطة بوجه قادة أمستردام شتيمة أنهم «صُفْر». فميزتهم كـ «صُفر» ينبغي أن تُبيَّن بالتفصيل وبأمثلة عملية: نشاطهم في الاتحادات العمالية والمكتب العمالي للعمل التابع لعصبة الأمم، وفي الوزارات والإدارات البرجوازية، وتعابيرهم المخادعة وخطاباتهم في الكونفرنسات والبرلمانات، والمقاطع الأساسية من مقالاتهم الداعية إلى السلام في مئات الصحف والمجلات، ولكن بشكل خاص، طريقتهم المترددة والمتذبذبة في التعاطي عندما يتعلق الأمر بإعداد أدنى التحركات حول الأجور والنضالات العمالية وإنجاحها – كل ذلك يقدِّم كل يوم مناسبة لإيضاح مسلك قادة أمستردام الخسيس والخياني ولإطلاق صفة «الصفر» عليهم. ويمكن القيام بذلك عبر تقديم اقتراحات ومذكرات، وعبر خطابات مصاغة ببساطة كلية.
ينبغي أن تقوم الأنوية والفروع في الحزب بالهجمات العملية بشكل منهجي. ولا يجب أن توقف الشيوعيين شروحات البيروقراطية النقابية الدنيا التي تسعى أن تدافع عن نفسها بصدد ضعفها ـ الذي يظهر في بعض الأحيان، على الرغم من كل ما لديها من استعداد – بالإنحاء باللائمة على الأنظمة الداخلية، وقرارات الكونفرنسات والأوامر المتلقاة من لجانها المركزية. ويجب على الشيوعيين أن يطالبوا هذه البيروقراطية الدنيا بأجوبة واضحة، ويسألوها عما فعلت من أجل إزاحة المعيقات التي تتذرع بها، وعمّا إذا كانت مستعدة للنضال مع العمال من أجل تحطيم هذه المعيقات.
27- ينبغي أن تعدَّ الفروع والمجموعات العمالية نفسها مسبقا بإتقان للمشاركة بالجمعيات العامة للمنظمات النقابية وكونفرنساتها. فيجب، على سبيل المثال، أن تصوغ مقترحاتها الخاصة، وتختار مقرريها وخطبائها من أجل الدفاع عن هذه المقترحات، وتطرح كمرشحين رفاقا متمكنين، وذوي تجربة ومفعمين حيوية وعزما، الخ.
يجب على المنظمات الشيوعية أيضا، بواسطة مجموعاتها العمالية، أن تعدّ نفسها بإتقان لكل الجمعيات العامة، والجمعيات الإنتخابية، والتظاهرات، والأعياد السياسية العمالية، الخ، التي تقيمها التنظيمات المعادية. وعندما يتعلق الأمر بجمعيات عامة عمالية، منظمة من قبل الشيوعيين أنفسهم، ينبغي على المجموعات العمالية أن تتحرك تبعا لخطة واحدة وبأكبر عدد ممكن قبل الجمعيات العامة وخلالها، لكي تكون واثقة من الإفادة تنظيميا من هذه الجمعيات العامة بشكل واسع.
28- على الشيوعيين أن يتعلموا، ودائما بشكل أفضل، أن يجذبوا إلى دائرة تأثير الحزب العمال غير المنظمين وغير الواعين وذلك إلى الأبد. وعلى أنويتنا وفروعنا أن تقوم بكل شيء من أجل تحريك هؤلاء العمال، ومن أجل إدخالهم في النقابات، وجعلهم يقرأون جريدتنا. ويمكن الإفادة كذلك من الاتحادات العمالية الأخرى كوسيط لنشر تأثيرنا (على سبيل المثال، المؤسسات التعليمية، والحلقات الدراسية، والجمعيات الرياضية والمسرحية، واتحادات المستهلكين، ومنظمات ضحايا الحرب، الخ.).
وحيث يضطر الحزب للعمل بشكل غير شرعي، يمكن هكذا اتحادات عمالية، وبعد موافقة جهاز الحزب القائد وتحت إشرافه، أن تتشكَّل خارج الحزب بمبادرة من أعضائه (اتحادات الأنصار). ويمكن أن تقوم المنظمات الشيوعية الشبابية والنسائية، هي أيضا، بفعل محاضراتها، وسهرات النقاش، والرحلات، والحفلات، ونزهات الآحاد، الخ، بإيقاظ الاهتمام لدى العديد من البروليتاريين، الذين لا زالوا غير مهتمين بالقضايا السياسية، بحياة تنظيمية مشتركة في البدء، ومن ثم كسبهم إلى الأبد وجعلهم يشاركون بهذه الطريقة بعمل مفيد في حزبنا (على سبيل المثال، توزيع منشورات، وبيانات وأشياء أخرى، وتوزيع جرائد الحزب والكراريس إلخ.). وبالمشاركة النشطة في التحركات المشتركة، سيتمكن هؤلاء العمال من التحرر من ميولهم البرجوازية الصغيرة بأكبر سهولة ممكنة.
29- ومن أجل كسب شرائح أنصاف – البروليتاريين من الجمهور العمالي وجعلها نصيرة للبروليتاريا الثورية، يجب على الشيوعيين أن يستخدموا بشكل خاص تناقض مصالحها، المتعارضة اجتماعيا مع كبار مالكي الثروات العقارية، ومع الرأسماليين والدولة الرأسمالية، وعليهم أن يخلّصوا هذه الشرائح الوسيطة، بواسطة اللقاءات المتواصلة، من حذرها من الثورة البروليتارية. وللوصول إلى هذه النتيجة، يجب أن يقوموا بدعاوتهم لفترة مقبولة من الزمن. وينبغي أن يظهروا لهذه الشرائح اهتماما محسوسا بمتطلبات حياتها، وتنظيم مكاتب استعلام مجانية لها ومساعدتها في تخطي صعوباتها البسيطة التي لا يمكنها التخلص منها بنفسها. وينبغي اجتذابها إلى مؤسسات خاصة تخدم في تثقيفها بشكل مجاني، إلخ. يمكن لهذه الإجراءات كافة أن تزيد الثقة بالحركة الشيوعية. كما ينبغي في الوقت نفسه الاحتراز كثيرا والعمل بلا كلل ضد المنظمات والأشخاص المعادين الذين يمتلكون نفوذا في مكان معين أو يمتلكون تأثيرا على الفلاحين الصغار الشغيلة، والحرفيين المنزليين وعناصر أخرى نصف بروليتارية. وينبغي نعت الأعداء الأقربين، أولئك الذين يعرفهم المستغَلون ـ عبر تجربتهم – على أنهم مضطهدوهم، بالممثلين الذين يجسدون جريمة الرأسمالية بأكملها. وينبغي للدعاة والمحرضين الشيوعيين أن يستخدموا إلى أقصى حد وبشكل يفهمه الجميع، كل العناصر والوقائع اليومية التي تضع بيروقراطية الدولة في صراع مباشر مع المثال الأعلى الخاص بالديمقراطية البرجوازية الصغيرة «ودولة الحق».
على كل التنظيمات المحلية في الريف أن توزع بدقة على أعضائها مهام التحريض في المنزل، التي يجب أن تطوّرها في دائرة نشاطها في جميع القرى، وفي باحات القصور وفي المزارع والبيوت المنفصلة.
30- وللدعاوة في الجيش وفي أسطول الدولة الرأسمالية ينبغي تقصي الأساليب الأكثر ملاءمة في كل بلد. إن التحريض المعادي للعسكرة بالمعنى السلمي سيء بالكامل، لأنه لا يقوم إلاّ بتشجيع رغبة البرجوازية بنزع سلاح البروليتاريا. فالبروليتاريا ترفض بالمبدأ جميع المؤسسات العسكرية للدولة البرجوازية والطبقة البرجوازية بشكل عام وتحاربها بالشكل الأكثر حيوية. ومن جهة ثانية تستفيد البروليتاريا من هذه المؤسسات (الجيش، مؤسسات الإعداد العسكري، وميليشيا الدفاع عن السكان، إلخ.) لتدريب العمال عسكريا من أجل النضالات الثورية. ولا يجب أن يوجه التحريض المكثَّف إذن ضد التكوين العسكري للشبيبة والعمال، بل ضد النظام العسكري وضد تعسّف الضباط. وينبغي أن تستفيد البروليتاريا، بالشكل الأكثر نشاطا، من كل إمكانية للتزويد بالسلاح.
إن التناقض الطبقي الذي يظهر في الامتيازات المادية للضباط والمعاملة السيئة التي يتحملها الجنود أمور ينبغي أن يعيها هؤلاء الأخيرون. يضاف إلى ذلك أنه يجب أن يبرز بوضوح في التحريض بين الجنود كيف أن مستقبلهم مرتبط بشكل وثيق بمصير الطبقة المستغلة. وفي مرحلة متقدمة من التخمر الثوري، بإمكان التحريض لصالح الانتخابات الديمقراطية للقيادة من قبل الجنود والبحارة ولصالح تشكيل سوفيتات جنود، أن يكون شديد الفعالية لتقويض أسس سيطرة الطبقة الرأسمالية.
إن أقصى الإنتباه والنشاط ضروريان دائما في التحريض ضد الفرق الخاصة التي تسلحها البرجوازية من أجل الحرب الطبقية وبشكل خاص ضد عصابات المتطوعين المسلحة. يجب حمل التفكك الاجتماعي إلى صفوفها، بشكل منهجي وبالوقت المراد، حيث التشكيل الاجتماعي ووسطه المفسد يسمحان بذلك. عندما تحمل هذه العصابات أو الفرق طابعا طبقيا برجوازيا إجماليا، مثلا الفرق المشكلة حصرا من الضباط، يجب فضحها أمام مجموع السكان وجعلها محتقرة ومقيتة على الشكل الذي يؤدي إلى تفسخها الداخلي تبعا للعزلة التي تنتج عن ذلك.
5 – تنظيم النضالات السياسية
31- لا توجد بالنسبة لأي حزب شيوعي لحظة يمكن أن يظل تنظيم الحزب خلالها غير فاعل سياسيا. ينبغي رفع الاستخدام العضوي لكل وضع سياسي واقتصادي ولكل تغيير في هذا الوضع إلى مستوى استراتيجية وتكتيك منظمين.
وإذا كان الحزب لا يزال ضعيفا، فبإمكانه مع ذلك أن يفيد من الأحداث السياسية أو الإضرابات الكبرى التي تهز كل الحياة الاقتصادية من أجل القيام بعمل دعاوي جذري منظم بشكل منهجي ومنسق. وما أن يتخذ الحزب قراره في وضعٍ كهذا يجب أن يحرك جميع أعضائه وكل فروع حركته من أجل هذه الحملة، وبأقصى طاقتها.
ويجب أن يستخدم الحزب، بالدرجة الأولى، كل الروابط التي أنشأها عبر عمل أنويته ومجموعاته الدعاوية من أجل تنظيم اجتماعات في المراكز السياسية الأساسية، أو المراكز المضربة، اجتماعات يًظهر خلالها خطباء الحزب للحضور بأن المبادئ الشيوعية هي الوسيلة للخروج من صعوبات النضال. وينبغي لمجموعات العمل أن تعدّ جميع هذه الاجتماعات وبأصغر تفاصيلها. وإذا تعذّر تنظيم اجتماعات خاصة، ينبغي أن يتقدم بعض الرفاق المناسبين كخطباء أساسيين في الاجتماعات العامة للمضربين أو بشكل عام للبروليتاريين الذين يخوضون معركة مهما كان الشكل الذي تتخذه.
وإذا كان هناك أمل بكسب الأغلبية، أو على الأقل جزء كبير من حاضري الاجتماع، لمبادئنا ينبغي أن تصاغ هذه الأخيرة بشكل جيد وتكون معللة بشكل حاذق. وعندما يتم وضع هذه المقترحات أو القرارات، يجب أن يتم السعي لكي تسلّم بهذه المقترحات، المتخِذة شكلاً مماثلاً أو مشابهاً، أقليات كبرى على الأقل في كل الاجتماعات التي تعقد حول الموضوع نفسه في المحلة المعنية أو في غيرها. وسنتمكن بذلك من تجميع الشرائح البروليتارية التي تتحرك والتي تخضع حتى الآن لتأثيرنا المعنوي فقط، ونجعلها تتقبل القيادة الجديدة.
بعد كل هذه الاجتماعات، يجب أن تلتقي مجموعات العمل، التي تكون قد شاركت بالتحضير لها وباستخدامها، ليس فقط من أجل وضع تقرير للجنة القيادية في الحزب، بل أيضا من أجل استخلاص الدروس الضرورية للنشاط اللاحق من التجارب التي حدثت أو الأخطاء التي يُحتمل أن يكون تم ارتكابها.
وتبعا للأوضاع يجب أن تصل الشعارات العمالية إلى الجماهير العمالية المعنيَّة، بواسطة الملصقات والأوراق الصغيرة الطائرة، أو أيضا بواسطة البيانات المفصلة التي تسلم مباشرة إلى المقاتلين والتي يتم بواسطتها توضيح الشيوعية عبر شعارات راهنة مكيَّفة مع الوضع. ومن أجل نشر البيانات بحذق، هناك ضرورة لمجموعات منظمة بشكل خاص، وعلى هذه المجموعات أن تجد الأماكن التي ينبغي إلصاق الملصقات عليها وتختار الوقت الملائم لهذه العملية. ويجب أن يترافق توزيع الأوراق الطائرة داخل أماكن العمل وأمامها، في المباني العامة، والمنازل المشتركة للعمال الذين يشاركون بالتحرك وعلى مفترقات الطرق ومكاتب التوظيف والمحطات، يجب أن يترافق قدر الإمكان مع نقاش بتعابير دامغة، قادرة على الانتقال إلى الجماهير العمالية المتحركة. يجب نشر البيانات المفصَّلة فقط في الأماكن المسقوفة والمشاغل والمساكن وبشكل عام في كل مكان يمكن توقع اهتمام مستمر فيه.
ينبغي أن تتعزز هذه الدعاوة المكثفة بعمل مواز في كل الجمعيات العامة للنقابات أو للمنشآت المنخرطة بالحركة. إذا كانت الأحزاب الشيوعية هي التي نظمت هذه الجمعيات ينبغي أن تؤمّن عندئذ واضعي تقارير وخطباء مناسبين. ويجب أن تضع جرائد الحزب النصيب الأكبر من أعمدتها وأفضل حججها بتصرف هذه الحركة؛ ويجب أن يكون جهاز الحزب بأكمله أيضا خلال كل الفترة التي تدوم بها الحركة، ودون انقطاع، في خدمة الفكرة العامة التي تنفخ فيها الحياة.
32- إن التظاهرات والتحركات الدّلالية تتطلب قيادة شديدة التفاني وشديدة الحركة، تضع نصب عينيها بشكل ثابت هدف هذه الأعمال وتكون قادرة في كل حين على معرفة ما إذا كانت التظاهرة قد بلغت أقصى أثرها أو أن هناك إمكانية لتعزيزها أيضا في الوضع المعطى عبر توسيعها لجعلها عملا جماهيريا على شكل إضرابات دلالية في البدء وإضرابات جماهيرية فيما بعد. لقد علمتنا التظاهرات السلمية خلال الحرب أنه حتى بعد هذا النوع من التظاهر فإن حزباً شيوعيا مناضلا حقيقيا لا ينبغي أن يتردد، حتى لو كان غير شرعي، أو يتراجع إذا كان الأمر يتعلق بهدف راهن هام، يوقظ بالضرورة لدى الجماهير اهتماما متناميا باستمرار.
تجد التظاهرات في الشارع أفضل دعم لها في المنشآت الكبرى. وعندما يتم التوصل إلى خلق نوع من الروحية المشتركة، بواسطة العمل التحضيري المنهجي لأنويتنا وفروعنا، على اثر دعاوة شفهية أو بيانات، ينبغي أن يدعى الأشخاص الأهل للثقة من حزبنا في المنشآت، وقادة الأنوية والفروع، بواسطة اللجنة القيادية، إلى كونفرنس يناقشون خلاله العملية الملائمة لليوم القادم، واللحظة الصحيحة للمواجهة، وطابع الشعارات ومنظورات التحرك وتعزيزه ولحظة إيقافه وحله. إن مجموعة من الموظفين المزودين بتوجيهات جيدة، والخبراء في مسائل التنظيم، ينبغي أن تشكل محور التظاهرات بدءا من انطلاقها من مكان العمل وصولا إلى تفريق الحركة الجماهيرية. وكي يحافظ هؤلاء الموظفون على اتصال حيّ فيما بينهم وكي يتمكنوا من تلقي التوجيهات السياسية الضرورية في كل لحظة وبشكل ثابت يجب أن يشارك شغيلة مسؤولون في الحزب بشكل منهجي في التظاهرات بين الجماهير وتشكل القيادة المتحركة السياسية والمنظمة للتظاهرة الشرط الأكثر ملاءمة لتحديد التحرك وتحويله إلى أعمال جماهيرية كبرى، وزيادة حدته وكثافته عند الاقتضاء.
33- ينبغي أن تقوم الأحزاب الشيوعية، التي تتمتع ببعض الصلابة الداخلية والتي تمتلك مجموعة من المناضلين المجربين، وعددا لا بأس به من المناصرين بين الجماهير، بكل ما بوسعها من أجل ضرب تأثير القادة الاشتراكيين – الخونة، عن طريق الحملات الكبرى ومن أجل اجتذاب أغلبية العمال إلى تحت القيادة الشيوعية. ويجب أن تنظم الحملات بطريقة مختلفة حسبما تسمح النضالات الحالية للحزب الشيوعي بأن يتصرف كدليل للبروليتاريا وبأن يقف على رأس الحركة، أو يكون سائدا ركود مؤقت. وسيكون تشكيل الحزب أيضا عنصرا محدِّدا لأساليب تنظيم التحركات.
هكذا لجأ الحزب الشيوعي الألماني الموحد كحزب جماهيري فتي إلى الطريقة التي تسمى بـ «الرسالة المفتوحة»، من أجل أن ينجح في كسب الشرائح الحاسمة من البروليتاريا. فقد توجه الحزب الشيوعي من أجل فضح القادة الاشتراكيين – الخونة، في الوقت الذي تفاقم به البؤس والتناحرات الطبقية، إلى المنظمات البروليتارية الأخرى لمطالبتها بإجابة واضحة أمام البروليتاريا حول ما إذا كانت مستعدة، مع منظماتها القوية جدا، ظاهريا، أن تشرع في نضال مشترك، بالاتفاق مع الحزب الشيوعي على مطالب الحد الأدنى، من أجل قطعة خبز بائسة وضد البؤس البديهي للبروليتاريا.
وعندما يبدأ الحزب الشيوعي بحملة مماثلة يجب أن يتخذ كل الإجراءات من أجل إحداث صدى لتحركه لدى أوسع الجماهير العمالية. وينبغي أن تناقش كل الفروع المهنية والموظفين النقابيين الحزبيين في كل الاجتماعات العمالية داخل المنشأة أو النقابة، المطالب الحيوية للبروليتاريا.
في كل مكان تريد فروعنا وأنويتنا أن تحظى فيه بموافقة الجماهير على مطالبنا يجب توزيع أوراق طائرة، وبيانات وملصقات ببراعة من أجل التأثير على الرأي العام. ويجب على صحافتنا خلال الفترة التي تمتد فيها هذه الحملة أن توضح التحرك تارة بشكل مختصر وطورا بتفاصيل أكبر، ولكن دائما بأشكال جديدة. وينبغي أن تزود المنظمات الصحافة بالأخبار المتداولة المتعلقة بالتحرك، وأن تسهر بشكل نشط على ألاّ يتوانى المحررون أبدا في حملة الحزب هذه. إن فروع الحزب في البرلمان والمؤسسات البلدية يجب أن توضع كذلك بشكل منهجي في خدمة هذه النضالات. ويجب أن تثير النقاش عبر مقترحات ملائمة في الجمعيات العامة التداولية تبعا لتوجيهات الحزب. وينبغي أن يتحرك النواب ويشعروا أنهم أعضاء واعون من الجماهير المناضلة، وناطقون باسمها في معسكر أعدائها الطبقيين، وموظفون مسؤولون وشغيلة للحزب.
وعندما يضع التحرك المُركز والمنظم والمتماسك لجميع أعضاء الحزب عددا من جداول الأعمال التي تحوز دائما موافقة تكبر وتزداد باستمرار خلال بضعة أسابيع سيجد الحزب نفسه إزاء هذه المسألة الهامة: تنظيم الجماهير الملتحقة بشعاراتنا وتركيزها بشكل عضوي.
إذا اتخذت الحركة خاصة طابعا نقابيا، ينبغي أن نسعى لزيادة تأثيرنا على النقابات بالإيعاز إلى فروعنا الشيوعية بالهجوم مباشرة، بعد إعداد جيد، على القيادة النقابية المحلية، سواء من أجل إطاحتها أو من أجل إجبارها على قيادة نضال منظم على قاعدة شعارات حزبنا.
وحيث توجد لجان مصانع ومجالس صناعة أو أية مؤسسات أخرى مشابهة، ينبغي أن تعمل الفروع بالشكل الذي يجعل هذه المؤسسات تشارك في هذا النضال. وعندما يتم كسب عدد معين من المنظمات المحلية لهذا النضال تحت قيادة شيوعية من أجل المصالح الحيوية الأكثر أولية للبروليتاريا، ترسل هذه المنظمات مندوبيها. وإذ تتعزز هكذا القيادة الجديدة، تحت التأثير الشيوعي، فإنها تكسب، عبر هذا التركيز للمجموعات النشطة من البروليتاريا المنظمة، قوة هجوم جديدة يجب أن تستخدم بدورها من أجل دفع قيادة الأحزاب الاشتراكية والنقابات إلى الأمام أو على الأقل من أجل إزالتها بصورة عضوية بعد الآن.
وفي المناطق الاقتصادية حيث يمتلك حزبنا أفضل منظماته، وحيث تجد شعاراته استحسانا كبيرا ينبغي استخدام الضغط المنظم على النقابات وسوفيتات المنشآت المحلية لأجل تجميع كل النضالات الاقتصادية المعزولة التي تندلع في هذه المنطقة، وكذلك التحركات التي تطورها مجموعات أخرى، وتحويلها إلى نضال موحد واسع يتخطى من الآن وصاعدا إطار المصالح المهنية الخاصة، ويلاحق بعض المطالب الأولية المشتركة، بغية تحقيق هذه المطالب بمساعدة القوى المجتمعية لكل منظمات المنطقة.
وفي تحرك مماثل، يصبح الحزب الشيوعي المُوجِّه الفعلي للبروليتاريا المستعدة للنضال، فيما تتحطم البيروقراطية النقابية والأحزاب الاشتراكية التي قد تعارض تحركا منظما بموجب هكذا توافق، ليس فقط بخسارتها لنفوذها السياسي والمعنوي، بل أيضا بالتحطيم الفعلي لتنظيمها.
34- وإذا ما أجبر الحزب الشيوعي على السعي للامساك بقيادة الجماهير في وقت تكون فيه التضادّات السياسية والاقتصادية شديدة الاحتدام وتتسبب بتحركات جديدة ونضالات جديدة، يمكن الاستغناء عن وضع مطالب خاصة، وتوجيه نداءات بسيطة ومركزة لأعضاء الأحزاب الاشتراكية والنقابات مباشرة، ودعوتهم لعدم تفادي النضالات الضرورية ضد أصحاب المشاريع، حتى ولو رغما عن نصائح قادتهم البيروقراطيين، نظرا للبؤس الكبير والاضطهاد المتنامي، وكي لا يندفعوا إلى الخسارة والدمار الكامل. ينبغي أن تبيِّن لهم أجهزة الحزب وبالأخص صحافته اليومية، كلَّ يوم، خلال هذه الحركة، أن الشيوعيين مستعدون للمشاركة في النضالات الحالية أو الوشيكة للبروليتاريين الخاضعين للبؤس، وأنهم يهرعون لنجدة كل المضطهدين ما أن يصبح ذلك ممكنا في الوضع المتوتر الحالي. وينبغي أن يُثَبت يوميا أن البروليتاريا لن تستطيع الاستمرار بالصمود دون هذه النضالات، وأن المنظمات القديمة تسعى مع ذلك لتفاديها ومنعها.
وينبغي للفروع النقابية والمهنية أن تستثير في الاجتماعات الروح النضالية لدى رفاقها الشيوعيين عبر إفهامهم بوضوح أنه لم يعد من الممكن التردد. ولكن الأساسي في حملة من هذا النوع هو تجميع النضالات والتحركات التي يسببها هذا الوضع وتوحيدها عضويا. ولا ينبغي أن تحافظ الأنوية والفروع الشيوعية في المنشآت والنقابات المنخرطة بالنضال على اتصال وثيق في ما بينها بشكل دائم وحسب، بل يجب أن تضع القيادات كذلك مباشرة بتصرف الحركات التي تحدث موظفين ومناضلين نشيطين من الحزب مكلفين، بالتوافق مع المقاتلين، بتعميم كل هذه التحركات وتوسيعها وزيادة حدتها وقيادتها في الوقت نفسه. وتقوم المهمة الأساسية للمنظمة على إبراز ما هو مشترك في كل مكان بين كل شيء ومختلف هذه النضالات كي تتمكن من الوصول عند الحاجة إلى نضال شامل بوسائل سياسية.
وأثناء تعميم النضالات وتعزيزها، سيكون من الضروري إنشاء أجهزة موحدة قيادية. وحيث تتقاعس لجنة الإضراب البيروقراطية في بعض النقابات بمهمتها، يجب أن يستحصل الشيوعيون، عبر ممارسة الضغط الضروري، على استبدال البيروقراطية بشيوعيين يؤمِّنون القيادة الحازمة والمصممة لهذا النضال. وما أن ننجح في دمج عدة معارك، ينبغي تأسيس قيادة مشتركة لمجمل التحرك، وهنا ينبغي أن يسيطر الشيوعيون، قدر الإمكان. ويمكن الوصول إلى هذه الوحدة القيادية بسهولة إذا ما تم إعداد ملائم من قبل الجناح الشيوعي في النقابات أو المنشآت، ومن قبل سوفيتات المصانع والجمعيات المنعقدة بكامل أعضائها لهذه السوفيتات، ولكن بشكل خاص من قبل الجمعيات العامة للمضربين.
وإذا ما اتخذ التحرك، بعد تعميمه، وبعد تحرك منظمات أرباب العمل والسلطات العامة، طابعا سياسيا، ينبغي الشروع بالدعاوة في الحال والإعداد الإداري لانتخاب المجالس العمالية الممكن والضروري. وأثناء هذا العمل، على جميع أجهزة الحزب أن تُبْرز بأكبر حدة ممكنة الفكرة القائلة بأنه فقط بواسطة أجهزة مماثلة للطبقة العاملة، منبثقة مباشرة من النضالات العمالية، يمكن بلوغ الانعتاق الفعلي للبروليتاريا، مع الازدراء المناسب للبيروقراطية النقابية وأعوانها في الحزب الاشتراكي.
35- ينبغي للأحزاب الشيوعية، التي أصبحت قوية بشكل كاف، وبشكل خاص الأحزاب الجماهيرية الكبرى أن تكون مستعدة دائما عبر إجراءات متخذة مسبقا لتحركات سياسية كبيرة. وينبغي دائما التفكير، في مجرى الأعمال التظاهرية والحركات الإقتصادية وكذلك في مجرى الأعمال الحزبية، باستخدام التجارب التنظيمية التي تقدمها هذه الحركات بالشكل الأكثر حيوية، وذلك بهدف الوصول إلى اتصال أكثر وثوقا مع أوسع الجماهير. (إن دروس كل الحركات الجديدة الكبرى يجب أن تُناقش وتدرس بعناية في الاجتماعات الموسعة للموظفين القياديين والمناضلين المسؤولين في الحزب مع مندوبي المصانع الكبرى والمتوسطة، من أجل إقامة علاقات أكثر وثوقا، وأكثر فأكثر ضمانة بواسطة مندوبي المصانع). إن أفضل ضمانة لعدم القيام بهذه التحركات السياسية قبل الأوان، ولعدم حصولها إلاّ بقدر ما تسمح الظروف والتأثير الحالي للحزب إنما تتمثل في علاقات الثقة بين الموظفين والمناضلين المسؤولين في الحزب ومندوبي المصانع.
ودون هذا الاتصال الوثيق إلى أقصى الحدود الممكنة بين الحزب والجماهير البروليتارية العاملة في المنشآت الكبرى والمتوسطة، لن يتمكن الحزب الشيوعي من تحقيق هذه الأعمال الجماهيرية الكبرى والتحركات الثورية فعلاً. وإذا كانت الانتفاضة الثورية التي لا جدال فيها في إيطاليا، والتي وجدت أقوى تعبير عنها في احتلال المصانع، قد فشلت قبل الأوان، فلا شك في أن ذلك يعود، من جهة، لخيانة البيروقراطية النقابية وعدم كفاءة القيادة السياسية للحزب، ولكن أيضا لأنه لم يكن هناك علاقة منظمة بشكل وثيق بين الحزب والمصانع، بواسطة مندوبي المصانع المطلعين سياسيا، والمهتمين بحياة الحزب. وقد عانى تحرك عمال المناجم الإنجليز هذا العام هو أيضا دون أدنى شك معاناة كبيرة من هذا النقص الذي أفقده قيمته السياسية.
6 – صحافة الحزب
36- ينبغي تطوير الصحافة الشيوعية وتحسينها من قبل الحزب بنشاط لا يكل. ولا يمكن الاعتراف بأية صحيفة كصحيفة شيوعية إذا لم تخضع لتوجيهات الحزب. وينبغي تطبيق هذا المبدأ أيضا على النتاجات الأدبية مثل الكتب والكراريس، والكتابات الدورية، إلخ. آخذين بالاعتبار طابعها العلمي والدعاوي وغير ذلك.
يجب على الحزب أن يسعى لامتلاك صحف جيدة وأن يكون لديه العديد منها. وعلى كل حزب شيوعي أن يمتلك جريدة مركزية تكون، قدر الإمكان، يومية.
37- لا ينبغي أن تصبح أي جريدة شيوعية مشروعا رأسماليا، كما هي الجرائد البرجوازية، وفي الغالب كذلك الجرائد المسماة اشتراكية. يجب أن تكون جريدتنا مستقلة عن مؤسسات التسليف الرأسمالية. إن التنظيم الحاذق للدعاوة عبر الإعلانات، التي يمكن أن تحسن مداخيل جريدتنا بشكل ملحوظ، لا يجب مع ذلك أن يوقعها أبدا في تبعية لبعض مؤسسات الإعلان الكبرى. وأكثر من ذلك، فإن موقفا صلبا من المسائل الاجتماعية البروليتارية كافة يؤمِّن لصحف أحزابنا الجماهيرية قوة واحتراما مطلقين. ولا ينبغي أن تشبع جريدتنا الرغبة في الإثارة والتسلية لدى جمهور متنوع. ولا ينبغي أن تقدم التنازلات للنقد الصادر عن الكتاب البرجوازيين الصغار أو الصحافيين المهرة لتخلق لنفسها زبائن صالونات.
38- على الجريدة الشيوعية أن تدافع قبل كل شيء عن مصالح العمال المضطهدين المناضلين. وأن تكون أفضل دعاتنا ومحرضينا، أي الداعية القيادية للثورة البروليتارية.
فمهمة جريدتنا أن تجمع التجارب المكتسبة في مجرى نشاط كل أعضاء الحزب وأن تجعل منها ما يشبه الموجه السياسي لأجل مراجعة أساليب العمل الشيوعي وتحسينها. ينبغي أن يتم تبادل هذه التجارب في اجتماعات محررين من كل البلدان، اجتماعات تسعى لخلق أكبر وحدة ممكنة في الأسلوب والتوجه في مجمل صحافة الحزب، وهكذا تصبح هذه الصحافة، وكل جريدة بشكل خاص، أفضل منظّم لعملنا الثوري.
دون هذا العمل التنظيمي الواعي وهذا التنسيق بين الجرائد الشيوعية، وبشكل خاص الجريدة المركزية، سيكون من المستحيل وضع المركزية الديمقراطية موضع التنفيذ والتنظيم الحكيم للعمل داخل الحزب الشيوعي وبالتالي إنجاز المهمة التاريخية.
39- يجب أن تتجه الجريدة الشيوعية لأن تصبح منشأة شيوعيةً، أي تنظيما بروليتاريا للمعركة وتجمعا للعمال الثوريين، ولكل الذين يكتبون بشكل منتظم للجريدة ويصفّون حروفها، ويطبعونها، ويديرونها، ويوزعونها والذين يجمعون مادة الأخبار ويناقشونها ويصوغونها في الأنوية، وأخيرا الذين يعملون كل يوم من أجل انتشارها، إلخ…
ولكي نجعل من الجريدة منظمة قتالية، وجمعية قوية وحيوية للشغيلة الشيوعيين، هناك سلسلة من الإجراءات العملية تفرض نفسها:
يرتبط كل شيوعي بشكل مسبق بجريدته إذ يعمل بها ويضحي بنفسه من أجلها. فهي سلاحه اليومي الذي ينبغي كي يخدم، أن يصبح يوما بعد يوم أقوى وأكثر حدة. ولا يمكن أن تستمر الجريدة الشيوعية إلاّ بفضل أكبر التضحيات المالية والمادية. وعلى أعضاء الحزب أن يقدموا بشكل ثابت الوسائل الضرورية لتنظيمها وتحسينها، حتى تصبح منتشرة بشكل كاف في الأحزاب الشرعية الكبرى، وصلبة بشكل كاف لناحية تنظيم الحركة الشيوعية.
لا يكفي أبدا أن نكون محرضين ودعاة متحمسين للجريدة بل يجب أيضا أن نصبح معاونين مفيدين لها. يجب تزويدها بأقصى سرعة ممكنة بكل المعلومات التي تستحق أن يشار إليها، من وجهة النظر الاجتماعية والاقتصادية، في الفرع النقابي أو في النواة، بدءا بحوادث العمل ووصولا إلى الاجتماعات المهنية، وانطلاقا من المعاملة السيئة التي يلقاها الشبان المتدرجون في العمل، وصولا إلى التقرير التجاري للمنشأة. ينبغي أن تًطلع الفروع النقابية الجريدة على كل الاجتماعات، والقرارات والإجراءات الأكثر أهمية التي تتخذها هذه الاجتماعات، وعلى اجتماعات أمانات سر الاتحادات، وكذلك على نشاط خصومنا. وغالبا ما تقدم الحياة العامة في الاجتماعات وفي الشارع للمناضلين الحزبيين اليقظين فرصة أن يراقبوا بحس نقدي تفاصيل يؤدي استخدامها في الجرائد إلى جعل موقفنا لناحية متطلبات الحياة واضحا لأكثر الأشخاص لا مبالاة.
على هيئة التحرير أن تعالج المعلومات المتعلقة بحياة العمال والمنظمات العمالية بأكثر ما يمكن من المحبة والحماس، وأن تستخدمها إمّا كأخبار موجزة تعطي جريدتنا حقا طابع جمعية تعاونية عمالية حيّة وقوية، أو لجعل تعاليم الشيوعية مفهومة في ضوء هذه الأمثلة الحية للحياة اليومية للعمال، مما يشكل الطريق الأسرع للوصول إلى جعل فكرة الشيوعية حية وحميمة لدى أوسع الجماهير العمالية. ويجب أن تكون هيئة التحرير، قدر الإمكان، تحت تصرف العمال الذي يزورون جريدتنا، في فترات الإستراحة، أي الفترات الأنسب من النهار، من أجل تلقي رغباتهم وشكاويهم المتعلقة بمآسي حياتهم، ولتسجيلها بعناية، واستخدامها لإعطاء حياة للجريدة. وبالطبع لا يمكن لأي من جرائدنا أن تصبح جمعية عمل شيوعية حقيقية، ضمن المجتمع الرأسمالي. ومع ذلك يمكن، حتى في الشروط الأكثر صعوبة، تنظيم جريدة ثورية عمالية انطلاقا من وجهة النظر هذه. وقد أثبت ذلك نموذج «البرافدا» لرفاقنا الروس خلال السنوات 1912- 1913. فهذه الجريدة كانت تشكل بالفعل منظمة متفرغة نشطة للعمال الثوريين الواعين في المراكز الأكثر أهمية من الإمبراطورية الروسية. فهؤلاء الرفاق كانوا يحررون الجريدة، ويطبعونها ويوزعونها في وقت واحد ومجتمعين. وغالبية الرفاق كانوا يقتصدون المال الضروري للنفقات من عملهم وأجور عملهم. وقد منحتهم الجريدة من ناحيتها ما كانوا يرغبون فيه، وما كانوا بحاجة إليه آنذاك في الحركة، وما لا يزال يخدمهم اليوم أيضا في العمل وفي النضال. لقد استطاعت هكذا جريدة في الواقع أن تصبح، بالنسبة لأعضاء الحزب، كما بالنسبة لكل العمال الثوريين، ما كانوا يسمّونه «جريدتنا».
40- إن العنصر الأساسي في نشاط صحافة القتال الشيوعية هو المشاركة المباشرة في الحملات التي يخوضها الحزب. وإذا تركز نشاط الحزب في لحظة معينة حول حملة محددة، يجب أن تضع جريدة الحزب في خدمة هذه الحملة كلَّ أعمدتها وكل زواياها، وليس فقط مقالاتها السياسية الأساسية. ينبغي أن يجد التحرير مادة في جميع الميادين من أجل تعهد هذه الحملة، ومن أجل تغذية الجريدة بأكملها، بالشكل الأكثر ملاءمة.
41- ينبغي أن يتم الاكتتاب لصالح جريدتنا تبعا لمنهج موضوع. وأن تستخدم، في البداية، كل الأوضاع التي يكون العمال منخرطين أثناءها في الحركة بالشكل الأنشط، والتي تكون فيها الحياة السياسية والاجتماعية أكثر توتراً بفعل حدث سياسي واقتصادي معين. هكذا بعد كل إضراب أو إغلاق مصنع، دافعت خلالهما الجريدة علنا وبحماس عن مصالح العمال المناضلين، ينبغي أن يتم بعد نهاية الإضراب مباشرة القيام بحملة اكتتاب من شخص لشخص، لدى كل أولئك الذين قاموا بالإضراب. ولا يجب أن تقوم بالدعوة للجريدة الفروع الشيوعية النقابية والمهنية التي كانت منخرطة في الحركة الإضرابية وحسب، وذلك في وسطها وبواسطة اللوائح وأوراق الاشتراكات، بل يجب السعي قدر الإمكان أيضا للحصول على لوائح بالعمال الذين قاموا بالإضراب وعلى عناوينهم كذلك، من أجل أن تتمكن المجموعات الخاصة المكلفة بمصالح الجريدة من أن تقوم بتحريض نشط في المنازل.
وكذلك بعد كل حملة سياسية انتخابية، أثارت اهتمام الجماهير العمالية، ينبغي القيام بتحريض منزلي منهجي، من منزل لآخر، بواسطة مجموعات الشغيلة المكلفين بشكل خاص بهذه المهمة في مختلف الأحياء العمالية.
وخلال فترات الأزمات السياسية أو الاقتصادية الكامنة التي تشعر الجماهير العمالية بآثارها على شكل غلاء في المعيشة وبطالة ومآس أخرى، ينبغي بذل كل الجهود من أجل الحصول، بعد القيام بدعاوة ذكية ضد هذه المآسي، على لوائح كبيرة، إذا أمكن، بالعمال المنظمين في النقابات، وذلك بواسطة الفروع النقابية، كي تتمكن المجموعة الخاصة المكلفة بمصالح الجريدة من أن تستمر بتحريضها المنزلي بشكل منهجي. والأسبوع الأخير من الشهر هو الأكثر ملاءمة لهذا العمل الاكتتابي الدائم. وكل منظمة محلية تترك هذا الأسبوع الأخير من الشهر يمر دون أن تواصل دعاوتها لصالح الصحافة، ولو مرة في العام، فإنها تسبب بتأخير مدان في امتداد الحركة الشيوعية. ولا يجب أن تترك المجموعة الخاصة المكلفة بمصالح الجريدة أيّ اجتماع عمالي عام يمر وأي تظاهرة كبرى، دون أن تتحرك بالطريقة الأكثر نشاطا، في البداية وأثناء هذه التحركات وحتى نهايتها، من أجل الحصول على اشتراكات للجريدة. ويجب أن تقوم الفروع النقابية بإنجاز المهمة نفسها في اجتماعات نقاباتها كافة، وكذلك الأنوية والفروع النقابية، في الاجتماعات المهنية.
42- ينبغي أن يتم الدفاع بشكل ثابت عن جريدتنا من قبل أعضاء الحزب ضد كل أعدائها.
ويجب أن يقوم أعضاء الحزب بنضال لا رحمة فيه ضد الصحافة الرأسمالية، ويكشفوا للجميع ويفضحوا بشكل نشط ارتشاءها، وأكاذيبها وتحفظاتها الدنيئة، وكل دسائسها.
ينبغي أن يتم التغلب على الصحافة الاشتراكية – الديمقراطية والصحافة الاشتراكية المستقلة بفضح موقفها الخياني بأمثلة من الحياة اليومية، وبواسطة الهجومات المستمرة ولكن دون الضياع في السجالات الصغيرة التكتيكية. ويجب أن تسعى الفروع النقابية وغيرها لتخليص أعضاء النقابات والتجمعات العمالية الأخرى من التأثير المثير للبلبلة والمشلّ للصحف الاشتراكية – الديمقراطية. وينبغي أيضا أن نوجه العمل بذكاء لكسب المشتركين لجريدتنا، وكذلك التحريض المنزلي أو في المنشآت، ضد صحافة الاشتراكين – الخونة.
7 – البنية العامة للحزب
43- من أجل توسيع الحزب وتوطيده، لا ينبغي أن توضع تقسيمات تبعا لترسيمة شكلية وجغرافية، بل يجب أن تؤخذ بالاعتبار بشكل خاص البنية الاقتصادية والسياسية الفعلية للمناطق المعنية والوسائل التقنية للاتصال. ينبغي أن تكون قاعدة هذا العمل في العواصم بشكل خاص، وفي المراكز البروليتارية للصناعة الكبيرة.
نلحظ في الغالب، ومنذ البداية، أثناء تنظيم الحزب الجديد، جهودا تتجه لمد شبكة منظمات الحزب في كل البلد. وعلى الرغم من القوى المحدودة جدا الموجودة بتصرف هذه المنظمات، يجري السعي في الغالب لتشتيتها في الجهات الأربع. فتضعف بذلك قوة جذب الحزب ونموه. يجري الوصول، خلال بضع سنوات لامتلاك نظام مكاتب واسعة جدا، هذا صحيح، ولكن في الغالب لا يكون نجح الحزب في أن يتركز بصلابة في أي من المدن الصناعية الأكثر أهمية في البلد.
44- من أجل منح الحزب أكبر مركزة ممكنة، لا ينبغي تجزيء قيادته إلى تراتبية كاملة تتضمن درجات عديدة يخضع بعضها للبعض الآخر بشكل كامل. بل يجب السعي، في كل مركز اقتصادي أو سياسي أو مركز مواصلات، لبناء شبكة تمتد على الضواحي الواسعة لهذه المدينة، وعلى المنطقة الاقتصادية أو السياسية المرتبطة بها. إن لجنة الحزب التي تقود عمل الحزب في المنطقة انطلاقا من هذه المدينة ـ كما الرأس الجسد – والتي تمارس قيادتها السياسية، يجب أن تبقى على أوثق صلة بالجماهير الشيوعية في مركز المحافظة.
على المنظِّمين الذين تعيّنهم كونفرانسات المناطق أو المؤتمر المنطقي للحزب، والذين تثبّتهم القيادة المركزية، أن يشاركوا بشكل منتظم في حياة الحزب في مركز المحافظة. وينبغي أن تعزَّز اللجنة المنطقية للحزب دائما بشغيلة يتم اختيارهم من الأعضاء في مركز المحافظة، على الشكل الذي يقيم اتصالا حيا ووثيقا بين اللجنة السياسية للحزب التي تقود المنطقة والجماهير الشيوعية في مركز المحافظة. وعندما نصل إلى درجة معينة من التنظيم، يجب أن تصبح لجنة المنطقة القيادة السياسية لمركز المحافظة في هذه المنطقة، في الوقت نفسه. وعلى هذا الشكل، تقوم اللجان القيادية الحزبية في المنظمات المنطقية، بالتوافق مع اللجنة المركزية، بدور الأجهزة القيادية فعلا في منظمات الحزب. ولا ينبغي أن يتحدد امتداد دائرة سياسية للحزب، بطبيعة الحال، بالامتداد المادي للمنطقة. فما يجب أخذه بالاعتبار قبل كل شيء هو الإمكانية المتوفرة للجان المناطقية الحزبية لتقود من مركز واحد كل المنظمات المحلية للمنطقة. وعندما يستحيل ذلك، ينبغي تقسيم المنطقة وتشكيل لجنة مناطقية جديدة للحزب.
ويحتاج الحزب، بطبيعة الحال، في البلدان الكبرى لبعض أجهزة الارتباط، سواء بين القيادة المركزية ومختلف القيادات المنطقية (قيادة الإقليم، وقيادة المحافظة، إلخ.) أو بين القيادة المنطقية ومختلف المنظمات المحلية (قيادة القضاء والكانتون). وربما كان من المفيد، في بعض الظروف، إعطاء هذا الجهاز أو ذاك من الأجهزة الوسيطة دورا قياديا، على سبيل المثال في مدينة كبيرة تضم عددا لا بأس به من الأعضاء. ولكن بشكل عام ينبغي تفادي هذا الشكل من اللامركزية.
45- تُشكل وحدات الحزب الكبرى (الدوائر) من قبل المنظمات المحلية للحزب: من قبل «المجموعات المحلية» في الأرياف والمدن الصغيرة، ومن قبل «المديريات» أو «الفروع» في مختلف أحياء المدن الكبرى.
وينبغي حلّ كل منظمة محلية حزبية تكون غير قادرة، ضمن ظروف شرعية، على عقد اجتماعات عامة لأعضائها، أو ينبغي تقسيمها.
وينبغي أن يوزَّع الأعضاء في المنظمات الحزبية المحلية لأجل العمل اليومي للحزب، على مختلف مجموعات العمل. وفي المنظمات الأكبر حجما، يمكن أن يكون مفيدا جمع مجموعات العمل في فرق جماعية مختلفة. وفي الفرقة الجماعية الواحدة ينبغي اعتماد قاعدة عامة تقوم على إدخال كل الأعضاء الذين يتلاقون ويتصلون بعضهم ببعض في الغالب، في مركز عملهم أو بشكل عام في حياتهم اليومية. وتقوم مهمة الفرقة الجماعية على توزيع العمل الحزبي العام بين مختلف مجموعات العمل، وتلقي التقارير من المكلفين وتكوين مرشحين لعضوية الحزب في أوساطها، إلخ.
46- يخضع الحزب بمجمله لقيادة الأممية الشيوعية. وتوجّه توجيهات القيادة الأممية وقراراتها حول المسائل التي تهم الأحزاب المنتسبة إمّا:
1) إلى القيادة المركزية العامة للحزب، أو
2) بواسطة القيادة المركزية أو اللجنة القيادية لهذا العمل الخاص أو ذاك، أو أخيرا
3) لكل منظمات الحزب.
إن توجيهات الأممية وقراراتها ملزمة للحزب، ودون شك لكل من أعضائه.
47- تكون اللجنة المركزية للحزب (مجلس مركزي أو لجنة) مسؤولة أمام مؤتمر الحزب وأمام قيادة الأممية الشيوعية. وبوجه عام، فإن مؤتمر الحزب هو الذي ينتخب اللجنة المركزية المصغرة، وكذلك اللجنة الكاملة، أو الموسعة، والمجلس أو اللجنة. وإذا رأى مؤتمر الحزب ذلك ضروريا، يمكنه أن يكلف القيادة المركزية بانتخاب قيادة ضيقة داخلها مشكَّلة من المكتب السياسي والمكتب التنظيمي. وتتم قيادة سياسة الحزب وشؤونه الجارية، التي تقع تحت مسؤولية القيادة الضيقة، من قبل هذين المكتبين. وتعقد القيادة الضيقة اجتماعات عامة للجنة القيادية بشكل منتظم لاتخاذ قرارات ذات أهمية كبرى وقيمة عالية. ومن أجل الاطلاع على الوضع السياسي العام بكل جدية ضرورية، ومعرفة إمكانية تحرك الحزب بشكل صحيح، وامتلاك صورة صحيحة وواضحة عن ذلك، هناك ضرورة أن تؤخذ بالاعتبار، في انتخابات القيادة المركزية للحزب، الاقتراحات المقدمة من مختلف المناطق في البلد. وللسبب عينه، لا ينبغي قمع الآراء التكتيكية المعارضة ذات الطابع الجدي في الانتخابات للقيادة المركزية. على العكس، ينبغي أن تتم الانتخابات على الشكل الذي تتمثل به هذه الآراء المعارضة في اللجنة القيادية عبر أفضل المدافعين عنها. أمّا القيادة الضيقة فينبغي أن تكون، مع ذلك، منسجمة في مفاهيمها، ولكي تكون صارمة وحازمة، لا يجب أن ترتكز فقط على سلطتها الخاصة، بل أيضا على أكثرية صلبة، واضحة وعديدة، في اللجنة القيادية بمجملها.
وبفضل تشكيلٍ بهذا الاتساع للقيادة المركزية، سرعان ما يتمكن الحزب الشيوعي الشرعي من تثبيت لجنته المركزية على أفضل الأسس: انضباط صارم وثقة مطلقة من الأعضاء؛ ويضاف إلى ذلك، أنه سيتمكن هكذا من محاربة الأمراض وحالات الضعف التي يمكن أن تظهر بين الموظفين وشفائها. وسيتمكن أيضا من تفادي تراكم هذه الأنواع من التعفن في الحزب، وتفادي ضرورة القيام بعملية ربما كانت كارثية ستفرض نفسها فيما بعد في المؤتمر.
48- ينبغي أن تقيم كل لجنة حزبية تقسيما فعالا للعمل داخلها كي تتمكن من قيادة العمل السياسي بشكل حقيقي في مختلف الميادين. ومن هذه الزاوية ربما بدا ضروريا تكوين قيادات خاصة، في بعض الميادين (على سبيل المثال، للدعاوة، وخدمات الجريدة، والنضال النقابي، والتحريض في الأرياف، والتحريض بين النساء، وللارتباط، والمساعدة الثورية الخ). وتكون مختلف القيادات الخاصة خاضعة، إما للجنة المركزية، أو للجنة المنطقية للحزب. ويعود الإشراف على نشاط كل اللجان الملحقة وكذلك حسن تشكيلها إلى القيادة المركزية بنهاية المطاف. والأعضاء المستخدمون في عمل الحزب السياسي، كما البرلمانيون يخضعون مباشرة للجنة القيادية. وربما بدا من المفيد من وقت لآخر تبديل مهام الرفاق العاملين في الحزب وعملهم (مثلا المحررين، والذين يقومون بالعمل الدعاوي، والمنظمين، إلخ) دون إرباك سير العمل كثيرا. وينبغي أن يشارك المحررون، والذين يقومون بالدعاوة خلال فترة طويلة الأمد، في النشاط السياسي المنتظم للحزب في إحدى مجموعات العمل الخاصة.
49- وتملك القيادة المركزية للحزب وكذلك قيادة الأممية الشيوعية حق طلب معلومات كاملة من كل المنظمات الشيوعية، ولجانها ومختلف أعضائها في كل لحظة. إن ممثلي القيادة المركزية ومندوبيها يجب أن يمتلكوا حق التصويت والفيتو في كل الاجتماعات والجلسات. وينبغي باستمرار، أن يكون بتصرف القيادة المركزية للحزب مندوبون (مفوضون) كي تتمكن من تثقيف مختلف القيادات المنطقية والإقليمية وإعلامها، ليس فقط عبر تعميمات دوّارة حول السياسة والتنظيم، أو عبر المراسلات، بل كذلك شفهيا، بشكل مباشر. وينبغي أن تعمل لجنة مراجعة، مشكلة من رفاق ذوي خبرة وثقافة، إلى جانب القيادة المركزية وكذلك إلى جانب كل قيادة منطقية: وتمارس هذه اللجنة الإشراف على الصناديق والمحاسبة، وتقدم تقارير منتظمة للجنة العليا (مجالس أو لجان).
ويحق لكل منظمة ولكل جهاز حزبي وكذلك لكل عضو أن ينقل في كل لحظة، ومباشرةً للقيادة المركزية للحزب أو للأممية أمنياته، أو مبادراته، أو ملاحظاته أو شكاويه.
50- تكون توجيهات الأجهزة القيادية للحزب وقراراتها ملزمة للمنظمات التابعة ومختلف الأعضاء.
إن مسؤولية الأجهزة القيادية وواجبها بأن تحمي نفسها ضد التأخيرات والنواقص من جانب المنظمات القيادية، لا يمكن أن تحدَّد إلا شكليا وبجزء منها. وكلما كانت المسؤولية الشكلية صغيرة، مثلا، في الأحزاب غير الشرعية، كلما وجب أن تسعى لمعرفة رأي باقي أعضاء الحزب، وأن تحصل على معلومات أكيدة ومنتظمة وأن لا تتخذ قرارات ذاتية إلاّ بعد تفكير ناضج وجدي.
51- ينبغي لأعضاء الحزب أن يتصرفوا في نشاطهم العلني كأعضاء منضبطين لمنظمة مقاتلة. وعندما تنشأ اختلافات في الرأي حول الطريقة الأصح للتحرك، ينبغي التقرير بصدد هذه الاختلافات قدر الإمكان قبل التحرك، وذلك داخل منظمات الحزب، وألا يتم التحرك قبل اتخاذ هذا القرار. ومن أجل أن يطبّق كل قرار حزبي بحماس من قبل منظمات الحزب كافة، وأعضاء الحزب كافة، يجب دعوة جماهير الحزب قدر الإمكان لنقاش مختلف المسائل والتقرير بشأنها. وواجب هيئات الحزب ومنظماته أن تقرر إذا ما كان يمكن نقاش هذه المسألة أو تلك من قبل مختلف الرفاق أمام الرأي العام للحزب (في الصحافة والكراريس) وبأي شكل وعلى أي مستوى. ولكن، حتى لو كان هذا القرار الذي اتخذته منظمة الحزب، أو قيادة الحزب، خاطئا من وجهة نظر بعض الأعضاء، فينبغي ألاّ ينسى هؤلاء أبدا أن أسوأ خرق للانضباط والخطأ الأخطر في نشاطهم العلني هو أن يشقوا وحدة الجبهة المتحدة أو حتى يضعفوها.
إن الواجب الأسمى لكل عضو حزبي أن يدافع عن الأممية الشيوعية ضد الجميع. ومن ينسى ذلك ويهاجم الحزب أو الأممية الشيوعية علنا ينبغي أن يعامل كخصم للحزب.
ينبغي أن تطبق قرارات الأممية الشيوعية دون إمهال من قبل الأحزاب المنتسبة، حتى في حال كان هناك ضرورة لإجراء تعديلات ملائمة على الأنظمة الداخلية للحزب وعلى قراراته، طبقا للأنظمة الداخلية.
8- الربط بين العمل الشرعي والعمل غير الشرعي
53- يمكن أن تجري تغييرات وظيفية في الحياة الجارية لحزب شيوعي تبعا للمراحل المختلفة للثورة. ولكن في الواقع ليس هناك فرق أساسي في البنية التي ينبغي أن يسعى لامتلاكها حزب شرعي وحزب غير شرعي.
يجب أن ينظم الحزب على الشكل الذي يسمح له أن يتكيف بسرعة مع تحولات شروط النضال.
وينبغي أن يصبح الحزب الشيوعي منظمة مقاتلة قادرة من جهة، وفي حقل مفتوح، على تفادي عدو يملك قوى متفوقة محتشدة في نقطة واحدة، وأن تستخدم من جهة ثانية الصعوبات التي يواجهها العدو لمهاجمته في النقطة التي يستبعد أن يحصل الهجوم فيها. وسيكون أكبر خطأ أن يجري الاستعداد حصرا للانتفاضات ومعارك الشوارع أو للفترات التي يكون القمع فيها على أشده. ينبغي أن ينجز الشيوعيون عملهم الثوري الإعدادي في كل الأوضاع ويكونوا دائما جاهزين للنضال، لأنه غالبا ما يكون من شبه المستحيل توقع تعاقب فترات اليقظة والاستراحة؛ ولا يمكن الإفادة من هذا التوقع لإعادة تنظيم الحزب لأن التحول يكون بالعادة سريعا جدا ويأتي في الغالب بشكل مفاجئ تماما.
54- في العادة، لم تفهم الأحزاب الشيوعية الشرعية في البلدان الرأسمالية بعد بشكل كاف، هذا الإعداد كمهمة مطروحة عليها، بهدف الانتفاضات الثورية، والمعارك المسلحة، وبشكل عام بهدف النضال غير الشرعي. فيجري بناء الحزب في أغلب الأحيان من أجل العمل الشرعي المتصل، وتبعا لمتطلبات المهمات الشرعية اليومية.
وعلى العكس، في الأحزاب غير الشرعية، لا يُفهم بشكل كاف ضرورة استخدام إمكانات العمل الشرعي وبناء الحزب على الشكل الذي يجعله على علاقة حية بالجماهير الثورية. وتميل جهود الحزب لأن تصبح شبيهة بعمل سيزيف(6) أو مؤامرة عاجزة.
هذان الخطآن، سواء بالنسبة للحزب الشرعي أو بالنسبة للحزب غير الشرعي هما خطآن خطيران. ينبغي أن يعرف كل حزب شيوعي شرعي كيف يعد نفسه، بالشكل الأكثر نشاطا، لضرورة الوجود السري، وأن يكون مسلحا بشكل خاص من أجل الانتفاضات الثورية. ومن جهة ثانية، ينبغي أن يكون كل حزب شيوعي غير شرعي قادرا على استخدام كل إمكانات الحركة العمالية الشرعية كي يصبح، عبر العمل السياسي المكثف، المنظّم لأوسع الجماهير الثورية وموجهها الفعلي. ينبغي أن تتوحد قيادة العمل الشرعي والعمل غير الشرعي بشكل دائم بين يدي القيادة المركزية الحزبية الواحدة.
55- غالبا ما ينظر إلى العمل غير الشرعي في الأحزاب الشرعية، باعتباره تأسيسا لمنظمة مغلقة والمحافظة عليها كمنظمة عسكرية حصرا ومعزولة عن باقي سياسة الحزب وتنظيمه. إن هذا المفهوم خاطئ كليا. ففي المرحلة قبل الثورة ينبغي، على العكس، أن يكون تشكيل تنظيمنا القتالي، بشكل رئيسي، ناتجا لمجمل النشاط الشيوعي للحزب. وينبغي أن يصبح الحزب بأكمله منظمة قتالية من أجل الثورة.
إن المنظمات الثورية المعزولة ذات الطابع العسكري، التي تنشأ بشكل غير ناضج قبل الثورة، تُظهر بسهولة كبيرة ميلا للانحلال والإحباط، لأنها تفتقد في الحزب العمل المفيد مباشرة.
56- بالنسبة للحزب غير الشرعي، هناك مسألة ذات أهمية بديهية كبرى، وهي أن يتفادى بشكل دائم كشف أعضائه وأجهزته، فيجب أن يتفادى إذا إفشاء أسمائهم بواسطة لوائح التسجيل، أو عن طريق الإهمال في توزيع المواد، ودفع الاشتراكات. فلا يمكن أن يفيد حزب غير شرعي إذا، بالقدر نفسه الذي يفيد به حزب شرعي من الأشكال التنظيمية المفتوحة في سعيه وراء أهداف تآمريه، ويجب مع ذلك أن يسعى لأن يتمكن أكثر فأكثر من القيام بذلك.
ينبغي اتخاذ كل الإجراءات لمنع العناصر المشكوك بها وغير الموثوقة من الدخول إلى الحزب. والوسائل التي ينبغي استخدامها لأجل هذا الهدف تتوقف بقوة على طابع الحزب، هل هو شرعي أو غير شرعي، يتعرض للاضطهاد أو هو مرخّص به، في حالة نمو أو حالة ركود. والوسيلة التي خدمت بفعالية في بعض الظروف هي نظام الترشيح. فالأشخاص الذين يسعون لأن يتم قبولهم في الحزب، يكونون في البداية أعضاء مرشحين بناء على ترشيح عضوين من الحزب، وبناء على الشكل الذي ينفذون به المهمات الموكلة إليهم يتقرر قبولهم أو عدم قبولهم كأعضاء في الحزب.
وسترسل البرجوازية دون شك أشخاصا استفزازيين وعملاء إلى المنظمات غير الشرعية. ينبغي خوض نضال مستمر ودقيق ضدهم: ويقوم أحد أهم الأساليب على الجمع الوثيق بين العمل الشرعي وغير الشرعي. إن عملا ثوريا شرعيا لمدة معينة هو أفضل وسيلة لتبيُّن درجة الثقة التي يستحقها كل واحد، ووعيه، وقوته وطاقته ومواظبته. هكذا سنعرف من يمكن تكليفه بعمل غير شرعي يتناسب أكثر ما يتناسب مع إمكاناته.
يجب أن يتحضر كل حزب غير شرعي. دائما بشكل أفضل، إزاء كل مفاجأة (مثلا، عن طريق وضع عناوين الوسطاء بمكان أمين، وإتلاف الرسائل كقاعدة عامة، وحفظ الوثائق الضرورية بعناية، وتكوين ضباط الارتباط بصورة تآمريه).
57- ينبغي أن يتم توزيع عملنا السياسي الشامل على الشكل الذي تتطور فيه منظمة مثالية تتلاءم مع متطلبات هذه المرحلة وتتمتن جذورها. ومن المهم بشكل خاص أن تضع قيادة الحزب الشيوعي هذه المتطلبات دائما نصب عينيها خلال نشاطها، وأن تسعى قدر الإمكان لتصور هذه المتطلبات مسبقا. ولن نتمكن بالطبع من تكوين فكرة صحيحة وواضحة عنها، ولكن ذلك ليس سببا لإهمال وجهة النظر الأساسية لقيادة المنظمة الشيوعية.
ذلك أنه إذا طرأ أي تغير وظيفي في الحزب الشيوعي لحظة الانتفاضة الثورية المعلنة، فإن الحزب الأكثر تنظيما، سيجد نفسه بمواجهة مشاكل شديدة الصعوبة ومعقدة. ويمكن أن نُجبر خلال فترة بضعة أيام على تعبئة الحزب في معركة مسلحة، وليس فقط الحزب، بل احتياطيه، وتنظيم الأنصار وكل القوات الخلفية، أي تنظيم الجماهير الثورية غير المنظمة. ولا يتعلق الأمر، في هكذا لحظة، بتشكيل جيش أحمر نظامي. ينبغي أن ننتصر دون جيش معدٍ مسبقا، فقط بواسطة الجماهير الموضوعة تحت قيادة الحزب. وإذا لم يكن حزبنا معدا إذا بشكل مسبق بواسطة تنظيمه لهذه الحالة فإن النضال الأكثر بطولية لن يفيد بتاتا.
58- لقد تبين في أوضاع ثورية عديدة أن القيادات المركزية الثورية لم تكن عند مستوى مهمتها. وفي المراتب الدنيا في التنظيم، تمكنت البروليتاريا من إظهار مزايا مدهشة خلال الثورة؛ ولكن الفوضى والبلبلة والعجز كانت سائدة في قيادتها بالغالب. وكان مفتقدا في بعض الأحيان حتى أبسط تقسيم للعمل، ومصلحة الإعلام كانت من السوء في الغالب بحيث تعود بالأضرار أكثر مما بالمنافع، فيما لا تستحق مصلحة الارتباط أدنى ثقة. وعندما يكون هناك حاجة لبريد سري أو نقل أو ملجأ أو مطبعة سرية، لا يتم الحصول عليها، عادة، إلاّ بفعل صدفة سعيدة. وكل استفزاز من جانب العدو المنظم يمتلك حظا بالنجاح.
ولن يكون الأمر على غير هذه الشاكلة، إذا لم يقم الحزب الثوري الذي يمتلك القيادة بتنظيم نفسه مسبقا. وهكذا على سبيل المثال فإن مراقبة البوليس السياسي واكتشافه يتطلبان تجربة خاصة؛ وجهاز الاتصال السري لا يمكن أن يعمل بسرعة وبشكل مضمون إذا لم يكن هناك تدريب طويل. وفي كل مجالات النشاط هذه ينبغي أن يقوم كل حزب شيوعي شرعي بتحضيرات سرية مهما كانت صغيرة.
ويمكن في هذا المجال أيضا، وبجزء كبير، أن يتم تطوير الجهاز الضروري عبر عمل شرعي كليا، إذا ما كان هناك اهتمام، خلال اشتغال هذا الجهاز، بالقدرة على تحويله مباشرة إلى جهاز غير شرعي. وهكذا على سبيل المثال يمكن تحويل المنظمة المكلفة بالتوزيع، المنتظمة بدقة، والبيانات الشرعية والمنشورات والرسائل، إلى جهاز سري للاتصال (خدمات البريد، البريد السري، المنازل السرية، النقل التآمري، الخ).
59- يجب أن يرى المنظم الشرعي مسبقا كل عضو في الحزب وكل مناضل ثوري في دوره التاريخي المستقبلي كجندي لتنظيمنا المقاتل خلال مرحلة الثورة. وهكذا يمكن أن يعده مسبقا، في النواة التي يشكل جزءا منها، للعمل الذي يتلاءم بشكل أفضل مع مهمته وخدمته المستقبليتين. هذا ويجب أن يؤدي عمله الحالي خدمة مفيدة بذاتها وضرورية للنضال المستقبلي، وليس فقط كتمرين لا يفهمه العامل الممارس مباشرة، بل إن هذا النشاط هو بجزء منه أيضا تمرين في سبيل المتطلبات الأكثر أساسية لنضال الغد النهائي.
قرار حول تنظيم الأممية الشيوعية
ينبغي أن تكون اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية منظمة على الشكل الذي يمكنها من اتخاذ موقف من كل قضايا عمل البروليتاريا. ومتخطية أطر الدعوات العامة كما تم إطلاقها حتى الآن حول هذه المسألة المطروحة للنقاش أو تلك، ينبغي أن تسعى اللجنة التنفيذية، أكثر فأكثر، لإيجاد الوسائل والطرق لتطوير مبادرتها العملية بصدد التحرك المشترك لمختلف فروعها في المسائل العالمية قيد النقاش، على صعيدي التنظيم والدعاوة. ينبغي أن تصبح الأممية الشيوعية أممية فعلية، أممية تقود النضالات المشتركة واليومية للبروليتاريا الثورية في جميع البلدان. إن الشروط التي لا مفر منها لذلك هي التالية:
1- ينبغي أن تقوم الأحزاب المنتسبة إلى الأممية الشيوعية بكل ما في وسعها من أجل الحفاظ على الاتصال الأكثر وثوقا ونشاطا مع اللجنة التنفيذية؛ فلا ينبغي فقط أن ترسل إلى التنفيذية أفضل ممثلي بلدانها، بل أن تزودها أيضا بشكل دائم بالمعلومات الأكثر احتراسا ويقظة، كي تتمكن من اتخاذ موقف بالاستناد إلى وثائق ومعلومات معمّقة حول المشاكل السياسية التي تنشأ. ومن أجل الصياغة المثمرة لهذه المواد، يجب أن تنظم التنفيذية أقساما خاصة في مختلف الفروع. ويضاف إلى ذلك ضرورة إنشاء معهد عالمي للاقتصاد والإحصاء تابع للحركة العمالية والشيوعية لدى اللجنة التنفيذية.
2- ينبغي أن تقيم الأحزاب المنتسبة أوثق العلاقات فيما بينها، من أجل الإعلام المتبادل والاتصال العضوي، وبشكل خاص عندما تكون هذه الأحزاب متجاورة، ومهتمة تبعا لذلك أيضا بالصراعات السياسية المتولدة من التضادات الرأسمالية. إن أفضل وسيلة حاليا لإقامة هذه العلاقات هي تبادل قرارات الكونفرنسات الأكثر أهمية، والتبادل العام للمناضلين الذين يتم اختيارهم بدقة. يجب أن يصبح هذا التبادل ممارسة دائمة ومباشرة بالنسبة لكل فرع قادر على الفعل.
3- ينبغي أن تحثّ التنفيذية على الاندماج الضروري بين كل الفروع القومية في حزب أممي متماسك للدعاوة والنشاط البروليتاريين المشتركين. ومن أجل ذلك ينبغي أن تصدر في أوروبا الغربية نشرة مراسلة سياسية باللغات الأكثر أهمية يتم بواسطتها إبراز الفكرة الشيوعية بشكل أكثر فأكثر وضوحا واتساعا، وتمنح، عبر إعلام مخلص ومنتظم، قاعدة عمل نشط ومتزامن لمختلف الفروع.
4- إن إرسال ممثلين مسؤولين عن اللجنة التنفيذية إلى الفروع يسمح لها بدعم فعلي للاتجاه، الذي يتخذه النضال اليومي والمشترك للبروليتاريا في جميع البلدان، نحو أممية فعلية. وتكون مهمة هؤلاء الممثلين أن يُعْلموا التنفيذية بالشروط الخاصة التي على الأحزاب الشيوعية أن تناضل ضمنها في البلدان الرأسمالية أو المستعمَرة. وينبغي أن يسهروا، بعد ذلك، على أن تحفظ هذه الأحزاب الاتصال الأكثر وثوقا، سواء مع التنفيذية أو فيما بينها، من أجل مضاعفة قوة الهجوم لدى هذه وتلك. وينبغي أن تسهر التنفيذية كما الأحزاب على أن تصبح العلاقات المتبادلة بين المنتسبين سواء كانت شخصية أو بواسطة المراسلات المكتوبة، أكثر تواترا وسرعة لكي تتمكن من اتخاذ موقف إجماعي بصدد جميع القضايا السياسية الكبرى.
