الأربعاء يوليو 23, 2025
الأربعاء, يوليو 23, 2025

القضية الدرزية في سوريا

سورياالقضية الدرزية في سوريا

✍🏾 فابيو بوسكو

في 11 يوليو/ تموز 2025، هاجمت مجموعة من البدو تاجر خضار كان يسير على الطريق السريع الواصل بين مدينة السويداء والعاصمة دمشق. تعرض التاجر للاعتداء وسُرقت بضاعته.
في اليوم التالي، اختطفت ميليشيات درزية ثمانية أشخاص من البدو، لتقوم ميليشيات بدوية باختطاف خمسة دروز. تدهور الوضع بشدة مع تزايد عمليات الاختطاف وإطلاق النار في مدينة السويداء ومحيطها. (I)
في 14 يوليو/ تموز، تدخلت قوات الأمن والجيش التابعة للحكومة الوطنية لفرض سيطرتها على المحافظة، مدّعيةً استعادة النظام العام. كان هذا التدخل كارثة سياسية. قاومت الميليشيات الدرزية هذا التدخل، فتضاعف عدد القتلى والجرحى، من بين انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان، ارتكبتها جميع الأطراف، سواء الميليشيات المحلية – الدرزية والبدوية – أو قوات الحكومة الوطنية. أظهر التدخل مرة أخرى وجود السلفيين الطائفيين داخل قوات الأمن، مما ساهم في تأجيج مناخ الحرب بين الطوائف.
في 16 يوليو/ تموز، قصف الجيش الإسرائيلي قوات حكومية في السويداء، بالإضافة إلى قيادة الأركان السورية والقصر الرئاسي في دمشق، مدعياً الدفاع عن الدروز. إضافةً إلى ذلك، دخل حوالي ألف درزي يقيمون في فلسطين والأراضي السورية المحتلة إلى الأراضي السورية غير المحتلة لدعم الميليشيات الدرزية.
في اليوم نفسه، جددت الحكومة الوطنية تأكيد اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه مع زعماء الدروز المحليين غير المعادين لدمشق، وسلمتهم السيطرة على المنطقة وسحبت جميع القوات الوطنية اعتباراً من منتصف الليل.
حتى مع انسحاب القوات الوطنية، لا يزال الصراع المحلي مستمراً. ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره لندن، قُتل أكثر من 500 شخص منذ الحادي عشر من الشهر، معظمهم مقاتلون من القوات المحلية والوطنية. ومع ذلك، هناك 154 مدنياً، 83 منهم أُعدموا تعسفياً على يد قوات الحكومة الوطنية.

الدروز والبدو يتصارعون على الأرض

تقع محافظة السويداء جنوب سوريا على الحدود مع الأردن، التي لطالما أهملتها الحكومات الوطنية. ويتمثل النشاط الاقتصادي الرئيسي فيها في الزراعة، ولكن في السنوات الأخيرة من حكم الأسد، ازدهرت عمليات التهريب، وخاصةً تهريب مخدر الكبتاغون. غالبية السكان من الدروز، وهي ديانة تنحدر من الطائفتين الشيعية والإسماعيلية. كما تضم المحافظة ست قبائل بدوية رئيسية، من المسلمين والمسيحيين.
تعود الصراعات بين الطائفتين إلى ما قبل سقوط النظام، ويعتمد حلها على ضمان حق الجميع في الحصول على الأرض من خلال الإصلاح الزراعي وحوافز الإنتاج الزراعي. علاوة على ذلك، يجب محاكمة جميع المتورطين في أعمال انتقامية ومعاقبتهم، ونزع سلاح الميليشيات المرتبطة بتجارة المخدرات.
سيواجه أي نوع من الإصلاح الزراعي معارضة من كبار ملاك الأراضي، سواء كانوا دروزاً أو بدواً، ومن الميليشيات المرتبطة بالاتجار والتهريب على الحدود. حتى الآن، لم يصدر أي موقف مؤيد للإصلاح الزراعي من الحكومة الوطنية.
يعتمد تحقيق الإصلاح الزراعي على نضال الفلاحين الفقراء، سواء كانوا دروزاً أو بدواً، بالتحالف مع عمال المدن والشباب.

