✍🏾 إريكا أندرياسي
كثيرا ما يتم تصوير إسرائيل على أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. وعند الحديث عن “الديمقراطية” الإسرائيلية، غالبا ما يتم تسليط الضوء على نظامها البرلماني القائم على التعددية الحزبية، والفصل المناسب بين السلطات، وإجراء انتخابات ديمقراطية شفافة بشكل دوري. وحيثما تعمل مؤسسات النظام بشكل صحيح، يتم احترام سيادة القانون، ويتمتع المواطنون بالحريات المدنية، والمساواة الكاملة في الحقوق، والمشاركة الكاملة والسيادية في الحياة الاجتماعية. وهكذا، يتم تصوير إسرائيل على أنها واحة ديمقراطية حقيقية، وسط صحراء دكتاتورية، بأنظمة استبدادية، تحيط بها من كل جانب. إنها تصور نفسها على أنها بصيص أمل للشعوب المضطهدة في المنطقة. لا شيء يمكن أن يكون أبعد عن الحقيقة من هذا التوصيف!
فكرة الحرية والمساواة لجميع مواطني إسرائيل، التي يروج لها النظام الصهيوني ومن يدعمه من حكومات وأنظمة إمبريالية غربية، هي محض كذبة. إسرائيل ليست دولة ديمقراطية قائمة على المساواة على الإطلاق، كما يريدون منا أن نعتقد، بل هي نظام فصل عنصري، يهاجم النساء بشكل خاص.
بداية، تعرف إسرائيل نفسها على أنها دولة قومية علمانية، ولكن لا يوجد فيها فصل حقيقي بين الدين والسياسة. على سبيل المثال، يحدد قانون العودة لعام 1950 التعريف الديني الأرثوذكسي لكلمة “يهودي” (المولود من أم يهودية) كمعيار “لحق العودة”. وفي ذات الوقت، فإن أي شخص مؤهل للحصول على حق العودة يكتسب تلقائيا الجنسية الإسرائيلية، بموجب قانون المواطنة لعام 1952. ومن ناحية أخرى، فإن قانون المحاكم الحاخامية لعام 1953 ينص على أن الزواج والطلاق يجب أن يتوافقان بالضرورة مع القانون اليهودي، الذي يستبعد إمكانية الزواج المختلط على الأراضي الإسرائيلية (وهو ما يحظره القانون اليهودي).
كما تجدر الإشارة إلى أنه طوال تاريخ الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل، باستثناء قلة من مجموعات المعارضة الهامشية، نادرا ما تم التشكيك في العلاقة بين الدولة والتقاليد الدينية. الغالبية العظمى من اليهود الإسرائيليين يؤكدون ارتباط إسرائيل بالثقافة اليهودية، ورموزها، والشعب اليهودي، وحتى الديانة اليهودية، رغم أن الدولة تعرف نفسها على أنها علمانية.
لا حرية ولا مساواة أمام القانون
العلاقة بين المواطنة الإسرائيلية والديانة اليهودية لا تشجع بشكل صريح على الهجرة اليهودية فحسب، بل تكرس أيضا (من خلال التشريعات) حالة عدم المساواة بين اليهود وغيرهم. في الواقع، منذ عام 1948، أصدرت دولة إسرائيل أكثر من 60 قانونا يضفي الشرعية على المعاملة التمييزية والإقصائية لغير اليهود. وفي عام 2018، تم إقرار قانون دستوري يؤكد أن إسرائيل “دولة قومية للشعب اليهودي”، ويعلن أن حق تقرير المصير داخل أراضيها “حصري للشعب اليهودي” فقط، ويعتبر إقامة المستوطنات اليهودية “قيمة وطنية”.
الفلسطينيون على وجه الخصوص يتعرضون للتمييز وتتم معاملتهم باعتبارهم أعداء داخليين. هذا التمييز المؤسسي يمتد من انخفاض ميزانيات وموارد المؤسسات التي تقدم الخدمات للفلسطينيين الإسرائيليين، مثل المدارس التي يرتادها الأطفال الفلسطينيون، مقارنة بتلك التي يرتادها الأطفال اليهود، إلى قوانين مختلفة، مثل قانون لم شمل الأسرة، الذي يمنع الفلسطينيين في إسرائيل من العيش فيها مع أزواجهم من الأراضي المحتلة في الضفة الغربية أو غزة، في حين أن جميع المواطنين الآخرين لهم الحق في العيش في البلاد مع أزواج أجانب.
السياسة الاستعمارية تتضمن أيضا إلغاء بطاقات الهوية وتصاريح الإقامة، ما يتيح للسلطات البلدية الإسرائيلية استبعاد الفلسطينيين فعليا من مناطقها، كما يتم منع الفلسطينيين الذين تم طردهم من العيش في الأماكن التي ولدوا فيها و/أو تربطهم بها علاقات، وبالتالي يصبحون لاجئين دائمين.