5- ينبغي أن تكون التنفيذية موسعة جدا لكي تكون قادرة على بذل نشاط متنام باستمرار. إن الفروع التي منحها هذا المؤتمر 40 صوتا، كذلك اللجنة التنفيذية لأممية الشبيبة الشيوعية، يكون لها صوتان في التنفيذية؛ أمّا الفروع التي حصلت على 30 و 20 صوتا في المؤتمر فيكون لها صوت واحد. ويمتلك الحزب الشيوعي الروسي كما في الماضي خمسة أصوات. ويكون لممثلي الفروع الأخرى صوت استشاري. ويُنتخب رئيس التنفيذية من قبل المؤتمر. وتكلف التنفيذية بتعيين ثلاثة أمناء يتم اختيارهم، قدر الإمكان، من مختلف الفروع. يضاف إلى ذلك، أن الأعضاء المندوبين إلى اللجنة التنفيذية من مختلف الفروع مجبرون على المشاركة في إنجاز العمل الجاري، سواء عبر قيادة الفرع الوطني الملائم، أو عبر التكفّل بدراسة هذا المجال أو ذاك. ويُنتخب أعضاء مكتب الأعمال الصغير في تصويت خاص للجنة التنفيذية.
6- يكون مقر التنفيذية في روسيا، الدولة البروليتارية الأولى. وينبغي أن تسعى التنفيذية مع ذلك، لأجل مركزة القيادة السياسية والعضوية للأممية بأكملها، بشكل أقوى، إلى توسيع دائرة نفوذها عن طريق الكونفرنسات التي ستعقدها خارج روسيا.
قرار حول تحرك آذار (مارس) وحول الحزب الشيوعي الألماني الموحّد
يسجل المؤتمر العالمي الثالث، بارتياح، أن القرارات الأكثر أهمية، وخاصة الجزء من القرار حول التكتيك المتعلق بتحرك آذار/ مارس الذي جرت مناقشته بحرارة، قد جرى تبنيها بالإجماع. وبأن ممثلي المعارضة الألمانية قد وقفوا في قرارهم حول تحرك آذار/ مارس في الواقع على أرضية مماثلة لقرار المؤتمر.
ويرى المؤتمر في ذلك برهانا على أن العمل المتماسك والتعاون الحميم على قاعدة قرارات المؤتمر الثالث ليست فقط مستحبة، بل هي ممكنة داخل الحزب الشيوعي الألماني الموحّد. ويعتبر المؤتمر أن كل تبديد للقوى داخل الحزب الشيوعي الألماني الموحّد، وكل تشكيل لتكتلات، دون الحديث حتى عن انشقاق، يشكل أكبر خطورة على مجمل الحركة.
وينتظر المؤتمر من القيادة المركزية وأغلبية الحزب الشيوعي الألماني الموحد موقفا متساهلا إزاء المعارضة القديمة شرط أن تطبق بإخلاص القرارات المتخذة من قبل المؤتمر الثالث؛ وهذا الأخير بالإضافة إلى ذلك مقتنع بأن القيادة المركزية ستبذل جهدها من أجل تجميع كل قوى الحزب.
ويطلب المؤتمر من المعارضة القديمة أن تحل مباشرة كل تنظيم تكتلي، وأن تخضع جناحها البرلماني كليا وبشكل مطلق للقيادة المركزية، وأن تخضع الصحافة كليا للمنظمات التابعة للحزب، وأن توقف مباشرة كل تعاون (في المجلات، إلخ) مع بول ليفي، المطرود من الحزب والأممية الشيوعية.
ويكلف المؤتمر التنفيذية بمتابعة التطور اللاحق للحركة الألمانية بانتباه، وأن تتخذ مباشرة الإجراءات الأكثر حزما في حال حدوث أقل إخلال بالانضباط.
موضوعات حول تكتيك الحزب الشيوعي الروسي
1- الوضع العالمي للجمهورية الفيدرالية السوفياتية في روسيا
يتميز الوضع العالمي للجمهورية الفيدرالية لسوفيتات روسيا حاليا ببعض التوازن، الذي، على الرغم من كونه غير مستقر إلى أقصى حد، خلق وضعا فريدا في السياسة العالمية.
وتقوم هذه الفرادة على التالي: من جهة، البرجوازية العالمية معبأة بكره وعداء شديدين إزاء روسيا السوفياتية ومستعدة في كل لحظة لأن تندفع لخنقها. ومن جهة ثانية، انتهت كل محاولات التدخل المسلح، التي كلفت هذه البرجوازية مئات ملايين الفرنكات، بهزيمة كاملة، على الرغم من أن السلطة السوفياتية كانت أضعف بكثير مما هي عليه اليوم، وأن كبار الملاكين والرأسماليين كانوا يملكون جيوشا كاملة على أرض الجمهورية الفيدرالية السوفياتية الروسية. فقد تعززت المعارضة ضد الحرب مع روسيا السوفياتية إلى أقصى حد في البلدان الرأسمالية، مغذية بذلك الحركة الثورية البروليتارية وشاملة جماهير واسعة جدا من جماهير الديمقراطية البرجوازية. إن اختلاف المصالح القائم بين مختلف الدول البرجوازية تفاقم، وهو يتفاقم بشكل متزايد يوما بعد يوم. فيما تتنامى الحركة الثورية بين مئات الملايين من السكان المضطهدين في الشرق بقوة ملحوظة. وكنتيجة لمجمل هذه الشروط، وجدت الإمبريالية العالمية نفسها عاجزة عن خنق روسيا، على الرغم من أنها كانت أقوى منها بكثير، وأجبرت على الاعتراف بها أو شبه الاعتراف بها الآن، وعلى الدخول في مبادلات تجارية معها.
وجاءت النتيجة توازنا ربما كان مهتزا إلى أقصى حد، وغير مستقر إلى أقصى حد، ولكنه توازن يسمح، مع ذلك، للجمهورية الاشتراكية بالعيش، لوقت غير طويل بالطبع، في محيطها الرأسمالي.
2- ميزان القوى الاجتماعي في العالم أجمع
لقد استقر ميزان القوى الاجتماعي في العالم أجمع على قاعدة هذا الوضع على الشكل التالي:
بقيت البرجوازية، المحرومة من وسيلة شن حرب معلنة ضد روسيا السوفياتية، في وضع انتظاري باحثة عن اللحظة التي تسمح الظروف فيها باستئناف هذه الحرب.
وقد فرزت البروليتاريا في البلدان الرأسمالية المتقدمة طليعة تتقدمها بشخص الأحزاب الشيوعية، التي تنمو وتسير دون كلل تجاه كسب أغلبية البروليتاريا في كل بلد، مدمرة نفوذ البيروقراطيين النقابيين القدامى، وقادة الطبقة العاملة الأميركية والغربية المفسدين بالامتيازات الإمبريالية.
وتشكل الديمقراطية البرجوازية الصغيرة في البلدان الرأسمالية حاليا، التي تمثل جزأها المتقدم الأمميتان 2 و ½ 2؛ الدعامة الرئيسية للرأسمالية، بقدر ما لا يزال نفوذها يطول أغلبية، أو جزءا هاما من العمال والمستخدمين في الصناعة والتجارة، الذين يخافون إن حدثت الثورة أن يفقدوا رفاهيتهم البرجوازية الصغيرة النسبية، المتأتية من الامتيازات الإمبريالية. ولكن الأزمة الاقتصادية المتنامية تُفاقم وضع الجماهير حيثما كان، وهذا الظرف، مضافا إلى الحتمية التي تصبح أكثر فأكثر بديهية لحدوث حروب إمبريالية جديدة إذا ما استمرت الرأسمالية، يجعل هذا الدعم مهتزا بشكل متزايد.
لقد استيقظت الجماهير الكادحة في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة، جماهير تشكل الأغلبية العظمى من سكان الأرض، على الحياة السياسية منذ بداية القرن العشرين، بشكل خاص بفعل الثورات الروسية والتركية والإيرانية والصينية. إن الحرب الإمبريالية بين عامي 1914ـ 1918 والسلطة السوفياتية في روسيا تحولان هذه الجماهير بشكل حاسم إلى عامل فعال في السياسة العالمية وفي التدمير الثوري للإمبريالية، على الرغم من أن البرجوازية الصغيرة المستنيرة في أوروبا وأميركا، ومن ضمنها قادة الأممية الثانية والأممية ½ 2، ترفض بعناد رؤية ذلك. وتقف الهند البريطانية على رأس هذه البلدان، وهناك تنمو الثورة بسرعة تزداد كلما باتت البروليتاريا الصناعية وبروليتاريا سكك الحديد داخلها أكثر أهمية، من جهة، وكلما أصبح الإرهاب الذي يمارسه الإنكليز أكثر شراسة، من جهة ثانية، إذ يلجأون بشكل متزايد إلى أعمال القتل الجماعية (أمريستار) وأعمال الجلد العلنية، إلخ…
3- ميزان القوى الاجتماعية في روسيا
يحدد الوضع السياسي الداخلي لروسيا السوفياتي بواقع أننا نشهد في هذا البلد، وللمرة الأولى في مجرى التاريخ العالمي، وجود طبقتين فقط، خلال عدة سنوات: البروليتاريا التي تدرَّبت خلال عشرات السنوات بواسطة صناعة آلية فتيَّة جدا، ولكنها، مع ذلك، حديثة وكبيرة، وطبقة صغار الفلاحين التي تشكل الأغلبية الواسعة من السكان.
لم يختف كبار الملاكين العقاريين وكبار الرأسماليين في روسيا. لكنهم خضعوا لعملية مصادرة كاملة وانهزموا سياسيا كطبقة بشكل كامل، وتختبئ فلولهم فقط بين المستخدمين الحكوميين في السلطة السوفياتية. ولم يجر الحفاظ على تنظيمهم الطبقي إلا في الخارج، على شكل جالية من المحتمل أنها تعد من مليون ونصف إلى مليوني شخص، وتملك أكثر من خمسين صحيفة يومية لكل الأحزاب البرجوازية و«الاشتراكية» (أي البرجوازية الصغيرة)، وكذلك فلول جيش، وروابط متعددة مع البرجوازية العالمية. وتعمل هذه الجالية بكل جهدها وبكل الوسائل لتقويض السلطة السوفياتية وإعادة الرأسمالية لروسيا.
4- البروليتاريا وطبقة الفلاحين في روسيا
نظرا لهذا الوضع الداخلي، ينبغي للبروليتاريا الروسية، باعتبارها طبقة سائدة، أن تطرح على نفسها الآن، بشكل أساسي، تعيين الإجراءات الضرورية لقيادة طبقة الفلاحين، بذكاء، وتنفيذ هذه الإجراءات، من أجل الإبقاء على تحالف صارم معها، ولكي تُقطع المراحل العديدة المتلاحقة المؤدية إلى جماعية الزراعة بالجملة. وهذه المهمة صعبة بشكل خاص في روسيا، سواء بالنظر إلى الطابع المتأخر لبلدنا، أو بالنظر إلى الدمار الواسع بعد سبع سنوات في الحرب الإمبريالية والأهلية. ولكن، يضاف إلى هذه الخاصية، أن هذه المهمة تنتمي إلى عدد من المشاكل الأكثر صعوبة للتنظيم الاشتراكي، مشاكل تنطرح في جميع الدول الرأسمالية، ربما باستثناء إنجلترا. ومن المستحيل أن ننسى أنه إذا كانت طبقة صغار المزارعين – الأكارين قليلة العدد بشكل خاص، فإننا بالمقابل نجد نسبة مرتفعة بشكل استثنائي من العمال والمستخدمين الذين يمتلكون موقعا برجوازيا صغيرا بفعل العبودية الفعلية لمئات الملايين من سكان المستعمرات «التابعة» لإنجلترا.
لهذا فإن أهمية الحقبة التي تمر بها روسيا، من وجهة نظر تطور الثورة البروليتارية العالمية كسيرورة شاملة، تكمن بأنها تسمح بامتحان سياسة البروليتاريا التي تمسك بيدها السلطة الحكومية وبالتحقق منها عمليا، حيال جمهور برجوازي صغير.
5- التحالف العسكري بين البروليتاريا
وطبقة الفلاحين في الجمهورية الفيدرالية
السوفياتية الروسية
لقد طرحت الحقبة الممتدة من 1917 إلى 1921 أسس العلاقات المتبادلة العقلانية بين البروليتاريا وطبقة الفلاحين في روسيا السوفياتية، في حين أن غزو الرأسماليين وكبار الملاكين الذي تلقى في الوقت نفسه دعم البرجوازية العالمية بمجملها، وجميع أحزاب الديمقراطية البرجوازية الصغيرة (اشتراكيين – ثوريين ومناشفة)، ولّد التحالف العسكري بين البروليتاريا وطبقة الفلاحين من أجل الدفاع عن السلطة السوفياتية، وثبته وحدده. إن الحرب الأهلية هي الشكل الأكثر حدة للصراع الطبقي. وكلما نشط هذا الصراع كلما أظهرت الممارسة نفسها، بسرعة أكبر ووضوح أكبر للشرائح الأكثر تخلفا حتى من طبقة الفلاحين، أن هذه الطبقة لا يمكن أن تنقذ إلا بواسطة دكتاتورية البروليتاريا، فيما يلعب الاشتراكيون – الثوريون والمناشفة، في الواقع، دور خدم كبار الملاكين والرأسماليين.
ولكن إذا كان تحالف البروليتاريا وطبقة الفلاحين العسكري ـ ولا يمكنه أن يكون إلاّ كذلك – الشكل الأول لتحالف صلب، فذلك لا يمنع أنه لا يمكن أن يستمر حتى لبضعة أسابيع، دون تحالف اقتصادي بين هاتين الطبقتين نفسيهما. لقد تلقى الفلاحون في الدولة العمالية الأرض والحماية ضد الملاك الكبير والمستغل القروي؛ وحصل العمال من الفلاحين على مواد أولية، على سبيل التسليف، بانتظار ترميم الصناعة الكبيرة.
6- كيف يمكن إقامة العلاقات الاقتصادية
العقلانية بين البروليتاريا وطبقة الفلاحين؟
لا يمكن أن يتحقق تحالف عقلاني بشكل كامل ومستقر، من وجهة نظر اشتراكية بين صغار الفلاحين والبروليتاريا إلاّ في اليوم الذي يسمح فيه النقل والصناعة الكبرى، بعد ترميمهما بشكل كامل، للبروليتاريا بإعطاء الفلاحين، مقابل المواد الغذائية، كل الأدوات التي هم بحاجة لاستخدامها والتي تحسِّن من استثمارهم للأرض. ونظرا لدمار البلد الكبير كان من المستحيل الوصول إلى هذه النتيجة دفعة واحدة. وقد شكلت المصادرات الإجراء الحكومي الأسهل منالا بالنسبة لدولة منظمة بشكل غير كاف، والذي سمح لها بالاستمرار في حرب بالغة الصعوبة ضد كبار المالكين. وقد فاقم المحصول السيء لعام 1920 البؤس الذي كان يرهق الفلاحين أصلا، وجعل التحول الفوري نحو الضريبة الغذائية ضروريا بشكل مطلق.
وتؤمن هذه الضريبة المعتدلة انفراجا كبيرا في وضع طبقة الفلاحين وتثير اهتمامها في الوقت نفسه بتوسيع المساحة المزروعة وتحسين أساليب الزراعة لديها.
وتشكل الضريبة الغذائية مرحلة وسيطة بين مصادرة جميع فوائض زروع (céréales) الفلاحين والتبادل العقلاني للمنتجات الذي تتوقعه الاشتراكية بين الصناعة والزراعة.
7- طبيعة قبول السلطة السوفياتية
بالرأسمالية وبالامتيازات وشروط ذلك
إن الضريبة الغذائية بجوهرها بالذات تعادل بالنسبة للفلاح الحرية في امتلاك الفوائض التي تبقى بعد دفع الضريبة. وبالقدر الذي ستكون فيه الدولة عاجزة عن تقديم منتجات الصناعة الاشتراكية للفلاح، مقابل مجموع هذه الفوائض، فإن حرية التجارة، التي تنتج عن ذلك، تعادل حتما حرية نمو بالنسبة للرأسمالية.
مع ذلك، وضمن الحدود المشار إليها، فإن الأمر ليس مخيفا بالنسبة للاشتراكية، طالما بقيت النقليات والصناعة الكبيرة بأيدي البروليتاريا. على العكس، فإن تطور الرأسمالية تحت إشراف الدولة البروليتارية وتنظيمها (أي تطور رأسمالية «الدولة» بهذا المعنى للكلمة) مفيد وضروري في بلد فلاحي صغير مهدم إلى أقصى الحدود ومتأخر (وبطبيعة الحال لمستوى معين فقط)، بمقدار ما يَنتج عن ذلك تسريع فوري لتطور الزراعة الفلاحية.
إن التعويض الممنوح للحاصلين على امتيازات، على شكل نسبة مئوية مقتطعة من منتجات ذات قيمة عالية، هو دون شك ضريبة تدفعها الدولة العمالية للبرجوازية العالمية. ودون إخفاء هذا الواقع أبداً، ينبغي أن نفهم بوضوح أنه سيكون من المفيد لنا أن ندفع هذه الضريبة، إذا كنا سنحصل بذلك على ترميم صناعتنا الكبيرة بسرعة وتحسين وضع العمال والفلاحين بشكل جدي.
8- نجاحات سياستنا الغذائية
لقد كانت السياسة الغذائية لروسيا السوفياتية في المرحلة الممتدة بين 1917 و1921 دون شك فظة جدا وناقصة جدا، وفسحت المجال أمام الكثير من التعسف. وقد ارتكب العديد من الأخطاء لدى وضعها موضع التنفيذ، ولكنها كانت السياسة الوحيدة الممكنة ضمن الشروط المعطاة، إذا نظرنا إليها بمجملها. وقد أدت مهمتها التاريخية: أنقذت دكتاتورية البروليتاريا في بلد مهدم ومتأخر. والحقيقة التي لا جدال فيها هي أنها تحسنت بشكل مضطرد. ففي العام الأول الذي اكتملت فيه سلطتنا (أول آب / أغسطس 1918- 1 آب / أغسطس 1919)، جمعت الدولة 110 ملايين بود (pouds) من الزروع، وفي العام التالي – 220 مليونا، وفي الثالث – أكثر من 285.
وننوي اليوم، مزودين بتجربة عملية، أن نجمع 400 مليون بود، ونحن نعتمد على نجاح ذلك (حددت الضريبة الغذائية ب 240 مليونا).
وفقط إذا كانت الدولة العمالية تمتلك فعليا رأسمالا غذائيا كافيا، فإنها ستكون قادرة على الصمود بصلابة من وجهة نظر اقتصادية، وأن تضمن ترميما، بطيئا لكن منتظما، للصناعة الكبيرة، وأن تبني نظاما ماليا عقلانيا.
9- القاعدة المادية للاشتراكية
وخطة توليد الكهرباء
في روسيا
إن القاعدة المادية الوحيدة التي يمكن أن تملكها الاشتراكية هي الصناعة الكبيرة الآلية، القادرة على إعادة تنظيم الزراعة بالذات. ولكن لا يمكن أن نقف عند هذا الافتراض العام. بل ينبغي تجسيده. إن الصناعة الكبيرة التي تستجيب لمستوى التقنية الحديثة والقادرة على إعادة تنظيم الزراعة، إنما هي توليد الكهرباء للبلد بأكمله. وقد كان علينا تنفيذ الأعمال العلمية التحضيرية لخطة الإنارة هذه لجمهورية روسيا الفيدرالية، وقمنا بتنفيذها. وأنجز هذا العمل بالتعاون مع أكثر من 200 من أفضل العلماء والمهندسين والخبراء الزراعيين وجرى طبعه في شكل مجلد كبير، وأقر بمجمله في المؤتمر الثامن لسوفيتات روسيا في كانون الأول / ديسمبر 1920. ونحن اليوم جاهزون سلفا للدعوة لمؤتمر لعامة روسيا، يحضره تقنيو الكهرباء وينعقد في شهر آب / أغسطس 1920. وسيبحث بالتفصيل هذا العمل، الذي سيحصل آنذاك على التصديق النهائي من جانب الدولة. وتمتد أعمال الإنارة المعلنة كضرورة في أقصى الإلحاح على فترة عشر سنوات، وتتطلب 370 مليون يوم عمل تقريبا.
في عام 1918، كان لدينا فقط 8 محطات كهربائية مبنية حديثا مع 4557 كيلووات. وفي العام 1919 ارتفع هذا الرقم إلى 36 مع 1648 كيلووات، وفي العام 1920 إلى 100 مع 8699 كيلووات.
ومهما كانت متواضعة هذه البدايات لبلدنا الشاسع، فإن الأساس قد أرسي مع ذلك. وبدأ العمل، وهو يتقدم من حسن إلى أحسن. ولم يعد الفلاح الروسي، بعد الحرب الإمبريالية، ومليون سجين تآلفوا في ألمانيا مع التقنية الحديثة المتقنة، وبعد التجربة القاسية ولكن المفيدة لثلاث سنوات من الحرب الأهلية، لم يعد كما كان سابقا أبداً. فهو يرى شهرا بعد شهر بوضوح أكبر وبديهية أكبر أن قيادة البروليتاريا هي الوحيدة القادرة على انتزاع جمهور صغار المزارعين من عبودية رأس المال من أجل إيصالهم إلى الاشتراكية.
10- دور «الديمقراطية المحضة» للأمميتين 2
و½ 2 والاشتراكيين الثوريين والمناشفة
باعتبارهم حلفاء لرأس المال
لا تعني دكتاتورية البروليتاريا توقف الصراع الطبقي، بل بالضبط استمراره بشكل جديد، وبواسطة أسلحة جديدة. وطالما بقيت الطبقات، وطالما ضاعفت البرجوازية، المطاحة في بلد معين، هجماتها عشرات المرات في العالم أجمع فإن هذه الدكتاتورية ضرورية. ولا يمكن إلا أن تمر طبقة صغار الملاكين العقاريين بسلسلة تذبذبات، خلال المرحلة الانتقالية، فصعوبات الوضع الانتقالي وتأثير البرجوازية، يستثيران بشكل محتم تقلبات في ذهنية هذا الجمهور. وتقع على عاتق البروليتاريا الموهنة والفاقدة هويتها الطبقية إلى حد ما بفعل تفكك قاعدتها الحيوية، أي الصناعة الكبرى الآلية، المهمة الصعبة جدا والمهمة الأكبر تاريخيا، وهي أن تصمد على الرغم من هذه التقلبات، وتنجز بنجاح عملها المتمثل بتحرير العمل من نير رأسٍ المال.
وتجد تقلبات البرجوازية الصغيرة تعبيرها السياسي في سياسة أحزاب الديمقراطية البرجوازية الصغيرة، أي أحزاب الأممية الثانية والأممية ½ 2 الممثلة في روسيا بـ «الاشتراكيين – الثوريين» والمناشفة. هذه الأحزاب التي تملك اليوم أركان حربها وصحفها في الخارج، تتكتل مع الثورة المضادة البرجوازية بأكملها وتشكل خدامها المخلصين.
لقد ثمّن قادة البرجوازية الكبيرة الروسية، وعلى رأسهم ميليوكوف، زعيم حزب الكاديت («الديمقراطي – الدستوري») بوضوح ودقة وصراحة تامة، هذا الدور الذي لعبته الديمقراطية البرجوازية – الصغيرة، أي الاشتراكيون الثوريون وكتب مطوِّرا هذه الفكرة: «المجد وحرية الحركة» للاشتراكيين الثوريين والمناشفة («برافدا» 1921، العدد… من باريس)، لأنه عليهم تقع مهمة التحويل الأول للسلطة، بالانفصال عن البلاشفة. لقد تنبه ميليكوف بذكاء للدروس التي قدمتها كل الثورات التي أظهرت أن الديمقراطية البرجوازية الصغيرة عاجزة عن الحفاظ على السلطة بما أنها لم تكن يوما إلاّ قناعا لدكتاتورية البرجوازية الكبيرة، ودرجة توصل إلى أتوقراطية البرجوازية الكبرى.
إن الثورة البروليتارية في روسيا تؤكد مرة أخرى من جديد هذا الدرس المستخلص من ثورات 1789-1794 و1848-1849، وتؤكد كلمات فريدريك انجلز، الذي كتب في 11 كانون الأول / ديسمبر في رسالة إلى بيبل: «… إن الديمقراطية المحضة تكتسب لحظة الثورة، ولوقت محدود، أهمية مؤقتة… باعتبارها الملاذ الأخير لكل النظام الاقتصادي البرجوازي وحتى الإقطاعي… في عام 1848، من آذار / مارس إلى أيلول / سبتمبر، لم تتوقف كتلة الإقطاع والبيروقراطية بأكملها عن دعم الليبراليين من أجل المحافظة على خضوع الجماهير الثورية. وفي كل الحالات، خلال الأزمة، وغداة الأزمة، سيكون عدونا الوحيد الكتلة الرجعية بأكملها، المجتمعة حول الديمقراطية المحضة. وهذه الحقيقة، برأيي، لا يجب أن تغيب عن نظرنا أبدا» (نشرت في روسيا بصحيفة «العمل الشيوعي»، العدد 360 في 9 حزيران / يونيو 1921، في مقال أدورا – تسكي تحت عنوان «ماركس وانجلز، حول الديمقراطية»، وفي ألمانيا في كتاب: فريدريك انجلز «وصية سياسية» برلين 1920. المكتبة الأممية للشبيبة، العدد 12، الصفحات 18- 19).
قرار حول تكتيك الحزب الشيوعي
في روسيا
إن المؤتمر العالمي الثالث للأممية الشيوعية بعد أن استمع إلى خطاب الرفيق لينين حول تكتيك الحزب الشيوعي في روسيا وبعد أن أخذ علما بالموضوعات الملحقة به، يعلن:
يبدي المؤتمر العالمي الثالث للأممية الشيوعية إكباره للبروليتاريا الروسية، التي ناضلت خلال أربعة أعوام، من أجل استلام السلطة السياسية. ويقر المؤتمر بالإجماع سياسة الحزب الشيوعي في روسيا الذي عرف منذ البداية المخاطر التي تتهدده في كل وضع، والذي بقي أمينا لمبادئ الماركسية الثورية وعرف دائما أن يجد سبيلا لتطبيقها، والذي يحشد اليوم أيضا بعد نهاية الحرب الأهلية قوى البروليتاريا كافة، التي يقودها الحزب الشيوعي في روسيا بهدف الحفاظ على دكتاتورية البروليتاريا في روسيا حتى اللحظة التي تأتي فيها البروليتاريا في أوروبا الغربية لنجدتها، يحشدها دائما بفعل سياسته إزاء طبقة الفلاحين، وفي مسألة الامتيازات وإعادة بناء الصناعة.
وإذ يعبر المؤتمر عن اقتناعه، بأنه ليس إلاّ بفضل هذه السياسة الواعية والمنطقية للحزب الشيوعي في روسيا، لا تزال روسيا السوفياتية أول حصن وأهم حصن للثورة العالمية، يستنكر السياسة الخيانية للأحزاب المنشفية التي عززت نضال الرجعية الرأسمالية ضد روسيا، بفعل معارضتها لروسيا السوفياتية ولسياسة الحزب الشيوعي في روسيا، والتي تسعى لتأخير الثورة الاجتماعية في العالم أجمع.
يدعو المؤتمر البروليتاريا في جميع البلدان لأن تصطف إلى جانب العمال والفلاحين الروس من أجل تحقيق ثورة أكتوبر في العالم أجمع.
عاش النضال من أجل دكتاتورية البروليتاريا.
عاشت الثورة الاشتراكية العالمية!
الأممية الشيوعية والأممية النقابية الحمراء
(النضال ضد أممية أمستردام الصفراء)
-1-
تستعبد البرجوازية الطبقة العاملة ليس فقط بواسطة القوة الفظّة بل أيضا بخدع مهذبة. فالمدرسة والكنيسة والبرلمان والفنون والأدب والصحافة اليومية هي كذلك أدوات قوية تستخدمها البرجوازية لتخبيل الطبقة العاملة ولإدخال الأفكار البرجوازية بين البروليتاريا.
وفي عداد هذه الأفكار البرجوازية التي نجحت الطبقة المسيطرة بإدخالها إلى أذهان الجماهير الكادحة توجد فكرة حياد النقابات، وطابعها اللاسياسي، الغريب عن كل حزب.
منذ العقود الأخيرة من التاريخ المعاصر وبشكل خاص منذ نهاية الحرب الإمبريالية، في أوروبا بمجملها وفي أميركا، أصبحت النقابات المنظمات البروليتارية الأكثر عددا: في بعض الدول تضم حتى الطبقة العاملة بمجملها دون استثناء. والبرجوازية تعرف تماما أن مصير النظام الرأسمالي يتعلق اليوم بموقف هذه النقابات إزاء النفوذ الشامل للبرجوازية وخدمها الاشتراكيين – الديمقراطيين من أجل الحفاظ على النقابات أسيرة الأفكار البرجوازية مهما كلف الأمر.
لا يمكن أن تدعو البرجوازية النقابات العمالية علنا لدعم الأحزاب البرجوازية. لذلك تدعوهم لعدم دعم أي حزب، دون استثناء حزب الشيوعية – الثورية.
ويملك شعار «الحياد» أو «اللاسياسة» للنقابات ماضيا طويلا وراءه. فخلال عقد من الزمن تم تلقيح النقابات بهذه الفكرة البرجوازية في إنكلترا وألمانيا وأميركا وبلدان أخرى، وسواء قادة النقابات البرجوازية من مثل هيرش – دينكر، أو قادة النقابات الاكليروسية والمسيحية؛ سواء ممثلي النقابات الحرة الألمانية المزعومة، أو قادة النقابات الهرمة والسلمية الإنجليزية، والعديد من الأنصار الآخرين للنقابية. خلال سنوات وعقود بشّر ليغيان، وغومبرز وجوهو، وسيدني ويب، بحياد النقابات.
في الواقع، لم تكن النقابات يوما حيادية ولا يمكن أن تكون كذلك أبدا، حتى لو أرادت. إن حياد النقابات لا يمكن إلاّ أن يكون مضرا بالطبقة العاملة، ولكنه مع ذلك غير قابل للتحقيق. ففي المبارزة بين العمل ورأس المال لا يمكن أن تبقى أي منظمة عمالية كبرى حيادية. وتبعا لذلك لا يمكن أن تكون النقابات حيادية بين الأحزاب البرجوازية وأحزاب البروليتاريا. إن الأحزاب البرجوازية تعي ذلك تماما. ولكن كما أن البرجوازية بحاجة لأن تقتنع الجماهير بالحياة الأبدية، فإنها بحاجة أيضا للإقناع بأن النقابات يمكن أن تكون لا سياسية، ويمكن أن تحافظ على حيادها إزاء الحزب الشيوعي العمالي. وكي تتمكن البرجوازية من الاستمرار بالسيطرة وباستغلال العمال للحصول على فائض القيمة، ليست بحاجة فقط لكاهن وشرطي وجنرال بل يلزمها كذلك البيروقراطي النقابي، «القائد العمالي» الذي ينصح بحياد النقابات وعدم مبالاتها في الصراع السياسي.
وقد أصبح خطأ هذه الفكرة حتى قبل الحرب الإمبريالية أكثر وأكثر بديهية بالنسبة للبروليتاريين الواعين في أوروبا وأميركا. وبقدر ما تحتدم التضادات الاجتماعية، تصبح الكذبة أكثر وضوحا. وعندما تبدأ المجزرة الإمبريالية يجد قدامى قادة النقابات أنفسهم مجبرين على نزع قناع الحياد والسير بصراحة كلٌّ مع برجوازيـ «ـته».
خلال الحرب الإمبريالية، كل الاشتراكيين – الديمقراطيين والنقابيين، الذين كانوا قضوا سنوات ينصحون النقابات باللامبالاة السياسية، أطلقوا في الواقع هذه النقابات نفسها في خدمة السياسة الأكثر دموية والأشد خساسة للأحزاب البرجوازية. وهم، أبطال الحياد بالأمس، نراهم الآن يعملون كعملاء معلنين للحزب السياسي الفلاني، سوى حزب واحد، حزب الطبقة العاملة.
وبعد نهاية الحرب الإمبريالية، حاول القادة الاشتراكيون – الديمقراطيون والنقابيون هؤلاء أنفسهم فرض قناع الحياد واللا سياسة على النقابات. وإذ مرّ الخطر العسكري تأقلم عملاء البرجوازية هؤلاء مع الظروف الجديدة وحاولوا بالإضافة إلى ذلك حرف العمال عن الطريق الثوري إلى الطريق الملائمة للبرجوازية.
يرتبط الاقتصادي والسياسي فيما بينهما دائما ارتباطا لا تنفصم عراه. وهذا الارتباط لا انفكاك فيه بشكل خاص في مراحل كتلك التي نمر بها الآن. ليس هناك مسألة هامة واحدة في الحياة السياسية لا ينبغي أن تهم الحزب العمالي والنقابة العمالية في آن. وبالمقابل ليس هناك مسألة اقتصادية هامة يمكن أن تهم النقابة لا تهم في الوقت نفسه الحزب العمالي.
عندما أعلنت الحكومة الإمبريالية الفرنسية التعبئة في بعض الفرق لاحتلال حوض الرور ولاضطهاد ألمانيا بصورة عامة، هل كان بإمكان نقابة فرنسية بروليتارية فعلاً القول إن هذه مسألة سياسية حصراً لا ينبغي أن تهم النقابات؟ هل تستطيع نقابة فرنسية ثورية حقا أن تعلن عن «حيادها» أو «لا سياسيتها» في هذه المسالة؟ أو إذا حدثت، على العكس، في إنجلترا، حركة اقتصادية محضة مثل الإضراب الأخير لعمال المناجم، هل يحق للحزب الشيوعي أن يقول أن هذه المسألة لا تعنيه وأنها تهم النقابات وحدها؟ عندما يبدأ النضال ضد البؤس والفقر اللذين يعاني منهما ملايين العاطلين عن العمل، عندما نكون مجبرين على طرح مسألة مصادرة المساكن البرجوازية بشكل عملي من أجل إرضاء حاجات البروليتاريا، عندما تكون جماهير متزايدة باستمرار من العمال مجبرة بفعل الحياة نفسها على أن تضع على جدول الأعمال تسليح البروليتاريا، عندما ينظم العمال، في بلد أو آخر، احتلال مشاغل ومصانع، – فالقول إن النقابات لا يجب أن تتدخل في النضال السياسي أو يجب أن تكون حيادية بين جميع الأحزاب، هو في الواقع وضعها في خدمة البرجوازية.
على الرغم من تنوع التسميات فإن الأحزاب السياسية في أوروبا وأميركا يمكن أن تنقسم إلى ثلاث مجموعات كبرى: 1) أحزاب البرجوازية، 2) أحزاب البرجوازية الصغيرة (بالأخص الاشتراكيين – الديمقراطيين)، 3) حزب البروليتاريا (الشيوعيين). والنقابات التي تعلن أنها «لا سياسية» و«حيادية» إزاء هذه المجموعات الثلاث، لا تقوم في الواقع إلاّ بمساعدة أحزاب البرجوازية الصغيرة والبرجوازية.
-2-
إن عصبة أمستردام النقابية هي منظمة تلتقي فيها الأمميتان 2 و ½ 2، وتتعاونان. وتنظر البرجوازية العالمية بأكملها لهذه المنظمة بأمل واهتمام. إن الفكرة الكبرى حاليا بالنسبة لأممية أمستردام النقابية، هي حياد النقابات. وليس بالصدفة أن تستخدم البرجوازية وخدمها الاشتراكيون – الديمقراطيون أو النقابيون اليمينيون هذا الشعار كوسيلة لمحاولة جمع الجماهير العمالية في الغرب وأميركا من جديد. وفيما أفلست بشكل مثير للرثاء سياسة الأممية الثانية، بانتقالها علنا إلى جانب البرجوازية، لا زال لدى أممية أمستردام، بمحاولتها تغطية نفسها من جديد بفكرة الحياد، بعض الشعبية.
وتحت راية «الحياد» تأخذ الأممية الثانية على عاتقها أكثر الخدمات للبرجوازية صعوبة وأكثرها قذارة: خنق إضراب عمال المناجم في إنجلترا (مثلما رضي أن يفعل ج. هـ. توماس الشهير وهو رئيس الأممية الثانية في الوقت نفسه وأحد القادة المرموقين في أممية أمستردام النقابية الصفراء)، خفض الأجور، تنظيم النهب المنظّم للعمال الألمان بسبب خطايا غليوم والبرجوازية الإمبريالية الألمانية. إن ليبارت وغراسمان، ويسل وبوير، روبرت شميدت وج. هـ. توماس، البرت توماس وجوهو، دازينسكي وزولانكسي – جميعهم تقاسموا الأدوار: البعض، وهم قادة نقابيون قدامى، يشاركون اليوم بالحكومات البرجوازية بصفة وزراء، ومفوضين حكوميين أو موظفين عاديين، فيما يبقى الآخرون، المتضامنون بشكل كامل مع الأولين، على رأس أممية أمستردام النقابية كي ينصحوا العمال النقابيين بالحياد السياسي.
إن أممية أمستردام النقابية هي حاليا السند الأساسي للرأسمال العالمي. ومن المستحيل محاربة معقل الرأسمالية هذا بشكل ظافر إذا لم نفهم مسبقا ضرورة محاربة الفكرة الكاذبة حول لا سياسية النقابات وحيادها. ومن أجل امتلاك السلاح المناسب لمحاربة أممية أمستردام النقابية، يجب إقامة علاقات متبادلة واضحة ومحدَّدة بين الحزب والنقابات في كل بلد.
-3-
إن الحزب الشيوعي هو طليعة البروليتاريا، الطليعة التي تعرفت كليا إلى الطرق والأساليب الكفيلة بتحرير البروليتاريا من نير الرأسمالية، والتي قبلت لهذا السبب بالبرنامج الشيوعي بشكل واع.
والنقابات هي تنظيم بروليتاري أكثر ضخامة، يميل أكثر فأكثر لضم جميع العمال دون استثناء في كل فرع من فروع الصناعة، ولإدخال ليس فقط شيوعيين واعين في صفوفها بل أيضا فئات وسيطة لا بل متأخرة كليا من الشغيلة الذين لا يتعلمون الشيوعية إلاّ شيئا فشيئا وبواسطة تجربة الحياة.
إن دور النقابات في المرحلة التي تسبق معركة البروليتاريا من أجل الاستيلاء على السلطة، يختلف عنه خلال هذه المرحلة من المعركة وفيما بعد، اثر الانتصار، بجوانب عديدة، ولكن دائما، قبل وخلال وبعد، تبقى النقابات منظمة أكثر اتساعا وضخامة وشمولا من الحزب، وتلعب بالنسبة لهذا الأخير إلى حد ما دور المحيط بالنسبة للمركز.
قبل الاستيلاء على السلطة تنظم النقابات البروليتارية حقا العمال على الأرضية الاقتصادية بشكل رئيسي، من أجل تحقيق التحسينات الممكنة، وإطاحة الرأسمالية بشكل كامل، ولكنها تضع تنظيم نضال الجماهير البروليتارية ضد الرأسمالية بقصد الثورة البروليتارية في صدارة كل نشاطها.
وخلال الثورة البروليتارية، تنظم النقابات الثورية فعلا يدا بيد مع الحزب الجماهير من أجل الإطباق على معاقل رأس المال، وتتكفل بالعمل التنظيمي الأول للإنتاج الاشتراكي.
وبعد الانتصار وتوطيد السلطة البروليتارية ينتقل عمل النقابات إلى حقل التنظيم الاقتصادي، وتبذل كل قواها تقريبا في بناء الصرح الاقتصادي على الأسس الاشتراكية، وتصبح بذلك مدرسة حقيقية للشيوعية.
وخلال هذه المراحل الثلاث في نضال البروليتاريا، ينبغي أن تدعم النقابات طليعتها، الحزب الشيوعي، الذي يقود النضال البروليتاري في كل المراحل. لهذا الغرض ينبغي للشيوعيين والعناصر النصيرة أن يشكلوا داخل النقابات مجموعات شيوعية خاضعة كليا للحزب بمجمله.
إن التكتيك القائم على تشكيل مجموعات شيوعية في كل نقابة، الذي صاغه المؤتمر العالمي الثاني للأممية الشيوعية، أثبت صحته كليا خلال العام المنصرم، وأعطى نتائج كبيرة في ألمانيا وإنجلترا وفرنسا وفي العديد من البلدان الأخرى. وعلى سبيل المثال، إذا خرجت مجموعات عمالية هامة قليلة المراس وصاحبة خبرة غير كافية في السياسة من النقابات الاشتراكية الديمقراطية الحرة في ألمانيا، لأنها فقدت كل أمل بالحصول على أي فائدة مباشرة من مشاركتها بهذه النقابات الحرة فلا ينبغي أن يغير هذا بأي حال الموقف المبدئي للأممية الشيوعية إزاء المشاركة الشيوعية في الحركة المهنية. إن واجب الشيوعيين هو أن يشرحوا لجميع البروليتاريين أن الخلاص لا يقوم على الخروج من النقابات القديمة من أجل خلق نقابات جديدة أو للتشتت إلى هباء من الرجال غير المنظمين، بل على تثوير النقابات، وطرد الروح الإصلاحية وخيانة القادة الانتهازيين منها، من أجل جعلها سلاحا فعالا بيد البروليتاريا الثورية.
-4-
خلال المرحلة القادمة، ستكون المهمة الرئيسية لكل الشيوعيين هي العمل بنشاط ومثابرة واستبسال لكسب أغلبية النقابات؛ ولا ينبغي للشيوعيين أن يتركوا الاتجاهات الرجعية التي تظهر في هذه الفترة داخل الحركة النقابية تثبط عزيمتهم بأي حال من الأحوال، بل عليهم أن يثابروا عبر المشاركة الأكثر نشاطا في كل المعارك اليومية، على كسب النقابات للشيوعية على الرغم من كل المعيقات وكل المعارضات.
إن المعيار الأفضل لقوة أي حزب شيوعي، هو التأثير الفعلي الذي يمارسه على جماهير العمال النقابيين. وعلى الحزب أن يعرف ممارسة التأثير الأكثر عزما على النقابات دون إخضاعها لأدنى وصاية. ويملك الحزب أنوية شيوعية في هذه النقابة أو تلك، ولكن النقابة بذاتها غير خاضعة له. وليس إلاّ بعمل متواصل، ومدعوم ومخلص من جانب الأممية الشيوعية داخل النقابات، يستطيع الحزب خلق حالة تتبع بها كل النقابات نصائح الحزب بطيبة خاطر وفرح.
وتلاحظ سيرورة اختمار ممتازة في هذه الفترة في النقابات الفرنسية. لقد تخلص العمال أخيرا من أزمة الحركة العمالية، ويتعلمون اليوم إدانة خيانة الاشتراكيين – الديمقراطيين والنقابيين الإصلاحيين. ولا زال النقابيون الثوريون مشبعين إلى حد ما بأفكار مسبقة ضد العمل السياسي وضد فكرة الحزب السياسي البروليتاري. ويجاهرون بالحياد السياسي كما جرى التعبير عنه عام 1906 في ميثاق أميان. إن موقف هذه العناصر النقابية الثورية المشوش والخاطئ ينطوي على أكبر الأخطار بالنسبة للحركة. وإذا حاز هذا الاتجاه الأكثرية، فهو لن يعرف ما يصنع بها وسيبقى عاجزا بمواجهة عملاء رأس المال، جوهو ودومولين.
ولن يكون للنقابيين الثوريين الفرنسيين توجه صارم طالما لم يمتلك هذا التوجه الحزب الشيوعي. ويجب أن يجتهد الحزب الشيوعي الفرنسي للوصول إلى تعاون رفاقي مع أفضل عناصر النقابية الثورية. ولا يجب مع ذلك أن يعتمد بالدرجة الأولى إلاّ على مناضليه الخاصين. يجب أن يشكل أنوية في كل مكان يوجد فيه ثلاثة شيوعيين. ويجب أن يخوض الحزب حملة ضد الحياد. وأن يسجل عيوب موقف النقابية الثورية بالشكل الأكثر رفاقية ولكن أيضا الأكثر صرامة. ولا يمكن تثوير الحركة النقابية في فرنسا وإقامة تعاونها الوثيق مع الحزب إلاّ على هذا الشكل.
ولدينا في إيطاليا أيضا وضع مشابه: فجمهور العمال النقابيين تحركه روح ثورية، ولكن قيادة اتحاد الشغل هي بين أيدي الإصلاحيين والوسطيين المعلنين، الذين هم مع أممية أمستردام من كل قلبهم. إن المهمة الأولى للشيوعيين هي تنظيم عمل يومي ضارٍ ودؤوب داخل النقابات، وهي أن يثابروا بشكل منهجي وبصبر على فضح الطابع الملتبس والمتردد للقادة، من أجل اقتلاعهم من النقابات.
إن المهام التي تقع على عاتق الشيوعيين الإيطاليين بالنسبة للعناصر الثورية النقابية في إيطاليا هي بشكل عام مهام الشيوعيين الفرنسيين عينها.
ولدينا في إسبانيا حركة نقابية قوية، وثورية ولكن غير واعية كليا بعد لأهدافها، ولدينا هناك في الوقت نفسه حزب شيوعي لازال شابا وضعيفا نسبيا. ونظرا لهذا الوضع ينبغي أن يميل الحزب إلى تأكيد نفسه في النقابات ويجب أن يأتي الحزب للمساعدة بنصائحه وعمله، وينير الحركة النقابية ويرتبط بها بروابط رفاقية بهدف التنظيم المشترك للمعارك.
وتتطور أحداث ذات أهمية عظمى في الحركة النقابية الإنجليزية التي تتثور بسرعة كبيرة. والحركة الجماهيرية تتطور هناك. ويفقد القادة القدامى للنقابات مواقعهم بسرعة. وينبغي أن يبذل الحزب أكبر الجهود من أجل تأكيد نفسه في النقابات الكبرى، كما في اتحاد عمال المناجم، إلخ… ويجب أن يناضل كل عضو في الحزب داخل أي نقابة، ويوجهها نحو الشيوعية بعمل عضوي، دؤوب ونشط. ولا يجب إهمال أي شيء بصدد إقامة الصلة الأكثر وثوقا بالجماهير.
ونلاحظ في أميركا التطور نفسه، ولكن ببطء أكبر قليلا. ولا ينبغي أن يكتفي الشيوعيون بأي حال من الأحوال بترك اتحاد الشغل، المؤسسة الرجعية، بل يجب على العكس بذل كل جهد من أجل التسلل إلى الاتحادات القديمة وتثويرها. ومن المهم بالضرورة التعاون مع أفضل عناصر الـ I.W.W، ولكن هذا التعاون لا يلغي النضال ضد أفكارهم المسبقة.
وفي اليابان تتطور حركة نقابية بشكل عفوي، ولكنها لا زالت تفتقر إلى قيادة واضحة. فالمهمة الأساسية للعناصر الشيوعية في اليابان هي دعم هذه الحركة وممارسة تأثير ماركسي عليها.
وفي تشيكوسلوفاكيا يمتلك حزبنا أغلبية الطبقة العاملة، فيما تبقى الحركة النقابية بين أيدي الاشتراكيين الوطنيين والوسطيين بجزء كبير منها. وهي بالإضافة إلى ذلك مقسمة على أساس القوميات. وهذه هي نتيجة غياب التنظيم والوضوح من جانب النقابيين، حتى وإن كانت تحركهم الروح الثورية. وينبغي أن يبذل الحزب كل جهده من أجل وضع حد لهذه الحالة ولكسب الحركة النقابية إلى الشيوعية. وللوصول إلى هذا الهدف هناك ضرورة مطلقة لخلق أنوية شيوعية، وكذلك جهاز نقابي شيوعي مركزي مشترك لجميع البلدان. ومن أجل ذلك، يجب العمل بنشاط لدمج مختلف الاتحادات المنقسمة تبعا للقوميات في كلٍّ متحد.
وفي النمسا وبلجيكا عرف الاشتراكيون – الوطنيون كيف يأخذون قيادة الحركة النقابية بذكاء وحزم، التي تشكل في هذا البلد رهان المعركة الأساسي. وعلى هذه القيادة إذن يجب أن يركز الشيوعيون انتباههم.
وفي النروج، حيث لدى الحزب أغلبية العمال يجب أن يمسك الحركة النقابية بثقة أكبر بين يديه، ويبعد العناصر القيادية الوسيطة.
وفي السويد، على الحزب أن يحارب ليس فقط الإصلاحية بل كذلك التيار البرجوازي الصغير الموجود في الحركة الاشتراكية، ويجب أن يبذل كل نشاطه في هذا العمل.
وفي ألمانيا يسير الحزب في طريق ممتاز لكسب النقابات تدريجيا. ولا ينبغي القيام بأي تنازل للذين ينادون بالخروج من النقابات. إنهم يقومون بلعبة الاشتراكيين – الوطنيين، وهناك أهمية لمواجهة محاولات إبعاد الشيوعيين بمقاومة شرسة وعنيدة؛ وينبغي بذل أكبر الجهود لكسب أغلبية النقابات.
-5-
تحدد جميع هذه الاعتبارات العلاقات التي ينبغي أن تقوم بين الأممية الشيوعية من جهة والأممية النقابية الحمراء من جهة ثانية.
لا ينبغي أن تقود الأممية الشيوعية فقط النضال السياسي للبروليتاريا بالمعنى الضيق للكلمة، ولكن أيضا كل حملتها التحريرية، مهما كان الشكل الذي تتخذه. فلا يمكن أن تكون الأممية الشيوعية المجموع الحسابي فقط للجان المركزية للأحزاب الشيوعية في مختلف البلدان. يجب أن تدفع الأممية الشيوعية عمل كل المنظمات البروليتارية ومعاركها، سواء كانت مهنية، أو تعاونية، أو سوفياتية، أو تثقيفية، الخ أو سياسية بحتة، وتنسق في ما بينها.
وإذ تختلف الأممية النقابية الحمراء عن أممية أمستردام الصفراء بذلك، لا يمكن بأي حال أن تقبل بوجهة النظر القائلة بالحياد. فالمنظمة التي تريد أن تكون حيادية، إزاء الأمميات الثانية، والـ ½ 2، والثالثة، ستكون حتما لعبة بين يدي البرجوازية. إن برنامج عمل الأممية النقابية الحمراء المعروض أدناه والذي يطرحه المؤتمر العالمي الثالث للأممية الشيوعية على المؤتمر العالمي الأول للنقابات الحمراء سيجري الدفاع عنه في الواقع من قبل الأحزاب الشيوعية فقط، ومن قبل الأممية الشيوعية فقط. ولهذا السبب الوحيد، ولنفخ الروح الثورية في الحركة المهنية في كل بلد، ولكي يتم تنفيذ المهمة الثورية الجديدة، ستكون النقابات الحمراء في كل بلد مجبرة على العمل يدا بيد، باتفاق وثيق مع الحزب الشيوعي في كل بلد، وعلى الأممية النقابية الحمراء في كل بلد أن تنسق عملها مع عمل الأممية الشيوعية.
إن الأفكار المنسقة حول الحياد، والاستقلالية، واللا سياسة وعدم التحيز للأحزاب، التي تشكل خطيئة الكثير من النقابيين الثوريين المخلصين في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبعض البلدان الأخرى، ليست موضوعيا شيئا آخر غير ضريبة مدفوعة للأفكار البرجوازية. ولا يمكن للنقابات الحمراء أن تتغلب على نقابة أمستردام، والتغلب نتيجة لذلك على الرأسمالية، دون القطع نهائيا مع هذه الفكرة البرجوازية حول الاستقلالية والحياد.
من وجهة نظر الاقتصاد في القوى وتركيز الضربات بالشكل الأفضل، فإن الوضع المثالي سيكون بتشكيل أممية بروليتارية واحدة، تجمع في الوقت نفسه الأحزاب السياسية وكل أشكال التنظيم العمالي الأخرى. وليس هناك من شك في أن المستقبل هو لهذا النموذج من التنظيم. ولكن في المرحلة الانتقالية الحالية، مع تنوع النقابات في مختلف البلدان، ينبغي تشكيل اتحاد مستقل للنقابات الحمراء يقبل إجمالا ببرنامج الأممية الشيوعية، ولكن بحرية أكبر من حرية الأحزاب السياسية التي تنتمي إلى هذه الأممية.
وسيكون من حق الأممية النقابية الحمراء، التي ستكون منظمة على هذه الأسس، الحصول على كل دعم من المؤتمر العالمي الثالث للأممية الشيوعية. ويقترح المؤتمر من أجل إقامة ارتباط أكثر وثوقا بين الأممية الشيوعية وأممية النقابات الحمراء تمثيلا متبادلا دائما على أساس ثلاثة أعضاء من الأممية الشيوعية في اللجنة التنفيذية للأممية النقابية الحمراء والعكس بالعكس.
إن برنامج عمل النقابات الحمراء، حسب رأي الأممية الشيوعية، هو التالي على وجه التقريب:
برنامج العمل
1- إن الأزمة الحادة التي تعيث فسادا باقتصاد العالم أجمع، والهبوط الكارثي بأسعار الجملة، وفائض الإنتاج المتلازم ماديا مع فقدان السلع، والسياسة العدائية للبرجوازية إزاء الطبقة العاملة، والميل المستمر لخفض الأجور وإعادة الطبقة العاملة عدة عقود إلى الوراء، وسخط الجماهير الذي يتطور على هذه الأرضية، من جهة، وعجز النقابات العمالية الهرمة وأساليبها، من جهة ثانية، – كل هذه الوقائع تفرض على النقابات الثورية في كل البلدان مهام جديدة. هناك ضرورة لأساليب جديدة للنضال الاقتصادي بالعلاقة مع مرحلة الانحلال الرأسمالي: يجب أن تتبنى النقابات العمالية سياسة اقتصادية عدائية، لرد هجمة الرأسمالية وتعزيز المواقع السابقة والانتقال إلى الهجوم.
2- يشكل النضال المباشر للجماهير الثورية ومنظماتها ضد الرأسمال قاعدة التكتيك النقابي. وكل المكاسب العمالية ترتبط ارتباطا مباشرا بالعمل المباشر للجماهير وضغطها الثوري. وينبغي أن يُفهم بتعبير «العمل المباشر» كل نوع من الضغوطات المباشرة التي يمارسها العمال على أرباب العمل وعلى الدولة؛ وهي: المقاطعة، الإضرابات، التحرك في الشوارع، التظاهرات، احتلال المصانع، المعارضة العنيفة لخروج المنتجات من هذه المنشآت، الانتفاضة المسلحة وأعمال أخرى ثورية خاصة بتوحيد الطبقة العاملة في النضال من أجل الاشتراكية. تقوم مهمة النقابات الثورية إذا على جعل العمل المباشر وسيلة لتثقيف الجماهير العمالية وإعدادها للنضال من أجل الثورة الاجتماعية ودكتاتورية البروليتاريا.
3- لقد أظهرت سنوات النضال الأخيرة هذه بوضوح مميز كل ضعف الاتحادات المهنية حصرا. فالانتساب المتزامن لعمال منشأة معينة إلى نقابات عديدة يضعفهم خلال النضال. وينبغي الانتقال – ويجب أن يكون ذلك النقطة الأساسية في نضال غير منقطع – من التنظيم المهني المحض إلى التنظيم تبعا للصناعات: «منشأة – نقابة»؛ هذا هو الشعار في حقل البنية النقابية. ويجب الاتجاه نحو دمج النقابات المتشابهة عبر الطريق الثوري بطرح المسألة مباشرة أمام نقابيي المشاغل والمنشآت، برفع النقاش فيما بعد وصولا إلى الكونفرنسات المحلية والمنطقية وإلى المؤتمر الوطني.
4- يجب أن يصبح كل مشغل وكل مصنع حصنا ومعقلا للثورة. وينبغي استبدال الشكل القديم للارتباط بين النقابيين ونقاباتهم (مندوبو مشاغل يتلقون الاشتراكات. ممثلون، أشخاص موثوقون، إلخ…) بخلق لجان مشاغل ومصانع، ويجب انتخاب هذه الأخيرة من قبل جميع عمال المنشأة، مهما كانت النقابة التي ينتمون إليها ومهما كانت القناعات السياسية التي ينادون بها. ومهمة مناصري الأممية النقابية الحمراء هي تدريب كل عمال المنشأة على المشاركة في انتخاب أجهزتهم التمثيلية. إن محاولات حصر انتخاب لجان المشاغل والمصانع بالشيوعيين فقط ستكون نتيجتها إبعاد الجماهير (غير الحزبيين)؛ لذلك يجب إدانة هذه المحاولات قطعا، إذ سنكون عندئذ إزاء نواة وليس لجنة مشغل. يجب أن يتحرك الحزب الثوري ويؤثر، عن طريق الأنوية، ولجان العمل، وأعضائه العاديين، على الجمعية العامة ولجنة المشغل المنتخبة.
5- إن المهمة الأولى التي ينبغي طرحها على العمال ولجان الفبارك والمصانع، هي فرض إعالة العمال المسرّحين بسبب نقص مجالات العمل على نفقة المنشأة. ولا ينبغي التساهل بأي حال من الأحوال برمي العمال في الشارع دون أن تهتم بهم المنشأة. يجب أن يدفع رب العمل للعاطلين عن العمل لديه أجرهم كاملا: هذه هي الحاجة التي ينبغي أن ينظم حولها ليس فقط العاطلون عن العمل ولكن بشكل خاص العمال الذين يشتغلون بالمنشأة، عبر إفهامهم بالوقت نفسه أن قضية البطالة لا يمكن أن تحل في إطار الرأسمالية وأن الدواء الأفضل للبطالة هو الثورة الاجتماعية ودكتاتورية البروليتاريا.
6- إن إغلاق المنشآت هو حاليا، في أغلب الحالات، وسيلة لتطهير العناصر المشكوك بها، لهذا ينبغي أن يتم النضال ضد إغلاق المنشآت، ويجب أن ينكب العمال على إجراء تحقيق حول أسباب هذا الإغلاق. ولهذه الغاية يجب خلق لجان رقابة خاصة على المواد الأولية، والمحروقات، والطلبيات والحصول على إثبات فعلي للكمية المتوفرة من المواد الأولية، والمواد الضرورية للإنتاج والموارد المالية الموضوعة في البنوك. وينبغي أن تدرس لجان المراقبة المنتخبة الخاصة بأكبر اهتمام ممكن التقارير المالية بين المنشأة المعنية والمنشآت الأخرى، وينبغي طرح إلغاء السر التجاري على العمال كمهمة عملية.
7- إن إحدى وسائل منع إغلاق المنشآت بالجملة بهدف خفض الأجور ومفاقمة شروط العمل يمكن أن تكون احتلال المشغل أو المصنع ومواصلة الإنتاج على الرغم من إرادة رب العمل.
وبوجود النقص الحالي بالسلع، هناك أهمية بشكل خاص لكل توقف للإنتاج، وهكذا فإنه لا ينبغي أن يتساهل العمال مع أي إغلاق متعمد للمشاغل والمصانع. ويمكن أن ترفق مصادرة المنشآت أيضا، تبعا للشروط المحلية، وشروط الإنتاج، والوضع السياسي، وحدة الصراع الاجتماعي، بأساليب عمل أخرى تتناول رأس المال. إن إدارة المنشأة التي تمت السيطرة عليها، ينبغي أن توضع بين يدي لجنة المشغل أو المصنع والممثل المعين بشكل خاص من قبل النقابة.
8- ينبغي أن يُشن النضال الاقتصادي تحت شعار زيادة الأجور وتحسين شروط العمل التي ينبغي أن تصل إلى مستوى أعلى بشكل محسوس من المستوى الذي كانت عليه قبل الحرب. إن محاولات إعادة العمال إلى شروط العمل لما قبل الحرب ينبغي أن تُرفض بالشكل الأكثر حزما والأكثر ثورية. لقد كانت نتيجة الحرب إنهاك الطبقة العاملة: من هنا فإن تحسين شروط العمل هو شرط ضروري للتعويض من فقدان القوى هذا. إن مزاعم الرأسماليين التي تدين المنافسة الخارجية لا ينبغي أن تؤخذ بالاعتبار بأي شكل من الأشكال: لا يجب أن تتناول النقابات الثورية مسائل الأجور وشروط العمل من وجهة نظر المنافسة بين المستفيدين من مختلف الأمم. وينبغي أن تقف بجانب وجهة النظر القائمة على الحفاظ على قوة العمل وحمايتها.
9- وإذا كان تكتيك الرأسماليين التخفيضي يتزامن مع أزمة اقتصادية في البلد، فإن واجب النقابات الثورية ألاّ تسمح بتلقي الضربات وهي مشتتة إلى مفارز معزولة. بل يجب أن تجذب إلى نضال العمال منشآت ذات منفعة عامة (عمال مناجم، عمال سكك حديدية، عمال كهرباء، وعمال غاز، إلخ.) كي يطول النضال ضد هجمة الرأسمال، منذ البداية، المفصل العصبي للجسم الاقتصادي. وهنا تكون كل أشكال المقاومة ضرورية ومتناسبة مع الهدف، بدءا بالإضراب الجزئي والمتقطع، وصولا إلى الإضراب العام الممتد إلى إحدى الصناعات الكبرى على صعيد وطني.
10- ينبغي أن تطرح النقابات على نفسها مهمة إعداد الأعمال الأممية وتنظيمها على أساس الصناعات، كمهمة راهنة. فتوقيف النقل أو استخراج الزيت المحقق على صعيد عالمي هو وسيلة قوية للنضال ضد المحاولات الرجعية للبرجوازية في كل البلدان.
وينبغي أن تتتبَّع النقابات بانتباه الظروف العالمية من أجل اختيار اللحظة الأكثر تلاؤما مع هجمتها الاقتصادية؛ لا ينبغي أن تنسى للحظة واحدة واقع استحالة أي عمل أممي إلاّ إذا تم إنشاء نقابات ثورية، نقابات لا ينبغي أن يجمعها شيء مع أممية أمستردام الصفراء.
11- ينبغي أن يواجه الإيمان بالقيمة المطلقة للعقود الجماعية الذي يبثه الانتهازيون في جميع البلدان، بمقاومة شرسة ومصمِّمة للحركة النقابية الثورية. فالعقد الجماعي ليس إلاّ هدنة. وأرباب العمل يلغون هذه العقود في كل مرة يفسح فيها أدنى مجال لذلك. ويشهد الاحترام الديني للعقود الجماعية على التغلغل العميق للأيديولوجية البرجوازية في رؤوس زعماء الطبقة العاملة. ولا ينبغي أن ترفض النقابات الثورية العقود الجماعية، بل يجب أن تعي قيمتها النسبية، ويجب أن ترى دائما بوضوح الأسلوب الذي يجب اتباعه لإلغاء هذه العقود في كل مرة يكون فيها ذلك مفيدا للطبقة العاملة.
12- ينبغي أن تتم ملاءمة نضال المنظمات العمالية ضد رب العمل الفردي أو الجماعي مع الظروف الوطنية والمحلية، وأن تستخدم كل تجربة النضال التحرري للطبقة العاملة. وهكذا فإن كل إضراب هام لا ينبغي أن يكون منظما فحسب، بل يجب أن ينشئ العمال منذ البداية أطرا خاصة لمحاربة كاسري الإضراب ومواجهة الهجمة الاستفزازية للمنظمات البيضاء بكل تلاوينها التي تدعمها الدول البرجوازية. فالفاشيون في إيطاليا، والدعم التقني في ألمانيا، والحرس المدني المشكّل من قدامى الضباط والرتباء في فرنسا وإنجلترا – كل هذه المنظمات هدفها إحباط كل تحرك عمالي وهزمه، هزيمة لا تنحصر بمجرد إبدال المضربين بل بدحر منظمتهم ماديا وقتل قادة الحركة. وفي هذه الشروط يصبح تنظيم فرق الإضراب الخاصة ومفارز الدفاع العمالي الخاصة، مسألة حياة أو موت بالنسبة للطبقة العاملة.
13- لا ينبغي أن تكتفي المنظمات القتالية التي أنشئت هكذا بمحاربة منظمات أرباب العمل وكاسري الإضراب، بل يجب أن تتكفل بوقف كل الطرود والسلع المرسلة إلى المصنع المضرب من منشآت أخرى، واعتراض نقل الطلبيات إلى مصانع أخرى ومنشآت أخرى. وفي هذا المجال، فإن نقابات عمل النقل مدعوّة للعب دور هام بشكل خاص: فعليها تقع مهمة إعاقة نقل السلع، التي لا يمكن أن تتحقق دون المساعدة المجمع عليها من جميع عمال المنطقة.
14- يجب أن يتركز كل النضال الاقتصادي للطبقة العاملة خلال المرحلة القادمة حول شعار الرقابة العمالية على الإنتاج، ويجب أن تتحقق هذه الرقابة دون انتظار أن تخترع الحكومة والطبقات المسيطرة بديلا ما من الرقابة. يجب محاربة كل محاولات الطبقات المسيطرة ومحاولات الإصلاحيين لخلق جمعيات متعادلة التمثيل، ولجان متعادلة التمثيل، دون هوادة، وتطبيق رقابة صارمة على الإنتاج، عندها فقط تعطي الرقابة نتائج محددة. ويجب أن تحارب النقابات الثورية بحزم الابتزاز والغش اللذين يمارسهما قادة النقابات القديمة، بمساندة من الطبقات المسيطرة، باسم التشريك. إن كل حذر هؤلاء السادة بصدد التشريك السلمي يتبع هدفا واحدا وهو حرف العمال عن الأعمال الثورية والثورة الاجتماعية.
15- ومن أجل تحويل انتباه العمال عن مهامهم المباشرة وإيقاظ التذبذب البرجوازي الصغير لديهم، يجري وضع فكرة مشاركة العمال في الأرباح في الصدارة، أي استرداد العمال لجزء بسيط من فائض القيمة الذي يخلقونه، إن هذا الشعار التضليلي للعمال يجب أن يلقى نقدا صارما وعنيدا («لا مشاركة في الأرباح بل تدمير الأرباح الرأسمالية»، هذا هو شعار النقابات الثورية.).
16- من أجل إعاقة القوة القتالية للطبقة العاملة أو تحطيمها، استفادت الدول البرجوازية من إمكانية العسكرة المؤقتة لبعض المصانع أو فروع صناعية كاملة، بحجة حماية الصناعات ذات الأهمية الحيوية. وبالإدعاء بضرورة اتقاء الاضطرابات الاقتصادية قدر الإمكان، تُدخل الدول البرجوازية من أجل حماية الرأسمال أسعارا تحكيمية ولجان مصالحة إلزامية، وتُدخل في مصلحة الرأسمال أيضا، ولتحميل العمال أعباء الحرب، نظاما جديدا لتحصيل الضرائب، فيتم اقتطاعها من أجر العامل من قبل رب العمل، الذي يلعب بذلك دور الجابي. يجب أن تخوض النقابات النضال الأكثر عنادا ضد هذه الإجراءات الحكومية التي لا تخدم إلاّ مصالح الطبقة الرأسمالية.
17- إن النقابات الثورية التي تناضل من أجل تحسين شروط العمل، ورفع مستوى معيشة الجماهير، وإقامة الرقابة العمالية ينبغي أن تأخذ بالاعتبار بشكل دائم أنه لا يمكن أن تحل جميع هذه المسائل في إطار الرأسمالية؛ ولهذا يجب أن توضع الجماهير العمالية بوضوح أمام واقع أن إطاحة الرأسمالية وتوطيد دكتاتورية البروليتاريا هما وحدهما قادران على حل المسألة الاجتماعية، في الوقت نفسه الذي تنتزع به تنازلات من الطبقات المسيطرة خطوة خطوة، وتجبرها على تطبيق تشريع اجتماعي. لذلك لا يجب أن يمر أي تحرك جزئي، وأي إضراب جزئي، أو أدنى نزاع دون أن يترك آثارا بهذا الاتجاه. ويجب أن تعمم النقابات الثورية هذه النزاعات برفع معنويات الجماهير العمالية بشكل دائم وصولا إلى ضرورة الثورة الاجتماعية ودكتاتورية البروليتاريا وحتميتهما.
18- كل نضال اقتصادي هو نضال سياسي، أي نضال تخوضه طبقة بأكملها. ضمن هذه الشروط، فإن كل نضال، مهما كانت كبيرة الشرائح العمالية التي يطولها، لا يمكن أن يكون ثوريا فعلا، ولا يمكن أن يتحقق بأقصى إفادة بالنسبة للطبقة العاملة بمجملها إلا إذا سارت النقابات الثورية يدا بيد، في اتحاد وتعاون وثيقين مع الحزب الشيوعي في البلد. إن نظرية تقسيم الطبقة العاملة إلى نصفين مستقلين وممارسة هذه النظرية هما مضران خاصة في اللحظة الثورية الراهنة. فكل تحرك يتطلب أقصى تركيز للقوى، ولن يكون ذلك ممكنا إلاّ شرط التوتر الأقصى لكل الطاقة الثورية للطبقة العاملة، أي لكل عناصرها الشيوعية والثورية. إن أعمالا معزولة للحزب الشيوعي وللنقابات الثورية الطبقية محكوم عليها مسبقا بالإخفاق والهزيمة. لهذا فإن وحدة العمل، والارتباط العضوي بين الأحزاب الشيوعية والنقابات العمالية، يشكلان الشرط المسبق للفوز في النضال ضد الرأسمالية.
موضوعات حول عمل الشيوعيين في التعاونيات
1) ينبغي أن تحدد التعاونيات الثورية لنفسها في عصر الثورة البروليتارية هدفين اثنين:
أ- دعم الشغيلة في نضالهم من أجل الاستيلاء على السلطة السياسية؛
ب- وحيث تم الاستيلاء على هذه السلطة، دعم الشغيلة في تنظيم المجتمع الاشتراكي.