صهيونية درزية؟

ينقسم الدروز في سوريا حول دمشق وإسرائيل. فمن جهة، هناك قادة دينيون بارزون، كالشيخ يوسف جربوع وميليشيا رجال الكرامة بقيادة ليث البلعوس، الذين يدعون إلى الاندماج الكامل في سوريا الجديدة ويعارضون أي تدخل إسرائيلي. ومن جهة أخرى، هناك الشيخ حكمت الهجري ومجلس السويداء العسكري (الذي يضم 160 ميليشيا)، الذين يعارضون دمشق ويتحالفون مع الدولة الصهيونية.
دعا الشيخ الهجري إلى تدخل أجنبي في سوريا في أبريل/ نيسان، وهو الآن يعارض تدخل الحكومة الوطنية في السويداء، ويدعو إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ويصرح بأن “العدو ليس في إسرائيل، بل في دمشق”، دعمًا للهجمات الإسرائيلية. ورغم أن موقفه يمثل أقلية بين الدروز، إلا أن التدخل الكارثي للحكومة الوطنية في السويداء عزز شعبيته. وهناك مقاطع فيديو متداولة على الإنترنت تُظهر علماً إسرائيلياً بين أعلام الدروز. هذا الموقف من الشيخ الهجري أكسبه لقب “أنطوان لحد السوري”. قاد لحد “جيش لبنان الجنوبي” سيئ السمعة، وهي ميليشيا ممولة ومسلحة من إسرائيل، عملت في جنوب لبنان واحتلته من عام ١٩٧٥ حتى عام ٢٠٠٠، عندما طُردت القوات الإسرائيلية من لبنان وفرّ لحد إلى إسرائيل. تعاون لحد مع الاحتلال الإسرائيلي وعدوانه على لبنان، وحوكم بتهمة الخيانة من قبل القضاء اللبناني. (II)
خارج سوريا، ينقسم الدروز أيضاً. ففي لبنان، يتبنى الزعيم الدرزي الرئيسي، وليد جنبلاط، موقفاً معادياً لإسرائيل. في المقابل، يوجد في فلسطين المحتلة ما يقرب من ١٥٠ ألف درزي يحملون الجنسية الإسرائيلية ويشاركون بشكل كبير في الجيش الإسرائيلي. ولا يزال هناك ما يقرب من ٢٦ ألف درزي سوري في مرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل عام ١٩٦٧. ترفض الغالبية العظمى منهم الجنسية الإسرائيلية، ويدّعون أنهم مواطنون سوريون يعيشون تحت الاحتلال. في 16 يوليو/ تموز، وفي خضمّ القتال في السويداء، دخل نحو ألف درزي، مسلحين وغير مسلحين، الأراضي السورية لدعم الدروز في السويداء. ولا تتوفر معلومات تؤكد ما إذا كانت غالبيتهم من الصهاينة أم من السوريين المقيمين في مرتفعات الجولان المحتلة.

إسرائيل وتقسيم سوريا

كان هناك اتفاقية عدم اعتداء بين اسرائيل ونظام الأسد منذ عام ١٩٧٤. عملياً، حمى الأسد الحدود الإسرائيلية من أي عمل معادٍ للصهيونية. علاوة على ذلك، هناك أدلة على أن الأسد نقل معلومات إلى الإسرائيليين حول مواقع مستودعات وقوافل أسلحة في الأراضي السورية. لذلك، لم تدعم دولة إسرائيل سقوط الأسد.
بعد سقوطه، أدركت إسرائيل أن إعادة إعمار سوريا ستضعها في المستقبل على مسار تصادمي مع الفظائع الصهيونية. لذلك، دمّرت جميع مستودعات الأسلحة السورية، بالإضافة إلى القواعد الجوية ومباني أجهزة المخابرات. علاوة على ذلك، ضغطت على الولايات المتحدة للحفاظ على العقوبات المفروضة على سوريا والإبقاء على قوات في شمال شرق البلاد لتعزيز تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ إسرائيلي (في الجنوب)، ونفوذ أمريكي (في الشمال الشرقي)، ونفوذ روسي على الساحل.
مع ذلك، وتحت ضغط حلفائه السعوديين والأتراك، رفع ترامب العقوبات، وخفّض عدد القوات، ولم يُعطِ إسرائيل الضوء الأخضر للسعي وراء خطة التقسيم. علاوة على ذلك، أوعز إلى إسرائيل بالسعي إلى مفاوضات لتطبيع العلاقات مع سوريا. هذا لا يعني أن ترامب لا يتفق مع طموحات إسرائيل في أن تصبح القوة الإقليمية الوحيدة التي يجب على جميع الدول الخضوع لها والاستيلاء على الأراضي العربية وفقاً لمصالحها.
في هذه المفاوضات، سعت الحكومة السورية إلى تجديد التزامات عدم الاعتداء التي قطعها الأسد عام ١٩٧٤. وعلى العكس من ذلك، تُريد إسرائيل استسلاماً من دمشق، والتفاوض على مرتفعات الجولان، ونزع سلاح جنوب البلاد، والسماح بشن غارات إسرائيلية على الأراضي السورية (كما سمح الأسد والروس)، وفتح مكتب إسرائيلي في دمشق.
دون اتفاق، قصفت إسرائيل السويداء ودمشق في السادس عشر من الشهر. ويبقى هدفها تقسيم سوريا، وفصل الجنوب والشمال الشرقي عن باقي البلاد بدعم من الدروز والأكراد.
ورغم معارضة جميع حكومات المنطقة للعدوان الإسرائيلي، لكن هذه الحكومات ملتزمة بالدبلوماسية كسقف للاحتجاج على الممارسات والارتكابات الإسرائيلية. هذا الأسبوع، أعربت تركيا، أحد الحلفاء الرئيسيين للحكومة السورية الجديدة، عن عدم استعدادها لدعم أي مواجهة عسكرية مع إسرائيل، وذلك عبر وزير خارجيتها، هاكان فيدان. (III)