تجدر الإشارة إلى أنه يوجد اليوم نحو 6.8 مليون يهودي إسرائيلي و6.8 مليون فلسطيني يعيشون في المنطقة الممتدة من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن، والتي تشمل كل من دولة إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة – والتي تتكون من قطاع غزة، والضفة الغربية والقدس الشرقية. وفي معظم هذه الأراضي، تعتبر إسرائيل القوة الحاكمة الوحيدة؛ وفي بقيتها، تتم ممارسة سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني، وهي محدودة للغاية، إذ إن الحكومة الإسرائيلية تحتفظ وحدها بالسيطرة على الحدود، والمجال الجوي، وحركة البضائع والأشخاص، والأمن، وتسجيل السكان، وهي من يملي بدوره المسائل والأوضاع القانونية، والاستحقاقات، وكيفية الحصول على بطاقة هوية و/أو عمل.
أما النظام القمعي في الأراضي الفلسطينية المحتلة فيفرض حكما عسكريا شديد القسوة على الفلسطينيين، مع ضمان الحقوق الكاملة لليهود الإسرائيليين الذين يعيشون في ظل الفصل العنصري. وعلى مدى السنوات الـ 55 الماضية، سهلت السلطات الإسرائيلية نقل اليهود إلى هذه المناطق، ومنحتهم مكانة متفوقة بموجب القانون، من حيث الحقوق المدنية، والحصول على الأراضي، وحرية التنقل، والبناء، والحق في تمديد الإقامات لأقاربهم المقربين. في هذه المجالات وفي معظم جوانب الحياة، تقوم السلطات الإسرائيلية، بشكل منهجي، بتمييز اليهود وممارسة التمييز ضد الفلسطينيين، وهو ما يرقى إلى مستوى الفصل العنصري الاجتماعي الحقيقي.
كما نددت منظمة هيومن رايتس ووتش بسياسات إسرائيل، وهي منظمة دولية غير حكومية لحقوق الإنسان، في تقريرها الذي صدر بعنوان “تجاوزوا الحدود: المسؤولون الإسرائيليون وجرائم الفصل العنصري والاضطهاد”. وقد جاء في التقرير: “إن القوانين والسياسات والتصريحات الإسرائيلية الصادرة عن كبار المسؤولين توضح بشكل جلي أن هدف الحفاظ على السيطرة اليهودية الإسرائيلية على الديموغرافيا والسلطة السياسية والأرض، حددته توجيهات وسياسات الحكومة منذ فترة طويلة. وسعيا لتحقيق هذا الهدف، قامت السلطات، بدرجات متفاوتة من الشدة، بمصادرة ممتلكات الفلسطينيين، وحبسهم، وفصلهم قسرا، وإخضاعهم على أساس هويتهم”. وفي بعض المناطق، كما ورد في هذا التقرير، تكون أشكال الحرمان شديدة لدرجة أنها ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، المتمثلة في الفصل العنصري والاضطهاد. أما بالنسبة لما يسمى “الانتخابات الحرة والديمقراطية”، فهناك آلاف الفلسطينيين في جميع أنحاء إسرائيل تم تقييد حقهم في التصويت بشكل صارم. لا توجد مراكز اقتراع في أماكن إقامتهم (على عكس المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة، حيث بإمكان المستوطنين اليهود المقيمين فيها الإدلاء بأصواتهم). كما أن حق التصويت للفلسطينيين في القدس الشرقية مقيد أيضا، فرغم شمولهم رسميا بالقانون الإسرائيلي بعد الضم (غير القانوني) للمدينة عام 1980، إلا أنهم لا يضمنون حق التصويت، لأنهم ليسوا مواطنين كاملين في الدولة (شأنهم شأن 20 ألف سوري يعيشون في مرتفعات الجولان المحتلة).
خطاب نفاق مليء بالأكاذيب
الحملة التي تقوم بها إسرائيل لتقديم نفسها كدولة صديقة للمغايرين في توجهاتهم الجنسانية، وكمثال يحتذى به فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين (من بين مجالات أخرى، وجود النساء في الجيش الإسرائيلي)، هي حملة منافقة. إن أسطورة تمكين “الكويريين” والنساء الفلسطينيات اللواتي يجدن “ملجأ” في المدن الإسرائيلية، لا تتوافق مع السياسات الاستعمارية لدولة إسرائيل، والتي تقوم على استبعاد وتدمير الفلسطينيين، سواء كانوا نساء أو رجالا، بصرف النظر عن توجهاتهم الجنسانية.
عبر استخدام حقوق النساء والمثليين والمتحولين جنسيا للترويج لدولة إسرائيل، تحاول الحكومة الإسرائيلية ومؤيدوها صرف انتباه الطبقة العاملة المضطهدة في كافة أنحاء العالم عن القمع الذي تمارسه ضد الشعب الفلسطيني في إسرائيل والمناطق المحتلة. غالبا ما يتم استخدام وجود النساء والإدراج العلني للضباط المثليين في جيش الاحتلال الإسرائيلي كدليل على الحرية والمساواة، لكن بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون تحت اضطهاد دولة إسرائيل الصهيونية، فإن الجنس أو التوجه الجنسي للجنود عند نقاط التفتيش في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو حراسة السجون الإسرائيلية، لا يشكل فرقا كبيرا، فجميعهم يرتدون نفس الزي العسكري، ويحملون نفس الأسلحة، ويؤيدون نفس نظام الفصل العنصري والتطهير العرقي الذي ترعاه إسرائيل.