2) لقد سارت التعاونيات القديمة في طريق الإصلاحية وتفادت بشتى الأشكال النضال الثوري بمختلف أشكاله. كانت تبشر بفكرة دخول تدريجي في «الاشتراكية» دون المرور بدكتاتورية البروليتاريا.
وتبشر التعاونيات القديمة بالحياد السياسي، فيما تخفي في الواقع وراء هذا الشعار خضوعها لسياسة البرجوازية الإمبريالية.
لا وجود لأمميتها إلاّ بالكلام، فيما تستبدل في الواقع التضامن الأممي للشغيلة بتعاون الطبقة العاملة مع البرجوازية في كل بلد.
وفي مجمل هذه السياسة، بدل أن تسهم التعاونيات القديمة في تطور الثورة فهي تعيقها، وبدل أن تدعم البروليتاريا في نضالها فهي تضايقها.
3) إن مختلف أشكال التعاونيات لا يمكن بأي درجة أن تخدم الأهداف الثورية للبروليتاريا. والأشكال الأكثر تلاؤما مع ذلك هي تعاونيات الإستهلاك، ولكن العديد من هذه الأخيرة تضم عناصر بورجوازية. ولن تصبح أبدا إلى جانب البروليتاريا في نضالها الثوري. وحدها التعاونية العمالية في المدن والأرياف يمكن أن تملك هذا الطابع.
4) إن مهمة الشيوعيين في الحركة التعاونية تقوم على التالي:
1-نشر الأفكار الشيوعية.
2-جعل التعاونية أداة للصراع الطبقي من أجل الثورة، دون أن تفصل مختلف التعاونيات عن تجمعها المركزي.
ينبغي أن يتنظم الشيوعيون في جميع التعاونيات بتكتلات رسمية، تطرح على نفسها تشكيل مركز للتعاونية الشيوعية في كل بلد.
ينبغي أن يكون هناك ارتباط وثيق بين هذه التجمعات ومركزها وبين الحزب الشيوعي وممثليه في التعاونية. ويجب أن يصوغ المركز كذلك مبادئ التكتيك الشيوعي في الحركة التعاونية الوطنية ويقود هذه الحركة وينظمها.
5) إن الأهداف العملية التي ينبغي أن تحددها التعاونية الثورية في الغرب لنفسها حاليا ستظهر كليا خلال العمل. ولكن يمكننا من الآن أن نشير إلى بعضها:
أ- نشر الأفكار الشيوعية، بالكتابة والقول، وخوض حملة من أجل تحرير التعاونيات من قيادة البرجوازية والانتهازيين وتأثيرهم.
ب- تقريب التعاونيات من الأحزاب الشيوعية والنقابات الثورية. وإشراك التعاونيات، بشكل مباشر أو غير مباشر، في النضال السياسي وإشراكها في التظاهرات والحملات السياسية للبروليتاريا. أن تدعم الأحزاب الشيوعية وصحافتها ماديا. وتدعم ماديا العمال المضربين وضحايا إغلاق المصانع.
ج- محاربة سياسة البرجوازية الإمبريالية، وبشكل خاص محاربة التدخل في شؤون روسيا السوفياتية والبلدان الأخرى.
د- خلق علاقات بين التعاونيات العمالية في مختلف البلدان وليس فقط علاقات فكرية، بل أيضا علاقات عمل.
هـ- المطالبة بإبرام المعاهدات التجارية والتزام العلاقات التجارية مع روسيا وسائر الجمهوريات السوفياتية مباشرة.
و- المشاركة بأوسع ما يمكن من المبادلات التجارية مع هذه الجمهوريات.
ز- المشاركة في استثمار الثروات الطبيعية للجمهوريات السوفياتية بالتكفل بامتيازات على أراضيها.
6- بعد انتصار الثورة البروليتارية ينبغي أن تبلغ التعاونيات أقصى تطورها.
وقد سمح مثال روسيا أصلا بإبراز بعض السمات المميزة:
أ- ينبغي أن تتعهد التعاونيات الاستهلاكية بتوزيع المنتجات تبعا لخطط الحكومة البروليتارية. وهذه الوظيفة ستمنح التعاونيات اندفاعة مذهلة حتى هذا اليوم.
ب- ينبغي أن تؤدي التعاونيات دور الرابط العضوي بين الاستثمارات المعزولة لصغار المنتجين (فلاحين وحرفيين) والخدمات الاقتصادية للدولة البروليتارية. وهذه الخدمات ستوجه عمل صغار المستثمرين، عن طريق التعاونيات، طبقا لخطة شمولية. وتتلقى التعاونيات الاستهلاكية بشكل خاص السلع الغذائية والمواد الأولية من صغار المنتجين لتسلمها إلى المستهلكين وإلى الدولة.
ج- يمكن أن تضم التعاونيات الإنتاجية صغار المنتجين في مشاغل أو استثمارات مشتركة تسمح باستخدام الآلات والأساليب التقنية المتقنة. وستمنح بذلك الإنتاج الصغير قاعدة تقنية ستسمح ببناء الإنتاج الاشتراكي على هذا الأساس، وتسمح لصغار المنتجين بأن يتخلصوا من ذهنيتهم الفردية من أجل تطوير الروح الجماعية لديهم.
7) آخذا بالاعتبار الدور الكبير الذي ينبغي أن تلعبه التعاونيات الثورية خلال الثورة البروليتارية، يُذكر المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية الأحزاب، والتجمعات والمنظمات الشيوعية بأنه ينبغي أن تستمر بالعمل النشط من أجل نشر الفكرة التعاونية وفكرة التجمعات التعاونية كأداة للصراع الطبقي، وأن تشكل جبهة متحدة للتعاونيات مع النقابات الثورية.
ويكلف المؤتمر اللجنة التنفيذية للأممية بتشكيل فرع تعاوني يتولى وضع البرنامج المشار إليه أعلاه موضوع التنفيذ. وينبغي بالإضافة إلى ذلك أن يدعو هذا الفرع لكونفرنسات ومؤتمرات تبعا للحاجات من أجل تحقيق المهمة الثورية للتعاونيات داخل الأممية.
قرار المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية حول العمل في التعاونيات
يكلف المؤتمر الثالث للأممية اللجنة التنفيذية بإنشاء فرع تعاوني، يكون عليه أن يحضِّر تبعا للحاجات للدعوة لمداولات وكونفرنسات ومؤتمرات أممية خاصة بالتعاونيات، من أجل أن يحقق داخل الأممية الأهداف المحددة في الموضوعات.
وينبغي بالإضافة إلى ذلك أن يضع الفرع نصب عينيه الأهداف العملية التالية:
أ- تعزيز النشاط التعاوني لشغيلة الأرياف والصناعة عبر تشكيل تعاونيات حرفية نصف بروليتارية، ودفع الشغيلة إلى السعي نحو إدارة استثمارهم وتحسينه بشكل مشترك.
ب- القيام بدعاوة حول مبادئ التعاونية الثورية وأساليبها، وتوجيه نشاط التعاونية البروليتارية نحو الدعم المادي للطبقة العاملة المناضلة.
ج- تعزيز إقامة علاقات تجارية ومالية أممية بين التعاونيات العمالية وتنظيم إنتاجها المشترك.
قرار حول الأممية الشيوعية وحركة الشبيبة الشيوعية
1- لقد ولدت حركة الشبيبة الاشتراكية تحت ضغط الاستغلال الرأسمالي للشبيبة الكادحة ونظام العسكرة البرجوازي غير المحدود. ولدت كردة فعل ضد محاولات تسميم الشبيبة الكادحة بالأفكار البرجوازية القومية، وضد الإهمال والنسيان اللذين يتحمل مسؤوليتهما الحزب الاشتراكي – الديمقراطي والنقابات في معظم البلدان إزاء المتطلبات الاقتصادية والسياسية والمعنوية للشبيبة.
وقد تم إنشاء منظمات الشبيبة الاشتراكية في معظم البلدان دون مؤازرة الأحزاب الاشتراكية – الديمقراطية والنقابات، التي كانت تصبح باستمرار أكثر فأكثر انتهازية وإصلاحية، وقد تشكلت هذه المنظمات في بعض البلدان حتى ضد إرادة هذه الأحزاب والنقابات. لقد رأت هذه الأخيرة خطرا كبيرا في ظهور الشبيبة الاشتراكية الثورية المستقلة وحاولت قمع هذه الحركة، وتغيير طابعها وفرض سياستها عليها، بممارسة وصاية بيروقراطية عليها، وبمحاولة حرمانها من كل استقلالية.
2- بالإضافة إلى ذلك، كان لا بد أن تؤدي الحرب الإمبريالية والموقف المتخذ في معظم البلدان من قبل الأحزاب الاشتراكية – الديمقراطية إلى تعميق الهوة العميقة بين الأحزاب الاشتراكية – الديمقراطية والشبيبة الأممية والثورية، وتسريع الصراع بينهما. لقد تفاقم وضع الشبيبة الكادحة خلال الحرب بسبب التعبئة والاستثمار المكثف في الصناعات العسكرية والعسكرة خلف الجبهة. واتخذ الجزء الأفضل من الشبيبة الاشتراكية موقعا حاسما ضد الحرب والوطنية، وانفصل عن الأحزاب الاشتراكية – الديمقراطية وبدأ عملا سياسيا خاصا (المؤتمرات الأممية للشبيبة في برن 1915، وفي يينا 1916).
في المعركة ضد الحرب، دعمت أفضل المجموعات الثورية من العمال الناضجين الشبيبة الاشتراكية، التي أصبحت بذلك نقطة تجمع للقوى الثورية. وأخذت بذلك على عاتقها مهام الأحزاب الثورية التي لم تكن موجودة، وأصبحت الطليعة في المعركة الثورية واتخذت شكل التنظيم السياسي المستقل.
3- مع ظهور الأممية الشيوعية والأحزاب الشيوعية في بلدان مختلفة، تغير دور الشبيبة الثورية في مجمل الحركة البروليتارية. وانطلاقا من وضعها الاقتصادي وبفعل سمات نفسية خاصة، تتقبل الشبيبة العمالية الأفكار الشيوعية بسهولة أكبر، وقد أثبتت ذلك خلال المعارك الثورية، بحماس أكبر من حماس العمال الذين يكبرونها سنا. ومع ذلك فالأحزاب الشيوعية هي التي أخذت على عاتقها دور الطليعة الذي لعبه الشباب في ما يتعلق بالعمل السياسي المستقل والقيادة السياسية. وإذا استمرت منظمات الشبيبة الشيوعية بالوجود بصفة منظمات مستقلة من وجهة نظر سياسية، تلعب دورا قياديا، فسنشهد وجود حزبين شيوعيين متلاقيين، لا يتمايزان فيما بينهما إلاّ بعمر أعضائهما.
4- يقوم الدور الحالي للشبيبة على ضرورة أن تَجمع العمال الشباب، وتثقفهم بذهنية شيوعية في طليعة المعركة الشيوعية. لقد مر الوقت الذي كان يمكن أن تكتفي به الشبيبة بعمل جيد لمجموعات صغيرة للدعاوة، مشكَّلة من قلة من الأعضاء. وهناك أيضا اليوم إلى جانب التحريض والدعاوة اللذين يتم القيام بهما بمثابرة وبأساليب جديدة، وسيلة لكسب أوسع جماهير الشباب العمال وهي الحث على معارك اقتصادية وقيادتها.
ينبغي أن توسّع منظمات الشبيبة عملها التثقيفي وتعززه، بالانسجام مع مهمتها الجديدة. إن المبدأ الأساسي للتربية الشيوعية في حركة الشبيبة الشيوعية هو المشاركة النشطة في كل المعارك الثورية، مشاركة ينبغي أن تكون مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمدرسة الماركسية.
وهناك واجب آخر مهم للشبيبة في المرحلة الحالية وهو تحطيم الأيديولوجية الوسطية والاشتراكية – الوطنية بين الشبيبة العمالية وتخليص هذه الأخيرة من الأوصياء والقادة الاشتراكيين – الديمقراطيين. ويجب أن تبذل جهدها في الوقت نفسه من أجل تنشيط سيرورة التجديد الناجمة عن الحركة الجماهيرية، بانتداب أعضائها الأكبر سنا إلى الأحزاب الشيوعية بسرعة.
إن الفرق الكبير الأساسي القائم بين الشبيبة الشيوعية والشبيبة الوسطية والاشتراكية – الوطنية يصبح بيّنا بشكل خاص عبر المشاركة النشطة في كل مشاكل الحياة السياسية والمعارك والتحركات الثورية، كما عبر تعاونها على بناء الأحزاب الشيوعية.
5- تختلف الروابط بين الشبيبة والأحزاب الشيوعية بشكل جذري عن تلك القائمة بين منظمات الشبيبة الثورية والأحزاب الاشتراكية – الديمقراطية. إن التماثل الأكبر والمركزية الأشد صرامة هما ضروريان في المعركة المشتركة من أجل التحقيق السريع للثورة البروليتارية. ولا يمكن أن تنتمي القيادة السياسية من وجهة نظر أممية إلاّ إلى الأممية. ومن واجب منظمات الشبيبة الشيوعية أن تخضع لهذه القيادة السياسية، برنامجا وتكتيكا وتوجهات سياسية، وأن تندمج في جبهة ثورية مشتركة. ونظرا لاختلاف درجات تطور الأحزاب الشيوعية من الضروري أن يخضع تنفيذ هذا المبدأ في حالات استثنائية لقرار خاص من اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية وأممية الشبيبة يأخذ بالاعتبار الشروط الخاصة القائمة. وينبغي أن تخضع الشبيبة الشيوعية التي بدأت بتنظيم صفوفها تبعا لقواعد المركزية الأكثر صرامة للانضباط الفولاذي للأممية الشيوعية. وينبغي أن تهتم الشبيبة داخل منظماتها بجميع المسائل السياسية والتكتيكية التي ينبغي أن تتخذ دائما موقفا منها. وداخل الأحزاب الشيوعية في بلدانها يجب أن تتحرك دائما لا ضد هذه الأحزاب، بل باتجاه القرارات التي تتخذها، وفي حال وقوع اختلافات خطيرة بين الأحزاب الشيوعية ومنظمات الشبيبة ينبغي أن تستخدم هذه الأخيرة حقها بالاستئناف لدى اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية. إن التنازل عن استقلالها السياسي لا يعني أبدا التضحية باستقلالها العضوي الذي ينبغي الحفاظ عليه لأسباب تربوية.
كما أنه من أجل القيادة الجيدة للنضال الثوري ثمة حاجة لأقصى مركزية ووحدة، ففي البلدان حيث أخضع التطور التاريخي الشبيبة للحزب، ينبغي الحفاظ على هذه العلاقات كقاعدة، والخلافات بين الجهازين تحلها اللجنة التنفيذية لأممية الشبيبة الشيوعية.
6- إن إحدى المهام الأكثر إلحاحا وأهمية للشبيبة هي في أن تتخلص من كل بقايا الفكرة القائلة بدورها السياسي القيادي الموروثة من مرحلة استقلالها المطلق. وينبغي استخدام صحافة الشبيبة وكل جهازها من أجل إفعام الشبيبة الشيوعية بالشعور والوعي بأنهم جنود وأعضاء مسؤولون في حزب شيوعي واحد.
ينبغي لمنظمات الشبيبة الشيوعية أن تولي اهتماما أكبر بهذا العمل وتعطيه مزيدا من الوقت، لاسيما أنها بدأت تتحول إلى حركة جماهيرية بفضل كسب مجموعات متزايدة باستمرار من العمال الشباب.
7- إن التعاون السياسي الوثيق بين الشبيبة والأحزاب الشيوعية يجب أن يجد تعبيره في ارتباط عضوي صلب بين التنظيمين. وما هو ضروري على الإطلاق هو التبادل الدائم والمشترك للممثلين بين الأجهزة القيادية للشبيبة وللأحزاب على جميع المستويات: إقليم، قضاء كانتون، وصولا إلى آخر نواة، في مجموعات المصانع وفي النقابات، كما المشاركة المتبادلة في جميع الكونفرنسات والمؤتمرات. ويمكن للحزب الشيوعي على هذا الشكل أن يمارس تأثيرا متواصلا على نشاط الشبيبة وأن يدعمه، في حين تتمكن هذه الأخيرة أيضا من امتلاك تأثير فعلي على نشاط الحزب.
8- إن العلاقات بين الأممية الشيوعية وأممية الشبيبة هي أكثر وثوقا مما بين الأممية والأحزاب الشيوعية. فدور أممية الشبيبة الشيوعية يقوم على مركزة حركة الشبيبة الشيوعية وقيادتها، وعلى دعم مختلف الاتحادات وتشجيعها معنويا وماديا، وخلق منظمات جديدة للشبيبة الشيوعية حيث لا توجد والقيام بالدعاوة الأممية لحركة الشبيبة الشيوعية ولبرنامجها. إن الأممية الشيوعية للشبيبة تشكل جزءا من الأممية الشيوعية. وبهذه الصفة هي خاضعة لقرارات المؤتمر واللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية، وضمن هذه الحدود تنفذ عملها وتتحرك بصفة وسيط ومترجم للإرادة السياسية للأممية الشيوعية في جميع فروع هذه الأخيرة. ويمكن ضمان الإشراف المستمر من جانب الأممية الشيوعية والعمل الأكثر خصبا من جانب أممية الشباب الشيوعية في جميع مجالات نشاطها (قيادة الحركة، والتحريض والتنظيم، وتعزيز منظمات الشبيبة الشيوعية ودعمها) وذلك عبر التبادل المستمر والمشترك والتعاون الوثيق المتواصل.
رسالة حول ماكس هولز إلى البروليتاريا الألمانية
إن البرجوازية الألمانية تضيف إلى ألفي سنة من السجن وعقوبات الجنح التي كبدتها لمقاتلي آذار / مارس، السجن المؤبد لـ:
ماكس هولز
إن الأممية الشيوعية عدوة الإرهاب وأعمال التخريب الفردية التي لا تخدم أهداف معركة الحرب الأهلية المباشرة، تدين حرب القناصين التي تخاض من خارج القيادة السياسية للبروليتاريا الثورية. ولكن الأممية الشيوعية ترى في ماكس هولز أحد أشجع المتمردين ضد المجتمع الرأسمالي الذي تعبر عن سُعاره أحكامٌ بالسجن، ويتجلى نظامه ordre بتجاوزات الرعاع الذي يخدم كقاعدة لحكمه. إن أفعال ماكس هولز لم تكن تتناسب مع الهدف المقصود؛ فلا يمكن تحطيم الإرهاب الأبيض إلاّ كنتيجة لصعود الجماهير العمالية، وبغير هذا الشكل لا تستطيع البروليتاريا الاستيلاء على السلطة. ولكن حبه البروليتاريا وكرهه للبرجوازية أمليا عليه هذه الأفعال. إن المؤتمر يوجه إذا تحياته الأخوية لماكس هولز. ويعهد به لحماية البروليتاريا الألمانية، ويعبر عن أمله في أن يراه يناضل في صفوف الحزب الشيوعي من أجل قضية انعتاق العمال، في اليوم الذي يحطم فيه البروليتاريين الألمان أبواب سجنهم.
بيان اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية
نحو عمل جديد
نحو نضالات جديدة
إلى بروليتاريي العالم أجمع، نساء ورجالاً!
لقد اختُتم المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية، لقد أختُِتم الاستعراض الكبير للبروليتاريا الشيوعية في العالم أجمع. وأظهر أن الشيوعية قد أصبحت خلال السنة المنصرمة، في سلسلة من البلدان التي لم تكن فيها إلاّ في بداياتها، حركة كبيرة تحفز الجماهير وتهدد رأس المال. إن الأممية الشيوعية التي لم تكن تمثل خارج روسيا في مؤتمرها التأسيسي إلاّ مجموعات صغيرة من الرفاق، هذه الأممية التي كانت تبحث بعد عن طريقها في المؤتمر الثاني، العام الماضي، تملك الآن في روسيا ولكن أيضا في ألمانيا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا وإيطاليا وفرنسا والنروج ويوغسلافيا وبلغاريا، أحزابا تحتشد حول راياتها، دون توقف، جماهير تتزايد اتساعا. إن المؤتمر الثالث يتوجه إلى الشيوعيين في جميع البلدان بالدعوة لاتباع الطريق التي التزموا بها والقيام بكل ما بوسعهم لجمع ملايين العمال والعاملات الجدد في صفوف الأممية الشيوعية، لأنه لا يمكن تحطيم سلطة رأس المال إلاّ إذا أصبحت فكرة الشيوعية قوة تحفِّز الأغلبية الكبرى من البروليتاريا التي تقودها الأحزاب الشيوعية الجماهيرية التي ينبغي أن تشكل الطبقة البروليتارية المقاتلة كحلقة حديدية. «إلى الجماهير»، هذه هي الصرخة الأولى التي يوجهها المؤتمر الثالث إلى الشيوعيين في العالم أجمع.
نحو نضالات كبرى جديدة
إن الجماهير تأتي إلينا وتتدفق نحونا، لأن الرأسمالية العالمية تُظهر لها ببداهة أكثر فأكثر جلاء أنها لا تستطيع أن تطيل وجودها إلاّ بتحطيم النظام الاجتماعي بأكمله بشكل متزايد، وبزيادة الفوضى والبؤس وعبودية الجماهير. وإزاء الأزمة الاقتصادية العالمية، التي ترمي ملايين العمال في الشارع، تسقط تشكّيات خدم رأس المال الاشتراكيين – الديمقراطيين، والدعوة التي كانت توجهها الطبقة البرجوازية منذ سنوات إلى العمال «واعملوا دون توقف»، هذه الصرخة توقفت، لأن صرخة «العمل» أصبحت صرخة المعركة للطبقة العاملة، ولن يجري إرضاؤها إلاّ على أنقاض الرأسمالية، وإلاّ إذا استولت البروليتاريا على وسائل الإنتاج التي خلقتها بنفسها. إن العالم الرأسمالي يجد نفسه أمام هوة مخاطر حرب جديدة. وتدفع التضادات الأميركية – اليابانية والإنكليزية – الأميركية والإنكليزية – الفرنسية، والفرنسية – الألمانية والبولندية – الألمانية، والتضادات في الشرقين الأدنى والأقصى، تدفع الرأسمالية إلى التسلح الدائم. وتطرح عليها السؤال المقلق التالي: «هل استأنفت أوروبا السير في طريق الحرب العالمية؟» لا يخاف الرأسماليون المجزرة بحق ملايين البشر. فقد تركوا بعد الحرب ملايين البشر يموتون جوعا بفعل سياستهم وحصار روسيا. إن ما يخافونه، هو أن تدفع أي حرب جديدة الجماهير نهائيا إلى صفوف الثورة العالمية. إنهم يسعون إذا، كما فعلوا قبل الحرب، للوصول إلى وفاق عن طريق المكائد والترتيبات الدبلوماسية. ولكن الوفاق على نقطة، هو التوتر على نقاط أخرى. فالمفاوضات بين إنجلترا وأميركا حول موضوع الحد من التسلح البحري للدولتين تخلق بالضرورة جبهة ضد اليابان. فيما يسلم التقارب الفرنسي – الإنجليزي ألمانيا لفرنسا وتركيا لإنجلترا. إن نتاج جهود رأس المال العالمي الساعي لوضع قليل من النظام في الفوضى العالمية، ليس هو السلم، بل إنه الاضطراب المتنامي والعبودية الأشد فأشد صرامة على صعيد الشعوب المهزومة بواسطة رأسمال المنتصرين. وتتحدث صحافة رأس المال الآن عن التهدئة والوفاق في السياسة العالمية لأن البرجوازية الألمانية تخضع للشروط التي فرضها الحلفاء، ولأنها سلمت الشعب الألماني لثعالب في بورصة باريس ولندن من أجل إنقاذ سلطتها. ولكن صحافة البورصة مليئة في الوقت نفسه بأخبار حول تفاقم الانهيار الاقتصادي لألمانيا، حول الضرائب الضخمة التي سوف تنهال مثل البرد، في الخريف، على الجماهير المحكوم عليها بالبطالة، ضرائب ترفع أكثر فأكثر أسعار كل السلع الغذائية والألبسة. إن الأممية الشيوعية التي تنطلق، في سياستها، من دراسة متجردة وموضوعية للوضع العالمي – لأن البروليتاريا لا يمكن أن تحرز النصر إلاّ عبر الملاحظة الواضحة الموضوعية لحقل المعركة – إن الأممية الشيوعية تقول للبروليتاريا في العالم أجمع: لقد أظهرت الرأسمالية حتى الوقت الحاضر أنها عاجزة عن تأمين النظام في العالم حتى في حدود ما كان عليه الوضع قبل الحرب. وما تقوم به في هذه اللحظة لا يمكن أن يؤدي إلى التئام، إلى نظام جديد، بل إلى إطالة عذاباتكم وإطالة احتضار الرأسمالية. إن الثورة العالمية تتقدم. وفي كل مكان تزعزعت أسس رأس المال العالمي. إن الصرخة الثانية التي يطلقها المؤتمر العالمي للأممية الشيوعية لبروليتاريي العالم أجمع هي التالية: نحن نتقدم نحو نضالات كبرى، تسلحوا، استعدادا لمعارك جديدة.
شكلوا الجبهة
إن البرجوازية العالمية عاجزة عن أن تؤمن للعمال العمل، والخبز والمسكن والثياب؛ ولكنها تظهر قدرات كبيرة في تنظيم الحرب ضد البروليتاريا العالمية. ومنذ لحظة بلبلتها الكبرى الأولى، ومنذ أن نجحت في تخطي خوفها من العمال العائدين من الحرب، منذ أن نجحت في إدخالهم مجددا إلى المصانع، وسحقت انتفاضاتهم الأولى، وجددت تحالفها الحربي مع الاشتراكيين – الديمقراطيين والاشتراكين – الخونة ضد البروليتاريا، وقسمت بذلك هذه الأخيرة، استخدمت كل قواها لتنظيم حرس أبيض ضد البروليتاريا ولتجريد هذه الأخيرة من سلاحها. إن البرجوازية العالمية، المسلحة حتى العظم، جاهزة ليس فقط لمواجهة كل انتفاضة بروليتارية بالسلاح، بل أيضا للتسبب إذا ما دعت الحاجة بانتفاضات غير ناضجة للبروليتاريا التي تعد نفسها للنضال؛ وهي ترغب هكذا في سحقها قبل أن تشكل جبهتها المشتركة المنيعة. ينبغي أن تواجه الأممية الشيوعية استراتيجية البرجوازية العالمية باستراتيجيتها. وضد صناديق رأس المال العالمي، الذي يواجه البروليتاريا المنظمة بعصابات مسلحة، تمتلك الأممية الشيوعية جيشا مخلصا: إنه جماهير البروليتاريا، الجبهة المتحدة والصلبة للبروليتاريا. إن مكائد البرجوازية وعنفها لن يلقيا أي نجاح إذا تقدم ملايين العمال إلى المعركة في صفوف متراصة. لأن السكك الحديدية التي تنقل عليها البرجوازية جيوشها البيضاء ضد البروليتاريا ستتوقف؛ وسيستولي الرعب الأبيض عند ذلك على جزء من الحرس الأبيض نفسه. وإذا تم النجاح في أن نقود البروليتاريا في جبهة متحدة إلى النضال، فإن رأس المال والبرجوازية العالمية سيفقدان فرص النصر، والإيمان بالنصر الذي لا يمكن أن تعيده إليها إلاّ خيانة الاشتراكية – الديمقراطية وانقسام الطبقة العاملة. إن الانتصار على رأس المال العالمي أو بالأحرى الطريق نحو هذا الانتصار، هو كسب تعاطف أغلبية الطبقة العاملة. ويدعو المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية الأحزاب الشيوعية في العالم أجمع، والشيوعيين في النقابات لأن يبذلوا جهودهم كافة، وكامل قواهم لانتزاع أغلبية الجماهير العمالية من تأثير الأحزاب الاشتراكية – الديمقراطية والبيروقراطية النقابية الخائنة. ولا يمكن بلوغ هذا الهدف، إلاّّّّ إذا أثبت شيوعيو العالم أنهم بمثابة مقاتلي الطليعة للطبقة العاملة خلال هذه الحقبة الصعبة، التي يحمل كل يوم فيها حرمانا جديدا وبؤسا جديدا للجماهير العمالية، وإلاّ إذا قادوها للنضال من أجل قطعة خبز إضافية، والنضال من أجل إراحتها من الأعباء التي يفرضها رأس المال أكثر فأكثر على الجماهير العمالية بشكل غير محتمل. ينبغي أن يُِثبت للجمهور العمالي أن الشيوعيين وحدهم هم الذين يناضلون من أجل تحسين وضع الجماهير وأن الاشتراكيين – الديمقراطيين كما البيروقراطية العمالية الرجعية مستعدون لترك البروليتاريا فريسة المجاعة، بدل قيادتها إلى المعركة. ولا يمكن ضرب خونة البروليتاريا، عملاء البرجوازية، على أرضية النقاشات النظرية حول الديمقراطية والديكتاتورية. ولن يتم سحقهم إلاّ بمعرض قضايا الخبز والأجور والملبس والمسكن. والحقل الأول للمعركة والأكثر أهمية، الذي يمكن ضربهم فيه، هو حقل الحركة النقابية. وسيتم التغلب عليهم في النضال الذي نقوده ضد أممية أمستردام النقابية الصفراء ومن أجل الأممية النقابية الحمراء. إنه النضال من أجل الاستيلاء على مواقع عدوة في معسكرنا الخاص؛ إنها مسألة تشكيل جبهة مقاتلة في مواجهة الرأسمال العالمي. حافظوا على منظماتكم نقية من كل اتجاه وسطي، حافظوا على الروح القتالية لديكم.
وليس إلاّ بالنضال من أجل المصالح الأكثر بساطة وأولية للجماهير العمالية، نستطيع تشكيل جبهة متحدة للبروليتاريا ضد البرجوازية. وليس إلاّ بهذا النضال نستطيع إنهاء الانقسامات داخل البروليتاريا، انقسامات تشكل القاعدة التي تستطيع عليها البرجوازية أن تطيل وجودها. غير أن جبهة البروليتاريا هذه لا تصبح قوية ومهيأة للمعركة إلاّ إذا جرى دعمها من قبل الأحزاب الشيوعية التي ينبغي أن تكون روحها متحدة وصلبة وانضباطها صلبا وقاسيا. لذلك فإن المؤتمر العالمي الثالث للأممية الشيوعية، في الوقت نفسه الذي يطلق فيه باتجاه الشيوعيين في العالم أجمع صرخة «إلى الجماهير!» و«شكلوا الجبهة المتحدة للبروليتاريا!» فإنه يشير عليهم بـ«حافظوا على صفوفكم نقية من العناصر القادرة على تحطيم معنويات المعركة وانضباطها لدى الفرق الهجومية للبروليتاريا العالمية ولدى الأحزاب الشيوعية». إن مؤتمر الأممية الشيوعية يقر ويصدق على طرد الحزب الاشتراكي الإيطالي، هذا الطرد الذي يجب الإبقاء عليه حتى اللحظة التي يقطع فيها هذا الحزب مع الإصلاحيين ويطردهم من صفوفه. ويعبر المؤتمر بذلك عن قناعته بأنه إذا أرادت الأممية الشيوعية أن تقود ملايين العمال إلى المعركة لا يجب أن تتساهل مع وجود إصلاحيين في صفوفها هدفهم المصالحة مع الرأسمالية وإصلاح هذه الأخيرة، وليس الثورة الظافرة للبروليتاريا. إن الجيوش التي تتسامح مع وجود قادة على رأسها يسعون إلى التوفيق مع العدو، محكوم عليها بأن يخونها هؤلاء القادة أنفسهم ويبيعوها للعدو. وقد تنبهت الأممية الشيوعية إلى واقع أنه في سلسلة كاملة من البلدان حيث تم طرد الإصلاحيين لا يزال هناك مع ذلك اتجاهات لم تتمكن من تخطي الروح الإصلاحية نهائيا. وإذا كانت هذه الاتجاهات لا تعمل للمصالحة مع العدو فإنها مع ذلك لا تنكب بالحماس الكافي، في تحريضها ودعاوتها، على إعداد النضال ضد الرأسمالية. ولا تعمل بالنشاط الكافي والحزم الكافي لتثوير الجماهير. إن الأحزاب العاجزة عن أن تصبح بعملها الثوري اليومي بمثابة النَفَس الثوري للجماهير، والعاجزة عن تعزيز إرادة النضال لدى الجماهير بشغف واندفاع، إن أحزابا كهذه ستفوّت بالضرورة ظروفا ملائمة للنضال، وتترك نضالات عفوية كبيرة للبروليتاريا تغوص في الرمل، كما كانت الحال عند احتلال المصانع في إيطاليا وأثناء إضراب كانون الأول / ديسمبر في تشيكوسلوفاكيا. ينبغي أن تكوِّن الأحزاب الشيوعية روحها القتالية، ينبغي أن تصبح هيئة الأركان القادرة على الإمساك بالظروف الملائمة للنضال فورا واستخلاص كل المنافع الممكنة عن طريق قيادة جريئة للحركات العفوية للبروليتاريا. «كونوا طليعة الجماهير العمالية المنخرطة في الحركة، كونوا قلبها ودماغها». هذه هي صرخة المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية إلى الأحزاب الشيوعية. وأن نكون الطليعة، هو أن نسير على رأس الجماهير، باعتبارها الجزء الأكثر وعيا والأكثر حذرا وتبصرا. ولن تكون الأحزاب الشيوعية قادرة ليس فقط على تشكيل جبهة متحدة للبروليتاريا بل أيضا على قيادة هذه الأخيرة للانتصار على العدو، إلاّ إذا أصبحت هي نفسها تلك الطليعة.
واجهوا استراتيجية رأس المال
باستراتيجية البروليتاريا،
أعدّوا نضالاتكم!
إن العدو قوي، لأنه يملك وراءه قرونا من عادة السلطة التي ولّدت فيه وعيا لقوته وإرادة الحفاظ على سلطته. إن العدو قوي لأنه تعلم خلال قرون كيف يقسِّم الجماهير البروليتارية، وكيف يقمعها ويتغلب عليها. والعدو يعرف كيف تقاد حرب أهلية نحو النصر، ولهذا يُلفت المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية انتباه الأحزاب الشيوعية في العالم أجمع إلى الخطر الذي تمثله الاستراتيجية المدروسة للطبقة المالكة والمسيطرة ونواقص الاستراتيجية، التي تكاد تكون في طريقها إلى التشكل لدى الطبقة العاملة المناضلة من أجل السلطة. لقد أظهرت أحداث شهر آذار / مارس في ألمانيا الخطر الكبير الذي ينتج عن ترك العدو يدفع بمكائده الصفوف الأولى من الطبقة العاملة، وطليعة البروليتاريا إلى النضال قبل أن تتحرك أوسع الجماهير. إن الأممية الشيوعية تحيّي بفرح واقع أن مئات آلاف العمال في ألمانيا قد سارعوا لنجدة العمال في ألمانيا الوسطى المهددين من كل الجهات. وبروح التضامن هذه، وبهبَّة البروليتاريا في بلدان العالم أجمع لحماية جزء مهدد من البروليتاريا، ترى الأممية الشيوعية طريق النصر. لقد حيّت واقع أن الحزب الشيوعي الألماني الموحد وقف على رأس الجماهير العمالية التي هبت للدفاع عن إخوانها المهددين. ولكن الأممية الشيوعية تعتبر في الوقت نفسه أن من واجبها أن تقول بصراحة ووضوح للعمال في العالم أجمع: حتى إذا كانت الطليعة لا تستطيع تفادي النضالات، وحتى إذا كان يمكن أن تسرع هذه النضالات من تعبئة الطبقة العاملة بمجملها، فإن هذه الطليعة مع ذلك لا ينبغي أن تنسى أنه لا يجب أن تنجرّ وحيدة، ومعزولة في نضالات حاسمة وأنها إذا أجبرت على الذهاب معزولة إلى المعركة عليها تفادي الصدام المسلح مع العدو، لأن ما يشكل مصدر انتصار البروليتاريا على الحرس الأبيض المسلح هو جماهيرها. وإذا لم تتقدم الطليعة بجماهير تسيطر على العدو، ينبغي أن تتفادى، كأقلية مسلحة، الدخول في صراع مسلح معه. وقد قدمت معارك آذار / مارس أيضا درسا تلفت الأممية الشيوعية انتباه بروليتاريي العالم أجمع إليه. يجب إعداد الجماهير العمالية للنضالات المحدقة بتحريض ثوري متواصل ويومي ومكثف وواسع؛ يجب دخول المعركة بشعارات واضحة ومفهومة لدى أوسع الجماهير البروليتارية. وبمواجهة استراتيجية العدو يجب وضع استراتيجية متبصرة ومتعقلة للبروليتاريا. فإرادة القتال لدى صفوف الطليعة، وشجاعتهم وصلابتهم ليست كافية. ينبغي الإعداد للنضال وتنظيمه على الشكل الذي يظهر فيه بالنسبة لهؤلاء بمثابة النضال من أجل مصالحهم الأكثر أساسية وعلى الشكل الذي يعبئهم مباشرة. وكلما أحس الرأسمال العالمي أنه في خطر، كلما سعى لجعل النصر المستقبلي للأممية الشيوعية مستحيلا، بعزل صفوفها الأولى عن باقي الجماهير، وبضربها كذلك، يجب مواجهة هذا المخطط، وهذا الخطر بتحريض جماهيري واسع ومكثف تقوده الأحزاب الشيوعية، وبعمل تنظيمي نشط تضمن بواسطته هذه الأحزاب تأثيرها على الجماهير، وبتقويم بارد لوضع المعركة، وبتكتيك حكيم يسعى إلى تفادي الصراع مع القوى المتفوقة للعدو، وبدء الهجوم في الظروف التي يكون فيها العدو منقسما والجمهور موحدا.
إن المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية يعلم أن الطبقة العاملة لن تتوصل إلى تشكيل أحزاب شيوعية قادرة على النزول كالصاعقة على العدو في أكثر أوقات ضيقه حرجا، وتفاديه عندما يكون في وضع جيد، إلاّ تبعا للتجربة التي تكتسبها في النضال. هذا هو واجب بروليتاريي العالم أجمع: أن يثابروا على فهم جميع الدروس واستخدامها، كل التجارب التي جمعتها الطبقة العاملة في بلد معين لقاء تضحيات كبيرة.
حافظوا على انضباط المعركة
لا ينبغي أن تُعِدَّ الأحزاب الشيوعية في العالم أجمع والطبقة العاملة أنفسها لمرحلة تحريض وتنظيم، بل ينبغي أن تنتظر نضالات كبرى وتعدّ أنفسها لها، نضالات سيفرضها الرأسمال قريبا على البروليتاريا من أجل سحقها وتحميلها كل عبء سياسته. وينبغي أن تنشئ الأحزاب الشيوعية في هذا النضال انضباطا صارما وقاسيا. وينبغي أن تعالج اللجان المركزية لهذه الأحزاب كل توجيهات النضال ببرودة وتفكير، وتراقب حقل المعركة، وتركز اندفاعة الجماهير الكبرى بأقصى ما يمكن من التفكير، وينبغي أن تسبك خطتها للمعركة، وخطها التكتيكي، بكل روحية الحزب مع أخذ انتقادات الرفاق بالاعتبار. ولكن يجب أن يتبع كل الرفاق الخط الذي يضعه الحزب. وينبغي إخضاع كل كلمة وكل إجراء تنظيمي حزبي لهذا الهدف. ويجب أن تتبع الكتل البرلمانية وصحافة الحزب والمنظمات أمر قيادة الحزب دون تردد.
لقد انتهى الاستعراض العالمي لصفوف الطليعة الشيوعية وأظهر أن الشيوعيين قوة عالمية، وأنه على الأممية الشيوعية أن تشكل أيضا جيوشا بروليتارية كبيرة وتربّيها. وأظهر أن ثمة نضالات كبرى وشيكة الوقوع بالنسبة لهذه الجيوش. بشّر بالانتصار في هذه النضالات، وأظهر للبروليتاريا العالمية كيف ينبغي أن تعدّ لهذا النصر وتحرزه. وعلى الأحزاب الشيوعية في جميع البلدان أن تجعل من قرارات المؤتمر، التي أملتها تجارب البروليتاريا العالمية، بمثابة الضمير العام للشيوعيين في جميع البلدان، حتى يتمكن البروليتاريين الشيوعيون، رجالا ونساء، من التحرك في النضالات المقبلة كقادة لآلاف البروليتاريين غير الشيوعيين.
عاشت الأممية الشيوعية!
عاشت الثورة العالمية!
إلى العمل من أجل الإعداد لانتصارنا وتنظيمه!
اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية.
ألمانيا: هيكرت، فروليخ؛ فرنسا: سوفارين؛ تشيكوسلوفاكيا: بوريان، كريبيخ؛ إيطاليا: تيراسيني، جيناري؛ روسيا: زينوفييف، بوخارين، راديك، لينين، تروتسكي؛ أوكرانيا: شومسكي؛ بولونيا: وارسكي؛ بلغاريا: بوبوف؛ يوغوسلافيا: ماركوفيسك؛ النروج: شيفلو؛ انجلترا: بل؛ أميركا: بالدوين؛ اسبانيا: فيرينو، غراسيا؛ فنلندا: سيرولا؛ هولندا: جانسن؛ بلجيكا: فان أوفر- ستراتين؛ السويد: تشيلبوم؛ ليتونيا: ستوتشكا؛ سويسرا: ارنهولد؛ النمسا: كوريتشوفر؛ المجر: بيلاكون، اللجنة التنفيذية لأممية الشبيبة: مونزيبرغ، ليكاي.
موسكو، 17 تموز / يوليو 1921
——————————————————————————–
موضوعات للدعاوة بين النساء
مبادئ عامة
1- يؤيد المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية بالاتفاق مع الكونفرنس الثاني للنساء الشيوعيات رأي المؤتمرين الأول والثاني في ما يتعلق بضرورة أن تعزز الأحزاب الشيوعية في الغرب والشرق العمل بين البروليتاريا النسائية، وبشكل خاص التثقيف الشيوعي لأوسع جماهير العاملات اللواتي ينبغي أن ينخرطن في النضال من أجل السلطة السوفياتية أو تنظيم الجمهورية العمالية السوفياتية.
وتصبح مسألة دكتاتورية البروليتاريا بالنسبة للطبقة العاملة في العالم أجمع، وبالتالي بالنسبة للعاملات مسألة أولية.
الاقتصاد الرأسمالي في مأزق. القوى المنتجة لم يعد من الممكن أن تتطور في إطار النظام الرأسمالي. إن عجز البرجوازية عن إحياء الصناعة والبؤس المتنامي للجماهير الكادحة، وتطور المضاربة، وتفكك الإنتاج والبطالة، وعدم ثبات الأسعار، وغلاء المعيشة غير المتناسب مع الأجور، كل ذلك يتسبب في تصاعد الصراع الطبقي في جميع البلدان. في هذا الصراع ستكون القضية التي تنبغي معرفتها بشكل أساسي هي من يجب أن ينظم الإنتاج، حفنات من البرجوازيين والمستغلين على أسس الرأسمالية والملكية الخاصة، أو طبقة المنتجين الفعليين، على قاعدة الشيوعية.
يجب أن تمسك الطبقة الجديدة الصاعدة، طبقة المنتجين الفعليين، انسجاما مع قوانين التطور الاقتصادي، بجهاز الإنتاج وتخلق أشكالا اقتصادية جديدة. وبذلك فقط يمكن إعطاء القوى المنتجة أقصى تطورها، هذه القوى التي تمنعها فوضى الإنتاج الرأسمالي من إعطاء كل المردود القادرة على إعطائه.
طالما أن السلطة بين أيدي الطبقة البورجوازية، فان البروليتاريا عاجزة عن تجديد الإنتاج. إن أي إصلاح، أو إجراء، تقترحه الحكومات الديمقراطية أو الاشتراكية في البلدان البرجوازية لن يكون قادرا على انقاذ الوضع وتخفيف آلام العمال التي لا يمكن التغلب عليها، لأن هذه الآلام هي نتيجة طبيعية لانهيار النظام الاقتصادي الرأسمالي، وستبقى طالما أن السلطة بين أيدي البرجوازية. وحده الاستيلاء على السلطة من قبل البروليتاريا سيسمح للطبقة العاملة بامتلاك وسائل الإنتاج وبذلك تأمين إمكانية ترميم الاقتصاد ضمن مصلحتها الخاصة.
ومن أجل تعجيل ساعة لقاء البروليتاريا الحاسم مع العالم البرجوازي المشرف على الموت يجب أن تلتزم الطبقة العاملة بالتكتيك الحازم والعنيد الذي تنادي به الأممية الثالثة. وينبغي أن يكون تحقيق دكتاتورية البروليتاريا على جدول الأعمال. فذاك هو الهدف الذي يجب أن يحدد أساليب عمل البروليتاريا من الجنسين وخط سلوكها.
وانطلاقا من وجهة النظر القائلة بأن النضال من أجل دكتاتورية البروليتاريا هو على جدول أعمال البروليتاريا في جميع الدول الرأسمالية، وأن بناء الشيوعية هو المهمة الحالية في البلدان التي أصبحت فيها الدكتاتورية بين أيدي العمال، يعلن المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية أنه لن يتم إنجاز الاستيلاء على السلطة من قبل البروليتاريا، وتحقيق الشيوعية في البلدان التي أطيح فيها الاضطهاد البرجوازي، دون الدعم النشط من جمهور البروليتاريا وأنصاف البروليتاريا النسائية.
من جهة ثانية، يلفت المؤتمر مرة أخرى انتباه النساء إلى واقع أنه دون دعم الأحزاب الشيوعية فإن المبادرات الهادفة إلى تحرير المرأة، وإلى الاعتراف بمساواتها الشخصية الكاملة وانعتاقها الفعلي، لا يمكن أن تتحقق.
2 – تفرض مصلحة الطبقة العاملة في هذه اللحظة، وبقوة مميزة، دخول النساء في الصفوف المنظمة للبروليتاريا المقاتلة من أجل الشيوعية؛ إنها تفرض ذلك بالقدر الذي يصبح فيه الانهيار الاقتصادي العالمي أكثر فأكثر حدة ولا يحتمل بالنسبة لمجموع السكان الفقراء في المدن والأرياف، وبالقدر الذي تفرض فيه الثورة الاجتماعية نفسها بشكل حتمي أمام الطبقة العاملة في البلدان البرجوازية الرأسمالية، فيما تنطرح على الشعب الكادح في روسيا السوفياتية مهمة إعادة بناء الاقتصاد الوطني على أسس شيوعية جديدة. ويصبح تحقيق هاتين المهمتين أكثر سهولة إذا شاركت النساء فيهما بنشاط أكبر ووعي أكبر وطوعية أكبر.
3 – وفي كل مكان تبرز فيه مسألة الاستيلاء على السلطة مباشرة، على الأحزاب الشيوعية أن تحسن تقدير الخطر الكبير الذي تمثله في الثورة الجماهير البليدة للعاملات غير المنخرطات في حركة ربات البيوت والمستخدمات والفلاحات اللواتي لم يتخطين المفاهيم البرجوازية ومفاهيم الكنيسة والأفكار المسبقة، اللواتي لم يرتبطن بأي رابط بالحركة التحررية الكبرى، أي الشيوعية. وتشكل جماهير النساء غير المنخرطات في هذه الحركة في الشرق والغرب دون شك، سندا للبرجوازية وموضوعا لدعاوتها المعادية للثورة. ينبغي أن تشكل تجربة الثورة الهنغارية، التي لعب خلالها غياب الوعي لدى الجماهير النسائية دورا محزنا، إنذارا لبروليتاريا البلدان المتخلفة التي تدخل طريق الثورة الاشتراكية.
لقد أظهرت ممارسة الجمهورية السوفياتية عمليا كم هي أساسية مشاركة العاملة والفلاحة سواء بالدفاع عن الجمهورية خلال الحرب الأهلية أو في جميع مجالات التنظيم السوفياتي. إننا نعرف الآن أهمية الدور الذي لعبته العاملات والفلاحات في الجمهورية السوفياتية، في تنظيم الدفاع، في تعزيز الخطوط الخلفية، في النضال ضد الفرار وضد كل أشكال الثورة المضادة والتخريب، الخ.
ينجم عن كل ما أتينا على ذكره أن المهمة المباشرة للأحزاب الشيوعية هي: مد نفوذ الحزب والشيوعية إلى أوسع شرائح الجمهور النسائي في بلدانها، عبر جهاز خاص يعمل داخل الحزب ووسائل خاصة تسمح بالاقتراب بسهولة أكبر من النساء من أجل تجنيبهن تأثير المفاهيم البرجوازية وعمل الأحزاب الائتلافية، لجعلهن مناضلات حقيقيات من أجل الانعتاق الكامل للمرأة.
4 – إذ يفرض المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية على الأحزاب الشيوعية في الشرق والغرب المهمة المباشرة القائمة على تعزيز عمل الحزب بين البروليتاريا النسائية، يظهر المؤتمر للعاملات في العالم أجمع، في الوقت نفسه، أن انعتاقهم من الظلم العريق في القدم والعبودية وعدم المساواة لا يمكن أن يتحقق إلا عبر انتصار الشيوعية.
إن ما تمنحه الشيوعية للمرأة لا يمكن للحركة النسائية البرجوازية أن تمنحها إياه بأي حال من الأحوال. وطالما بقيت سيطرة رأس المال والملكية الخاصة، فإن انعتاق المرأة لن يكون ممكنا.
إن الحق الانتخابي لا يلغي السبب الأول في استعباد المرأة في العائلة والمجتمع ولا يعطيها الحل لمشكلة العلاقات بين الجنسين. إن المساواة غير الشكلية، إنما الحقيقية بالنسبة للمرأة، غير ممكنة إلا في ظل نظام تكون فيه المرأة من الطبقة العاملة سيدة أدوات الإنتاج والتوزيع، وتشارك في إدارتها وتحمل واجب العمل بالشروط نفسها التي يعمل بها كامل أعضاء المجتمع العامل؛ وبتعبير آخر، لا يمكن تحقيق هذه المساواة إلا بعد إطاحة النظام الرأسمالي واستبداله بالأشكال الاقتصادية الشيوعية.
وحدها الشيوعية، هي التي ستخلق وضعا لا تكون فيه الوظيفة الطبيعية للمرأة، الأمومة، في صراع مع الالتزامات الاجتماعية، ولا تعود تمنع عملها المنتج لصالح الجماعة. ولكن الشيوعية هي في الوقت نفسه الهدف النهائي لكل البروليتاريا. ونتيجة لذلك فإن نضال العامل والعاملة من أجل هذا الهدف المشترك يجب أن يخاض بشكل مشترك وبلا انفصال، في مصلحة كلا الاثنين.
5 – يؤيد المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية المبادئ الأساسية للماركسية الثورية التي لا يوجد تبعا لها أبدا مسائل «نسائية بشكل خاص»؛ وكل علاقة للعاملة مع النسوية (7) البرجوازية، كما أن كل دعم تقدمه لتكتيك أنصاف الإجراءات والخيانة الواضحة للاشتراكيين – الائتلافيين والانتهازيين، لا يمكن إلا أن يضعف قوى البروليتاريا، وبتأخيره للثورة الاجتماعية يمنع في الوقت نفسه تحقيق الشيوعية، أي انعتاق المرأة.
لا يمكن أن نبلغ الشيوعية إلاّ عبر وحدة النضال بين جميع المستغلين وليس عبر وحدة القوى النسائية من طبقتين متعارضتين.
يجب أن تدعم الجماهير البروليتارية النسائية لمصلحتها الخاصة التكتيك الثوري للحزب الشيوعي، وتشارك في التحركات الجماهيرية بالشكل الأكثر نشاطا والأكثر مباشرة، وفي الحرب الأهلية تحت كل الأشكال وبكل الصور، سواء في الإطار الوطني أو على المستوى العالمي.
6- يجب أن يتخذ نضال المرأة ضد اضطهادها المزدوج في المرحلة القادمة من تطوره، نضالها ضد الرأسمالية وضد التبعية العائلية والمنزلية، طابعا عالميا يتحول إلى نضال بروليتاري للجنسين من أجل الدكتاتورية والنظام السوفياتي تحت راية الأممية الثالثة.
7- بعد ثني العاملات في جميع البلدان عن أي نوع من التعاون والائتلاف مع النسويات (8) البرجوازيات، فإن المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية يحذرهن في الوقت نفسه من كل دعم يقدمنه للأممية الثانية أو للعناصر الانتهازية التي تتقارب معها لا يمكن إلاّ أن يسيء إساءة كبيرة لحركتهن. ينبغي أن تتذكر النساء دائما أن عبوديتهن تمتد جذورها داخل النظام البرجوازي. ولإنهاء هذه العبودية، ينبغي الانتقال إلى نظام اجتماعي جديد.
فبدعم الأمميتين 2 و 2,5 والمجموعات المشابهة، يجري شلّ تطور الثورة، ويُمنع نتيجة لذلك التحول الاجتماعي عبر إبعاد ساعة انعتاق المرأة.
كلما ابتعدت الجماهير النسائية بعزم وإلى الأبد عن الأممية 2 والأممية 2,5 كلما أصبح انتصار الثورة الاجتماعية مضمونا. وواجب النساء الشيوعيات هو إدانة كل الذين يخافون التكتيك الثوري للأممية الشيوعية، والسعي بحزم لإخراجهم من الصفوف المرصوصة للأممية الشيوعية.
وينبغي أن تتذكر النساء أيضا أن الأممية الثانية لم تحاول حتى خلق جهاز مخصص للنضال من أجل الانعتاق الكامل للمرأة. إن الاتحاد العالمي للنساء الاشتراكيات، بمقدار ما هو موجود، تم إنشاؤه خارج إطار الأممية الثانية، بمبادرة خاصة من العاملات.
لقد صاغت الأممية الثالثة، منذ مؤتمرها الأول عام 1919، موقفها من مسألة مشاركة النساء في النضال من أجل الدكتاتورية، وبمبادرتها ومشاركتها تمت الدعوة إلى الكونفرنس الأول للنساء وأسست في العام 1920 أمانة سر عالمية للدعاوة بين النساء مع تمثيل دائم للجنة التنفيذية للأممية الشيوعية. فواجب العاملات الواعيات في جميع البلدان هو أن يقطعن مع الأممية الثانية والأممية 2,5 وأن يدعمن بحزم السياسة الثورية للأممية الشيوعية.
8- إن الدعم الذي تقدمه العاملات والمستخدمات للأممية الشيوعية يجب أن يعبّرن عنه، في البداية، بدخولهن في الأحزاب الشيوعية في بلدانهن. وفي البلدان حيث لم ينته الصراع بين الأممية الثانية والأممية الثالثة، من واجب العاملات دعم الحزب أو التجمع الذي يتبع سياسة الأممية الشيوعية بكل قواهن، والنضال بلا رحمة ضد كل العناصر المترددة أو الخائنة علنا، دون أدنى اعتبار لأي سلطة. إن النساء البروليتاريات الواعيات إذ يناضلن من أجل انعتاقهن يجب ألاّ يبقين في حزب غير منتسب إلى الأممية الشيوعية.
كل خصم للأممية الثالثة هو عدو لتحرر المرأة.
ينبغي أن تصطف كل عاملة واعية تحت الراية الثورية للأممية الشيوعية. وكل تردد من جانب النساء البروليتاريات في القطع مع التجمعات الانتهازية أو السلطات المعترف بها يؤخر انتصارات البروليتاريا في حقل معركة الحرب الأهلية التي تتخذ طابع حرب أهلية عالمية.
أساليب العمل بين النساء
انطلاقا من المبادئ المشار إليها أعلاه يقرر المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية أن العمل بين البروليتاريا النسائية يجب أن تخوضه الأحزاب الشيوعية في كل البلدان على الأسس التالية:
1- اعتبار النساء عضوات متساويات الحقوق والواجبات مع جميع الأعضاء الآخرين في الحزب وفي كل المنظمات البروليتارية (نقابات، تعاونيات، مجالس قدامى العاملين في الصناعة، إلخ).
2- إدراك أهمية اشتراك النساء بشكل نشط في جميع فروع نضال البروليتاريا (بما فيه الدفاع العسكري)، وبناء أسس اجتماعية جديدة، وتنظيم الإنتاج، والعيش تبعاً للمبادئ الشيوعية.
3- الاعتراف بالأمومة كوظيفة اجتماعية، واتخاذ كل الإجراءات الضرورية للدفاع عن المرأة بصفتها أماً وتطبيق هذه الإجراءات.
إذ يعارض المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية بقوة كل نوع من أنواع التنظيم المنفصل للنساء داخل الحزب، والنقابات والتجمعات العمالية الأخرى، فإنه يعترف بضرورة استخدام أساليب عمل خاصة بين النساء ويرى من المفيد تشكيل أجهزة خاصة مكلفة بهذا العمل في كل الأحزاب الشيوعية.
وتوجه الحزب في ذلك الاعتبارات التالية:
أ- الاستعباد العائلي للمرأة ليس فقط في البلدان البرجوازية الرأسمالية، بل أيضا في البلدان حيث يوجد النظام السوفياتي، في المرحلة الانتقالية من الرأسمالية إلى الشيوعية.
ب- السلبية الكبرى والحالة السياسية المتخلفة للجماهير النسائية وهما شائبتان يمكن تفسيرهما بابتعاد المرأة لقرون عن الحياة الاجتماعية وبعبوديتها في العائلة.
جـ- الوظائف الخاصة المفروضة على المرأة من قبل الطبيعة نفسها، أي الأمومة والخصوصيات المتأتية منها بالنسبة للمرأة مع الحاجة لأكبر حماية ممكنة لقواها وصحتها في مصلحة المجتمع ككل.
يجب أن تكون أجهزة العمل هذه بين النساء فروعا ولجانا تعمل إلى جانب كل لجان الحزب بدءا باللجنة المركزية ووصولا إلى لجان الحي أو المنطقة. وهذا القرار إلزامي لكل الأحزاب المنتمية إلى الأممية الشيوعية.
يحدد المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية، كمهمات على الأحزاب الشيوعية أن تنجزها عبر فروع العمل بين النساء ما يلي:
أ- تربية الجماهير النسائية الواسعة بالذهنية الشيوعية وكسبها إلى صفوف الحزب.
ب- محاربة الأفكار المسبقة المتعلقة بالنساء بين جماهير البروليتاريا من الذكور وتعزيز فكرة وحدة المصالح بين البروليتاريين من الجنسين لدى العمال والعاملات.
جـ- تدعيم إرادة العاملة باستخدامها في الحرب الأهلية بجميع أشكالها ومظاهرها، وتنمية نشاطها عبر إشراكها في التحركات الجماهيرية، وفي النضال ضد الاستغلال الرأسمالي في البلدان البرجوازية (ضد غلاء المعيشة، وأزمة السكن والبطالة)، وفي تنظيم الاقتصاد الشيوعي والحياة بشكل عام في الجمهوريات السوفياتية.
د- وضع المسائل المتعلقة بمساواة المرأة والدفاع عنها كأم على جدول أعمال الحزب ومؤسساته التشريعية.
هـ- النضال بشكل منهجي ضد تأثير التقاليد، والعادات البرجوازية والدين، بغية تمهيد الطريق أمام علاقات أكثر صحية وتناغما بين الجنسين والتطهير الأخلاقي والجسدي للإنسانية العاملة.
ينبغي أن يجري كل عمل الفروع النسائية تحت القيادة المباشرة للجان الحزب وعلى مسؤوليتها.
ينبغي أن يوجد أيضا بين أعضاء اللجنة أو قيادة الفروع، قدر الإمكان، رفاق شيوعيون رجال.
وينبغي أن تحقق لجان العاملات وفروعهن كل الإجراءات والمهمات التي تقع على عاتقها بنفسها، وبشكل مستقل، ولكن في البلدان السوفياتية يجب أن يتم ذلك عبر الأجهزة الاقتصادية والسياسية الخاصة بذلك (فروع السوفيتات، والمفوضيات، واللجان والنقابات، إلخ) وفي البلدان الرأسمالية، بمساعدة الأجهزة المناظرة الخاصة بالبروليتاريا (نقابات، مجالس، إلخ).
في كل مكان تملك الأحزاب الشيوعية فيه وجودا شرعيا أو نصف شرعي، ينبغي أن تشكل جهازا غير شرعي للعمل بين النساء، ويجب أن يخضع هذا الجهاز للجهاز غير الشرعي في الحزب بمجمله ويتأقلم معه. وهنا كما في الجهاز الشرعي يجب أن تضم كل لجنة رفيقة مكلفة بالقيام بالدعاوة غير الشرعية بين النساء.
- يجب أن تكون النقابات المهنية والإنتاجية، في المرحلة الحالية، الأرضية الرئيسية بالنسبة للأحزاب الشيوعية للعمل بين النساء، سواء في البلدان التي لم ينته فيها النضال من أجل إطاحة النير الرأسمالي أو في الجمهوريات العمالية السوفياتية.
ويجب أن يخاض النضال بين النساء تبعا للروحية التالية: وحدة في الخط السياسي وفي بنية الحزب، مبادرة حرة للجان والفروع في كل ما يسهم بتحرر النساء الكامل وبمساواتهن، الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق كلية إلا بواسطة الحزب، بأكمله. ولا يتعلق الأمر بخلق اتجاه مواز، بل يتعلق بتكملة جهود الحزب عبر النشاط والمبادرة الخلاقين للمرأة.
العمل السياسي للحزب بين النساء
في البلدان ذات النظام السوفياتي
يقوم دور الفروع في الجمهوريات السوفياتية على تربية الجماهير النسائية بروحية الشيوعية وعلى تدريبها في صفوف الحزب الشيوعي؛ ويقوم أيضا على تطوير نشاط المرأة ومبادرتها عبر جذبها إلى عمل بناء الشيوعية وجعلها مدافعا صلبا عن الأممية الشيوعية.
ينبغي أن تشرك الفروع المرأة في جميع فروع التنظيم السوفياتي بكل الأشكال بدءا بالدفاع العسكري عن الجمهورية وانتهاء بالخطط الاقتصادية الأكثر تعقيدا.
يجب أن تسهر الفروع في الجمهورية السوفياتية على تطبيق قرارات المؤتمر الثالث للسوفيتات المتعلقة بمشاركة العاملات والفلاحات في تنظيم الاقتصاد الوطني وبنائه، كما في كل الأجهزة القيادية، والإدارية، التي تشرف على الإنتاج وتنظيمه.
ويجب أن تتعاون الفروع عبر ممثليها والأجهزة الحزبية في صياغة قوانين جديدة وتغيير القوانين التي ينبغي تغييرها من أجل الانعتاق الفعلي للمرأة. وينبغي أن تقوم الفروع بمبادرة خاصة من أجل تطوير التشريع الذي يحمي عمل المرأة والقاصرين.
ويجب أن تدفع الفروع أكبر عدد ممكن من العاملات والفلاحات في الأرياف لانتخاب السوفيتات، وأن تسهر على أن يتم انتخاب عاملات وفلاحات أيضا كعضوات في السوفيتات واللجان التنفيذية.
ويجب أن تساعد الفروع في إنجاح كل الحملات السياسية والاقتصادية التي يخوضها الحزب.
ودور الفروع أيضا أن تسهر على تحسين العمل النسائي وتخصيصه عبر نشر التعليم المهني وتسهيل دخول العاملات والفلاحات في المؤسسات الملائمة.
يجب أن تسهر الفروع على دخول العاملات في لجان من أجل حماية العمل الجاري في المنشآت وتعزيز نشاط لجان الدعم وحماية الأمومة والطفولة.
وتسهّل الفروع تطور شبكة المؤسسات العامة بأكملها، مثل دور الأيتام والمغاسل وورش التصليح ومؤسسات المعيشة القائمة، على أسس شيوعية جديدة، وتزيح عن كاهل النساء عبء الحقبة الانتقالية وتؤمن استقلالهن المادي وتجعل من العبدة المنزلية والعائلية المعاونة الحرة لخالق أشكال الحياة الجديدة.
ينبغي أن تسهل الفروع تربية النساء في النقابات بالروحية الشيوعية عبر منظمات عمل بين النساء مشكلة من الفروع الشيوعية في النقابات.
وتسهر الفروع على المشاركة المنتظمة للعاملات في اجتماعات مندوبات المصانع والمشاغل.
وتوزع الفروع بشكل منظم مندوبات الحزب كمتدربات في مختلف فروع العمل: سوفيتات، اقتصاد وطني، نقابات.
في البلدان الرأسمالية
تتحدد المهمات المباشرة للجان العمل بين النساء تبعا للشروط الموضوعية. هناك من جهة انهيار الاقتصاد العالمي، وتفاقم البطالة المذهل، اللذان من نتائجهما الخاصة انخفاض الطلب على اليد العاملة النسائية، وازدياد البغاء، وغلاء المعيشة، وأزمة السكن والتهديد بحروب إمبريالية جديدة. ومن جهة ثانية اضطرابات اقتصادية متواصلة في كل البلدان، ومحاولات متجددة للانتفاضة المسلحة البروليتارية وجو يختنق أكثر فأكثر بالحرب الأهلية التي تمتد إلى العالم أجمع، كل ذلك وكمقدمة لثورة اجتماعية عالمية لا مفر منها.
ينبغي أن تضع اللجان النسائية مهمات المعركة البروليتارية في الصدارة، وأن تقود نضالات من أجل مطالب الحزب الشيوعي، وتشرك المرأة في كل التظاهرات الثورية للشيوعيين ضد البرجوازية والاشتراكيين الائتلافيين.
وتسهر اللجان ليس فقط على أن يتم قبول النساء كعضوات يملكن حقوق الرجال وواجباتهم ذاتها في الحزب، والنقابات، والمنظمات العمالية الأخرى للصراع الطبقي، وذلك بنضالها ضد كل فصل للعاملة وكل تمييز لها، بل أيضا على أن يتم انتخاب العاملات بشكل متساو في كل الأجهزة القيادية للنقابات والتعاونيات.
وتساعد اللجان أوسع جماهير البروليتاريا النسائية والفلاحات في ممارسة حقوقهن الانتخابية في الانتخابات البرلمانية والانتخابات الأخرى لصالح الحزب الشيوعي، في الوقت نفسه الذي تبادر فيه إلى إبراز ما تنطوي عليه هذه الحقوق من قيمة ضئيلة سواء من أجل إضعاف الاستغلال الرأسمالي أو من أجل انعتاق المرأة، وفي حين تقوم بوضع النظام السوفياتي بمواجهة البرلمانية.
ويجب أن تسهر اللجان على المشاركة النشطة والواعية للعاملات، والمستخدمات، والفلاحات في انتخاب مندوبين عمال للسوفيتات الثورية، الاقتصادية، والسياسية، وتسعى لتنمية النشاط السياسي لدى ربات البيوت ونشر فكرة السوفيتات بين الفلاحات بشكل خاص.
وتكرس اللجان أكبر اهتمام لتطبيق مبدأ أجر متساو لعمل متساو.
ويجب أن تجر اللجان العاملات إلى هذه الحملة عبر دروس مجانية ومتوفرة للجميع ومن طبيعة تبرز قيمة المرأة.
ويجب أن تسهر اللجان على أن تتعاون النساء مع كل المؤسسات التشريعية والبلدية من أجل المناداة بالسياسة الثورية للحزب داخل هذه الأجهزة.
ولكن إذ تشارك النساء الشيوعيات في هذه المؤسسات التشريعية والبلدية وفي أجهزة أخرى للدولة البورجوازية ينبغي أن تتبع بشكل صارم مبادئ الحزب وتكتيكه. وينبغي أن تهتم ليس بالحصول على إصلاحات في ظل النظام الرأسمالي بل بالعمل على تحويل كل مطالب النساء الكادحات إلى شعارات تنمّي نشاط الجماهير وتقود هذه المطالب في طريق النضال الثوري ودكتاتورية البروليتاريا.
ينبغي أن تبقى اللجان على اتصال وثيق في البرلمانات والبلديات مع الفروع الشيوعية وتتداول بصدد كل المشاريع المتعلقة بالنساء بشكل مشترك. وينبغي أن تشرح اللجان للنساء الطابع المتخلف وغير الاقتصادي لنظام تدبير المنازل المعزول ومساوئ التربية البرجوازية للأطفال، بجمع القوى العمالية حول مسألة التحسين الفعلي لمعيشة الطبقة العاملة، وهي مسائل يطرحها الحزب.
ينبغي أن تشجع اللجان انخراط العاملات، وأعضاء النقابات في الحزب الشيوعي. وينبغي أن تجند الفروع الشيوعية في هذه الأخيرة بهذا القصد منظمين من أجل العمل بين النساء الناشطات تحت قيادة الحزب والفروع المحلية.
وينبغي أن توجه لجان التحريض دعاوتها بين النساء على الشكل الذي يضمن نشر النساء البروليتاريات فكرة الشيوعية في التعاونيات. وبالدخول إلى قيادة هذه التعاونيات يتوصلن إلى التأثير عليها وكسبها نظرا لأن هذه المنظمات تملك أهمية كبرى كأجهزة توزيع خلال الثورة وبعدها. ينبغي أن يميل كل عمل اللجان نحو هدف واحد: تطور النشاط الثوري للجماهير بغية تسريع الثورة الاجتماعية.
في البلدان المتخلفة اقتصاديا (الشرق)
ينبغي أن يحوز الحزب الشيوعي، بالتوافق مع الفروع في البلدان ضعيفة التطور الصناعي، الاعتراف بتساوي حقوق المرأة وواجباتها في الحزب، وفي النقابات ومنظمات الطبقة العاملة الأخرى.
ينبغي أن تناضل الفروع واللجان ضد الأفكار المسبقة والعادات والتقاليد الدينية التي ترمي بثقلها على المرأة، وأن تقوم بدعاوة بين الرجال أيضا.