مهدي عامل ضد الدولة الطائفية

تُعدّ الصيغة الإسرائيلية لتقسيم سوريا إلى محميات صغيرة صيغةً استعمارية كلاسيكية. طبّقها الإمبراطور يوليوس قيصر للسيطرة على ويلز، وطبّقتها الإمبريالية البريطانية لاستعمار الهند.
في المنطقة، طبّقتها الإمبريالية الفرنسية لفصل لبنان عن سوريا. ثم، للحفاظ على هيمنتها، طبّقت نظام الحكم الطائفي (في إشارة إلى الطوائف الدينية). في النظام الطائفي، يُمثّل كل فرد من قِبل زعماء طائفته الدينية. وقد نظّر ميشال شيحا، وهو زعيم برجوازي لبناني، لهذه المسألة، مؤكدًا أنه لا توجد طبقات اجتماعية في لبنان، بل طوائف دينية فقط.
انتقد مهدي عامل، أحد أبرز المثقفين الماركسيين العرب وعضو الحزب الشيوعي اللبناني، موقف شيحا، مشيراً إلى أن تقسيم الشعب اللبناني إلى طوائف دينية ليس “طبيعياً”، بل هو بناء تاريخي يهدف إلى الحفاظ على سيطرة الاستعمار والبرجوازية على الطبقة العاملة. بالنسبة لعامل، يجب على الطبقة العاملة أن ترفض المصالحة الطبقية داخل الطوائف، وأن تحارب الدولة الطائفية من خلال أساليب ومناهج الثورة الاشتراكية.

متفقاً مع عامل، كتب الصحفي السوري فيكتوريوس شمس:

“ما يحدث اليوم في سوريا ودول الربيع العربي يُشبه في بعض جوانبه ما حققه لبنان بعد سنوات طويلة من الحرب الأهلية. بمعنى آخر، تعمل الرأسمالية على إعادة إنتاج التاريخ بما يضمن استمرارية مصالحها. لذلك، في سوريا وهذه الدول، تُثار مسألة الانقسام على أسس طائفية وقبلية ومناطقية وغيرها على خلفية هذه الحروب الرأسمالية المتوحشة ذات التكاليف البشرية الباهظة، كأحد الحلول الممكنة التي تُشرذم شعوب المنطقة وتمنع وحدتها وتطورها إلى قوى سياسية قادرة على قلب الموازين وإنهاء الأنظمة الكومبرادورية الاستعمارية القائمة.” (IV)
إن نموذج الدولة الطائفية، القائم على الهوية الدينية، لن يخدم مصالح الطبقة العاملة السورية. بل على العكس، لن يؤدي إلا إلى تعزيز هيمنتها، ولذلك يجب مكافحته.

جمعية تأسيسية بانتخابات حرة لتقرير مستقبل البلاد

تُظهر الصراعات في السويداء أن ديكتاتورية دمشق ليست حلاً، وتتعارض مع أهداف الثورة السورية. كما يُظهر نموذج الدولة الطائفية في لبنان (وكذلك في العراق) أنها ليست حلاً أيضاً.
يجب أن تُحسم ديمقراطياً صيغة ضمان وحدة أراضي سوريا من التدخل الأجنبي، وإقامة علاقة بين الحكومة والبرلمان الوطني مع المحافظات الأربع عشرة، وضمان حق الشعب الكردي في تقرير مصيره، من خلال جمعية تأسيسية بانتخابات حرة.
لم يُناقش الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المؤقت أحمد الشرع في 13 مارس/ آذار 2025 ولم يُقرّ من قبل الشعب
لإنشاء جمعية تأسيسية، لا بد من إقرار جميع الأحزاب التي تتفق مع أهداف الثورة والدعوة إلى انتخابات هذا العام.
يجب على الثوار أن يتحدوا من أجل إضفاء الشرعية على حزب ثوري قائم على الطبقة العاملة ورفع سوية وعي الطبقة العاملة من أجل التنظيم الذاتي بشكل مستقل عن البرجوازية، وللدفاع عن النفس في كل حي ومدينة ضد العدوان الإسرائيلي والعنف الطائفي.

فلتسقط إسرائيل! فلسطين حرّة من النهر إلى البحر!

ومن القضايا الأخرى التي ستواجه المجلس التأسيسي الدستوري، حظر تسليم أي شبر من الأراضي السورية للكيان الإسرائيلي.
بالتوازي مع المجلس التأسيسي، من المهم إدراك أن دولة إسرائيل ستشكل عقبة دائمة أمام سوريا. إسرائيل لا تحترم الاتفاقيات، والحل الوحيد للعدوان الإسرائيلي هو إنهاء دولة الإبادة الجماعية.
ومن هذا المنطلق، من الضروري أن تبدأ الحكومة السورية بتهيئة الظروف لمواجهة إسرائيل، سواء بالسلاح أو ببناء تحالفات مع المقاومة الفلسطينية ودول أخرى في المنطقة.

لا ثقة بالحكومة السورية! من أجل تنظيم ذاتي مستقل للعمال!

يجب مكافحة العنف الطائفي فوراً. يأتي هذا الصراع في السويداء في أعقاب مجازر الساحل – عندما واجهت قوات الأمن الميليشيات الأسدية وقتلت مئات المدنيين العلويين – بالإضافة لما حصل بجرمانا وصحنايا بدمشق.
شكّل أحمد الشرع لجنة للتحقيق في مجازر الساحل، وقدمت تقريرها بعد أسبوع من اندلاع النزاع في السويداء. يجب نشر هذا التقرير ومعاقبة جميع المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، وتطهير قوات الأمن من جميع السلفيين الطائفيين.
وينبغي أن يُطبّق الأمر نفسه على السويداء: لجنة تحقيق مستقلة ومعاقبة جميع المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، بدءاً من قوات الأمن والجيش.
لا ضمانة بأن أحمد الشرع سيطرد السلفيين من قوات الأمن والجيش، أو أنه سيعاقب المتورطين في الانتهاكات. يسعى الشرع إلى إعادة بناء دولة برجوازية، ويمكن لهذه القطاعات السلفية الطائفية أن تكون مفيدة في هذا المشروع، لذلك، من الضروري تعزيز التنظيم المستقل للطبقة العاملة في أماكن العمل والمدارس والأحياء، فالطبقة العاملة وحدها هي من لها مصلحة في مكافحة العنف الطائفي، لأنها دائماً الضحية الأولى.


الهوامش:

(I)

https://today.lorientlejour.com/article/1469872/what-we-know-about-the-atrocities-committed-in-sweida.html 

(II)

https://today.lorientlejour.com/article/1469652/enemy-or-not-southern-syrians-torn-over-israel.html 

 https://www.aljazeera.com/news/2015/9/14/protests-in-lebanon-against-burial-of-biggest-traitor#:~:text=Lahd%20died%20of%20a%20heart,is%20set%20for%20September%2018.&text=For%20an%20overwhelming%20number%20of,Amal%20militia%2C%20and%20then%20Hezbollah. 

(III)

https://www.middleeasteye.net/news/turkey-doesnt-have-many-options-against-israel-syria 

(IV) https://litci.org/arab/2015-12-25-19-41-11/

ترجمة فيكتوريوس بيان شمس

Check out our other content

Check out other tags:

Most Popular Articles