من أجل تثبيت مكانتها على أساس أنها دولة حرة وديمقراطية تتحقق فيها المساواة، تعمل الحكومة الإسرائيلية ومن يؤيدها على تعزيز الخطابات (والأفعال) العنصرية والمعادية للإسلام والعرب، ففي الوقت الذي تروج فيه إسرائيل لنفسها على أنها صديقة للمثليين ومثال على المساواة بين الجنسين، تصور الفلسطينيين والعرب والمسلمين (كما لو كان الفلسطينيون والعرب والمسلمون مرادفات لذات الكلمة) على أنهم شعب متخلف ثقافيا، ورجعي جنسيا، تحكمه سلطة أبوية صارمة القوانين. هذه الصور النمطية، إضافة إلى محاولة نزع الشرعية عن النضال والمقاومة الفلسطينية، والترويج لرواية الاحتلال الصهيوني، تسهم في تعزيز ذات القمع والتمييز الذي تواجهه الشعوب الفلسطينية والعربية والإسلامية.
على أي حال، فإن وضع المرأة اليهودية في إسرائيل سيكون وحده كافيا لإظهار مهزلة الخطاب الإسرائيلي حول المساواة بين الجنسين والأشخاص المغايرين في توجهاتهم الجنسانية. نظرا لسيادة القوانين الدينية على قانون الأسرة، فإن المساواة الاجتماعية للنساء اليهوديات تعتبر محض وهم. إن إخضاع حقوق المرأة للقيم الدينية واضح تماما في قانون المساواة للمرأة لعام 1951، الذي ينص على أنه لا ينطبق على حالتي الزواج والطلاق، أو على القانون الأساسي الحالي (المعادل للدستور، إذ أن دولة إسرائيل لا تمتلك دستورا كاملا)، ما يعفي القوانين القائمة من المراجعة القانونية (والتي من شأنها أن تؤثر على الحقوق الفردية للمرأة) لصالح القضايا الدينية.
في الواقع، إن تقسيم السلطة بين المحاكم المدنية والدينية في مجال الزواج والطلاق له تأثير سلبي على النساء اليهوديات (بسبب السلطة الحصرية للمحاكم الحاخامية، التي تتألف بالكامل من الرجال وتخضع للتفسير الأرثوذكسي للشريعة الدينية) أكثر بكثير مما تعانيه النساء المسلمات، ولكن هذا لا يعني أنهن لا يواجهن أيضا صعوبات في هذا المجال. باختصار، لا يمكن لأي يهودي في إسرائيل، سواء كان متدينا أو علمانيا، أن يتزوج أو يطلق إلا في هذه المحاكم الحاخامية. ومن ناحية أخرى، فإن القضايا المتعلقة بالطلاق، بدءاً من حضانة الأطفال إلى تقسيم الممتلكات، تقع ضمن الولاية القضائية المشتركة للمحاكم المدنية (الأسرة) والمحاكم الدينية.
على أي حال، رغم أن الاستئناف أمام المحاكم المدنية عادة ما يكون أكثر ملاءمة للنساء، إلا أن تقديم شكوى إلى إحداهما يمنع نظر القضية من قبل الأخرى، وبما أن المحاكم الحاخامية تسترشد بالقانون اليهودي، فإنها تطبق القواعد الدينية في إجراءاتها، وغالبا ما تتجاهل القانون المدني، فالقرارات التي تتخذها غالبا ما تكون لصالح الرجال.
كما أن المرأة اليهودية لا تتمتع بالحق في ممارسة معتقداتها الدينية بحرية، فرغم أن القضاء الإسرائيلي حكم عام 2013 لصالح الحركة النسوية الدينية “نساء الحائط”، التي تناضل من أجل حق النساء في الصلاة عند حائط المبكى (أقدس موقع في اليهودية) بالحجاب، وقراءة التوراة بصوت عالٍ، بدعوى أن الصلاة بصوت عالٍ لا تزعج النظام العام، إلا أنهن يتعرضن للشتم والتهديد باستمرار.
من الواضح أن خيال إسرائيل كدولة صديقة لمجتمع المثليين وتقدر المساواة بين الجنسين ليس نفاقا فحسب، بل هو كذبة صريحة. علاوة على ذلك، فإن هذا الادعاء ينهار تماما عند أخذ الوضع الاستعماري في عين الاعتبار. إذا سبق وأن صدقت تلك الكذبة، فتجاوز ذلك – لا توجد أبواب وردية أو أرجوانية في جدران الفصل العنصري الإسرائيلي!