وتبحث الفروع عن دعم لعملها، قبل كل شيء، بين جمهور العاملات المستغلات في المنزل (الصناعة الصغيرة)، وشغيلات زراعة الأرز والقطن وغيرهما، بتشجيع تشكيل مشاغل تعاونية، وتعاونيات صناعة صغيرة حيث يكون ذلك ممكنا (وبالدرجة الأولى بين شعوب الشرق التي تعيش على تخوم روسيا السوفياتية)، وهكذا تسهيل دخول عاملات الزراعة في النقابات.
إن ارتفاع المستوى العام لثقافة الجمهور هو أحد أفضل وسائل النضال ضد الروتين والأفكار المسبقة الدينية المنتشرة في البلد. ينبغي أن تشجع اللجان إذا على تطوير مدارس الكبار والأطفال وتسهل دخول النساء إليها. وينبغي أن تخوض اللجان في البلدان البرجوازية تحريضا مباشرا ضد التأثير البرجوازي في المدارس.
وحيث يمكن القيام بدعاوة في المنزل، يجب أن تقوم الفروع واللجان بذلك، وينبغي أن تنظم نوادي للعاملات وتجتذبهن إليها، وبشكل عام العناصر النسائية الأكثر تأخرا. ويجب أن تكون هذه دور ثقافة وتعليم ومنظمات نموذجية تظهر ما يمكن أن تفعله المرأة من أجل انعتاقها الخاص واستقلالها (تنظيم حضانات وحدائق أطفال، ومدارس ابتدائية، ومدارس للبالغين إلخ).
أمّا لدى الشعوب التي تعيش حياة بدوية، فينبغي تنظيم نواد متنقلة.
وينبغي أن تساهم الفروع، بالاتفاق مع الأحزاب في البلدان ذات النظام السوفياتي، في تسهيل الانتقال من الشكل الاقتصادي الرأسمالي إلى شكل الإنتاج الشيوعي، بوضع العاملة أمام هذه الحقيقة البديهية، وهي أن الاقتصاد المنزلي والعائلة، كما كانا حتى اليوم، لا يمكن إلاّ أن يستعبداها، في حين أن العمل الجماعي يحررها.
وبين الشعوب الشرقية التي تعيش في روسيا السوفياتية، ينبغي أن تسهر الفروع على تطبيق التشريع السوفياتي الذي يساوي المرأة بالرجل لناحية حقوقها، ويدافع عن مصالحها. وينبغي أن تسهل الفروع، ضمن هذا الهدف، دخول النساء إلى وظائف المحلفين في المحاكم الشعبية.
ينبغي أن تشرك الفروع النساء أيضا في انتخابات السوفيتات، وتسهر على دخول العاملات والفلاحات في السوفيتات واللجان التنفيذية. ينبغي أن يخاض العمل بين البروليتاريا النسائية في الشرق على أساس برنامج الصراع الطبقي. وإذ تظهر الفروع عجز النسويات féministes عن إيجاد حل لمختلف قضايا انعتاق المرأة، فإنها ستستخدم كل القوى الفكرية النسائية (مثلا المعلمات) من أجل نشر التعليم في بلدان الشرق السوفياتية. وإذ تتفادى التهجمات الفظة وغير الفطنة على المعتقدات الدينية والتقاليد الوطنية، ينبغي أن تناضل الفروع واللجان العاملة بين نساء الشرق بوضوح ضد نفوذ القومية والدين في الأذهان.
وينبغي أن ترتكز كل منظمة للعاملات في الشرق كما في الغرب ليس على الدفاع عن المصالح الوطنية بل على خطة توحيد البروليتاريا العالمية من الجنسين في المهام الطبقية المشتركة.
بما أن مسألة العمل بين نساء الشرق ستتخذ أهمية كبرى وستمثل في الوقت نفسه مشكلة جديدة للأحزاب الشيوعية، يجب أن يجري تفصيلها عبر تعميم خاص حول أساليب العمل بين النساء في الشرق، المتلائمة مع ظروف البلدان الشرقية. وسوف يضاف التعميم إلى الموضوعات.
أساليب التحريض والدعاوة
من أجل إنجاز الرسالة الأساسية للفروع، أي التربية الشيوعية لأوسع الجماهير النسائية البروليتارية، وتعزيز كوادر أبطال الشيوعية، هناك ضرورة لأن تستوعب كل الأحزاب الشيوعية في الشرق والغرب المبدأ الأساسي للعمل بين النساء، وهو التالي: «تحريض ودعاوة مستندان إلى الواقع».
تحريض مستند إلى الواقع يعني قبل كل شيء العمل من أجل تنمية المبادرة لدى العاملة، وتحطيم افتقادها للثقة بقواها الخاصة لجعلها تنخرط في العمل العملي في مجال التنظيم والنضال، ولتعليمها عبر الواقع أن كل انتصار للحزب الشيوعي، وكل عمل ضد الاستغلال الرأسمالي هو تطور يُحسّن وضع المرأة. «من الممارسة إلى العمل، إلى الاعتراف بمثال الشيوعية الأعلى وبمبادئها النظرية»، هذا هو الأسلوب الذي ينبغي أن تتقرب به الأحزاب الشيوعية وفروعها النسائية من العاملات.
وينبغي أن تعتمد الفروع النسائية، كي تكون فعلا أجهزة عمل وليس فقط أجهزة دعاوة شفوية، على الأنوية الشيوعية في المنشآت والمشاغل وأن تكلف في كل نواة منظما خاصا بالعمل بين النساء في المنشأة أو المشغل.
وينبغي أن تدخل الفروع بعلاقات مع النقابات عبر ممثليها أو منظميها المعينين من قبل الفرع الشيوعي في النقابة والذين يقومون بعملهم تحت قيادة الفروع.
وتقوم الدعاوة للفكر الشيوعي المستندة إلى الواقع، في روسيا السوفياتية، على إدخال العاملة، والفلاحة، وربة المنزل، والمستخدمة إلى جميع المنظمات السوفياتية بدءا بالجيش والميليشيا وانتهاء بكل المؤسسات الهادفة إلى تحرير المرأة: التغذية العامة، التعليم الاجتماعي، وحماية الأمومة، إلخ. إن المهمة التي تتخذ أهمية خاصة هي إعادة بناء الاقتصاد بكل أشكاله، هذه المهمة التي يجب أن تنخرط بها العاملة.
إن الدعاوة المستندة إلى الواقع في البلدان الرأسمالية تتجه قبل كل شيء إلى جعل العاملة تنخرط في الإضرابات وفي التظاهرات والانتفاضة بكل أشكالها، التي تنُشّط الإرادة والوعي الثوريين وترفع منهما، في كل أشكال العمل السياسي، في العمل غير الشرعي (خاصة في مصالح الارتباط)، وفي تنظيم أيام السبت والآحاد الشيوعية التي تتعلم خلالها العاملات النصيرات والمستخدمات أن يكنَّ مفيدات للحزب عبر العمل التطوعي.
إن مبدأ مشاركة النساء في كل الحملات السياسية والاقتصادية والأخلاقية التي يخوضها الحزب الشيوعي، يخدم أيضا هدف الدعاوة المستندة إلى الواقع. وإن أجهزة الدعاوة بين النساء لدى الأحزاب الشيوعية ينبغي أن تمد نشاطها باتجاه فئات متزايدة من النساء المستغلات والمكبلات اجتماعيا في البلدان الرأسمالية. أمّا النساء في الدول السوفياتية، فينبغي أن تحرّر أذهانهن المكبلة بالخرافات وببقايا النظام الاجتماعي القديم، ويجب أن ترتبط بكل الحاجات والآلام، والمصالح والمطالب التي تعي بواسطتها النساء أنه يجب سحق الرأسمالية باعتبارها عدوتهن اللدود وأن الطرق ينبغي أن تكون ممهدة أمام الشيوعية، محرّرتهن.
وينبغي أن تقوم الفروع بتحريضها ودعاوتها بشكل منهجي شفهيا، وبتنظيم اجتماعات في المشاغل واجتماعات عامة سواء بالنسبة للعاملات والمستخدمات في مختلف فروع الصناعة، أو بالنسبة لربات البيوت والعاملات في كل الفروع تبعا للأحياء أو دوائر المدينة، إلخ.
وينبغي أن تسهر الفروع على أن تنتخب الفروع الشيوعية في النقابات، والتجمعات العمالية والتعاونيات منظميها ومحرضيها الخاصين للقيام بعمل شيوعي بين الجماهير النسائية للنقابات، والتعاونيات والتجمعات. وينبغي أن تسهر الفروع في الدول السوفياتية على أن تكون العاملات منتخبات إلى مجالس الصناعة وكل الأجهزة المكلفة بالإدارة والإشراف، وإدارة الإنتاج. باختصار، يجب أن تكون العاملات منتخبات في جميع المنظمات التي تخدم الجماهير المستغلة والمضطهدة في البلدان الرأسمالية، في نضالها من أجل الاستيلاء على السلطة السياسية، أو تخدم في الدفاع عن دكتاتورية البروليتاريا وتحقيق الشيوعية في الدول السوفياتية.
وينبغي أن تنتدب الفروع نساء شيوعيات ذوات تجربة إلى المصانع، ليعملن كعاملات أو مستخدمات حيث يعمل عدد كبير من النساء، كما يجري الآن في روسيا السوفياتية؛ ويجب وضع تلك الرفيقات أيضا في الأقسام والمراكز البروليتاريا الكبرى.
وباتباع نموذج الحزب الشيوعي في روسيا السوفياتية، الذي ينظم اجتماعات للمندوبين وكونفرنسات للمندوبات غير الحزبيات تحقق دائما نجاحات كبرى، ينبغي أن تنظم الفروع النسائية في البلدان الرأسمالية اجتماعات عامة للعاملات والشغيلات على اختلافهن، فلاحات، ربات بيوت؛ وتهتم هذه الاجتماعات بحاجات النساء الكادحات ومطالبهن، وينبغي أن تنتخب لجانا لهذا الغرض، وأن تتعمق في المسائل المطروحة عبر اتصال دائم مع مفوضيها والفروع النسائية في الحزب. وينبغي أن ترسل الفروع خطبائها للاشتراك في النقاشات في اجتماعات الأحزاب المعادية للشيوعية.
ينبغي أن تستكمل الدعاوة والتحريض عبر الاجتماعات ومؤسسات أخرى مشابهة بتحريض منهجي ومستمر ومتواصل في المنازل، ويجب أن تزور كل شيوعية مكلفة بهذه المهمة عشر نساء على الأقل في منازلهن، ولكن ينبغي أن تقوم بذلك بشكل منتظم مرة على الأقل في الأسبوع وعند كل تحرك مهم للأحزاب الشيوعية والجماهير البروليتارية.
وينبغي أن تخلق الفروع أدبا سهلا ملائما وتنشره؛ كراريس، وأوراق طائرة من شأنها أن تحث القوى النسائية وتُجمّعها.
وينبغي أن تسهر الفروع على أن تستخدم النساء الشيوعيات، بالشكل الأكثر نشاطا، كل المؤسسات ووسائل التثقيف الحزبية. ومن أجل تعميق الوعي لدى الشيوعيات اللواتي لا زلن متأخرات وتنشيط الإرادة لديهن؛ ينبغي أن تدعو الفروع إلى دروس ونقاشات حزبية. أمّا بصدد الدروس الخاصة، وسهرات القراءة والنقاش للعاملات فقط، فيمكن أن تنظم فقط بشكل استثنائي.
ومن أجل تنمية الروح الرفاقية بين العاملات والعمال، من المستحب عدم إنشاء مدارس ودروس خاصة للنساء الشيوعيات، ينبغي أن يكون في كل مدرسة حزبية درس حول أساليب العمل بين النساء. ويحق للفروع أن تنتدب عددا من ممثلاتها إلى الدروس الحزبية العامة.
بنية الفروع
تنظم لجان للعمل بين النساء لدى اللجان المنطقية ولجان الأقضية وأخيرا لدى اللجنة المركزية للحزب.
يقرر كل بلد بنفسه أعضاء الفرع. كما تعطى للأحزاب في مختلف البلدان حرية تحديد عدد أعضاء الفرع، الذين يدفع لهم الحزب، تبعا للظروف.
وينبغي أن تكون مديرة الفرع في الوقت نفسه عضوا في اللجنة المحلية للحزب. وعندما لا يتحقق هذا الجمع يجب أن تحضر كل جلسات اللجنة مع حق التصويت على المسائل المتعلقة بالفرع النسائي، وبصوت استشاري حول كل المسائل الأخرى.
بالإضافة إلى المهام العامة المذكورة أدناه، والتي تقع على عاتق الفروع واللجان المحلية، فستكون مكلفة بالوظائف التالية: الحفاظ على الصلة بين مختلف فروع المنطقة والفرع المركزي، اجتماعات إعلامية حول نشاط الفروع ولجان المنطقة، تبادل المعلومات بين مختلف الفروع، تزويد المنطقة أو المقاطعة بالأدبيات؛ توزيع القوى التحريضية، تعبئة قوى الحزب للعمل بين النساء، الدعوة إلى كونفرنسات منطقية للنساء الشيوعيات ولممثلات الفروع بمعدل واحدة أو اثنتين عن كل فرع، مرتين كل عام على الأقل، وأخيرا تنظيم كونفرنس للعاملات والفلاحات غير الحزبيات.
تتشكل الفروع المنطقية (للأقاليم) من خمس إلى سبع عضوات وتجري تسمية عضوات المكتب من قبل اللجنة المقابلة في الحزب بناء على ترشيح مديرة الفرع؛ ويتم انتخاب هذه الأخيرة وكذلك العضوات الأخريات من قبل لجنة القضاء أو الإقليم إلى الكونفرنس المقابل في الحزب.
تُنتخب عضوات الفروع أو اللجان إلى الكونفرنس العام للمدينة، أو للقضاء أو للإقليم، أو تجري تسميتهن من قبل الفروع المقابلة بالتوافق مع لجنة الحزب. وتتألف اللجنة المركزية للعمل بين النساء من عضوين إلى خمس عضوات احداهن على الأقل تقبض من الحزب.
بالإضافة إلى كل وظائف الفروع المنطقية المذكورة أعلاه، لدى اللجنة المركزية أيضا المهام التالية: إعطاء توجيهات للمحلات ولمناضلاتها، الإشراف على عمل الفروع، وتوزيع القوى التي تقوم بالعمل بين النساء بالاتفاق مع الأجهزة المقابلة في الحزب، الإشراف على ظروف العمل النسائي وتطوره على قاعدة التحولات القانونية أو الاقتصادية الضرورية في وضع المرأة بواسطة ممثليها أو المسؤولين، مشاركة الممثلين والمسؤولين في اللجان الخاصة التي تدرس تحسين الوضع المعيشي للطبقة العاملة، وحماية العمل، والطفولة، إلخ. نشر «ورقة» مركزية وتحرير الصحف الدورية للعاملات، دعوة لممثلات عن كل الفروع المنطقية مرة على الأقل في السنة، وتنظيم رحلات دعاوية عبر كل البلد، إرسال موجهين حول العمل الحزبي وفي كل حملاته السياسية والاقتصادية، وارتباط دائم مع الأمانة العالمية للنساء الشيوعيات واحتفال سنوي بيوم العاملة العالمي.
إذا لم تكن مديرة الفرع النسائي لدى اللجنة المركزية عضوا في هذه اللجنة، يحق لها حضور كل الجلسات مع حق التصويت على المسائل المتعلقة بالفرع، وصوت استشاري حول كل المسائل الأخرى، وتجري تسميتها إمّا من قبل اللجنة المركزية للحزب أو تنتخب من قبل المؤتمر العام لهذا الأخير. إن قرارات كل اللجان وحل هذه اللجان يجب أن تخضع للجنة الخاصة في الحزب.
العمل على الصعيد العالمي
تقع على عاتق الأمانة العالمية النسائية لدى الأممية الشيوعية قيادة عمل الأحزاب الشيوعية في كل البلدان، وتجميع القوى العمالية، وحل المهام التي تفرضها الأممية الشيوعية، وتدريب النساء من كل البلدان وكل الشعوب على النضال الثوري من أجل سلطة السوفيتات ودكتاتورية الطبقة العاملة على الصعيد العالمي.
تحدد اللجنة المركزية للحزب عدد عضوات اللجنة المركزية وعدد العضوات ذوات الصوت الاستشاري.
قرار متعلق بالعلاقات الأممية
بين النساء الشيوعيات
والأمانة النسائية للأممية الشيوعية
(جرى تبنيه في جلسة 12 حزيران / يونيو، بعد تقرير الرفيقة كولونتاي وتعديل الرفيقة زتكين).
يقترح الكونفرنس الثاني الأممي للنساء الشيوعيات على الأحزاب الشيوعية في بلدان الغرب والشرق كافة أن تقوم بانتخاب مراسلات أمميات، عبر الفرع النسائي المركزي، وتبعا لتوجيهات الأممية الثالثة. ودور مراسلة كل حزب شيوعي هو، كما تحدده «التوجيهات»، تبادل تقارير منتظمة مع المراسلات الأممية للبلدان الأخرى ومع الأمانة النسائية الأممية أيضا في موسكو التي تشكل هيئة العمل للجنة التنفيذية للأممية الثالثة. وينبغي أن تمنح الأحزاب الشيوعية المراسلات الأمميات كل الوسائل التقنية وكل إمكانات الاتصال فيما بينها ومع الأمانة في موسكو. وتجتمع المراسلات الأمميات مرة كل ستة أشهر من أجل التقويم وتبادل وجهات النظر مع ممثلات الأمانة النسائية العالمية. مع ذلك، وعند الضرورة، بإمكان هذه الأخيرة أن تجمع هذا الكونفرنس ساعة تشاء.
وتنجز الأمانة النسائية العالمية، بالاتفاق مع التنفيذية والاتصال الوثيق بالمراسلات الأمميات في مختلف البلدان، المهام المحددة في «التوجيهات». وما ينبغي القيام به بشكل خاص هو الإسراع في تطوير الحركة النسائية الشيوعية في كل بلد عبر التوجيه والعمل، هذه الحركة التي لا زالت ضعيفة. ومنح الحركة النسائية في جميع بلدان الغرب والشرق قيادة واحدة، والتحريض على تحركات وطنية وأممية وتوجيهها تحت قيادة الشيوعيين ودعمهم النشط، تحركات من شأنها أن تعزز النضال الثوري للبروليتاريا وتجعله يتسع بفعل اندفاعة النساء. وينبغي أن تضم الأمانة النسائية الأممية إليها جهازا ملحقا من أجل أن تؤمن ارتباطا أكثر وثوقا وانتظاما مع الحركات النسائية الشيوعية لكل البلدان. وسيكون على هذا الجهاز أن يقوم بالأعمال التحريضية والإضافية للأمانة الأممية، أي أن يكون تنفيذيا محضا، ولا يحق له التقرير بأي شأن من الشؤون. وهو مرتبط بقرارات وتوجيهات الأمانة العامة في موسكو واللجنة التنفيذية للأممية الثالثة. وينبغي أن تتعاون مع الجهاز الملحق في أوروبا الغربية ممثلة على الأقل من الأمانة العامة.
وطالما أنه لم يتم تحديد تشكيل الأمانة وحقل نشاطها في «التوجيهات» فسيتم تسوية هذه المسائل من قبل اللجنة التنفيذية للأممية الثالثة بالاتفاق مع الأمانة النسائية العالمية، كما ستسوي مسألة تشكيل الجهاز المساعد وشكله وسير عمله.
قرار متعلق بأشكال العمل الشيوعي
بين النساء وأساليبه
(جرى تنبيه في جلسة 13حزيران / يونيو، بعد تقرير الرفيقة كولونتاي)
إن الكونفرنس الثاني الأممي للنساء الشيوعيات المنعقد في موسكو يعلن:
أن انهيار الاقتصاد الرأسمالي وانهيار النظام البرجوازي القائم على هذا الاقتصاد، وتطور الثورة العالمية تجعل من النضال الثوري من أجل الاستيلاء على السلطة السياسية وإقامة الدكتاتورية ضرورة أكثر فأكثر حيوية وإلحاحا بالنسبة للبروليتاريا في كل البلدان حيث لا زال هذا النظام سائدا، وواجب لا يمكن إنجازه إلاّ إذا شاركت النساء الكادحات في هذا النضال بشكل واع ومصمم ومخلص.
وفي البلدان حيث استولت البروليتاريا أصلا على سلطة الدولة وإقامة دكتاتورية على شكل سوفيتات، كما في روسيا وأوكرانيا، فإنها لن تتمكن من الحفاظ على سلطتها ضد الثورة المضادة الوطنية والعالمية والبدء ببناء نظام شيوعي تحرّري، طالما أن الجماهير النسائية العمالية لم تكتسب الوعي الواضح والراسخ بأن الدفاع عن الدولة وبناءها ينبغي أن يكون عملهن.
وتبعا لذلك يقترح الكونفرنس الثاني الأممي للنساء الشيوعيات على الأحزاب في جميع البلدان، انسجاما مع مبادئ الأممية الثالثة وقراراتها، أن تعمل بأكبر نشاط ممكن من أجل توعية الجماهير النسائية وتجميعها وتكوينها بالروح الشيوعية، وجعلها تنخرط في صفوف الأحزاب الشيوعية، وتعزيز إرادة العمل والنضال لديها بشكل دائم وبإقدام.
ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف، ينبغي أن تشكل جميع الأحزاب المنتسبة إلى الأممية الثالثة فروعا نسائية في جميع أجهزتها ومؤسساتها بدءا بالأدنى بينها ووصولا إلى أعلاها. ولا تشكل هذه الفروع النسائية منظمات منفصلة؛ وليست سوى أجهزة عمل مكلفة بتعبئة العمال وتثقيفهم بهدف النضال من أجل الاستيلاء على السلطة السياسية، وكذلك من أجل تشييد الشيوعية. وتعمل في كل المجالات وفي كل وقت تحت قيادة الحزب، ولكنها تملك أيضا حرية الحركة الضرورية لتطبيق أساليب العمل وأشكاله، ولخلق المؤسسات التي تتطلبها السمات الخاصة للمرأة وموقعها المميز الذي لا زال قائما في المجتمع والعائلة.
ينبغي أن تكون الأجهزة النسائية في الأحزاب الشيوعية واعية دائما في نشاطها لهدف مهمتها المزدوج:
أ- جعل عدد متزايد باستمرار من الجماهير النسائية، المتزايدة وعيا وعزما صلبا، ينخرط في الصراع الطبقي الثوري لجميع المضطهدين والمستغلين ضد الرأسمالية ومن أجل الشيوعية.
ب- القيام بكل الإسهامات الواعية والبطولية للبناء الشيوعي، بعد انتصار الثورة البروليتارية. وينبغي أن تأخذ الأجهزة النسائية للحزب الشيوعي بالاعتبار في نشاطها أن وسائل التحريض والتثقيف ليست الخطابات والكتابات، بل ينبغي أيضا تثمين الوسائل الأكثر أهمية واستخدامها: التعاضد بين النساء الشيوعيات المنظمات في جميع مجالات نشاط – نضال وبناء – الأحزاب الشيوعية والمشاركة النشطة للنساء العاملات في جميع تحركات البروليتاريا الثورية ونضالاتها، في الإضرابات والانتفاضات العامة، وتظاهرات الشارع، والانتفاضات المسلحة.
- تعريب Céréale، وهي الحبوب التي يتغذى بها الإنسان (والحيوان) بعد طحنها، كالقمح والشعير والذرة وما يشبه ذلك (م).
- نسبة إلى ستينز Stinnes (م)
- معدن غير خالص (م).
- قانون لنش، قانون ينص على الإعدام دون محاكمة، منسوب إلى قاضٍ أميركي بهذا الاسم (م).
- نسبة للونغيه Longuet (م).
- العمل الذي يرجع فيه القائم به الى الصفر باستمرار على طريقة البطل الاسطوري الذي يحمل هذا الاسم (م).
- النسوية Féminisme هي نزعة الى تحسين وضع المرأة في المجتمع بتوسيع حقوقها ومد سلطاتها (م).
- العاملات في الحركة النسوية لتحسين وضع المرأة (م).
المؤتمر الرابع
قرار حول تكتيك الأممية الشيوعية
أولاً: تثبيت قرارات المؤتمر الثالث
يسجل المؤتمر الرابع، قبل كل شيء، أن قرارات المؤتمر العالمي الثالث:
1) حول الأزمة الاقتصادية العالمية ومهام الأممية الشيوعية؛
2) حول تكتيك الأممية الشيوعية؛
قد أثبتتها كلياً مجرى الأحداث وتطور الحركة العمالية في المرحلة الفاصلة بين المؤتمرين الثالث والرابع.
ثانياً: مرحلة انحطاط الرأسمالية
بعد تحليل الوضع الاقتصادي العالمي، تمكن المؤتمر الثالث من أن يبيّن من الدقة أن الرأسمالية، بعد أن أنجزت رسالتها بتطوير القوى المنتجة، وقعت في تناقض لا سبيل للتغلب عليه ليس فقط مع حاجات التطور التاريخي الراهن، بل أيضاً مع الشروط الأكثر أولية للوجود الإنساني. وانعكس هذا التناقض الأساسي بشكل خاص بفعل الحرب الامبريالية الأخيرة وتفاقم أيضاً بفعل هذه الحرب التي زعزعت بشكل عميق جداً نظام الإنتاج والتبادل. إن الرأسمالية التي تعيش هكذا على أمجادها الغابرة، قد دخلت في المرحلة التي يحطم فيها العمل التدميري لقواها المنفلتة من عقالها المكاسب الاقتصادية الخلاّقة التي حققتها البروليتاريا في روابط العبودية الرأسمالية، ويشلّها.
إن اللوحة العامة لدمار الاقتصاد الرأسمالي لم تلطِّف منها إطلاقاً التقلبات المحتومة الخاصة بالنظام الرأسمالي، في انحدار هذا النظام كما في صعوده. والمحاولات التي قام بها الاقتصاديون الوطنيون البرجوازيون والاشتراكيون الديمقراطيون لإظهار التحسن الذي تم تسجيله في النصف الثاني من عام 1921 في الولايات المتحدة، وبمقدار أقل في اليابان انجلترا، وبجزء منه في فرنسا وبلدان أخرى، كمؤشر على إعادة التوازن الرأسمالي، هذه المحاولات تقوم بجزء منها على إرادة تزويد الوقائع، وبالجزء الآخر على قلة الفطنة لدى خدم رأس المال. وكان المؤتمر الثالث، حتى قبل بدء الازدهار الصناعي الراهن، توقع هذا الازدهار في مستقبل قريب إلى هذا الحد أو ذاك، وحدده آنذاك بالشكل الأكثر دقة كموجة سطحية على خلفية التدمير المتنامي للاقتصاد الرأسمالي. ويمكننا من الآن أن نتوقع بوضوح أنه، إذا لم يكن ازدهار الصناعة الراهن قادراً، حتى في مستقبل بعيد، على إعادة التوازن الرأسمالي أو حتى شفاء الجروح الفاغرة التي تركتها الحرب، فإن الأزمة الدورية القادمة، التي سوف يتطابق عملها مع الخط الرئيسي للتدمير الرأسمالي، سوف تفاقم كل مظاهر هذا الأخير، وتفاقم نتيجة لذلك أيضاً وبشكل خارق، الوضع الثوري.
وستظل الرأسمالية، حتى موتها، فريسة تقلباتها الدورية. وفقط استيلاء البروليتاريا على السلطة والثورة العالمية الاشتراكية، يمكنهما إنقاذ الإنسانية من هذه الكارثة الدائمة التي يسببها بناء الرأسمالية الحديثة.
وما تمر به الرأسمالية اليوم ليس شيئاً آخر سوى احتضارها. فانهيار الرأسمالية محتم.
ثالثاً: الوضع السياسي العالمي
يعكس الوضع السياسي العالمي أيضاً التدمير التدريجي للرأسمالية.
إن مسألة التعويضات لم تحل بعد حتى الآن. وفيما تتلاحق الكونفرنسات التي تعقدها الدول المتحالفة، يتواصل الانهيار الاقتصادي في ألمانيا ويهدد وجود الرأسمالية في أوروبا الوسطى بأكملها. وتفاقم الوضع الاقتصادي الألماني الكارثي سوف يجبر الحلفاء على التنازل عن التعويضات، مما يسرع الأزمة الاقتصادية والسياسية في فرنسا، أو يؤدي إلى كتلة صناعية فرنسية ـ ألمانية في القارة؛ وهذا الواقع يفاقم الوضع الاقتصادي في انجلترا ووضعها في السوق العالمي، ويضع انجلترا سياسياً بواجهة القارة الأوروبية.
وفي الشرق الأدنى واجهت سياسة الحلفاء إفلاساً كاملاً. فقد مزّقت حراب الأتراك معاهدة سيفر؛ والحرب التركية ـ اليونانية والحوادث التي تلتها أظهرت بوضوح عدم ثبات التوازن السياسي الراهن. وظهر شبح حرب عالمية امبريالية جديدة بجلاء، وبعد أن ساعدت فرنسا الامبريالية، لدوافع تنافسية مع انجلترا، في اتخذا قرار العمل المشترك للحلفاء في الشرق الأدنى، دفعتها من جديد مصالحها الرأسمالية إلى الجبهة المشتركة الرأسمالية ضد شعوب الشرق، وبذلك، تثبت فرنسا الرأسمالية لشعوب الشرق الأدنى أنه لا يمكنها أن تخوض نضالها الدفاعي ضد الاضطهاد إلا جنباً إلى جنب مع روسيا السوفياتية وبدعمٍ من البروليتاريا الثورية في العالم أجمع.
وفي الشرق الأقصى حاولت الدول المتحالفة المنتصرة أن تعيد النظر في واشنطن بسلام فرساي، ولكنها بذلك لم تفعل أكثر من أخذ استراحةٍ عن طريق الحد، لسنوات قليلة، من فئة واحدة من أنواع الأسلحة، أي من العدد الكبير من السفن الحربية. ولم تصل إلى حل للمسألة. حيث يستمر الصراع بين أميركا واليابان، ويغذي الحرب الأهلية في الصين. وتبقى سواحل المحيط الهادئ بعد واشنطن، كما قبلها، بؤرة لصراعات كبرى.
ويظهر مثال حركات التحرر الوطنية في الهند ومصر وايرلندا وتركيا أن البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة تشكل بؤراً لحركة ثورية متنامية ضد القوى الامبريالية، ومستودعاتٍ لا تنضب لقوى ثورية تنقلب موضوعياً، في الوضع الراهن، ضد كامل وجود النظام البرجوازي العالمي.
لقد صفّت الأحداث سلام فرساي، ولكنه لم يخلُ المكان لاتفاق عام بين الدول الرأسمالية، ولإلغاء الامبريالية؛ بل خلق على العكس تضادّات جديدة، وحملات تسلح جديدة. وفي الظرف المحدد، من المستحيل إعادة بناء أوروبا. فأميركا الرأسمالية لا تريد القيام بأي تضحية من أجل إعادة بناء الاقتصاد الرأسمالي الأوروبي وأميركا الرأسمالية تحوّم مثل نسر فوق الجسد المحتضر للرأسمالية الأوروبية التي ستكون هي وريثتها. وأميركا ستحوّل أوروبا الرأسمالية إلى العبودية إذا لم تستول الطبقة العاملة الأوروبية على السلطة، وتنكب على إصلاح دمار الحرب العالمية، وعلى الشروع ببناء جمهورية اتحادية للسوفياتات الأوروبية.
إن الأحداث الأخيرة التي جرت في النمسا تميز الوضع السياسي الأوروبي بصورة فائقة. فبأمر من امبريالية الدول الحليفة، وبترحيب من البرجوازية النمساوية، ألغيت الديمقراطية الشهيرة، مفخرة زعماء أممية فيينا، والتي من اجلها خان هؤلاء الأخيرون مصالح البروليتاريا باستمرار وعهدوا بها إلى حرس الملكيين والاشتراكيين المسيحيين ـ والقوميين الذين ساعدتهم على استعادة سلطتهم، ألغيت بشحطة قلم في جنيف واستُبدِلت بدكتاتورية مفتوحة لشخص مطلق الصلاحيات من قبل الحلفاء. والبرلمان البرجوازي بالذات تم إلغاؤه في الواقع واستبداله بوكيل لأصحاب البنوك في الدول الحليفة. وبعد مقاومة قصيرة مخادعة، استسلم الاشتراكيون ـ الديمقراطيون وساعدوا في تنفيذ هذه المعاهدة المخزية. وأعلنوا حتى عن استعدادهم للدخول من جديد في الائتلاف تحت شكل يكاد يكون مقنّعاً، من أجل منع البروليتاريا من المقاومة.
تظهر هذه الأحداث في النمسا وانقلاب إيطاليا الفاشي الأخير، بشكل مذهلٍ، عدم استقرار الوضع برمته وتثبت بشكل فائق أن الديمقراطية ليست سوى خيال، وليست في الواقع سوى الدكتاتورية المقنّعة للبرجوازية، تستبدلها هذه الأخيرة عندما يحين الأوان بالرجعية المفتوحة الأكثر فظاظة.
وفي الوقت نفسه، تعزز بشكل كبير الوضع السياسي العالمي لروسيا السوفياتية، البلد الوحيد الذي هزمت فيه البروليتاريا البرجوازية وحافظت على سلطتها خلال خمس سنوات ضد هجمات أعدائها.
وفي جنوى ولاهاي، حاول رأسماليو الدول الحليفة إجبار الجمهورية السوفياتية في روسيا على التخلي عن تأميم الصناعة، وجعلها ترزح تحت ثقل ديون تحولها بالفعل إلى مستعمرة للحلفاء. إلا أن الدولة البروليتارية في روسيا السوفياتية كانت قوية بشكل كافٍ لمقاومة هذه المطامع. وفي فوضى النظام الرأسمالي السائر نحو الانحلال تشكل روسيا السوفياتية، من بيريزينا إلى فلاديفسوستوك، من الشاطئ المورماني إلى جبال أرمينيا، عاملاً متنامي القوة في أوروبا، والشرقين الأقصى والأدنى. وعلى الرغم من محاولات العالم الرأسمالي لخنق روسيا عن طريق الحصار المالي، ستكون هذه الأخيرة قادرة على التصدي لإعادة البناء الاقتصادي. وضمن هذا الهدف، سوف تستخدم مواردها الاقتصادية الخاصة كما المنافسة بين الرأسماليين، التي سوف تجبر هؤلاء على خوض مفاوضات منفصلة مع روسيا السوفياتية. فوجود جمهورية السوفياتات الروسية وحده يؤثر في المجتمع البرجوازي كعنصر للثورة العالمية. وكلما نهضت روسيا السوفياتية وتوطدت اقتصادياً، كلما نما تأثير هذا العامل الثوري المهيمن في السياسة العالمية.
رابعاً: هجمة رأس المال
بما أن البروليتاريا في جميع البلدان، باستثناء روسيا، لم تستفد من حالة الضعف الرأسمالية التي سببتها الحرب، من أجل توجيه ضربات حاسمة لها، استطاعت البرجوازية، بفضل مساعدة الاشتراكيين ـ الإصلاحيين، سحق العمال الثوريين المستعدين للمعركة، وتوطيد سلطتها السياسية والاقتصادية وبدء هجمة جديدة على البروليتاريا. فكل محاولات البرجوازية لإعادة تسيير الإنتاج والإصلاح الصناعي بعد عاصفة الحرب العالمية، تمت على حساب البروليتاريا. وأخذت الهجمة الشاملة والمنهجية التي نظمها رأس المال ضد كل مكاسب الطبقة العاملة، أخذت كل البلدان في إعصارها. وفي كل مكان يخفض رأس المال المعاد تنظيمه الأجر الحقيقي للعمال دون رحمة، ويمدد يوم العمل وينتقص من الحقوق المتواضعة للبروليتاريا في الصناعة؛ وفي البلدان حيث سعر صرف العملة منخفض يجبر العمال الذين تحولوا إلى حياة التسوّل على دفع نفقات البؤس الذي يسببه انخفاض قيمة العملة في الحياة الاقتصادية إلخ…
إن هجمة رأس المال، التي اتخذت في مجرى هذه السنوات الأخيرة أبعاداً ضخمة، تجبر العمال في جميع البلدان على خوض نضالات دفاعية. فقد قبل آلاف وعشرات آلاف العمال المعركة في فروع الإنتاج الأكثر أمية، فيما يدخل عمال جدد دائماً إلى المعركة، عمال يأتون من الفروع الأكثر حسماً في الحياة الاقتصادية (عمال سكك الحديد، والمناجم، وعال صناعة المعادن، وموظفو الدولة ومستخدمو البلديات). لم تلاق معظم هذه الإضرابات حتى الوقت الحاضر أي نجاحات مباشرة؛ لكن هذا النضال يولد لدى جماهير جديدة أكثر فأكثر اتساعاً من العمال المتخلفين في السابق كرهاً لا متناهياً للرأسماليين وسلطة الدولة التي تحميهم. ويحطم هذا النضال سياسة وحدة العمل مع أصحاب المشاريع، التي تقودها الاشتراكية ـ الإصلاحية والبيروقراطية النقابية. ويُظهر هذا النضال حتى للشرائح الأكثر تخلفاً من البروليتاريا العلاقة البديهية بين الاقتصاد والسياسة. فكل إضراب كبير يصبح اليوم حدثاً سياسياً هاماً. وبهذه المناسبة، بدا أن أحزاب الأممية الثانية وقادة أمستردام النقابيين ليس فقط لم يقوموا بتقديم أي عون للجماهير العمالية المنخرطة في معارك دفاعية قاسية، بل تخلوا عنها حتى وخانوها لصالح أصحاب المشاريع، وأرباب العمل والحكومات البرجوازية.
إن إحدى مهمات الأحزاب الشيوعية هي أن تشهّر علناً بهذه الخيانة المذهلة والمتواصلة، وتبرز ذلك في النضالات اليومية للجماهير العمالية. وواجب الأحزاب الشيوعية في كل البلدان أن تنشر الإضرابات الاقتصادية العديدة التي تندلع في كل مكان وتعمقها، وتحولها إذا أمكن إلى إضرابات ونضالات سياسية. لا بل إن الواجب الطبيعي للأحزاب الشيوعية هو أن تستفيد من النضالات الدفاعية من أجل تعزيز الوعي الثوري وإرادة المعركة لدى الجماهير البروليتارية على الشكل الذي يمكّنها، عندما تصبح قوية بشكل كاف، من الانتقال من الدفاع إلى الهجوم.
إن تفاقم التضادات المنظَّم بين البروليتاريا والبرجوازية بفعل وجود هذه النضالات لا مفر منه. والوضع يبقى ثورياً بشكل موضوعي. وأدنى فرصة تتوفر اليوم يمكن أن تصبح نقطة انطلاق لنضالات ثورية كبرى.
خامساً: الفاشية العالمية
إن السياسة الهجومية للبرجوازية ضد البروليتاريا كما تظهر بشكل صارخ جداً في الفاشية العالمية، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بهجمة رأس المال على الصعيد الاقتصادي. ونظراً لأن البؤس يسرِّع من تطور عقلية الجماهير باتجاه ثوري، وتلك سيرورة تطول الطبقات الوسطى بما فيها الموظفين وتزعزع أمن البرجوازية التي لم تعد البيروقراطية أداتها الطِّيعة. فأساليب القهر الشرعية لم تعد تكفي البرجوازية لهذا تسعى جهدها في كل مكان لإنشاء حرس أبيض معدّ بشكل خاص لمحاربة كل الجهود الثورية للبروليتاريا ويخدم في الواقع أكثر فأكثر في سحق محاولات البروليتاريا من أجل تحسين وضعها.
تقوم الخاصية المميزة للفاشية الإيطالية، الفاشية «الكلاسيكية» التي استولت لفترة على البلد بأكمله، ليس فقط على كون الفاشيين يشكلون منظمات متتالية معادية للثورة بحصر المعنى ومسلحة حتى العظم، بل كذلك لأنهم يسعون، عبر ديماغوجية اجتماعية، لخلق قاعدة لهم بين الجماهير، وفي طبقة الفلاحين، والبرجوازية الصغيرة، وحتى في بعض أجزاء البروليتاريا، عبر استخدام الخيبات التي سببتها الديمقراطية المزعومة، استخداماً ذكياً، لأجل أهدافهم المعادية للثورة.
إن خطر الفاشية قائم الآن في العديد من البلدان: في تشيكوسلوفاكيا، والمجر، وجميع البلدان البلقانية تقريباً، وبولندا وألمانيا (بافاريا)، والنمسا وأميركا وحتى في بلد مثل النرويج. والفاشية ليست مستحيلة، تحت هذا الشكل أو ذاك، في بلدان مثل فرنسا وانجلترا.
إن إحدى المهمات الأكثر أهمية للأحزاب الشيوعية هي تنظيم المقاومة ضد الفاشية العالمية، والوقوف على رأس البروليتاريا بأكملها في النضال ضد العصابات الفاشية، وتطبيق تكتيك الجبهة المتحدة بشكل نشط على هذه الأرضية أيضاً؛ والأساليب غير الشرعية ضرورية أيضاً بشكل مطلق هنا.
ولكن المغامرة الفاشية المجنونة هي الورقة الأخيرة للبرجوازية. فالسيطرة المفتوحة للحرس الأبيض موجهة بصورة بشكل عامة ضد أسس الديمقراطية البرجوازية نفسها. إن أوسع جماهير الشعب العامل تقتنع أكثر فأكثر بواقع أن سيطرة البرجوازية ليست ممكنة إلا بواسطة دكتاتورية غير مقنَّعة على البروليتاريا.
سادساً: إمكانية أوهام سلمية جديدة
ما يميز الوضع السياسي العالمي في اللحظة الراهنة، هو الفاشية وحالة الحصار والموجة الصاعدة للإرهاب الأبيض ضد البروليتاريا. لكن ذلك لا يلغي إمكانية استبدال الرّجعة البرجوازية المفتوحة، في وقت قريب إلى هذا الحد أو ذاك وفي بلدان هامة جداً، بحقبة «ديمقراطية سليمة».
إن مرحلة الـ «ديمقراطية السليمة» الانتقالية هذه محتملة في إنجلترا (تعزيز حزب العمال في الانتخابات الأخيرة) وفي فرنسا (مرحلة قادمة لا مفر منها لـ «جبهة اليسار») ويمكن أن تحيي الآمال السلمية من جديد في ألمانيا البرجوازية والاشتراكية ـ الديمقراطية.
وبين المرحلة الراهنة لسيطرة الرجعة البرجوازية المفتوحة والانتصار الكامل للبروليتاريا الثورية على البرجوازية، هناك مراحل متنوعة وحقبات عابرة مختلفة محتملة. وينبغي أن تنظر الأممية الشيوعية وفروعها في هذه الاحتمالات وتحسن الدفاع عن المواقف الثورية في جميع الأوضاع.
سابعاً: الوضع داخل الحركة العمالية
بينما وجدت الطبقة العاملة نفسها، إثر هجمة رأس المال، مضطرة لاتخاذ موقف دفاعي، أنجز التقارب وأخيراً الاندماج بين أحزاب الوسط (المستقلين) والاشتراكيين الخونة المعلنين (الاشتراكيين ـ الديمقراطيين). ففي حقبة الاندفاعية الثورية، حتى الوسطيون أيدوا، تحت ضغط الاستعداد الذهني للجماهير، دكتاتورية البروليتاريا وبحثوا عن الطريق المؤدي إلى الأممية الثالثة. وخلال جَزْر موجة الثورة، الذي ليس بأي حال إلا ظرفياً، يسقط هؤلاء الوسطيون مجدداً في معسكر الاشتراكية ـ الديمقراطية الذي لم يتحرروا منه يوماً في الواقع. وفيما اتخذوا في حقبات النضالات الثورية الجماهيرية موقفاً متردداً ومتذبذباً بشكل متواصل، يرفضون المشاركة الآن في النضالات الدفاعية ويعودون إلى معسكر الأممية الثانية، التي كانت دائماً، بشكل واعٍ أو غير واعٍ معادية للثورة. إن الأحزاب الوسطية والأممية 2,5 هما في مسار التفسخ. والجزء الأفضل من العمال الثوريين الذي كان يقف مؤقتاً في معسكر الوسطية، سينتقل مع الوقت إلى الأممية الشيوعية. وهنا وهناك قد بدأ أصلاً هذا الانتقال (ايطاليا). والأغلبية الساحقة من القادة الوسطيين المرتبطين حالياً بنوسكه، وموسوليني، إلخ… سيصبحون على العكس من المعادين للثورة المتصلبين.
موضوعياً، يمكن أن يكون اندفاع أحزاب الأممية الثانية والأممية 2,5 مفيداً للحركة العمالية الثورية. فوهم حزب ثوري خارج المعسكر الشيوعي يختفي بذلك. فمن الآن وصاعداً هناك مجموعتان فقط داخل الطبقة العاملة تناضلان من أجل كسب الأغلبية: الأممية الثانية التي تمثل نفوذ البرجوازية داخل البروليتاريا، والأممية الثالثة التي رفعت راية الثورة الاشتراكية ودكتاتورية البروليتاريا.
ثامناً: الانقسام ادخل النقابات
يهدف اندماج الأمميتين 2 و2,5 بلا ريب لإعداد «جو ملائم» لحملة منظمة ضد الشيوعيين. وشق النقابات بشكل منهجي من قبل قادة أممية أمستردام هو جزء من هذه الحملة. فرجال أمستردام يتراجعون أمام كل نضال ضد هجمة رأس المال ويواصلون بالأحرى سياستهم الائتلافية مع أرباب عملهم. ولكيلا يزعجهم الشيوعيون في تحالفهم هذا مع أصحاب مؤسساتهم، فإنهم يسعون لإلغاء تأثير الشيوعيين نهائياً وبشكل منظم في النقابات. ولكن بما أن الشيوعيين مع ذلك قد كسبوا إلى الآن الأغلبية في النقابات، أو أنهم في طريقهم لكسبها، فإن رجال أمستردام لا يتراجعون أمام أي طرد جماعي، ولا أمام الانشقاق القطعي للنقابات. فلا شيء يضعف قوى المقاومة البروليتارية ضد هجمة رأس المال أكثر من انشقاق النقابات. وقادة النقابات الإصلاحيون يعرفون ذلك تماماً. لكن بما أنهم يلاحظون أن الأرض تميد تحتهم وأن إفلاسهم محتّم وقريب، فإنهم يتعجلون شق النقابات، هذه الأدوات التي لا بديل منها في نضال الطبقة البروليتارية، كي لا يعود يتلقى الشيوعيون إلا ركام المنظمات النقابية القديمة وشظاياها. فمنذ آب / أغسطس 1914 لم تشهد الطبقة العاملة خيانة أكثر سوءاً.
تاسعاً: كسب الأغلبية
ضمن هذه الشروط، فإن التوجه الأساسي للمؤتمر العام الثالث: «كسب تأثير شيوعي بين أغلبية الطبقة العاملة وقيادة الجزء الحاسم من هذه الطبقة للمعركة»، يحتفظ بكل قوته.
إن المفهوم الذي يمكن تبعاً له، ضمن التوازن غير المستقر الحالي في المجتمع البرجوازي، أن تندلع أزمة كبيرة فجأة إثر إضراب كبير، أو نهوض في المستعمرات، أو حرب جديدة أو حتى أزمة برلمانية، يحتفظ بكل قوته اليوم أكثر أيضاً مما في حقبة المؤتمر الثالث. ولكن لهذا السبب تحديداً يكتسب العامل «الذاتي»، أي درجة وعي الطبقة العاملة وطليعتها، وإرادتهما ونضاليتهما وتنظيمهما، أهمية كبرى.
ينبغي كسب أغلبية الطبقة العاملة الأميركية والأوروبية، هذه هي المهمة الأساسية للأممية الشيوعية حالياً، كما في السابق.
ولدى الأممية الشيوعية في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة، مهمتان:
1 ـ أن تخلق نواة لحزب شيوعي يدافع عن المصالح العامة للبروليتاريا.
2 ـ أن تدعم الحركة الوطنية الثورية الموجهة ضد الامبريالية بكل قواها، وتصبح طليعة هذه الحركة وتُبرز الحركة الاجتماعية داخل الحركة الوطنية وتعززها.
عاشراً: الحكومة العمالية
ينبغي أن تُستخدم الحكومة العمالية (واحتمالاً الحكومة الفلاحية) في كل مكان كشعار دعاوي عام. ولكن الحكومة العمالية تمثل كشعار للسياسة الراهنة أهمية كبرى في البلدان حيث وضع المجتمع البرجوازي غير مضمون جداً بشكل مميز، وحيث يضع ميزان القوى بين الأحزاب العمالية والبرجوازية حل مسألة الحكومة العمالية على جدول الأعمال كضرورة سياسية.
في هذه البلدان يشكل شعار «حكومة عمالية» نتاجاً محتماً لتكتيك الجبهة الواحدة بأكمله.
تسعى أحزاب الأممية الثانية في هذه البلدان لـ «إنقاذ» الوضع عبر النصح بائتلاف البرجوازيين مع الاشتراكيين ـ الديمقراطيين وعبر تحقيقه. والمحاولات الأخيرة التي قامت بها بعض أحزاب الأممية الثانية (في ألمانيا مثلاً)، في حين رفضت المشاركة علانية بهكذا حكومة ائتلافية، من أجل أن تحقق ذلك في الوقت نفسه بشكل مقنَّع، ليست شيئاً آخر سوى مناورة تتجه لتهدئة الجماهير المحتجة على كل ائتلاف مماثل، وليست سوى خداع مهذب للجماهير العمالية. إن الشيوعيين يواجهون الائتلاف البرجوازي والاشتراكي ـ الديمقراطي العلني أو المقنّع بالجبهة الواحدة لكل العمال والائتلاف السياسي والاقتصادي لكل الأحزاب العمالية ضد السلطة البرجوازية، ينبغي أن يسقط جهاز الدولة بأكمله بين أيدي الحكومة العمالية، وتتوطد مواقع الطبقة العاملة.
وينبغي أن يقوم البرنامج الأولي جداً لأي حكومة عمالية على تسليح البروليتاريا، ونزع سلاح المنظمات البرجوازية المعادية للثورة، وإنشاء الرقابة على الإنتاج، وتحميل الأغنياء العبء الضريبي الأساسي، وكسر مقاومة البرجوازية المعادية للثورة.
وحكومة من هذا النوع ليست ممكنة إلا إذا ولدت في نضال الجماهير نفسها، وإذا استندت إلى الأجهزة العمالية القادرة على المعركة والمنشأة من قبل أوسع شرائح الجماهير العمالية المضطهدة. إن حكومة عمالية ناتجة عن تركيبة برلمانية، يمكن أن تقدم فرصة كذلك لإحياء الحركة العمالية الثورية. ولكن من البديهي أن ولادة حكومة عمالية حقاً والحفاظ على حكومة تقود سياسة ثورة ينبغي أن يؤديا إلى النضال الأكثر ضراوة، ومن المحتمل إلى الحرب الأهلية ضد البرجوازية. إن مجرد محاولة البروليتاريا تشكيل حكومة عمالية ستصطدم منذ البداية بالمقاومة أكثر عنفاً للبرجوازية. فشعار الحكومة العمالية هو ملائم إذاً لتركيز النضالات الثورية وإطلاقها.
وينبغي في بعض الظروف أن يعلن الشيوعيون استعدادهم لتشكيل حكومة مع الأحزاب والمنظمات العمالية غير الشيوعية. ولكن لا يمكن التصرف كذلك إلا إذا أعطيت لهم ضمانات بأن هذه الحكومات العمالية ستخوض فعلاً النضال ضد البرجوازية في الاتجاه المشار إليه أعلاه. وفي هذه الحالة ستكون الشروط الطبيعية لمشاركة الشيوعيين في حكومة مماثلة هي التالية:
1 ـ إن المشاركة في الحكومة العمالية لا يمكن أن تتم إلا بموافقة الأمية الشيوعية؛
2 ـ يبقى الأعضاء الشيوعيون في الحكومة العمالية خاضعين لإشراف حزبهم الأكثر صرامة.
3 ـ يبقى الأعضاء الشيوعيون في الحكومة العمالية على اتصال وثيق بالمنظمات الجماهيرية الثورية.
على الرغم من الفوائد الكبرى لشعار الحكومة العمالية فإن له مخاطر أيضاً، وكذلك كل تكتيك الجبهة الواحدة. من أجل تفادي هذه المخاطر لا ينبغي أن يغيب عن أنظار الأحزاب الشيوعية إنه إذا كانت حكومة برجوازية هي في الوقت نفسه حكومة رأسمالية، فليس صحيحاً أن كل حكومة عمالية ستكون حكومة بروليتاريا حقاً، أي أداة ثورية لسلطة البروليتاريا.
ينبغي أن تنظر الأممية الشيوعية إلى الاحتمالات التالية:
1 ـ حكومة عمالية ليبرالية. وتوجد حكومة من هذا النوع حالياً في أستراليا؛ وممكن أيضاً أن يكون هناك واحدة أيضاً في انجلترا في وقت قريب إلى هذا الحد أو ذاك؛
2 ـ حكومة عمالية اشتراكية ـ ديمقراطية (ألمانيا)؛
3 ـ حكومة عمال وفلاحين. ويمكن توقع هذا الاحتمال في البلقان وتشيكوسلوفاكيا إلخ…
4 ـ حكومة عمالية بمشاركة شيوعيين؛
5 ـ حكومة عمالية بروليتارية فعلاً ولا يمكن أن تتجسد هذه الحكومة، بشكلها الأكثر نقاء، إلا عبر حزب شيوعي.
إن النموذجين الأولين للحكومة العمالية ليسا حكومتين عماليتين ثوريتين، بل حكومتان مموهتان للائتلاف بين البرجوازية والقادة العماليين المعادين للثورة. وهذه «الحكومة العمالية» تتحملها البرجوازية المضعفة في المراحل الحرجة من أجل خداع البروليتاريا حول الطابع الطبقي الحقيقي للدولة، أو من أجل تبديل اتجاه الهجمة. لا ينبغي أن يشارك الشيوعيين بهكذا حكومات. بل ينبغي على العكس أن يفضحوا دون شفقة أمام الجماهير الطابع الحقيقي لهذه «الحكومات العمالية» الزائفة. وفي مرحلة انحدار الرأسمالية، حيث تقوم المهمة الأساسية على كسب أغلبية العمال للثورة، يمكن أن تساهم هذه الحكومات موضوعياً في تعجيل سيرورة تفكك النظام البرجوازي.
والشيوعيون مستعدون للسير أيضاً مع العمال، ومع الاشتراكيين الديمقراطيين، ومع المسيحيين، وغير الحزبيين، والنقابيين، إلخ… الذين لم يعترفوا بعد بضرورة دكتاتورية البروليتاريا. والشيوعيون مستعدون كذلك، في بعض الظروف وبضمانات محددة، لدعم حكومة عمالية غير شيوعية. ولكن ينبغي أن يشرح الشيوعيون للطبقة العاملة، أياً يكن الثمن، أن تحررها لا يمكن أن يتحقق إلا عبر دكتاتورية البروليتاريا.
أما النموذجان الآخران للحكومة العمالية اللذان يمكن أن يشارك فيهما الشيوعيون فليسا بعد دكتاتورية؛ ولا يشكلان بعد شكلاً انتقالياً ضرورياً نحو الدكتاتورية، ولكن بإمكانهما أن يشكلا نقطة انطلاق نحو الظفر بهذه الدكتاتورية. فدكتاتورية البروليتاريا الناجزة لا يمكن أن تتحقق إلا بواسطة حكومة عمالية مشكلة من شيوعيين.
أحد عشر: حركة مجالس المشاغل
لا يمكن أن يعتبر أي حزب شيوعي حزباً شيوعياً جماهيرياً حقاً، وجدياً وصلباً، إذا لم تكن لديه أنوية شيوعية في المنشآت، والمصانع، والمناجم، وسكك الحديد، إلخ… وفي الظروف الحالية لا يمكن النظر إلى أي حركة كحركة منظمة بشكل منهجي إذا لم تنجح في إنشاء لجان مصانع للطبقة العاملة ومنظماتها كقاعدة لهذه الحركة. إن النضال ضد هجمة رأس المال ومن أجل الإشراف على الإنتاج سيكون دون أمل إذا لم يمتلك الشيوعيون نقاط ارتكاز صلبة في جميع المنشآت، وإذا لم تعرف البروليتاريا كيف تنشئ أجهزتها البروليتارية القتالية الخاصة في المنشآت (لجان مشاغل، مجالس عمالية).
يرى المؤتمر أن إحدى المهمات الأساسية لكل الأحزاب الشيوعية هي أن تتوطد في الصناعات أكثر مما فعلت حتى الآن وأن تدعم حركة مجالس المشاغل أو تبادر إلى إنشاء هذه الحركة.
اثني عشر: الأممية الشيوعية حزب عالمي
ينبغي أن تنتظم الأممية الشيوعية أكثر فأكثر كحزب شيوعي عالمي، مكلف بقيادة النضال في جميع البلدان.
ثلاثة عشر: الانضباط الأممي
من أجل تطبيق تكتيك الجبهة الواحدة عالمياً وفي مختلف البلدان يصبح الانضباط الأممي الأكثر صرامة في الأممية الشيوعية وفي مختلف فروعها ضرورياً أكثر مما في أي وقت مضى.
ويفرض المؤتمر الرابع على جميع الفروع وعلى جميع الأعضاء بشكل قاطع الانضباط الأكثر صرامة في تطبيق التكتيك الذي لن يكون خصباً إلا إذا طُبِّق في جميع البلدان ليس فقط بالأقوال بل أيضاً بالأفعال.
فالقبول بواحد وعشرين شرطاً يفرض تطبيق كل القرارات التكتيكية للمؤتمرات العالمية وللتنفيذية باعتبارها جهازاً للأممية الشيوعية في الفترة الفاصلة بين مؤتمرين عالميين.
ويكلّف المؤتمر التنفيذية بتحديد تطبيق القرارات التكتيكية من قبل جميع الأحزاب بالشكل الأكثر صرامة والسهر على ذلك. وحده التكتيك الثوري الذي رسمته الأممية الشيوعية سيؤمن النصر للثورة البروليتارية العالمية بأسرع ما يمكن.
* * *
يقرر المؤتمر إضافة نص الموضوعات الذي تبنته التنفيذية في كانون الأول / ديسمبر 1921 والمتعلق بالجبهة الواحدة، كملحق لهذا القرار. فهذه الموضوعات تعرض بشكل صحيح ومفصل تكتيك الجبهة الواحدة(1).
موضوعات حول وحدة الجبهة البروليتارية
1 ـ تمر الحركة العالمية في هذه اللحظة بمرحلة انتقالية تطرح أمام الأممية الشيوعية وأمام فروعها مشاكل تكتيكية جديدة وهامة.
وتتميز هذه المرحلة بشكل خاص بالوقائع التالية:
الأزمة الاقتصادية العالمية تتفاقم. والبطالة تتنامى. وفي جميع البلدان تقريباً يشن رأس المال هجمة منظمة ضد الطبقة العاملة، هدفها المعلن في البداية هو خفض الأجور وحط الشروط المعيشية للشغيلة. ويصبح إفلاس سلام فرساي أكثر فأكثر بديهية بالنسبة للجماهير الكادحة نفسها. ومن الواضح أنه إذا لم تتوصل البروليتاريا العالمية إلى تدمير النظام البرجوازي، فلن تتأخر أي حرب امبريالية جديدة أو عدة حروب في الاندلاع. وهذا ما أظهره كونفرانس واشنطن بشكل بليغ.
2 ـ إن الأوهام الإصلاحية التي شهدت حظوة متجددة لدى أوسع الجماهير العمالية، إثر ظروف متنوعة، تخلي المكان، أمام الوقائع القاسية، لذهنية مختلفة تماماً. فالأوهام الديمقراطية والإصلاحية، التي وجدت من جديد، بعد الحرب الامبريالية، أرضية لدى فئة من الشغيلة أصحاب الامتيازات، كذلك بين العمال الأكثر تخلفاً من وجهة النظر السياسية، تختفي حتى قبل أن تتمكن من الازدهار. وقد وجهت لها نتائج أعمال كونفرانس واشنطن الضربة القاضية. وإذا كان بإمكاننا قبل ستة أشهر أن نتحدث، مع ظاهر حق، عن تطور ما لدى الجماهير العمالية الأوروبية والأمريكية نحو اليمين، فلا يمكننا أن ننفي في هذه اللحظة بداية توجه جديد نحو اليسار.
3 ـ من جهة ثانية، أثارت الهجمة الرأسمالية لدى الجماهير العمالية ميلاً عفوياً نحو الوحدة لا يمكن أن يكبحه أي شيء، ويترافق مع نمو الثقة التي يحوزها الشيوعيون لدى البروليتاريا.
والآن فقط تبدأ أوساط عمالية متزايدة الأهمية بتثمين بسالة الطليعة الشيوعية التي شرعت بالنضال من أجل الدفاع عن المصالح البروليتارية، في حقبة بقيت فيها أوسع الجماهير غير مكترثة، لا بل معادية للشيوعية. ويفهم العمال أكثر فأكثر أن الشيوعيين قد دافعوا حقاً، وفي الغالب لقاء أكبر التضحيات وفي أقسى الظروف، عن المصالح الاقتصادية والسياسية للشغيلة. ويعود الاحترام والثقة من جديد إلى الطليعة العنيدة التي يشكلها الشيوعيون. وإذ تعرَّف أخيراً الشغيلة الأكثر تخلفاً إلى بطلان الآمال الإصلاحية يقتنعون أنه ليس هناك خلاص من النهب الرأسمالي إلا بالنضال.
4 ـ يمكن الأحزاب الشيوعية الآن وعليها أن تجني ثمرة النضالات التي خاضتها منذ زمن في أصعب الظروف ووسط لا مبالاة الجماهير. ولكن الشغيلة، تدفعهم ثقة متنامية إزاء العناصر الأكثر صلابة وأكثر نضالية في طبقتهم ـ إزاء الشيوعيين ـ، يبدون أكثر مما في وقت مضى رغبة بالوحدة لا تقاوم. وتحلم الشرائح الأقل خبرة في الطبقة العاملة، إذ توقظها من الآن وصاعداً حياة أكثر نشاطاً، باندماج جميع الأحزاب العمالية، إن لم يكن كل المنظمات البروليتارية. وتأمل بذلك تنمية قدرتها على مقاومة الاندفاعة الرأسمالية. ويريد بعض العمال، الذين كانوا حتى الآن غير مهتمين نوعاً ما بالنضالات السياسية، التحقق من قيمة البرنامج السياسي للإصلاحية من الآن وصاعداً عبر تجربتهم الشخصية. ولم يعد العمال الذين ينتسبون إلى الأحزاب الاشتراكية ـ الديمقراطية الهرمة والذين يشكلون الجناح الأكثر أهمية من البروليتاريا، يقبلوا أبداً بحملات الافتراء التي يقوم بها الاشتراكيون ـ الديمقراطيون والوسطيون على الطليعة الشيوعية؛ لا بل إنهم بدأوا يطالبون بتفاهم مع هذه الأخيرة. ومع ذلك، فإنهم لم يتحرروا كلياً بعد من القناعات الإصلاحية، والعديد منهم يقدمون دعمهم للأمميتين الاشتراكيتين وأممية أمستردام. ولا يجري التعبير، دون شك، عن تطلعاتهم دائماً بوضوح، ولكن من الأكيد أنهم يميلون بشكل حاسم إلى خلق جبهة بروليتارية واحدة وإلى تشكيل تكتل قوي من أحزاب الأممية الثانية ونقابات أمستردام المتحالفة مع الشيوعيين، تتكسر عليه هجمة أرباب العمل. وبهذا المعنى، تمثل تطلعاتهم التطور بذاته. لقد انطفأ الإيمان بالإصلاحية تقريباً. وفي وضع الطبقة العاملة الحالي، سيقود كل تحرك جدي، الجماهير حتماً، حتى لو كانت نقطة انطلاقه مطالب جزئية، إلى طرح قضايا الثورة الأساسية. ولا يمكن الطليعة الشيوعية إلا أن تكسب إلى التجربة شرائح عمالية جدية، تقتنع بنفسها ببطلان الأوهام الإصلاحية والآثار المؤسفة لسياسة المصالحة.
5 ـ عندما بدأ الاحتجاج المنظم والواعي للشغيلة ضد خيانة زعماء الأممية الثانية، كان هؤلاء يملكون كل آلية المنظمات العمالية. تذرعوا بالوحدة والانضباط العمالي من أجل خنق الثوريين المحتجين دون رحمة، وكسر أية مقاومة ستمنعهم من وضع مجموع القوى البروليتارية في خدمة الإمبرياليين القوميين. وهكذا اضطر اليسار الثوري لكسب حريته الدعاوية مهما كلف الثمن، بغية تعريف الجماهير العمالية بالخيانة الشائنة التي ارتكبتها ـ وتواصل ارتكابها ـ الأحزاب والنقابات التي خلقتها الجماهير نفسها.
6 ـ بعد أن ضمنت الأحزاب حرية دعاوية كاملة، فإنها تبذل جهدها اليوم في جميع البلدان لتحقيق وحدة الجماهير العمالية الكاملة قدر الإمكان إلى أرضية النشاط العملي. وتمتدح جماعة أمستردام وجماعة الأممية الثانية هما أيضاً الوحدة، غير أن جميع أفعالهما هي النفي لأقوالهما. وإذا لم ينجح الإصلاحيون، المتعطشون للمساومة في خنق احتجاجات الثوريين وانتقاداته وتطلعاتهم، فإنهم يسعون الآن للخروج من المأزق الذي تورطّوا به، ببذر الفوضى والانقسام بين الشغيلة وتخريب نضالهم. إن فضح عودتهم إلى جرم الخيانة هو، في هذه اللحظة، أحد واجبات الأحزاب الشيوعية الأكثر أهمية.
7 ـ إن التطور الداخلي العميق الذي أحدثه الوضع الاقتصادي الجديد للبروليتاريا داخل الطبقة العاملة الأوروبية والأمريكية، يجبر حتى قادة الأممية الاشتراكية ودبلوماسييها وقادة أممية أمستردام على أن يضعوا مسألة الوحدة العمالية في الصدارة. وبينما يشكل شعار الجبهة الواحدة لدى الشغيلة القادمين حديثاً إلى حياة سياسية واعية والذين لا يملكون تجربة بعد، تعبيراً صادقاً عن الرغبة في مواجهة هجمة أرباب العمل بجميع قوى الطبقة العاملة، لا يشكل هذا الشعار، من جانب الزعماء الإصلاحيين، إلا محاولة جديدة لخداع العمال من أجل إعادتهم إلى ثلم التعاون الطبقي. فليس فقط أن الحرب الامبريالية الجديدة محدقة، وسباق التسلح، والمعاهدات السرية الجديدة للدول الامبريالية لن تجعل قادة الأممية الثانية، والأممية 2,5، وأممية أمستردام يصممون على قرع جرس الإنذار ودعم الاتحاد الأممي الحقيقي للطبقة العاملة، بل إنها ستثير بينهم الشقاقات نفسها القائمة داخل البرجوازية العالمية. وهذا واقع أكثر حتمية بقدر ما أن تضامن الاشتراكيين ـ الإصلاحيين مع برجوازاتـ «هم» الوطنية الخاصة يشكل حجر الزاوية للإصلاحية.
هذه هي الشروط التي ينبغي أن تحدد ضمنها الأممية الشيوعية وفروعها موقفها إزاء شعار وحدة الجبهة العمالية.
8 ـ وإذ تزن اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية كل شيء جيداً، ترى أن شعار المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية: إلى الجماهير! كما المصالح العامة للحركة الشيوعية تفرض على الأممية الشيوعية وفروعها أن تدعم شعار وحدة الجبهة البروليتارية، وتمسك بيديها مبادرة تحقيقه. إن تكتيك الأحزاب الشيوعية سوف يستلهم الظروف الخاصة لكل بلد.
9 ـ في ألمانيا، أعلن الحزب الشيوعي في الدورة الأخيرة لمجلسه الوطني دعمه لوحدة الجبهة البروليتارية، واعترف بإمكانية دعم «حكومة عمالية وحدوية» ستكون معدة لمحاربة السلطة الرأسمالية بجدية. وتقر اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية هذا القرار دون تحفظ، مقتنعة بأن الحزب الشيوعي الألماني، إذ يحفظ استقلاله السياسي، سيتمكن بذلك من التغلغل إلى أوسع الشرائح البروليتارية وتعزيز التأثر الشيوعي داخلها. وفي ألمانيا أكثر مما في أي مكان آخر تفهم أوسع الجماهير أكثر فأكثر أن طليعتها الشيوعية كانت على حق عندما رفضت تسليم السلاح في اللحظات الحرجة جداً، وشهرت ببطلان كل أنواع العلاجات الإصلاحية المطلق في وضع تستطيع فيه الثورة البروليتارية وحدها أن تحل عقده. وإذا يثابر الحزب الشيوعي الألماني على هذا الطريق، فلن يتأخر في ضم كل العناصر الفوضوية والنقابية إليه، العناصر التي بقيت حتى الآن خارج النضال الجماهيري.
10 ـ وفي فرنسا يضم الحزب الشيوعي أغلبية الشغيلة المنظمين سياسياً. وتبعاً لذلك تكتسي فيها مشكلة الجبهة الواحدة طابعاً مختلفاً قليلاً عن الطابع الذي تكتسبه في البلدان الأخرى. ولكن في فرنسا أيضاً يجب أن تقع مسؤولية شق الجبهة العمالية على عاتق أعداءنا. فالجناح الثوري للنقابية الفرنسية يحارب عن حق انشقاق النقابات ويدافع عن وحدة الطبقة العاملة في النضال الاقتصادي. ولكن هذا النضال لا يقف عند عتبة المصنع. والوحدة ليست أقل ضرورة ضد الموجة الرجعية والسياسة الامبريالية، إلخ. إن سياسة الإصلاحيين والوسطيين تهدد الآن، بعدما سببت انشقاق الحزب، وحدة الحركة النقابية، مما يثبت أن جوهو مثله مثل جان لونجه، يخدم قضية البرجوازية. إن شعار الوحدة السياسية والاقتصادية للجبهة البروليتارية ضد البرجوازية هو أفضل وسيلة لإجهاض المناورات الانشقاقية.
ومهما كانت خيانات الاتحاد العام للشغل (C. G. T) الإصلاحي الذي يقوده جوهو ميرهيم وشركاؤهم، فإن الشيوعيين، ومعهم العناصر الثورية للطبقة العاملة الفرنسية، سيرون أنفسهم مجبرين على أن يقترحوا على الإصلاحيين قبل كل إضراب عام، وقبل كل تظاهرة ثورية، وقبل كل تحرك جماهيري، المشاركة بهذا التحرك وأن يفضحوا الإصلاحيين أمام الطبقة العاملة حالما يرفضون المشاركة. وهكذا يسهل علينا كسب الجماهير العمالية غير المسيّسة. وبديهي أن هذا الأسلوب لا يفرض أبداً على الحزب الشيوعي الفرنسي تقييداً لاستقلاله ولا يلزمه، مثلاً، بدعم كتلة اليسار في المرحلة الانتخابية، أو تقديم برهان على تساهل مبالغ به إزاء «الشيوعيين» المترددين الذين لم يتوقفوا عن النواح على الانشقاق عن الاشتراكيين ـ الوطنيين.
11 ـ وفي انكلترا كان حزب العمال (Labour Party) الإصلاحي قد رفض قبول الحزب الشيوعي داخله بالصفة نفسها التي تذرعت بها المنظمات العمالية الأخرى. ولكن تحت ضغط الجماهير العمالية التي أشرنا إلى تطلعاتها، صوتت المنظمات العمالية اللندنية لتوها على قبول الحزب الشيوعي داخل حزب العمال.
وبهذا الصدد تشكل إنجلترا دون شك استثناء. وتبعاً لشروط خاصة يشكل حزب العمال في إنجلترا نوعاً من ائتلاف يطول كل المنظمات العمالية في البلد ومن واجب الشيوعيين الآن أن يفرضوا، عبر حملة نشطة، قبولهم في حزب العمال. إن الخيانة الحديثة لقادة النقابات في إضراب عمال المناجم، وهجمة الرأسمالية ضد الأجور، إلخ. تسببان غلياناً كبيراً داخل البروليتاريا الإنجليزية. وينبغي أن يبذل الشيوعيين جهدهم للتغلغل عميقاً في الجماهير الكادحة تحت شعار وحدة الجبهة البروليتارية ضد البرجوازية مهما كان الثمن.
12 ـ وفي إيطاليا، يخوض الحزب الشيوعي الشاب، الذي كان اتخذ حتى الآن الموقف الأكثر عناداً إزاء الحزب الاشتراكي الإصلاحي والقادة الاشتراكيين ـ الخونة للاتحاد العام للشغل، ـ الذين باتت خيانتهم محسومة بشكل نهائي إزاء الثورة البروليتارية ـ يخوض مع ذلك، أمام هجمة أرباب العمل، تحريضاً نشطاً لصالح وحدة الجبهة البروليتارية. إن اللجنة التنفيذية تقر تكتيك الشيوعيين الايطاليين هذا بشكل كامل، وتشدّد على ضرورة تطويره أكثر أيضاً. إن التنفيذية مقتنعة بأن الحزب الشيوعي الايطالي، إذا برهن على فطنة كافية، سيصبح بالنسبة للأممية الشيوعية نموذجاً للنضالية الماركسية. وسيتمكن، إذ يشهّر بتردد وخيانات الإصلاحيين والوسطيين دون رحمة، من مواصلة حملة أكثر فأكثر قوة داخل الجماهير العمالية من أجل وحدة الجبهة البروليتارية ضد البرجوازية.
وبديهي أنه لا ينبغي أن يوفر الحزب الشيوعي الإيطالي أي جهد من أجل كسب العناصر الثورية الفوضوية والنقابية إلى العمل المشترك.
13 ـ وفي تشيكوسلوفاكيا، حيث يضم الحزب أغلبية الشغيلة المنظمين سياسياً، تتماثل مهام الشيوعيين، في بعض الجوانب، مع مهام الشيوعيين الفرنسيين. وينبغي أن يعرف الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي، بتعزيزه لاستقلاليته وبقطعه لآخر الروابط التي تصله بالوسطيين، كيف يجعل من شعار وحدة الجبهة البروليتارية ضد البرجوازية شعاراً شعبياً. ويسلط الضوء على الدور الحقيقي للاشتراكيين ـ الديمقراطيين والوسطيين عملاء رأس المال. وعلى الشيوعيين التشيكوسلوفاكيين أن يكثفوا أيضاً عملهم داخل النقابات التي لا تزال إلى حد بعيد تحت سيطرة الزعماء الصفر.
14 ـ وفي السويد تسمح نتيجة الانتخابات البرلمانية الأخيرة للحزب الشيوعي الضعيف عددياً بأن يلعب دوراً هاماً. ويجد السيد برانتنغ، أحد زعماء الأممية الثانية الأكثر بروزاً ورئيس مجلس وزراء البرجوازية السويدية في آن معاً، يجد نفسه في وضع لا يمكن معه أن يكون موقف الجناح البرلماني الشيوعي لا مبالياً إزاءه من أجل تشكيل أغلبية برلمانية. وتعتبر التنفيذية أن الجناح الشيوعي لا يمكن أن يرفض في بعض الشروط منح دعمه لحكومة برانتنغ المنشفية كما فعل الشيوعيون الألمان في السابق، عن حق، بالنسبة لبعض الحكومات المناطقية (تورينج). ولكن لا يتأتى عن ذلك أبداً أنه ينبغي أن يتخلى الشيوعيون السويديون عن استقلاليتهم وأن يتوقفوا عن التشهير بالطابع الحقيقي للحكومة المنشفية. على العكس فكلما امتلك المناشفة سلطة، كلما خانوا الطبقة العاملة وكلما وجب أن يبذل الشيوعيون جهدهم لفضحهم أمام الجماهير العمالية.
15 ـ في الولايات المتحدة، بدأ يتحقق اتحاد كل العناصر اليسارية للحركة العمالية النقابية والسياسية، ويملك الشيوعيون الأمريكيون بذلك فرصة لأن يتغلغلوا في أوسع الجماهير الكادحة، وأن يصبحوا مركز تركّز اتحاد اليساريين هذا. وإذ يشكلون مجموعات في كل مكان يوجد فيه شيوعيون، ينبغي أن يعرفوا كيف يمتلكون قيادة حركة التقاء العناصر الثورية، وينشرون فكرة الجبهة الواحدة بشكل نشط (على سبيل المثال، من أجل الدفاع عن مصالح العاطلين عن العمل). والإدانة الرئيسية التي يجب أن يوجهوها ضد منظمات السيد غومبرز هي أن هذه الأخيرة ترفض بعناد تأسيس وحدة الجبهة البروليتارية من أجل الدفاع عن العاطلين عن العمل. بيد أن المهمة الأساسية للحزب ستكون جذب أفضل عناصر الـ I. W. W. إليه.
16 ـ في سويسرا، حقق حزبنا بعض النجاحات في الطريق الذي حددناه. وقد أجبرت الدعاوة الشيوعية من أجل الجبهة الواحدة البيروقراطية النقابية على الدعوة إلى مؤتمر استثنائي من المفترض أن يعقد قريباً وحيث سيعرّي أصدقاؤنا أكاذيب الإصلاحية ويطوروا أكبر نشاط ممكن من أجل الوحدة الثورية البروليتارية.
17 ـ وفي سلسلة أخرى من البلدان، تبرز المسألة حسب الظروف المحلية بشكل مختلف إلى هذا الحد أو ذاك. غير أن اللجنة التنفيذية مقتنعة بأن الفروع ستنفذ المسلك العام الذي وضعته لتوها، انسجاماً مع الشروط الخاصة لكل بلد.
18 ـ تشترط اللجنة التنفيذية على جميع الأحزاب الشيوعية كشرط ملزم بشكل صارم بالنسبة لكل فرع يعقد أي اتفاق مع أحزاب الأممية والأممية 2 و2,5 حرية الاستمرار بالدعاوة لأفكارنا ونقد أعداء الشيوعية. وينبغي أن يحتفظ الشيوعيون لأنفسهم بشكل مطلق، إذ يخضعون لانضباطية العمل، بحق التعبير عن رأيهم حول سياسة كل المنظمات العمالية دون استثناء وإمكانية هذا التعبير ليس فقط قبل التحرك وبعده بل أيضاً خلاله. ولا ينبغي أن يتعرض هذا الشرط لأي خرق، بأي حال من الأحوال، وتحت أي حجة كانت. وإذ يطالب الشيوعيون بوحدة كل المنظمات العمالية في كل تحرك عملي ضد الجبهة الرأسمالية لا يمكنهم أن يتخلوا عن الدعاوة لوجهات نظرهم التي تشكل، وحدها، التعبير المنطقي عن مصالح الطبقة العاملة بمجملها.
19 ـ تعتقد اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية أنه من المفيد تذكير كل الأحزاب الشقيقة بتجارب البلاشفة الروس الذين نجح حزبهم وحده بالتغلب على البرجوازية حتى الآن وبالاستيلاء على السلطة. خلال الخمسة عشر عاماً الممتدة بين ولادة البلشفية وانتصارها (1903 ـ 1917) لم تتوقف هذه الأخيرة أبداً عن محاربة الإصلاحية، أو المنشفية، بتعبير آخر. ولكن خلال الفترة نفسها عقد البلاشفة في مناسبات عديدة اتفاقات مع المناشفة. حدث الانشقاق الشكلي الأول في ربيع 1905. لكن تحت التأثير الذي لا يُقهر للحركة العمالية واسعة النطاق، شكل البلاشفة في السنة نفسها جبهة مشتركة مع المناشفة. وحدث الانشقاق الشكلي الثاني في كانون الثاني / يناير 1912. غير أن الانشقاق من 1905 إلى 1912 استبدل باتحادات واتفاقات مؤقتة (في عام 1906، 1907، 1910). وهي اتحادات واتفاقات لم تحدث فقط نتيجة مستجدات الصراع بين التكتلات، لكن خاصة تحت ضغط الجماهير العمالية الواسعة الناهضة للحياة السياسية والتي تريد أن ترى بنفسها إذا كانت طرق المنشفية تفترق فعلاً عن طرق الثورة. قبل الحرب الامبريالية بقليل، ولدت الحركة الثورية الجديدة التي تبعت إضراب لينا لدى الجماهير العمالية طموحاً قوياً للوحدة، التي جهد قادة المنشفية لاستغلالهم لصالحهم، كما يفعل اليوم زعماء الأمميات «الاشتراكية» وزعماء أممية أمستردام. في هذه الحقبة لم يرفض البلاشفة الجبهة الواحدة. بعيداً عن ذلك ومن أجل موازنة دبلوماسية القادة المنشفيين، تبنى البلاشفة شعار «الوحدة القاعدية»، أي وحدة الجماهير العمالية في التحرك الثوري العملي ضد البرجوازية. وقد أظهرت التجربة أن ذلك كان التكتيك الصحيح الوحيد. ومعدلاً تبعاً للأزمنة والأمكنة، كسب هذا التكتيك الأغلبية العظمى من أفضل العناصر البروليتارية المنشفية إلى الشيوعية.
20 ـ إذ تتبنى الأممية الشيوعية شعار وحدة الجبهة البروليتارية وترضى باتفاقات بين مختلف فروعها وأحزاب الأممية الثانية والأممية 2,5 ونقاباتها، لن تتخلى هي نفسها بالطبع عن عقد اتفاقات مماثلة على الصعيد العالمي. لقد اقترحت اللجنة التنفيذية في مسألة نجدة الجياع في روسيا اتفاقاً مع أممية أمستردام النقابية. وجددت اقتراحاتهما بقصد عمل مشترك ضد الإرهاب الأبيض في اسبانيا ويوغوسلافيا. إنها تضع حالياً اقتراحاً جديداً أمام الأمميتين الاشتراكيتين وأممية أمستردام حول موضوع أعمال كونفرانس واشنطن الذي لا يمكن إلا أن يعجّل بانفجار حرب امبريالية جديدة. غير أن قادة هذه المنظمات الأمية الثلاث قد أظهروا أنهم يتخلون كلياً عن شعارهم للوحدة العمالية حالما يتعلق الأمر بالوصول إلى أفعال. تبعاً لذلك تصبح المهمة المحددة للأممية ولفروعها هي فضح نفاق القادة العماليين أمام الجماهير، القادة الذين يفضلون الاتحاد مع البرجوازية على الوحدة مع الشغيلة الثوريين، والذين إذ يظلّون في مكتب العمل العالمي على مقربة من عصبة الأمم يشاركون بذلك بالذات بكونفرانس واشنطن الامبريالي، بدل أن يخوضوا حملة ضده. غير أن الرفض الذي يواجه اقتراحاتنا لا يجعلنا نتخلى عن التكتيك الذي ننادي به، تكتيك منسجم بعمق مع روح الجماهير العمالية والذي ينبغي معرفة تطويره منهجياً، ودون توانٍ. وإذا رفضت اقتراحاتنا للتحرك المشترك ينبغي إعلام العالم العمالي بذلك، بغية أن يعرف من هم الهدامون الفعليون لوحدة الجبهة البروليتارية. وإذا قبلت اقتراحاتنا فواجبنا أن نعزز النضالات التي تخاض ونعمقها. وفي الحالتين هناك أهمية للتصرف بشكل يجعل محادثات الشيوعيين مع المنظمات الأخرى توقظ الجماهير الكادحة وتلفت انتباهها. لأنه ينبغي أن يثار اهتمام هذه الأخيرة بشكل مطلق بكل مستجدات المعركة من أجل وحدة الجبهة الثورية لجميع الشغيلة.
21 ـ بتحديد خطة التحرك هذه، يهم اللجنة التنفيذية أن تلفت انتباه الأحزاب الشقيقة إلى المخاطر التي يمكن أن تنجم عنها، فكل الأحزاب الشيوعية بعيدة عن أن تكون راسخة ومنظمة بشكل كاف وبعيدة عن أن تكون قد تغلبت على الإيديولوجيات الوسطية ونصف الوسطية بشكل نهائي. بعض الانحرافات يمكن أن تحدث، وتؤدي إلى تحول الأحزاب والمجموعات الشيوعية إلى كتل غير متجانسة مشوهة. ومن أجل تطبيق التكتيك المطالب به بنجاح، ينبغي أن يكون الحزب منظماً بشكل قوي وأن تتميز قيادته بالوضوح الكامل لأفكارها.
22 ـ حتى داخل الأممية الشيوعية نفسها، وفي المجموعات التي تعتبر عن حق أو عن خطأ مجموعات يمينية أو نصف وسطية، يوجد دون شك تياران، الأول متحرر فعلاً من إيديولوجية الأممية الثانية وأساليبها، ولم يستطع مع ذلك أن يتحرر من شعور بالاحترام إزاء السلطة المنظمة القديمة ويريد، عن وعي أو عن عدم وعي، البحث من جديد عن أسس لوفاق مثالي مع الأممية الثانية وبالتالي، مع المجتمع البرجوازي، والثاني، الذي يحارب الراديكالية الشكلية وأخطاء ما يسمى باليسار، يريد إعطاء تكتيك الحزب الشيوعي الشاب مرونة أكبر وقابلية للمناورة، بغية أن يسمح له بالتغلغل بسهولة أكبر في الجماهير العمالية. لقد دفع التطور السريع للأحزاب الشيوعية في بعض الأحيان هذين التيارين للالتقاء، إذا لم نقل لتشكيل جسم واحد. إن تطبيقاً يقظاً للأساليب المشار إليها أعلاه التي تهدف إلى إعطاء التحريض الشيوعي سنداً في تحركات الجماهير الموحدة، يساهم بالرسوخ الثوري لأحزابنا بشكل فعال، إن عبر القيام بالتربية التجريبية للعناصر النافدة الصبر والعصبوية أو عبر تخليصها من الوزن الميت للإصلاحية.
23 ـ يفهم بوحدة الجبهة البروليتارية، وحدة كل الشغيلة الراغبين بمحاربة الرأسمالية بمن فيهم، كنتيجة لذلك، العمال الذين لا زالوا يتبعون الفوضويين والنقابيين. وفي بلدان مختلفة يمكن أن تشترك هذه العناصر بشكل مفيد بالتحركات الثورية. لقد نادت الأممية الشيوعية دائماً بموقف رفاقي إزاء هذه العناصر العمالية التي تتخطى بشكل تدريجي أفكارها المسبقة وتنتسب شيئاً فشيئاً إلى الشيوعية. وينبغي أن يمنحها الشيوعيون من الآن وصاعداً انتباهاً أكبر بما أن الجبهة المتحدة ضد الرأسمالية هي في طريقها للتحقيق.
24 ـ وبهدف تحديد العمل اللاحق بشكل نهائي ضمن الشروط المشار إليها، تقرر اللجنة التنفيذية الدعوة قريباً إلى جمعية استثنائية تتمثل فيها كل الأحزاب المنتسبة بعدد مندوبين ضعف العدد العادي.
25 ـ ستكرس اللجنة التنفيذية أكبر انتباه لكل المساعي العملية التي تحققت في الطريق الذي أشارت إليه وتطلب من مختلف الأحزاب إبلاغها بأدق التفاصيل عن كل محاولاتها بهذا الاتجاه وعن كل النتائج المحرزة.
قرار حول تقرير اللجنة التنفيذية
إن المؤتمر الرابع للأممية الشيوعية يقرّ العمل السياسي للجنة التنفيذية بشكل شامل، ويعلن أنها في مجرى الأشهر الخمسة عشر الأخيرة قد طبقت قرارات المؤتمر العالمي الثالث آخذة بالاعتبار الوضع السياسي.
ويقر المؤتمر الرابع بشكل خاص تكتيك الجبة المتحدة بشكل كامل، كما صاغته اللجنة التنفيذية في موضوعاتها في كانون الأول / ديسمبر 1921 ولاحقاً.
ويقر المؤتمر الرابع وجهة النظر التي تبنتها اللجنة التنفيذية فيما يتعلق بأزمة الحزب الشيوعي الفرنسي، والحركة العمالية الايطالية والحزبين الشيوعيين النرويجي والتشيكوسلوفاكي. إن المسائل العملية المتعلقة بهذه الأحزاب ستعالج بواسطة اللجان الخاصة التي ستخضع قراراتها لتصويت المؤتمر.
وبصدد الحوادث التي جرت في عدد من الأحزاب، يذكر المؤتمر الرابع ويؤكد من جديد أن اللجنة التنفيذية تشكل الجهاز الأعلى للحركة الشيوعية في الفترة الفاصلة بين مؤتمرين عالميين، وأن قرارات الأممية الشيوعية هي ملزمة لكل الأحزاب المنتسبة. ينجم عن ذلك أن خرق قرارات الأممية الشيوعية تحت حجة الدعوة إلى مؤتمر، يشكل خرقاً للانضباط. وإذا سمحت الأممية الشيوعية بإدخال هكذا ممارسات، فهذا يعادل الإلغاء الكامل لكل نشاط منتظم للأممية الشيوعية.
وفيما يتعلق بالشكوك التي ظهرت في الحزب الشيوعي الفرنسي، التي تطول البند التاسع من النظام الداخلي للأممية الشيوعية، يعلن المؤتمر الرابع أن البند التاسع هذا يعطي اللجنة التنفيذية حق طرد الأشخاص المعزولين والمجموعات التي، حسب رأيها، تعبر عن آراء غريبة عن الشيوعية، من الأممية الشيوعية ونتيجة لذلك من فروعها الوطنية. وطبيعي أن تكون اللجنة التنفيذية مجبرة على تطبيق البند التاسع من النظام الداخلي عندما لا يستطيع حزب ما أن يتخلص من العناصر غير الشيوعية.
ويؤكد المؤتمر الرابع من جديد على الشروط الأحد والعشرين التي طرحها في المؤتمر الثاني، ويكلف اللجنة التنفيذية القادمة السهر على تطبيقها بشكل نشط وفي المستقبل، ينبغي أن تبقى اللجنة التنفيذية أكثر من أي وقت سابق منظمة أممية بروليتارية تقاتل بشكل نشط كل انتهازية وتتشكل تبعاً لمبادئ المركزية الديمقراطية.
إن المسائل العملية التفصيلية الناجمة عن هذا البند تعالجها لجان خاصة تكون قراراتها خاضعة للمؤتمر.
قرار حول برنامج الأممية الشيوعية
1ـ سيجري إيصال كل المشاريع البرنامجية إلى اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية أو إلى لجنة معينة لهذا الغرض، كي تتم دراستها وصياغتها بشكل تفصيلي، واللجنة التنفيذية ملزمة بنشر كل المشاريع البرنامجية التي تصلها، بأقصر مهلة ممكنة.
2ـ ويؤكد المؤتمر أن الفروع الوطنية للأممية الشيوعية التي ليس لديها بعد برنامج وطني ملزمة بالبدء بصياغة برنامج مباشرة للتمكن من تمريره إلى اللجنة التنفيذية، قبل المؤتمر الخامس بثلاثة أشهر على أبعد تقدير، بهدف تصديقه.
3ـ ينبغي أن تكون ضرورة النضال من أجل المطالب الانتقالية، في برنامج الفروع الوطنية، معللة بشكل محدد وواضح؛ كما ينبغي إيراد التحفظات على التقارير بصدد هذه المطالب والظروف الملموسة المتعلقة بالوقت والمكان.
4ـ وينبغي على الإطلاق، أن تصاغ الأسس النظرية لكل المطالب الانتقالية والحزبية في البرنامج العام. ويعلن المؤتمر الرابع بكل حزم أيضاً أنه ضد محاولة إظهار إدخال مطالب انتقالية في البرنامج على أنه انتهازية، كما ضد كل محاولة لتلطيف الأهداف الثورية الأساسية أو استبدالها بمطالب جزئية.
5ـ ينبغي أن تبين بوضوح في البرنامج العام النماذج التاريخية الأساسية التي تنقسم إليها المطالب الانتقالية للفروع الوطنية، انسجاماً مع الاختلافات الأساسية للبنية الاقتصادية والسياسية لمختلف البلدان، كما في إنجلترا، على سبيل المثال، من جهة والهند من جهة ثانية، إلخ…
قرار حول الثورة الروسية
يعبر المؤتمر العالمي الرابع للأممية الشيوعية للشعب العامل في روسيا السوفياتية عن شكره العميق وإعجابه دون حدود لأنه ليس فقط استلم السلطة عن طريق النضال الثوري وأقام ديكتاتورية البروليتاريا، بل لأنه عرف أن يدافع حتى اليوم بشكل ظافر عن مكاسب الثورة ضد كل أعداء الداخل والخارج. لقد أدى بذلك خدمات خالدة لتحرير المضطهدين والمستغلين في جميع البلدان.
يسجل المؤتمر الرابع بارتياح كبير أن الدولة العمالية الأولى في العالم، الناتجة عن الثورة البروليتارية، قد أثبتت قوة الحياة والتطور لديها خلال خمس سنوات من وجودها، بشكل كامل، على الرغم من صعوبات ومخاطر مذهلة. لقد خرجت الدولة السوفياتية معززة من فظائع الحرب الأهلية. وبفضل بطولة الجيش الأحمر التي لا مثيل لها، تغلبت على جميع الجبهات على الثورة المضادة العسكرية التي جهزتها البرجوازية العالمية ووفرت لها الدعم. ودحرت كل محاولات الدول الرأسمالية لأن تفرض عليها التخلي عن المحتوي البروليتاري والأهداف الشيوعية، أي الاعتراف بحق الملكية الخاصة على وسائل الإنتاج الاجتماعي والتخلي عن تشريك الصناعة، وبثبات دافعت عما يشكل الشرط الأساسي للتحرر البروليتاري، أي الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج، ضد هجوم البرجوازية العالمية؛ وإذ رفضت الاعتراف بدَيْن وطني هائل، عارضت الهبوط بعمال جمهورية السوفياتات وفلاحيها إلى مستوى عبيد المستعمرات لدى الرأسماليين.
يسجل المؤتمر العالمي الرابع أن الدولة العمالية، منذ لم تعد بحاجة للدفاع عن وجودها بقوة السلاح، تسعى جهدها، بأكبر طاقة ممكنة، إعادة الحياة الاقتصادية للجمهورية إلى ما كانت عليه وتطويرها، وأنها تواصل تحديد إقامة الشيوعية كهدف لها. إن المراحل والإجراءات المؤدية إلى هذا الهدف، و«السياسة الاقتصادية الجديدة»، هي النتيجة من جهة للشروط الموضوعية والذاتية للبلد، ومن جهة ثانية لبطء تطور الثورة العالمية وحالة العزلة للجمهورية السوفياتية وسط الدول الرأسمالية. وعلى الرغم من الصعوبات المذهلة التي تم خلقها هكذا، يمكن للدولة العمالية أن تقوم بتطورات حاسمة في مجال إعادة البناء الاقتصادي. وكما أن العمال الروس قد دفعوا غالياً، من أجل عمال العالم أجمع، ثمن الدروس التي يجري استخلاصها من استلام السلطة السياسية والدفاع عنها، وإقامة دكتاتورية البروليتاريا، فإنهم هم أيضاً الذين يقومون بالتضحيات الأكثر مشقة من أجل حل مشاكل الحقبة الانتقالية من الرأسمالية إلى الشيوعية. إن روسيا السوفياتية هي بؤرة التجارب الثورية الأكثر غنى للبروليتاريا العالمية، وستبقى كذلك.
يسجل المؤتمر العالمي الرابع بارتياح أن سياسة روسيا السوفياتية قد أمنت الشرط الأكثر أهمية من أجل بناء المجتمع الشيوعي والنظام السوفياتي، وتطورهما، أي دكتاتورية البروليتاريا، وعززته. ذلك أن هذه الدكتاتورية وحدها تستطيع أن تتخطى كل أنواع المقاومة البرجوازية للتحرر الكامل للشغيلة وتؤمن بذلك الهزيمة الكاملة للرأسمالية، وتفتح الطريق نحو تحقيق الشيوعية.
يسجل المؤتمر العالمي الرابع المشاركة الحاسمة للحزب الشيوعي الروسي، كحزب قائد للبروليتاريا الحاظية بدعم الفلاحين، في الاستيلاء على السلطة السياسية وفي الدفاع عنها. إن الوحدة الأيديولوجية والعضوية للحزب، وانضباطه الصارم، أعطيا الجماهير الضمانة الثورية للهدف الذي يجب بلوغه والوسائل التي ينبغي استخدامها، ورفعا ميزات الحزم والتضحية لديها إلى مستوى البطولة وخلق ارتباطاً عضوياً لا يتحطم بين الجماهير وقادتها.
ويذكر المؤتمر العالمي الرابع الشغيلة في جميع البلدان بأن الثورة البروليتارية لا يمكن أن تنتصر أبداً داخل بلد واحد، بل في الإطار العالمي، كثورة بروليتارية عالمية. أن صراع روسيا السوفياتية من أجل وجودها ومن أجل مكاسب الثورة هو النضال من أجل تحرر الشغيلة، والمضطهدين والمستغلين في العالم أجمع لقد قام الشغيلة الروس بواجبهم بأكثر مما يكفي كأبطال ثوريين للبروليتاريا العالمية. ينبغي أيضاً أن تنجز البروليتاريا العالمية مهمتها. وفي كل البلدان، ينبغي أن يعبر العمال والمحرومون والمضطهدون عن تضامنهم الكامل، معنوياً اقتصادياً وسياسياً، مع روسيا السوفياتية. وليس فقط تضامنهم الأممي، بل إن مصالحهم الأكثر أولية هي التي ينبغي أن تجعلهم يقررون خوض نضال ضارٍ ضد البرجوازية والدولة الرأسمالية. وينبغي أن تكون شعاراتهم في جميع البلدان هي التالية:
لا تلمسوا روسيا السوفياتية! الاعتراف بجمهورية السوفياتات! الدعم النشط من كل نوع من أجل إعادة البناء الاقتصادي لروسيا السوفياتية!
كل تعزيز لروسيا السوفياتية يعادل إضعافاً للبرجوازية العالمية. إن الحفاظ على النظام السوفياتي منذ خمس سنوات هو الضربة الأقسى التي تلقتها الرأسمالية العالمية حتى الوقت الحاضر.
يطلب المؤتمر العالمي الرابع من الشغيلة في جميع البلدان الرأسمالية أن يستوحوا مثال روسيا السوفياتية، وأن يقوموا بالضربة المميتة للرأسمالية، وأن يبذلوا كل جهودهم من أجل تحقيق الثورة العالمية.
قرار حول معاهدة فرساي
انتهت الحرب العالمية بانهيار ثلاثة قوى امبريالية: ألمانيا، النمسا ـ المجر، وروسيا. وخرجت أربعة كواسر منتصرة من الصراع: الولايات المتحدة، وإنجلترا وفرنسا واليابان.
إن معاهدات السلم، التي تشكل معاهدة فرساي نواتها المركزية، هي محاولة لتوطيد السيطرة العالمية لهذه الدول الأربع المنتصرة: سياسياً واقتصادياً عبر تحويل بقية العالم إلى منطقة نفوذ كولونيالية للاستغلال، واجتماعياً عبر تعزيز البرجوازية إزاء البروليتاريا في كل بلد وفي روسيا البروليتارية الثورية المنتصرة، بفضل تحالف كل البرجوازيات. وضمن هذا الهدف تم بناء حاجز من الدول الصغرى التابعة حول روسيا وجرى تسليحه من أجل خنق هذه الأخيرة عند أول مناسبة. وكان على الدول المهزومة بالإضافة إلى ذلك أن تعوض كلياً الدول المنتصرة من الأضرار المادية التي منيت بها.
واليوم، واضح لكل العالم أن أياً من التخمينات التي بنيت عليها معاهدات السلم هذه لم يكن لها ما يبررها. لقد فشلت محاولة إقامة توازن جديد على الأسس الرأسمالية. وتاريخ السنوات الأربع الأخيرة يظهر ترنحاً متواصلاً، وعدم أمان دائماً. فالأزمات الاقتصادية، والبطالة وفيض الإنتاج، والأزمات الحكومية الحزبية والأزمات الخارجية لن تنتهي أبداً. وتحاول الدول الامبريالية بواسطة سلسلة لا تنتهي من الكونفرنسات، أن توقف دمار النظام العالمي المبني على هذه المعاهدات وتخفي إفلاس فرساي.
وفشلت محاولات إطاحة دكتاتورية البروليتاريا في روسيا. والبروليتاريا في جميع البلدان الرأسمالية تأخذ موقفاً أكثر فأكثر حزماً لصالح روسيا السوفياتية. حتى قادة أممية أمستردام مجبرون على التصريح علناً أن سقوط السيطرة البروليتارية في روسيا سيكون انتصاراً للرجعية العالمية على كل البروليتاريا.
لقد قاومت تركيا، رائدة الشرق في السير نحو الثورة، تطبيق معاهدة السلام بقوة السلاح؛ ففي كونفرنس لوزان أقيمت المآتم الاحتفالية لجزء هام من المعاهدات.
وأعطت الأزمة الاقتصادية العالمية المستديمة البرهان على أن التصور الاقتصادي لمعاهدة فرساي يتعذر الدفاع عنه. إن إنجلترا، الدولة الأوروبية الرأسمالية القيادية، التي تخضع بمقدار كبير للتجارة العالمية، لا يمكن أن تعزز قاعدتها الاقتصادية دون إعادة بناء ألمانيا وروسيا.
وانحرفت الولايات المتحدة كلياً، الدولة الامبريالية الأقوى، عن مهمة السلام، وهي تسعى لتأسيس امبرياليتها العالمية اعتماداً على قواها الخاصة. لقد نجحت في كسب دعم أجزاء هامة من الإمبراطورية العالمية الإنجليزية، وكندا وأستراليا.
إن مستعمرات إنجلترا المضطهدة، قاعدة سيطرتها العالمية، تنتفض؛ فكل العالم الإسلامي هو في تمرد معلن أو كامن.
لقد غابت كل القرائن حول عملية السلام إلا واحدة: وهي أن البروليتاريا في جميع البلدان البرجوازية ينبغي أن تدفع تكاليف الحرب وتكاليف سلام فرساي.
فرنسا
وفي الظاهر أن فرنسا هي البلد الذي تنامت قوته أكثر من أي من البلدان المنتصرة الأخرى. فعدا الاستيلاء على الألزاس واللورين، واحتلال الضفة الشمالية للرين، والمليارات التي لا تحصى من خسائر الحرب التي تطالب ألمانيا بها أصبحت في الواقع أكبر قوة عسكرية في القارة الأوروبية. وهي تسيطر على القارة الأوروبية بدولها التابعة التي دربها جنرالات فرنسيون وقادوها (بولندا، تشيكوسلوفاكيا، ورومانيا)، وبجيشها الكبير، وبغواصاتها وأسطولها الجوي، وتلعب دور حارس معاهدة فرساي. غير أن القاعدة الاقتصادية لفرنسا، وعدد سكانها القليل الذي ينخفض أكثر فأكثر وديونها الكبيرة الداخلية والخارجية وتبعيتها الاقتصادية إزاء إنجلترا وأميركا لا تقدم أساساً كافياً لتعطشها للتوسع الامبريالي الذي لا يرتوي. ومن ناحية القوة السياسية، تزعجها سيطرة إنجلترا على كل القواعد البحرية الهامة، والاحتكار البترولي الذي تضع إنجلترا وأميركا يديهما عليه. ومن الناحية الاقتصادية، فإن غناها بركاز الحديد، الذي حصلت عليه عبر معاهدة فرساي، يفقد قيمته بفعل أن مناجم الفحم لأحواض الروهر بقيت لألمانيا. وقد بدا وهمياً الأمل بإعادة النظام إلى مالية فرنسا المزعزعة، بمساعدة التعويضات التي تدفعها ألمانيا. ويجمع كل الخبراء الماليين على الاعتراف بأن ألمانيا لن تقدر على دفع المبالغ التي تحتاجها فرنسا من أجل إصلاح ماليتها. ولا يبقى للبرجوازية الفرنسية إلا وسيلة واحدة: خفض مستوى معيشة البروليتاريا الفرنسية إلى مستوى معيشة البروليتاريا الألمانية. إن مجاعة الشغيل الألماني هي صورة البؤس التي تهدد العامل الفرنسي في الغد. إن انخفاض قيمة الفرنك الذي تسببت به بشكلٍ واعٍ بعض أوساط الصناعة الفرنسية سيساهم في إلقاء أعباء الحرب على كاهل البروليتاريا الفرنسية بعد أن بدت مهمة سلام فرساي متعذرة التنفيذ.
إنجلترا
لقد منحت الحرب العالمية إنجلترا توحيد إمبراطوريتها الكولونيالية من رأس الرجاء الصالح، عبر مصر والجزيرة العربية وصولاً إلى الهند. حافظت على امتلاكها لكل المنافذ الأساسية إلى البحر، وسعت لبناء الإمبراطورية العالمية الانكلوساكسونية عن طريق تنازلات لمستعمراتها الاستيطانية.
ولكن على الرغم من كل مرونة برجوازيتها، وعلى الرغم من جهدها لإعادة السيطرة على السوق العالمي، بدا أن إنجلترا في الظرف العالمي الذي خلقته معاهدة فرساي، لم تعد قادرة على التقدم. فالدولة الصناعية الإنجليزية لم يعد بإمكانها أن تصدّر إذا لم يتم إحياء ألمانيا وروسيا اقتصادياً. ومن هذه الزاوية، يتفاقم العداء بين إنجلترا وفرنسا؛ فإنجلترا تريد بيع سلعها لألمانيا، الأمر الذي تجعله معاهدة فرساي مستحيلاً؛ وفرنسا تريد انتزاع مبالغ هائلة من ألمانيا على شكل ضرائب حرب، مما يدمر القدرة الشرائية لألمانيا. لهذا فإن إنجلترا هي مع إلغاء التعويضات وفرنسا تخوض في الشرق الأدنى حرباً مقنعة ضد إنجلترا لإجبارها على الاستسلام في مسألة التعويضات. وفيما تتحمل البروليتاريا أعباء الحرب على شكل بطالة لملايين العمال، تتصالح البرجوازيتان الإنجليزية والفرنسية على حساب ألمانيا.
أوروبا الوسطى وألمانيا
إن الموضوع الأكثر أهمية في معاهدة فرساي هو أوروبا الوسطى، المستعمرة الجديدة للصوص الامبرياليين. إن أوروبا الشرقية المقسمة إلى عدد لا يحصى من الدويلات وإلى سلسلة من المناطق غير القابلة للحياة اقتصادياً، غير قادرة على حياة سياسية مستقلة. إنها مستعمرة رأس المال الإنجليزي والفرنسي وتبعاً للمصلحة المتبدلة لهاتين الدولتين، تثار هذه الأجزاء المختلفة الواحدة ضد الأخرى. إن تشيكوسلوفاكيا هي على الدوام، في مجال اقتصادي لستين مليون بشري، فريسة الأزمة الاقتصادية باستمرار. وقد حولت النمسا إلى مسخ غير قابل للحياة لا يعيش، في الظاهر، وجوداً سياسياً مستقلاً إلا بفعل تنافس البلدان المجاورة. وبولندا، التي ألحقت بها مناطق واسعة يشغلها سكان من قوميات أجنبية، تشكل مخفراً لفرنسا، وكاريكاتوراً للإمبريالية الفرنسية. في جميع هذه البلدان، يجب على البروليتاريا أن تدفع نفقات الحرب على شكل انخفاض في مستوى معيشتها وبطالة مذهلة.
لكن الموضوع الأكثر أهمية في معاهدة فرساي هو أن ألمانيا المجردة من السلاح، والمحرومة من كل إمكانية دفاعية، متروكة لرحمة الدول الامبريالية. إن البرجوازية الألمانية تسعى تارة لربط مصالحها بمصالح البرجوازية الإنجليزية، وطوراً بمصالح البرجوازية الفرنسية. وتسعى لإشباع جزء من مطامع فرنسا عن طريق الاستغلال المتزايد للبروليتاريا الألمانية وضمان سيطرتها الخاصة على هذه البروليتاريا بمساعدة أجنبية. ولكن الاستغلال الأشد للبروليتاريا الألمانية، وتحويل العامل الألماني إلى حمّال أوروبي، والبؤس المخيف الذي غاص به نتيجة معاهدة فرساي، كل ذلك لا يفسح المجال أمام دفع التعويضات. وتصبح ألمانيا إذاً كرة لعب لانجلترا وفرنسا. إن البرجوازية الفرنسية تريد حل المسألة عبر احتلال حوض الروهر والضفة الشمالية للرين بالقوة. إنجلترا تعارضها بذلك. ووحدها مساعدة الولايات المتحدة، أكبر قوة اقتصادية، سمحت بتسوية المصالح المتناقضة لإنجلترا وفرنسا وألمانيا.
الولايات المتحدة الأمريكية
لقد انسحبت الولايات المتحدة منذ زمن بعيد من مهمة سلام فرساي، إذ رفضت التصديق على المعاهدة. إن الولايات المتحدة التي خرجت من الحرب العالمية كأكبر قوة اقتصادية وسياسية، والمثقلة إزاءها الدول الامبريالية الأوروبية بالديون، لا تبدو قادرة على شفاء فرنسا من أزمتها المالية، عن طريق ديون ضخمة جديدة لألمانيا. إن رأس مال الولايات المتحدة يتحول شيئاً فشيئاً عن الفوضى الأوروبية، ويسعى بكثير من النجاح لخلق إمبراطورية كولونيالية في أميركا الوسطى والجنوبية وفي الشرق الأقصى. وكي تضمن الولايات المتحدة استغلال السوق الداخلي من قبل طبقتها المسيطرة عبر نظام جمركي، وإذ تترك بذلك أوروبا القارية تواجه مصيرها عبر ممارسة تفوقها الاقتصادي في بناء السفن الحربية، فإنها تجبر القوى الأخرى الامبريالية على القبول باتفاق واشنطن لنزع السلاح. لقد دمرت بذلك أحد الأسس الأكثر أهمية لعمل فرساي وهو: التفوق البحري لإنجلترا، وهكذا لم يعد من معنى لبقاء هذه الأخيرة في تجمع القوى المنصوص عليه في واشنطن.
اليابان والمستعمرات
تقف اليابان، القوة العالمية الامبريالية الأكثر فتوة، خارج الفوضى الأوروبية التي خلقتها معاهدة فرساي. ولكن مصالحها قد أصيبت بشدة بفعل تطور الولايات المتحدة إلى قوة عالمية. لقد أجبرت في واشنطن على فك تحالفها مع إنجلترا، الأمر الذي دمر أيضاً إحدى القواعد الهامة لتقسيم العالم المصنوع في فرساي. وفي الوقت نفسه، لا تنتفض الشعوب المضطهدة فقط سيطرة إنجلترا واليابان، بل تسعى مستعمرات الاستيطان لضمان مصالحها عن طريق تقارب مع الولايات المتحدة، في الصراع وشيك الوقوع بين الولايات المتحدة واليابان. وهكذا يتهاوى إطار الامبريالية الإنجليزية أكثر فأكثر.
نحو حرب عالمية جديدة
إن محاولات القوى العظمى الامبريالية خلق قاعدة دائمة لسيطرتها العالمية قد فشلت بشكل مثير للرثاء أمام مصالحها المتناقضة. ودمر عمل السلام الكبير. وتسلح الدول الكبرى دولها التابعة بهدف حرب جديدة. والنزعة العسكرية أقوى مما في أي وقت مضى، ومهما خشيت الامبريالية بقلق من ثورة بروليتارية جديدة على أثر حرب عالمية، فإن القوانين الداخلية للنظام الاجتماعي الرأسمالي تدفع إلى صراع عالمي جديد بشكل لا يقاوم.
أهداف الأحزاب الشيوعية
تسعى الأمميتان 2 و 2,5 جهدهما لدعم التيار الراديكالي في البرجوازية، الذي يمثل قبل كل شيء مصالح الرأسمال التجاري والمصرفي في صراعه العاجز من أجل إلغاء التعويضات. وكما في كل المسائل فإنهما تسيران بهذه المسألة مع البرجوازية. إن مهمة الأحزاب الشيوعية، وبشكل خاص أحزاب البلدان المنتصرة، هي أن توضح للجماهير أن عمل سلام فرساي يرمي كل الأعباء عن كاهل البروليتاريا، سواء في البلدان المنتصرة أو في البلدان المهزومة، وأن البروليتاريين في كل البلدان هم ضحاياه الحقيقيون. على هذا الأساس، ينبغي أن تخوض الأحزاب الشيوعية في ألمانيا وفرنسا قبل غيرهما، نضالاً مشتركاً ضد معاهدة فرساي.
ينبغي أن يناضل الحزب الشيوعي الفرنسي بك قواه ضد الميول الامبريالية لبرجوازيته الخاصة، وضد محاولتها الاغتناء عن طريق الاستغلال المتزايد للبروليتاريا الألمانية، وضد احتلال حوض الروهر، وضد تجزئة ألمانيا، وضد الإمبريالية الفرنسية. فلا يكفي اليوم أن تتم محاربة ما يسمى بالدفاع عن الوطن: يجب النضال خطوة خطوة ضد معاهدة فرساي.
إن واجب الأحزاب الشيوعية في تشيكوسلوفاكيا وبولندا والبلدان الأخرى التابعة لفرنسا، هو ربط النضال ضد برجوازيتها الخاصة بالنضال ضد الامبريالية الفرنسية. وينبغي أن توضح للروليتاريا الفرنسية والألمانية، عن طريق تحركات جماهيرية مشتركة أن محاولة تنفيذ معاهدة فرساي تحول البروليتاريا في البلدين ومعها البروليتاريا في أوروبا بأكملها، إلى البؤس المدقع.
موضوعات حول العمل الشيوعي في الحركة النقابية
أولاً: وضع الحركة النقابية
1ـ في مجرى العامين الأخيرين، اللذين تميزا بالهجمة الكونية لرأس المال، ضعفت الحركة النقابية بشكل ملموس في جميع البلدان. وعدا استثناءات نادرة (ألمانيا، النمسا)، فقدت النقابات عدداً كبيراً من أعضائها. ويفسر هذا التراجع في آن بالهجمات الواسعة للبرجوازية وبعجز النقابات الإصلاحية، وليس فقط عن حل المسألة الاجتماعية، بل أيضاً عن مقاومة الهجمة الرأسمالية وعن الدفاع عن مصالح الجماهير العمالية الأكثر أولية بشكل جدي.
2ـ وإزاء هذه الهجمة الرأسمالية من جهة، وهذا التعاون الطبقي المستمر من جهة ثانية، تحررت الجماهير العمالية أكثر فأكثر من الأوهام. ومن هنا ليس فقط محاولاتها خلق تجمعات جديدة، بل أيضاً تشتت عدد كبير من العمال الواعين الذين تركوا منظماتهم. إن النقابة توقفت عن أن تكون بالنسبة للكثيرين بؤرة للتحريض، لأنها لم تعرف وفي حالات كثيرة لم ترد إيقاف هجمة رأس المال والحفاظ على المواقع. إن عقم الإصلاحية قد ظهر بصورة بديهية في الممارسة.
3 ـ تحمل الحركة النقابية، في جميع البلدان، طابع عدم استقرار عميق؛ فمجموعات عديدة من العمال لا تتوقف عن الانفصال عنها، فيما يواصل الإصلاحيون سياستهم للتعاون الطبقي بشكل مثابر، تحت حجة «استخدام رأس المال لصالح العمال». وفي الواقع، استمر رأس المال باستخدام المنظمات لأجل مصالحه عبر تحويلها إلى شريكة في خفض مستوى معيشة الجماهير. إن الحقبة المنصرمة عززت بشكل خاص الأواصر القائمة سابقاً بين الحكومات والقادة الإصلاحيين، وكذلك إخضاع مصالح الطبقة العاملة لمصالح قادتها.
ثانياً: هجمة أمستردام ضد النقابات الثورية
4 ـ في اللحظة نفسها التي كان القادة المضادون للثورة يستسلمون فيها للضغط البرجوازي على طول الخط، كانوا يخوضون هجمتهم ضد العمال الثوريين.
وإذا رأوا أن نيتهم السيئة في تنظيم مقاومة ضد رأس المال قد أحدثت تخمراً عميقاً في الجماهير العمالية، وإذا صمموا على تطهير المنظمات من العدوى الثورية، خاضوا ضد الحركة النقابية الثورية هجمة حسب الأصول تتجه لتفتيت الأقلية الثورية ولإحباطها بكل الوسائل التي يملكونها، ولتسهيل توطيد سيطرة الطبقة البرجوازية المزعزعة.
5 ـ لا يتردد قادة أممية أمستردام، من أجل الحفاظ على سلطتهم، في طرد، ليس فقط أفراد مجموعات صغيرة، بل منظمات بأكملها؛ فجماعة أمستردام لا يريدون، لقاء أي شيء في العالم، البقاء كأقلية، وهم مصممون في حالة التهديد من العناصر الثورية، أنصار الأممية النقابية الثورية والأممية الشيوعية، على التسبب بالانشقاق، شرط أن يستطيعوا المحافظة على مصادرتهم للجهاز الإداري والموارد المادية.
هكذا فعل قادة الاتحاد العام للشغل الفرنسي؛ وانخرط الإصلاحيون في تشيكوسلوفاكيا وقادة الاتحاد الوطني للنقابات الألمانية في الطريق نفسه. إن مصالح البرجوازية تفرض شق الحركة النقابية.
6ـ وفي الوقت نفسه الذي شنت فيه الهجمة الإصلاحية في مختلف البلدان كانت الهجمة نفسها تشن في العالم أجمع، وكانت الاتحادات الدولية المنتسبة لأمستردام تطرد الاتحادات الوطنية الثورية المقابلة طرداً منهجياً أو ترفض قبولها. وهكذا رفضت المؤتمرات الدولية لباطن الأرض، وللنسيج، والمستخدمين، وللجلود والفرو، ولشغيلة الغابات، والبناء والبريد والبرق والهاتف، قبول النقابات الروسية والنقابات الثورية الأخرى لأن هذه الأخيرة تنتمي إلى الأممية النقابية الحمراء.
7ـ إن حملة جماعة أمستردام هذه ضد النقابات الثورية هي تعبير عن حملة رأس المال العالمي ضد الطبقة العاملة. وهي تتبع الأهداف نفسها: توطيد النظام الرأسمالي على بؤس الجماهير الكادحة. إن الإصلاحية تستعجل نهايتها القريبة؛ فهي تريد، بمساعدة أعمال الطرد وشق العناصر الأكثر قتالية، إضعاف الطبقة العاملة إلى أقصى حد، لجعلها غير قادرة على الاستيلاء على السلطة وعلى وسائل الإنتاج والتبادل.
ثالثاً: الفوضويون والشيوعيون
8 ـ وفي الوقت نفسه، شن الجناح الفوضوي للحركة العمالية «حملة» مماثلة كلياً لحملة أمستردام ضد الأممية الشيوعية والأحزاب الشيوعية والأنوية الشيوعية في النقابات. وأعلن عدد من المنظمات الفوضوية ـ النقابية عداءه علناً للأممية الشيوعية وللثورة الروسية، على الرغم من انضمامه الاحتفالي للأممية الشيوعية عام 1920 وعرائضه التضامنية مع البروليتاريا وثورة أكتوبر.
هكذا، النقابات الإيطالية، والمحليون الألمان، والفوضويون ـ النقابيون في فرنسا، وهولندا والسويد.
9ـ وباسم الاستقلالية الذاتية للنقابات، طردت بعض المنظمات النقابية (الأمانة العمالية الوطنية في هولندا، والـ i. w.w، والاتحاد النقابي الايطالي، إلخ). أنصار الأممية النقابية الحمراء بشكل عام والشيوعيين بشكل خاص. وهكذا بعد أن كان شعار الاستقلالية الذاتية ثورياً للغاية أصبح شعاراً معادياً للشيوعية، أي معادياً للثورة ويتفق مع شعار أمستردام التي تقوم بالسياسة نفسها تحت راية الاستقلالية، علماً أنه ليس خافياً على أحد أنها تابعة كلياً للبرجوازية الوطنية والعالمية.
10 ـ لقد أدى عمل الفوضويون ضد الأممية الشيوعية والأممية النقابية الحمراء والثورة إلى تفكك صفوفهم الخاصة وانشقاقها. وتدخلت أفضل العناصر العمالية ضد هذه الإيديولوجية وانقسمت الفوضوية والفوضوية ـ النقابية إلى عدة مجموعات واتجاهات تخوض صراعاً ضارياً لصالح الأممية النقابية الحمراء أو ضدها، ولصالح ديكتاتورية البروليتاريا أو ضدها، ولصالح الثورة الروسية أو ضدها.
رابعاً: الحيادية والاستقلال الذاتي
11ـ يعكس تأثير البرجوازية على البروليتاريا نفس في نظرية الحيادية، التي ينبغي على ضوئها أن تحدد النقابات لنفسها أهدافاً نقابية حصراً، واقتصادية ضيقة وليس أهدافاً طبقية أبداً. لقد كانت الحيادية دائماً عقيدة برجوازية صرفة تخوض ضدها الماركسية الثورية نضالاً حتى الموت. إن النقابات التي تحدد لنفسها أي هدف طبقي، أي لا تهدف إلى إطاحة النظام الرأسمالي، هي، على الرغم من تشكيلها البروليتاري، أفضل المدافعين عن التنظيم والنظام البرجوازيين.
12ـ لقد جرى دائماً تشجيع فكرة الحيادية بواسطة هذه الحجة وهي أنه ينبغي أن تهتم النقابات العمالية بالمسائل الاقتصادية فقط دون أن تتدخل بالسياسة. إن لدى البرجوازية دائماً ميلاً لفصل السياسة عن الاقتصاد، إذ تفهم جيداً أنها إذا نجحت في إدخال الطبقة العاملة في الإطار النقابي فإن أي خطر جدي لا يهدد هيمنتها.
13ـ إن هذا الفاصل نفسه بين الاقتصاد والسياسة تخطه أيضاً العناصر الفوضوية في الحركة النقابية من أجل حرف الحركة العمالية عن الطريق السياسي، بحجة أن كل سياسة هي موجهة ضد الشغيلة. هذه النظرية البرجوازية بشكل محض في الواقع تقدَّم للعمال باعتبارها نظرية الاستقلالية الذاتية النقابية، وتُفهَم هذه الأخيرة على أنها معارضة من النقابات للحزب الشيوعي وإعلان حرب على الحركة العمالية الشيوعية.
14ـ يحدث هذا النضال ضد «السياسة والحزب السياسي للطبقة العاملة» انكماشاَ في الحركة العمالية وفي المنظمات العمالية، وكذلك حملة ضد الشيوعية، الوعي المركز للطبقة العاملة. إن الاستقلالية الذاتية بكل أشكالها، سواء كانت فوضوية أو فوضوية نقابية، هي عقيدة معادية للشيوعية وينبغي مواجهتها بالمقاومة الأكثر عزماً: فأفضل ما يمكن أن ينتج عن ذلك هو استقلالية ذاتية إزاء الشيوعية وعداء بين النقابات والأحزاب الشيوعية: عدا ذلك، إنها نضال النقابات الضاري ضد الحزب الشيوعي والشيوعية والثورة الاجتماعية.
15ـ إن نظرية الاستقلالية الذاتية، كما يعرضها الفوضويون النقابيون الفرنسيون، والإيطاليون والإسبان، هي بالحصيلة صرخة حرب الفوضوية ضد الشيوعية. وينبغي أن يخوض الشيوعيون داخل النقابات حملة حاسمة ضد هذه المناورة لتمرير البضاعة الرديئة الفوضوية بواسطة التهريب تحت راية الاستقلالية الذاتية، ولشق الحركة العمالية إلى أجزاء معادية الواحدة للأخرى ولإبطاء انتصار الطبقة العاملة وإعاقته.
خامساً: النقابية والشيوعية
16ـ تخلط الفوضوية ـ النقابية بين النقابات والنقابية إذ تمرر حزبها باعتباره المنظمة الوحيدة الثورية فعلاً والقادرة على خوض التحرك الطبقي للبروليتاريا حتى النهاية. إن النقابية التي تشكل تطوراً ضخماَ بالنسبة للتريديونيونية تنطوي مع ذلك على نواقص عديدة وجوانب مسيئة، يجب مقاومتها بالشكل الأكثر حزماً.
17ـ لا يستطيع الشيوعيون ولا ينبغي أن يتخلوا باسم المبادئ الفوضوية ـ النقابية المجردة عن حقهم في تنظيم «أنوية» داخل النقابات مهما كان توجه هذه النقابات. وهذا الحق لا يمكن لأحد أن ينتزعه منهم. وبديهي أن ينسق الشيوعيون، إذ يناضلون داخل النقابات، عملهم مع عمل النقابات التي استفادت من تجربة الحرب والثورة.
18ـ ينبغي أن يتكفل الشيوعيون بالمبادرة لخلق تكتل مع العمال الثوريين، من اتجاهات أخرى، داخل لنقابات. إن «النقابيين الشيوعيين»، الذين يعترفون بضرورة ديكتاتورية البروليتاريا ويدافعون عن مبدأ الدولة العمالية ضد الفوضويين ـ النقابيين، هم الأقرب إلى الشيوعية. غير أن تنسيق الأعمال يفترض تنظيماً للشيوعيين. إن عملاً معزولاً وفردياً للشيوعيين لا يمكن أن ينسق مع كائن من كان، لأنه لا يمثل أي قوة جديدة.
19ـ وإذ يحقق الشيوعيون مبادئهم بالشكل الأكثر نشاطاً والأكثر منطقية، عبر محاربة نظريات الاستقلالية الذاتية وفصل السياسة عن الاقتصاد، وهي فكرة فوضوية مسيئة جداً للتطور الثوري للطبقة العاملة، عليهم أن يبذلوا جهدهم داخل لنقابات من كل الاتجاهات، لتنسيق عملهم، في النضال ضد الإصلاحية واللغو الفوضوي ـ النقابي، مع كل العناصر الثورية الداعمة لإطاحة الرأسمالية ولدكتاتورية البروليتاريا.
20ـ يصوغ الشيوعيون في البلدان حيث يوجد منظمات هامة نقابية ـ ثورية (فرنسا) وحيث تحت تأثير سلسلة كاملة من الأسباب التاريخية، تستمر الريبة إزاء الأحزاب السياسية في بعض شرائح العمال الثوريين، يصوغون في أماكن تواجدهم وبالاتفاق مع النقابيين، أشكال وأساليب النضال المشترك والتعاون في كل الأعمال الدفاعية والهجومية ضد رأس المال، انسجاماً مع خصوصيات البلد والحركة العمالية المعنية.
سادساً: النضال من أجل الوحدة النقابية
21ـ ينبغي أن يطبق شعار الأممية الشيوعية (ضد الانشقاق النقابي) بحيوية أكثر من السابق، على الرغم من المضايقات العنيفة التي يفرضها الإصلاحيون في جميع البلدان على الشيوعيين. يريد الإصلاحيون إطالة الانشقاق عبر أعمال الطرد. وإذ يطردون أفضل العناصر في النقابات بشكل منظم، يأملون إفقاد الشيوعيين برودة أعصابهم، وإخراجهم من النقابات وجعلهم يتخلون عبر إعلان دعم الانشقاق عن الخطة التي جرى التفكير فيها بعمق حول كسب النقابات من الداخل. غير أن الإصلاحيين لن يتمكنوا من الوصول إلى هذه النتيجة.
22ـ يمثل انشقاق الحركة النقابية، خاصة في الظروف الحالية، الخطر الأكبر على الحركة العمالية بمجملها. إن الانشقاق داخل النقابات العمالية يدفع بالطبقة العاملة سنوات عديدة إلى الوراء، لأن البرجوازية تتمكن عندئذٍ من استعادة المكاسب الأكثر أولية للعمال بسهولة. وينبغي أن يحول الشيوعيون دون الانشقاق النقابي مهما كلف الثمن. وينبغي أن يعيقوا بكل وسائل منظمتهم وكل قواها، الاستخفاف الإجرامي الذي يكسر به الإصلاحيون الوحدة.
23ـ ينبغي أن يناضل الشيوعيون بشكل منظم في البلدان حيث يوجد اتحادان نقابيان وطنيان (اسبانيا، فرنسا، تشيكوسلوفاكيا، إلخ). من أجل اندماج المنظمات المتوازنة. ونظراً لهدف دمج النقابات المنشقة حالياً هذا، ليس عقلانياً أن يتم نزع الشيوعيين المعزولين والعمال الثوريين من النقابات الإصلاحية، عبر تحويلهم إلى النقابات الثورية. لا ينبغي أن تبقى أي نقابة إصلاحية محرومة من خميرة شيوعية. إن عملاً نشطاً للشيوعيين في النقابتين هو شرط لإعادة بناء الوحدة المهدمة.
24ـ إن حماية الوحدة النقابية، كما إعادة بناء الوحدة المهدمة، أمران غير ممكنين إذا لم يضع الشيوعيون في الصدارة برنامجاً عملياً لكل بلد ولكل فرع صناعي؛ فعلى أرضية عمل عملي، ونضال عملي، نستطيع تجميع العناصر المشتتة للحركة العمالية وخلق الشروط الخاصة لضمان وحدتها العضوية في حالة الانشقاق النقابي. ينبغي أن يضع كل شيوعي نصب عينيه أن الانشقاق النقابي ليس تهديداً للمكاسب المباشرة للطبقة العاملة فحسب، ولكنه أيضاً تهديد للثورة الاجتماعية. ينبغي خنق محاولات الإصلاحيين شق النقابات، بشكل جذري؛ والحال أنه لا يمكن بلوغ ذلك إلا بعمل تنظيمي وسياسي نشط داخل الجماهير العمالية.
سابعاً: النضال ضد طرد الشيوعيين
25ـ يهدف طرد الشيوعيين إلى إثارة الفوضى في الحركة الثورية عبر عزل قادة الجماهير العمالية، وهكذا لا يمكن أن يكتفي الشيوعيون بأشكال وأساليب النضال التي طبقت حتى الساعة الراهنة. لقد وصلت الحركة النقابية العالمية إلى لحظتها الأكثر دقة وهاجت الإرادة الانشقاقية لدى الإصلاحيين، فيما تأكدت أرادتنا في حماية الوحدة النقابية، عبر وقائع عديدة، وينبغي أن يظهر الشيوعيون في المستقبل، عملياً أيضاً، الأهمية التي يعلقونها على وحدة الحركة النقابية.
26ـ كلما أصبح الخط الانشقاقي لأعدائنا صريحاً كلما وجب إبداء الحزم في وضع مشكلة الوحدة العمالية في الصدارة. لا ينبغي نسيان أي مشغل، وأي مصنع، وأي اجتماع عمالي؛ ينبغي أن يسمع الاحتجاج على تكتيك أمستردام في كل مكان. يجب أن تطرح مشكلة الانشقاق النقابي أمام كل نقابي، ويجب أن تطرح ليس فقط في اللحظة التي يكون فيها الانشقاق محدقاً، بل كذلك ما أن يكون بالكاد بُدئ به. وينبغي أن توضع مسألة طرد الشيوعيين من الحركة النقابية على جدول أعمال الحركة بمجملها في كل بلد معني. إن الشيوعيين أقوياء كفاية بحيث لا يتم خنقهم دون أن يقولوا كلمة. وينبغي أن تعرف الطبقة العاملة من يدعم الانشقاق ومن يدعم الوحدة.
27ـ إن طرد شيوعيين بعد انتخابهم إلى مناصب نقابية عبر منظمات محلية لا ينبغي أن يثير احتجاجات ضد العنف الممارس إزاء إرادة المنتخبين فحسب؛ فهكذا طرد ينبغي أن يحدث مقاومة منظمة حاسمة جداً. ولا ينبغي أن يبقى الأعضاء المطرودون مشتتين. وتقوم المهمة الأكثر أهمية للأحزاب الشيوعية على عدم السماح للعناصر المطرودة بالتشتت. ينبغي أن تنظم في نقابات للمطرودين عبر وضع برنامج ملموس في صلب عملها، وفرض إعادتها من جديد.
28ـ إن النضال ضد أعمال الطرد هو في الواقع نضال من أجل وحدة الحركة النقابية. وهنا كل الإجراءات جيدة، كل الإجراءات التي تؤدي إلى إعادة بناء الوحدة المهدمة. لا ينبغي أن يبقى المطرودون معزولين ومقطوعين عن كل المعارضة، طالما أن هناك منظمات ثورية مستقلة في البلد المعني، بغية التنظيم المشترك للنضال ضد أعمال الطرد ولتنسيق العمل في النضال ضد رأس المال.
29ـ يمكن وينبغي أن تُستكمل الإجراءات العملية للنضال وتُعدَّل انسجاماً مع الظروف والخصوصيات المحلية. ومن المهم أن تتخذ الأحزاب الشيوعية بوضوح موقفاً قتالياً معادياً للانشقاقية، وتقوم بكل ما في وسعها لإفشال سياسة الطرد التي تعززت بشكل ملموس بالارتباط مع بداية اندماج الأمميتين 2 و 2,5. ليس هناك وسائل وأساليب شاملة ونهائية في النضال ضد الطرد. من هذه الناحية يمكن الشيوعيين أن يناضلوا بالوسائل التي يرون أنها الأفضل من أجل الوصول إلى هذا الهدف: كسب النقابات وإعادة بناء الوحدة النقابية المهدمة.
30ـ ينبغي أن يطور الشيوعيون النضال الأكثر حيوية ضد طرد النقابات الثورية من داخل الاتحادات العالمية للصناعة. لا يمكن ولا ينبغي أن تبقى الأحزاب الشيوعية متفرجة سلبية على طرد النقابات الثورية لسبب وحيد، وهو أنها ثورية. ويجب أن تجد اللجان الدعاوة العالمية للصناعة، التي أنشأتها الأممية النقابية الثورية، الدعم الأكثر نشاطاً من جانب الأحزاب الشيوعية، بشكل يجمع كل القوى الثورية الموجودة بهدف النضال من أجل الاتحادات العالمية الواحدة للصناعة. وينبغي أن يخاض هذا النضال بأكمله تحت راية قبول كل النقابات، دون تمييز بين الميول، ودون تمييز بين الاتجاهات السياسية، في منظمة عالمية واحدة للصناعة.
خلاصة
إن المؤتمر الرابع للأممية الشيوعية إذ يواصل طريقه نحو كسب النقابات والنضال ضد السياسة الانشقاقية، يعلن بشكل احتفالي إنه في كل المرات التي لا تلجأ فيها جماعة أمستردام إلى أعمال الطرد، وفي كل المرات التي تتيح فيها للشيوعيين إمكانية النضال إيديولوجياً من اجل مبادئهم داخل النقابات، فإن الشيوعيين يناضلون كأعضاء منضبطين في صفوف المنظمة الواحدة، ويعلن المؤتمر الرابع للأممية الشيوعية أنه ينبغي أن تبذل جميع الأحزاب الشيوعية كل جهدها لمنع الانشقاق في النقابات، وينبغي أن تقوم بكل ما يتوجب عليها من أجل إعادة بناء الوحدة النقابية المهدمة في بعض البلدان، والفوز بانتساب الحركة النقابية في بلدانها الخاصة إلى الأممية النقابية الحمراء.
موضوعات عامة حول المسألة الشرقية
أولاًـ نمو الحركة العمالية في الشرق
لقد حدد المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية، بالاستناد إلى تجربة البناء السوفياتي في الشرق وإلى نمو الحركات القوية الثورية في المستعمرات، الموقف الأساسي من مجمل المسألة القومية ومسألة المستعمرات، في حقبة صراع طويل الأجل بين الإمبريالية والديكتاتورية البروليتارية.
منذ ذلك الحين، تعزز النضال ضد النير الامبريالي بشكل كبير في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة على أرضية تفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية لما بعد الحرب الامبريالية.
وتثبت ذلك الوقائع التالية:
أ ـ إفلاس معاهدة سيفر، التي كان هدفها تجزئة تركيا وإحياء الاستقلال الذاتي القومي والسياسي لهذه الأخيرة؛
ب ـ نمو قوي للحركة القومية الثورية في الهند، وفي بلاد ما بين النهرين وفي مصر، وفي المغرب، وفي الصين وفي كوريا؛
جـ ـ الأزمة الداخلية التي لا مخرج لها حيث تجد الامبريالية اليابانية نفسها متورطة، أزمة أحدثت النمو السريع لعناصر الثورة البرجوازية الديمقراطية وانتقال البروليتاريا اليابانية إلى نضال طبقي مستقل.
إن الوقائع آنفة الذكر هي مؤشر على تحول طارئ مفاجئ على القاعدة الاجتماعية للحركة الثورية في المستعمرات؛ فهذا التحول يحدث تكثيفاً للنضال المعادي للامبريالية الذي لم تعد تنتمي قيادته حصراً، بهذه الطريقة، للعناصر الإقطاعية وللبرجوازية القومية المستعدتين لمساومات مع الامبريالية.
إن الحرب الامبريالية لعامي 1914 ـ 1918 والأزمة الطويلة للرأسمالية، وخاصة للرأسمالية الأوروبية، الناجمة عنها، أضعفتا الوصاية الاقتصادية للحواضر على المستعمرات.
ومن جهة ثانية، زادت الظروف نفسها، التي كانت نتيجتها تضييقاً للقاعدة الاقتصادية ولدائرة النفوذ السياسي للرأسمالية العالمية، زادت أكثر أيضاً من حدة المنافسة الرأسمالية حول المستعمرات، وهو ما أدى إلى حدوث انقطاع في التوازن في مجمل النظام الرأسمالي العالمي (صراع من أجل البترول، صراع إنجليزي ـ فرنسي في آسيا الصغرى، تنافس ياباني ـ أميركي من أجل السيطرة على المحيط الهادئ، إلخ..).
هذا الإضعاف للسيطرة الرأسمالية على المستعمرات، كما التنافس المتنامي بين مختلف المجموعات الامبريالية، في الوقت نفسه، تحديدا، هو الذي سهل تطور الرأسمالية المحلية في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة؛ فهذه الرأسمالية قد تجاوزت الإطار الضيق والمعيق لسيطرة الحواضر الامبريالية، وتواصل تجاوزها. وحتى الوقت الحاضر، يسعى رأسمال الحواضر المثابر على إرادة احتكار فائض قيمة الاستثمار التجاري والصناعي والضريبي للبلدان المتخلفة، لعزل هذه الأخيرة عن الدورة الاقتصادية لبقية العالم. إن مطلب الاستقلال الذاتي الوطني والاقتصادي الذي ترفعه الحركة القومية في البلدان المستعمرة هو التعبير عن حاجة التطور البرجوازي التي تشعر بها هذه البلدان. ويدخل بذلك التطور الثابت للقوى المنتجة المحلية في المستعمرات في تناقض لا يقهر مع مصالح الرأسمالية العالمية، لأن جوهر الامبريالية بالذات يتضمن استخدام الفرق في المستوى القائم في تطور القوى المنتجة لمختلف قطاعات الاقتصاد العالمي، بهدف أن تضمن لنفسها مجموع فائض القيمة المحتكرة.
ثانياًـ شروط النضال
يبرز الطابع المتأخر للمستعمرات في تنوع الحركات القومية الثورية الموجهة ضد الامبريالية ويعكس مختلف مستويات الانتقال بين العلاقات المتبادلة الإقطاعية والإقطاعية – الأبوية والرأسمالية. ويمنح هذا التنوع سمة خاصة لإيديولوجية هذه الحركات.
في هذه البلدان، تنشأ الرأسمالية وتتطور على قاعدة إقطاعية؛ فتتخذ أشكالاً ناقصة، انتقالية، وهجينة، تترك الغلبة، قبل كل شيء، للرأسمال التجاري والربوي (الشرق المسلم، والصين). وتتخذ الديمقراطية البرجوازية، من أجل التمايز عن العناصر الإقطاعية ـ البيروقراطية والإقطاعية ـ المناصرة للإصلاح الزراعي، طريقاً ملتوياً ومشوشاً. ذلك هو العائق الأساسي أمام نجاح النضال ضد النير الإمبريالي، لأن الامبريالية الأجنبية لا تتوانى عن تحويل الشريحة العليا الإقطاعية (وبجزء منها شبه ـ إقطاعية، شبه ـ برجوازية) للمجتمع المحلي، في جميع البلدان المتخلفة، إلى أداة لسيطرتها (حكام عسكريون، أو توكوينز في الصين، بيروقراطية وأرستقراطية في إيران، أكّارو الضريبة العقارية، والزيميندا والتالوكدار في الهند، الزرّاعون ذوو التكوين الرأسمالي في مصر، إلخ..).
لذا فليس لدى الطبقات الحاكمة في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة لا القدرة ولا الرغبة في قيادة النضال ضد الامبريالية، بقدر ما يتحول هذا النضال إلى حركة ثورية جماهيرية. وفقط حيث لم يتفسخ النظام الإقطاعي بشكل كاف لفصل الشرائح العليا المحلية كلياً عن جماهير الشعب، كما لدى البدو وأشباه البدو على سبيل المثال، يمكن أن يلعب ممثلو هذه الشرائح العليا دور المرشدين النشطين في النضال ضد الاضطهاد الرأسمالي (بلاد ما بين النهرين، منغوليا، مراكش).
في البلدان الإسلامية، تجد الحركة الوطنية إيديولوجيتها قبل كل شيء في الشعارات السياسية ـ الدينية للوحدة الإسلامية، مما يسمح للموظفين والدبلوماسيين في الحواضر باستخدام الأفكار المسبقة وجهل الجماهير الشعبية لمحاربة هذه الحركة (هكذا يلعب الإنجليز مثلاً لعبة الوحدة الإسلامية والوحدة العربية، معلنين أنهم يريدون نقل الخلافة إلى الهند، إلخ… وتعتمد الامبريالية الفرنسية على «التعاطف الإسلامي»). مع ذلك، وكلما اتسعت حركة التحرر الوطني ونضجت، تزيح المطالب السياسية الملموسة الشعارات السياسية ـ الدينية للوحدة الإسلامية. وما يؤكد ذلك، هو النضال الذي بدأ أخيراً في تركيا من أجل انتزاع السلطة الزمنية من الخلافة.
إن المهمة الأساسية، المشتركة بين جميع الحركات الوطنية ـ الثورية، تقوم على تحقيق الوحدة الوطنية والاستقلال الذاتي السياسي. ويرتبط الحل الحقيقي والمنطقي لهذه المهمة بأهمية الجماهير العاملة التي سوف تستطيع هذه الحركة الوطنية أو تلك أن تجعلها تنخرط في مسارها، بعد أن تكون قد قطعت كل علاقاتها مع العناصر الإقطاعية والرجعية وضمنت برنامجها المطالب الاجتماعية لهذه الجماهير.
وإذ تدرك الأممية الشيوعية جيداً أنه في شروط تاريخية متنوعة يمكن أن تكون العناصر الأكثر تنوعاً هي الناطقة باسم الاستقلال الذاتي السياسي، فإنها تدعم كل حركة وطنية ـ ثورية موجهة ضد الامبريالية. مع ذلك، لا يغيب عن ناظريها في الوقت نفسه، أن خطاً ثورياً منطقياً، مرتكزاً على مشاركة جماهير واسعة في النضال النشط والقطيعة مع كل أنصار التعاون مع الامبريالية دون تحفظ، يمكنه وحده أن يقود الجماهير المضطهدة إلى النصر. إن الارتباط القائم بين البرجوازية المحلية والعناصر الإقطاعية ـ الرجعية يسمح للإمبرياليين بالإفادة كثيراً من الفوضى الإقطاعية، ومن التنافس الذي يسود بين مختلف العشائر والقبائل ومن التناقض بين المدن والأرياف، ومن الصراع بين الفئات المغلقة والطوائف القومية ـ الدينية لأجل تفكيك الحركة الشعبية ـ (الصين، فارس، كردستان، بلاد ما بين النهرين).
ثالثاً: المسألة الزراعية
تمثل المسألة الزراعية في أغلب بلدان الشرق (الهند، فارس، مصر، سوريا، بلاد ما بين النهرين) أهمية من الدرجة الأولى في النضال من أجل الانعتاق من نير طغيان الحواضر. إن الامبريالية، إذ تستغل الأغلبية الفلاحية وتدمرها في البلدان المتخلفة، تحرمها من وسائل المعيشة الأولية، فيما تكون الصناعة قليلة التطور، المشتتة في نقاط مختلفة من البلد، عاجزة عن امتصاص فائض السكان الزراعيين، الذين لا يمكنهم، بالإضافة إلى ذلك، حتى أن يهاجروا. ويتحول الفلاحون الفقراء الذين بقوا على أرضهم إلى عبيد. وإذا كانت الأزمات الصناعية لما قبل الحرب تلعب، في البلدان المتحضرة، دور منظم الإنتاج الاجتماعي، فإن دور التنظيم هذا مليء بالمجاعات في المستعمرات. وتدعم الإمبريالية، التي تملك مصلحة حيوية في تلقي أكبر قدر ممكن من الأرباح بأقل مصاريف ممكنة، وحتى آخر الحدود، الأشكال الإقطاعية والربوية الاستغلالية لليد العاملة في البلدان المتخلفة. وفي بعض البلدان، كما في الهند مثلاً، تمنح نفسها الاحتكار العائد للدولة الإقطاعية المحلية، احتكار الاستمتاع بالأرض، وتحول الضريبة العقارية إلى أتاوة ينبغي أن تُدفع إلى رأس مال الحواضر ومعتمديه، الـ «زيمييندارام» والـ «تالوكدار». وفي بلدان أخرى تحصل الامبريالية على الريع العقاري باستخدامها من أجل ذلك التنظيم المحلي للملكية الكبرى العقارية (فارس، مراكش، مصر، إلخ). ينجم عن ذلك أن النضال من أجل إزالة العوائق والأتاوات الإقطاعية التي تبقى على الأرض تكتسي طابع نضال تحرري وطني ضد الامبريالية والملكية العقارية الإقطاعية الكبيرة. ونستطيع أخذ انتفاضة الموبلاه ضد الملاكين العقاريين والإنجليز في خريف 1921 في الهند، وانتفاضة السيخ عام 1922، كأمثلة على ذلك. وحدها، ثورة زراعية هدفها مصادرة الملكية الإقطاعية الكبيرة، ستكون قادرة على إثارة الجماهير الفلاحية، وكسب تأثير حاسم في النضال ضد الامبريالية. إن القوميين البرجوازيين يخافون الشعارات الزراعية ويقلمونها قدر مستطاعهم (الهند، فارس، مصر)، مما يبرهن على الارتباط الوثيق القائم بين البرجوازية المحلية والملكية العقارية الإقطاعية الكبيرة والإقطاعية البرجوازية؛ وهذا يبرهن أيضاً على أن القوميين يخضعون أيديولوجياً وسياسياً للملكية العقارية. إن هذا التردد وهذه التقلبات ينبغي أن تستخدمها العناصر الثورية في نقد منهجي ومعلن للسياسة الهجينة لقادة الحركة القومية البرجوازيين. وهذه السياسة الهجينة تحديداً هي التي تمنع تنظيم الجماهير العاملة وتماسكها، كما أثبت ذلك إفلاس تكتيك المقاومة السلبية في الهند (لا تعاون).
إن الحركة الثورية في بلدان الشرق المتخلفة لا يمكن أن تكلل بالنجاح إلا إذا كانت مرتكزة على عمل الجماهير الفلاحية. لهذا ينبغي أن تحدد الأحزاب الثورية في جميع بلدان الشرق برنامجها الزراعي بوضوح وتفرض الإزالة الكاملة للإقطاعية وبقاياها، التي تجد تعبيرها في الملكية العقارية الكبيرة وفي الإعفاء من الضريبة العقارية. ولأهداف المشاركة النشطة للجماهير الفلاحية في النضال من أجل التحرر الوطني، هناك ضرورة للمطالبة بتغيير جذري لنظام الانتفاع بالأرض. كما أن هناك ضرورة لإجبار الأحزاب البرجوازية القومية على تبني أكبر جزء ممكن من هذا البرنامج الزراعي الثوري.
رابعاً: الحركة العمالية في الشرق
إن الحركة العمالية الشرقية الشابة هي نتاج تطور الرأسمالية المحلية حديث العهد. حتى الوقت الحاضر، تمر الطبقة العاملة المحلية، حتى لو أخذنا نواتها الأساسية، في حقبة انتقالية بدءاً بالحرفة التعاونية الصغيرة، ووصولاً إلى المشغل من الطراز الرأسمالي الكبير. لهذا بمقدار ما يجذب المثقفون البرجوازيون القوميون الطبقة العاملة إلى الحركة الثورية من أجل النضال ضد الامبريالية، يضطلع ممثلوهم في البداية بدور قيادي في التحرك المهني الجنيني وفي تنظيمه. في البدء، لا يتخطى تحرك الطبقة العاملة إطار المصالح «المشتركة لكل الأمم» الخاصة بالديمقراطية البرجوازية (إضرابات ضد البيروقراطية والإدارة الإمبريالية في الصين والهند). وغالباً جداً ما كان ممثلو القومية البرجوازية، كما أشار إليه المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية، يستغلون السلطة السياسية والأخلاقية لروسيا السوفياتية ويتأقلمون مع الغريزة الطبقية للعمال، مدثرين تطلعاتهم الديمقراطية ـ البرجوازية بـ «الاشتراكية» و«الشيوعية»، من أجل أن يحرفوا هكذا الأجهزة الجنينية الأولى للبروليتاريا، وأحياناً دون التنبه لذلك، عن واجباتها التنظيمية الطبقية (كما حزب بهيل أردو في تركيا الذي أعاد صبغ تركيا الكبرى بالأحمر، و«اشتراكية الدولة» التي ينادي بها بعض ممثلي حزب كيومينغ تانغ).
على الرغم من ذلك، تطورت الحركة المهنية والسياسية للطبقة العاملة في البلدان المتخلفة بشكل كبير في الفترة الأخيرة. إن تشكيل أحزاب مستقلة للطبقة البروليتارية في جميع البلدان الشرقية تقريباً هو حدث ذو مغزى، رغم أن الأغلبية الساحقة من هذه الأحزاب ينبغي أن تقوم بعمل داخلي كبير أيضاً لكي تتحرر من الروح العصبوية ومن الكثير من العيوب الأخرى. لقد قدرت الأممية الشيوعية، منذ البداية، تقديراً صحيحاً الأهمية الكامنة للحركة العمالية في الشرق، وهذا يثبت جيداً أن البروليتاريين في العالم أجمع موحدون أممياً تحت راية الشيوعية. إن الأمميتين 2 و2,5 لم تجدا حتى الوقت الحاضر أنصاراً في أي من البلدان المتخلفة، لأنهما تكتفيان بلعب «دور مساعد» بمواجهة الامبرياليتين الأوروبية والأمريكية.
خامسا: الأهداف العامة للأحزاب الشيوعية في الشرق
يثمن القوميون البرجوازيون الحركة العمالية تبعاً للأهمية التي يمكن أن تملكها من أجل انتصارهم. وتثمن البروليتاريا العالمية الحركة العمالية الشرقية من وجهة نظر مستقبلها الثوري. في ظل النظام الرأسمالي، لا يمكن أن تشارك البلدان المتخلفة في مكاسب العلم والثقافة المعاصرة دون أن تدفع ضريبة ضخمة للاستغلال والاضطهاد الهمجي لرأسمال الحواضر. إن التحالف مع بروليتاريا البلدان المتحضرة بشكل عالٍ، سيكون مفيداً لهما، ليس فقط لأنه يتلاءم مع مصالح نضالهما المشترك ضد الامبريالية، بل أيضاً لأن بروليتاريا البلدان المتحضرة لا يمكنها أن تقدم لعمال الشرق عوناً نزيهاً من أجل تطور قواهم المنتجة المتخلفة، إلا بعد انتصار هذه البروليتاريا. ويمهد التحالف مع البروليتاريا الغربية الطريق نحو اتحاد عالمي للجمهوريات السوفياتية. إن النظام السوفياتي يقدم للشعوب المتأخرة الوسيلة الأسهل للانتقال من شروطها المعيشية الأولية إلى حضارة الشيوعية السامية، المعدل للحلول محل النظام الرأسمالي للإنتاج والتوزيع في الاقتصاد العالمي. وأكبر شاهد على ذلك هو تجربة البناء السوفياتي في المستعمرات المنعتقة ضمن الإمبراطورية الروسية السابقة. وحده شكل الإدارة السوفياتي هو القادر على ضمان الإنجاز المنطقي للثورة الزراعية الفلاحية. إن الشروط الخاصة للاقتصاد الزراعي، عبر جزء معين من البلدان الشرقية (ريّ اصطناعي)، المرعية قديماً عبر تنظيم فريد للتعاون الجماعي على قاعدة إقطاعية وأبوية، هذه الشروط التي تعرّضها حالياً للخطر القرصنة الرأسمالية، تتطلب تنظيماً سياسياً قادراً على تأمين الحاجات الاجتماعية بشكل منهجي. وبفعل شروط مناخية واجتماعية وتاريخية خاصة، يعود لتعاون المنتجين الصغار، بشكل عام، دور هام في الشرق في المرحلة الانتقالية.
إن المهمات الموضوعية للثورة الكولونيالية تتخطى إطار الديمقراطية البرجوازية. وفي الواقع يتعارض انتصارها مع سيطرة الامبريالية العالمية. في البداية، اضطلعت البرجوازية المحلية والمثقفون المحليون بدور رواد الحركات الثورية في المستعمرات؛ ولكن ما أن تلتحق الجماهير البروليتارية بهذه الحركات، تنفصل عنها عناصر البرجوازية الكبرى والبرجوازية العقارية، تاركة المبادرة للمصالح الاجتماعية لشرائح الشعب الدنيا. إن نضالاً طويلاً، يمتد على حقبة تاريخية بأكملها، ينتظر بروليتاريا المستعمرات الشابة، نضالاً ضد الاستغلال الامبريالي وضد الطبقات المسيطرة المحلية التي تطمح إلى احتكار كل أرباح التطور الصناعي والفكري وتريد أن تبقى الجماهير في وضع «قبل تاريخي» كما في السابق.
ينبغي أن يُعد هذا الصراع على التأثير على الجماهير الفلاحية البروليتاريا المحلية لدور الطليعة السياسية. ولا تجد البروليتاريا المحلية نفسها قادرة على مواجهة الديمقراطية البرجوازية الشرقية التي تحمل طابعاً شكلاوياً أكثر نفاقاً من ذلك الذي تحمله البرجوازية الغربية، إلا بعد أن تخضع لهذا العمل الإعدادي وتُخْضع له الشرائح الاجتماعية المجاورة. إن رفض شيوعيي المستعمرات المشاركة في النضال ضد الاضطهاد الامبريالي تحت حجة «دفاع» حصري عن المصالح الطبقية، هو نتاج انتهازية سمجة جداً لا يمكن إلا أن تُفقد الثورة البروليتارية في الشرق اعتبارها. وليست محاولة الوقوف خارج النضال من أجل المصالح اليومية والمباشرة للطبقة العاملة باسم «التوحيد الوطني» أو «السلم الاجتماعي» مع الديمقراطيين البرجوازيين، أقل ضرراً. وتقع على عاتق الأحزاب الشيوعية في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة مهمتان ممتزجتان: من جهة، تناضل من أجل حل جذري لمشاكل الثورة الديمقراطية ـ البرجوازية وهدفها إحراز الاستقلال السياسي؛ من جهة ثانية، تنظم الجماهير العمالية والفلاحية كي تسمح لها بالنضال من أجل المصالح الخاصة لطبقتيها، وتستخدم لذلك كل تناقضات النظام القومي الديمقراطي ـ البرجوازي. وإذ تصوغ مطالب اجتماعية، تحفز الطاقة الثورية التي لم تكن تجد مخرجاً البتة في المطالب الليبرالية البرجوازية، وتحررها. إن الطبقة العاملة في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة ينبغي أن تعرف بحزم أن امتداد النضال ضد النير الامبريالي للحواضر وتكثيفه يمكنهما وحدهما إعطاؤها دوراً قيادياً في الثورة. وإن التنظيم الاقتصادي والسياسي والتربية السياسية للطبقة العاملة وللعناصر شبه البروليتارية، يمكنهما وحدهما أن يزيدا من الاتساع الثوري للمعركة ضد الامبريالية.
ينبغي أن تشارك الأحزاب الشيوعية التي لا زالت في وضع جنيني إلى هذا الحد أو ذاك، في بلدان الشرق المستعمرة وشبه المستعمرة، في كل تحرك قادر على فتح منفذ لها إلى الجماهير. لكن ينبغي أن تخوض نضالاً نشطاً ضد الأفكار الأبوية الطائفية وضد التأثير البرجوازي في المنظمات العمالية، من أجل الدفاع عن هذه الأشكال الجنينية للتنظيم المهني ضد الاتجاهات الإصلاحية، ولتحويلها إلى أجهزة قتالية جماهيرية. وينبغي أن تبذل كل جهودها لتنظيم المياومين والمياومين الريفيين العديدين، وكذلك قليلي المهارة من الجنسين، على أرضية الدفاع عن مصالحهم اليومية.
سادساً: الجبهة الواحدة المعادية للامبريالية
لقد أطلق شعار الجبهة البروليتارية الواحدة في البلدان الغربية التي تمر بمرحلة انتقالية مميزة بتراكم منظم للقوى؛ وفي المستعمرات الشرقية هناك ضرورة في الوقت الحاضر لإطلاق شعار الجبهة الواحدة المعادية للامبريالية. إن إفادة هذا الشعار مشروطة بأفق نضال طويل الأمد ضد الامبريالية العالمية، نضال يتطلب تعبئة كل القوى الثورية. هذا النضال هو أكثر ضرورة كلما نزعت الطبقات الحاكمة المحلية إلى مساومات مع رأس المال الأجنبي وكلما نالت هذه المساومات من المصالح الأساسية للجماهير الشعبية. وكما ساهم شعار الجبهة البروليتارية الواحدة ولا زال يساهم في الغرب بفضح خيانة الاشتراكية ـ الديمقراطية لمصالح البروليتاريا، فإن شعار الجبهة الواحدة المعادية للامبريالية سيساهم كذلك في فضح تردد مختلف المجموعات القومية البرجوازية وتقلباتها. من جهة ثانية، سيساعد هذا الشعار في تطور الإرادة الثورية للشغيلة وتقنية وعيهم الثوري بحثّهم على النضال في الصف الأول ليس فقط ضد الامبريالية بل أيضاً ضد كل نوع من أنواع بقايا الإقطاعية.
ينبغي أن تحرز الحركة العمالية في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة قبل كل شيء موقع العامل الثوري المستقل في الجبهة المشتركة المعادية للامبريالية. وليس إلا إذا اعترفنا لها بهذه الأهمية الاستقلالية وحافظت هي على استقلالها السياسي التام، يمكن أن تكون اتفاقات ظرفية مع الديمقراطية البرجوازية مقبولة لا بل ضرورية. وتدعم البروليتاريا مطالب جزئية وتبرزها، كمطلب الجمهورية الديمقراطية المستقلة مثلاً، ومنح النساء الحقوق المحرومات منها، إلخ. طالما لا تسمح العلاقة المتبادلة بين القوى، القائمة في الوقت الحاضر، بوضع تحقيق برنامج البروليتاريا السوفياتي على جدول الأعمال. وفي الوقت نفسه تحاول إطلاق شعارات قادرة على الإسهام في الاندماج السياسي للجماهير الفلاحية وشبه البروليتارية بالحركة العمالية. وترتبط الجبهة الواحدة المعادية للامبريالية ارتباطاً وثيقاً للغاية بالتوجه نحو روسيا السوفياتية.
إن شرح ضرورة تحالف الجماهير العاملة مع البروليتاريا ومع الجمهوريات السوفياتية إحدى النقاط الأساسية في التكتيك المتحد المعادي للامبريالية. لا يمكن أن تنتصر الثورة الكولونيالية إلا مع الثورة البروليتارية في البلدان الغربية.
إن خطر أي وفاق بين القومية البرجوازية، ودولة امبريالية واحدة، أو عدة دول امبريالية معادية، على حساب جماهير الشعب، هو أقل بكثير في البلدان المستعمرة منه في البلدان شبه المستعمرة (الصين، فارس) أو في البلدان التي تناضل من أجل الاستقلال السياسي مستغلة لهذه الغاية التنافس الامبريالي (تركيا).
ينبغي أن تتصدى الطبقة العاملة بعناد ـ إذ تعترف بأن مساومات جزئية وظرفية يمكن أن تكون مقبولة وضرورية عندما يتعلق الأمر بأخذ استراحة في نضال التحرر الثوري الموجه ضد الامبريالية ـ لكل محاولة لاقتسام السلطة بين الامبريالية والطبقات الحاكمة المحلية، سواء تم هذا الاقتسام بشكل علني أو تحت شكل مقنع، لأنه يهدف إلى الحفاظ على امتيازات الحكام. إن مطلب التحالف الوثيق مع الجمهورية البروليتارية السوفياتية هو راية الجبهة الواحدة المعادية للامبريالية. وبعد صياغته، ينبغي خوض نضال حاسم من أجل دمقرطةٍ قصوى للنظام السياسي، بغية حرمان العناصر الأكثر رجعية اجتماعياً وسياسياً من كل دعم، وبغية ضمان حرية التنظيم للشغيلة التي تسمح لهم بالنضال من أجل مصالحهم الطبقية (مطلب الجمهورية الديمقراطية، والإصلاح الزراعي، وإصلاح الضرائب العقارية، وتنظيم جهاز إداري مرتكز على مبدأ حكم ذاتي واسع، والتشريع العمالي، وحماية العمل، والأطفال، وحماية الأمومة، والطفولة، إلخ). وحتى على أرض تركيا المستقلة لا تتمتع الطبقة العاملة بحرية الائتلاف، الأمر الذي يفيد كمؤشر مميز للموقف الذي يتخذه القوميون البرجوازيون إزاء البروليتاريا.
سابعاً: مهام بروليتاريا بلدان المحيط الهادئ
إن ضرورة تنظيم جبهة معادية للامبريالية يمليها، فضلاً عن ذلك، النمو الدائم وغير المنقطع للتنافس الامبريالي. ويكتسي هذا التنافس حالياً حدة معينة تجعل حرباً امبريالية جديدة، يكون المحيط الهادئ ساحتها، محتومة إذا لم تتداركها الثورة العالمية.
كان مؤتمر واشنطن محاولة لتجنب هذا الخطر، لكنه في الواقع لم يقم إلا بتعميقه وبمفاقمة تناقضات الامبريالية. إن الصراع الذي حدث أخيراً بين هو ـ باي ـ فو وجان ـ سو ـ لين في الصين، هو النتيجة المباشرة لفشل الرأسماليين اليابانيين والانغلو ـ أميركيين في محاولتهم ربط مصالحه بواشنطن. وستشمل الحرب الجديد التي تهدد العالم ليس فقط اليابان وأميركا وإنجلترا بل أيضاً الدول الرأسمالية الأخيرة مثل فرنسا وهولندا، وكل شيء يسمح بالتوقع بأنها ستكون أكثر تخريباً من حرب 1914 ـ 1918.
تقوم مهمة الأحزاب الشيوعية في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة المتاخمة لشواطئ المحيط الهادي على القيام بدعاوة نشطة هدفها شرح الخطر الذي ينتظر الجماهير ودعوتها لنضال نشط من أجل الانعتاق الوطني، والتشديد على أن تتجه نحو روسيا السوفياتية، سند كل المضطهدين وكل المستغلين.
وواجب الأحزاب الشيوعية في البلدان الامبريالية مثل أميركا، واليابان، وإنجلترا واستراليا وكندا نظراً للخطر المحدق، ألا تكتفي بدعاوة ضد الحرب، بل أن تبذل جهدها بكل الوسائل لإبعاد العوامل القادرة على بلبلة الحركة العمالية في هذه البلدان وعلى تسهيل استخدام الرأسماليين العداوات القومية والعرقية.
هذه العوامل هي: مسألة الهجرة، ومسألة اليد العاملة الملونة الرخيصة.
إن نظام العقود يبقى حتى الوقت الحاضر الوسيلة الأساسية لجذب العمال الملونين إلى مزارع السكر في بلدان جنوب المحيط الهادئ، حيث يُستورد العمال من الصين والهند. هذا الواقع جعل عمال البلدان الامبريالية يصممون على المطالبة بوضع قوانين تحظر الهجرة واستخدام اليد العاملة الملونة موضع التنفيذ في أميركا كما في أستراليا. إن قوانين الحظر هذه تبرز العداء القائم بين العمال البيض والعمال الملونين، وتشق وحدة الحركة العمالية وتضعفها.
ينبغي أن تخوض الأحزاب الشيوعية في الولايات المتحدة وكندا واستراليا حملة نشطة ضد قوانين الحظر وأن تظهر للجماهير البروليتارية في هذه البلدان أن قوانين من هذا النوع إذ تثير العداوات العرقية، تنقلب في نهاية المطاف ضد عمال البلدان التي تمارس الحظر.
من ناحية أخرى، يعلق الرأسماليون قوانين الحظر، من أجل تسهيل هجرة اليد العاملة الملونة التي تعمل مقابل أبخس الأجور، ومن أجل خفض أجر العمال البيض بذلك. إن هذه النية التي يعبر عنها الرأسماليون بالانتقال إلى الهجوم يمكن إحباطها بشكل فعال إذا دخل العمال المهاجرون في النقابات التي ينظم فيها العمال البيض. وينبغي، في الوقت نفسه، المطالبة بزيادة أجور اليد العاملة الملونة، بطريقة تجعلها مساوية لأجور العمال البيض. إن إجراء مماثلاً تتخذه الأحزاب الشيوعية سيفضح نوايا الرأسماليين ويظهر في الوقت نفسه بصورة بديهية للعمال الملونين أن البروليتاريا العالمية غريبة عن الأفكار المسبقة العرقية.
من أجل تحقيق الإجراءات المشار إليها أعلاه، ينبغي أن يدعو ممثلو البروليتاريا الثورية في بلدان المحيط الهادئ إلى كونفرانس لبلدان الهادئ، يصوغ التكتيك المفترض إتباعه ويضع الأشكال التنظيمية لتوحيد البروليتاريا من كل عرق في بلدان الهادئ.
ثامناً: المهام الكولونيالية لأحزاب الحواضر
تفرض الأهمية الرئيسية للحركة الثورية في المستعمرات من أجل الثورة البروليتارية العالمية تكثيفاً لعمل الأحزاب الشيوعية في الدول الامبريالية ضمن المستعمرات.
تعتمد الامبريالية الفرنسية من أجل قمع الثورة البروليتارية في فرنسا وفي أوروبا على سكان المستعمرات المحليين الذين يخدمون، حسب اعتقادها، كاحتياطي للثورة المضادة.
تستمر الامبرياليتان الانكليزية والأمريكية، كما في السابق، بشق الحركة العمالية عبر جذب الأرستقراطية العمالية إلى جانبهما عبر وعدهما بمنحها جزءاً من فائض القيمة المتأتي من الاستغلال الكولونيالي.
ينبغي أن يتعهد كلم من الأحزاب الشيوعية في البلدان التي تملك مجالاً استعمارياً بتنظيم دعم مادي ومعنوي للحركة الثورية العمالية في المستعمرات بشكل منهجي. ويجب بأي ثمن محاربة الميول الاستعمارية لبعض فئات العمال الأوروبيين ذوي الدخل الجيد الذين يعملون في المستعمرات، بعناد ودون رحمة. ينبغي أن يبذل العمال الشيوعيون الأوروبيون في المستعمرات جهدهم للارتباط بالبروليتاريين المحليين عبر كسب ثقتهم بمطالب اقتصادية ملموسة (رفع أجور السكان المحليين إلى مستوى أجور العمال الأوروبيين، حماية العمل، إلخ). إن إنشاء منظمات شيوعية أوروبية معزولة في المستعمرات (مصر والجزائر) ليس إلا شكلاً مقنّعاً للميل الاستعماري ودعماً للمصالح الامبريالية. فبناء منظمات شيوعية حسب المبدأ الوطني هو الدخول في تناقض مع المبادئ الأممية البروليتارية. ينبغي على أحزاب الأممية الشيوعية أن تشرح على الدوام للجماهير العاملة الأهمية القصوى للنضال ضد السيطرة الامبريالية في البلدان المتخلفة. وينبغي للأحزاب الشيوعية التي تتحرك في بلدان الحواضر أن تشكل لدى هيئاتها القيادية لجاناً دائمة للمستعمرات تعمل للأهداف المحددة أعلاه. ويجب أن تساعد الأممية الشيوعية الأحزاب الشيوعية في الشرق، بالدرجة الأولى، عبر منحها مساعدتها لتنظيم الصحافة، والنشر الدوري للصحف المحررة باللغات المحلية. وينبغي إيلاء اهتمام خاص للعمل بين المنظمات العمالية الأوروبية وبين جيوش الاحتلال الكولونيالية. ويجب أن تستغل الأحزاب الشيوعية في الحواضر كل فرصة تظهر أمامها من أجل فضح لصوصية السياسة الكولونيالية لحكوماتها الامبريالية كما لأحزابها البرجوازية والإصلاحية.
برنامج العمل الزراعي
توجيهات لتطبيق موضوعات المؤتمر الثاني حول المسألة الزراعية
سبق أن حُددت أسس علاقاتنا بالجماهير الكادحة في الريف في الموضوعات الزراعية للمؤتمر الثاني. إن المسألة الزراعة تكتسب، في الحقبة الحالية من هجمة رأس المال، أهمية أساسية. ويطالب المؤتمر الرابع جميع الأحزاب بأن تبذل جهدها لكسب الجماهير الكادحة في الريف، ويضع من أجل هذا العمل القواعد التالية:
1 ـ لا يمكن أن يتحرر جمهور البروليتاريا الزراعية الكبير والفلاحين الفقراء، الذين لا يملكون ما يكفي من الأرض والمجبرين على العمل جزءاً من وقتهم كمأجورين، تحرراً نهائياً من حالة عبوديتهم الراهنة ومن الحروب التي لا مفر منها في النظام الرأسمالي إلا عبر ثورة عالمية، ثورة تصادر الأرض مع كل وسائل الإنتاج دون تعويض وتضعها بتصرف العمال، وتقيم مكان دولة الملاكين العقاريين والرأسماليين الدولة السوفياتية للعمال والفلاحين وتُعدّ بذلك الطريق للشيوعية.
2 ـ في النضال ضد دولة الرأسماليين والملاكين العقاريين، يكون الفلاحون الصغار والمزارعون الصغار رفاق معركة طبيعيين للبروليتاريا الصناعية والزراعية. ومن أجل ربط حركتهم الثورية بنضال البروليتاريا في المدينة والريف، فإن سقوط الدولة البرجوازية، كما الاستيلاء على السلطة السياسية من قبل البروليتاريا الصناعية، ومصادرة وسائل الإنتاج وكذلك الأرض، وإلغاء سيطرة أنصار الإصلاح الزراعي والبرجوازي في الريف، هي أمور ضرورية.
3 ـ بغية كسب الفلاحين المتوسطين والعمال الزراعيين إلى حياد متسامح، كما الفلاحين الفقراء إلى الثورة، ينبغي انتزاع الفلاحين المتوسطين من تحت تأثير الفلاحين الأغنياء المرتبطين بكبار الملاكين العقاريين. يجب أن يفهموا أنه ينبغي أن يناضلوا مع الحزب الثوري للبروليتاريا، الحزب الشيوعي، نظراً لأن مصالحهم تتفق ليس مع مصالح كبار الفلاحين الأغنياء بل مع مصالح البروليتاريا. ولا يكفي من أجل انتزاع هؤلاء الفلاحين من قيادة كبار الملاكين العقاريين والفلاحين الأغنياء وضع برنامج أو القيام بدعاوة: يجب أن يثبت الحزب عبر عمل متواصل أنه فعلاً حزب كل المضطهدين.
4 ـ لهذا ينبغي أن يقف الحزب الشيوعي على رأس كل النضالات التي تخوضها الجماهير الكادحة في الريف ضد الطبقات المسيطرة. وإذ يدافع الحزب الشيوعي عن المصالح اليومية لهذه الجماهير، يجمع القوى المشتتة لشغيلة الأرياف، ويرفع إرادتها القتالية، يدعم نضالها عن طريق تأمين دعم البروليتاريا الصناعية لها، ويقودها في الطريق المؤدي إلى أهداف الثورة. إن هذا النضال الذي يخاض بشكل مشترك مع العمال الصناعيين، وواقع أن العمال الصناعيين يناضلون تحت قيادة الحزب الشيوعي من أجل مصالح البروليتاريا الزراعية والفلاحين الفقراء، يقنعان هؤلاء الأخيرين، أولاً، بأن الحزب الشيوعي وحده يدافع حقاً عن مصالحهم، فيما كل الأحزاب الأخرى، الزراعية كما الاشتراكية ـ الديمقراطية، بالرغم من عباراتها الديمقراطية، لا تريد سوى خداعهم، وتخدم في الواضع مصالح الرأسماليين والملاكين العقاريين، وثانياً، أن أي تحسن فعلي في وضع العمال والفلاحين الفقراء مستحيل في ظل الرأسمالية.
5 ـ ينبغي أن تنسجم مطالبنا الملموسة مع وضع التبعية والاضطهاد الذي يوجد فيه العمال، والفلاحون الصغار والمتوسطون، إزاء الرأسماليين وكبار الملاكين العقاريين، كما مع مصالحهم الحقيقية.
في البلدان المستعمرة حيث يوجد سكان وفلاحون مضطهدون، إما أن يقود نضال التحرر الوطني كل السكان، كما الحال في تركيا مثلاً، وفي هذه الحالة يبدأ نضال الفلاحين المضطهدين ضد كبار الملاكين العقاريين بشكل حتمي بعد انتصار نضال التحرر الوطني، أو يتحالف الأسياد الإقطاعيون مع الامبرياليين الأجانب، كمال الحال مثلاً في الهند، ويتوافق عندئذٍ النضال الاجتماعي للفلاحين المضطهدين مع نضال التحرر الوطني.
وفي الأقاليم حيث لا تزال توجد بقايا قوة للإقطاعية، وحيث لم تنجز الثورة البرجوازية، ولا تزال الامتيازات الإقطاعية مرتبطة بالملكية العقارية، ينبغي أن تختفي هذه الامتيازات في مجرى النضال من أجل امتلاك الأرض الذي يتخذ هنا أهمية حاسمة.
6 ـ في كل البلدان، حيث توجد بروليتاريا زراعية، تشكل هذه الشريحة الاجتماعية العامل الأكثر أهمية في الحركة الثورية في الريف. إن الحزب الشيوعي يدعم البروليتاريا، وينظمها، ويعمقها، على عكس الاشتراكيين ـ الديمقراطيين الذين يطعنونها في الظهر؛ وهو يفعل ذلك من أجل تحسن وضعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ومن أجل الإسراع في النضوج الثوري للبروليتاريا الزراعية وفي تثقيفها للنضال من أجل دكتاتورية البروليتاريا التي يمكنها، وحدها، أن تحررها نهائياً من الاستغلال الذي تعاني منه، يدعم الحزب الشيوعي البروليتاريا الزراعية في نضالها من أجل:
رفع الأجر الفعلي، وتحسين شروط العمل، والمسكن، والثقافة.
حرية الاجتماع، والتجمع، والإضراب، والصحافة، إلخ… من أجل الحصول، على الأقل، على حقوق العمال الصناعيين نفسها.
يوم عمل من ثماني ساعات، وضمان ضد الحوادث، وضمان الشيخوخة، وحظر عمل الأولاد، وإنشاء مدارس تقنية، إلخ، وعلى الأقل توسيع التشريع الاجتماعي الذي تتمتع به البروليتاريا حالياً.
7 ـ إن الحزب الشيوعي سيناضل حتى اليوم الذي يتحرر فيه الفلاحون نهائياً عبر الثورة الاجتماعية ضد كل أشكال الاستغلال للفلاحين الصغار والمتوسطين بواسطة الرأسمالية، وضد استغلال المرابين، الذي يرمي الفلاحين الفقراء في العبودية والاستدانة، وأخيراً ضد استغلال الرأسمال التجاري الذي يشتري فوائض الإنتاج الضئيلة من الفلاحين الفقراء بثمن بخس ويعيد بيعها بأسعار مرتفعة لبروليتاريا المدن.
إن الحزب الشيوعي يناضل ضد هذا الرأسمال التجاري الطفيلي ومن أجل الارتباط المباشر للتعاونيات الاستهلاكية للبروليتاريا الصناعية: ضد استغلال الرأسمال الصناعي الذي يستخدم احتكاره من أجل رفع أسعار المنتجات الصناعية بشكل مصطنع؛ من أجل بيع الفلاحين الصغار وسائل إنتاج (سماد اصطناعي، آلات، إلخ…) بسعر بخس. وينبغي أن تساهم المنشآت الصناعية في هذا النضال عبر تطبيق الرقابة على الأسعار.
ضد استغلال الاحتكار الخاص لشركات السكك الحديدية، كما يوجد خاصة في البلدان الأنجلو ـ سكسونية؛
وضد استغلال الدولة الرأسمالية، التي يرهق نظامها الضريبي الفلاحين الصغار.
8 ـ غير أن الاستغلال الأخطر الذي يعاني منه الفلاحون الفقراء في البلدان غير المستعمرة يتأتى من الملكية الخاصة لكبار الملاكين العقاريين للأرض. والفلاحون الفقراء مجبرون كي يتمكنوا من استخدام قوى عملهم بشكل كامل وخاصة كي يتمكنوا من أن يعيشوا، على العمل لدى كبار الملاكين العقاريين بأجور بائسة أو اكتراء الأرض أو شرائها بأسعار مرتفعة جداً، يتم عبرها الاستئثار بجزء من أجر الفلاحين الفقراء من قبل كبار الملاكين العقاريين. إن فقدان الأراضي يجبر الفلاحين الفقراء على الخضوع للعبودية القروسطية تحت أشكال حديثة. لهذا يناضل الحزب الشيوعي من أجل مصادرة الأرض وكل ما لها وما عليها لمصلحة الذين يزرعونها بالفعل. وإلى أن يتم تحقيق ذلك عبر الثورة البروليتارية يدعم الحزب الشيوعي نضال الفلاحين الفقراء من أجل:
أ) تحسين الشروط المعيشية للمزارعين عبر تقليص الحصة التي تعود إلى الملاكين؛
ب) تقليص الأكارة لصغار المزارعين، وفرض تعويض إلزامي لكل التحسينات التي يحدثها المزارع في الأرض خلال عقد الأكارة، إلخ… وتدعم نقابات الشغيلة الزراعيين التي يقودها الشيوعيون المزارعين الصغار في هذا النضال، ولا تقبل القيام بأي عمل في الحقول التي انتزعت من صغار المزارعين من قبل الملاكين العقاريين بسبب الخلافات المتعلقة بالأكارة؛
ج) التنازل عن الأراضي والماشية لكل الفلاحين الفقراء بشروط تضمن رزقهم، وليس قطع أرض صغيرة تجعل مالكيها أقناناً وتجبرهم على البحث عن عمل بأجور بائسة لدى الملاكين أو الفلاحين المجاورين، بل كمية كافية من الأراضي لكي يمكن استخدام كل نشاط الفلاحين. في هذه المسألة يجب قبل كل شيء أخذ مصالح العمال الزراعيين بالاعتبار.
9 ـ تحاول الطبقات المسيطرة خنق الطابع الثوري لحركة الفلاحين عبر إصلاحات زراعية برجوازية، وتوزيع أراضٍ على العناصر القيادية في طبقة الفلاحين. وقد نجحت بالتسبب بتراجع ظرفي في الحركة الثورية في الريف. لكن كل إصلاح زراعي برجوازي يصطدم بحدود الرأسمالية. فالأرض لا تُمنح إلا لقاء تعويض ولأشخاص يملكون بالأصل وسائل إنتاج. ولا يملك إي إصلاح زراعي برجوازي أبداً ما يقدمه للعناصر البروليتارية وشبه البروليتارية. إن الشروط القاسية إلى أقصى حد، المفروضة على الفلاحين الذين يستلمون الأرض عند الإصلاح الزراعي البرجوازي، الذي تبعاً لذلك، لا يؤدي إلى تحسين وضعهم بشكل فعلي، بل إلى رميهم، على العكس، في عبودية الدين، هذه الشروط تؤدي حتماً إلى نمو الحركة الثورية، وإلى تزايد التضاد القائم بين صغار الفلاحين وكبار الفلاحين كما بين العمال الزراعيين الذين لا يستلمون أرضاً ويفقدون فرصاً للعمل تبعاً لتقسيم الملكيات الكبرى.
الثورة البروليتارية وحدها تستطيع أن تحمل التحرر النهائي للطبقات الكادحة في الريف، ثورة تصادر أرض كبار الملاكين العقاريين كما كل بيان الموجودات دون أي تعويض، ولكنها لا تمس الأراضي التي يزرعها الفلاحون، وتحرر هؤلاء من كل التكاليف، وأجور الأراضي، والرهون العقارية، والقيود الإقطاعية التي تثقل كاهلهم، وتدعم بكل الأشكال الشرائح الدنيا من طبقة الفلاحين.
إن الفلاحين الذين يزرعون الأرض يقررون بأنفسهم الشكل الذي ينبغي أن تستغل به الأرض المنتزعة من كبار الملاكين العقاريين. وحول هذا الموضوع أقرت موضوعات المؤتمر الثاني ما يلي:
بالنسبة للبلدان الرأسمالية الأكثر تطوراً، تعتقد الأممية الشيوعية أنه من المستحسن أن يتم الحفاظ على الاستثمارات الزراعية الكبرى. وأن تشكل على غرار الملكيات السوفياتية في روسيا.
ينبغي أيضاً دعم إنشاء استثمارات جماعية (تعاونيات زراعية، وحدات زراعية). إن الحفاظ على الاستثمارات الكبيرة يحمي مصالح شرائح السكان الفلاحين الثورية، والعمال الزراعيين وصغار الملاكين أشباه البروليتاريين المجبرين على تحصيل عيشهم بالعمل جزءاً من وقتهم في الاستثمارات الزراعية الكبرى. ومن جهة ثانية، يجعل تأميم الاستثمارات الزراعية الكبرى سكان المدن، على الأقل نوعاً ما في مسألة التموين، مستقلين عن الفلاحين.
وهناك حيث لا زالت توجد بقايا الإقطاعية، والعبودية أو نظام المزارعة ربما كان من الضروري، في بعض الظروف، تسليم الفلاحين جزءاً من أرض كبار الملاكين.
وفي البلدان حيث لا تلعب الاستثمارات الزراعية الكبرى إلا دوراً صغيراً نسبياً، وحيث يوجد على العكس عدد كبير من صغار الفلاحين الملاكين الذين يريدون الاحتفاظ بالأرض، فإن توزيع كبار الملكيات هو أفضل وسيلة لكسب الفلاحين إلى الثورة فيما لا يكون للحفاظ على الملكيات الكبرى أي أهمية أساسية في تموين المدن.
وحيث يجري توزيع للملكيات الكبرى بين الفلاحين، ينبغي بالدرجة الأولى أخذ مصالح البروليتاريا الزراعية بالاعتبار.
* * *
يلتزم كل الشيوعيين الذين يعملون بالزراعة أو في المنشآت الصناعية المرتبطة بالزراعة بالدخول في منظمات العمال الزراعيين، وبتجميع العناصر الثورية وقيادتها، بغية تحويل هذه المنظمات إلى أجهزة ثورية. وحيث لا توجد أية نقابة، من واجب الشيوعيين العمل على إنشائها. وفي المنظمات الصفراء، الفاشية، والمعادية للثورة ينبغي أن يقوموا بعمل تثقيفي مكثف بغية تحطيم هذه المنظمات المعادية للثورة. وفي المنشآت الزراعية الكبرى، ينبغي أن ينشئوا مجالس منشآت، بغية الدفاع عن المصالح العمالية والرقابة على الإنتاج، ومنع إدخال نظام الاستثمار الموسّع. وينبغي أن يدعوا البروليتاريا الصناعية لنجدة البروليتارية الزراعية المناضلة، وإدخال هذه الأخيرة في حركة مجالس المنشآت الصناعية.
ونظراً للأهمية العظيمة للفلاحين الفقراء في الحركة الثورية، من واجب الشيوعيين أن يدخلوا في منظمات صغار الفلاحين (تعاونيات الإنتاج والاستهلاك والائتمان) ن أجل تحويلها، وإزالة التضادات الظاهرة في المصالح بين العمال والزراعيين والفلاحين الفقراء، تضادات تنامت اصطناعياً على يد الملاكين العقاريين والفلاحين الأغنياء، وربط تحرك هذه المنظمات بشكل وثيق بحركة البروليتاريا الريفية والصناعية.
وحده التعاون بين جميع القوى الثورية في المدينة والريف يسمح بمواجهة الهجمة الرأسمالية بمقاومة ظافرة، وبالانتقال من الدفاع إلى الهجوم وإحراز النصر النهائي.
قرار حول التعاون
خلال السنوات الأخيرة التي سبقت الحرب العالمية وأكثر أيضاً خلال هذه الحرب أخذ التعاون في جميع البلدان تقريباً اندفاعة قوية وجذب إلى صفوفه أوسع الجماهير العمالية والفلاحية. تجبر الهجمة شبه الكونية التي يخوضها رأس المال العمال وخاصة العاملات على أن يثمنوا أكثر أيضاً المساعدة التي يمكن أن يُقدمها لهم التعاون الاستهلاكي.
لقد فهم القادة الاشتراكيون ـ الديمقراطيون الهرمون جيداً منذ زمن بعيد أهمية التعاون للأهداف التي يسعون إليها. فدخلوا المنظمات التعاونية ومن هنا، أفسدوا وعي الجماهير العمالية بقوة، عبر بلبلة وعي العمال الذين يمتلكون روحاً ثورية، وحتى نشاطهم. من جهة ثانية، فإن الاشتراكية ـ الديمقراطية، إذ تمتلك قيادة الحركة التعاونية، تستمد من صناديق التعاونيات في بعض البلدان الموارد المادية الضرورية لدعم أحزابها. وتحت قناع الحياد السياسي، تدعم البرجوازية وسياستها الامبريالية.
كأسياد لقيادة الحركة التعاونية، لا يستطيع قادة التعاونيات الهرمون أو لا يريدون فهم الظروف الاجتماعية الجديدة، والأهداف الجديدة للتعاون، ولا صياغة أساليب جديدة للعمل. وإذ لا يريدون التخلي عن مبادئهم التعاونية، التي كرسها الزمن، فهم يدمرون حتى العمل الاقتصادي الصرف وكل تعاون في الوقت نفسه.
وأخيراً، إنهم لا يقيمون بأي شيء من أجل إعداد البروليتاريا لتحقيق المهام الكبرى التي ستقع على عاتقها في اللحظة التي تستلم بها السلطة.
تجبر كل هذه الظروف الشيوعيين على العمل بجدية لانتزاع التعاون من أيدي الاشتراكيين ـ الوطنيين، وتحويله من أداة في خدمة خدم البرجوازية إلى أداة للبروليتاريا الثورية.
لقد تبنى المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية موضوعات متعلقة بعمل الشيوعيين في التعاون. وقد بررت تجربة سنة ونصف هذه الموضوعات. إن المؤتمر الرابع يصادق عليها مرة جديدة ويدعو بإلحاح جميع الأحزاب الشيوعية وجميع المجموعات والمنظمات لبدء عملها في التعاون. كما يطلب من الصحافة أن تفرد مكاناً كافياً في أعمدتها للمسائل التعاونية.
ولاستكمال هذه الموضوعات، يسجل المؤتمر الرابع:
1 ـ الضرورة الملحة لوضع القرار الذي يلزم جميع أعضاء الحزب بأن يكونوا أعضاء في التعاونيات وأن يدافعوا داخلها عن المسلك الشيوعي، موضع التنفيذ من قبل جميع الأحزاب الشيوعية. وفي كل منظمة تعاونية ينبغي أن يشكل التعاونيون الشيوعيون نواة سواء شرعية أو سرية. وينبغي أن تتجمع كل الأنوية في اتحادات إقليمية ووطنية، ويكون على رأسها الفرع التعاوني للجنة التنفيذية والأممية الشيوعية.
وهدف هذه الأنوية هو إقامة الصلة مع جمهور العمال التعاونيين، ونقد ليس فقط مبادئ التعاون القديم بل عمله وسط هذا الجمهور، وتنظيم كل الجماهير المستاءة بغية خلق جبهة واحدة للجماهير للنضال ضد رأس المال والدولة الرأسمالية داخل العمل التعاوني. ينبغي أن تخضع جميع المسائل الوطنية للشيوعيين التعاونيين للأممية الشيوعية عبر الفرع التعاوني لهذه الأخيرة. ولكن لا ينبغي أن يسعى التعاونيون الشيوعيون لعزل التعاونيين الثوريين أو المنتمين إلى المعارضة، لأن هذه الطريقة في التصرف ستؤدي ليس فقط إلى تشتيت قواهم، بل أيضاً إلى إضعاف اتصال التعاونيين الثوريين بأوسع الجماهير العمالية. وتجبر الأسباب نفسها على الامتناع عن إخراج الجمعية التعاونية الوطنية من الحلف التعاوني العالمي. على العكس ينبغي أن يطالب الشيوعيون بانتساب جميع التعاونيات الوطنية التي يشكل الشيوعيون غالبية فيها إلى هذا التحالف، إذا لم تكن انتسبت إليه بعد، وبقبول التحالف انتسابها إليه.
2 ـ ينبغي أن يخوض التعاونيون الشيوعيون، كما اللجان المركزية للأحزاب الشيوعية نضالاً نشطاً ضد كل وهم بأن التعاون يمكنه بقواه وحدها أن يؤدي إلى نظام اشتراكي عن طريق اندماج بطيء بالرأسمالية، جون استلام البروليتاريا للسلطة. فيما يؤكد وهم آخر بأن العمل التعاوني قادر، عبر استخدام وسائله القديمة، الحصول على تحسين هام في وضع الطبقة العاملة. ويجب محاربة مبدأ ما يسمى بالحياد السياسي الذي يخفي دعماً علنياً أو مقنعاً لسياسة البرجوازية وخدمها بشكل لا يقل نشاطاً. ولا يجب أن تكتسي هذه الحملة فقط شكل الدعاوة النظرية؛ ينبغي خوضها أيضاً عبر إشراك التعاون في النضال السياسي والاقتصادي الذي تخوضه حالياً الأحزاب السياسية والنقابات الحمراء بهدف الدفاع عن مصالح الشغيلة. ويرتبط بذلك مثلاً النضال ضد زيادة الضرائب، وخاصة ضد الضرائب غير المباشرة على كاهل المستهلك، والنضال ضد الضرائب المفرطة أو الخاصة على التعاونيات وعلى مجموع المبيعات، والنضال ضد غلاء المعيشة، والمطالبة بأن يجري التخلي للتعاونيات الاستهلاكية العمالية عن توزيع المنتجات ذات الضرورة الأولية، والنضال ضد النزعة العسكرية التي تسبب زيادة مصاريف الدولة، ونتيجة لذلك زيادة الضرائب، والنضال ضد السياسة المالية المجنونة للدولة الرأسمالية التي تؤدي إلى خفض سعر العملة، والنضال ضد معاهدة فيرساي، والنضال ضد الفاشية، التي تدمّر المنظمات التعاونية في كل مكان، والنضال ضد التهديدات بالحرب، والنضال من أجل المعاهدات التجارية مع روسيا، إلخ.
ينبغي أن يسعى التعاونيون الشيوعيون إلى إشراك منظمتهم في هذه الحملات، إلى جانب أحزاب شيوعية ونقابات حمراء، وتحقيق الجبهة الواحدة للبروليتاريا على هذا الشكل.
وينبغي أن يطالب الشيوعيون التعاونيون منظماتهم بتقديم دعمها لضحايا الإرهاب الرأسمالي، وإغلاق المصانع، إلخ… وينبغي أن يطالب الشيوعيون التعاونيون، بشكل نشط في جمعياتهم، بتنظيم العمل الدعاوي ويجتهدوا في هذا العمل.
3 ـ وبموازاة هذه المشاركة النشطة في النضال السياسي والاقتصادي للبروليتاريا الثورية، ينبغي أن يخوض التعاونيون الشيوعيون في منظماتهم عملاً تعاونياً صرفاً، بغية إضفاء طابع تفرضه الظروف الجديدة والمهام الجديدة للبروليتاريا على هذا العمل: وحدة جمعيات الاستهلاك الصغيرة، التخلي عن المبادئ القديمة في توزيع الحسومات والأرباح واستخدام هذه الأخيرة في تعزيز قوة التعاونية، وخلق صندوق خاص بواسطة هذه الأرباح لدعم المضربين، والدفاع عن مصالح مستخدمي التعاونيات، والنضال ضد القروض المصرفية التي يمكن أن تكون خطرة على التعاونية. وعندما يكون هناك زيادة في الأسهم، ينبغي أن يطالب الشيوعيون بعدم طرد العمال الذين لا يملكون وسيلة لدفع ثمن الأسهم في الجمعيات بل بفرض شروط أكثر تساهلاً معهم، إلخ. وينبغي أن تربط الأنوية التعاونية الشيوعية أيضاً بشكل وثيق عملها بعمل منظمات العاملات والشبيبة الشيوعية بهدف القيام بدعاوة تعاونية منسجمة مع المبادئ الشيوعية، بفضل القوى الموحدة للعاملات والشباب. وهناك ضرورة للشروع بنضال نشط في التعاونيات ضد البيروقراطية التي تحت شعارات ديمقراطية قد حولت المبدأ الديمقراطي إلى عبارة فارغة، وتناور على مزاجها دون الخضوع لأي إشراف، وتتفادى الدعوة إلى جمعيات عمومية، ولا تأخذ بالحسبان الجماهير العمالية المنظمة في هذه التعاونيات.
ومن الضروري أخيراً أن توصل أنوية التعاونيين الشيوعيين أعضاءها دون استثناء النساء إلى اللجان القيادية وأجهزة الرقابة، وتتخذ إجراءات لتسليح الشيوعيين بمعارف وكفاءات ضرورية لقيادة التعاونيات.
موضوعات حول المسألة الزنجية
1 ـ خلال الحرب وبعدها، تطورت حركة تمرد ضد سلطة الرأسمال العالمي بين الشعوب المستعمرة وشبه المستعمرة، حركة أحرزت تطورات هامة. ويطرح دخول مناطق مأهولة من العرق الأسود واستعمارها الواسع المشكلة الأخيرة الكبرى التي يتوقف عليها التطور المستقبلي للرأسمالية. إن الرأسمالية الفرنسية تتقبل بوضوح أن إمبرياليتها، بعد الحرب، لم تعد تستطع الحفاظ على نفسها إلا عبر خلق إمبراطورية فرنسية ـ أفريقية، متصلة بطريق البر عبر الصحراء. والمهووسون الرأسماليون في أميركا، الذين يستغلون 12 مليون زنجي لديهم يسعون جهدهم الآن لدخول أفريقيا بشكل سلمي. وتظهر الإجراءات القصوى المتخذة من أجل سحق إضراب الرّاند إلى أي حد ترتعب انجلترا من التهديد الذي برز على موقعها في أفريقيا. وكلما أصبح خطر حرب عالمية جديدة متهدداً على المحيط الهادئ تبعاً لتنافس الدول الإمبريالية، تبدو أفريقيا كموضوع لتنافسهم. وقد أيقظت الحرب، والثورة الروسية، والحركات الكبرى التي حركت القوميات الآسيوية والإسلامية ضد الإمبريالية، أكثر أيضاً، وعي ملايين الزنوج الذين يضطهدهم الرأسماليون، والذين تحولوا إلى وضع أدنى منذ قرون، ليس فقط في أفريقيا، بل ربما حتى بشكل أكبر في أميركا.
2 ـ لقد خصّ التاريخ زنوج أميركا بدور هام في انعتاق كل العرق الأفريقي. منذ 300 سنة اقتلع الزنوج الأميركيون من بلادهم الأصلية، أفريقيا، ونقلوا إلى أميركا حيث كانوا عرضة لمعاملات سيئة وبيعوا كعبيد. ومنذ 250 سنة، عملوا تحت سوط الملاك الأميركيين: هم الذين قطعوا الغابات، وبنوا الطرقات، وزرعوا أشجار القطن، ووضعوا لجاف(2) السكك الحديدية ودعموا أرستقراطية الجنوب. فكانت مكافأتهم البؤس، والإهمال، والمهانة. والزنجي لم يكن عبداً طيعاً، فلجأ إلى التمرد والانتفاضة والمكائد تحت الأرض من أجل استعادة حريته، غير أن هذه الانتفاضات قُمعت بشكل دموي؛ فرضوا عليه بالتعذيب أن يخضع؛ وقد التقت الصحافة والدين على تبرير عبوديته. وعندما أصبحت العبودية تنافس الإجارة وأصبحت عائقاً أمام تطور أميركا الرأسمالية، كان لابد أن تختفي. وحرب الانفصال التي خيضت، ليس من أجل عتق الزنوج، بل من أجل الحفاظ على التفوق الصناعي لرأسمالي الشمال جعلت الزنجي ملزماً بالاختيار بين العبودية في الجنوب أو الإجارة في الشمال. لقد ساهمت عضلات الزنجي «المُعتق»، ودمه ودموعه في تشييد الرأسمالية الأمريكية، وعندما أصبحت أميركا قوة عالمية، انجرت إلى الحرب العالمية، وأعلن الزنجي الأميركي مساوياً للأبيض لكي يَقتُل ويُقتَل من أجل الديمقراطية. وجند أربع مائة ألف عامل ملون في الجيش الأميركي، حيث شكلوا فرق الـ «Jim Crow». وما كاد يخرج الجنود الزنوج من أتون الحرب، ويعودون إلى البيت، حتى اضطهدوا، وعوقبوا دون محاكمة (Lynchés)
(3) واغتيلوا، وحرموا من كل حرية وشُهّر بهم. لقد قاتلوا، ولكن من أجل تأكيد شخصيتهم كان عليهم أن يدفعوا الثمن غالياً. جرى اضطهادهم أكثر حتى ما قبل الحرب من أجل تعليمهم أن «يبقوا في مكانهم». إن المشاركة الواسعة للزنوج في الصناعة بعد الحرب، وروح التمرد التي ولّدتها فيهم الفظائع التي كانوا ضحاياها، وضعت الزنوج في أميركا وخاصة في أميركا الشمالية في طليعة نضال أفريقيا ضد الاضطهاد.
3 ـ تنظر الأممية الشيوعية بفرح كبير إلى العمال الزنوج المستغلين يقاومون هجمات المستغلين، لأن عدو العرق الأسود هو أيضاً عدو الشغيلة البيض. وهذا العدو هو الرأسمالية، والامبريالية. إن النضال الأممي للعرق الأسود هو نضال ضد الرأسمالية والامبريالية. وعلى قاعدة هذا النضال ينبغي أن تنظم حركة الزنوج: في أميركا، باعتبارها مركزاً لثقافة الزنوج ومركزاً لتبلور احتجاج الزنوج، وفي أفريقيا، باعتبارها احتياطياً لليد العاملة من أجل تطور الرأسمالية؛ وفي أميركا الوسطى (كوستاريكا، غواتيمالا، كولومبيا، نيكاراغوا والجمهوريات «المستقلة» الأخرى حيث الامبريالية الأميركية مهيمنة)، وفي بورتو ـ ريكو، وهايتي، وسانتو دومينغو وفي جزر بحر الكاريبي الأخرى، حيث زادت المعاملة السيئة التي تكبدها الزنوج على يد المجتاحين الأميركيين من احتجاجات الزنوج الواعين والعمال البيض الثوريين. وفي أفريقيا الجنوبية والكونغو، أحدث التصنيع المتنامي للسكان الزنوج انتفاضات ذات أشكال مختلفة؛ وفي أفريقيا الشرقية؛ يدفع التدخل الحديث للرأسمال العالمي السكان المحليين إلى مقاومة الامبريالية بشكل نشط.
4 ـ ينبغي أن تشير الأممية الشيوعية للشعب الزنجي أنه ليس وحده من يعاني من اضطهاد الرأسمالية والامبريالية، وينبغي أن تُظهر له أن العمال والفلاحين في أوروبا وآسيا وأميركا هم أيضاً ضحايا الامبريالية، وأن النضال ضد الامبريالية ليس نضال شعب واحد، بل كل شعوب العالم؛ وفي الصين، وإيران، وتركيا ومصر والمغرب تقاتل الشعوب المستعمرة ببطولة ضد المستغلين الامبرياليين، وأن هذه الشعوب تنتفض ضد المساوئ نفسها التي تكبل الزنوج (اضطهاد عرقي، استغلال صناعي واسع، وتحريم)، وأن هذه الشعوب تطالب بالحقوق نفسها التي يطالب بها الزنوج ـ انعتاق ومساواة صناعية واجتماعية.
إن الأممية الشيوعية، التي تمثل العمال والفلاحين الثوريين في العالم أجمع في نضالهم من أجل التغلب على الامبريالية، الأممية الشيوعية التي ليست فقط منظمة العمال البيض في أوروبا وأميركا، بل أيضاً منظمة الشعوب الملونة المضطهدة في العالم أجمع، تعتبر أنه من واجبها تشجيع التنظيم الأممي للشعب الزنجي في نضاله ضد العدو المشترك ومساندته.
5 ـ إن مشكلة الزنوج قد أصبحت مشكلة حيوية للثورة العالمية. إن الأممية الشيوعية التي اعترفت بالمساندة الثمينة التي يمكن أن تقدمها للثورة البروليتارية الشعوب الآسيوية في البلدان شبه الرأسمالية، تعتبر التعاون مع رفاقنا السود المضطهدين أساسياً للثورة البروليتارية التي ستدمر القوة الرأسمالية. لهذا يعلن المؤتمر الرابع أنه ينبغي للشيوعيين كافة أن يطبقوا بشكل خاص على المشكلة الزنجية الـ «موضوعات حول مسألة المستعمرات».
6 ـ أ ـ يعترف المؤتمر الرابع بضرورة دعم كل شكل لحركة الزنوج يهدف إلى تخريب الرأسمالية الامبريالية وإضعافها، أو وقف تدخلها.
ب ـ تناضل الأممية الشيوعية من أجل تأمين المساواة العرقية للزنوج، المساواة السياسية والاجتماعية.
ج ـ سوف تستخدم الأممية الشيوعية كل الوسائل التي تملكها من أجل استدراج النقابات لقبول الشغيلة الزنوج في صفوفها، وحيث لدى هؤلاء الأخيرين الحق الاسمي بالانتساب إلى النقابات تقوم بدعاوة خاصة لجذبهم، وإذا لم تنجح، تنظم الزنوج في نقابات خاصة وتطبق بشكل خاص تكتيك الجبهة الواحدة من أجل إجبار النقابات على قبولهم داخلها.
د ـ تحضر الأممية الشيوعية فوراً لمؤتمر أو كونفرانس عام للزنوج في موسكو.
قرار حول أممية الشبيبة الشيوعية
أولاً ـ قرر المؤتمر العالمي الثاني لأممية الشبيبة الشيوعية، بالتوافق مع قرارات المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية، إخضاع منظمات الشبيبة الشيوعية للحزب الشيوعي من وجهة النظر السياسية. لقد قرر أيضاً إعادة تنظيم منظمات الشبيبة الشيوعية، التي لم تكن حتى الآن سوى منظمات طليعية منغلقة على نفسها وسياسية فقط، في منظمات جماهيرية كبرى للشبيبة العمالية التي تضع على نفسها مهمة تمثيل مصالح الشبيبة العمالية في جميع الميادين في أطر عمل الطبقة العاملة وتحت القيادة السياسية للأحزاب الشيوعية. مع ذلك ينبغي أن تبقى منظمات الشبيبة الشيوعية منظمات سياسية كما في السابق، كما يجب أن تبقى المشاركة في النضال السياسي قاعدة لتحركها.
إن النضال من أجل المطالب الاقتصادية اليومية للطبقة العاملة وضد النزعة العسكرية قد جرى اعتباره الآن الوسيلة المباشرة الأكثر أهمية لإيقاظ الجماهير الواسعة للشبيبة العمالية وكسبها. إن المهام الجديدة تفرض إعادة تنظيم لأشكال عمل المنظمات كما لنشاطها. إن إنجاز عمل منهجي للتكوين الشيوعي داخل المنظمة، وإنجاز عمل بين جماهير المراهقين غير المنتسبين إلى منظمة، قد جرى الاعتراف بأنه أمر لا غنى عنه.
إن تطبيق قرارات المؤتمر العالمي الثاني، الذي لا يمكن الوصول إليه إلا عبر عمل طويل ودائب قد اصطدم ببعض الصعوبات، بفعل أنه كان على العديد من منظمات الشبيبة الشيوعية أن تنجز هكذا مهام. إن الأزمة الاقتصادية (إفقار، وبطالة)، وهجمة الرجعية قد أجبرتا منظمات عديدة على أن تصبح غير شرعية مما خفض عدد أعضائها. لقد هبطت الروح الثورية لدى الطبقة العاملة بأكملها نتيجة الهبوط الظرفي للموجة الثورية. وكان لهذا الوضع انعكاسه على الشبيبة العمالية، التي تبدلت ذهنيتها خلال هذه الحقبة وأظهرت اهتماماً أقل بالسياسة. في الوقت نفسه، ضاعفت البرجوازية وكذلك الاشتراكية ـ الديمقراطية جهودهما من أجل التأثير على الشبيبة العمالية وتنظيمها.
لقد طبقت منظمات الشبيبة منذ مؤتمرها الثاني في كل مكان، مبدأ الخضوع للأحزاب الشيوعية؛ مع ذلك فإن العلاقات بين هذه الأخيرة ومنظمات الشبيبة لا تتم حتى الآن في اتجاه التطبيق الكامل لقرارات الأممية الشيوعية. وسبب ذلك، في الغالب، هو بشكل خاص، أن الأحزاب لا تقدم لمنظمات الشبيبة، بمقدار كاف، الدعم الضروري لتطور نشاطها.
خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية، اتُخذت إجراءات عملية من قبل أغلبية منظمات الشبيبة من أجل تغيير المنظمات في اتجاه قرارات المؤتمر العالمي الثاني، بحيث باتت الشروط الأولى لتحويل منظمات الشبيبة إلى منظمات جماهيرية قائمة. وبواسطة الدعاوة لصالح المطالب الاقتصادية للشبيبة العمالية، شقت منظمات الشبيبة، بالإضافة إلى ذلك، في عدد كبير من البلدان، طريقاً سيكون عليها أن تسلكها للاستمرار في التأثير على الجماهير الواسعة، وقامت بسلسلة كاملة من الحملات وكذلك النضالات الملموسة.
لم تتحول منظمات الشبيبة حتى الآن بعد كلياً إلى منظمات جماهيرية سواء من وجهة النظر العددية أو من وجهة نظر الارتباط العضوي بالجماهير، ارتباط ضروري للتمكن من التأثير بشكل ثابت على هذه الأخيرة وقيادتها، لذا فإن لديها إلا الآن مهمات هامة للإنجاز، من هذه الناحية.
ثانياً: لقد طالت هجمة رأس المال الشبيبة العمالية بقوة. ويطول انخفاض الأجور، والبطالة، واستغلال اليد العاملة، الشبيبة ليس فقط بالدرجة نفسها التي تطول بها الطبقة العاملة البالغة، لا بل تكتسي في الغالب بالنسبة لها أشكالاً أثر سوءاً. إن الشبيبة العمالية تُستخدم ضد الطبقة العاملة البالغة؛ فيجري استخدامها من أجل خفض الأجور، وكسر الإضرابات، وزيادة بطالة العمال البالغين. هذا الوضع الخطر بالنسبة للطبقة العاملة بأكملها يجري الحفاظ عليه ويعزز عبر الموقف الخياني للبيروقراطية النقابية الإصلاحية، التي تهمل مصالح الشبيبة العمالية وحتى تضحياتها أحياناً، وتبعد جماهير العمال المراهقين عن نضال الطبقة العاملة البالغة. وترفض هذه البيروقراطية في الغالب حتى دخول الشباب إلى النقابات. إن النمو غير المنقطع للنزعة العسكرية البرجوازية يزيد أيضاً من عذابات العمال الشباب والفلاحين، المضطهدين بشدة خلال إقامتهم في المعسكر الذي يعدهم لدور وقود المعركة في الحروب الامبريالية المستقبلية. إن الرجعية تمارس العنف خاصة ضد الشبيبة الأوروبية؛ وفي بعض الأماكن تمنع تشكيل منظمات شبيبة شيوعية، حتى حيث توجد أحزاب شيوعية.
لقد بقيت أمميتا الشبيبة الاشتراكيتان ـ الديمقراطيتان غير فاعلتين حتى الوقت الحاضر أمام بؤس الشبيبة العمالية؛ لقد شكلتا تكتلاً وحاولتا خنق إرادة العمال الشباب النضال مع البالغين ضد البرجوازية. ولا يرمي خلق هذا التكتيك فقط إلى إبعاد الجماهير المضطهدة من الشبيبة العمالية عن النضال وعن الجبهة الواحدة؛ لقد كان موجهاً بشكل خاص ضد الأممية الشيوعية؛ وكان لابد أن يؤدي خلال مهلة قصيرة إلى دمج أمميتي الشبيبة الاشتراكيتين ـ الديمقراطيتين.
تنادي الأممية الشيوعية بالضرورة المطلقة لإقامة جبهة واحدة بين الشبيبة العمالية والطبقة العاملة البالغة؛ وتحض الأحزاب الشيوعية وكل العمال في العالم أجمع على دعم مطالب الشبيبة العمالية بشكل نشط في النضال ضد هجمة رأس المال وضد النزعة العسكرية البرجوازية وضد الرجعية.
وتحيي بابتهاج النضال الذي تخوضه أممية الشبيبة الشيوعية من أجل مطالب حياتية، ومن أجل وحدة جبهة الشبيبة العمالية ومن أجل الجبهة الواحدة بين العمال المراهقين والبالغين، وتقدم لها دعمها الكامل. إن هجمات رأس المال التي تهدد بإغراق الشبيبة العمالية في البؤس الأكثر عمقاً وجعلها ضحية عاجزة للنزعة العسكرية وللرجعية، ينبغي أن تُكسر بمقاومة حديدية من قبل الطبقة العاملة بأكملها.
ثالثا: من أجل تطوير نشاطها وحل المشاكل التي تنشأ عن طريق كسب الجماهير وتثقيفها، تحتاج حركة الشبيبة الشيوعية لأن تفهمها الأحزاب الشيوعية وتدعمها بشكل نشط.
ينبغي أن يتم دعم مصالح حركة الشبيبة الشيوعية وقوتها السياسية بشكل فعال عبر التعاون الوثيق بين الحزب والشبيبة في جميع المجالات ومشاركة منظمات الشبيبة الدائمة في الحياة السياسية للأحزاب. هذا الدعم، وهذه المساعدة هما ضروريان للأحزاب الشيوعية في نضالها وفي عملها لتنفيذ قرارات الأممية الشيوعية. إنهما أيضاً قاعدة الحركة الحقيقة للشبيبة الشيوعية. ينبغي أن تساعد الأحزاب الشيوعية منظمات الشبيبة الشيوعية من وجهة النظر التنظيمية. وينبغي أن تعين عدداً معيناً من أعضائها، مختارين من بين الأكثر فتوة، للمعاونة في عمل الشبيبة الشيوعية وخلق منظمات شبيبة حيث يملك الحزب أصلاً منظماته الخاصة. ونظراً لأن منظمات الشبيبة الشيوعية لديها حالياً مهمة تركيز نشاطها على جماهير الشبيبة العمالية فينبغي أن تكثف الأحزاب الشيوعية خلق منظمات شبيبة شيوعية وعمل هذه المنظمات (أنوية وتكتلات) في المنشآت والنقابات. ينبغي أن يكون للأحزاب وللشبيبة تمثيل متبادل في جميع أجهزتهما المشابهة (أنوية، ومجموعات محلية، وقيادات منطقية، ولجان مركزية، ومؤتمرات، وتكتلات، إلخ..).
ينبغي أن تتخذ منظمات الشبيبة الشيوعية جذوراً لها بين جماهير الشبيبة العمالية عبر تكثيف دعاوتها الاقتصادية، وعبر الاهتمام دائماً وبشكل ملموس بحياة العمال الشباب وبالمسائل التي تهمهم، وعبر تمثيل مصالحهم دائماً، وعبر قيادة الشبيبة في النضال المشترك الذي ينبغي أن تدعمه مع الطبقة العاملة البالغة. لهذا ينبغي أن تدعم الأحزاب الشيوعية العمل الاقتصادي لمنظمات الشبيبة الشيوعية في الأنوية والفروع، في الورش وفي المدارس وخاصة في النقابات بشكل نشط، حيث هناك ضرورة لتحقيق التعاون الوثيق بين أعضاء منظمات الشبيبة الشيوعية والأحزاب الشيوعية. إن مهمة أعضاء الحزب في هذه المنظمات هي السهر خاصة على أن يدخل العمال المراهقون وقليلو المهارة في النقابات العمالية ويتمتعوا داخلها بحقوق الأعضاء الآخرين نفسها؛ وينبغي أن يشددوا على أن تكون اشتراكات الشباب متناسبة مع أجورهم، وعلى أن تؤخذ مطالبهم بالاعتبار في النضال النقابي ولدى توقيع العقود الجماعية، إلخ… وستدعم الأحزاب الشيوعية بالإضافة إلى ذلك العمل الاقتصادي النقابي لمنظمات الشبيبة الشيوعية عبر مساندتها لجميع حملات هذه الأخيرة بشكل نشط وعبر جعلها موضوع نضالها اليومي.
ونظراً لنمو خطر الحرب الإمبريالية ولتعزيز الرجعية، ينبغي أن تدعم الأحزاب الشيوعية النضال المضاد للنزعة العسكرية لمنظمات الشبيبة الشيوعية وتقوده، قدر الإمكان. ينبغي أن تكون منظمات الشبيبة الشيوعية المنظمات المقاتلة الأكثر حمية في الحزب من أجل الدفاع عن الطبقة العاملة ضد الرجعية.
إن العمل التثقيفي الشيوعي يكتسب أهمية كبرى بفعل إعادة تنظيم منظمات الشبيبة الشيوعية في منظمات جماهيرية كبيرة. وتصبح، في الواقع، التربية والتكوين الشيوعيان لمنظمات الشبيبة الشيوعية ضروريين بشكل خاص من أجل كسب الجماهير. ويفترض العمل التثقيفي للشبيبة الشيوعية منظمة خاصة ومستقلة وينبغي تحقيقها بشكل منظم. ينبغي أن يدعم الحزب هذا العمل عبر منح منظمات الشبيبة الشيوعية القوى الثقافية والمواد الضرورية بشكل وافر، وعبر مساعدتها في تنظيم مدارسها ومحاضراتها، وعبر حفظ أماكن للشباب في مدارس الحزب، وعبر نشر كتابات مخصصة للشبيبة في مدارس الحزب.
يعتبر المؤتمر أن هناك ضرورة لأن يدعم الحزب في صحافته، أكثر مما فعل حتى الآن، نضال منظمات الشبيبة الشيوعية؛ ولهذه الغاية ينبغي أن ينشر بشكل منتظم مجموعة أخبار وملاحق مخصصة بشكل خاص للشبيبة، وينبغي ألا تغيب عن ناظريه، في جميع أجهزته، شروط حياة العمال الشباب ونضالهم.
إن العالم البرجوازي، الذي يصطدم، في مساعيه، بوعي الطبقة العاملة البالغة، وبمقاومة الشبيبة العمالية الثورية، يسعى بشكل خاص لإفساد أولاد الطبقة العاملة ولانتزاعهم من التأثير البروليتاري. لذا فأن تنظيم وتطوير مجموعات الأولاد الشيوعيين يتخذان أهمية كبرى. وستكون هذه المجموعات، من وجهة النظر التنظيمية، خاضعة للشبيبة وتقودها هذه الأخيرة؛ ويدعم الحزب الشيوعي هذا العمل عبر تقديم الجهود وعبر المشاركة في قيادة مجموعات الأولاد. وينبغي أن يدعم الحزب صحافة الأولاد الشيوعيين التي شرعت بها أصلاً منظمات الشبيبة الشيوعية.
إن التعاون الوثيق بشكل مميز بين منظمات الشبيبة الشيوعية والأحزاب هو ضروري في البلدان التي أجبرت فيها الرجعية الحركة الشيوعية على أن تصبح غير شرعية.
يشير المؤتمر الرابع، إذ يظهر الأهمية الخاصة للعمل الشيوعي المتجه لكسب جماهير الشبيبة العمالية، إلى الأهمية الخاصة التي تكتسبها حالياً أممية الشبيبة الشيوعية، ويحيي في هذه الأخيرة المقاتل الأكثر حمية لقضية الأممية الشيوعية ويعتبر منظمات الشبيبة الشيوعية احتياطيّ المستقبل.
قرار حول العمل النسائي
يقر المؤتمر العالمي الرابع للأممية الشيوعية نشاط الأمانة النسائية العالمية في برلين. لقد عملت الأمانة النسائية على أن تنتسب النساء الشيوعيات، في جميع البلدان التي توجد فيها حركة ثورية، إلى فروع الأممية الشيوعية، وتثقف، وتجذب إلى أعمال الحزب ونضالاته. ونشرت الأمانة التحريض والدعاوة الشيوعية بين أوسع الجماهير النسائية وحركت هذه الأخيرة من أجل مصالح الجماهير الكادحة.
لقد نجحت الأمانة الشيوعية النسائية العالمية في ربط عمل النساء الشيوعيات المنظمات في مختلف البلدان بعمل الأحزاب الشيوعية والأممية الشيوعية وبنضالها. ونجحت، بالتوافق مع الأحزاب الشيوعية في مختلف البلدان، بتعميق العلاقات الأممية بين النساء الشيوعيات المنظمات في هذه الأحزاب وتوطيدها. وجرى كل عملها باتفاق كامل ومستمر مع اللجنة التنفيذية، تبعاً لتوجيهات المؤتمر العالمي لأممية النساء الشيوعيات في موسكو وقراراته.
ظهرت الهيئات الخاصة التي أسست وفقاً لهذه القرارات (الأمانة النسائية، والفروع النسائية، إلخ…). والأساليب الخاصة المستخدمة في عمل الأحزاب الشيوعية بين النساء، ليست فقط مفيدة، بل أيضاً ضرورية، من أجل إدخال الشعارات والأفكار الشيوعية بين الشرائح الدنيا للشغيلات.
كان يجب التحرك، في البلدان ذات النظام الرأسمالي، بالدرجة الأولى بين النساء البروليتاريات، وجعلهن يقررن الدفاع عن أنفسهن ضد استغلال الرأسماليين، والنضال من أجل تقويض البرجوازية وإقامة دكتاتورية البروليتاريا. وعلى العكس، يجب جذب العاملات والفلاحات في الدول السوفياتية إلى جميع مجالات الإنتاج والحياة الاجتماعية، وتنظيم الدولة البروليتارية، وتثقيفهن من أجل السماح لهن بالقيام بالواجبات التي تفرض نفسها عليهن. إن الدلالة العالمية لروسيا السوفياتية، أول دولة عمالية شكلتها الثورة العالمية، هي ذات أهمية كبرى للعمل الشيوعي بين الشغيلات في جميع فروع الأممية الشيوعية حيث ينبغي أن تستولي البروليتاريا على السلطة السياسية، هذا الاستيلاء الذي يشكل شرط التحول الشيوعي للمجتمع. ويُظهر أيضاً نشاط الأمانة النسائية من أجل الشرق، الذي حقق على أرض جديدة وخاصة عملاً فعالاً، إن الهيئات الخاصة ضرورية للعمل الشيوعي بين النساء.
ولسوء الحظ، ينبغي أن يسجل المؤتمر الرابع للأممية الشيوعية أن بعض الفروع لم تؤد واجبها أو أدته بشكل سطحي، وهو دعم العمل الشيوعي بين النساء بشكل منهجي. فلم تطبق حتى الآن قواعد تنظيم النشاء الشيوعيات في الحزب، ولم تخلق المنظمات الحزبية الضرورية للعمل بين النساء وإقامة صلة مع هذه الأخيرة.
ويفرض المؤتمر الرابع على فروعه أن تنجز بأقصى سرعة ما أهملته. ويطلب في الوقت نفسه من جميع فروع الأممية الشيوعية أن تولي انتباهاً خاصاً للعمل الشيوعي بين النساء. إن الجبهة الواحدة البروليتارية لا يمكن أن تتحقق إلا إذا شكلت النساء جزءاً منها. إن الارتباط الصلب بين الأحزاب الشيوعية والشغيلات يسمح لهؤلاء الأخيرات، أن يفتحن، في بعض لظروف، الطريق أمام الجبهة البروليتارية الواحدة في الحركات الجماهيرية الثورية.
ينبغي أن تجمع الأممية الشيوعية، دون تمييز، جميع قوى البروليتاريا والجماهير الكادحة، وتمنحها الوعي الثوري الضروري للنضال الذي سيلغي سيطرة البرجوازية.
قرار حول مسألة التثقيف
أولاً: العمل التثقيفي للأحزاب الشيوعية
إن تنظيم العمل التثقيفي الماركسي هو مهمة ضرورية لجميع الأحزاب الشيوعية. وهدف هذا العمل التثقيفي هو رفع المستوى الفكري لأعضاء الحزب وموظفيه وقدراتهم النضالية والتنظيمية. وبموازاة التثقيف الماركسي العام ينبغي أن يتلقى موظفو الحزب الثقافة الضرورية في حقل اختصاصهم.
إن العمل التثقيفي الشيوعي، الذي ينبغي أن يشكل جزءاً لا يتجزأ من نشاط الحزب، يجب أن يخضع لقيادته. وينبغي الوصول إلى هذا الهدف في البلدان حيث يكون تثقيف العمال بين أيدي منظمات خارج الحزب، بواسطة عمل منهجي للشيوعيين داخل هذه المنظمات.
ينبغي خلق فروع تثقيفية إلى جانب جميع اللجان المركزية، تكلف بقيادة النشاط التثقيفي في الحزب بأكمله. وينبغي إخضاع جميع أعضاء الحزب الشيوعي الذين يعملون في منظمات تثقيفية بروليتارية لا يوجهها الحزب (روابط التثقيف العمالي، جماعات عمالية، «ثقافة بروليتارية»، مدارس العمل، إلخ..). لإشراف الحزب.
وبغية القيام بالعمل التثقيفي الشيوعي، ينبغي أن تنشئ الأحزاب، في حدود وسائلها، مدارس حزبية مركزية ومحلية، ومحاضرات وكونفرنسات، وتضع بتصرف المجموعات أساتذة ومحاضرين، وتنظيم مكتبات، إلخ.
إن الأحزاب الشيوعية ملزمة بدعم العمل التثقيفي المستقل للشبيبة الشيوعية مادياً ومعنوياً. وينبغي أن تجذ هذه الأخيرة إلى جميع المؤسسات الحزبية. وينبغي أن يتم تثقيف الأطفال البروليتاريين بالتعاون مع الشبيبة الشيوعية. وينبغي أن تقدم التوجيهات لهذا العمل من قبل الفرع الذي يتم إنشاؤه داخل اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية.
وستكون مهمة هذا الفرع التثقيفي تعميق مسائل التثقيف الشيوعي، وقيادة كل العمل التثقيفي لمختلف أحزاب الأممية الشيوعية وتنسيق العمل في مؤسسات التثقيف البروليتارية خارج الحزب. انه يجمع التجارب الأممية ويعرف بها، ويغني أساليب العمل في مختلف البلدان، ويقوم بصياغة توجيهات وكراريس ومواد أخرى ضرورية للعمل التثقيفي وينشرها، ويبت جميع المشكلات الخاصة المتعلقة بالعمل التثقيفي في مختلف البلدان. وينبغي أن يدرس مشكلات السياسة المدرسة لمختلف الأحزاب وللأممية الشيوعية ويعدها.
وبهدف تعميق التثقيف الشيوعي والتكوين الشيوعي للعمل لأفضل الرفاق المنتمين إلى مختلف فروع الأممية الشيوعية، تنظم محاضرات أممية خاصة لدى المعهد الاشتراكي ومؤسسات أخرى مشابهة في روسيا السوفياتية.
ثانياً: التحريض
1) يلتزم جميع أعضاء الأممية الشيوعية بالقيام بالتحريض بين العمال خارج الحزب. وينبغي أن يخاض هذا التحريض في كل مكان يكون فيه عمال، وفي المشاغل، والنقابات والاجتماعات الشعبية، في الروابط العمالية والرياضية وتعاونيات المستأجرين وبيوت الشعب والمطاعم العمالية، والسكك الحديدية والقرى، إلخ… وكذلك في المساكن العمالية.
2) ينبغي أن يشدد التحريض دائماً على الحاجات الملموسة للعمال بهدف قيادة هؤلاء الأخيرين في طريق النضال الطبقي الثوري. ولا يجب وضع مطالب لا يستطيع العمال فهمها، بل دفعهم للنضال من أجل المطالب المشتركة للبروليتاريا، ضد النظام الرأسمالي في جميع المجالات.
3) ينبغي أن يشارك الشيوعيون في جميع النضالات العمالية ضد النظام الرأسمالي عبر المحاربة، بالدرجة الأولى، من أجل المصالح العامة للبروليتاريا وعبر إظهار المثال في كل مكان.
4) ينبغي أن تقدم كل الأجهزة المركزية للحزب لكل التجمعات المحلية توجيهات عملية حول العمل التحريضي المنتظم لكل أعضاء الحزب، كذلك حول العمل في مختلف الحملات (حملات انتخابية، حملات ضد غلاء المعيشة والضرائب، تحركات مجالس المصانع والعاطلين عن العمل) وفي جميع الأعمال التي يوجهها الحزب.
(يجب أن ترسل نسخة عن جميع التوجيهات إلى اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية).
5) ينبغي أن يطالب جميع أعضاء الحزب مجموعتهم بتوجيهات ملموسة حول وسيلة القيام بالتحريض. وعلى الأنوية الشيوعية بشكل خاص و«مجموعات العشرة»، إعطاء هكذا توجيهات والإشراف على تطبيقها. وحيث لا توجد هذه المجموعات، يجب تسمية مندوبين خاصين للتحريض.
6) ينبغي أن توضّح جميع المنظمات الحزبية، خلال الشتاء المقبل، بصدد جميع أعضاء الحزب:
أ ـ إذا كانوا يقومون بالتحريض بين العمال غير الحزبيين:
1 ـ بشكل منتظم أو غير منتظم أو؛
2 ـ بالمصادفة أو؛
3 ـ لا يقومون على الإطلاق؛
ب ـ إذا كانوا يقومون بأي عمل آخر للحزب:
1 ـ بشكل منتظم أو غير منتظم أو؛
2 ـ بالمصادفة أو؛
3 ـ لا يقومون به على الإطلاق؛
إن الشروحات الضرورية بصدد هذه الاستمارة يجب أم تُعطى لجميع المنظمات بواسطة اللجنة المركزية للحزب، بعد اتفاق مسبق مع اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية.
إن اللجان المنطقية والمجموعات المحلية مسؤولة عن تحقيق هذه الاستمارة. وينبغي أن ترسل النتائج بواسطة اللجنة المركزية إلى اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية.
ثالثاً: معرفة القرارات الأساسية للحزب وللأممية الشيوعية
1) ينبغي أن يعرف كل أعضاء الأمية الشيوعية القرارات الهامة ليس فقط لحزبهم، بل أيضاً للأممية الشيوعية.
2) ينبغي أن تحرص منظمات مختلف الأحزاب على أن يعرف كل أعضاء الحزب على الأقل برنامج حزبهم الخاص والشروط الأحد والعشرين للقبول في الأممية الشيوعية على الأقل، وكذلك قرارات الأممية الشيوعية المتعلقة بحزبهم. ويجري التحقق من معارف أعضاء الحزب.
3) ينبغي أن يعرف الموظفون المسؤولون، بصورة معممة، جميع القرارات التنظيمية والتكتيكية الهامة لمختلف المؤتمرات العالمية. وينبغي امتحانهم حول هذه النقطة. ويُنصح بهذا الامتحان (ولكنه ليس إلزامياً) لأعضاء الحزب الآخرين.
4) تلتزم اللجنة القيادية لكل فرع بإعطاء منظماتها توجيهات لتطبيق هذه القرارات وبتقديم تقرير حولها، في الربيع المقبل، إلى اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية.
قرارات حول المساندة البروليتارية
لروسيا السوفياتية
أولاً ـ إن العمال في جميع البلدان، بصرف النظر عن الآراء السياسية أو النقابية، مهتمون بالحفاظ على روسيا السوفياتية وبتوطيدها. وفضلاً عن الشعور بتضامن بروليتاري عميق الجذور، فإن الوعي لهذه المصلحة قبل كل شيء جعل الأحزاب والمنظمات العمالية تصمم على دعم العمل لنجدة الجائعين في روسيا، وملايين الشغيلة في جميع البلدان يقررون تقديم أكبر التضحيات بحماس. وبفضل الدعم المقدّم عبر عمل النجدة البروليتارية، الذي بات العمل الأقوى وأكثر استمراراً بين أعمال التضامن الأممية منذ وجود الحركة العمالية، استطاعت روسيا أن تجتاز أحلك أيام المجاعة وتتغلب على الكارثة.
ولكن، سابقاً، وخلال حملة المساندة للجائعين اعترفت المنظمات العمالية الكبرى التي شاركت بهذا العمل بأنه لا يمكن الاكتفاء بتقديم العون الغذائي لروسيا السوفياتية. إن الحرب الاقتصادية للدول والمجموعات الامبريالية ضد روسيا السوفياتية مستمرة دون كلل. والحصار الاقتصادي بات على شكل رفض الإقراض، وفي كل مرة تدخل المجموعات الرأسمالية في علاقات أعمال مع روسيا السوفياتية، يكون ذلك فقط بهدف ضمان أرباح هائلة واستغلال روسيا.
وفي كل نزاعات روسيا السوفياتية مع الامبرياليين، من واجب شغيلة جميع البلدان أن يدعموا روسيا؛ كذلك في الحرب الاقتصادية التي يخوضها الامبرياليون ضدها، ينبغي أن يدعموها بكل الوسائل العملية بما فيها المعونات الاقتصادية.
ثانياً – إن أفضل دعم لروسيا في الحركة الاقتصادية هو النضال السياسي الثوري للعمال الذين ينبغي أن يمارسوا ضغطاً قوياً على حكوماتهم الخاصة لإجبارها على الاعتراف بالحكومة السوفياتية والشروع بإعادة العلاقات التجارية مع روسيا. ونظراً للأهمية الكبرى لوجود روسيا السوفياتية بالنسبة للشغيلة، يجب أن تقوم البروليتاريا العالمية جنباً إلى جنب مع العمل السياسي بتعبئة أقصى الموارد الاقتصادية من أجل دعم روسيا السوفياتية.
إن كل مصنع وكل شركة تعيد تسييرها روسيا السوفياتية دون اعتماد رأسمالي، وبدعم العمال وحدهم، يشكل عوناً فعالاً جداً في النضال ضد سياسية النهب الامبريالية، وكل تعزيز لروسيا السوفياتية، أول دولة عمالية في العالم، يعزز البروليتاريا العالمية في نضالها ضد عدوها الطبقي، البرجوازي.
يعلن المؤتمر الرابع للأممية الشيوعية، إذن، إنه من واجب جميع الأحزاب والمنظمات العمالية، وبالدرجة الأولى المنظمات الشيوعية أن تدعم مباشرة وبشكل نشط عمل الدعم الاقتصادي الذي طورته أوسع الجماهير من أجل إعادة البناء الاقتصادي لروسيا السوفياتية.
ثالثا ـ تكمن المهمة الأكثر أهمية المتمثلة بالمعونة الاقتصادية البروليتارية في تقديم موارد لروسيا لشراء الآلات والمواد الأولية والأدوات، إلخ… وينبغي النظر أيضاً في مشاركة المجموعات والأحزاب والنقابات والتعاونيات والجمعيات العمالية في القرض العمالي لصالح روسيا السوفياتية. وتستطيع المنظمات العمالية والشغيلة في العالم أجمع، عبر المشاركة في الأقراض، أن تعبر عن تضامنها مع أول جمهورية عمالية وفلاحية.
إن الدعاوة لصالح الإقراض تقدم فرصة لتطوير أفضل تحريض من أجل روسيا السوفياتية، لذلك ينبغي أن تخاض باتصال وثيق مع الفروع في بلدان مختلفة.
إن مسألة الدعم الاقتصادي لروسيا السوفياتية باعتبارها مسألة ذات أهمية عامة بالنسبة لكل البروليتاريا، تقتضي خلق لجان مماثلة للجان الدعم العمالي لجائعي روسيا، أو جمعيات خاصة أخرى، مشكلة من مندوبين من مختلف المنظمات العمالية، من أجل تنظيم هذا العمل وقيادته. إن هذه اللجان أو الجمعيات التي ستكون مهمتها إثارة اهتمام أوسع الجماهير العمالية وجذبها لعمل العدم الاقتصادي سوف تكون تحت رقابة الأممية الشيوعية.
رابعاً ـ سوف يحدد تخصيص الموارد التي تمنحها اللجان والجمعيات باتصال وثيق مع المؤسسات الاقتصادية الخاصة بالدولة أو المنظمات العمالية الروسية.
خامساً ـ في الوضع الاقتصادي الحالي، لا تشكل الهجرة الواسعة للعمال الأجانب دعماً، بل على العكس عائقاً أمام إعادة البناء الاقتصادي، ولا يجب أن تتم بأي حال من الأحوال. وروسيا تكتفي بقبول العمال المتخصصين من مهن ضرورية بصورة مطلقة، والذين لا يمكن استبدالهم بعمال البلد ولكن في هذه الحالة، لا ينبغي أن تتم الهجرة إلا برضاء وموافقة من جانب النقابات الروسية.
سادساً ـ ينبغي أن تكون المعونة الاقتصادية البروليتارية جهداً باتجاه تركيز التضامن العمالي الأممي لصالح أول دولة بروليتارية في العالم، وأن تعطي نتائج اقتصادية ملموسة.
سابعاً ـ انسجاماً مع مبادئ التعاون والاقتصاد الاشتراكيين، سوف يجري استخدام الفائض المحتمل للموارد من أجل توسيع مجال عمل المعونة الاقتصادية حصراً.
قرار حول مساعدة ضحايا
القمع الرأسمالي
إن نتاج الهجمة الرأسمالية في جميع البلدان البرجوازية هو زيادة عدد الشيوعيين والعمال غير الحزبيين المناضلين ضد الرأسمالية والذين يتعذبون في الزنزانات.
يطلب المؤتمر الرابع من جميع الأحزاب الشيوعية إنشاء منظمة يكون هدفها مساعدة جميع المحتجزين في سجون الرأسمالية مادياً ومعنوياً، وحيي مبادرة البلاشفة القدامى الروس الذين بدأوا بإنشاء جمعية أممية لمنظمات الدعم هذه.
قرار حول إعادة تنظيم التنفيذية
ونشاطها المستقبلي
المؤتمر العالمي
يعقد المؤتمر العالمي كالعادة كل عام. وتحدد التنفيذية الموسعة موعده. وينبغي أن ترسل الفروع المنتسبة مندوبين، تحدد أيضاً التنفيذية عددهم، وتتحمل الأحزاب النفقات. ويحدد كل مؤتمر عدد الأصوات التي يملكها كل فرع، تبعاً لعدد أعضاء الحزب والوضع السياسي في البلدان المعنية. كما أن التفويضات الملزمة غير مقبولة وتنقض مسبقاً، كون هذه الممارسة معاكسة لروح حزب عالمي بروليتاري أممي وممركز.
التنفيذية
التنفيذية ينتجها المؤتمر. وتتألف من الرئيس و24 عضواً و10 احتياطيين كما ينبغي أن يسكن 15 عضواً على الأقل من التنفيذية بشكل دائم في موسكو.
التنفيذية الموسعة
كقاعدة عامة، تعقد دورة موسعة للتنفيذية كل أربعة أشهر وهذه الدورة مؤلفة على الشكل التالي:
1 ـ 25 عضواً من التنفيذية.
2 ـ ثلاثة ممثلين آخرين عن الأحزاب التالية: ألمانيا، فرنسا، روسيا، تشيكوسلوفاكيا، إيطاليا، أممية الشبيبة والأممية النقابية الحمراء.
3 ـ ممثلين آخرين عن كل من إنجلترا وبولندا وأميركا وبلغاريا والنرويج.
4 ـ بالإضافة إلى ذلك، ممثل عن كل من الفروع الأخرى التي لها حق التصويت.
إن المجلس الرئاسي مجبر على وضع كل المسائل الكبرى الأساسية التي تحتمل مهلة أمام دورة التنفيذية الموسعة. والدورة الأولى للتنفيذية الموسعة تعقد مباشرة بعد المؤتمر العالمي.
المجلس الرئاسي (البريزيديوم)
تنتخب التنفيذية الموسعة، خلال دورتها الأولى، مجلساً رئاسياً يكون من بين أعضائه ممثل عن الشبيبة وممثل عن الأممية النقابية الحمراء بصوت استشاري، وتشكل الفروع التالية:
1 ـ فرعاً مشرقياً ينبغي أن تهتم التنفيذية اهتماماً خاصاً بأعماله في السنة القادمة. ويكون رئيسه عضواً في المجلس الرئاسي. ويخضع في عمله السياسي لهذا المجلس ويسوي هذا الأخير علاقات الفرع بالفرع التنظيمي.
2 ـ فرعاً تنظيمياً يكون فيه على الأقل عضوان من أعضاء المجلس الرئاسي ويخضع للمجلس الرئاسي.
3 ـ فرعاً للتحريض والدعاوة يقوده عضو من التنفيذية وهو أيضاً خاضع مباشرة للمجلس الرئاسي.
4 ـ فرع إحصاء ومعلومات خاضعاً للفرع التنظيمي.
ويحق للتنفيذية إقامة فروع أخرى.
تقسيم العمل في التنفيذية
ينبغي أن يكون هناك تقسيم واضح للعمل بين أعضاء التنفيذية كما بين أعضاء المجلس الرئاسي. ويقوم بإعداد عمل كل فرع مقررون مسؤولون يعيّنهم المجلس الرئاسي، واحداً عن كل بلد من البلدان الأكثر أهمية. وكقاعدة عامة يجب أن يكون هذا المقرر عضواً في التنفيذية، وحتى إذا أمكن في المجلس الرئاسي. والمقررون الذين لا يشكلون جزءاً من التنفيذية أو المجلس الرئاسي يعملون تحت رقابة أحد أعضاء المجلس الرئاسي.
ينشئ المجلس الرئاسي أمانة عامة يقودها أمين عام، وتقدم التنفيذية عضوين احتياطيين. لكن هذه الأمانة ليس لها مهام سياسية مستقلة؛ بل هي هيئة تنفيذية للمجلس الرئاسي.
تكلف التنفيذية بالعمل في جميع الأحزاب من أجل تقسيم مماثل للعمل في كل بلد، مع أخذ الأوضاع المتنوعة بالاعتبار.
مندوبو التنفيذية ـ في حالات خاصة، ترسل التنفيذية إلى هذا البلد أو ذاك مندوبين مختارين من بين الرفاق الأكثر كفاءة من مختلف الفروع. وينبغي أن تمنح التنفيذية هؤلاء الممثلين سلطات واسعة، فضلاً عن توجيهات خاصة تحدد مهمات هؤلاء المندوبين، وحقوقهم والتزاماتهم مثلما تحدد علاقاتهم بالأحزاب المعنية.
تكلف التنفيذية ببذل أقصى جهدها للقيام بمراجعة للتطبيق الحقيقي للشروط الواحد والعشرين ولقرارات العالمية.
يكلف المندوبون بإنجاز هذه المراجعة بأكبر يقظة ممكنة. وعليهم أن يقدموا كشف حساب، مرة كل شهر على الأقل، عن نتائج أعمالهم.
لجنة الرقابة الأممية ـ تبقى لجنة الرقابة الأممية قائمة. وتبقى مهامها التي صاغها المؤتمر العالمي الثالث هي نفسها. ويعين المؤتمر العالمي كل سنة فرعين متجاورين، تنتخب كل من لجنتيهما القياديتين، في داخلها، ثلاثة أعضاء في لجنة الرقابة، وينبغي أن توافق التنفيذية على انتخابهم. ولهذا العام يكلف المؤتمر العالمي الفرعين الألماني والفرنسي بهذه المهمات.
مكتب الإعلام التقني ـ تبقى مكاتب الإعلام التقني قائمة. ومهماتها هي إعطاء معلومات تقنية، وتكون خاضعة للتنفيذية.
«الأممية الشيوعية» ـ إن الأممية الشيوعية هي جريدة التنفيذية، وتنتخب التنفيذية هيئة تحريرها، وهي خاضعة لها.
منشورات التنفيذية ـ يذكر المؤتمر بأن جميع الهيئات الشيوعية ملزمة تماماً، كما هو سارٍ إلى الآن، بطباعة جميع وثائق التنفيذية (النداءات، والرسائل والقرارات، إلخ…) حالما تطلب ذلك التنفيذية.
محاضر الأحزاب الوطنية – ان اللجان القيادية لكل الفروع ملزمة بإيصال محاضر جميع دوراتها دورياً إلى التنفيذية.
التمثيلات المتبادلة ـ من المستحسن أن تقيم الفروع الأكثر أهمية تمثيلاً متبادلاً بين الفروع المتجاورة بهدف الإعلام المتبادل وتنسيق أعمالها. وينبغي أيضاً وضع تقارير عن هذه التمثيلات بتصرف التنفيذية.
المؤتمرات الوطنية للفروع ـ كقاعدة عامة ينبغي أن تعقد الأحزاب كونفرنسات وطنية أو دورات موسعة لهيئتها التنفيذية قبل المؤتمر العالمي من أجل الإعداد للمؤتمر العالمي وانتخاب مندوبين. وتعقد المؤتمرات الوطنية للفروع بعد المؤتمر العالمي كما أن الاستثناءات غير مقبولة إلا بموافقة التنفيذية.
على هذه الشاكلة تصان مصالح الفروع المختلفة بأفضل ما يمكن، وتستمر إمكانية تقويم تجربة الحركة الأممية بأكملها «من أسفل إلى أعلى».
وبهذه الطريقة، تعطى للأممية الشيوعية أيضاً، كحزب عالمي وممركز، إمكانية توزيع التوجيهات الناتجة عن التجربة الشاملة للأممية، إلى مختلف الأحزاب «من أعلى إلى أسفل» عن طريق المركزية الديمقراطية.
الاستقالات ـ يدين المؤتمر بالشكل الأكثر وضوحاً حالات الاستقالة التي يقوم بها رفاق من مختلف اللجان القيادية ومجموعات كامل من أعضائها. إن المؤتمر يعتبر هذه الاستقالات كعمل يثير الفوضى القصوى في الحركة الشيوعية. إن كل موقع قيادي في حزب شيوعي لا يخص حامل التفويض بل الأممية بمجملها.
ويقرر المؤتمر: إن الأعضاء المنتخبين إلى الهيئات المركزية في مختلف الفروع لا يمكنهم أن يتخلوا عن تفويضهم إلا بموافقة التنفيذية. إن الاستقالات المقبولة من أي لجنة قيادية دون تصويت التنفيذية هي لاغية ومردودة.
العمل غير الشرعي ـ بمقتضى قرار المؤتمر الذي يشير إلى أن عدداً من الأحزاب الهامة جداً تدخل على الأرجح في مرحلة من اللاشرعية، فإن المجلس الرئاسي مكلف بتكريس نفسه، بأوسع قدر ممكن، لإعداد هذه الأحزاب بهدف العمل غير الشرعي. ومباشرة، بعد نهاية المؤتمر، على المجلس الرئاسي أن يبدأ مفاوضات مع جميع الأحزاب المعنية.
الأمانة العالمية للنساء ـ تبقى الأمانة العالمية للنساء قائمة كما في السابق. وتسمي التنفيذية أمينة للنساء، وبالتوافق معها، تتخذ كل الإجراءات التنظيمية الضرورية.
التمثيل في تنفيذية الشبيبة ـ يكلف المؤتمر التنفيذية بإقامة تمثيل منتظم للأممية الشيوعية في أممية الشبيبة، ويعتبر المؤتمر أن هذا التمثيل هو من الأعمال الأكثر أهمية للتنفيذية من أجل حفز عمل حركة الشبيبة.
العلاقة مع الأممية النقابية الحمراء ـ يكلف المؤتمر التنفيذية بصيانة أشكال العلاقة المتبادلة بين الأممية الشيوعية والبروفينترن، وذلك بالاتفاق مع القيادة المركزية للبروفينترن. ويعلن المؤتمر أن المرحلة الحالية والنضالات الاقتصادية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً أكثر مما في أي وقت مضى بالنضالات السياسية، وتفترض إذاً تعاوناً وثيقاً بشكل مميز بين قوى جميع المنظمات الثورية للطبقة العاملة.
مراجعة الأنظمة الداخلية ـ يصادق المؤتمر على الأنظمة الداخلية التي أقرها المؤتمر الثاني ويكلف التنفيذية بصياغة هذه الأنظمة من جديد واستكمالها على قاعدة القرارات الجديدة. وينبغي القيام بهذا العمل بالوقت الملائم، ويجب أن يخضع لحكم جميع الأحزاب، ويتم التصديق عليه نهائياً من قبل المؤتمر العالمي الخامس.
قرار حول المسألة الفرنسية
أزمة الحزب دور التكتلات
يسجل المؤتمر الرابع للأممية الشيوعية أن تطور حزبنا الفرنسي من الاشتراكية الفرنسية وصولاً إلى الشيوعية الثورية يتم ببطء شديد هو أبعد من أن يفسر بالشروط الموضوعية فقط، وبالتقاليد، وبالسيكولوجيا الوطنية للطبقة العاملة، إلخ… ولكنه عائد قبل كل شيء إلى مقاومة مباشرة وفي بعض الأحيان عنيدة بشكل استثنائي من قبل العناصر غير الشيوعية التي لا زالت قوية جداً في قمم الحزب، وبشكل خاص في تكتل الوسط الذي حاز، منذ تور (TOURS)، على نصيب الأسد في قيادة الحزب.
إن السبب الأساسي للأزمة الحادة التي يمر بها حالياً الحزب يوجد في سياسة الانتظار، الملتبسة والمترددة، والعناصر القيادية الوسطية التي أمام المتطلبات المحلية لتنظيم الحزب تحاول كسب الوقت، مغطّية بذلك سياسة تخريب مباشر في المسائل النقابية، والجبهة الواحدة والتنظيم الحزبي ومسائل أخرى. إن الوقت الذي كسبته العناصر القيادية الوسطية بذلك قد تمت خسارته على صعيد التطور الثوري للبروليتاريا الفرنسية.
إن المؤتمر يلزم اللجنة التنفيذية بإيلاء انتباهها كاملاً للحياة الداخلية للحزب الشيوعي الفرنسي كي تتمكن، بالاعتماد على الأكثرية البروليتارية والثورية الأكيدة، من تحريره من نفوذ العناصر التي ولدت الأزمة والتي لا تتوقف عن مفاقمتها.
ويرفض المؤتمر حتى فكرة الانشقاق، التي لا يوحي بها أبداً وضع الحزب. فالأغلبية العظمى من أعضائه مخلصة بجدية وعمق للقضية الشيوعية ووحده غياب الوضوح المستمر في العقيدة والوعي الحزبي هو الذي سمح لهذه العناصر المحافظة، والوسطية وشبه الوسطية بأن تسبب بلبلة بهذه الحدة وتولد تكتلات. إن جهداً حازماً وثابتاً من أجل توضيح جوهر المسائل موضوع الخلاف أمام الحزب، سيجمع، على أرضية قرارات المؤتمر الحالي، الأغلبية الساحقة من أعضاء الحزب وقبل كل شيء قاعدته البروليتارية. وفي ما يتعلق بالعناصر التي تنتسب إلى الحزب، لكنها مرتبطة في الوقت نفسه على صعيد كل طبيعة فكرها وحياتها بعادات المجتمع البرجوازي وتقاليده، وغير قادرة على فهم السياسة البروليتارية الحقيقية أو على الخضوع للانضباط الثوري، فإن نبذها التدريجي من الحزب، هو الشرط الضروري لتطهيره وتماسكه وقدرته على العمل.
إن الطليعة الشيوعية للطبقة العاملة بحاجة بشكل طبيعي لمثقفين يحملون إلى منظمتهم معارفهم النظرية، ومواهبهم كمحرضين أو كتاب، لكن بشرط أن تقطع هذه العناصر بشكل مطلق ودون رجعة مع تقاليد الوسط البرجوازي وعاداته هذه، وتحرق وراءها كل الجسور التي تربطها بالمعسكر الذي خرجت منه، وتخضع للانضباط مثل المناضلين العاديين. إن المثقفين، العديدين جداً في فرنسا، الذين يدخلون إلى الحزب كهواة أو كوصوليين، لا يسببون له ضرراً كبيراً فحسب، بل يشوهون سمعته أمام الجماهير البروليتارية ويمنعونه من كسب ثقة الطبقة العاملة.
يجب تطهير الحزب دون شفقة من هكذا عناصر وإغلاق أبوابه أمامها مهما كان الثمن. إن أفضل وسيلة لذلك هي القيام بمراجعة عامة للناشطين في الحزب عن طريق لجنة خاصة مؤلفة من عمال لا يرقى إليهم الشك لناحية الأخلاق الشيوعية.
يسجل المؤتمر أن المحاولة التي قامت بها اللجنة التنفيذية من أجل تخفيف مظاهر الأزمة في المجال التنظيمي عبر تشكيل الأجهزة القيادية على قاعدة تعادلية التمثيل بين التكتلين الأساسيين الوسطي واليساري قد جعلها الوسط، غير مجدية، تحت التأثير الأكيد لعناصره الأكثر محافظة، والتي تحرز غلبة حتمية في هذا التكتل في كل مرة تعارض فيها اليسار.
يرى المؤتمر ضرورة أن يُشرح لكل أعضاء الحزب الشيوعي الفرنسي أن جهود اللجنة التنفيذية المتجهة للوصول إلى اتفاق مسبق بين التكتلات الرئيسية كان هدفها تسهيل أعمال مؤتمر باريس وأنها لا تشكل، بأي حال من الأحوال، طعناً لحقوق المؤتمر كجهاز أعلى للحزب الشيوعي الفرنسي.
يرى المؤتمر ضرورة توضيح أنه، مهما كانت أخطاء اليسار الخاصة، فإنه بذل جهده، بشكل خاص، خلال مؤتمر باريس وقبله، لتنفيذ سياسية الأممية الشيوعية، وأنه احتل بمواجهة الوسط ومجموعة رينولت، في المسائل الرئيسية للحركة الثورية، كمسألة الجبهة الواحدة والمسألة النقابية، الموقع الصحيح.
يدعو المؤتمر بإلحاح كل العناصر الثورية والبروليتارية حقاً والتي تشكل دون شك أغلبية داخل الوسط، أن تضع حداً لمعارضة العناصر المحافظة وتتحد مع اليسار في عمل مشترك. إن الملاحظة نفسها توجه إلى التكتل الذي يحل من حيث عدد أعضائه ثالثاً والذي يخوض الحملة الأكثر حيوية، والخاطئة بشكل بيّن ضد سياسة الجبهة الواحدة.
أقصى اليسار
إن اتحاد السين، عبر تصفيته للطابع الفيدرالي لمنظمته، رفض بذلك بالذات الموقف الخاطئ بشكل بيّن للجناح المسمى بأقصى اليسار. إلا أن هذا الأخير اعتقد بشخص الرفيقين هين ولا فيرني، إنه استطاع إعطاء المواطن دلبلانك تفويضاً يلتزم بمقتضاه المواطن دلبلانك بالامتناع عن التصويت على كل المسائل وبعدم التعهد بأي شيء. إن هذه الطريقة في التصرف من جانب الممثلين الذين عينهم أقصى اليسار، تشهد على عدم فهمهم الكامل لمعنى الأممية الشيوعية ولجوهرها.
إن مبادئ المركزية الديمقراطية التي تشكل قاعدة منظماتنا، تحرم بشكل جذري إمكانية التفويض الملزم، سواء تعلق الأمر بالمؤتمرات الفدرالية، أو الوطنية أو العالمية. لا معنى لمؤتمرات إلا بالقدر الذي تصاغ فيه القرارات الجماعية للمنظمات ـ المحلية أو الوطنية أو العالمية ـ بعد التفحص الحر من جانب كل المندوبين وبقرار منهم. وبديهي بشكل كامل أن النقاشات وتبادل الآراء والحجج لكل واحد في مؤتمر ما سوف تفقد معناها إذا كان المندوبون مرتبطين مسبقاً بتفويضات ملزمة.
لقد تفاقم خرق المبادئ الأساسية لمنظمة الأممية في هذه الحالة عبر رفض هذه المجموعة الالتزام بأي شيء إزاء الأممية، كما لو أن مجرد الانتماء إلى الأممية لا يفرض على كل أعضائها التزامات مطلقة لناحية الانضباط ووضع كل القرارات المتخذة موضع التنفيذ.
يدعو المؤتمر اللجنة القيادية لفرعنا الفرنسي إلى دراسة هذا الحادث بأكمله على الأرض وإلى استخلاص جميع الاستنتاجات التنظيمية والسياسية الناتجة عنه.
المسألة النقابية
إن القرارات التي اتخذها المؤتمر بصدد المسألة النقابية تتضمن بعض التنازلات الشكلية والتنظيمية المعدة لتسهيل التقارب بين الحزب والمنظمات النقابية أو الجماهير النقابية التي لم تتبنَّ بعد وجهة النظر الشيوعية. ولكن أن يراد تفسير هذه القرارات كإقرار بسياسية الإحجام النقابي عن التصويت التي كانت سائدة في الحزب، والتي ينصح بها العديد من أعضائه اليوم أيضاً، هو تشويه لمعناها بشكل كامل.
إن الاتجاهات الممثلة في هذه المسألة بأرنست لافونت تتعارض، بشكل كامل ولا مجال للتوفيق فيه، مع المهمات الثورية للطبقة العاملة ومفهوم الشيوعية بأكمله. إن الحزب لا يستطيع ولا يريد التعرض للاستقلال الذاتي للنقابات، بل ينبغي أن يفضح أولئك الأعضاء الذين يطالبون بالاستقلال الذاتي بهدف عملهم التخريبي والفوضوي داخل النقابات ومعاقبتهم دون شفقة. وفي هذه المسألة الأساسية، ستكون الأممية أقل تحملاً مما في أي مجال آخر لأي انحراف لاحق عن الطريق الشيوعي، الذي هو وحده الصحيح من وجهة نظر الممارسة العالمية كما من وجهة نظر النظرية.
دروس إضراب الهافر
إن إضراب الهافر هو، بالرغم من طابعه المحلي، شاهد أكيد على النضالية المتنامية للبروليتاريا الفرنسية. وقد ردت الحكومة الرأسمالية على الإضراب باغتيال أربعة عمال، كما لو أنها تستعجل تذكير العمال الفرنسيين بأنه لا يمكنهم الاستيلاء على السلطة وتحطيم العبودية الرأسمالية إلا لقاء النضال الأعظم، وأقصى الوفاء والتفاني وعدد كبير من التضحيات.
وإذا كان رد البروليتاريا الفرنسية على اغتيالات الهافر غير كافٍ كلياً، فإن المسؤولية لا تقع فقط على الخيانة التي أصبحت منذ زمن بعيد قاعدة لدى المنشقين والنقابيين الإصلاحيين، بل أيضاً على طريقة عمل الهيئات القيادية للاتحاد العام الموحد للشغل (C.G.T.U.) وللحزب الشيوعي الخاطئة تماماً. ويرى المؤتمر أنه من الضروري التوقف عند هذه المسألة لأنها تقدم لنا مثالاً صارخاً على الطريقة الخاطئة جذرياً في التعاطي مع مشكلات العمل الثوري.
إن الحزب، بتقسيمه النضال الطبقي للبروليتاريا بشكل غير صحيح مبدئياً إلى ميدانين سُمّيا مستقلين، الاقتصادي والسياسي، برهن هذه المرة أيضاً عن افتقاده لأي مبادرة مستقلة، مكتفياً بدعم الاتحاد العام الموحد للشغل، كما لو أن اغتيال البروليتاريين الأربعة من قبل حكومة رأس المال كان في الواقع فعلا اقتصادياً وليس حدثاً سياسياً ذا أهمية كبرى. وفي ما يتعلق بالاتحاد العام الموحد للشغل، وتحت ضغط النقابة الباريسية للبناء، فقد أعلن غداة اغتيالات الهافر، ذات أحد، إضراباً عاماً للاحتجاج موعده نهار الثلاثاء. ولم يكن لدى عمال فرنسا الوقت، في الكثير من الأماكن، للعلم ليس فقط بالدعوة إلى الإضراب العام، بل حتى بفعل الاغتيال.
في هذه الظروف، كان محكوماً على الإضراب العام بالفشل. وما من شك، هذه المرة أيضاً، بأن الاتحاد العام الموحد للشغل قد كيّف سياسته مع العناصر الفوضوية، الغريبة بشكل عضوي عن فهم العمل الثورية وإعداده، والتي تستبدل النضال الثوري بدعوات ثورية من جانب زمرها، دون الاهتمام بالاستجابة لهذه الدعوات. واستسلم الحزب، من جانبه بصمت أمام المسار الخاطئ حتماً للاتحاد العام الموحد للشغل، بدل أن يحاول بشكل رفاقي ولكن ملح، أن يحصل من هذا الأخير على تأجيل للتظاهرة الإضرابية بهدف تطوير تحريض جماهيري واسع.
كان الواجب الأول، سواء للحزب أو للاتحاد العام الموحد للشغل، أمام الجريمة الدنيئة للبرجوازية الفرنسية، تعبئة ألف من أفضل محرضي الحزب والنقابات في باريس والريف فوراً، من أجل شرح معنى حدث الهافر للعناصر الأكثر تخلفاً في الطبقة العاملة، ومن أجل إعداد الجماهير العمالية للإنتاج والدفاع. وكان الحزب ملزماً، في هكذا حالة بإصدار نداء إلى الطبقة العاملة والفلاحين، بعدة ملايين من النسخ، بمناسبة جريمة الهافر.
وكان ينبغي أن تطرح الجريدة المركزية للحزب يومياً على الإصلاحيين ـ الاشتراكيين والنقابيين السؤال التالي: ما هو شكل النضال الذي تقترحونه للرد على اغتيالات الهافر؛ وكان على الحزب من جانبه، بالاتفاق مع الاتحاد العام الموحد للشغل، أن يطلق فكرة الإضراب العام، دون تحديد التاريخ والمدة مسبقاً، تاركاً تطور التحريض والحركة في البلد يوجهه. وكان هناك ضرورة لمحاولة تشكيل لجان احتجاج مؤقتة في كل مصنع ولكل حي ومدينة ومنطقة، يُدخل الشيوعيون والنقابيون الثوريون فيها، باعتبارهم المبادرين، أعضاء وممثلين عن المنظمات الإصلاحية.
وحدها حملة من هذا النوع، منظمة، ومركزة وشاملة بوسائلها، جادة ولا تكل، يمكنها خلال أسبوع كامل أو أكثر أن تتوج بحركة قوية وضخمة، على شكل إضراب احتجاج كبير، وتظاهر في الشارع، إلخ… إلخ…، إن النتيجة الأكيدة لهكذا حملة كانت زيادة روابط الحزب والاتحاد العام للشغل وسلطتهما ونفوذهما بين الجماهير، والتقريب في ما بينها في العمل الثوري، وأن يقربا منهما الجزء من الطبقة العاملة الذي لا يزال يتبع الإصلاحيين.
إن إضراب أول أيار / مايو 1921 المزعوم، الذي لم تعرف العناصر أن تعده، والذي أفشله الإصلاحيون بشكل مجرم، شكل تحولاً في الحياة الداخلية لفرنسا عبر إضعافه للبروليتاريا وتعزيزه للبرجوازية. وأن «إضراب الاحتجاج العام» في شهر تشرين الأول / أكتوبر 1922 كان، في الواقع، خيانة يمينية مكررة وخطأ جديداً لليسار. إن الأممية تدعو، بالشكل الأكثر نشاطاً، الرفاق الفرنسيين في بعض فروع الحركة البروليتارية التي يشغلونها، لإيلاء أقصى اهتمام لمشاكل التحرك الجماهيري ودراسة شروطه وأساليبه بشكل دقيق، وإخضاع أخطاء منظماتهم، في كل حالة ملموسة، لتحليل نقدي يقظ، وإعداد حتى احتمالات التحرك الجماهيري بالقدر ذاته من الدقة، عبر تحريض واسع وجاد، وتنسيب الشعارات مع استعداد الجماهير للعمل وقدرتها عليه.
يستند القادة الإصلاحيون في أعمالهم الخيانية إلى نصائح الرأي العام البرجوازي بكامله واقتراحاته وتوجيهاته. هذا الرأي العام الذي يرتبطون به بشكل لا تنفصم عراه… إن النقابيين الثوريين، الذين لا يمكنهم إلا أن يكونوا أقلية في المنظمات النقابية، يرتكبون أخطاء أقل إذا ما كرس الحزب بذاته اهتماماً أكبر بقضايا الحركة العمالية، دارساً بدقة ظروفها ووسطها ومقدماً للنقابات، عبر أعضائه، هذه الاقتراحات أو تلك المنسجمة مع الوضع بمجمله.
الماسونية
وعصبة حقوق الإنسان
والصحافة البرجوازية
كان تعارض الماسونية مع الاشتراكية بديهياً بالنسبة لأغلبية أحزاب الأممية الثانية. فقد طرد الحزب الاشتراكي الإيطالي الماسونيين عام 1914 وكان هذا الإجراء، دون شك، أحد الأسباب التي سمحت لهذا الحزب، أثناء الحرب، بأن يتبع سياسة معارضة، كون الماسونيين، باعتبارهم أدوات للدول الحليفة، يتحركون لصالح التدخل.
إذا كان المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية لم يضع ضمن شروط الانتساب إلى الأممية، نقطة خاصة حول تعارض الماسونية والشيوعية، فذلك لأن هذا المبدأ وجد مكاناً له في قرار خاص صوت عليه بالإجماع في المؤتمر.
والواقع الذي ظهر بشكل غير متوقع في المؤتمر الرابع للأممية الشيوعية، حول انتماء عدد كبير من الشيوعيين الفرنسيين إلى المحافل الماسونية، هو بنظر الأممية الشيوعية الشاهد الأكثر تعبيراً والأكثر مدعاة للشفقة في الوقت نفسه على أن حزبنا الفرنسي قد حافظ، ليس فقط على الإرث السيكولوجي للحقبة الإصلاحية، والبرلمانية والوطنية، بل أيضاً على روابط ملموسة جداً وملوثة إلى أقصى حد بالنسبة لرأس الحزب، مع المؤسسات السرية، والسياسية والمهنوية للبرجوازية الراديكالية.
وفيما تجمع الطليعة الشيوعية للبروليتاريا جميع قواها من أجل نضال لا هوادة فيه ضد كل التجمعات والمنظمات الخاصة بالمجتمع البرجوازي باسم دكتاتورية البروليتاريا، فإن العديد من المناضلين المسؤولين في الحزب، والنواب والصحافيين وحتى أعضاء في اللجنة القيادية، يحافظون على علاقة وثيقة بالمنظمات السرية للعدو.
إنه لواقع مؤسف جداً أن الحزب، بجميع اتجاهاته، لم يطرح هذه المسألة بعد مؤتمر مدينة تور TOURS، على الرغم من وضوحها الأكيد بالنسبة للأممية بأكملها، وكان لابد من صراع تكتلات داخل الحزب من أجل إبرازها أمام الأممية بكل أهميتها المتهددة.
تعتبر الأممية أنه من الضروري وضع حد، مرة وإلى الأبد، لهذه الارتباطات الملوثة والمحبطة لرأس الحزب الشيوعي بالمنظمات السياسية للبرجوازية. إن شرف البروليتاريا الفرنسية يفرض تطهير جميع منظماته الطبقية من العناصر التي تريد الانتماء في الوقت نفسه إلى معسكري الصراع.
يكلف المؤتمر اللجنة القيادية للحزب الشيوعي الفرنسي بتصفية جميع ارتباطات الحزب، بشخص بعض أعضائه ومجموعاته، مع الماسونية، قبل أول كانون الثاني / يناير 1923. وكل من لا يصرح علناً، قبل أول كانون الثاني / يناير، لمنظمته ويعلن في صحافة الحزب قطيعته الكاملة مع الماسونية، يكون بذلك بالذات مطروداً من الحزب الشيوعي دون حق الانتساب من جديد، في أي لحظة كانت. وإخفاء كائن من كان انتماءه إلى الماسونية سيعتبر تغلغلاً لأحد عملاء العدو في الحزب وسيؤدي إلى وصم الشخص بالعار أمام البروليتاريا بكاملها.
باعتبار أن مجرد الانتماء إلى الماسونية، سواء استمر ذلك أو لم يستمر، لهدف مادي، أو وصولي أو أي هدف آخر مفسر، يشهد على تطور غير كاف للوعي الشيوعي وللكرامة الطبقية، فالمؤتمر الرابع يرى ضرورة أن يحرم الرفاق الذين انتموا حتى الوقت الحاضر إلى الماسونية والذين يقطعون معها الآن، من حق شغل مناصب هامة في الحزب لمدة سنتين. وليس إلا بعمل مكثف من أجل قضية الثورة، بصفة رفاق عاديين، يستطيع هؤلاء الرفاق أن يكسبوا من جديد الثقة الكاملة في الحزب ويشغلوا مناصب هامة داخله.
وباعتبار أن عصبة الدفاع عن حقوق الإنسان والمواطن، هي بجوهرها منظمة للراديكالية البرجوازية، تستخدم أعمالها المعزولة ضد هذا الإجحاف أو ذاك لزرع الأوهام والأوهام المسبقة للديمقراطية البرجوازية، وتقدم، خاصة في الأوضاع الأكثر حسماً وخطورة، كما خلال الحرب مثلاً، دعمها الكامل للرأسمال المنظم على شكل دولة، فإن المؤتمر الرابع للأممية الشيوعية يعتبر فعل الانتماء إلى عصبة حقوق الإنسان والمواطن هذه أمراً يتعارض بشكل مطلق مع صفة الشيوعي، ويعاكس المفاهيم الأولية للشيوعية. ويدعو جميع أعضاء الحزب المنتسبين إلى هذه العصبة لأن يخرجوا منها قبل أول كانون الثاني / يناير 1923، وإعلام منظمتهم بذلك ونشره في الصحافة.
يدعو المؤتمر اللجنة القيادية للحزب الشيوعي الفرنسي إلى:
أ ـ نشر ندائه إلى الحزب بأكمله، موضحاً معنى القرار الحالي ومرامه.
ب ـ اتخاذ كل الإجراءات المتأتية عن القرار بغية إنجاز تطهير الحزب من الماسونية وقطع كل العلاقات مع عصبة حقوق الإنسان والمواطن، دون تراخٍ وإهمال قبل أول كانون الثاني / يناير 1923. ويعبر المؤتمر عن ثقته بأن اللجنة القيادية ستكون حاظية في عملها التطهيري بدعم أغلبية أعضاء الحزب، إلى أي تكتل انتموا.
وعلى اللجنة القيادية أن تضع لوائح بأسماء جميع الرفاق، في باريس أو في الريف، الذين هم في الحزب ويضطلعون بمناصب مختلفة، حتى مناصب ثقة، في حين يتعاونون أيضاً مع الصحافة البرجوازية، وأن تدعو هذه العناصر إلى القيام بخيار كامل وحاسم، قبل أول كانون الثاني / يناير 1923، بين أجهزة الإفساد البرجوازي للجماهير الشعبية والحزب الثوري لدكتاتورية البروليتاريا.
إن أعضاء الحزب الذين خرقوا النظام الموضوع والمكرر عدة مرات في القرارات الخاصة بالحزب الفرنسي ينبغي أن يحرموا من حق شغل مناصب ثقة خلال عام.
مرشحو الحزب
بغية إعطاء الحزب طابعاً بروليتارياً حقاً وبهدف فصل العناصر التي لا ترى فيه إلا مدخلاً للبرلمان والمجالس البلدية والمجالس العامة، إلخ… من صفوفه، هناك ضرورة لوضع قاعدة لا يمكن خرقها وهي أن لوائح المرشحين المقدمة من الحزب إلى الانتخابات يجب أن تتضمن على الأقل تسعة أعشار من العمال الشيوعيين الذين لا زالوا يعملون حتى الآن في المشغل أو المصنع أو في الحقل، ومن الفلاحين. إن ممثلي المهن الليبرالية لا يمكن أن يقبلوا إلا بمعدل محدد بشكل صارم وهو على الأكثر عُشر العدد الكلي للمقاعد الانتخابية التي يشغلها الحزب أو التي يأمل بشغلها بواسطة أعضائه؛ ويجب فضلاً عن ذلك البرهنة على صرامة مميزة في اختيار المرشحين المنتمين إلى مهن ليبرالية (تحقق دقيق من سوابقهم السياسية، من علاقاتهم الاجتماعية، ومن إخلاصهم وتفانيهم لقضية الطبقة العاملة) عبر لجان بروليتارية أساساً.
في ظل هذا النظام فقط يتوقف البرلمانيون والمستشارون البلديون والعامون والمخاتير الشيوعيون عن أن يكونوا شريحة مهنية لا تملك في أغلب الأحيان إلا صلات ضعيفة بالطبقة العاملة، ويصبحون إحدى أدوات النضال الثوري الجماهيري.
العمل الشيوعي في المستعمرات
يلفت المؤتمر الرابع الانتباه مرة جديدة للأهمية الاستثنائية لنشاط صائب ومنهجي للحزب الشيوعي في المستعمرات. إن الحزب يدين موقف الفرع الشيوعي «لسيدي بن عباس» الذي يغطي بتشدق ماركسي زائف وجهة نظر استعبادية محضة تدعم في الواقع السيطرة الامبريالية للرأسمالية الفرنسية على عبيدها المستعمرين. ويعتبر المؤتمر أن نشاطنا في المستعمرات ينبغي أن يعتمد ليس على عناصر مشبعة بالأفكار المسبقة الرأسمالية والقومية بل على أفضل العناصر من السكان المحليين أنفسهم، وبالدرجة الأولى على الشبيبة البروليتارية المحلية.
إن النضال العنيد للحزب الشيوعي في الحاضرة ضد الاستعباد الاستعماري، والنضال المنهجي في المستعمرات نفسها، يمكنهما وحدهما إضعاف تأثير عناصر غلاة القومية وسط الشعوب المستعمرة المضطهدة على الجماهير الكادحة، وكسب تعاطف هذه الأخيرة إلى قضية البروليتاريا الفرنسية، وعدم منح الرأسمال الفرنسي بتاتاً، في عصر النهوض الثوري للبروليتاريا، إمكانية استخدام السكان المحليين المستعمرين كاحتياط أخير للثورة المضادة.
يدعو المؤتمر العالمي الحزب الفرنسي ولجنته القيادية لإيلاء اهتمام أكبر، وقوة أكبر ووسائل أكبر بكثير مما فعل حتى اليوم، للمسألة الكولونيالية وللدعاوة في المستعمرات، ومن ضمن ذلك إنشاء مكتب دائم للعمل الكولونيالي إلى جانب اللجنة القيادية عبر إدخال ممثلين عن المنظمات الشيوعية المحلية إليها.
قرارات
أ ـ اللجنة القيادية: تشكل اللجنة القيادية، بشكل استثنائي، نظراً للأزمة الحادة التي تسبب بها مؤتمر باريس، على قاعدة النسبية تبعاً لتصويت المؤتمر المتعلق بالأجهزة المركزية.
وتكون نسب مختلف التكتلات على الشكل التالي:
ـ الوسط، عشرة أعضاء مثبتين وثلاثة أعضاء احتياطيين.
ـ اليسار، تسعة أعضاء مثبتين وعضوان احتياطيان.
ـ اتجاه رينولت، أربعة أعضاء مثبتين وعضو احتياطي.
ـ أقلية رينوجان، عضو مثبت.
ـ منظمات الشبيبة، ممثلان بصوت استشاري.
ويشكل المكتب السياسي على القاعدة نفسها، وتحوز التكتلات التالي: الوسط 3 مناصب، اليسار 3، اتجاه رينولت واحد.
يعين أعضاء اللجنة القيادية كما أعضاء المكتب السياسي والهيئات المركزية الهامة من قبل التكتلات في موسكو، من أجل تفادي كل خلاف شخصي يهدد بمفاقمة الأزمة. وتعرض اللائحة الموضوعة على هذه الشاكلة على المؤتمر العالمي الرابع بواسطة الوفد الذي يلتزم بالدفاع عنها أمام الحزب. ويأخذ المؤتمر الرابع علماً بهذا الإعلان معبراً عن قناعته بأن هذه اللائحة هي الإمكانية الوحيدة لحل أزمة الحزب.
إن لائحة اللجنة القيادية هي التي وضعتها التكتلات هي التالية:
الوسط
أعضاء مثبتون: مارسيل كاشين، فروسار، غارشري، غوردو، جاكوب، لاغوس، لوسي لوسياغ، ماران، باكورو، لوي سيلييه.
أعضاء احتياطيون: دوبييه، بياربون، بليه.
اليسار
أعضاء مثبتون: بوشيه، كوردييه، دوموزوا، اميديه دونوا، روسمر، سوفارين، تومازي، ترينت، فايان ـ كوتورييه.
أعضاء احتياطيون: مارت بيغو، سال.
تكتل رينولت
أعضاء مثبتون: بار بوريه، دوبو، فرومون، ويرث.
أعضاء احتياطيون: لسبانيول.
إن مجلساً وطنياً يمتلك سلطات مؤتمر سوف يقر هذه اللائحة في النصف الثاني من كانون الثاني / يناير على أبعد تعديل.
تقوم اللجنة القيادية المؤقتة التي سماها مؤتمر باريس بمهماتها حتى تلك اللحظة.
ب ـ الصحافة ـ يقر المؤتمر نظام الصحافة المقرر سابقاً:
1 ـ تسليم إدارة الصحف للمكتب السياسي؛
2 ـ افتتاحية غير موقعة تحمل كل يوم رأي الحزب إلى القراء؛
3 ـ منع صحافيي الحزب من التعامل مع الصحافة البرجوازية.
ـ إدارة الأومانتيه: مارسيل كاشين.
ـ الأمانة العامة: اميديه دونوا.
ويملك الاثنان سلطات متساوية، أي أن كل خلاف ينشأ بينهما يُنقل إلى المكتب السياسي ويحسم من قبله.
ـ أمانة التحرير: واحد يمثل الوسط وواحد يمثل اليسار.
ـ يُسلّم تحرير النشرة الشيوعية إلى رفيق من اليسار.
ويعاد الرفاق المستقيلون إلى هيئة التحرير.
وللإعداد للمجلس الوطني تفتح صفحة الحزب بشكل حر لكل اتجاه للكتابة فيها.
جـ ـ الأمانة العامة: تؤمن على قاعدة تعادلية التمثيل بين رفيق من الوسط ورفيق من اليسار، ويحسم المكتب السياسي كل خلاف.
أعضاء مثبتون: فروسار وترانت. عضو احتياط بديل لفروسار: لويس سولييه.
د ـ المندوبون إلى التنفيذية: يَعْتبر المؤتمر أن هناك ضرورة مطلقة، من أجل إقامة روابط طبيعية جداً وودية بين اللجنة التنفيذية والحزب الفرنسي، أن يكون التياران الأكثر أهمية ممثلين في موسكو بواسطة الرفاق الأكثر أهلية والأكثر تخويلاً للصلاحيات من جانب اتجاههم، أي الرفيقين فروسار وسوفارين، على الأقل لمدة ثلاثة أشهر، حتى انتهاء الأزمة التي يمر بها الحزب الفرنسي حالياً.
إن تمثيل الحزب الفرنسي في موسكو عبر الرفيقين فروسار وسوفارين يؤكد تأكيداً كاملاً أن كل اقتراح من التنفيذية، بموافقة هذين الرفيقين يحظى بموافقة الحزب بأكمله.
هـ ـ رواتب المتفرغين في الحزب: فيما يتعلق برواتب المتفرغين في الحزب والمحررين إلخ… ينشئ الحزب لجنة خاصة مشكلة من رفاق يحوزون ثقة الحزب المعنوية الكاملة من أجل تسوية هذه المسألة من زاويتين:
1 ـ إبعاد كل إمكانية لتعدد الرواتب التي تثير استياء مشروعاً لدى الجمهور العمالي للحزب؛
2 ـ خلق حالة تسمح للرفاق الذين يكون لعملهم أهمية مطلقة بالنسبة للحزب بتكريس جميع قواهم لخدمة الحزب.
و ـ اللجان: ـ 1 مجلس إداري للأومانيتيه: ستة للوسط خمسة لليسار واثنان لاتجاه رينولت.
تقبل اللجنة بأن يعمل الحزبي بشكل استثنائي أيضاً على صعيد اللجان المهمة.
ـ الأمانة النقابية، أمين عام عن الوسط وأمين عام عن اليسار، ويعالج كل خلاف بينهما المكتب السياسي.
ز ـ حالات متنازع عليها: إن الحالات المتنازع عليها التي تنشأ عند تطبيق قرارات تنظيمية متخذة في موسكو يجب أن تسويها لجنة خاصة مؤلفة من ممثل عن الوسط وممثل عن اليسار ومندوب التنفيذية كرئيس لها.
حـ ـ مناصب محظورة على الماسونيين القدامى: إن ما نعنيه بمناصب محظورة على الماسونيين القدامى إنما هي المناصب التي يملك فيها الأعضاء المثبتون تفويضاً بتمثيل أفكار الحزب أمام الطبقة العاملة بالكلمة والريشة، بشكل مستقل إلى هذا الحد أو ذاك، وعلى مسؤوليتهم الخاصة.
وإذا وجد بين الكتلتين أي خلاف حول تحديد هذه المناصب فإنه يخضع للجنة المشار إليها أعلاه.
وفي حالة الصعوبات التقنية فيما خص إعادة إدخال المحررين المستقيلين تقوم اللجنة المشار إليها أعلاه بتسوية هذه الصعوبات.
تطبق جميع القرارات التي لا تتعلق بتشكيل اللجنة القيادية فوراً.
برنامج عمل وتحرك
الحزب الشيوعي الفرنسي
أولاً ـ إن المهمة الأكثر إلحاحاً للحزب هي تنظيم مقاومة البروليتاريا لهجمة الرأسمال التي تمتد في فرنسا كما في البلدان الصناعية الأخرى. ويشكل الدفاع عن يوم العمل من ثماني ساعات، والحفاظ على الأجور المكتسبة وزيادتها، والنضال من أجل المطالب الاقتصادية اليومية، أفضل برنامج سياسي لتجميع البروليتاريا المشتتة، ولاستعادة ثقتها بقوتها وبمستقبلها. وينبغي أن يأخذ الحزب مباشرة بيده المبادرة إلى تحركات عامة قادرة على إفشال هجمة رأس المال وإعادة مفهوم الوحدة للطبقة العاملة.
ثانياً ـ ينبغي أن يخوض الحزب حملة من أجل توضيح التداخل بين الحفاظ على يوم العمل من ثماني ساعات وحماية الأجور للشغيلة، والانعكاس الحتمي لكل من هذين المطلبين على الآخر. وينبغي أن يدرك كإمكانات تحريضية ليس فقط مكائد أرباب العمل، بل أيضاً الضربات التي توجهها الدولة للمصالح المباشرة للطبقة العاملة، مثل الضريبة على الأجور وكل المسائل الاقتصادية التي تهم الطبقة العاملة، مثل زيادة الإيجارات، وضرائب الاستهلاك والضمانات الاجتماعية، إلخ…
يلتزم الحزب بحملة دعاوية نشطة داخل الطبقة العاملة من أجل إنشاء مجالس مصانع تضم مجموع الشغيلة في كل منشأة، سواء كانت منظمة اقتصادياً أو سياسياً أو غير منظمة، ومعدة تحديداً لممارسة رقابة عمالية على شروط العمل والإنتاج.
ثالثا ـ يجب أن تكون شعارات النضال من أجل المطالب المادية الملحة للبروليتاريا بمثابة وسائل لتحقيق الجبهة المتحدة ضد الرجعية الاقتصادية والسياسية. ويصبح تكتيك الجبهة الواحدة العمالية القاعدة العامة للتحركات الجماهيرية. وينبغي أن يخلق الحزب الشروط الملائمة لنجاح هذا التكتيك بالالتزام بإعداد جدي لتنظيمه الخاص وللعناصر المتعاطفة، عبر كل وسائل الدعاوة والتحريض التي يملكها. الصحافة، والبيانات، والكراريس، والاجتماعات من كل نوع، كل ذلك ينبغي أن يسهم في ها الإعداد الذي سوف يوسعه الحزب ليشمل كل التجمعات البروليتارية التي تضم شيوعيين. وينبغي أن يتوجه الحزب بالنداء للمنظمات العمالية العدوة الهامة، السياسية منها والاقتصادية، بصورة مدوية ودون التوقف عن شرح مقترحاته أو مقترحات الإصلاحيين، والموافقة والرفض من جانب هؤلاء أو أولئك. ولا يتخلى بأي حال من الأحوال عن استقلاليته الكاملة، وحقه في نقد المشاركين في التحرك، ويسعى دائماً لاتخاذ المبادرة والحفاظ عليها والتأثير على كل مبادرة أخرى لصالح برنامجه.
رابعاً ـ وينبغي أن يشكل الحزب، دون إمهال، منظمته للعمل النقابي، لكي يكون على مستوى المشاركة في التحرك العمالي بجميع أشكاله والإسهام في توجيهه أو لعب دور حاسم في بعض الظروف. إن تشكيل اللجان النقابية إلى جانب الاتحادات والفروع (التي تقررها مؤتمرات الأحزاب) والمجموعات الشيوعية في المصانع والمنشآت الكبرى الرأسمالية أو الخاصة بالدولة، يغرس داخل الجماهير العمالية فروعاً للحزب يستطيع هذا الأخير بفضلها أن يبث شعاراته وينمي التأثير الشيوعي على الحركة البروليتارية.
وتُبقي اللجان النقابية، على جميع مستويات بنية الحزب والنقابات، على الصلة مع الشيوعيين الباقين، بموافقة الحزب، في الاتحاد العام للشغل الإصلاحي، وتوجههم في معارضتهم للقادة الرسميين؛ وتسجل أعضاء الحزب النقابيين، وتراقب نشاطهم وتنقل إليهم توجيهات الحزب.
خامساً ـ يقوم العمل الشيوعي في جميع النقابات دون استثناء، بالدرجة الأولى، على النضال من أجل إعادة الوحدة النقابية الضرورية لانتصار البروليتاريا. وينبغي أن يستخدم الشيوعيون كل مناسبة لإظهار الآثار المضرة للانقسام الحالي وللمطالبة بالاندماج. ويحارب الحزب كل ميل لتشتيت العمل، ولتجزئة المنظمة، وللخصوصية المهنية أو المحلية، وللأيديولوجية الفوضوية. وبدعم ضرورة مركزة الحركة وتشكيل منظمات واسعة تبعاً للصناعات، وتنسيق الإضرابات لاستبدال التحركات المحلية أو المحدودة، المقضي عليها مسبقاً بالفشل، بتحركات شاملة قادرة على تغذية ثقة الشغيلة بقواهم. وبالاتحاد العام للشغل الموحد، يحارب الشيوعيون كل ميل مضاد لربط النقابات الفرنسية بالأممية النقابية الحمراء وفي الاتحاد العام للشغل الإصلاحي يشهرون بأممية أمستردام وممارسات التعاون الطبقي لدى القادة. وفي الاتحادين العامين للشغل ينادون بالتظاهرات والتحركات المشتركة، وبالإضرابات المشتركة وبالجبهة الواحدة، وبالوحدة العضوية وبالبرنامج الكامل للأممية النقابية الحمراء.
سادساً ـ ينبغي أن يفيد الحزب من كل تحرك جماهيري عفوي أو منظم يكتسي اتساعاً معيناً من أجل إضاءة الطابع السياسي لكل تحرك طبقي، ويستخدم الشروط الملائمة لنشر شعاراته للنضال السياسي، مثل العفو العام وإلغاء معاهدة فرساي، وانسحاب جيش الاحتلال من الضفة الشمالية للرين، إلخ…
سابعاً ـ ينبغي أن ينتقل النضال ضد معاهدة فرساي ونتائجها إلى رأس اهتمامات الحزب. ويتعلق الأمر بتنشيط البروليتاريتين الفرنسية والألمانية ضد البرجوازية في هذين البلدين، المستفيدة من المعاهدة. ومن أجل ذلك، يكون الواجب الملح للحزب الشيوعي الفرنسي هو تعريف العمال والجنود على الوضع المأساوي لأخوتهم الألمان، المسحوقين تحت الصعوبات المادية للحياة الناجمة أساساً عن نتائج العاهدة. إن الدولة الألمانية لا تلبي متطلبات الحلفاء إلا بتحميل الطبقة العاملة أعباء أكبر. والبرجوازية الفرنسية توفر البرجوازية الألمانية. وتتفاوض معها على حساب العمال، وتشجع مشروعها للاستيلاء على الخدمات العامة وتضمن لها العون والحماية ضد الحركة الثورية. والبرجوازيتان تستعدان لإبرام تحالف الحديد الفرنسي مع الفحم الألماني، وللاتفاق على احتلال الروهر الذي يعني إخضاع عمال مناجم الحوض للعبودية. إن الخطر لا يتهدد فقط المستغلين في الروهر، بل يتعداه إلى الشغيلة الفرنسيين، العاجزين عن تحمّل منافسة اليد العاملة الألمانية التي تحولت بالنسبة للرأسماليين الفرنسيين إلى يد عاملة رخيصة بشكل استثنائي بفعل انخفاض قيمة المارك. وينبغي أن يُفْهِم الحزب الطبقة العاملة الفرنسية هذا الوضع ويحميها من الخطر الداهم. كما ينبغي أن تصف الصافة على الدوام معاناة البروليتاريا الألمانية، ضحية معاهدة فرساي، وتظهر استحالة تحقيق المعاهدة. ويجب القيام بدعاوة خاصة في المناطق المحتلة والمناطق المدمرة، للتشهير بالبرجوازيتين كونهما مسؤولتين عن الأضرار التي تسببها دسائسهما، وتنمية روح التضامن لدى العمال في البلدين. ويجب أن يكون الشعار الشيوعي: تآخي الجنود والعمال الفرنسيين والألمان على الضفة الشمالية للرين. ويلتزم الحزب باتصال وثيق مع الحزب الألماني الشقيق من أجل خوض النضال ضد معاهدة فرساي ونتائجها بشكل ناجح. ويحارب الحزب الامبريالية الفرنسية، ليس فقط من جراء سياستها إزاء ألمانيا، بل في كل مظاهرها على سطح الكرة الأرضية، وخاصة معاهدات سلام سان جرمان، ونويي وتريانون وسيفر.
ثامناً ـ ينبغي أن يتعهد الحزب عملاً منظماً للتغلغل الشيوعي في الجيش ويجب أن تختلف الدعاوة المعادية للنزعة العسكرية بوضوح عن النزعة السلمية البرجوازية الخادعة وتستوحي مبادئ تسليح البروليتاريا ونزع سلاح البرجوازية. ويدعم الشيوعيون في صحافتهم، وفي البرلمان وفي كل مناسبة مؤاتية، مطالب الجنود ويطالبون بالاعتراف بالحقوق السياسية لهؤلاء الأخيرين، إلخ… ويُفترض لدى استنفار فصائل جديدة، والتهديد بحرب، أن يكثف التحريض الثوري المعادي للنزعة العسكرية. ويتم ذلك تحت قيادة هيئة خاصة في الحزب، بمشاركة منظمات الشبيبة الشيوعية.
تاسعاً ـ ينبغي أن يمسك الحزب بقضية الشعوب المستعمرة المستغلة والمضطهدة من قبل الامبريالية الفرنسية، ويدعم مطالبها الوطنية التي تشكل مراحل نحو تحررها من النير الرأسمالي الأجنبي، ويدافع دون تحفظ عن حقها في الاستقلال والحكم الذاتي. فالنضال من أجل حرياتها السياسية والنقابية دون قيود، وضد تجنيد السكان المحليين، وبغية تحقيق مطالب الجنود المحليين، هذه هي المهمات المباشرة للحزب. وينبغي أن يحارب هذا الأخير دون رحمة الميول الرجعية الموجودة حتى بين بعض العناصر العمالية والقائمة على الحد من حقوق السكان المحليين، ويخلق إلى جانب لجنته القيادية جهازاً خاصاً معداً للعمل الشيوعي في المستعمرات.
عاشراً ـ ينبغي أن تترافق الدعاوة داخل طبقة الفلاحين، الساعية إلى كسب أغلبية العمال الزراعيين والمؤاكرين والمزارعين إلى الثورة، وكسب تعاطف صغار الملاكين، مع التحرك من أجل الحصول على أفضل الشروط. إن تحركاً كهذا يفرض أن تضع المنظمات المناطقية للحزب برامج للمطالب المباشرة المتوافقة مع الشروط الخاصة لكل منطقة، وتنشرها. ويجب أن يشجّع الحزب الجمعيات الزراعية، التعاونية والنقابية التي تعاكس الفردية الفلاحية. ويجب أن يثابر بشكل خاص على إنشاء نقابات مهنية بين العمال الزراعيين وتطويرها.
أحد عشر ـ إن العمل الشيوعي بين العاملات هو ذو أهمية أولية ويتطلب منظمة خاصة. وإن لجنة مركزية لدى اللجنة القيادية مع أمانة دائمة، ولجاناً محلية متزايدة دائماً، وهيئة مخصصة للدعاوة النسائية، هي هيئات ضرورية. وينبغي أن يدعم الحزب توحيد المطالب الاقتصادية للعاملات والعمال، ومساواة الأجور للعمل نفسه دون تمييز جنسي، ومشاركة النساء المستغلات في حملات العمال ونضالاتهم.
اثني عشرـ ينبغي تخصيص الجهود الأكثر منهجية والأكثر ثباتاً والتي لم يقم بها الحزب في السابق لتطوير منظمات الشبيبة الشيوعية. ويجب إقامة علاقات متبادلة بين الحزب ومنظمات الشبيبة الشيوعية على جميع المستويات التنظيمية. ومبدئياً، ينبغي أن تتمثل الشبيبة في جميع اللجان المشكلة لدى اللجنة القيادية. ومن واجب الاتحادات، والفروع ودعاويي الحزب تقديم مساعدتهم لمجموعات الشبيبة القائمة، وخلق مجموعات جديدة. إن اللجنة القيادية ملزمة بالسهر على تنمية صحافة منظمات الشبيبة وتأمين منبر لهذه الأخيرة في الصحف المركزية. وينبغي أن يدخل الحزب في النقابات مطالب الشبيبة الشيوعية المتفقة مع برنامجه.
ثلاثة عشر ـ وفي التعاونيات، يدافع الشيوعيون عن مبدأ المنظمة الوطنية الموحدة وينشئون مجموعات شيوعية مرتبطة بالفرع التعاوني للأممية الشيوعية عن طريق لجنة متصلة باللجنة القيادية. وفي كل اتحاد، ينبغي تكريس لجنة خاصة للعمل الشيوعي في التعاونيات. ويبذل الشيوعيون جهدهم لاستخدام النقابات كمعاونة للحركة العمالية.
أربعة عشرـ ينبغي أن يخوض المنتخبون في البرلمان، والبلديات، إلخ… النضال الأكثر نشاطاً والمرتبط بشكل وثيق بالنضالات العمالية والحملات التي يقودها الحزب ومنظماته النقابية خارج البرلمان. وينبغي أن يستخدم الحزب النواب الشيوعيين الموجودين تحت رقابة اللجنة لمركزية للحزب وقيادتها، والمستشارين الشيوعيين في البلديات العمومية وبلديات المناطق الإدارية الموجودين تحت رقابة الفروع والاتحادات وقيادتها، كوكلاء تحريض دعاوة، انسجاماً مع موضوعات المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية.
خمسة عشر ـ ينبغي للحزب كي يرتفع إلى مستوى المهام التي رسمها برنامجه والمؤتمرات الوطنية والعالمية، ولكي يكون أهلاً لتحقيقها، أن يحسن تنظيمه ويعززه اقتداء بالأحزاب الشيوعية الكبرى في البلدان الأخرى وبقواعد الأممية الشيوعية. وتلزمه مركزية صارمة، وانضباط حديدي، وخضوع وثيق من جانب كل عضو في الحزب وكل هيئة إلى الهيئة الأعلى. وهناك ضرورة أيضاً لتطوير التثقيف الماركسي للمناضلين عبر مضاعفة الدروس النظرية بشكل منظم في الفروع وفتح مدارس حزبية، على أن تكون هذه الدروس وهذه المدارس تحت قيادة لجنة مركزية للجنة القيادية.
قرار حول المسألة الإيطالية
لقد سبق واهتم المؤتمران الثاني والثالث بالمسألة الإيطالية بالتفصيل. فالمؤتمر الرابع قادر إذاً على استخلاص بعض الاستنتاجات.
كان الوضع في ايطاليا، نحو نهاية الحرب الامبريالية العالمية، ثورياً موضوعياً. فقد كانت البرجوازية تخلت عن زمام السلطة، وكان جهاز الدولة البرجوازية معطلاً، والقلق قد استولى على الطبقة المسيطرة. وكانت الجماهير العمالية تعبة من الحرب، وفي مناطق مختلفة كانت حتى في حالة انتفاضة. وأجزاء هامة من طبقة الفلاحين بدأت بالنهوض ضد الملاكين العقاريين وضد الدولة وأبدت استعدادها لدعم الطبقة العاملة في نضالها الثوري. وكان الجنود ضد الحرب ومستعدين للتآخي مع العمال.
إن الظروف الموضوعية لثورة ظافرة كانت محققة. ولم يكن مفتقداً إلا العامل الذاتي؛ كان ينقص حزب عمالي حازم، جاهز للمعركة، واع لقوته، وثوري، وبكلمة واحدة حزب شيوعي حقيقي.
وبشكل عام، وبنهاية الحرب، وجد وضع مماثل في جميع البلدان التي شاركت بالحرب. وإذا لم تنتصر الطبقة العاملة عامي 1919 ـ 1920 في البلدان الأكثر أهمية، فهذا عائداً تحديداً لغياب حزب عمالي ثوري. وهذا ما ظهر أكثر بشكل خاص في إيطاليا، البلد الذي كان أقرب إلى الثورة والذي يمر حالياً بمرحلة ثورة مضادة.
لقد شكل احتلال المصانع من قبل العمال الإيطاليين، في خريف 1920، لحظة حاسمة في تطور الصراع الطبقي في إيطاليا. كان العمال الإيطاليون، يدفعون غريزياً باتجاه حل الأزمة حلاً ثورياً. ولكن غياب الحزب العمالي الثوري قرر مصير الطبقة العاملة، وكرس هزيمتها وأعد لانتصار الفاشية الحالي. ولم تستطع الطبقة العاملة أن تجد قوى كافية، في ذروة حركتها، للاستيلاء على السلطة؛ ولهذا نجحت البرجوازية سريعاً بشخص الفاشية، جناحها الأكثر نشاطاً، بطرح الطبقة العاملة أرضاً وبإقامة دكتاتوريتها. ولم يقدم البرهان على عظمة الدور التاريخي للحزب الشيوعي من أجل الثورة العالمية في أي مكان بشكل أكثر وضوحاً مما في هذا البلد. حيث بغياب هكذا حزب، اتخذ مسار الأحداث مجرى ملائماً للبرجوازية.
هذا لا يعني أنه لم يوجد في إيطاليا، خلال هذه السنوات الحاسمة، حزب عمالي. فالحزب الاشتراكي القديم كان هاماً بعدد أعضائه، ويتمتع، خارجياً على الأقل، بتأثير كبير. ولكنه كان يؤوي بداخله عناصر إصلاحية تشله في كل خطوة. وعلى الرغم من الانشقاق الأول الذي وقع عام 1912 (طرد أقصى اليمين) وفي عام 1914 (طرد الماسونيين) بقي في الحزب الاشتراكي الإيطالي في عامي 1919 ـ 1920، عدد كبير من الإصلاحيين والوسطيين. وفي جميع اللحظات الحاسمة كان الإصلاحيون والوسطيون مثل كرة حديدية في قدمي الحزب. ولم يكونوا في أي مكان سوى عملاء للبرجوازية في معسكر الطبقة العاملة.
ولم يعدموا أي وسيلة لخيانة الطبقة العاملة لصالح البرجوازية. وخيانات مماثلة لتلك التي ارتكبت من قبل الإصلاحيين خلال احتلال المصانع عام 1920 نصادفها مراراً في تاريخ الإصلاحية، الذي ليس سوى سلسلة متواصلة من الخيانات. إن العذابات المخيفة للطبقة العاملة الإيطالية عائدة بالدرجة الأولى إلى خيانات الإصلاحيين.
وإذا كانت الطبقة العاملة الإيطالية مجبرة في هذه اللحظة على معاودة طريق صعب اجتيازه بشكل مخيف، ومن البداية، فذلك لأنه جرى التسامح مع الإصلاحيين لفترة طويلة في الحزب الإيطالي.
حدثت في بداية 1921 القطيعة بين أغلبية الحزب الاشتراكي والأممية الشيوعية. وفي ليفورن، فضل الوسط الانفصال عن الأممية الشيوعية وعن 58.000 شيوعي إيطالي، لكي لا يقطع ببساطة مع 16.000 إصلاحي. وتشكل حزبان: من جهة الحزب الشيوعي الشاب الذي على الرغم من كل شجاعته ومن كل إخلاصه، كان أضعف جداً من أن يقود الطبقة العاملة إلى النصر، ومن جهة ثانية، الحزب الاشتراكي القديم الذي تنامى فيه، بعد ليفورن، التأثير المفسد للإصلاحيين. لقد كانت الطبقة العاملة منقسمة ودون موارد. وبمساعدة الإصلاحيين وطدت البرجوازية مواقعها. وعندها فقط بدأت هجمة رأس المال في المجالين الاقتصادي والسياسي. وكان يلزم تقريباً عامان كاملان من الخيانات المتواصلة من جانب الإصلاحيين، لكي يعترف حتى القادة الوسطيون، تحت ضغط الجماهير، بأخطائهم ويعلنوا استعدادهم لتحمل نتائجها.
ولم يُطرد الإصلاحيون من الحزب الاشتراكي إلا في مؤتمر روما، في تشرين الأول / أكتوبر 1922. وكنا قد وصلنا إلى الوضع الذي كان بإمكان القادة الإصلاحيين فيه أن يتباهوا علناً بأنهم نجحوا في تخريب الثورة ببقائهم في الحزب الاشتراكي وبشلهم عمله في الساعات الحاسمة. لقد ترك الإصلاحيون الآن صفوف الحزب الاشتراكي الإيطالي وانتقلوا علناً إلى معسكر البرجوازية. وتركوا مع ذلك شعوراً بالضعف وبالمهانة وبخيبة الأمل لدى الجماهير وأضعفوا الحزب الاشتراكي بشكل كبير، عددياً وسياسياً.
ينبغي أن يفيد هذا الدرس المحزن، البناء جداً، للأحداث في إيطاليا جميع العمال الواعين في العالم أجمع.
1) الإصلاحية: تلك هي العدو.
2) إن تردد الوسطيين يشكل خطراً قاتلاً لأي حزب عمالي.
3) إن الشرط الأكثر أهمية لانتصار البروليتاريا، هو وجود حزب شيوعي واعٍ ومتماسك.
هذه هي دروس المأساة الإيطالية.
* * *
بالنظر إلى القرار الذي طرد بموجبه مؤتمر الحزب الاشتراكي الإيطالي في روما (تشرين الأول / أكتوبر 1922) الإصلاحيين من الحزب وأعلن استعداده للانتساب دون تحفظ إلى الأممية الشيوعية، يقرر المؤتمر الرابع للأممية الشيوعية:
1 ـ إن الوضع العام في إيطاليا، خاصة بعد انتصار الرجعية الفاشية، يفترض اندماجاً لجميع القوى الثورية للبروليتاريا. وسيستعيد العمال الإيطاليون الشجاعة إذا رأوا أن تركزاً جديداً لكل القوى الثورية يحدث بعد الهزائم والانشقاقات.
2 ـ توجه الأممية الشيوعية إلى البروليتاريا الإيطالية، التي عانت معاناة شديدة، تحياتها الأخوية. وهي مقتنعة كلياً بإخلاص العناصر البروليتارية في الحزب الاشتراكي الإيطالي، وتقرر قبول هذا الحزب في الأممية الشيوعية.
3 ـ يعتبر المؤتمر العالمي الرابع أن تنفيذ الشروط الأحد والعشرين أمر لا نقاش فيه. ويكلف التنفيذية في الأممية الشيوعية إذاً بسبب السوابق الإيطالية، بالسهر على تطبيق هذه الشروط مع كل النتائج المتأتية عنها، بعناية خاصة.
4 ـ ونظراً لأن النائب فيلا أعلن في مؤتمر الحزب في روما عدم القبول بالشروط الأحد والعشرين، فإن المؤتمر الرابع يرى استحالة قبول فيلا وأنصاره في الأممية الشيوعية، ويدعو اللجنة القيادية للحزب الاشتراكي الإيطالي إلى طرد فيلا وأنصاره من الحزب.
5 ـ حيث أنه بمقتضى الأنظمة الداخلية للأممية الشيوعية، لا يمكن أن يكون هناك أكثر من فرع للأممية الشيوعية في بلد واحد، فإن المؤتمر العالمي الرابع يقرر الاندماج الفوري للحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي الإيطالي. ويحمل الحزب الموحد اسم «الحزب الشيوعي الموحد في إيطاليا (فرع الأممية الشيوعية)».
6 ـ ومن أجل التحقيق العلمي لهذا الاندماج يعين المؤتمر الرابع لجنة تنظيمية خاصة، مؤلفة من عضوين عن كل حزب، لجنة تعمل برئاسة عضو من التنفيذية.
وانتخب إلى هذه اللجنة التنظيمية: الرفيقان بورديغا وتاسكا عن الحزب الشيوعي، وسيراتي ومافي عن الحزب الاشتراكي، وزينوفييف عن التنفيذية (مع حق التنفيذية باستبدال زينوفييف عند الحاجة بعضو آخر من التنفيذية، كما الأعضاء الأربعة الآخرين في اللجنة). وينبغي أن تصوغ هذه اللجنة، من الآن وفي موسكو، الشروط المفصلة للاندماج في إيطاليا. وهي خاضعة في عملها بأكمله إلى التنفيذية.
7 ـ في مختلف المناطق والمدن الكبرى، تشكل لجان تنظيمية مماثلة أيضاً، وتتألف كل منها من عضوين عن الحزب الشيوعي (واحد من الأكثرية، وواحد من الأقلية) وعضوين عن الحزب الاشتراكي (واحد عن الماكسماليين وواحد عن الأمميين الثالثيين) ويسمي ممثل التنفيذية رئيس هذه اللجان.
8 ـ تكون مهمة هذه اللجان التنظيمية ليس فقط الإعداد للاندماج العضوي بين الحزبين في المركز والأطراف بل أيضاً قيادة تحركاتهما السياسية المشتركة من الآن وصاعداً.
9 ـ تضاف إلى ذلك لجنة نقابية تشكل فوراً وتكون مهمتها فضح خيانة رجال أمستردام وكسب أغلبية المنظمة إلى الأممية النقابية الحمراء، وذلك في اتحاد لافورو (CONFERAZIONE DEL LAVORO). وتكون هذه اللجنة مؤلفة من ممثلين عن كل حزب أيضاً (واحد من الأغلبية في الحزب الشيوعي، وواحد من الأقلية؛ واحد من الماكسيماليين وواحد من الأميين الثالثيين، برئاسة رفيق تعينه التنفيذية في الأممية الشيوعية أو مجلسها الرئاسي.
10 ـ في المدن حيث توجد جريدة شيوعية أو جريدة اشتراكية ينبغي أن تدمجا في أول كانون الثاني / يناير 1923 على أبعد تعديل. ينبغي في أول كانون الثاني / يناير 1923 أن تبدأ جريدة مركزية مشتركة بالصدور. وتعين اللجنة التنفيذية هيئة تحرير هذه الجريدة المركزية، في العام القادم.
11 ـ ينبغي أن يعقد المؤتمر الاندماجي في 15 شباط / فبراير 1923 على أبعد تعديل. وإذا كان هناك ضرورة لعقد مؤتمرات خاصة للحزبين قبل هذا المؤتمر المشترك فإن التنفيذية هي التي تقرر التاريخ والمكان وشروط هذه المؤتمرات.
12 ـ يقرر المؤتمر إصدار بيان حول مسألة الاندماج، بيان ينبغي أن ينشر فوراً بتوقيع المجلس الرئاسي ومندوبين عن الحزبين إلى المؤتمر الرابع.
13 ـ يذكِّر المؤتمر جميع الرفاق الإيطاليين بضرورة الانضباط الأكثر صرامة. وعلى جميع الرفاق دون استثناء أن يقوموا بكل ما في وسعهم من أجل أن يتم هذا الاندماج دون إعاقة وبأقرب وقت. وكل خطأ بحق الانضباط يشكل في الظرف الحالي جريمة بحق البروليتاريا الإيطالية والأممية الشيوعية.
قرار حول المسألة التشيكوسلوفاكية
أولاً: المعارضة
كان طرد الرفاق ييليك وبولين، إلخ، نتيجة الانتهاكات المتكررة للانضباط التي كان هؤلاء الرفاق مسؤولين عنها في الحزب. فعندما قدم ممثلهم الرفيق ييليك، كما ممثل قيادة الحزب، الرفيق سميرال، موافقتهما في موسكو على قرار يؤكد أنه لا يوجد أي اختلاف أساسي في الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي، وينتقد في الوقت نفسه النقص في الممارسة في عدد من المسائل، كان من واجب جميع الرفاق الذين يعترفون بهذا النقص في الممارسة هذا، أن يعملوا من أجل تجاوزه.
وعلى العكس، فرضت المعارضة وجود جريدة للتكتل، KOMMUNISTA، متعارضة بذلك مع قرار المؤتمر الثالث الذي يمنع التكتلات. وقبل بضعة أيام من اجتماع لجنة كونفرنس الحزب قامت المعارضة بانتهاك صريح للانضباط إذ أطلقت على الرغم من تحذير القيادة نداء يدعم أخطر الاتهامات ضد اللجنة القيادية. وبرفضها سحب هذه الاتهامات، أثارت العارضة بشكل خاص اللجنة وكونفرنس الحزب وتسببت بذلك بطردها.
وأمام الأممية بأكملها، أطلقت المعارضة اتهاماً ضد الأغلبية وضد سميرال، قائلة إنهما يعملان من أجل ائتلاف حكومي مع العناصر اليسارية من البرجوازية. وهذا الاتهام يتناقض مع التحرك العلني للحزب وينبغي الإقرار بأنه غير مبرر إطلاقاً. وفي برنامج المعارضة، كما عبَّر عنه فاجتوير، هناك مطالب ذات طابع نقابوي وفوضوي ولا علاقة لها بالمفاهيم الماركسية.
وواقع أن المعارضة تتضامن مع هذا البرنامج يثبت أنها لا تمثل في المسائل الأساسية سوى تحريف فوضوي ـ نقابوي لمبادئ الأممية الشيوعية.
مع ذلك، فإن المؤتمر الرابع الذي يرى أنه من غير المناسب طرد المعارضة فإنه يعيد إدخالها مع اللوم وتعليق مهامها حتى المؤتمر القادم للحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي. ولا يجب أن يفسَّر المؤتمر بعدم التصديق على طرد المعارضة، بسبب عدم ملاءمته، على أنه يعني تأييد مسلك المعارضة وبرنامجها. فهذا القرار تمليه الاعتبارات التالية: لقد أهملت قيادة الحزب سابقاً أن تشرح للمعارضة أن تشكيل هيئة تكتلية غير مقبول، لذلك اعتقدت المعارضة أن من حقها النضال من أجل وجود هكذا هيئة. وتركت قيادة الحزب سلسلة من الأعمال غير الانضباطية تتم وأضعفت على هذه الشاكلة الشعور بضرورة الانضباط والشعور بالمسؤولية لدى المعارضة. إن المؤتمر الرابع يستبقي الرفاق المطرودين في الحزب، إذا اعترفت المعارضة بضرورة الوفاء بالتزاماتها بشكل صارم، وإذا خضعت دون احتجاج لانضباط الحزب.
إن هذا الخضوع يلزم المعارضة بالتخلي عن تأكيداتها واتهاماتها التي تخرب وحدة الحزب، والتي أكدت أبحاث اللجنة أنها دون أساس وخاطئة. ويجبرها على إطاعة جميع أوامر اللجنة القيادية. وعندما يعتبر أي رفيق أنه مغبون في حقوقه، فليس عليه إلا التوجه إلى الهيئات المختصة في الحزب (اللجنة التنفيذية، والكونفرنس الوطني)، وبالدرجة الأخيرة إلى هيئات الرقابة في الأممية الشيوعية. وحتى قرار الهيئة الأعلى، على كل واحد أن يخضع لقرار المنظمة الحزبية.
ثانياً: الصحافة
ينبغي أن توجه الصحافة اللجنة القيادية للحزب حصراً. ومن غير المقبول أن تسمح الجريدة المركزية الحزبية لنفسها ليس فقط بخوض سياسة خاصة بل أن تعتبر ذلك من حقها. وحتى عندما تظن هيئة التحرير أن القيادة المسؤولة قد ارتكبت خطأ في حالة ملموسة، فمن واجبها أن تخضع للقرار المعني. إن مهمة المحرِّر لا تشكل سلطة أعلى، بل إنها تخضع مثل جميع المهام الحزبية للجنة القيادية. هذا لا يعني أنه ليس من حق المحررين أن يعبروا عن الاختلافات الفكرية في مقالات سجالية موقعة بأسمائهم. إن النقاش حول المسائل الحزبية يجب أن يجري في الصحافة المشتركة للحزب، ومع ذلك لا يجب أن يتم بالشكل الذي يتهدد الانضباط بالخطر. وينبغي أن تعدّ اللجنة القيادية وجميع المنظمات الحزبية أعمالها بنقاش داخل المنظمات.
ثالثاً: عيوب الحزب
يقر المؤتمر الرابع موضوعات التنفيذية الموسعة في تموز / يوليو، التي أشارت إلى عيوب الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي والتي أعلنت أنها ناجمة عن انتقال الحزب من الاشتراكية ـ الديمقراطية إلى الشيوعية. وواقع أنه تم الاعتراف بهذه العيوب من قبل اللجنة القيادية كما من قبل المعارضة يفرض عليهما واجب العمل بحرارة لتصحيحها. ويؤكد المؤتمر أن الحزب يتقدم ببطء شديد في إزالة عيوبه؛ كما أن الحزب لم يفكر بشكل كاف بنشر الأفكار الشيوعية بين الجنود التشيكوسلوفاكيين علماً أن شرعيته وواقع أن الجنود التشيكيين لهم الحق بالتصويت يسمحان له بذلك.
يفرض المؤتمر الرابع على الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي أن يكرس نفسه أكثر مما فعل حتى الوقت الحاضر لمسألة البطالة. ونظراً لانتشار البطالة والوضع المزعزع للعاطلين عن العمل، من واجب الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي ألا يكتفي بهذه التظاهرة أو تلك، بل أن يخوض تحريضاً منظماً وعملاً تظاهرياً منهجياً بين العاطلين عن العمل في جميع البلدان. وعليه واجب أن يناضل بالشكل الأكثر حيوية من أجل مصالح العاطلين عن العمل سواء في البرلمان أو في المجالس البلدية، وبتنسيق العمل البرلماني مع عمل النقابات في الشارع.
ينبغي أن يأخذ العمل البرلماني طابعاً أثر إقناعاً بكثير، وينبغي أن يعرض للجماهير، بشكل واضح، موقف الحزب الشيوعي إزاء سياسة الطبقة المسيطرة، ويمنحها إرادة كسب السلطة داخل الدولة.
ونظراً للنضالات الاقتصادية الكبرى التي تجري في تشيكوسلوفاكيا والتي يمكن أن تتحول في كل يوم إلى نضال سياسي، ينبغي أن يعاد تنظيم اللجنة القيادية بشكل تستطيع معه أن تتخذ سريعاً موقفاً من كل مسألة. وينبغي أن تحافظ منظمات الحزب ويحافظ أعضاؤه، دون تردد، على الانضباط.
إن مسألتي الجبهة الواحدة والحكومة العمالية قد حلها الحزب لحسن الحظ. ورفضت قيادة الحزب، بحق، بعض الأخطاء، من مثل مفهوم الرفيق فوتافا الذي يميل، بصدد الحكومة العمالية، إلى إنشاء تركيبة برلمانية محضة. وينبغي أن يعلم الحزب أن أي حكومة عمالية ليست ممكنة إلا إذا نجحنا في إقناع جماهير العمال الاشتراكيين ـ الوطنيين، والاشتراكيين ـ الديمقراطيين وغير المهتمين، عبر تحريض واسع ونشط، بضرورة القطع مع البرجوازية، وفي أن نفصل عنها جزءاً من الفلاحين والبرجوازية الصغيرة يعانون من غلاء المعيشة، ونجندهم في صفوف الجبهة المعادية للرأسمالية؛ وضمن هذا الهدف ينبغي أن يتدخل الحزب في كل صراع بمحاولات حاسمة من أجل توسيع هذه الصراعات، في كل مرة يكون ذلك ممكناً بغية ترسيخ الشعور لدى الجماهير بأن الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي هو مركز الجذب نحو الجبهة الواحدة لكل العناصر المعادية للرأسمالية.
ومن أجل أن تتمكن الحكومة العمالية من أن تتشكل ومن أجل صيانتها ينبغي أن يركز الحزب جميع قواه ويجمع العمال المطرودين من نقابات أمستردام في نقابات قوية. وعليه على الأقل أن يكسب جزءاً من العمال والفلاحين من أجل الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة. وبهذه الطريقة يتم تفادي ولادة الفاشية التي تمهد الطريق لاضطهاد الطبقة العاملة عن طريق العنف المسلح للبرجوازية.
لذلك ينبغي أن ترتبط الدعاوة والنضال من أجل الحكومة العمالية دائماً بالدعاوة والنضال من أجل أجهزة جماهير البروليتاريا (لجان الدفاع، لجان الرقابة، ومجالس المنشآت). وهناك ضرورة أيضاً لعرض برنامج الحكومة العمالية أمام أنظار العمال (تحميل الملاكين أعباء الدولة، رقابة الأجهزة العمالية على الإنتاج، تسليح البروليتاريا). هناك ضرورة لإظهار الفرق بين الائتلاف الاشتراكي ـ الديمقراطي البرجوازي والحكومة العمالية المستندة إلى أجهزة البروليتاريا أمام العمال.
على جميع أعضاء الحزب أن يتآزروا في هذا العمل. وليس بث الاتهامات الخاطئة وعدم الثقة بقادة الحزب، بل النقد المنطقي لعيوبهم، والعمل اليومي والإيجابي من أجل إصلاحها، هو الذي سيجعل من الحزب حزباً شيوعياً حقيقياً قادراً على إنجاز المهام التي تطرحها عليه الأحداث في تشيكوسلوفاكيا.
قرار حول المسألة النرويجية
بعد الإطلاع على تقرير اللجنة يقرر المؤتمر:
1 ـ ينبغي أن تولي اللجنة المركزية للحزب النرويجي الشقيق اهتمامها كاملاً لضرورة تطبيق قرارات الأممية بدقة أكبر وكذلك قرارات مؤتمراته وأجهزته التنفيذية. وفي الأجهزة الحزبية، كما في نصوص قرارات الهيئات القيادية للحزب، لا يجب أن يكون هناك أي شك حول حق الأممية الشيوعية بالتدخل في الشؤون الداخلية للفروع الوطنية.
2 ـ يطلب المؤتمر أن يكون الحزب، بعد عام من مؤتمره الوطني القادم، منظماً من جديد على قاعدة القبول الفردي. وينبغي أن يتم إعلام التنفيذية دورياً ومرة على الأقل كل شهرين بالإجراءات العملية لهذا الاتجاه ونتائجها.
3 ـ في ما خص محتوى الصحافة فإن الحزب مجبر على تطبيق قرارات المؤتمرات العالمية السابقة فوراً والتوجيهات المتضمنة في رسالة التنفيذية بتاريخ 23 أيلول / سبتمبر الماضي. ويجب تغيير أسماء الصحف الحزبية الاشتراكية ـ الديمقراطية خلال ثلاثة أشهر انطلاقاً من يوم اختتام مؤتمر الأممية الشيوعية.
4 ـ يؤكد المؤتمر صحة وجهة نظر التنفيذية التي أشارت إلى الأخطاء البرلمانية لممثلي الحزب. ويرى المؤتمر أنه يجب على البرلمانيين الشيوعيين أن يخضعوا، بشكل طبيعي، لرقابة صحافته ونقدها؛ غير أن هذا النقد يجب أن يستند إلى وقائع ويحمل طابعاً رفاقياً.
5 ـ يعتبر المؤتمر أنه من المسموح به والضروري في النضال ضد البرجوازية استغلال العداوات بين مختلف شرائح البرجوازية النرويجية وبشكل خاص أكثر العداوات بين الرأسمال الكبير وأنصار الإصلاح الزراعي من جهة والطبقة الفلاحية من جهة ثانية. إن النضال من أجل كسب الجماهير الفلاحية يجب أن يشكل إحدى المهام الأساسية للحزب البروليتاري في النرويج.
6 ـ يؤكد المؤتمر مرة أخرى ضرورة خضوع التكتل البرلماني كما أجهزة الصحافة الحزبية للجنة المركزية للحزب بشكل دائم ودون تحفظ.
7 ـ إن مجموعة «موت داغ»، وهي تجمع مغلق، قد حُلَّت، ووجود مجموعة طلاب شيوعيين مفتوحة لجميع الطلاب الشيوعيين والحفاظ عليها هو مقبول بشكل كامل بطبيعة الحال، وتحت الرقابة الكاملة للقيادة المركزية. وتصبح النشرة الدورية «موت داغ» جريدة الحزب شرط أن تحدد تشكيل هيئة تحريرها اللجنة المركزية للحزب العمالي النرويجي، بالاتفاق مع تنفيذية الأممية الشيوعية.
8 ـ يستجيب المؤتمر لطلب استئناف الرفيق هـ. أولسين، وبما أن الأمر يتعلق برفيق قديم ومخلص في الحزب العمالي ويعمل دائماً بشكل نشط جداً في هذا الحزب، فإن المؤتمر يعيده إلى الحزب مع جميع حقوق العضو الحزبي ولكنه يسجل في الوقت نفسه بوضوح خطأ موقفه في مؤتمر اتحاد عمال المعادن.
9 ـ يقرر المؤتمر طرد كارل جوهانسن من صفوف الأممية الشيوعية ومن الحزب العمالي النرويجي.
10 ـ وبهدف إقامة أفضل ارتباط بين الحزب النرويجي والتنفيذية ولحل النزاعات بأقل احتكاكات ممكنة يكلف المؤتمر التنفيذية القادمة بإرسال مندوبين إلى المؤتمر القادم للحزب.
11 ـ يكلف المؤتمر التنفيذية بصياغة رسالة توضح القرار الحالي.
12 ـ ينبغي أن ينشر هذا القرار كما رسالة التنفيذية في جميع صحف الحزب وتكون بمتناول جميع منظمات الحزب قبل انتخابات الممثلين إلى المؤتمر الوطني القادم.
قرار حول إسبانيا
1 ـ إن الحزب الشيوعي الإسباني، الذي صوّت في دورة التنفيذية الموسعة في شباط / فبراير مع فرنسا وإيطاليا ضد تكتيك الجبهة الواحدة، لم يتأخر بالاعتراف بخطأه، ومنذ شهر أيار / مايو، بمناسبة إضراب مصانع الصلب الكبير، يشرح، ليس بانضباط شكل بل بفهم، واقتناع وذكاء، تكتيك الجبهة الواحدة. وهذا العمل يثبت للطبقة العاملة الإسبانية أن الحزب مستعد للنضال من أجل مطالبه اليومية وقادر على جذب الطبقة العاملة إليه بوقوفه في طليعة المعركة.
وإذ يستمر في هذا الطريق، ويستوعب كل إمكانات التحرك من أجل دعوة مجموع المنظمات العمالية إليه ومن أجل جذب البروليتاريا ومن أجل قيادته، فإن الحزب الشيوعي الإسباني يكسب ثقة الجماهير ويؤدي رسالته التاريخية عبر توحيد جهودها الثورية.
2 ـ إن المؤتمر العالمي الرابع سعيد بأن يشهد أزمة عدم الانضباط التي خربت الحزب في بداية العام قد انتهت لحسن الحظ بتعزيز الانضباط الداخلي للحزب. وهو يدعو الحزب للاستمرار في هذا الطريق ويدعو الشبيبة، بشكل خاص، للمشاركة بكل قواها في تعزيز الانضباط الداخلي هذا.
3 ـ إن خاصية الحركة العمالية الإسبانية هي حالياً تفكك في الإيديولوجية والحركة النقابية ـ الفوضوية. هذه الحركة التي نجحت، منذ عدة سنوات بتجميع أوسع الجماهير العمالية وقيادتها، قد خيبت آمالهم وإرادتهم الثورية عبر استخدام التكتيك الفوضوي للعمل الفردي والإرهاب والفيدرالية، أي تفتيت التحرك، وليس التكتيك الماركسي والشيوعي للتحرك الجماهيري والتنظيم الممركز للنضال.
واليوم تمضي الجماهير العمالية الخائبة في حال سبيلها ويتزحلق القادة الذين ضللوها بسرعة نحو الإصلاحية.
إن إحدى المهام الأساسية للحزب الشيوعي هي كسب الجماهير العمالية المخيَّبة الآمال وكسبها وجذب العناصر الفوضوية ـ النقابية التي تتنبّأ لخطأ عقيدتها عبر رفض الإصلاحية الجديدة للقادة النقابيين.
ولكن ضمن هذا الجهد لكسب ثقة العناصر الفوضوية ـ النقابية ينبغي أن يتفادى الحزب الشيوعي أن يقوم بتنازلات مبدئية وتكتيكية لإيديولوجيتها، المدانة بتجربة البروليتاريا الإسبانية نفسها. وينبغي أن يحارب في صفوفه الاتجاهات التي تريد، حول هذه النقطة وبهدف كسب النقابيين بسرعة أكبر، سوق الحزب في طريق التنازلات، وينبغي أن يدينها. ومن المفضل أن يتم استيعاب العناصر النقابية ببطء أكبر لكن أن تكون هذه العناصر مكسوبة حقاً للقضية الشيوعية، أكثر مما هي مكسوبة بسرعة على حساب انحراف للحزب يُعدّ هذا الأخير في مستقبل قريب لأزمات جديدة ومضنية. ويجب أن يوضح الحزب الإسباني للفوضويين ـ النقابيين التكتيك الثوري للبرلمانية بشكل خاص ويفهمهم إياه كما حدده المؤتمر الثاني للأممية. إن العمل الانتخابي هو بالنسبة للحزب الشيوعي وسيلة للدعاوة ولنضال الجماهير العمالية، وليس ملجأ للوصوليين الإصلاحيين أو للبرجوازيين ـ الصغار.
إن تطبيقاً متكرراً لتكتيك الجبهة الواحدة يكسب ثقة الجماهير التي لا زالت تحت تأثير الإيديولوجية الفوضوية ـ النقابية ويثبت لها أن الحزب الشيوعي هو منظمة سياسية للمعركة الثورية للبروليتاريا.
4 ـ ينبغي أن تجذب الحركة النقابية الإسبانية بشكل خاص انتباه حزبنا وجهده. وينبغي أن يقوم الحزب الشيوعي بدعاوة مكثفة ومنهجية في جميع المنظمات النقابية، من أجل وحدة الحركة النقابية في إسبانيا. ومن أجل خوض هذا التحرك إلى النهاية، يجب أن يعتمد على شبكة من الأنوية الشيوعية في جميع النقابات التي تنتمي إلى الاتحاد الوطني والاتحاد العام، وفي جميع النقابات المستقلة. عليه إذا أن يرفض كل فكرة أو ميل يدعو إلى الخروج من النقابات الإصلاحية وأن يحاربه. وإذا طردت نقابات أو مجموعات شيوعية من النقابات الإصلاحية على الشيوعيين تفادي إرضاء رغبات انشقاقيي أمستردام عن طرق الخروج بدافع التضامن، بل على العكس يجب أن يظهروا تضامنهم وهم باقون داخل الاتحاد العام للشغل (U.G.T) وبمحاربتهم من أجل إعادة إدخال المطرودين وبشكل نشط. وإذا بقيت هناك مجموعات ونقابات مطرودة على الرغم من هذه الجهود المستمرة، فعلى الحزب الشيوعي أن يدعوها للدخول إلى الاتحاد الوطني للشغل (C.N.T)، وينبغي أن يشكل الشيوعيون المنتسبون إلى الاتحاد الوطني للشغل أنويتهم المرتبطة باللجنة النقابية للحزب وهم يتعاونون دون شك بكل رفاقية مع النقابيين المناصرين للأممية النقابية الحمراء وغير المنتمين إلى الحزب. لكنهم يحفظون تنظيمهم الخاص ولا يتنازلون عن وجهة نظرهم الشيوعية ويناقشون بشكل أخوي مع النقابيين في المسائل التي يمكن أن يكون عليها خلافات.
ولخوض النضال من أجل الوحدة النقابية إلى النهاية ينشئ الحزب الشيوعي لجنة مختلطة من أجل وحدة الحركة النقابية الاسبانية تكون في الوقت نفسه مركزاً للدعاوة ومركزاً لالتقاء النقابات المستقلة التي تنضم إلى مبدأ الوحدة. ويثابر الحزب على إفهام الجماهير العمالية في إسبانيا أن الطموحات والمصالح المحلية للقادة النقابيين الإصلاحيين أو الفوضويين النقابيين هي وحدها التي تتعارض مع الوحدة النقابية ـ التي هي على درجة عالية من الأهمية بالنسبة للمصلحة الحيوية والضرورية للطبقة العاملة من أجل تحريرها الكامل من نير الرأسمالية.
قرار حول المسألة اليوغوسلافية
لقد تشكل الحزب الشيوعي اليوغوسلافي في المنظمات الاشتراكية ـ الديمقراطية سابقاً في المقاطعات التي تشكل يوغوسلافيا حالياً؛ وكان إنشاؤه نتيجة طرد عناصر يمينية ووسطية وانتسابه إلى الأممية الشيوعية في مؤتمر بوكوفار عام 1920. وقد حفز الغليان الثوري الذي اجتاح أوروبا الوسطى آنذاك (تقدم الجيش الأحمر نحو فرصوفيا، احتلال مصانع المعادن في إيطاليا، والإضرابات العفوية في يوغوسلافيا) انطلاقة الحزب الشيوعي. وفي وقت قصير، أصبح الحزب منظمة كبيرة تمارس تأثيراً هاماً على الجماهير العمالية والفلاحية. وكانت نتائج الانتخابات البلدية حيث كسب الحزب بلديات عديدة (من ضمنها بلدية بلغراد) وكذلك نتائج الانتخابات البرلمانية، حيث كسب الحزب 59 مقعداً، برهاناً على ذلك. إن هذه الانطلاقة المُهدِّدة للحزب الشيوعي أحدثت صدمة في صفوف الأوليغارشية العسكرية والمالية، التي خاضت نضالاً منظماً من أجل إزالة الحركة الشيوعية. فبعد قمع إضراب عمال السكك الحديدية (نيسان / أبريل 1920) طُرد الأعضاء الشيوعيون في مجلس بلدية أغرام من قبل هذه الأوليغارشية؛ وحلت بلدية بلغراد الشيوعية (آب / أغسطس 1920) وفي 29 أيلول / سبتمبر أعلن مرسوم خاص حل جميع المنظمات الشيوعية والنقابية، وأَغلق جميع الصحف الشيوعية وسلم النوادي الشيوعية إلى الاشتراكيين ـ الوطنيين. وفي شهر حزيران / يونيو صدر قانون الدفاع عن أمن الدولة، الذي اعتبر الحزب خارج القانون، وطرده من آخر معاقله، البرلمان والبلديات.
عدا الأسباب الموضوعية المتأنية من الوضع العام للحزب، فإن إلغاء الحزب الشيوعي اليوغوسلافي ينبغي أن يعزى بجزء كبير منه إلى ضعفه الداخلي: فاندفاعه الخارجي لم يتلاءم لا مع تطور التنظيم ولا تجانسه ولا مستوى الوعي الشيوعي لأعضائه. ولم يكن لدى الحزب الوقت الكافي لإنجاز تطوره باتجاه الشيوعية. وفي الساعة الحالية، بديهي أن ترتكب الهيئة القيادية للحزب سلسلة أخطاء خطيرة عائدة إلى فهمه الخاطئ لأساليب النضال التي أملتها الأممية. وقد سهلت هذه الأخطاء مهمة الحكومة المعادية للثورة. وفيما كانت الجماهير العمالية، بإضراباتها العفوية، تبدي نشاطها وإرادتها الثورية، برهن الحزب عن مبادرة ضعيفة جداً. وهكذا في عام 1920 عندما منعت الشرطة إضراب أول أيار / مايو في بلغراد لم تحاول اللجنة المركزية حتى أن تدفع الجماهير للاحتجاج. وحصل الشيء نفسه في السنة اللاحقة. وكذلك لم يتخذ الحزب أي إجراء للدفاع عن أعضاء المجلسين البلديين في اغرام وبلغراد الذين طردوا من البلديتين: لقد شجعت سلبيته الحكومة ومنحتها جرأة للذهاب إلى النهاية. وفي الواقع، استغلت هذه الأخيرة في نهاية كانون الأول / ديسمبر إضراب عمال المناجم من أجل المبادرة إلى حل الحزب والنقابات. وحتى في تلك اللحظة الحرجة لم يقم الحزب، الذي حاز 59 مقعداً في الانتخابات البرلمانية، بأي تحرك جماهيري !
وإذا كان الحزب قد بقي سلبياً إزاء الضربات الرهيبة التي وجهتها إليه الرجعية، فذلك لأنه يفتقد قاعدة شيوعية صلبة. فالمفاهيم الاشتراكية ـ الديمقراطية الهرمة كانت لا تزال تنيخ بثقلها عليه وعلى الرغم من أن الحزب قد انتسب إلى الأممية الشيوعية (مما يظهر أن الجماهير كانت مستعدة للنضال)، فإن قادته لم يكونوا يشعرون بعد بالارتياح إلى الطريق الجديد. وهكذا لم يجرؤوا على نشر الشروط الأحد والعشرين التي تبناها المؤتمر العالمي الثاني، ولا الموضوعات حول البرلمانية الثورية كذلك. وهكذا كان الحزب والجماهير التي تتبعه يجهلون تماماً المتطلبات التي كانت تطرحها الأممية الشيوعية على الأحزاب التي ترغب في الدخول إليها. ولم يتخذ قادة الحزب كذلك أي إجراء جدي من أجل إعداد الحزب والجماهير للنضال في جميع الميادين ضد الرجعية المُهدِّدة. وركزوا كل انتباههم على الانتصارات الانتخابية وحرصوا على عدم إخافة العناصر البرجوازية الصغيرة عن طريق إرشادها إلى ماهية حزب شيوعي وماهية أساليبه النضالية. وفيما كانت الأوليغارشية العسكرية والمالية في بلغراد تعد نفسها للنضال الحاسم والذي لا رحمة فيه والساخط ضد الحركة الثورية العمالية، كرست اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوغوسلافي انتباهها وكل قواها لمسائل ثانوية، من مثل البرلمانية، وتركت الحزب غير منظم ومعرضاً لكل الضربات. وكان ذلك هو الخطأ الأساسي.
لقد ظهر الحزب اليوغسلافي عاجزاً بشكل كامل، وغير قادر على الدفاع عن نفسه ضد الإرهاب الأبيض. لم يكن يملك منظمات سرية تسمح له بالتحرك في الظروف الجديدة وبالحفاظ على علاقة بالجماهير. فحتى حل المجموعة البرلمانية، كان النواب الشيوعيون هم الرابط الوحيد بين المركز والمقاطعات. وقد قطع هذا الرابط بحل المجموعة البرلمانية. وضرب توقيف القادة الأساسيين في المركز والريف الحركة. وتبعاً لذلك توقف الحزب عن الوجود تقريباً. وطال المصير نفسه المنظمات المحلية التي تخلى عنها العمال الذين تركوا يواجهون مصيرهم. وحاول الاشتراكيون ـ الديمقراطيون، بمساعدة الشرطة، استغلال هذا الوضع ولكن دون كبير نجاح.
في ظل نظام الإرهاب، حددت الهيئة المركزية للحزب شيئاً فشيئاً أشكالاً جديدة للتنظيم ووسائل جديدة للنضال أملتها الظروف الجديدة. لقد بقيت سلبية لفترة طويلة بانتظار أن يتوقف الإرهاب من تلقاء نفسه دون تدخل نشط من الجماهير البروليتارية، وكانت تراهن تقريباً بشكل حصري على صراعات أهلية محتملة بين الطبقات والأحزاب الحاكمة. وفقط عندما قضي على الأقل بالعفو العام المنتظر للشيوعيين المحاكمين، بدأت اللجنة المركزية بإعادة تنظيم نفسها، بغية إعادة الحزب إلى الحياة. وفقط في تموز / يوليو 1922 عقدت اللجنة المركزية دورتها الأولى الموسعة بكامل أعضائها في فيينا. ويستحق كونفرنس فيينا أن توجه إليه التحية كمحاولة أولى لإعادة إحياء الحزب على الرغم من عيوب تشكيله وموقفه من الأنظمة الداخلية للحزب. إن الشروط التي وجد فيها البلد آنذاك والتغييرات التي تمت في تشكيل الحزب بعد التوقيفات بحق أعضائه وخيانة البعض الآخر وخاصة سلبيته على امتداد عام ونصف، لم تكن تسمح بتوقع تمثيل حقيقي للحزب في هذا الكونفرنس. لهذا فإن اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية تتصرف بشكل عاقل إذ اعترفت بمجموعة مندوبي كونفرنس فيينا ـ الذي ثبتت قراراته، بعد إدخال بعض التعديلات المبررة تماماً بصدد تشكيل اللجنة المركزية الجديدة ـ على أنها تمثل الحزب اليوغسلافي بشكل كاف بتكليف منه. لذلك فإن محاولة بعض الرفاق اليوغسلافيين إفشال الكونفرنس برفضهم المشاركة به يجب أن تعتبر على الرغم من صدق نوايا هؤلاء الرفاق، مضرة بمصالح الحزب، وتبعاً لذلك مدانة.
إن قرارات كونفرنس فيينا حول الوضع العام في يوغوسلافيا والمهام القادمة للحزب الشيوعي، وحول الحركة المهيمنة، وإعادة تنظيم الحزب، وقرار الكونفرنس الثالث للاتحاد الشيوعي البلقاني، التي أقرتها اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية دون تحفظ، لم تتسبب بأي خلاف أساسي بين ممثلي الأكثرية والأغلبية. وهذا الإجماع في المسائل الأساسية في اللحظة الحالية هو برهان مقنع بأنه ليس هناك سبب لشق الحزب اليوغوسلافي إلى تكتلات تحت اسم الأغلبية والأقلية وبأن الانشقاق الذي حدث في كونفرنس فيينا بين المجموعات القيادية حدث لأسباب شخصية حصراً. وفي مرحلة انبعاث الحزب ينبغي أن يعتبر ككل واحد يملك وحدة داخلية كاملة.
وينبغي الحفاظ على هذه الوحدة في المستقبل. وبمواجهة الرجعية الرأسمالية والاشتراكية ـ الديمقراطية الساخطة، لا يمكن أن يكون هناك شيء مضر بالحزب وبالحركة الثورية اليوغسلافية أكثر من الانشقاقية. لهذا من واجب اللجنة اليوغوسلافية أن تعمل ما بمستطاعها لاتخاذ الإجراءات الضرورية الخاصة بتهدئة النفوس داخل الحزب، وبتبديد عدم الثقة الشخصية، وبإعادة إحياء الثقة المتبادلة بين أعضاء الحزب والتوفيق بين جميع الأعضاء الذين بقوا في مراكزهم وتعرضوا لمصاعب الثورة المضادة.
ولهذا الغرض، هناك ضرورة لتنفيذ قرارات كونفرنس فيينا في ما يتعلق بتطهير الحزب من عناصره غير الكفوءة من جهة، وبتسليم مناضلي الأقلية في كونفرنس برن أعمالاً هامة من جهة ثانية. وفي هذا المجال يستطيع الاتحاد الشيوعي البلقاني أن يكون معيناً ثميناً؛ ولكن لأجل ذلك هناك ضرورة للدخول في علاقة معه، وعلى مثال الأحزاب الشيوعية البلقانية الأخرى، ينبغي إرسال ممثل إلى اللجنة التنفيذية لاتحاد البلقان فوراً.
ينبغي أن تساعد الأممية الشيوعية بإنهاض الحزب اليوغوسلافي بشكل نشط كما لم تقم به حتى الوقت الحاضر، وتحافظ على علاقة وثيقة مع اللجنة المركزية للحزب اليوغوسلافي. ولكن مستقبل الحزب هو بشكل خاص بين أيدي مناضلين نشطين أصحاء سياسياً وأخلاقياً. فعليهم تعتمد الأممية الشيوعية وإليهم تتوجه. فهؤلاء المناضلون، الأغنياء بتجربة قاسية لمستقبل قريب، وجيدو التنظيم والموحدون ضمن المثال الأعلى نفسه والذين يحركهم إيمان حار بانتصار الثورة العالمية، سيكونون قادرين على توحيد وجمع العناصر البروليتارية المشتتة والتي لا قيادة لها وراءهم، وعلى تنظيم القطاع اليوغوسلافي للاتحاد الشيوعي البلقاني. إن المؤتمر يكلف اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية باتخاذ جميع الإجراءات التنظيمية التي تفرضها الأحداث.
قرار حول الحزب الدانمركي
1 ـ يعلن المؤتمر أن الحزب الشيوعي في الدانمرك والذي تشكل باندماج الـ «ENHATSPARTI» الشيوعي مع أحد تكتلات الحزب القديم، بالانسجام مع توجيهات اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية، والذي نفذ بإخلاص جميع قرارات الأممية الشيوعية، هو حزب معترف به كفرع وحيد للأممية الشيوعية في الدانمرك. وجريدته المركزية، أربيدر بلادتي، والصحف الأخرى التي يعترف بها هذا الحزب، تعتبر وحدها صحفاً شيوعية حزبية.
2 ـ يطلب المؤتمر من جميع المنظمات الشيوعية التي بقيت خارج هذا الحزب الموحد الانتساب إليه.
والمنظمات والأعضاء في الحزب القديم، الذين يعلنون استعدادهم خلال ثلاثة أشهر للانتساب إلى الحزب الشيوعي الموحد ولتنفيذ جميع قرارات هذا الحزب ولجنته القيادية كما قرارات الأممية الشيوعية بإخلاص، ينبغي أن يقبلوا في هذا الحزب دون صعوبة.
قرار حول أيرلندا
يحتج المؤتمر الرابع للأممية الشيوعية بشدة على إعدام خمسة ثوريين وطنيين، الذي جرى في 17 و25 تشرين الثاني / نوفمبر بأمر من دولة أيرلندا الحرة. ويلفت انتباه جميع الشغيلة في العالم إلى هذا العمل الوحشي الذي يتوّج الإرهاب الشرس الذي يعيث فساداً في ايرلندا. فقد تم اعتقال أكثر من 6000 شخص من الذين قاتلوا الامبريالية البريطانية ببطولة؛ واضطرت العديد من النساء للقيام بإضراب عن الطعام في السجن، وأقيمت 1800 محاكمة خلال خمس سنوات من النضال ضد هذا الإرهاب الذي تخطى بوحشيته الأعمال الوحشية لجماعة إرهاب «BLACK AND TANS» والفاشيين الايطاليين أو الـ «TRUST THUGS» في أميركا. إن الدولة الحرة التي استخدمت دون تردد المدفعية والعتاد الحربي الذي قدمه الانكليز، والبنادق والقنابل وحتى الطائرات المعدة برشاشات ضد الناس كما ضد الثوريين، قد توجت كل آثامها بالإعدام الوحشي لخمسة أشخاص لمجرد أنهم يمتلكون أسلحة ـ إن هذا الإعدام هو في الواقع عمل يائس وإثبات مباشر لإفلاس الدولة الحرة التي تقوم بمحاولة أخيرة لكسر مقاومة الجماهير الايرلندية المقاتلة ضد العبودية التي تريد الإمبراطورية البريطانية أن تفرضها عليها. ولا يمكن أن يهزم الجمهوريون إلا عبر حكومة إرهابية إمبريالية لا تتردّد في استخدام الوسائل الأكثر وحشية ضد الحركة العمالية الإيرلندية ما أن تسعى هذه الأخيرة للوصول إلى السلطة أو لتحسين شروط معيشتها. وهذا، لا شك، ما حدث في ايرلندا، فقد ارتكبت أغلبية حزب العمال، بقيادة جونسون، بدعمها لهذه الإعدامات، الخيانة الأكثر إجراماً التي يمكن أن تقترفها بحق الطبقة العاملة، هذا في الوقت الذي تحتج فيه الصحيفة الرأسمالية الأكثر رجعية في ايرلندا، التي طالبت عام 1916 بدم كونوللي بإلحاح، ضد هذا العمل البربري للحكومة. إن الأممية الشيوعية تحذر الطبقة العاملة الايرلندية من خيانات المثل الأعلى لكونوللي ولاركين، وتشير للشغيلة والفلاحين الايرلنديين بأن المخرج الوحيد من إرهاب الدولة الحرة والاضطهاد الإمبريالي هو في النضال المنظم القائم على التنسيق سواء في المجال السياسي أو الصناعي أو في المجال العسكري. وإذا لم يعزز النضال المسلح ويدعم بالعمل السياسي والاقتصادي فسيؤدي حتماً إلى الهزيمة. وكي تكون الجماهير ظافرة ينبغي أن تعبأ ضد الدولة الحرة، الأمر الذي ليس ممكناً إلا على قاعدة برنامج اجتماعي للحزب الشيوعي الايرلندي.
ترسل الأممية الشيوعية تحياتها الأخوية إلى الثوريين الإيرلنديين الذين يناضلون من أجل تحرير بلدهم، وهي مقتنعة بأنهم سيسيرون قريباً في الطريق المؤدي إلى الحرية الحقيقية، طريق الشيوعية. وستدعم الأممية الشيوعية كل الجهود الهادفة لتنظيم النضال ضد هذا الخطأ ولمساعدة العمال والفلاحين الإيرلنديين لإحراز النصر.
عاش النضال الوطني لايرلندا من أجل استقلالها !
عاشت جمهورية ايرلندا العمالية !
عاشت الأممية الشيوعية !
قرار حول الحزب الاشتراكي في مصر
1 ـ لقد برهن تقرير مندوبي الحزب الاشتراكي في مصر، المعروف أمام اللجنة، على أن هذا الحزب يمثل حركة ثورية جدية منسجمة مع الحركة العامة للأممية الشيوعية.
2 ـ تعتبر اللجنة مع ذلك أن انتساب الحزب الاشتراكي في مصر مؤجل حتى ما يلي:
أ ـ طرد بعض العناصر غير المرغوب فيها؛
ب ـ الدعوة إلى مؤتمر حيث تتم المبادرة إلى ضم كل العناصر الشيوعية الموجودة في هذا البلد خارج الحزب الاشتراكي في مصر إليه، وحيث يتم القبول بالشروط الأحد والعشرين للأممية الشيوعية؛
ج ـ تغيير اسمه وجعله الحزب الشيوعي في مصر.
3 ـ إن الحزب الاشتراكي في مصر مدعو إذاً للدعوة إلى مؤتمر ضمن الأهداف المشار إليها أعلاه بأقرب وقت ممكن، وفي 15 كانون الثاني / يناير 1923 على أبعد تقدير.
(1) الموضوعات المنشورة مباشرة بعد هذا النص.
(2) اللجاف، قطعة داعمة توضع عمودياً وتحفظ المسافة الثابتة بين الخطوط الحديدية (م).
(3) حسب قانون لينش (م).
الفهرس
تنبيه 5
ملخص تاريخي 7
المؤتمر الأول
رسالة دعوة للحزب الشيوعي الألماني (عصبة سبارتاكوس) إلى المؤتمر الأول للأممية الشيوعية 27
خطاب لينين الافتتاحي 34
خطاب لينين حول موضوعاته 45
قرار حول الموقف من التيارات الاشتراكية وكونفرنس برن 50
إعلان من المشاركين بكونفرنس زيمرفالد في مؤتمر الأممية الشيوعية 56
قرارات متعلقة بتجمع زيمرفالد 57
برنامج الأممية الشيوعية 59
موضوعات حول الوضع العالمي وسياسة التحالف 67
قرار حول الإرهاب الأبيض 75
خطاب الرفيق تروتسكي 78
خطاب لينين الاختتامي 82
بيان الأممية الشيوعية إلى بروليتاريي العالم أجمع! 83
المؤتمر الثاني
الأنظمة الداخلية للأممية الشيوعية 97
شروط قبول الأحزاب في الأممية الشيوعية 103
المهام الرئيسية للأممية الشيوعية 109
قرار حول دور الحزب الشيوعي في الثورة البروليتارية 124
الحركة النقابية ولجان المعامل والمصانع 133
موضوعات وإضافات حول المسألة القومية ومسألة المستعمرات 141
موضوعات حول المسألة الزراعية 150
الحزب الشيوعي والبرلمانية 161
بيان المؤتمر: العالم الرأسمالي والأممية الشيوعية 171
المؤتمر الثالث
موضوعات حول الوضع العالمي ومهمة للأممية الشيوعية 203
موضوعة حول التكتيك 225
انهيار الأممية الثانية والأممية ½ 2 253
قرار حول تقرير اللجنة التنفيذية 256
موضوعات حول بنية الأحزاب الشيوعية وأساليبها وعملها 259
قرار حول تنظيم الأممية الشيوعية 293
قرار حول تحرك آذار (مارس) 295
موضوعات حول تكتيك الحزب الشيوعي الروسي 296
قرار حول تكتيك الحزب الشيوعي في روسيا 305
الأممية الشيوعية والأممية النقابية الحمراء 306
موضوعات حول عمل الشيوعيين في التعاونيات 321
قرار للأممية الشيوعية حول العمل في التعاونيات 324
قرار حول الأممية الشيوعية وحركة الشبيبة الشيوعية 325
رسالة حول ماكس هولز 329
بيان اللجنة التنفيذية للأممية 330
موضوعات للدعاوة بين النساء 338
قرار متعلق بالعلاقات الأممية بين النساء الشيوعيات والأمانة النسائية للأممية الشيوعية 355
قرار متعلق بأشكال العمل الشيوعي بين النساء وأساليبه 356
المؤتمر الرابع
قرار حول تكتيك الأممية الشيوعية 361
موضوعات حول وحدة الجبهة البروليتارية 374
قرار حول تقرير اللجنة التنفيذية 384
قرار حول برنامج الأممية الشيوعية 385
قرار حول الثورة الروسية 386
قرار حول معاهدة فرساي 389
موضوعات حول العمل الشيوعي في الحركة النقابية 395
موضوعات عامة حول المسألة الشرقية 403
برنامج العمل الزراعي 415
قرار حول التعاون 421
موضوعات حول المسألة الزنجية 125
قرار حول أممية الشبيبة الشيوعية 429
قرار حول العمل النسائي 434
قرار حول مسألة التثقيف 436
قرار حول المساندة البروليتارية لروسيا السوفياتية 440
قرار حول إعادة تنظيم التنفيذية ونشاطها المستقبلي 443
قرار حول المسألة الفرنسية 448
برنامج عمل وتحرك الحزب الشيوعي الفرنسي 461
قرار حول المسألة الايطالية 466
قرار حول المسألة التشيكوسلوفاكية 471
قرار حول المسألة النرويجية 475
قرار حول اسبانيا 477
قرار حول المسألة اليوغسلافية 480
قرار حول الحزب الدانمركي 484
قرار حول أيرلندا 485
قرار حول الحزب الاشتراكي في مصر 486
(1) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(2) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(3) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(4) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(5) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(6) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(7) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(8) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(9) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(10) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(11) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(12) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(13) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(14) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(15) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(16) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(17) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(18) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(19) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(20) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(21) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(22) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(23) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(24) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(25) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(26) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(27) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(28) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(29) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(30) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة
(31) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة