الجمعة نوفمبر 22, 2024
الجمعة, نوفمبر 22, 2024

الذكرى الرابعة لفض اعتصام رابعة العدوية

مصرالذكرى الرابعة لفض اعتصام رابعة العدوية

في 14 من آب/ أغسطس 2013، ارتكبت حكومة السيسي مذبحة في وسط القاهرة قتل فيها ما لا يقل عن 817 شخصا وجرح الآلاف.
وهذه المجزرة بالنسبة لنا جريمة ضد الإنسانية.
ننشر أدناه تقرير كامل من هيومن رايتس ووتش من عام 2014.

في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2013 فاض الكثير من ميادين مصر العامة وشوارعها بالدماء في أحيان كثيرة، ففي 3 يوليو/تموز قام الجيش بعزل محمد مرسي، أول رئيس مصري مدني منتخب، والعضو القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، في أعقاب احتجاجات شعبية هائلة ضد مرسي، طالبت بانتخابات رئاسية مبكرة.
وعلى مدار الشهرين التاليين نظم مؤيدو الإخوان المسلمين اعتصامين كبيرين في القاهرة ومظاهرات أصغر حجماً في أنحاء مصر للتنديد باستيلاء الجيش على السلطة والمطالبة بعودة مرسي إلى الحكم. وفي معرض الرد قامت قوات الشرطة والجيش مراراً بفتح النيران على المتظاهرين، فقتلت أكثر من 1150 منهم، ومعظمهم في 5 وقائع منفصلة من القتل الجماعي للمتظاهرين.

ويشير تحقيق هيومن رايتس ووتش الذي استمر لمدة عام كامل في سلوك قوات الأمن عند استجابتها لهذه المظاهرات، إلى قيام قوات الجيش والشرطة، على نحو عمدي وممنهج، باستخدام القوة المميتة والمفرطة في عمليات حفظ الأمن، مما أدى إلى مقتل متظاهرين على نطاق لم يسبق له مثيل في مصر. ويشتمل ما فحصناه من أدلة على تحقيقات في مواقع الأحداث بكل موقع من مواقع التظاهر، أثناء وقوع الاعتداءات على المتظاهرين أو بعدها مباشرة، وعلى مقابلات مع أكثر من 200 من الشهود وبينهم متظاهرون وأطباء وعاملون آخرون بالحقل الطبي وصحفيون ومحامون وسكان لمناطق الأحداث، وعلى مراجعة للأدلة المادية ولساعات من مقاطع الفيديو وتصريحات مسؤولين عموم. وعلى هذا الأساس تخلص هيومن رايتس ووتش إلى أن عمليات القتل لم تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان فحسب، بل إنها ترقى على الأرجح إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية، بالنظر إلى اتساع نطاقها وطبيعتها الممنهجة، وكذلك إلى الأدلة التي توحي بأن عمليات القتل كانت جزءاً من سياسة تقضي بالاعتداء على الأشخاص العزل على أسس سياسية. وبينما تشير أدلة كذلك إلى أن بعض المتظاهرين استخدموا الأسلحة النارية في العديد من تلك المظاهرات، فقد تمكنت هيومن رايتس ووتش من التأكد من استخدام المتظاهرين لهذه الأسلحة في عدد قليل من الوقائع، وهو ما لا يبرر الاعتداءات المميتة، غير المتناسبة، التي تمت عن سبق إصرار وترصد، على متظاهرين سلميين في أغلبيتهم الساحقة.

ويشير العديد من التصريحات الحكومية والصادرة عن اجتماعات حكومية إلى علم مسؤولين رفيعي المستوى بأن من شأن الاعتداءات أن تؤدي إلى قتل واسع النطاق للمتظاهرين، بل إن الحكومة قامت، في كبرى الوقائع، فض اعتصامي رابعة والنهضة، بالتحسب لوفاة عدة آلاف من المتظاهرين والتخطيط لذلك. وبعد مرور عام كامل، تواصل قوات الأمن إنكارها لارتكاب أي خطأ، وقد أخفقت السلطات في محاسبة ضابط شرطة أو جيش واحد على أي من وقائع القتل غير المشروع.

فض اعتصامي رابعة وميدان النهضة في 14 أغسطس/آب

وقعت أخطر وقائع القتل الجماعي للمتظاهرين يوم 14 أغسطس/آب، حين قامت قوات الأمن بسحق الاعتصام الكبير المؤيد لمرسي في منطقة رابعة العدوية بحي مدينة نصر شرقي القاهرة. قام أفراد الشرطة والجيش، باستخدام ناقلات الأفراد المدرعة، والجرافات، وقوات برية وقناصة، بالاعتداء على مخيم الاعتصام المرتجل حيث كان متظاهرون، وبينهم سيدات وأطفال، قد خيموا لما يزيد على 45 يوماً، وفتحوا النيران على المتظاهرين فقتلوا ما لا يقل عن 817 شخصا، وأكثر من ألف على الأرجح.

وقد وثق باحثو هيومن رايتس ووتش فض اعتصام رابعة ووجدوا أن قوات الأمن فتحت النيران على المتظاهرين باستخدام الذخيرة الحية، فقتل المئات بالرصاص الموجه إلى رؤوسهم وأعناقهم وصدورهم. ووجدت هيومن رايتس ووتش أيضاً أن قوات الأمن استخدمت القوة المميتة دون تمييز، إذ كان القناصة المتمركزون داخل ناقلات الأفراد وبجوارها يطلقون أسلحتهم على حشود كبيرة من المتظاهرين. قال عشرات الشهود أيضاً إنهم شاهدوا قناصة يطلقون النيران من مروحيات فوق منطقة رابعة.

ورغم أن الحكومة كانت قد أعلنت ونشرت خطتها لفض الاعتصامين بالقوة، إلا أن هذه التحذيرات لم تكن كافية، فقد أخفقت تحذيرات الحكومة في وسائل الإعلام وفي منطقة رابعة نفسها، في الأيام السابقة على 14 أغسطس/آب، في تحديد موعد الفض، كما أن التحذيرات الصادرة صباح يوم الفض لم يسمعها الكثيرون، ولم توفر للمتظاهرين وقتاً كافياً للمغادرة قبل لجوء قوات الأمن إلى الفض بالقوة. قالت الأغلبية الساحقة من المتظاهرين الذين أجرت هيومن رايتس ووتش معهم مقابلات على خلفية هذا الحدث إنهم لم يسمعوا التحذيرات المسجلة التي أذاعتها قوات الأمن عن طريق مكبرات صوت قريبة من مدخلين على الأقل من مداخل الاعتصام، قبل دقائق من فتح النيران. قامت قوات الأمن بعد ذلك بمحاصرة المتظاهرين معظم اليوم، وشنت الهجوم من مداخل الاعتصام الرئيسية الخمسة بحيث لم تترك أي مخرج آمن حتى نهاية اليوم، بما في ذلك للمتظاهرين الجرحى المحتاجين إلى رعاية طبية، وكذلك المتلهفين على الفرار. بدلاً من ذلك، وفي حالات كثيرة، لجأت قوات الأمن إلى إطلاق النيران على من كانوا يسعون للفرار، بحسب ما قال شهود لـ هيومن رايتس ووتش.

وأدى الاستخدام المتعمد، عديم التمييز للقوة المميتة إلى واحدة من كبرى وقائع قتل المتظاهرين في العالم في يوم واحد، في التاريخ الحديث. وعلى سبيل المقارنة، تشير تقديرات ذات مصداقية إلى أن القوات الحكومية الصينية قتلت 400-800 من المتظاهرين على مدار فترة 24 ساعة في مذبحة ميدان “تيانانمين” يومي 3 و4 يونيو/حزيران 1989، وقتلت القوات الأوزبكية أعداداً مماثلة تقريبا في يوم واحد أثناء مذبحة “أنديجان” عام 2005.

استمر فض اعتصام منطقة رابعة 12 ساعة، من شروق الشمس إلى غروبها. بدأت الشرطة هجومها، بالتنسيق مع قوات الجيش، في نحو السادسة والنصف صباحاً، بإلقاء عبوات الغاز المسيل للدموع وإطلاق الخرطوش على المتظاهرين الموجودين قرب مداخل الاعتصام. ثم قامت سريعاً، في غضون دقائق عند بعض المداخل، بالتصعيد إلى الذخيرة الحية، بحسب عشرات من الشهود. وبقيادة جرافات الجيش، زحفت الشرطة ببطء من كل مدخل من المداخل الخمسة الكبرى ـ اثنان على طريق النصر، واثنان بشارع الطيران، وواحد بشارع أنور المفتي خلف مسجد رابعة العدوية ـ في ساعات الصباح الأولى، مكتسحة في طريقها الحواجز المرتجلة التي أقامها المتظاهرون وغير ذلك من المنشآت. وكانت القوات الزاحفة مدعومة بقناصة منتشرين على أسطح المباني الحكومية المجاورة. انسحب العديد من المتظاهرين إلى منطقة الاعتصام المركزية طلباً للسلامة، لكن بعضهم ظل على الأطراف لإلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف والألعاب النارية على القوات الزاحفة.

وسرعان ما ملأ المتظاهرون المصابون والقتلى مستشفى رابعة والمرافق الميدانية المقامة بعرض منطقة الاعتصام، حيث كان أطباء متطوعون وغيرهم من العاملين بالحقل الطبي، وأكثرهم متظاهرون هم أنفسهم، يقدمون الرعاية لذوي الإصابات الخطيرة مستعينين بالمعدات والأدوية الأساسية التي تم التبرع بها. قال أطباء من مستشفى رابعة لـ هيومن رايتس ووتش إن الأغلبية الساحقة من الإصابات التي عالجوها كانت ناجمة عن طلقات نارية، وكثير منها في الرأس والصدر. وشرعت قوات الأمن منذ الصباح في إطلاق النار على المرافق الطبية، كما وضعت القناصة بحيث يطلقون النار على الراغبين في دخول مستشفى رابعة أو مغادرته.

وكثفت قوات الأمن الزاحفة على الأرض، علاوة على القناصة المنتشرين فوق الأسطح، من نيرانها على مدار الصباح، حتى سادت النيران العشوائية عديمة التمييز مداخل الاعتصام في نحو الثامنة صباحاً. ولكن بحلول التاسعة أو العاشرة كانت قوات الأمن قد تعطلت بفعل متظاهرين يلقون الحجارة عند كل مدخل، متمركزين في مواقع استراتيجية مخصصة لتقليل التعرض للنيران المباشرة، مما أبطأ من تقدم قوات الأمن.

وفي الساعات المبكرة من بعد الظهر، عقب استراحة وجيزة في منتصف النهار خفت فيها شدة النيران، كثفت قوات الأمن من نيرانها في زحفها النهائي على قلب الاعتصام. قتلت قوات الأمن الكثير من المتظاهرين في تلك الساعات الأخيرة، في غياب أية حماية لأي جزء من المنطقة من النيران واسعة النطاق. وفي نحو الساعة 5:30 مساءً كانت الشرطة قد طوقت المتظاهرين الباقين حول مسجد رابعة العدوية والمستشفى، الموجودين قرب مركز الاعتصام، ثم استولت على المستشفى بالقوة. وعند تلك اللحظة أمرت غالبية الأشخاص المتبقين بالخروج، ومن بينهم أطباء، مع تعليمات بترك الجثث والمصابين خلفهم. ومع مغادرة آخر المتظاهرين لمنطقة الاعتصام، اندلعت حرائق بالمنصة المقامة في مركز الاعتصام، والمستشفى الميداني، والمسجد، وبالطابق الأول من مستشفى رابعة. وتوحي الأدلة بقوة بأن الشرطة تعمدت إشعال تلك الحرائق. احتجزت قوات الأمن أكثر من 800 متظاهر على مدار اليوم، واعتدت على بعضهم بالضرب والتعذيب، وفي بعض الحالات قامت بإعدامهم ميدانيا، بحسب ستة شهود.

وزعم وزير الداخلية محمد إبراهيم في مؤتمر صحفي معقود يوم الفض أن استخدام القوة من جانب الشرطة في منطقتي رابعة والنهضة جاء رداً على عنف المتظاهرين، بما في ذلك بالطلقات النارية. وقد وجد تحقيق هيومن رايتس ووتش، إضافة لقيام مئات من المتظاهرين بإلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف على الشرطة بمجرد بدء الهجوم، أن المتظاهرين فتحوا النار على الشرطة في عدد محدود على الأقل من الوقائع. وفقا لمصلحة الطب الشرعي التابعة للحكومة، قتل ثمانية من ضباط الشرطة أثناء فض اعتصام رابعة. ومع ذلك فإن عنف المتظاهرين لا يبرر بحال من الأحوال القتل العشوائي عديم التمييز لمئات المتظاهرين على يد الشرطة في الأغلب، بالتنسيق مع قوات الجيش.

وتثبت أدلة وفيرة مستمدة من شهود، وبينهم مراقبون مستقلون وسكان من المنطقة، أن عدد الأسلحة في أيدي المتظاهرين كان محدوداً. بل إن وزير الداخلية محمد إبراهيم أعلن، في مؤتمره الصحفي يوم 14 أغسطس/آب، أن قوات الأمن صادرت 15 بندقية من اعتصام رابعة. وفي خطاب بتاريخ 18 أغسطس/آب، قال وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، مشيراً إلى فض رابعة: “لا أقول إن الجميع كانوا يطلقون النيران، لكن وجود 20 أو 30 أو 50 شخصاً يطلقون النيران الحية أكثر من كاف في اعتصام بهذا الحجم”. وإذا كان رقم الـ15 بندقية يقدم تمثيلاً دقيقاً لأعداد الأسلحة النارية مع المتظاهرين في الاعتصام فإنه يوحي بأن عددا قليلا من المتظاهرين كانوا مسلحين، كما يؤيد بشكل إضافي الأدلة الوفيرة التي جمعتها هيومن رايتس ووتش بأن الشرطة أطلقت النار فقتلت مئات المتظاهرين العزل.

علاوة على هذا فقد وقف رجال الشرطة فوق ناقلات الأفراد في مواجهة المتظاهرين وتحرك القناصة من أسطح المباني، ظاهرين للعيان لفترات طويلة من الوقت، بحسب الشهود والعشرات من مقاطع الفيديو التي راجعتها هيومن رايتس ووتش ليوم الفض، وهو سلوك غير وارد في وجود تهديد جدي من نيران بنادق المتظاهرين.

يضاف إلى هذا أن الكثير من نيران الشرطة كانت عشوائية عديمة التمييز، إذ تم إطلاقها في اتجاه حشود المتظاهرين عموماً بدلاً من استهداف المتظاهرين المسلحين الذين كان يمكن أن يمثلوا تهديداً خطيراً. وبينما لا يمكن لـ هيومن رايتس ووتش التثبت من صدور الطلقات الأولى في ذلك اليوم من قوات الأمن أو من متظاهرين مسلحين، إلا أن المقابلات مع أكثر من 100 شاهد، وبينهم سكان للمنطقة غير متعاطفين مع المتظاهرين، تؤكد لجوء قوات الأمن إلى إطلاق النيران على نطاق واسع من الدقيقة الأولى للفض، مع وجود المدرعات والجرافات والقوات البرية والقناصة في أماكنهم بالفعل.

في نفس يوم فض رابعة، وهو 14 أغسطس/آب، قامت قوات الأمن أيضاً بفض مخيم اعتصام ثان أصغر حجماً لمؤيدي مرسي، في ميدان النهضة قرب جامعة القاهرة بالجيزة، في القاهرة الكبرى. واتبع الفض في النهضة نفس النمط المتبع في رابعة: ففي نحو السادسة صباحاً قامت قوات الأمن بمطالبة المتظاهرين، من مكبرات للصوت، بمغادرة الميدان، ثم لجأت في أعقاب ذلك مباشرة تقريباً إلى إطلاق النار على المتظاهرين بمن فيهم أولئك الذين يحاولون الخروج من المخارج “الآمنة” كما وصفت. وقد وصف شهود كيف شرعت قوات الأمن في إطلاق النار على المتظاهرين، عمداً ودون تمييز على السواء، باستخدام الغاز المسيل للدموع، والخرطوش، والذخيرة الحية. ومع احتماء بعض المتظاهرين داخل مبنى كلية الهندسة بجامعة القاهرة، اشتد العنف حين أطلقت قوات الأمن النيران على المتظاهرين المتمترسين داخل المبنى. حددت وزارة الصحة حصيلة الوفيات في فض النهضة بعدد 87.

وطوال الأسابيع المؤدية إلى الفض يوم 14 أغسطس/آب كان وزير الداخلية إبراهيم، ووزير الدفاع في ذلك الوقت عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء في ذلك الوقت حازم الببلاوي، وغيرهم من مسؤولي الحكومة يصرحون بضرورة فض الاعتصامات بالقوة. كان المسؤولون يرون أن الاعتصامات تعطل حياة السكان وتزيد ازدحام المرور وتوفر منبراً للتحريض والإرهاب الطائفي، كما مثلت أماكن يقوم فيها المتظاهرون باحتجاز والإساءة إلى المعارضين، بما في ذلك تعذيب البعض حتى الموت. وقد أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع سكان محليين استعرضوا الآثار الوخيمة للاعتصام على حياتهم اليومية، وراجعت أدلة توحي بقيام بعض المتظاهرين باحتجاز عدد من الأشخاص الذين يشتبهون في كونهم من المتسللين والإساءة إليهم، مما يحتمل أن يكون قد أدى إلى خسائر.

ومع ذلك فإن هذه المزاعم تخفق في تبرير الفض بالقوة الذي أدى إلى وفاة ما لا يقل عن 817 شخصاً وجاز اعتباره من قبيل العقاب الجماعي للغالبية الساحقة من المتظاهرين السلميين. لقد اتسم القتل الجماعي للمتظاهرين، على نحو واضح، بعدم التناسب مع أي تهديد لحياة السكان المحليين وأفراد الأمن أو غيرهم. وحتى بفرض وجود مصلحة أمنية مشروعة لدى الحكومة في تأمين موقع الاعتصام، إلا أن قوات الأمن أخفقت في تنفيذ الفض على نحو يقلل الخطر الواقع على الأرواح، بما في ذلك عن طريق ضمان مخارج آمنة، فإن القوة المميتة لا ينبغي اللجوء إليها إلا عند الضرورة القصوى للحماية ضد تهديد وشيك للأرواح – وهو معيار لم يتم الالتزام به إلى حد بعيد في هذه الحالة.

وقد تمت جهود وساطة مصرية ودولية لمنع الفض بالقوة والتوصل إلى صفقة سياسية بين قادة الإخوان والحكومة طوال يوليو/تموز ومطلع أغسطس/آب، إلى أن أعلن رئيس الوزراء حازم الببلاوي عن إخفاق تلك الجهود في 7 أغسطس/آب. وأعلنت وزارة الداخلية، التي كانت قد وضعت بالغعل خطة للفض وافق عليها مجلس الدفاع الوطني ومجلس الوزراء، وحصلت على تفويض بالفض من النائب العام استناداً إلى شكاوى تم تقديمها من مواطنين، أعلنت أنها ستمضي في تنفيذ فض الاعتصامات. لكن مسؤولي الأمن ظلوا طيلة أسابيع يعدون بأن الفض سيكون متدرجاً، يبدأ بتطويق الاعتصام بكردون أمني، ثم توجيه تحذيرات وتوفير مخرج آمن، وخاصة للسيدات والأطفال. ومع ذلك فإن شيئاً من الاحتياطات الموعودة لم يتخذ.

اختارت الحكومة في النهاية المضي قدماً في فض عنيف بالقوة، عالمة بأنه سيؤدي إلى حصيلة شديدة الارتفاع من الوفيات: قال أحد المدافعين عن حقوق الإنسان لـ هيومن رايتس ووتش إن مسؤولي وزارة الداخلية، في اجتماع مع منظمات حقوقية قبل الفض بتسعة أيام، كشفوا عن توقعهم لحصيلة وفيات تبلغ 3500. وفي الأيام السابقة على الفض استشهدت صحيفتان بارزتان بمصادر أمنية تشير إلى أن خطة وزارة الداخلية للفض تتوقع معدل خسائر تقدر بعدة آلاف من الموجودين في الاعتصام.

وفي مقابلة متلفزة بتاريخ 31 أغسطس/آب 2013، أكد إبراهيم أن وزارة الداخلية كانت قد قدرت الخسائر بـ”10 بالمئة من الأشخاص”، مقراً بأن الاعتصام يضم “أكثر من 20 ألف شخص” وأنه “ستجدون الخسائر في صفوفهم بالآلاف”. استعانت هيومن رايتس ووتش بصور القمر الصناعي من إحدى ليالي الاعتصام، ليلة 2 أغسطس/آب، لتقدير وجود ما يقرب من 85 ألف متظاهر في المنطقة ليلتها، وحتى مع افتراض أن الحضور الفعلي يوم 14 أغسطس/آب يبلغ 20 ألفاً فقط، كما قدر إبراهيم، فإن معدل الخسائر البالغ 10 بالمئة سيظل يمثل 2000 وفاة.

في سبتمبر/أيلول قال رئيس الوزراء الببلاوي لصحيفة المصري اليوم اليومية المصرية إن حصيلة الوفيات من فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس/آب كانت “تقترب من الألف”. وأضاف أن “المتوقع كان أكبر بكثير مما حدث فعليا على الأرض، والنتيجة النهائية أقل من توقعاتنا”. ويبدو أن الحكومة المصرية تحسبت وخططت لفض عنيف يؤدي إلى قتل واسع النطاق للمتظاهرين دون أي جهود جدية لتنفيذ الاحتياطات التي وعدوا بها، بما فيها توجيه التحذيرات وتوفير المخارج الآمنة للمتظاهرين.

في 14 نوفمبر/تشرين الثاني عقد رئيس مصلحة الطب الشرعي، الدكتور هشام عبد الحميد، مؤتمراً صحفياً أعلن فيه أن الحصيلة النهائية لوفيات رابعة هي 627، وبينهم 377 جثة تم تشريحها في المشرحة الحكومية، و167 جثة تم التعرف عليها بمسجد الإيمان، ومنطقة اعتصام رابعة، و83 جثة أخرى أخذت إلى مستشفيات مختلفة في أنحاء القاهرة. وأصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان، المتمتع بصفة شبه رسمية، تقريراً عن فض رابعة في مارس/آذار 2014 استشهد فيه برقم الـ624 مدنياً المقتولين.

إلا أن هذه الأرقام تتجاهل أدلة دامغة على وجود جثث إضافية لم تدخل في الحسبان في مشارح ومستشفيات بعرض القاهرة، وقد وثقها باحثو هيومن رايتس ووتش ومحامون حقوقيون مصريون يوم 14 أغسطس/آب والأيام التالية مباشرة لفض رابعة. بالاستناد إلى مراجعة مطولة للأدلة، قارنت قوائم الموتى المنشورة من طرف مصلحة الطب الشرعي الرسمية، والمجلس القومي لحقوق الإنسان شبه الرسمي، والمحامين الحقوقيين وغيرهم من الناجين، وثقت هيومن رايتس ووتش وفاة 817 متظاهراً في فض رابعة وحده. كما راجعت هيومن رايتس ووتش أدلة على حدوث 246 وفاة إضافية، وثقها ناجون ومنظمات من المجتمع المدني. وترجح هذه الأدلة، إضافة إلى تقارير ذات مصداقية عن جثث إضافية تم نقلها مباشرة إلى المستشفيات والمشارح دون تسجيلها على نحو دقيق أو تحديد هويتها، واستمرار اختفاء متظاهرين من رابعة، كلها ترجح احتمالية مقتل ما يفوق الألف متظاهر في رابعة وحدها.

وقائع القتل الجماعي الأخرى

سبقت عمليات فض الاعتصامين في رابعة والنهضة، وتلتها، وقائع أخرى من القتل الجماعي للمتظاهرين، ففي يوليو/تموز وأغسطس/آب، فيما كان متظاهرون ينظمون مسيرات في أنحاء القاهرة رداً على خلع الجيش لحكومة مرسي، قامت قوات الأمن مراراً باستخدام القوة المفرطة في الرد على المظاهرات، وقتلت عمداً ودون تمييز ما لا يقل عن 281 متظاهراً في وقائع مختلفة، منفصلة عن عمليات الفض في 14 أغسطس/آب، وذلك بين 5 يوليو/تموز و17 أغسطس/آب 2013.

في أولى هذه الوقائع، يوم 5 يوليو/تموز، أطلق جنود طلقات حية على متظاهرين تجمعوا أمام مقر الحرس الجمهوري بطريق صلاح سالم شرقي القاهرة، حيث ظن المتظاهرون أن مرسي محتجز هناك. قتل الجنود ما لا يقل عن 5 متظاهرين، وبينهم متظاهر كان يحاول وضع ملصق لمرسي على سور خارج المقر.

وبعد 3 أيام، في 8 يوليو/تموز، قامت وحدات من الجيش بفتح النيران على حشود من مؤيدي مرسي المشاركين في اعتصام سلمي أمام مقر الحرس الجمهوري نفسه، فقتلت 61 متظاهراً وفق مصلحة الطب الشرعي، كما قُتل اثنان من الضباط في مسرح الأحداث. بدأ الهجوم عند الفجر واستمر طوال الساعات الست التالية. واستخدم الجنود، والقناصة المتمركزون على أسطح المباني العسكرية، ذخيرة حية في إطلاق النار على المتظاهرين المحتشدين وكذلك الخارجين من مسجد قريب بعد أداء صلاة الفجر. قام بعض المتظاهرين بإلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف، واستخدمت قلة منهم أسلحة نارية، لكن شهوداً قالوا إن الأغلبية الساحقة من المتظاهرين كانوا عزلاً من السلاح. واستناداً إلى تحقيقات هيومن رايتس ووتش، وجدت المنظمة أن أغلبية عمليات القتل كانت غير مشروعة. في أعقاب الواقعة، رفض الجيش الاعتراف بأي خطأ من جانب قواته أو الشرطة، قائلاً إن المتظاهرين خططوا للهجوم على مقر الحرس الجمهوري. وقال الرئيس المؤقت عدلي منصور إنه سيشكل هيئة قضائية للتحقيق في الواقعة لكنه أخفق في هذا حتى ترك منصبه في 8 يونيو/حزيران 2014.

في واقعة أخرى يوم 27 يوليو/تموز، بعد ساعات من خروج آلاف المصريين إلى الشوارع في مظاهرة منسقة بإيعاز من عبد الفتاح السيسي، لمنح الحكومة “تفويضا بمحاربة الإرهاب”، انتشرت الشرطة المصرية لإيقاف مسيرة لبضع مئات من مؤيدي الإخوان الخارجين من اعتصام رابعة إلى طريق النصر في اتجاه كوبري 6 أكتوبر. وعلى مدار ما لا يقل عن 6 ساعات، قامت الشرطة بالاشتراك مع مسلحين بثياب مدنية يتحركون بالتنسيق مع قوات الأمن، قامت بإطلاق النار وقتل 95 متظاهراً، بحسب مصلحة الطب الشرعي. وقتل رجل شرطة واحد في الاشتباكات. خلص تحقيق هيومن رايتس ووتش في تلك الواقعة، الذي شمل التواجد في المستشفى الميداني عند جلب القتلى والجرحى، إلى أن قوات الأمن استخدمت القوة المميتة المتعمدة ضد متظاهرين سلميين في معظمهم. وأفاد أفراد من الطاقم الطبي بأن غالبية إصابات الرصاص كانت في الرأس والعنق والصدر، مما يشير إلى نية القتل. استنتج أحد الأطباء في مسرح الأحداث، من طبيعة الجراح، أن إطلاق النار صدر حتماً من مدى قريب. وفي موعد لاحق من نفس اليوم أصر وزير الداخلية ” أؤكد لكم أننا كرجال شرطة لم نرفع السلاح يوماً على صدر أي متظاهر”.

وبعد يومين من فض اعتصامي رابعة والنهضة، في 16 أغسطس/آب، فتح رجال شرطة قسم الأزبكية، بحي العباسية في وسط القاهرة، فتحوا النار على مئات المتظاهرين الذين كانوا قد تجمعوا عقب صلاة الجمعة كجزء من “يوم للغضب” دعا إليه مؤيدو الإخوان المسلمين احتجاجاً على فض الاعتصامين وخلع مرسي. وفي سياق الساعات الست التالية قتل ما لا يقل عن 120 متظاهراً وشرطياً واحداُ، وفق مصلحة الطب الشرعي. كما حددت النيابة هوية اثنين من الشرطة قتلا. قال أحد كبار الضباط بقسم الشرطة لـ هيومن رايتس ووتش إن مسلحين اعتدوا على قسم الشرطة، مما أدى إلى الرد الحكومي. ورغم أن مهاجمة مسلحين لقسم شرطة قد تبرر استخدام القوة المميتة، إلا أن أعداد المتظاهرين القتلى، وأقوال الضحايا والشهود، وبينهم مراقبون مستقلون، ومقاطع الفيديو تظهر كلها إطلاق الشرطة العمدي للنيران على متظاهرين سلميين في معظمهم. قال شهود رأوا الجثث والجرحى في المستشفيات والمشارح، وبينهم عاملون بالحقل الطبي وصحفيون، قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إن عدداً كبيراً من المتظاهرين تعرض لجراح في الرأس والعنق وأعلى الجسم، مما يثير التساؤلات عما إذا كان رجال الشرطة يطلقون النيران بقصد القتل.

شارك الجيش والشرطة معاً في الهجوم على المتظاهرين، وقامت وحدات الجيش بدور أساسي في مواجهة المتظاهرين أمام مقر الحرس الجمهوري يومي 5 و8 يوليو/تموز، رغم مشاركة الشرطة أيضاً. وقامت الشرطة بتفريق مسيرة يوم 27 يوليو/تموز أمام النصب التذكاري، وتفريق مظاهرة 16 أغسطس/آب في ميدان رمسيس. كما اضطلعت الشرطة، بما فيها قوات الأمن المركزي والقوات الخاصة، بدور قيادي في فض رابعة والنهضة، رغم قيام الجيش بدور حاسم. قامت قوات الجيش بتأمين المداخل ومنع المتظاهرين من الدخول أو الخروج، كما شغلت بعض الجرافات التي فتحت الطريق أمام زحف الشرطة، وأطلقت المروحيات، ومنها طائرات “الأباتشي”، التي حامت فوق المنطقة، وفتحت قاعدة عسكرية تجاور منطقة رابعة للقناصة؛ بينما قاد ضباط الشرطة عملية الزحف على منطقة رابعة ويبدو أنهم المسؤولون عن أغلب القوة التي تم استخدامها هناك.

تسمح المعايير القانونية الدولية بالاستخدام العمدي للقوة المميتة في مواقف حفظ الأمن في ظروف محددة حيثما شكلت ضرورة قصوى لحماية الأرواح. ورغم أن أجهزة الأمن قد يجوز لها استخدام قدر من القوة لوقف هجوم مسلح من جانب متظاهرين أو حتى لتفريق مظاهرات تمثل خطراً على الأمن العام، إلا أنه لا يوجد مبرر لأسلوب ونطاق العنف الذي تم استخدامه. وقد وقع على مخططي عمليات الفض واجب مشدد بضرورة اتخاذ كافة الإجراءات المعقولة لضمان انطواء العمليات على أدنى خطر ممكن على الأرواح، وهو ما أخفق المخططون في القيام به.

علاوة على هذا فإن الاستخدام الممنهج، واسع النطاق للقوة المميتة من جانب قوات الأمن المصرية، المؤدي إلى وفاة ما يزيد على ألف متظاهر، وعلى نحو لم يتحسب له قادة الحكومة المصرية فقط بل إنهم خططوا له أيضاً، يمثل على الأرجح جرائم ضد الإنسانية. إن عمليات القتل الجماعي في منطقتي رابعة والنهضة تتفق مع نمط ممارسة قوات الأمن الحكومية لقتل المتظاهرين على نحو ممنهج وواسع النطاق، النمط الذي شوهد طوال يوليو/تموز وأغسطس/آب في أعقاب خلع مرسي. والحظر المفروض على الجرائم ضد الإنسانية من المبادئ الأكثر أساسية في القانون الجنائي الدولي، ويمكن أن يشكل أساساً للمسؤولية الجنائية الفردية أمام منتديات دولية وكذلك في المحاكم الداخلية في العديد من البلدان بموجب مبدأ الاختصاص القضائي العالمي.

ويعمل هذا التقرير على تحديد المسؤولين الأمنيين والقادة المحوريين الأرفع رتبة في سلسلة القيادة الذين ينبغي التحقيق معهم، ومحاسبتهم فردياً حيثما توافرت الأدلة على مسؤوليتهم، عن تخطيط وتنفيذ عمليات القتل الممنهج وواسع النطاق للمتظاهرين، أو الإخفاق في منعها، في فترة يوليو/تموزـأغسطس/آب 2013، بمن فيهم:

 

  • وزير الداخلية محمد إبراهيم الذي صاغ خطة الفض وأشرف على تنفيذها وأقر بأنه “أمر القوات الخاصة بالتقدم وتطهير” مبان محورية في قلب منطقة رابعة.
  • وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي الذي اضطلع بدور قائد للقوات المسلحة التي فتحت النار على متظاهرين في 5 و8 يوليو/تموز، وأشرف على الأمن في البلاد بصفته نائب رئيس الوزراء للشؤون الأمنية، وأقر بقضاء “أيام طويلة للتناقش في كافة تفاصيل” فض رابعة.
  • رئيس وقائد القوات الخاصة في عملية رابعة مدحت المنشاوي الذي تباهى بإبلاغ الوزير إبراهيم من منطقة رابعة في صباح 14 أغسطس/آب “سنهجم مهما كلفنا الأمر”.

 

يشير التقرير أيضاً إلى أشخاص آخرين، من بينهم رئيس جهاز المخابرات العامة، محمد فريد التهامي، وثمانية من كبار مساعدي وزير الداخلية، وثلاثة من كبار قادة الجيش، والعديد من القادة المدنيين رفيعي المستوى، الذين تستحق أدوارهم في القتل الجماعي للمتظاهرين في يوليو/تموز-أغسطس/آب المزيد من التحقيق. وإذا ثبت تواطؤهم في تخطيط عمليات القتل الجماعي للمتظاهرين أو تنفيذها أو الإخفاق في منع الجرائم التي ارتكبها مرؤوسوهم وكانوا يعلمون أو ينبغي لهم العلم بأمرها فإن محاسبتهم واجبة كذلك.

وقد شكلت الحكومة لجنة لتقصي الحقائق في عمليات القتل الجماعي، وأصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان، المتمتع بصفة شبه رسمية، تقريراً عن تحقيقه الخاص في فض رابعة وأثبت فيه ارتكاب أخطاء. ومع ذلك فلم يصدر كشف حساب فعلي لما تم أو أي تحقيقات أو ملاحقات قضائية ذات مصداقية، ناهيك عن المحاسبة الفعلية. أما الشرطة والحكومة فهما ترفضان حتى اليوم الإقرار بأي خطأ من جانب أجهزة الأمن في فضها العنيف للاعتصامات أو غيرها من الاعتداءات على متظاهرين. في مؤتمر صحفي بتاريخ 14 أغسطس/آب، قال وزير الداخلية إبراهيم إن وزارته نجحت في تنفيذ فض اعتصامي رابعة والنهضة “دون خسائر” كما أشار إلى “معدل الوفيات الدولي البالغ 10 بالمئة عند تفريق الاعتصامات غير السلمية”، مما ليس له وجود في الواقع. وبعد أيام وزعت وزارة الداخلية على جميع الضباط المشاركين في الفض مكافأة على جهودهم. وقد أخفقت السلطات حتى فبراير/شباط في مجرد الاعتراف باستخدام الذخيرة الحية في فض رابعة والنهضة. وأشاد سائر أعضاء الحكومة على نحو مماثل بقوات الأمن وأخفقوا في الإقرار بأي خطأ من جانب قوات الأمن.

رفضت الحكومة أيضاً إتاحة أية معلومات تقريباً عن عمليات الفض، حتى للمجلس القومي لحقوق الإنسان في تحقيقه. وقال ناصر أمين، عضو المجلس والمؤلف الأساسي لتقرير المجلس عن فض رابعة، على قناة “أون تي في” التلفزيونية إن وزارة الداخلية رفضت التعاون مع تحقيقه، بما في ذلك إخفاقها في تقديم خطتها للفض، وأوحى بأنها حاولت إخفاء الحقيقة. ورغم أن مقاطع الفيديو التي تصور مروحيات ومبان تطل على ميدان رابعة تظهر قوات الأمن وهي تسجل عملية الفض، إلا أن وزارة الداخلية أفرجت بطريقة انتقائية فقط عن تلك المقاطع التي تشير إلى عنف من جانب المتظاهرين.

ويتسم تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان عن فض رابعة، المنشور في 16 مارس/آذار، بأوجه قصور منهجية لا يستهان بها تقوض مصداقية نتائجه إلى حد بعيد، فهو يعتمد بوجه خاص على شهادات سكان محليين، مناوئين في معظمهم للإخوان المسلمين، ولا يكاد يستعين بأقوال المشاركين في الاعتصام، ممن كانوا الشهود والضحايا الرئيسيين. ومع ذلك فقد خلص تقرير المجلس إلى استخدام قوات الأمن للقوة المفرطة يوم 14 أغسطس/آب وخطّأ قوات الأمن في عدم كفاية ما قدمته من تحذيرات، وإخفاقها في توفير مخرج آمن طوال قسم كبير من اليوم. كما دعا التقرير إلى فتح تحقيق قضائي متكامل في عملية الفض لتقديم تعويضات للضحايا.

وعلى حد علم هيومن رايتس ووتش، لم تقم النيابة بتحقيق جدي مع أفراد الشرطة أو الجيش على خلفية قتل متظاهرين منذ 30 يونيو/حزيران 2013، لكنها بالغت في التحقيق مع المتظاهرين على ذمة اشتباكات مع قوات الأمن. وشرعت النيابة في إجراءات جنائية بحق ما يفوق الألف من المتظاهرين والمارة المحتجزين من فض اعتصامي رابعة والنهضة وحدهما، ويواجه كثيرون منهم أحكاما مطولة بالسجن.

وبعد مرور عام على عمليات الفض، أخفقت السلطات في محاسبة رجال الشرطة والجيش المسؤولين عن الاستخدام المتكرر للقوة المميتة والمفرطة والاعتداء العشوائي عديم التمييز على متظاهرين. في 19 مارس/آذار طلب الرئيس السابق منصور من وزارة العدل فتح تحقيق قضائي في فض اعتصامي رابعة والنهضة. إلا أن وزارة العدل أعلنت أنها لن تخصص قاضياً للتحقيق في تلك الأحداث بما أن التحقيقات من اختصاص النيابة العامة، التي تقول بدورها إنها تحقق فيها بالفعل. ولكن بعد مرور ما يقرب من عام، لم تقم النيابة حتى الآن بتوجيه أي اتهام إلى أو إحالة فرد واحد من أفراد الأجهزة الأمنية إلى المحاكمة بتهمة الاستخدام غير المشروع لأسلحة نارية ضد متظاهرين منذ 30 يونيو/حزيران 2013.

وبعد 5 شهور من وعده، أعلن منصور في ديسمبر/كانون الأول 2013 عن إنشاء “لجنة تقصي حقائق وطنية مستقلة لجمع المعلومات والأدلة المصاحبة لثورة الثلاثين من يونيو 2013 وتداعياتها”. إلا أن اللجنة مارست أعمالها دون شفافية تذكر، ولن تنشر ما تتوصل إليه، وفق تفويضها. كما أن المرسوم المنشئ للجنة أخفق أيضاً في منحها السلطة اللازمة لإجبار الشهود، بمن فيهم مسؤولي الحكومة، على الإدلاء بشهاداتهم أو لاستدعاء معلومات، مما يثير التساؤلات عن نوعية المعلومات التي اعتمدت عليها في تحقيقها.

وقد واصلت السلطات المصرية، منذ أحداث يوليو/تموز وأغسطس/آب 2013، قمع المعارضة بوحشية بالغة، ورغم تركيزها البالغ على الإخوان المسلمين، أكبر جماعات المعارضة السياسية في البلاد، إلا أن السلطات استهدفت أيضاً جماعات وأفراد آخرين من المعارضة. واستمرت قوات الأمن في استخدام القوة المفرطة والمميتة ضد المتظاهرين، بما في ذلك قتل 75 متظاهراً في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2013، و64 في 25 يناير/كانون الثاني 2014، بحسب مصلحة الطب الشرعي. ويعمل قانون للاجتماعات العامة تم تبنيه في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 على تخويل وزارة الداخلية سلطة التفريق بالقوة لمظاهرات سبقت لها الموافقة عليها، واعتقال المتظاهرين على أسس غامضة من قبيل “محاولة التأثير على سير العدالة” أو “تعطيل مصالح المواطنين”. وقد اعتقلت السلطات، استناداً إلى أرقامها هي نفسها، ما لا يقل عن 22 ألفاً من الأشخاص منذ 3 يوليو/تموز، وجاء اعتقال الكثيرين بتهم تتعلق بممارستهم لحقوق أساسية أو الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، التي أعلنتها الحكومة جماعة إرهابية في 25 ديسمبر/كانون الأول 2013. وتقوم النيابة على نحو روتيني بتمديد أوامر الحبس الاحتياطي الصادرة بحق محتجزين على أساس أدلة واهية لا تكاد تجيز الملاحقة، مما يجعلها فعلياً تحتجزهم تعسفاً لمدة شهور متصلة، كما قال محامون لـ هيومن رايتس ووتش. كما أن الكثير من القضايا التي أحيلت إلى المحاكمة مشوبة بانتهاكات جسيمة للحق في سلامة الإجراءات، بما فيها محاكمات جماعية أخفقت في تقييم الذنب الفردي لكل متهم على حدة، وأدت مع ذلك إلى أحكام مطولة بالسجن أو حتى الإعدام لمئات من المتهمين.

وتجدد هيومن رايتس ووتش نداءات سبق لها التقدم بها طوال العام الماضي إلى النائب العام لفتح تحقيق مدقق ومستقل ومحايد في وقائع القتل الجماعي للمتظاهرين منذ 30 يونيو/حزيران 2013، وملاحقة من يثبت عليهم ارتكاب انتهاكات. توضح التصريحات الحكومية أن عمليات الفض يوم 14 أغسطس/آب والاعتداء على المتظاهرين قبله وبعده كانت بأوامر من الحكومة. وبذا يتعين على التحقيقات النظر في المسؤولين ضمن سلسلة القيادة، وبينهم وزير الداخلية محمد إبراهيم، ووزير الدفاع في ذلك الوقت والرئيس الحالي السيسي، لضمان تقديم جميع مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان إلى العدالة بصرف النظر عن الرتبة أو الانتماء السياسي.

وكذلك يجب على الحكومة المصرية الجديدة الإقرار بما ارتكبته من انتهاكات في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2013، وتوفير تعويضات عادلة لعائلات الضحايا، والتعهد بإجراء إصلاح جاد للقطاع الأمني يؤدي إلى قوة شرطية تتصرف بمقتضى المعايير الدولية بشأن استخدام القوة عند حفظ الأمن أثناء التظاهر مستقبلاً.

وفي ضوء إخفاق السلطات المصرية حتى الآن في إجراء تحقيقات، واستمرار تفشي الإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة المستمرة، فإن هيومن رايتس ووتش تدعو الدول الأعضاء بمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى إنشاء لجنة تقصي حقائق للتحقيق في كافة انتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن وقائع القتل الجماعي لمتظاهرين منذ 30 يونيو/حزيران 2013. وينبغي تفويض اللجنة للتثبت من الوقائع وتحديد المسؤولين بهدف ضمان المحاسبة لمرتكبي الانتهاكات، علاوة على جمع وحفظ المعلومات المتعلقة بالانتهاكات لاستخدامها مستقبلاً من طرف مؤسسات قضائية ذات مصداقية. ويأتي هذا النداء في أعقاب إعلان مشترك تقدمت به 27 دولة أثناء جلسة مجلس حقوق الإنسان المنعقدة في مارس/آذار، ووردت فيه الحاجة إلى “المحاسبة” على العنف و”تقديم المسؤولين عنه إلى العدالة”.

تدعو هيومن رايتس ووتش أيضاً إلى التحقيق مع المتورطين في تلك الأفعال وملاحقتهم أمام محاكم وطنية بموجب مبدأ شمولية الاختصاص ووفق القوانين الوطنية.

لقد أصدر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على السواء انتقادات علنية لأعمال القتل الجماعي في مصر، فعلى سبيل المثال قامت كاثرين آشتن، الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي، في 21 أغسطس/آب 2013 بوصف عمليات الفض بـ”عدم التناسب”، ووصف “عدد الأشخاص الذين قتلوا” بأنه “يثير الانزعاج”. ومع ذلك فإن الاتحاد الأوروبي واصل، مع دول أخرى، توفير الدعم لمصر. قامت الولايات المتحدة بتعليق جانب من مساعداتها العسكرية في أكتوبر/تشرين الأول 2013، في انتظار استيفاء الشرط المنصوص عليه في تشريعاتها، بأن تلبي مصر شروطاً معينة في مجال الحقوق والتطور الديمقراطي. لكن واشنطن أعلنت في أبريل/نيسان 2014 عن عزمها الإفراج عن 10 طائرات “أباتشي” ومبلغ 650 مليون دولار من المعونة العسكرية على أساس المصالح الأمريكية في مكافحة الإرهاب والأمن القومي. ومنذ ذلك الحين تم الإفراج عن قسم كبير من المعونة. وبالمثل علق الاتحاد الأوروبي تصدير المعدات العسكرية إلى مصر في أغسطس/آب 2013، لكنه استبقى مرونة تسمح للدول الأفراد بمواصلة تزويد الحكومة بالسلاح وغير ذلك من المعدات.

وفي ضوء الانتهاكات المستمرة والقمع السياسي المشدد في مصر، وإخفاق الحكومة في التحقيق في أعمال القتال الجماعي للمتظاهرين بله ملاحقة المتورطين فيها، تدعو هيومن رايتس ووتش الدول إلى تعليق المعونة العسكرية وتعليق التعاون مع أجهزة إنفاذ القانون والجيش المصرية حتى تتبنى الحكومة إجراءات لإنهاء انتهاكاتها الخطيرة لحقوق الإنسان.

إن الرئيس السيسي يتولى حكم مصر دامية، تعج بالتحديات الاقتصادية والسياسية. ورغم الإغراء المتمثل في قلب الصفحة وإغضاء الطرف عن الانتهاكات السابقة، إلا أن المحاسبة مع الماضي تكمن في لب عملية المصالحة الوطنية التي تحتاج مصر لإتمامها حتى تستقر وتمضي إلى الأمام.

أهم التوصيات

للحكومة المصرية

  • أن تأمر قوات الأمن بإنهاء استخدامها المفرط، غير المشروع للقوة، وبالتصرف بمقتضى القانون الدولي لحقوق الإنسان والمعايير الدولية لاستخدام القوة في حفظ الأمن عند التظاهر.
  • أن تنشر نتائج وتوصيات لجنة تقصي الحقائق المشكلة في ما بعد 30 يونيو/حزيران، علاوة على الننائج والتوصيات الخاصة بلجان تقصي الحقائق لعامي 2011 و2012.

للنائب العام

  • أن يجري تحقيقاً مدققا ومحايداً في الاستخدام غير المشروع للقوة من جانب قوات الأمن لقتل متظاهرين منذ 30 يونيو/حزيران 2013، ويلاحق من تثبت بحقهم أدلة على المسؤولية الجنائية، بمن فيهم أعضاء سلسلة القيادة.
  • أن يفرج فوراً عن الأشخاص المحتجزين دون تهم في أعقاب مظاهرات في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2013، أو أن يوجه إليهم اتهامات فورية محددة ومعترف بها في القانون الجنائي، وتعقبها محاكمات عادلة في غضون إطار زمني معقول.

للدول الأعضاء في الأمم المتحدة

  • أن تشكل من خلال المجلس الأممي لحقوق الإنسان لجنة دولية لتقصي الحقائق بغرض التحقيق في كافة انتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن أعمال القتل الجماعي للمتظاهرين منذ 30 يونيو/حزيران 2013. وينبغي تفويض اللجنة بحيث تثبت الوقائع وتحدد المسؤولين بهدف ضمان محاسبة مرتكبي الانتهاكات، علاوة على جمع وحفظ المعلومات المتعلقة بالانتهاكات لاستخدامها مستقبلاً من جانب مؤسسات قضائية ذات مصداقية. وأن تضمن اتساع التفويض بما يكفي لتغطية ما مضى وما يستجد من أعمال انتهاك حقوق الإنسان التي ارتكبتها قوات الأمن المصرية، وكذلك انتهاكات المتظاهرين.
  • أن تعلق كافة مبيعات وتوريدات الأصناف والمساعدات المتعلقة بالأمن لمصر حتى تتبنى الحكومة إجراءات لإنهاء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مثل تلك المتعلقة بقمع المظاهرات السلمية إلى حد بعيد، ومحاسبة منتهكي الحقوق.

    منهجية البحث

    ينصب هذا التقرير على عدد من أبرز وقائع العنف الذي ارتكبته الدولة بحق متظاهرين في يوليو/تموزـأغسطس/آب 2013. ولا تمثل الأحداث الموثقة في التقرير قائمة حصرية بكافة أعمال القتل المرتكبة في تلك الفترة، كما أن التحقيق لا يتطرق، بوجه خاص، إلى أعمال العنف الدموي التي دارت بين مؤيدي مرسي ومؤيدي الحكومة طوال تلك الفترة. ولا يعمل التقرير أيضاً على الاستكشاف المتعمق لانتهاكات حقوقية أخرى ذات دلالة، تشمل الاعتقالات الجماعية لمؤيدي مرسي.

    ويستند التقرير إلى أبحاث تم إجراء معظمها في القاهرة، من يوليو/تموز 2013 إلى يوليو/تموز 2014. أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع أكثر من 200 من الضحايا وأقاربهم، والشهود، والأطباء، والصحفيين، والمحامين. وقد أجرى الباحثون المقابلات إجمالاً على دفعتين: الأولى في الأيام التي أعقبت الأحداث مباشرة في يوليو/تموزـأغسطس/آب 2013، والثانية بعد 6 أشهر في يناير/كانون الثاني ـ فبراير/شباط 2014. كما استعان التقرير بالتصريحات الرسمية لمسؤولي الحكومة.

    في بعض الحالات تمكنت هيومن رايتس ووتش من فحص مقاطع فيديو ومقاطع تلفزيونية لوقائع بعينها وثقها التقرير، فحفظتها وأرشفتها. وقد قامت هيومن رايتس ووتش، قبل إدراج مقاطع الفيديو المحال إليها في التقرير، بالتحقق من صحتها كلها، وكان هذا بطرق متنوعة، تشمل الدراسة الحريصة للقرائن الواردة في السياق، وعرض المقاطع على شهود مستقلين، وإجراء مقابلات مع المصورين أنفسهم في بعض الحالات.

    وقد عمل تقلص المساحة المتاحة لحرية التجمع، والتعبير، وتكوين الجمعيات، والقيود المتزايدة على عمل المنظمات الحقوقية، بما في ذلك اعتقال المدافعين عن الحقوق، والسياق السياسي شديد الاستقطاب في مصر، عملت كلها على وضع عقبات لا يستهان بها أمام الباحثين ومؤلفي التقرير، بما فيها صعوبة الوصول إلى مواقع التظاهر، والمشارح، والمستشفيات، وتهديدات الأمن المستمرة عند إجراء مقابلات مع الضحايا.

    زار باحثو هيومن رايتس ووتش المستشفيات في نفس اليوم الذي وقع فيه إطلاق النيران في 5 يوليو/تموز عند مقر الحرس الجمهوري، وزاروا مستشفى رابعة الميداني في توقيت عملية القتل الجماعي يوم 27 يوليو/تموز عند نصب المنصة التذكاري، وفي الساعات الأخيرة من عملية فض رابعة يوم 14 أغسطس/أب. كما تواجد أحد باحثي هيومن رايتس ووتش في الموقع طيلة قسم كبير من عملية فض رابعة نفسها.

    وللتحقيق في إطلاق النيران عند مقر الحرس الجمهوري يوم 5 يوليو/تموز، زارت هيومن رايتس ووتش مستشفى التأمين الصحي، وهو المستشفى الحكومي الذي نقل إليه عدد كبير من المتظاهرين الجرحى والقتلى، وأجرت مقابلات مع 7 شهود، بينهم متظاهرون، علاوة على صحفي مستقل في مسرح الأحداث، وأحد سكان المنطقة، وأقارب لمتظاهرين لقوا حتفهم.

    وفيما يتعلق بواقعة القتل الجماعي يوم 8 يوليو/تموز عند مقر الحرس الجمهوري، تحدثت هيومن رايتس ووتش مع 24 شاهداً، وبينهم متظاهرون وسكان للمنطقة، وأجرت مقابلات مع 7 أطباء. زارت هيومن رايتس ووتش أيضاً موقع الأحداث و5 مستشفيات جرى نقل الجرحى والقتلى إليها، وكذلك المشرحة الرئيسية في القاهرة.

    وبشأن مقتل المتظاهرين يوم 27 يوليو/تموز أمام النصب التذكاري، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 11 شاهداً على وقائع العنف، بما في ذلك في المستشفيات الميدانية أثناء وقوع الاعتداء.

    وعند توثيق فض اعتصام رابعة في 14 أغسطس/آب، أجرى طاقم هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 122 شاهداً بينهم 69 متظاهراً و20 صحفياً و20 مسعفاً و3 محامين و10 من سكان المنطقة، بمن فيهم بعض الذين كانوا يفرون من الفض في 14 أغسطس/آب، وكذلك في المستشفيات والمشارح في المناطق المحيطة خلال الأيام التالية.

    عند توثيق فض اعتصام النهضة يوم 14 أغسطس/آب، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 10 شهود حضروا عملية الفض، وتحدثت مع 4 من مديري المستشفيات التي استقبلت حالات الخسائر في ذلك اليوم. كما أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 5 متظاهرين واثنين من الأطباء الذين عالجوا جرحى من مظاهرة خرجت على مقربة، في ميدان مصطفى محمود، يوم 14 أغسطس/آب.

    وأجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 22 شاهداً على أحداث العنف يوم 16 أغسطس/آب بميدان رمسيس، وبينهم 12 صحفياً و6 أطباء واثنان من المتظاهرين، وأحد كبار ضباط الشرطة وقناص من قسم الأزبكية كانا حاضرين أثناء الاشتباكات.

    أجريت جميع المقابلات برضا من أجريت معهم التام، وتم إبلاغ الجميع كيف تنوي هيومن رايتس ووتش استخدام المعلومات المقدمة. أجريت الأغلبية الساحقة من المقابلات باللغة العربية في مواقع مختلفة داخل القاهرة وحولها، وقد حجبت هيومن رايتس ووتش أسماء العديد ممن أجريت معهم المقابلات لسلامتهم.

    كما التقت هيومن رايتس ووتش بعدد من أعضاء لجنة تقصي حقائق 30 يونيو/حزيران، وبناصر أمين، المؤلف الرئيسي لتقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان عن عملية فض رابعة.

    وكتبت هيومن رايتس ووتش إلى وزارة الداخلية، ومكتب النائب العام، ووزارة الدفاع، ووزارة الخارجية، والسفارة المصرية في واشنطن، والبعثة المصرية في نيويورك بتاريخ 12 يونيو/حزيران 2014 للتعرف على وجهات نظر الحكومة المصرية في القضايا التي يغطيها التقرير. وأرسلت هيومن رايتس ووتش خطابات متابعة بتاريخ 8 يوليو/حزيران 2014، وتكفلت الخطابات باستعراض النتائج المبدئية وطلب إجابات لأسئلة محددة ومعلومات غير متاحة لـ هيومن رايتس ووتش، تشمل تفاصيل متعلقة بالضباط المقتولين بأيدي متظاهرين مسلحين، والتعليمات المقدمة لقوات الأمن فيما يخص استخدام الذخيرة الحية. أرسلت الخطابات بالبريد العادي والإلكتروني والفاكس وتم تأكيد تسلمها. وبينما رد مسؤولو وزارة الخارجية مشيرين إلى اتصالهم بوزراء آخرين فيما يتعلق بمطلب هيومن رايتس ووتش، إلا أن المنظمة لم تتلق حتى الأول من أغسطس/آب 2014 أي رد على أسئلتها. ويشتمل ملحق هذا التقرير على نسخ من الخطابات.

    اعتمدت هيومن رايتس ووتش في التثبت من أعداد الخسائر لكل واقعة من وقائع القتل الجماعي للمتظاهرين، عدا فض اعتصام رابعة، على الأرقام الرسمية، الصادرة بصفة عامة من مصلحة الطب الشرعي، التابعة لوزارة الصحة. ولأن مصلحة الطب الشرعي لا تدرج في إحصاءاتها إلا الجثث التي تسلمتها وتعاملت معها في المشارح الرسمية فمن الجائز أن تقل تقديراتها عن أعداد الوفيات الفعلية، ومن ثم يتعين اعتبار تلك الأرقام تقديرات متحفظة.

    أما عن فض اعتصام رابعة فقد توصلت هيومن رايتس ووتش إلى رقم الخسائر الخاص بها، والذي يتجاوز تقدير مصلحة الطب الشرعي، عن طريق مضاهاة السجل الرسمي بالأرقام التي جمعها المجلس القومي لحقوق الإنسان ذو الصفة شبه الرسمية، وكذلك من خلال عمليات توثيق أجراها باحثو هيومن رايتس ووتش ومحامون حقوقيون مصريون. قامت هيومن رايتس ووتش، علاوة على هذا، بمراجعة قوائم إضافية للموتى من إعداد ناجين ومنظمات أخرى من منظمات المجتمع المدني.

     .I خلفية

    في يناير/كانون الثاني 2011 خرج المصريون إلى الشوارع احتجاجاً على وحشية الشرطة وللمطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية. ورغم نجاح انتفاضة الـ18 يوماً في الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، إلا أن انتهاكات الحقوق ظلت مبعثاً خطيراً للقلق في ظل أنظمة متعاقبة ـ المجلس الأعلى للقوات المسلحة من فبراير/شباط 2011 وحتى يونيو/حزيران 2012، ومحمد مرسي من يونيو/حزيران 2012 وحتى يونيو/حزيران 2013. ومنذ خلع مرسي في 3 يوليو/تموز 2013، في عهد الحكومة المؤقتة المدعومة عسكرياً، التي تولت السلطة وقتها، وكذلك الحكومة التي رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي والتي تولت السلطة في يونيو/حزيران 2014، تعرضت مصر لأزمة حقوقية لا تقل فداحة عن أية فترة أخرى في تاريخ البلاد الحديث، بما في ذلك عمليات القتل الجماعي للمتظاهرين، وأحكام الإعدام بالجملة، والاعتقالات الجماعية لأعضاء المعارضة السياسية.

    القتل الجماعي للمتظاهرين

    منذ يناير/كانون الثاني 2011 لجأت قوات الأمن المصرية مراراً إلى استخدام القوة المميتة المفرطة لتفريق متظاهرين، فقتلت ما يزيد على 2000 متظاهر. وبين 25 يناير/كانون الثاني و11 فبراير/شباط 2011، على مدار الـ18 يوماً من الاحتجاجات الجماهيرية التي شملت أرجاء مصر، مطالبة بإنهاء حكم مبارك، قتلت الشرطة ما لا يقل عن 846 متظاهراً في الميادين وقرب أقسام الشرطة في القاهرة والإسكندرية والسويس ومدن أخرى.[2]

    وتحت حكم المجلس العسكري الذي امتد 18 شهراً، تمت فصول وقائع جديدة من التفريق العنيف للمتظاهرين، بما فيها مقتل 27 من المتظاهرين الأقباط العزل أمام مبنى التلفاز الحكومي المعروف بماسبيرو في أكتوبر/تشرين الأول 2011، و51 متظاهراً بشارع محمد محمود في نوفمبر/تشرين الثاني 2011.[3] وفي عهد محمد مرسي قتلت الشرطة 46 متظاهراً أمام سجن بورسعيد على مدار 3 أيام في يناير/كانون الثاني 2013.[4]

    وتصاعد استخدام القوة المفرطة على نحو كبير مع خلع مرسي في يوليو/تموز 2013 فيما شرعت قوات الجيش والأمن في حملة من القمع المكثف وواسع النطاق ضد الإخوان المسلمين، علاوة على منتقدي الحكومة الجديدة من غير الإسلاميين. وينصب هذا التقرير على وقائع القتل الجماعي في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2013. شهدت مصر في نفس الفترة أعمالاً دموية من العنف المجتمعي الذي كثيراً ما دفع بمؤيدي مرسي في مواجهة مؤيدي الحكومة المؤقتة، وكذلك اعتداءات طائفية على المسيحيين الأقباط.[5] وقد واصلت قوات الأمن بعد ذلك استخدام القوة المميتة المفرطة، بما في ذلك عند تفريق مسيرات مؤيدة لمرسي يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول، مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 57 شخصاً[6]،  وفي الذكرى الثالثة ليوم 25 يناير/كانون الثاني 2014، متسببة في قتل ما لا يقل عن 64 متظاهراً في أرجاء مصر.[7]

    الاعتقالات الجماعية

    في عهد الرئيس مرسي قامت الشرطة باعتقال ما لا يقل عن 800 متظاهر في مظاهرات مختلفة بأنحاء مصر.[8] وفي واقعة واحدة أمام القصر الرئاسي في ديسمبر/كانون الأول 2012، أشارت روايات ذات مصداقية قدمها ضحايا وشهود لـ هيومن رايتس ووتش إلى قيام مؤيدي الرئيس بتعريض عشرات الأشخاص لإساءات. أخفقت قوات الأمن في التدخل لحماية الاعتصام السلمي الذي أقامه متظاهرون معارضون لمرسي ووقف العنف من جانب المتظاهرين المؤيدين والمعارضين على السواء.[9]

    وفي أعقاب خلع الجيش لمرسي في أوائل يوليو/تموز، انطلقت حملة مشددة من الاعتقال والاحتجاز انصبت في الأغلب على أعضاء الإخوان المسلمين والمتعاطفين معهم. وبحسب أرقام الحكومة نفسها، احتجزت قوات الأمن ما لا يقل عن 22 ألف شخص منذ يوليو/تموز.[10] وقد قدرت “ويكي ثورة “، وهي مبادرة يديرها المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن السلطات اعتقلت أو وجهت الاتهام إلى ما يزيد على 41 ألف شخص منذ 3 يوليو/تموز 2013.[11] تم اعتقال الكثير من المحتجزين لمجرد ممارستهم السلمية لحقوق التجمع السلمي أو تكوين الجمعيات أو حرية التعبير أو الانتماء إلى الإخوان المسلمين، بما في ذلك مجرد استعراض شارات للتذكير بمذبحة رابعة.[12]

    وقام مسؤولون عسكريون باحتجاز مرسي مع تسعة من كبار مساعديه في مركز احتجاز عسكري سري طوال شهور.[13]كما اعتقلت الشرطة أغلبية القيادات العليا والعديد من القيادات المتوسطة للإخوان المسلمين وحزبهم السياسي، حزب العدالة والتنمية، في أنحاء البلاد، بما في ذلك شخصيات ضالعة على نحو حصري في شؤون السياسة والاتصالات.[14]

    وأمرت النيابة بحبس معظم هؤلاء المحتجزين احتياطياً على ذمة التحقيقات بتشكيلة من التهم الجاهزة، تشمل التحريض على العنف أو المشاركة فيه، و”البلطجة”، والتخريب، والانتماء إلى جماعة محظورة أو إرهابية، والتجمع العام دون تصريح. وقام أفراد النيابة في عشرات القضايا التي راجعتها هيومن رايتس ووتش بتجديد أوامر الحبس الاحتياطي على أساس أدلة واهية لا تكاد تجيز الملاحقة، فكأنها احتجزتهم تعسفياً لشهور متصلة. وتشير تقارير متزايدة إلى تعرض عشرات المحتجزين للتعذيب وإساءة المعاملة أثناء الاحتجاز.[15] في واقعة واحدة يوم 18 أغسطس/آب 2013، بعد 4 أيام من فض اعتصامي رابعة والنهضة، قام أفراد من الشرطة المصرية أمام سجن أبو زعبل في القاهرة بإلقاء عبوات الغاز المسيل للدموع في صندوق عربة ترحيلات مزدحمة، تكوم فيها 45 سجيناً طوال 6 ساعات في درجات حرارة تناهز الأربعين مئوية، مما أدى إلى وفاة 37 رجلاً.[16]

    وقد اتسم الكثير من المحاكمات التي راجعتها هيومن رايتس ووتش بالافتقار إلى النزاهة وشابتها انتهاكات جسيمة للحق في سلامة الإجراءات، في مخالفة للقانون المصري والمعايير الدولية على السواء. أخقت تلك المحاكمات، بما فيها المحاكمات الجماعية لمئات الأشخاص في قضية واحدة، في تقييم الذنب الفردي لكل متهم على حدة، وأدت مع ذلك إلى أحكام سجن مطولة أو حتى عقوبة الإعدام، التي تعارضها هيومن رايتس ووتش في كافة الظروف. أدت بعض القضايا إلى التبرئة. وأوصت محكمة الجنايات في المنيا بإعدام ما يزيد على 1200 شخص في أحكام ابتدائية صدرت في قضيتين منفصلتين في مارس/آذار وأبريل/نيسان 2014، دون السماح للمتهمين بحق تقديم دفاع جاد أو حتى تقييم حصولهم على تمثيل قانوني أو وجودهم في المحكمة من عدمه، فتقاعست إلى حد بعيد عن التيقن من الذنب الفردي لكل منهم.[17] تم تخفيف العديد من هذه الأحكام عند الحكم النهائي، مما أدى إلى أحكام مطولة بالسجن على البعض وتبرئة آخرين.[18]

    فرض القيود على حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات

    في أعقاب خلع الرئيس السابق حسني مبارك، انفسح مجال لمنتقدي الحكومة للتعبير العلني عن آرائهم في وسائل إعلام ذات ملكية خاصة. لكن أثناء العام الذي قضاه الرئيس مرسي في منصبه، استأنفت النيابة حبس صحفيين ونشطاء بتهم “إهانة” الرئيس أو غيره من المسؤولين والمؤسسات، و”نشر معلومات كاذبة” باستخدام نصوص من قانون العقوبات تعود إلى عهد مبارك.[19] وبعد يوليو/تموز 2013 قامت الحكومة المدعومة من الجيش بإغلاق كافة القنوات التلفزيونية المرتبطة بالإخوان المسلمين أو المتعاطفة معهم، إضافة إلى قنوات إسلامية أخرى.[20] واستهدفت مصر بوجه خاص قناة الجزيرة التي يقع مقرها في الدوحة وكذلك مكاتبها في مصر، فاعتقلت العديد من مراسليها. وحصل ثلاثة من صحفيي “الجزيرة إنغليش”، هم محمد فهمي وبيتر غريست وباهر محمد، على أحكام بالسجن لعدة سنوات بعد محاكمة أخفق الادعاء خلالها في تقديم أية أدلة ذات مصداقية على ارتكاب جرائم.[21]

    وأصدرت الحكومة في نوفمبر/تشرين الثاني قانوناً جديداً يفرض قيوداً مشددة على المظاهرات السلمية كما استمرت في الاستعانة ببنود من قانون العقوبات تجرم حرية التعبير لسجن صحفيين ونشطاء. سجنت السلطات نشطاء بارزين مثل أحمد ماهر المشارك في تأسيس حركة شباب 6 أبريل، ومحمد عادل القيادي في 6 أبريل، والمدافعتين عن حقوق الإنسان ماهينور المصري ويارا سلام، والمدونين أحمد دومة وعلاء عبد الفتاح، بموجب قانون التظاهر الجديد، إضافة إلى عشرات الآخرين من النشطاء ومنتقدي الحكومة. حصل ماهر ودومة وعادل على أحكام بالسجن لمدة 3 سنوات في ديسمبر/كانون الأول 2013.[22] وحصلت المصري على حكم بالسجن لمدة عامين في مايو/أيار 2014.[23] وحكم على عبد الفتاح بالسجن لمدة 15 عاماً في يونيو/حزيران 2014.[24] تم احتجاز سلام وهي رهن المحاكمة في توقيت كتابة التقرير.[25] كما اعتقلت السلطات بعض النشطاء القليلين الذين اعترضوا صراحة على مشروع الدستور المقدم من الحكومة المدعومة عسكرياً، أو دعوا إلى التصويت عليه بـ”لا” في استفتاء يناير/كانون الثاني 2014 الدستوري.[26]

    وفي يناير/كانون الثاني فرضت الحكومة المنع من السفر على الأستاذ الجامعي وعضو البرلمان السابق عمرو حمزاوي. اتهمت النيابة حمزاوي بـ”إهانة القضاء” استناداً إلى تغريدة اعتبرت إحدى القضايا المنظورة أمام المحاكم مسيسة. وفي الشهر نفسه وجهت السلطات إلى أستاذ جامعي بارز آخر، هو عماد شاهين، تهمة التآمر مع منظمات أجنبية للإضرار بالأمن القومي. وكان حمزاوي وشاهين قد انتقدا سياسات الرئيس مرسي، لكنهما انتقدا أيضاً القمع الغليظ الذي أعقب خلعه.[27]

    في 25 ديسمبر/كانون الأول 2013 أعلنت الحكومة عن توصيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، ومنذ 3 يوليو/تموز 2013 قامت السلطات أيضاً بتجميد الأموال الخاصة بكبار قادتها واستولت على أكثر من 1000 جمعية أهلية مرتبطة بالإخوان والعشرات من المدارس المنتسبة إليهم.[28] ولم تقدم الحكومة حتى الآن أساساً استدلالياً لهذا التوصيف وما صاحبه من عقوبات.

    في 28 أبريل/نيسان 2014 قامت محكمة الأمور المستعجلة بحظر أنشطة حركة شباب 6 أبريل، التي قادت العديد من الاحتجاجات الجماهيرية أثناء انتفاضة 2011، وأمرت السلطات بإغلاق مقراتها. حكمت المحكمة بأن الجماعة “تتعاون مع دول أجنبية، منها الولايات المتحدة، لقطع المعونة الأمريكية، وحيازة أسلحة والتظاهر ونشر الفوضى في البلاد”، كما أنها “شوهت صورة مصر”.[29]

    وفي 19 ديسمبر/كانون الأول 2013، بعد منتصف الليل مباشرة، قامت قوات الأمن بمداهمة مكتب المنظمة الحقوقية البارزة، المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في القاهرة، واحتجزت اثنين من العاملين بها وأربعة متطوعين، مخضعة إياهم لسوء المعاملة قبل الإفراج عن خمسة من المجموعة في الصباح التالي. أما السادس، وهو محمد عادل المذكور أعلاه، فقد حكم عليه بالسجن لمدة 3 سنوات لمزاعم بمخالفة قانون التظاهر.[30] وفي 22 مايو/أيار 2014 داهمت الشرطة مكتب المنظمة نفسها في الإسكندرية واعتقلت لفترة قصيرة ما لا يقل عن 15 من النشطاء والمحامين، معرضة إياهم لإساءة المعاملة.[31]

     .II فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة

    قام الآلاف من المصريين، خلال الفترة السابقة على مظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013 المعارضة للحكومة والتي دعت إليها مجموعة “تمرد” الاحتجاجية، وكذلك في أعقاب خلع الجيش لمحمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013، بتنظيم مظاهرات شملت أرجاء مصر لإظهار التأييد لمرسي. وتحول مسجد رابعة العدوية بحي مدينة نصر شرقي القاهرة، الواقع على بعد كيلومترات قليلة من القصر الرئاسي، تحول بعد 3 يوليو/تموز إلى مركز لاحتجاجهم، مع قيام المنظمين بإعلان اعتصام مفتوح حتى يقوم الجيش بإعادة مرسي للرئاسة. وقد احتفظ مؤيدو الإخوان أيضاً بمخيم اعتصام أصغر حجماً في ميدان النهضة بالجيزة، في القاهرة الكبرى.

    وزارت هيومن رايتس ووتش موقعي الاعتصام في عدة مناسبات قبل الفض، فكان كلاهما مزدحماً بسيدات وأطفال إضافة إلى الرجال. وباستخدام الصور الملتقطة من الجو قدرت هيومن رايتس ووتش وجود ما يناهز الـ85 ألف متظاهر في اعتصام رابعة وحده، يوم 2 أغسطس/آب.[32] وهناك مقطع فيديو يصور الاعتصام من الجو في مساء ذلك اليوم.[33]

    وقد أثارت الحكومة احتمالية الفض منذ الأيام الأولى للاعتصامين، متعللة بضرورة وضع حد لاحتجاز أفراد من غير الإخوان المسلمين والإساءة إليهم، وهو ما زعمت أنه يتم داخل الاعتصامين، وكذلك تعطيل المرور وإزعاج سكان منطقتي الاعتصام، وخطابات التحريض والطائفية الصادرة من قادة الإخوان. وفي 31 يوليو/تموز فوض مجلس الوزراء المصري وزير الداخلية في “اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمواجهة هذه المخاطر ووضع حد لها في إطار الدستور والقانون”، مستشهداً بما أطلق عليه تفويضا شعبياً “لمحاربة العنف والإرهاب”.[34] وفي الأيام المؤدية إلى الفض، وعد مسؤولو الأمن بفض متدرج يشتمل على تحذيرات ومخرج آمن.[35]

    لكن هذه الاحتياطات لم تتخذ، وفي 14 أغسطس/آب استخدمت السلطات القوة المميتة العمدية عديمة التمييز لتفريق الاعتصامين، حيث كان المتظاهرون يخيمون طوال 45 يوماً، مما أدى إلى واقعة من الأكثر دموية بين وقائع القتل الجماعي لمتظاهرين سلميين في معظمهم في التاريخ الحديث.[36] ورغم لجوء قوات الأمن المصرية مراراً منذ عام 2011 إلى القوة المفرطة للرد على مظاهرات، إلا أن عمليات الفض يوم 14 أغسطس/آب كانت بلا سابقة على مقياس الوحشية الخالصة.

    بحلول نهاية ذلك اليوم كانت الشرطة بالتنسيق مع الجيش قد قتلت ما لا يقل عن 904 أشخاص أثناء عمليات الفض، 817 على الأقل في رابعة و87 في النهضة، وبينهم سيدات وأطفال. في سبتمبر/أيلول قال رئيس الوزراء الببلاوي لصحيفة المصري اليوم اليومية المصرية إن حصيلة الوفيات في منطقة رابعة وميدان النهضة “تقترب من الألف”.[37] قتل 10 أفراد من قوات الأمن أيضاً ـ 8 في رابعة و2 في النهضة. ورغم أن بعض المتظاهرين كانوا مسلحين وأطلقوا النيران على الشرطة، إلا أن هيومن رايتس ووتش خلصت إلى قلة أعدادهم استناداً إلى 132 مقابلة مع متظاهرين وسكان محليين ومسعفين وصحفيين من كلتي الواقعتين، وإلى مراجعة لساعات من مقاطع الفيديو.

    كما خلصت هيومن رايتس ووتش، متابعة لتحقيقها الذي دام سنة كاملة، إلى أن الحكومة استخدمت القوة غير المتناسبة، وأخفقت في اتخاذ إجراءات لتقليل الخسائر في الأرواح، وأطلقت الذخيرة الحية عن علم على متظاهرين عزل، مرتكبة بهذا انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان. وتشير الطبيعة الممنهجة واسعة النطاق لعمليات القتل العمدي عديم التمييز، مقرونة بأدلة تشير إلى تحسب الحكومة وتخطيطها للانخراط في عمليات قتل جماعي غير مشروعة، أي جرائم قتل، وتطابقها مع نمط ثابت من قتل المتظاهرين، تشير كلها إلى أن الانتهاكات قد ترقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية. وبعد مرور عام، لم تبذل السلطات أي جهد للتحقيق مع رجال الشرطة والجيش وغيرهم من المسؤولين أو محاسبتهم على أفعالهم بأي سبيل آخر.

    فض اعتصام رابعة بالقوة

    رؤية عامة

    تقع منطقة رابعة العدوية عند تقاطع طريق النصر، وهو شريان حيوي يربط وسط القاهرة بمطارها الدولي، مع شارع الطيران في حي مدينة نصر بشرق القاهرة. قام المتظاهرون باحتلال شريط يبلغ طوله كيلومتراً واحداً تقريبا من طريق النصر، يمتد من شارع يوسف عباس غرباً وحتى طيبة مول في الشرق، علاوة على شريط يبلغ نصف الكيلومتر تقريباً من شارع الطيران وشوارع جانبية تتعامد عليه. تنسب المنطقة إلى المسجد الواقع في قلبها، وتحيط بها مبان سكنية وحكومية، ومن بينها قاعدة عسكرية في المربع الشمالي الشرقي منها، ومبنى إدارة المرور بوزارة الداخلية على الجانب الشرقي من طريق النصر، ومبنى لوزارة الدفاع في الركن الجنوبي الغربي من المنطقة.

    وقد جاء فض اعتصام رابعة ـ في هجمة استمرت 12 ساعة من الشروق حتى الغروب ـ ليمثل أكثر الأحداث دموية في حملة الحكومة القمعية على المعارضة منذ خلع مرسي في 3 يوليو/تموز. قامت قوات الشرطة والجيش بمهاجمة مخيم الاعتصام عند كل مدخل من مداخله الخمس الكبرى ـ مدخلين على طريق النصر، واثنين على شارع الطيران، وواحد بشارع أنور المفتي ـ بناقلات الأفراد المدرعة والجرافات وقناصة الحكومة المتمركزين على أسطح المباني المحيطة. قال 31 من الشهود أيضاً إنهم رأوا قوات الأمن وهي تطلق الغاز المسيل للدموع والخرطوش أو الذخيرة الخية من مروحيات تحوم فوق المنطقة. حاصرت قوات الأمن المتظاهرين تاركة إياهم دون منفذ يقودهم إلى مخرج آمن من الدقائق الأولى لعملية الفض وحتى نهاية اليوم، بمن فيهم الجرحى المحتاجين إلى عناية طبية عاجلة، والرجال والسيدات والأطفال الملهوفين على الفرار من العنف.[38]

    أخفقت قوات الأمن في توفير تحذيرات كافية تسبق الفض، فالتحذيرات الموجهة في الأيام السابقة لم تحدد تاريخاً وتوقيتاً لإجراء العملية. وقبل دقائق من فتح النيران في صباح 14 أغسطس/آب، قامت قوات الأمن بتشغيل رسائل مسجلة تدعو المتظاهرين إلى الرحيل وتحدد مخرجاً آمناً، من مكبرات صوت قريبة من مدخلين على الأقل من مداخل الاعتصام. ومع ذلك فإن الأغلبية الساحقة مما يزيد على المئة شاهد الذين أجرت معهم هيومن رايتس ووتش مقابلات قالوا إنهم لم يسمعوا التحذير إلا بعد ما فتحت قوات الأمن النيران. ولم يعرف الكثيرون من الموجودين في المنطقة بعملية الفض إلا عند إيقاظهم على أيدي متظاهرين آخرين، أو من صوت ورائحة الغاز المسيل للدموع، وطلقات البنادق عند مداخل الاعتصام.

    بدأت الشرطة هجومها بإلقاء عبوات الغاز المسيل للدموع واستخدام أنواع أخرى، غير مميتة، من أسلحة مكافحة الشغب ضد المتظاهرين قرب مداخل الاعتصام، لكنها سرعان ما صعدت إلى الذخيرة الحية، في غضون دقائق في بعض الأماكن. وكان منظمو الإخوان قد أقاموا لجاناً أمنية عند المداخل، قامت بنصب حواجز بدائية لتعطيل زحف القوات. ومع ذلك فقد دمرت قوات الشرطة الحواجز البدائية التي أقامها المتظاهرون، مع إنشاءات أخرى، في طريقها. احتمى الكثير من المتظاهرين بالمنطقة المركزية للاعتصام، التي ظلت آمنة نسبياً فيما عدا الغاز المسيل للدموع، حتى أواخر الصباح. وكان الوضع في الشوارع الجانبية يتباين من مكان إلى مكان ـ فقد ظل بعضها، مثل شارع سيبويه المصري، آمناً نسبياً طوال معظم اليوم ـ إلا أن الوصول إليها لم يكن ممكنا إلا بمواجهة النيران عند أحد المداخل الخمس الكبرى.

    وكثفت القوات الزاحفة والقناصة فوق المباني من نيرانهم على مدار الصباح، مطلقين النار في بعض الأحيان باستمرار لدقائق متصلة دون توقف. وكان المدخل الرئيسي لمستشفى رابعة، الذي أطلق عليه بعض المتظاهرين اسم “ممر القناصة”، هدفاً لنيران القناصة طوال قسم كبير من اليوم، مما مثل مخاطرة شديدة على ملتمسي الرعاية الطبية. انضم الكثير من المتظاهرين الذين لم يحتموا بشيء وظلوا عند الأطراف، انضموا إلى اللجان الأمنية وشرعوا في إلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف على القوات الزاحفة، وكانوا في بعض الحالات يحملون العصي والهراوات. كما حمل بعض المتظاهرين أسلحة نارية وأطلقوها على الشرطة؛ لكن عدد المسلحين كان محدوداً بحسب شهادات الشهود. وبحلول الساعة 9-10 صباحاً كانت هذه الأساليب الدفاعية البدائية، المركزة في نقاط استراتيجية عند المداخل، قد نجحت في إبطاء زحف القوات مؤقتاً.

    وبعد استراحة وجيزة في منتصف النهار تضاءلت فيها الاشتباكات، كثفت قوات الأمن بالتنسيق مع القناصة من نيرانها وشنت هجمتها النهائية على قلب الاعتصام. قتل الكثيرون في تلك الساعات الأخيرة، في غياب الحماية من الطلقات النارية واسعة النطاق عن أي جزء من أجزاء المنطقة. فتحت قوات الأمن النيران على منشآت كانت قد تحولت إلى مرافق طبية بدائية، ومنها مستشفى رابعة، والمستشفى الميداني، والساحة المجاورة لمسجد رابعة. وبحلول الساعة 5:30 مساءً تقريباً كانت الشرطة قد طوقت المتظاهرين الباقين حول مسجد ومستشفى رابعة العدوية، سامحة لغالبية المتبقين في النهاية بالخروج، مع تعليمات بترك الجثث والجرحى خلفهم. ومع مغادرة آخر المتظاهرين للمنطقة اشتعلت النيران في المنصة المركزية، والمستشفى الميداني، والمسجد، والطابق الأول من المستشفى، بأيدي قوات الأمن على الأرجح. احتجزت الشرطة أكثر من 800 متظاهر على مدار اليوم، واعتدت على بعضهم بالضرب والتعذيب، وحتى الإعدام  الميداني في العديد من الحالات.

    انطوت العملية على تعاون وثيق بين الشرطة والجيش. وتولت الشرطة، المكونة من قوات الأمن المركزي، أو شرطة مكافحة الشغب المصرية، والقوات الخاصة المخصصة في الأغلب للعمليات ذات الطبيعة الخاصة، تولت الدور القيادي أثناء الفض، ويبدو أنها المسؤولة عن معظم القوة المميتة المستخدمة. ورغم صعوبة التمييز بين قوات الأمن المركزي والقوات الخاصة بالنظر لتشابه التسليح الذي كان أفرادهما يرتدونه أثناء الفض، إلا أن وزير الداخلية إبراهيم قال إن القوات الخاصة كانت تقود الهجمة الأخيرة على منطقة رابعة. قام الجيش أيضاً بدور مساند هام، فقامت قواته بتأمين المداخل، ومنع المتظاهرين من الدخول أو الخروج، وبتشغيل الجرافات التي طهرت الطريق أمام الشرطة الزاحفة، وبتشغيل بعض المروحيات، بما فيها “الأباتشي”، التي حامت فوق المنطقة، وبفتح قاعدة عسكرية مجاورة لمنطقة رابعة للقناصة.

    طريق النصر، طيبة مول (المدخل الشرقي)

    بدأ الفض من الشرق مع وصول قوات أمنية إلى طريق النصر بالقرب من طيبة مول وشارع أنور المفتي، الموازي له خلف طيبة مول، في حوالي الساعة 6:15-6:30 صباحاً. أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 26 شاهداً قرب مدخل طيبة مول المفضي إلى منطقة رابعة، ولم يسمع أي منهم بتحذير أصدره الجيش قبل بدء الفض.[39]

    ولم يعرف العديد من الشهود بوجود قوات أمنية لفض المتظاهرين بالقوة إلا بعد بدء العملية فعلياً. قالت أسماء شحاتة، وهي متظاهرة شابة، لـ هيومن رايتس ووتش إنها كانت تسير نحو سيارتها المصفوفة قرب طيبة مويل حين شاهدت الغاز يتساقط حولها فجأة.[40] وقال أحد قادة مجموعة “شباب ضد الانقلاب” إنه استيقظ في خيمته التي نام فيها بعيد السادسة صباحاً عند سماع طلقات نارية تأتي من كل مكان حوله، وجرى فوراً نحو مركز الاعتصام.[41]

    بدأت قوات الأمن هجومها بإلقاء عبوات الغاز المسيل للدموع من شارع أنور المفتي على طريق النصر، وبإطلاق النيران من موقع يعلو مبنى المخابرات العسكرية في قاعدة الجيش المجاورة، بحسب ما قل شهود لـ هيومن رايتس ووتش. قال مصور فيديو عمره 19 عاماً لـ هيومن رايتس ووتش إنه لاحظ القناصة في البداية داخل القاعدة الساعة 2 أو 3 من صباح ذلك اليوم، وهم يحصنون دفاعاتهم. بدأ القناصة في إطلاق النيران منذ الدقائق الأولى للفض.[42]

    وقد قص 4 متظاهرين على هيومن رايتس ووتش أنهم شهدوا طلقات نارية من قاعدة الجيش تصيب أحد أعضاء “أولتراس نهضاوي”، المجموعة الشبابية المؤيدة لمرسي.[43] ووصف طالب بمدرسة ثانوية كان ينام قرب طيبة مول لـ هيومن رايتس ووتش أنه رأى ضابطاً من القاعدة “يلمح [تم حجب الاسم] ويصيبه في الساق بعبوة غاز مسيل للدموع” مما أدى إلى سقوطه.[44]

    قام القناصة المنتشرين فوق أسطح القاعدة بمساندة قوات الأمن الزاحفة غرباً نحو مركز الاعتصام على طريق النصر من طيبة مول، وبحسب شهود أجرت معهم هيومن رايتس ووتش مقابلات، تقدمت القوات في تشكيلات: في البداية تقوم جرافة كبيرة من نوع “كاتربيلار” مزودة بجنزير دبابة معدني بدلاً من العجلات بتطهير الطريق، “مكتسحة أي شيء في طريقها”،[45] بما في ذلك أكياس الرمل والجدران الحجرية البدائية التي نصبها متظاهرون لتعطيل الزحف. وكان على جانبي الجرافة مدرعات يقودها رجال القوات الخاصة. وتتبعها من الخلف شاحنات الأمن المركزي، بينما تقوم قوات الجيش بتأمين الأطراف ومنع متظاهرين جدد من دخول المنطقة.

    قال أعضاء اللجنة الأمنية للإخوان المسلمين، المكلفين بتأمين مدخل طيبة مول، والذين أجرت معهم هيومن رايتس ووتش مقابلات، قالوا إنهم اختبأوا خلف أكياس الرمل واستخدموا استراتيجيات متنوعة في محاولة إبطاء الزحف.[46] وبحسب الشهود، قام الكثير من المتظاهرين بإلقاء الحجارة ثم زجاجات المولوتوف لاحقاً على قوات الأمن الزاحفة، وأحرق بعضهم إطارات بينما استخدم آخرون الألعاب النارية لإخافة القوات أثناء تقدمها.[47]

    وسريعا جدا، لجأت القوات الزاحفة وقناصو الشرطة المصاحبون لها إلى استخدام الخرطوش والذخيرة الحية، على حد قول الشهود. وبحسب طالب المدرسة الثانوية الذي شهد الواقعة، أصيب عضو “أولتراس نهضاوي” نفسه في نحو السادسة والنصف صباحاً برصاصة حية في الحوض، رغم أنه لم ير من أين جاءت.[48] قال المتظاهر المصاب محمد علي لـ هيومن رايتس ووتش يوم 14 أغسطس/آب، بينما كان يرقد بساق يمنى مدماة ومضمدة في مستشفى رابعة، إنه كان يقف بجوار خيمته، قرب مقدمة طريق النصر، حين أتت الشرطة وأطلقوا النار على ساقه اليمنى فوق الركبة.[49]

    ووصف أب لـ3 أطفال وعضو بإحدى لحان الإخوان الأمنية المكلفة بحماية المستشفى الميداني بطريق النصر غربي طيبة مول، وصف سماع طلقات حية “في تتابع سريع” بعد دقائق من رؤية الغاز المسيل للدموع.[50] وتذكرت شحاتة أنها سمعت “طلقات متتابعة سريعة” بعد ما لا يزيد عن 10 دقائق من رؤية الغاز لأول مرة.[51]

    ووصف رجل كان يسعى لبلوغ المستشفى الميداني في قلب منطقة الاعتصام، وصف كيف بدأ القناصة في قاعدة الجيش إطلاق النار دون تمييز على المتظاهرين بعد قليل من بدء الطلقات النارية:

    رأيت ضابطاً أو اثنين فوق مبنى المخابرات العسكرية على الجهة الشمالية من طريق النصر، بمواجهة طيبة مول. ونحن نسميها الوحدة 75. وكان واحد أو اثنان آخران يقفان فوق مبنى المرور التابع للداخلية على نفس الجهة التي بها طيبة مول من طريق النصر. كانوا مثل القناصة، لكنهم يطلقون النار عشوائياً. كانوا يختبئون خلف أكياس رمال فوق المبنى. يقفون لإطلاق النار ثم يعاودون الاختباء. وظلوا يفعلون هذا: يطلقون النار، ثم يختبئون.[52]

    ويظهر في مقطع فيديو راجعته هيومن رايتس ووتش متظاهرة تصاب بالرصاص في عنقها وهي تحمل كاميرا فيديو يدوية في الصباح على طريق النصر من جهة الشرق.[53]

    وقال شاهد آخر، وهو رجل أعمال شارك في الاعتصام:

    أطلقوا الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية على الفور. كانت من القوة بحيث لا يمكنني وصفها. لم تكن مثل المرات السابقة [مشيراً إلى واقعتي الحرس الجمهوري والمنصة]، رصاصة أو اثنتين في المرة. كان الرصاص ينهمر كالمطر. شممت رائحة الغاز ورأيت أشخاصاً يصابون على الفور. لم نسمع أي تحذير. لا شيء. كانت جهنم.[54]

    وكانت حبيبة عبد العزيز، وهي صحفية عمرها 26 عاماً لدى “إكسبريس”، المطبوعة الشقيقة لصحيفة “غلف نيوز” الصادرة من الإمارات، كانت واحدة من الذين سقطوا مع أثناء زحف القوات من طيبة مول. عند الساعة 7:33 صباحاً أرسلت حبيبة رسالة نصية إلى أمها تخبرها بأنها ستتجه إلى خط المواجهة من مركز الاعتصام “بعد قليل”.[55] كانت قد أحضرت الكاميرا معها لتغطية الزحف، كما قال شاهدان لـ هيومن رايتس ووتش. وقالت إحدى صديقات حبيبة لـ هيومن رايتس ووتش: “كانت الشرطة تطلق النار يميناً ويساراً… وكانت حبيبة تحمل كاميرا وحاملها. قلت لها أن ترحل، لكنها لم تستمع ورفضت الرحيل. لقد رأيتها تسقط”.[56] كما ذكر صحفي شهد إطلاق النار أن حبيبة أصيبت بعد هروعها إلى خط المواجهة بصفتها كصحفية لتوثيق الاشتباكات.[57] توفيت عبد العزيز جراء إصاباتها. أرسلت إليها أمها رسالة نصية الساعة 12:46 ظهراً تقول: “حبيبة، طمئنيني عليك أرجوك. لقد اتصلت آلاف المرات. أرجوك يا حبيبتي، لقد استبد بي القلق. أخبريني كيف حالك”.[58]

    لا تتفق تصريحات وزارة الداخلية في صباح 14 أغسطس/آب، الزاعمة بأنها لم تطلق الرصاص حتى ذلك الحين، والمصرة فيما بعد على عدم وقوع خسائر على الجانب الشرقي من طريق النصر حتى وصول قوات الأمن إلى قلب منطقة الاعتصام، لا تتفق مع توثيق هيومن رايتس ووتش.[59]

    وتراجع متظاهرو الإخوان الموجودين على خط المواجهة، بعد تطويقهم، تدريجياً إلى الوراء نحو مركز الاعتصام. ومع تقدم القوات على طريق النصرأخذت تدمر المنشآت في طريقها، وبينها خيمة خشبية من 3 طوابق ذات مكانة رمزية، كان المتظاهرون قد أقاموها على الجهة الشرقية من منطقة الاعتصام.[60] ووجد أب شاب من الإسكندرية، كان قد تمكن من دخول اعتصام رابعة بعد بدء الفض عن طريق الشوارع الجانبية، وجد نفسه “الوحيد” الموجود خلف القوات الزاحفة على طريق النصر. وقال لـ هيومن رايتس ووتش إن الجرافات كانت قد “دمرت كل شيء” وكان ضباط الأمن المركزي، الذين زحفوا خلف القوات الخاصة، يفتشون في الخيام شبه المدمرة بحثاً عن مقتنيات ثمينة لسرقتها.[61]

    بحلول العاشرة صباحاً كانت القوات قد تقدمت حتى مبنى إدارة المرور التابع لوزارة الداخلية والمجاور لمستشفى رابعة الميداني والمسجد. وقد وصفت متظاهرة، كانت قد دخلت أحد المباني بطريق النصر في نحو الساعة 8:30 صباحاً لتجنب الغاز المسيل للدموع، وصفت لـ هيومن رايتس ووتش المشهد عند خروجها في نحو العاشرة صباحاً:

    خرجت لأرى أكبر صدمات حياتي. لم تكن هناك خيام. كانت كلها قد أحرقت. عند دخولي كان الشارع مليئاً بالخيام. وصار المكان كقطعة فحم مشتعلة.[62]

    ومع ذلك فقد عاود متظاهرو الإخوان التجمع. وبعد تركيز عدة مئات من المتظاهرين قرب مبنى إدارة المرور، قام المتظاهرون ببناء حواجز بدائية لتعطيل تقدم القوات، وقاوموا باستخدام الحجارة وزجاجات المولوتوف.[63] قال أحد المتظاهرين لـ هيومن رايتس ووتش إنه شاهد أيضاً ما لا يقل عن بندقية خرطوش واحدة وسط المتظاهرين. ووصف الاستراتيجية المرتجلة التي اتبعوها، والتي ساهمت في منع قوات الأمن من التقدم لعدة ساعات:

    واصلت المدرعات إطلاق النار المستمر، واقتربت قوات ببنادق خرطوش. فأخذنا أوان للحماية من منطقة المطبخ… ووجدنا ثلاجات للدفاع… وكنا نقترب من جوانب طريق النصر ونلقي بالحجارة ثم ننسحب… لم يستطيعوا المرور من وسطنا… واستمرت الأمور على هذا المنوال.[64]

    قال الصحفي المصري المستقل ماجد عاطف لـ هيومن رايتس ووتش إنه شاهد رجل شرطة، في منتصف النهار تقريباً، يصل على قدميه ومعه مكبر صوت لإبلاغ المتظاهرين بضرورة الرحيل عن الجزء المركزي من منطقة اعتصام رابعة، ويصاب بالرصاص على الجانب الشرقي من طريق النصر.[65] ويعمل تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان على إبراز هذا الحادث، الذي قال مؤلف التقرير إنه استند فيه إلى مقابلة مع عاطف، وقد أشاره إليه كعامل رئيسي وراء تصعيد إطلاق النيران من جانب قوات الأمن في فترة أواخر الصباح في تلك المنطقة.[66]

    لم يتسن لـ هيومن رايتس ووتش التثبت من توقيت إطلاق النيران بدقة

    ومع ذلك فقد اشتد إطلاق النيران بالفعل، على ما يبدو، في أواخر الصباح، وسقط العديد من المتظاهرين. قالت إحدى المتظاهرين، وهي طالبة جامعية تدرس الهندسة، لـ هيومن رايتس ووتش إنها قررت التحرك من مركز الاعتصام إلى قرب مبنى إدارة المرور في العاشرة والنصف صباحاً لمساعدة الموجودين على خط المواجهة من خلال تكسير حجارة الرصيف لاستخدامها ضد القوات الزاحفة. وبينما كانت تقوم بهذا قابلت وردة مصطفى، التي كانت تعرف ابنتها، في نحو الساعة 11:15 صباحاً. وقصت على هيومن رايتس ووتش ما حدث بعد هذا:

    كنت أودعها، فأمرنا [الرجال] بالانبطاح. كانت القوات تطلق على ارتفاع منخفض، ولم تكن وردة جالسة، بل راقدة. وفجأة، من حول غطاء رأسها، سقط مخها أمامي.[70]

    وقام متظاهر آخر، كان قد شاهد مصطفى بدوره، بتقديم رواية مشابهة لـ هيومن رايتس ووتش.[71] أسلمت مصطفى الروح في النهاية جراء جراحها وتوفيت في 18 أغسطس/آب، بحسب شهادة الوفاة التي راجعتها هيومن رايتس ووتش.[72]

    بعد ذلك بقليل اندفع المتظاهرون إلى الأمام في جهد لصد قوات الأمن. وكان أحمد عمار، وهو مهندس مدني وعضو في اللجنة الأمنية لمستشفى رابعة الميداني، يشجع المجموعة على مواصلة المقاومة، كما قالت ياسمين عبد الفتاح زوجة عمار، وثلاثة متظاهرين آخرين كانوا على خط المواجهة مع عمار، لـ هيومن رايتس ووتش.[73] وقد وصف لنا شاب في السابعة عشرة، كان يستخدم مقلاعاً لصد القوات ويعتبر عمار بمثابة أب، وصف لنا المشهد الذي تلا هذا:

    وقف أحمد، وتجاوز البوابة [التي كنا قد أقمناها] ورفع ذراعيه قائلاً: “نحن سلميون، لا يوجد شيء هنا”. وعندها قام ضابط من وزارة الداخلية ـ كان يلبس زياً أسود، زي القوات الخاصة، ويحمل بندقية ـ بتذخير سلاحه استعداداً للإطلاق. فوقفت في محاولة لإبعاد أحمد عن طريقه. وكنت على بعد خطوة واحدة، لكنني عجزت عن التحرك. لم أستطع سوى مناداته باسمه. أصابه الضابط في صدره بأربعة طلقات، فسقط.[74]

    وقدم شاهدان آخران روايات مؤيدة عن سقوط عمار.[75] توفي عمار على الفور، تاركاً خلفه زوجة وثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم بين سنة و10 سنوات.[76]

    في أوائل فترة ما بعد الظهر استمر إطلاق النيران من القناصة المنتشرين فوق المباني وإطلاق الغاز المسيل للدموع، لكن قوات الأمن أوقفت زحفها على طريق النصر مؤقتاً. وربما تكون التهدئة قد نجمت جزئياً عن اضطرار بعض رجال الشرطة للعودة إلى مدخل طيبة مول لمنع المزيد من مؤيدي مرسي من دخول الاعتصام.

    ولكن في نحو الثالثة عصراً قامت قوات الأمن بهجمة أخيرة لبلوغ قلب الاعتصام. وقام كيميائي، كان قد شهد الأحداث من المدخل حتى مبنى إدارة المرور، بوصف كثافة النيران التي رآها عندئذ:

    كنت أقف بجوار المبنى… كانت الساعة 2:50 أو 2:55 عصراً… وفجأة رأيت نيراناً كثيفة من كل الاتجاهات. ولمدة 10 دقائق لم يكن هناك أحد في الشارع. ثم رأيت سيدة ورجلاً يسيران نحو قوات الأمن. كانا الشخصين الوحيدين على الأرض. ثم سمعت الرصاص ورأيت السيدة على الأرض. حاول الرجل حملها فتلقى رصاصة وسقط بدوره. كنا عاجزين عن الوصول إلى جثتيهما بسبب الجرافة.[77]

    ووصف متظاهر آخر رؤية قوات الأمن وهي تطلق النار بضراوة بعد ذلك بقليل:

    استدارت إحدى المدرعات بسرعة كبيرة، حتى واجهتنا بجانبها. وحين استدارت تلك المدرعة وأطلقت النار، انحنيت وبدأت أجري. ورأيت رأس رجل بجواري ينفجر. لم تكن معنا أسلحة. لم يكن معنا سوى الحجارة. رأيت [قناصة في] مروحيات يطلقون النار على الناس، ورأيت باب المروحية ينفتح مرة أو مرتين، ويطلق أحدهم النار ثم يغلق الباب.[78]

    تقهقر الكثير من المتظاهرين لتجنب المدرعات التي تقترب، إلى الطريق الجانبي بين مبنى إدارة المرور ومستشفى رابعة الميداني، واختبأ بعضهم في خيام أو خلف أكياس الرمل. ومع ذلك فقد بدأ قناصة إضافيون في إطلاق النار من سطح إدارة المرور والمباني المحيطة. وبحسب متظاهر كان يختبئ في خيمة، كان الرصاص يدخل الخيام وغيرها من المناطق التي كانت آمنة، مما أرغم المتظاهرين الباقين على الاتجاه إلى مركز الاعتصام.[79] وبعد ما يقرب من 11 ساعة من بدء الزحف، وصلت القوات إلى قلب اعتصام رابعة من الشرق.

    شارع أنور المفتي (الموازي لطريق النصر من الشرق، خلف طيبة مول)

    يمتد شارع أنور المفتي موازياً للجزء الشرقي من طريق النصر، ويقف كنقطة دخول محورية إلى القسم المركزي من منطقة رابعة. ويجري الشارع الذي تحفه المقاهي والمتاجر خلف طيبة مول ومبنى إدارة المرور، متصلاً بطريق النصر فيما بين إدارة المرور وقلب منطقة رابعة، وممتداً إلى مستشفى رابعة وشارع الطيران. ونتيجة لأهميته الاستراتيجية، أقام متظاهرو الإخوان عدة نقاط تفتيش أمنية بطول الشارع.

    دخلت قوات الأمن شارع أنور المفتي من شارع عباس العقاد، وهو شارع عمودي على طريق النصر، في نحو السادسة صباحاً. وبما أنه شارع ضيق يقل فيه عدد خيام المعتصمين فقد قادت الزحف هنا ناقلات الأفراد المدرعة وليس الجرافات. قال طالب بكلية الهندسة، كان متمركزاً عند نقطة التفتيش الثانية بشارع أنور المفتي، قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه في نحو الساعة 6:20 صباحاً، في الدقائق الأولى من عملية فض الاعتصام، ألقت قوات الأمن بما يقرب من 10 عبوات من الغاز المسيل للدموع على طريق النصر وعلى متظاهرين عند خط المواجهة بشارع أنور المفتي.[80] وقالت إحدى سكان المنطقة، المقيمة على بعد بضعة مربعات سكنية من شارع أنور المفتي، إنها شعرت بالغاز المسيل للدموع في منزلها بحلول الساعة 6:45 صباحاً.[81]

    وفي غضون 10-15 دقيقة بدأت قوات الأمن في إطلاق الخرطوش والذخيرة الحية، بحسب 11 متظاهراً على خط المواجهة أجرت معهم هيومن رايتس ووتش مقابلات. راجعت هيومن رايتس ووتش مقاطع فيديو تصور نيراناً كثيفة بشارع أنور المفتي في الصباح المبكر، وأجرت مقابلة مع مصور الفيديو الذي قال إنه سجل المشهد من خلف كيس للرمل.[82] ووصف اثنان من المتظاهرين عمرهما 19 عاماً، وكانا يقيمان بالمنطقة ووصلا إلى مسرح الأحداث في السابعة صباحاً فور سماعهما ببدء الفض، وصفا رؤية نيران حية بمجرد الوصول إلى شارع أنور المفتي.[83]

    قال متظاهر عمره 26 عاماً إنه كان بشارع أنور المفتي قبل السابعة صباحاً مباشرة، حين بدأت الشرطة تدخل بالغاز المسيل للدموع:

    وعلى الفور سمعنا دفعة خرطوش مع الغاز المسيل للدموع. حاولت الاختباء لأن النيران كانت في كل مكان. وبينما كنت هناك رأيت 3 أشخاص يتعرضون للرصاص ويسقطون على الأرض، أصيب أحدهم في عينه وأحدهم في جنبه.[84]

    وحكى شاب في الحادية والعشرين من محافظة المنوفية لـ هيومن رايتس ووتش عن كيفية إصابته في وسط هذه النيران المبكرة:

    كنت بين خيمتين، أساعد الناس على التعامل مع الغاز المسيل للدموع. وكانت النيران متواصلة. وفي لحظة شعرت بشعور غريب في ساقي، ثم ألم في منطقة الحوض. كنت بشارع أنور المفتي، أستدير لالتقاط زجاجة مياه غازية [تستخدم لتخفيف آثار الغاز] وفجأة شعرت بألم. وسقطنا جميعاً، وكان عددنا ستة، في خلال ثوان… وضعت يدي على صدري وشعرت به ساخناً… لم أكن أشعر بصدري على الإطلاق. أتتني الرصاصة من الخلف… رأيت دماء على يدي وأصبت بنزيف داخلي… كانت الرصاصة قريبة من القلب.[85]

    حاولت المدرعات التدقم، لكنها عجزت عن اختراق صفوف السيارات والحافلات التي أوقفها المتظاهرون، كما قال شهود. ولاحظ أحد المتظاهرين مدرعة تحاول المرور في الثامنة والنصف صباحاً، لكن أحد إطاراتها انفجر عند السير فوق مسامير كان قد وضعها المتظاهرون، وتراجعت وسط سيل من الحجارة التي يلقيها المتظاهرون.[86] فيما بعد استخدم متظاهرو شارع أنور المفتي زجاجات المولوتوف أيضاً، بحسب كيميائي عمره 24 عاماً كان وسط المتظاهرين.[87] وقال متظاهر أيضاً إنه لاحظ عدة متظاهرين معهم بنادق في مبنى مطل على شارع المفتي في أواخر الصباح.[88]

    اشتدت الطلقات النارية في منتصف الصباح، بحسب متظاهر واحد، حتى اخترقت أكياس الرمل التي كان المتظاهرون يختبئون خلفها.[89] وقال شاب عمره 24 عاماً من الجيزة لـ هيومن رايتس ووتش إنه شاهد طلقات بنادق آلية تأتي من المدرعات وشاهد 5 أشخاص يسقطون في الدقائق الـ15 التي قضاها بشارع أنور المفتي في ذلك الصباح.[90] وحكى طالب بكلية الصيدلة عمره 21 عاماً، كانت قوات الأمن تحتجزه بمنتصف شارع أنور المفتي من نحو 8 إلى 11 صباحاً،حكى أنه رأى قوات تطلق نيران بندقية من فوق مدرعة في منتصف الصباح، ووصف ما حدث مع اقتراب النيران منه في نحو الساعة 10-10:30 صباحاً:

    اقتربت الطلقات منا، رغم أن أيدينا كانت مرفوعة. تلقى الشخص الذي بجواري طلقة في رأسه. وطلب الإذن بدخول الميدان والموت هناك فسمحوا له [الشرطة] بهذا… وتلقيت طلقة خرطوش في شفتي، فأدت إلى شقها.[91]

    قال 15 متظاهراً لـ هيومن رايتس ووتش إن القناصة المتمركزين فوق مبنى إدارة المرور ساندوا القوات الزاحفة. وبينما كان القناصة يوجهون معظم نيرانهم إلى الجزء الغربي من شارع أنور المفتي، قرب مدخل مستشفى رابعة، إلا أنهم قاموا أيضاً بمساندة قوات من الشرق. وقال مصطفى شريف الأستاذ بجامعة عين شمس إنه اختبأ من نيران القناصة في شارع سيبويه المصري، الموازي لشارع أنور المفتي، قرب مدرسة رابعة العدوية، في نحو الساعة 8:30 صباحاً، وشاهد 5 أشخاص يسقطون أرضاً.[92] كان وجودهم يحيل عبور “ممر القناصة” إلى شيء شديد الخطورة طوال معظم اليوم.

    أوقفت قوات الأمن زحفها في منتصف النهار، رغم استمرار النيران الصادرة عن القناصة المنتشرين فوق المباني المحيطة. لكن بالتوازي مع الهجمة الأخيرة على شارع النصر، كثفت القوات من نيرانها في نحو الثالثة عصراً. واسترجع أحد المتظاهرين قوات الأمن وهي تطلق النار عشوائياً بطول الشارع.[93] ووصف متظاهر آخر، كان قد اختبأ مع نحو 40 آخرين في خيمة أمام نقطة تفتيش أمنية بشارع أنور المفتي، وصف كيف انهمرت النيران من بنادق آلية وقناصة فوق مبنى إدارة المرور فجأة “كالمطر” فوق الخيمة. وعند شعور المجموعة سريعاً بالانكشاف، حيث أمكن للقناصة رؤيتهم من سقف الخيمة المكشوف، فإنها تقهقرت إلى ميدان رابعة، مع تفادي النيران الكثيفة. ولم يكن المتظاهر، الذي لم ير سوى 10 أشخاص من الأربعين الذين كان يختبئ معهم عند وصوله إلى الميدان بعد دقائق، متأكداً مما حدث لبقية المجموعة.[94]وفرضت قوات الأمن على شارع أنور المفتي سيطرة تامة بحلول الساعة 4:30 مساءً تقريباً.

    طريق النصر، المنصة (المدخل الغربي)

    على الجهة المقابلة، الغربية، من طريق النصر، امتد اعتصام رابعة حتى التقاطع مع شارع يوسف عباس، بعيد النافورة الكبيرة ومحطة وقود “موبيل” عند نهاية الطريق. ويؤدي طريق النصر، بالتوغل غرباً، إلى المنصة التي ألقى السادات خطابه منها يوم اغتياله في 1981، وقبر الجندي المجهول، وجزء من جامعة الأزهر، وكوبري 6 أكتوبر الذي يربط شرق القاهرة بوسطها.

    وفي التحذيرات المسجلة التي كانت تذاع عند مداخل رابعة، حددت السلطات هذا المدخل كـ”مخرج آمن”، داعية المتظاهرين للرحيل من هنا على وعد بعدم تعرض أي شخص للاعتقال. ومع ذلك فقد كان هذا الجزء من منطقة الاعتصام مسرحاً لنيران مستمرة طوال اليوم، وكما قالت إحدى سكان المنطقة من غير المشاركين في الاعتصام لـهيومن رايتس ووتش، “لم تتوقف أصوات الخرطوش والغاز المسيل للدموع من 6:20 صباحاً … وحتى توقف الهجوم بعد السادسة مساءً”.[95]

    وقال الصحفي المصري المستقل ماجد عاطف، الذي كان يقف بالقرب من شارع يوسف عباس أغلب اليوم، إنه رأى قلة من المتظاهرين يرحلون، لكن معظمهم بقي نتيجة للطلقات النارية والخوف من كون “المخرج الآمن” فخاً لاعتقالهم في طريق الخروج.[96] قال مصور صحفي مصري إنه حين وصل إلى مخرج طريق النصر الساعة 8:15 صباحاً، شاهد الشرطة تعتقل بعض المتظاهرين الملتحين الذين يغادرون الاعتصام.[97]

    بدأت قوات الأمن زحفها على هذا المدخل في حوالي 5:30-6 صباحاً، وقال عاطف إنه سمع مكبرات الصوت الخاصة بالشرطة تذيع التحذير المسجل في نحو الساعة 6:15 صباحاً.[98] إلا أن ثلاثة متظاهرين أجرت معهم هيومن رايتس ووتش مقابلات، وقالوا إنهم كانوا في المنطقة نفسها، قالوا إنهم لم يسمعوا التحذير في ذلك الوقت.[99]

    وقرب الساعة 6:20 صباحاً بدأت قوات الأمن في إطلاق الغاز المسيل للدموع بحسب أحد الشهود. وأفاد محام، تم إيقاظه من خيمته الساعة 6:10 صباحاً بفعل تحذيرات المتظاهرين من أن الفض وشيك، بأنه شم رائحة الغاز المسيل للدموع وهو يصلي بعد دقائق.[100] كما قالت سيدة تعيش على بعد بضع مئات من الأمتار من تقاطع يوسف عباس وطريق النصر، قالت لـ هيومن رايتس ووتش إنها شمت الغاز المسيل للدموع داخل منزلها بحلول الساعة 6:40 صباحاً.[101]

    في نحو الساعة 6:30 صباحاً قام حوالي 100 متظاهر بترك مدخل يوسف عباس لرؤية ما يقبل عليهم بالضبط، كما قال رجل من تلك المجموعة لـ هيومن رايتس ووتش.[102] وقال إن المجموعة صادفت جرافتين مجنزرتين، و4 ناقلات أفراد مدرعة تحمل رجال شرطة، وما لا يقل عن 50 من رجال الشرطة على الأقدام. وقدم شاهد آخر وصفاً مشابهاً للتشكيل الزاحف.[103] وقد أسهب الرجلان في وصف إزالة الجرافات الحواجز البدائية التي كان المتظاهرون قد أقاموها، وشروع القوات على الفور تقريباً في إطلاق الغاز المسيل للدموع، وبنادق مكافحة الشغب غير المميتة، والذخيرة الحية.[104] رد المتظاهرون أساساً بإلقاء الحجارة، لكن في غياب أية حماية خارج الميدان، سقط 20-30 منهم بحسب أحد الرجلين.[105]راجعت هيومن رايتس ووتش مقطع فيديو من ذلك التوقيت بالتقريب وكان يعضد رواية الشاهدين إلى حد بعيد، رغم أنه لم يتضح من الفيديو ما إذا كانت قوات الأمن تطلق ذخيرة حية.[106]

    وبسرعة انسحب المتظاهرون وتقدمت قوات الأمن حتى وصلت قرب مدخل الاعتصام بطريق النصر الساعة 6:45 صباحاً. كانت القوات تهاجم من جانبي شارع يوسف عباس، وكذلك من جهة كوبري 6 أكتوبر على طريق النصر، مطلقة على الاعتصام تشكيلة الأسلحة نفسها، بحسب الشهود. لاحظ أحد المتظاهرين رجلاً كان في ظنه من غير المنتمين إلى اعتصام رابعة، يلوح للشرطة من فوق قضبان الترام القريبة، ويتلقى رصاصة في رأسه في نحو الساعة 6:45 صباحاً.[107] وقال الصحفي محمد حمدي إنه كان يصور بشارع يوسف عباس في السابعة صباحاً حين أصيب رجل كان يقف بجواره بالرصاص في الصدر وسقط على الأرض.[108]

    تجمع المتظاهرون داخل محطة “موبيل” القريبة، بهدف منع القوات من دخول منطقة الاعتصام، بما أن هيكل المحطة ومبانيها كانت تحميهم من النيران المنطلقة وتتيح لهم مكاناً آمناً يمكنهم منه إلقاء الحجارة على القوات الزاحفة. قال طالب صيدلة بجامعة الأزهر لـ هيومن رايتس ووتش إن المتظاهرين كانوا يلقون الحجارة، بالمقاليع في بعض الأحيان، من محطة الوقود ومن خلف أكياس الرمل والحواجز البدائية على طريق النصر.[109] وقال الصحفي ماجد عاطف إنه رأى بندقية خرطوش منزلية الصنع (مقروطة) وسط المتظاهرين في المنطقة، ولم ير أسلحة أخرى.[110] لم ير أي شاهد آخر، بمن فيهم سكان المنطقة غير المنتمين إلى جماعة الإخوان، أسلحة أخرى في هذه المنطقة عند تلك النقطة، كما قالوا.[111]

    نجحت تلك الجهود في منع القوات من دخول طريق النصر حتى الساعة 10:30-11 صباحاً، لكنها كلفت المتظاهرين غالياً. وصف أحد المتظاهرين لـ هيومن رايتس ووتش ما شهده من مقتل متظاهرين في نحو الساعة 8:30 صباحاً:

    رأيت سيدة كانت ترتدي ثياباً سوداء وتلتقط الصور تسقط. وعلمت فيما بعد أنها تلقت رصاصة في الرقبة. ثم رأيت رجلاً يقف بجوار النافورة في منتصف طريق النصر عند تقاطع يوسف عباس. كان المشهد صعباً. لقد تلقى رصاصة في كتفه وسقط. وحاول النهوض فتلقى رصاصة في ساقه. وبدأ يزحف، وتتسرب منه الدماء. كان الوحيد في المواجهة، وظل يتلقى الرصاص في ذراعيه وصدره. لقد تلقى ما لا يقل عن 8 رصاصات. كانت الرصاصة تأتي فيرتعد ثم لا يتحرك… حاولنا جره إلى السلامة، لكننا عجزنا [لبعض الوقت] بسبب النيران.[112]

    وقام متظاهر آخر، كلن يكسر حجارة الرصيف لتقديمها لخط المواجهة، بوصف كيف أن مجموعة شباب من “شباب ضد الانقلاب” كانوا يلقون الحجارة من خلف أكياس الرمل على الخطوط الأمامية. وفي نحو العاشرة صباحاً، كما قال، رأى قوات الأمن تتسلق أكياس الرمل وتطلق الخرطوش على المتظاهرين من مدى قريب. كما رأى الجرافات ترفع أكياس الرمل وتلقيها فوق متظاهرين.[113] وبحسب هذا الشاهد، أوقفت قوات الأمن نيرانها لبرهة قصيرة كي تسمح للمتظاهرين برفع جثث قتلاهم.[114]

    وقال متظاهر آخر، كان ضمن المجموعة التي خرجت لرفع الجثث، إنه يذكر رؤية نحو 20 جثة. ووصف المشهد لـ هيومن رايتس ووتش:

    وجدنا كومة من الجثث فوق بعضها البعض. كانوا جميعاً موتى وليسوا مصابين. كان الحاجر مصنوعاً من أكياس الرمل فاختلط الرمل بالدم. وكان واضحاً أن المدرعة مرت على أطراف البعض. وجدنا أطرافاً مهشمة بالكامل. كان هناك أناس دون أذرع، ومن الواضح أن المدرعة دهستهم. تخيل حمل أكوام من الجثث، إنه شيء لا يمكن تخيله. حتى الجثامين التي تحملها، بينها ذراع شخص وساق شخص آخر. كان مشهداً شديد الصعوبة.[115]

    ومع انقضاء الصباح، بدأت قوات الأمن تكثف من نيرانها، وبدأ القناصة يظهرون ويطلقون النار من المباني الحكومية المجاورة. وصف متظاهر كان ينقل المصابين من شارع يوسف عباس إلى المستشفى الميداني، وصف نيران المدرعات بأنها “بلا هوادة” و”تجعل الأشياء ترتج”.[116] ووصف متظاهر آخر سماع طلقات نارية تأتي من مبنى مجاور هو الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، والنظر أمامه لرؤية الرجل الذي كان أمامه يسقط و”مخه يخرج بين يديه”.[117]

    وكانت ناشطة من المنصورة قد ذهبت إلى طريق النصر للاطمئنان على عرض فني لصور شهداء المتظاهرين من مظاهرات سابقة، كانت قد ساهمت في إدارته، قرب شارع يوسف عباس. وبينما كانت تسير، قالت إنها لاحظت مروحية تطير على ارتفاع شديد الانخفاض ـ يقارب ارتفاع مبنى من 3 طوابق ـ ثم تتوقف بالقرب منها. وقالت لـ هيومن رايتس ووتش إنها بدأت تجري وعند انزلاقها داخل خيمة، قام مسلح في الطائرة بإطلاق الخرطوش على ساقها فأصابها.[118]

    وقال متظاهر آخر لـ هيومن رايتس ووتش إنه شاهد مروحية تلقي بالغاز المسيل للدموع في موعد أسبق من الصباح.[119]

    ونتيجة لتلك الهجمة استولت قوات الأمن على جزء من طريق النصر بحلول الساعة 11 صباحاً، بعد نجاحها في إجلاء المتظاهرين عن محطة “موبيل” للوقود، وتأمين مدخل يوسف عباس إلى طريق النصر على نحو أو آخر بحلول الواحدة ظهراً. خفت حدة الطلقات بعد ذلك بقليل، بحسب متظاهرين وسكان للمنطقة، لكنها عاودت الاشتداد على نحو ملحوظ في الثالثة عصراً تقريباً.

    ورغم هذا فإن قوات الأمن، على العكس من زحفها على الجهة الشرقية من طريق النصر، لم تتوغل في منطقة الاعتصام، بل قام القناصة فوق أسطح المباني بفتح النار مراراً على حشود المتظاهرين، كما قال سكان محليون ومتظاهرون لـ هيومن رايتس ووتش. وصف طالب جامعي الفوضى التي أحاطت بالخيمة التي كان يختبئ فيها في نحو الساعة 3:30 عصراً:

    رأيت رجلاً كبير السن داخل الخيمة يتلقى رصاصة في صدره ويسقط. أتت الرصاصة من المباني القريبة. هرعت إلى الميدان، وكنت أسير منحنياً. كان القناصة في كل مكان، ولم أكن أعرف كيف أتحرك. رأيت خيمة بها 6 شهداء. وكان هناك شخص يقعي بجانبي وعلى وجهه دماء. لم أدر ماذا أفعل، حيث كنت عاجزاً عن حمل الجثث أو المصابين، لأن القناصة كانوا ليصيبونني… كان الأمر قد انتهى. وخطر لي أنني سأموت، ولن أعتقل، بما أنهم جاءوا للقتل.[120]

    وحين وصلت قوات الأمن أخيراً إلى مركز اعتصام رابعة وسيطرت عليه، أعادت إذاعة التحذير المسجل الذي يدعو المتظاهرين للرحيل من المدخل الغربي لطريق النصر قرب المنصة، بحسب عدد من الشهود[121]. وحكت ساكنة محلية، يطل مسكنها على هذا المخرج، لـ هيومن رايتس ووتش عن المشهد الذي طالعها حين بدأ المتظاهرون يرحلون من هذا المخرج:

    في الثالثة عصراً كان المتظاهرون يخرجون في صفوف، العشرات منهم، ربما 80 في المجمل. وكانت قوات الأمن تطلق النار على الأرض لمجرد إخافتهم وإرغامهم على سرعة التحرك حتى نهاية الشارع… عند الساعة 4:30 مساءً رأيت رجال شرطة يضربون [رجلين في أوائل العشرينات] بكعوب بنادقهم حتى عجزت عن رؤيتهما… وعند الساعة 4:45 مساءً رأيت 4 رجال شرطة يطلقون النار على ارتفاع القامة البشرية، وليس على الأرض كما من قبل… وظلوا يطلقون النار لمدة 3 دقائق على الأقل دون توقف على الأربعة. وعند انتهائهم جمعوا فوارغ الطلقات من الأرض.[122]

    قام متظاهر، وكان قد قضى اليوم في الدفاع عن المدخل الغربي إلى طريق النصر، بوصف “الرعب” الذي أحس به عند مغادرة الاعتصام للمرة الأخيرة، فيما كان مسلحون في المدرعات يطلقون النار فوق رؤوس الناس والقوات تلوح بعلامة النصر وتكيل السباب للمتظاهرين.[123] في النهاية، وحتى مع سماح قوات الأمن للمتظاهرين بالخروج من غرب طريق النصر في نهاية اليوم، أخفقت القوات في تأمينه وتحويله إلى “المخرج الآمن” الذي وعدت به.

    شارع الطيران، الحرس الجمهوري (المدخل الشمالي)

    يمضي شارع الطيران، الذي يقطع طريق النصر، من الشمال إلى الجنوب، وفي طرفه الشمالي على الجهة اليمنى قاعدة عسكرية، وعلى اليسار حي سكني، ويمثل منفذاً إلى شارع صلاح سالم، وهو طريق رئيسي يوازي طريق النصر، ومقر الحرس الجمهوري.

    وكما عند بقية المداخل، قامت قوات الأمن بالزحف المبدئي في نحو السادسة صباحاً متجهة نحو الجنوب على شارع الطيران من شارع صلاح سالم. لاحظ الصحفي المستقل ماجد عاطف، الذي ذهب إلى شارع صلاح سالم في السادسة والنصف صباحاً للتأكد من قدرته على الخروج سالماً إذا اضطر لهذا، لاحظ أن جنود الجيش كانوا قد اعتقلوا بالفعل حفنة من “الملتحين” الذين حاولوا ترك الاعتصام. وبعد هذا بقليل رأى عاطف قوات الأمن تطلق عبوات الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين على الخطوط الأمامية بشارع الطيران.[124]

    وفي غضون 15 دقيقة بدأت قوات الأمن في استخدام الذخيرة الحية إضافة إلى الغاز المسيل للدموع. استيقظ محمد طارق، وهو أستاذ لعلم الحيوان من جامعة الإسكندرية، وطالب جامعي عمره 19 عاماً، استيقظ كلاهما من خيمته على الطرف الشمالي من شارع الطيران الساعة 6:45 صباحاً على أصوات النيران الحية والغاز المسيل للدموع.[125] غلب الغاز الكثيف العديد من المتظاهرين على أمرهم، وقال متظاهر لـ هيومن رايتس ووتش إن الغاز المسيل للدموع أدى به إلى فقدان الوعي.[126] وقال طارق إن الكثيرين من حوله كانوا يختنقون بسببه.[127] وفيما كان يساعد المحيطين به على التعامل مع الغاز، لاحظ طارق أنه أصيب بعدد من طلقات الخرطوش.

    قال طارق لـ هيومن رايتس ووتش إنه بحلول الساعة 7:30 صباحاً كانت قوات الأمن “تطلق النار عشوائياً في كل مكان”. وفيما التفت طارق لمواجهة الميدان، أصابته 3 طلقات اخترقت جسمه، واحدة في ذراعه وواحدة دخلت من ظهره وخرجت من صدره، والثالثة أصابته في جنبه، كما قال.[128] سقط طارق ونقل على الفور إلى مستشفى رابعة الميداني، وقال متظاهر إن الكثيرين انسحبوا في تلك الفترة إلى مركز الاعتصام، الذي كان في ذلك الوقت ما زال آمناً نسبياً.[129]

    وزحفت قوات الأمن ببطء خلف الجرافات، التي دمرت المتاريس المنصوبة من قبل المتظاهرين. قال شاهدان لـ هيومن رايتس ووتش إن المتظاهرين حاولوا إبطاء الزحف بإلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف والألعاب النارية، لكن دون كبير جدوى.[130] وبحلول الساعة 10:30-11 صباحاً كانت قوات الأمن قد وصلت إلى حوالي 200 متر من منصة الاعتصام، بحسب متظاهر واحد.[131] وبعد انفراجة قصيرة في إطلاق النيران قرب منتصف النهار، استكملت قوات الأمن زحفها سريعاً، ودفعت المتظاهرين القليلين المتبقين إلى مركز الاعتصام.

    شارع الطيران، عمارة المنوفية (المدخل الجنوبي)

    شهد الجزء الجنوبي من شارع الطيران، المؤدي إلى قلب مدينة نصر بشرق القاهرة، أعنف فصول إطلاق النيران بمنطقة رابعة كلها يوم 14 أغسطس/آب، ففيما كان مخيم الاعتصام يمتد إلى ما وراء مطعم “كنتاكي” قرب شارع ابن هانئ الأندلسي، وقع أكثر العنف أمام بناية تحت الإنشاء كان المتظاهرون يشيرون إليها باسم عمارة المنوفية. يقع المبنى المكون من 10 طوابق، والمسمى على اسم المحافظة التي ينتمي إليها أعضاء اللجنة الأمنية للإخوان المسلمين المكلفة بالأمن عند هذا المدخل، على ناصية شارع سيبويه المصري، وهو شارع جانبي يوفر منفذاً مباشراً إلى مستشفى رابعة.

    بدأت قوات الأمن في إذاعة التحذير المسجل في حوالي الساعة 6:30-6:40 صباحاً بجنوب شارع الطيران، داعية المتظاهرين لإخلاء المنطقة ومشيرة إلى “مخرج آمن”، مع التصريح بأن أي شخص يحاول الخروج من المخرج الآمن لن يتعرض للاعتقال. وبينما قال العديدون في المنطقة إنهم سمعوا التحذير في ذلك الوقت إلا أن أغلبية المتظاهرين الـ19 الذين أجرت معهم هيومن رايتس ووتش المقابلات وكانوا متواجدين عند ذلك المدخل قالوا إنهم لم يسمعوه حتى توقيت لاحق من الصباح. وقالت واحدة من السكان المطلين على شارع الطيران لـ هيومن رايتس ووتش إنها سمعت مكبرات الصوت، من نحو الثامنة صباحاً فما بعدها، تعلن عن ضرورة خروج المتظاهرين من شارع الطيران نحو الجنوب.[132]

    وفي نفس الوقت تقريباً بدأت قوات الأمن تهاجم المتظاهرين على أطراف الشارع بالغاز المسيل للدموع والخرطوش، كما قال 5 متظاهرين على الخطوط الأمامية لـ هيومن رايتس ووتش. قدر أحد المتظاهرين قيام القوات بإلقاء 50 عبوة غاز في الدقيقة في بداية الفض.[133]

    تقدمت الجرافات زحف المدرعات وعربات الشرطة، مكتسحة الحواجز البدائية المصنوعة من الحجارة والرمال وصفوف السيارات التي نصبها المتظاهرون عند المدخل. وبحلول الساعة 7:30-8 صباحاً، كما قال متظاهرون في مسرح الأحداث، بدأت قوات الأمن تستخدم الذخيرة الحية التي وصفوها بـ”العشوائية” و”الجزافية” مع اندفاع القوات شمالاً من شارع الطيران والشوارع الجانبية المتقاطعة معه.[134] بحلول الساعة 8:30-9 صباحاً كانت القوات قد وصلت إلى مسافة أمتار من عمارة المنوفية.

    وكان المتظاهرون في الأساس يحاولون إبطاء زحف القوات بإلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف على قوات الأمن. قص علينا علاء، وهو طالب بالسنة الأولى بجامعة القاهرة، المشهد المروع الذي شهده في ذلك الصباح:

    مع وصول الجرافات لرفع الحواجز، تسلق أحد الأشخاص الجرافة وألقى بحجر على زجاجها الأمامي. وتحركت الجرافة للأمام والخلف ثم التقطته. لقد توفي دون شك.[135]

    قص عدد من المتظاهرين أيضاً على هيومن رايتس ووتش أنهم لاحظوا أو سمعوا عن قلة من المتظاهرين المسلحين في عمارة المنوفية في أواخر الصباح وأوائل ما بعد الظهر. وقال متظاهر، كان يقذف قوات الأمن بالحجارة من داخل عمارة المنوفية، قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه شاهد شخصاً يحمل بندقية خرطوش يدوية الصنع [مقروطة]، وآخر يحمل بندقية فيما بعد، وسمع شخصاً يقول: “لا تقلقوا فلدينا أسلحة وسوف نرد”.[136] كما نشرت وزارة الداخلية مقطع فيديو يبين نيراناً تصدر من عمارة المنوفية في إحدى مراحل الفض.[137]

    كانت عمارة المنوفية توفر للمتظاهرين ارتفاعاً استراتيجيا يمكنهم منه بلوغ القوات الزاحفة بالحجارة وزجاجات المولوتوف، وكذلك جدران وأعمدة للاختباء خلفها. كما قام متظاهرون بإلقاء مقذوفات من شارع الطيران نفسه، ومن محطات الوقود عبر الشارع. قال متظاهر لـ هيومن رايتس ووتش إن متظاهري الخطوط الأمامية كانوا مدعومين بآخرين ظلوا في الخلفية لإحراق الإطارات بهدف تخفيف آثار الغاز المسيل للدموع، وجمع الزجاج والوقود لزجاجات المولوتوف، وتكسير الحجارة لتمريرها إلى الأمام.[138] ونجحت تلك الجهود في منع القوات من دخول الميدان طوال ست ساعات.

    إلا أن قوات الأمن صعدت من نيرانها سريعاً بهدف كسر الجمود. وقال صحفي لـ هيومن رايتس ووتش إنه سمع الصوت المميز لنيران مدفع من عيار 14 مم ـ 8 أو 9 طلقات متتابعة ـ من شارع الطيران في نحو الساعة 10:30 صباحاً.[139] لم تستطع هيومن رايتس ووتش التحقق بشكل مستقل من استخدام هذا السلاح بعينه. وقال عدد من المتظاهرين إنهم شاهدوا القناصة المتمركزين فوق سطح مبنى وزارة الدفاع على الجهة المقابلة من شارع الطيران يفتحون النيران على متظاهرين بأسفل.[140] وقال صاحب متجر للإلكترونيات إن الكثيرين توفوا أثناء تلك الفترة من أواخر الصباح:

    كانت هناك نيران كثيفة تصدر من ضباط فوق مدرعات ومن خلفها. توفي 40 أو 50 شخصاً حولي… تلقى أحدهم طلقة في رأسه فشجته، وسقط مخه على قدمي.[141]

    وبخلاف تهدئة قصيرة في إطلاق النيران حول منتصف النهار، استمر التبادل المتقطع للنيران من جانب، والحجارة وزجاجات المولوتوف من الآخر، حتى نحو الثالثة عصراً، حين لجأت السلطات إلى تصعيد كبير في النيران. وصف أحد المتظاهرين رؤية مدرعة تستدير دورة كاملة قدرها 360 درجة، “وتطلق النار عشوائياً وفي كل اتجاه”.[142] ويؤيد مقطع فيديو شاهدته هيومن رايتس ووتش هذا الوصف، حيث يظهر مدرعة تطلق النار على هذا النحو في اتجاه جنوب شارع الطيران.[143] وصف معاذ علاء، الطالب بجامعة القاهرة، المشهد بالطابق الأول من العمارة في ذلك الوقت:

    بدأوا إطلاق النيران العشوائية فأصابوا الجدار الطوبي (أمامنا). كنت في حالة خوف جدي، فيما تطاير الرصاص حولي. تلقيت رصاصة في قدمي وانكسر أحد أخامصي، وكان الآخر يتدلى منها. كنت في حالة رعب وخطر لي أنني سأموت. لم يكن الرصاص طبيعياً. رأيت شخصاً يحاول الهرب؛ كان يحاول الفرار. فأصيب في ظهره ورأسه. وسقط فجأة بلا حراك… كان الرصاص يصفر حولي، بل كنت أشعر بالهواء… كانوا يستخدمون البنادق سريعة الطلقات… لمدة 20 دقيقة. ولم يكونوا بعيدين. كنت أسمعهم. كما كان هناك قناصة وآخرون يطلقون النار من أعلى.[144]

    وقال علاء لـ هيومن رايتس ووتش إن صديق طفولته مصطفى، الذي كان مقعيا بجواره، وضع رأسه على كتفه في ذلك الوقت. ورغم أن علاء لم يدرك الأمر في حينه، إلا أنه قال إنه  علم لاحقاً بمقتل مصطفى بالرصاص نتيجة الطلقات النارية. قال متظاهر إنه لاحظ قناصة يطلقون النار عشوائياً من مروحيات فوق شارع الطيران.[145] ووصف طالب يدرس علوم الحاسب الآلي، عمره 19 عاماً وكان بعمارة المنوفية، وصف إطلاق النيران بأنه “هيستيري” ملاحظاً أن شدة النيران أدت إلى “سقوط قطع من الخرسانة فوقي”.[146] وقال متظاهر آخر، كان بالمثل قد لاحظ أن شدة النيران خلخلت بعض الأحجار من داخل المبنى، إنه شاهد 10 متظاهرين يسقطون في غضون 5 دقائق أمام عمارة المنوفية.[147]

    وبدعم من النيران الكثيفة، نفذت القوات زحفها الأخير على ميدان رابعة في نحو الرابعة مساءً. وقص طالب بالمدرسة الثانوية عمره 16 عاماً على هيومن رايتس ووتش الجهود التي قام بها مع أصدقاء مقريبن لمحاولة وقف الزحف:

    كنت ألقي بالحجارة وأحاول وقف تقدم [الجرافة]. لكنها دخلت ودهست بعض الجثث. وفجأة رأيت رجال شرطة يجرون خلف الجرافة بالبنادق. وكنت على يمين الجرافة و[صديقي] على يسارها. كنت على وشك أن أصاب، لكن شخصاً دفعني بعيداً عن الطريق. وأنقذ هذا حياتي. لم يكن هناك أحد معه، وتلقى رصاصة في ظهره خرجت من صدره واستشهد.[148]

    ووصف متظاهر آخر، كان بشارع سيبويه المصري العمودي على شارع الطيران، كيف أصيب في نفس التوقيت تقريباً:

    رأيت د. أحمد عبد الفتاح، طبيب الأسنان، يسير ببطء وسلام نحوي، حيث كنت على بعد 10 أمتار. وأصيب برصاصة في ساقه. تناثرت الدماء… وكانت النيران في كل مكان. دعونا الله جميعاً وحاولنا الخروج به، لكننا لم نستطع. ثم خفت حدة النيران وأردت الذهاب. فاستجمعت شجاعتي وذهبت، وجررته عائداً لمسافة مترين فرأيت الدم على ذراعي وأدركت وجود أمر على غير ما يرام. فقفزت للخلف ورأيت أن الرصاصة انفجرت. أعتقد أنهم كانوا يستهدفون صدري، لكنني تحركت لأنني كنت أجره فأصابت ذراعي.[149]

    وبحلول الساعة 4:30-5 مساءً كانت قوات الأمن قد دخلت ميدان رابعة ومستشفى رابعة من شارع الطيران. ولكن على عكس ما حدث في بقية المداخل، استمر الهجوم على الجهة الجنوبية من شارع الطيران، ودخلت الشرطة المصرية عمارة المنوفية على الأقدام الساعة 5 مساءً. وعلى مدار الساعات الأربع التالية، شرعت في ضرب وتعذيب وفي بعض الحالات إعدام المتظاهرين ميدانياً هناك، بحسب 3 شهود.[150]

    وصف أحد المتظاهرين، وكان مذعوراً من مواجهة القوات التي ظلت تطلق النار على الاعتصام طوال اليوم، بعد الصعود إلى الطابق التاسع للمبنى لتوصيل الطعام والشراب للمتظاهرين هناك، وصف لـ هيومن رايتس ووتش ما حدث حين حاول الفرار من المبنى:

    بحثت عن مخرج فلم أجده. ونزلت الدرج إلى الطابق السابع ثم نزلت من هناك على السقالات. وفي الطابق الثاني أمرني ضابط هناك بالنزول. فنزلت، وأمرني الضابط بالرقاد على بطني. رقدت على ظهري وخلعت غطاء رأسي، فصوب مسدسه نحوي ووصفني بالجبان وركلني. كنت وحدي تماماً. وحينها أمرني بالوقوف والذهاب إلى ضابط آخر بنفس الطابق. فذهبت إليه وضربني بكعب بندقيته. كان الطابق الأرضي مليئاً بالجثث، عشرات وعشرات من الجثث.[151]

    ووصف طالب يدرس علوم الحاسبات دخول قوات الأمن إلى عمارة المنوفية:

    دخلوا المبنى وقتلوا خمسة حولي… لم أكن واثقاً مما يجب أن أفعل. لم يكن أمامي مكان أذهب إليه. كان دوري قد حان، وحان أجلي. دخلوا الغرفة وقالوا إننا سنموت. نادوني وقالوا لي أن أغادر المبنى. ودخل ضابط قائلاً: “لا تقلق!” فأنزلت يديّ وعندها ضربني. وصفونا بالكلاب وبشتائم أخرى. وكان كل منهم يضربنا بطريقة مختلفة. كنت بالطابق الأول ولا أدري ماذا أفعل. قال الضابط إننا إذا لم نهرب فسوف يقتلوننا، لكن أحدنا هرب ووجدته ميتاً على الأرض. بصق الضابط على رجل الشرطة الذي أطلق النار قائلاً: “لماذا لم تطلق النار على عينه؟” كانت الجثث كثيرة على الأرض. ورحلت.[152]

    لكن علاء، الذي أصيب في ساقه وفقد صديقه مصطفى في ذلك النهار العصيب، لم يكن بنفس الحظ. وقال لـ هيومن رايتس ووتش إنه مع دخول قوات الأمن، “أطلقوا النار على كل ما كان يتحرك” بما في ذلك الأشخاص الذين يجرون من طابق إلى طابق. وقال إن الضباط كانوا يتفقدون حياة الشخص من عدمها عن طريق “ضربه على الرأس بماسورة البندقية” و”دهس الجرحى”. وقال إنهم كوموا الجثث بعضها فوق البعض مثل “الأهرام”. وقص علينا ما حدث عند وصول الضباط إليه:

    ركلني [الضابط] وداس على رأسي بحذائه الضخم. كان وجهي دامياً لكننا التزمنا الصمت، فمن كان يتحدث يمت. قفز الضابط على رأسي وجسمي، وداس بعنف على قدمي المصابة، وفقدت الشعور فيها. فعلوا الشيء نفسه بآخرين، حسبما رأيت. وبقينا على هذا الحال لمدة ساعة… بجواري كان هناك شخص مصاب: رجل عمره 50 عاماً وأحشاؤه خارج جسمه جراء طلقات نارية. وفعل الجندي به نفس ما فعله بي حتى مات. ضربه في منطقة الإصابة، ركله فيها.[153]

    واستمر التعذيب والقتل عدة ساعات، بحسب علاء، لم يسمع خلالها سوى صرخات المتظاهرين المصابين وهم يتعرضون للتعذيب والقتل. قال متظاهر غادر مركز الميدان عند استيلاء قوات الأمن عليه في نحو الساعة 5:30-6 مساءً، إنه تذكر “سماع أشخاص في [عمارة] المنوفية ينادون”. ووصف رؤية متظاهر كان في نحو الخامسة والعشرين ويرتدي قناعاً للغاز، “يصاب بالرصاص ويسقط وهو يتجه إلى الدرج للخروج”.[154] وقال متظاهر شاب آخر لـ هيومن رايتس ووتش إنه شهد الضرب والتعذيب داخل عمارة المنوفية بعد استيلاء الشرطة عليها في أواخر فترة العصر.[155]

    وبعد برهة قصيرة عاد الضابط إلى علاء:

    ضربني بقسوة لدرجة أنني فقدت الوعي. كان اثنان من الضباط يضربانني في وقت واحد ويطلقان السباب. كنت قد اضطررت لإطالة شعري بسبب الندوب على رأسي. كانا يضربانني وظل أحدهما يضربني ببندقية حتى فقدت الوعي ثانية. وقال لي: “كنت تظن أنك ستدخل الجنة؟ لن تدخلها. نحن من بيدنا أن نقتل، وأن ندخلك الجنة أو النار. سندخلك النار”.[156]

    وبعد هذا بقليل التفت الضابط إلى الرجل الجالس على بعد أمتار قليلة، كما قال علاء:

    قال الرجل [للضابط] إنه مصاب بالسكري وقد يموت إذا لم يأخذ حقنة في بطنه. فأخذ الضابط الحقنة وكسرها. كان الرجل على يساري، على بعد شخصين. وكانت هناك سوائل في فمه. قال سلمان الذي كان بجواري: “هذا الرجل الذي بجواري يموت، أعطوه الماء!” فضربوا سلمان وأحضر الجندي الآخر ماء وسكبه على وجهه وقال له اشرب. كانت القطرات تنحدر، وكان يحاول الإمساك بما بمكنه منها. ومع ذلك فقد كان وجهه دامياً ومتسخاً.[157]

    لم يتمكن علاء من مغادرة عمارة المنوفية إلا في نحو الثامنة والنصف مساءً، بعد ساعات من بسط قوات الأمن لسيطرتها على الميدان، حين جاءت عربة إسعاف وأصرت على نقل المصابين إلى المستشفيات المحلية. كانت عمارة المنوفية آخر جزء تستولي عليه قوات الأمن من اعتصام رابعة.

    قلب ميدان رابعة (مستشفى مسجد رابعة والأبنية المحيطة)

    تمحور اعتصام رابعة حول الميدان الكائن عند تقاطع طريق النصر مع شارع الطيران أمام مسجد رابعة العدوية. وكان منظمو الإخوان قد أقاموا منصة تتدلى منها صورة فوتوغرافية كبيرة لمرسي أمام المسجد. وخلف المسجد مباشرة يوجد مستشفى رابعة، وهو منشأة حكومية متعددة الطوابق تقدم خدمات العيادة الخارجية بانتظام، رغم وجود المرافق الطبية الأساسية فقط. ويقف بجوار المسجد 3 مباني صغيرة منفصلة، كانت مفتوحة للمعتصمين أثناء الاعتصام:

  • المستشفى الميداني، الواقع على الجانب الشرقي من طريق النصر قرب مبنى إدارة المرور والذي حوله المتظاهرون من قاعة للإيجار إلى مستشفى ميداني في الأيام الأولى للاعتصام؛ و
  • المركز الإعلامي الذي كان يمثل نقطة تنسيق مركزية للصحفيين أثناء الاعتصام؛ و
  • قاعة رقم 3، التي كانت محجوزة لكبار القياديين من الإخوان.
  • وفي يوم الفض كان المتظاهرون يحملون الجرحى والموتى إلى القاعات الثلاث، ومسجد رابعة، ومستشفى رابعة، الذي لم يفتح أبوابه للجمهور في يوم الفض بالنظر للعنف الذي بدأ في الصباح الباكر. وكان المعتنون بالجرحى من الأطباء المتطوعين وغيرهم من المهنيين، المتظاهرين هم أنفسهم، باستخدام معدات أساسية من التبرعات.مع بدء الفض بعد السادسة صباحاً بقليل، تركز إطلاق النيران إلى حد بعيد على أطراف الميدان. وحتى نحو التاسعة والنصف صباحاً ظل قلب الميدان آمناً من الغاز المسيل للدموع والطلقات النارية الكثيفة. قالت قلة قليلة من المتظاهرين الذين أجرت هيومن رايتس ووتش معهم المقابلات، والذين كانوا في قلب الميدان، إنهم سمعوا التحذيرات التي أذاعتها قوات الأمن عند بعض مداخل الميدان في الصباح. واستيقظ معظم المتظاهرين في الميدان إما على تحذيرات تذيعها مكبرات صوت من المنصة بأن الفض قد بدأ، أو على صوت الغاز المسيل للدموع والطلقات النارية عند الأطراف.

    ومع ذلك فإن اللجوء السريع للقوة أدى إلى إصابات خطيرة وخسائر من الدقائق الأولى للفض. وبينما كان منظمو الإخوان قد نظموا الأطباء والمرافق الطبية البدائية الصغيرة عند مداخل الميدان، إلا أن مقدار العنف غلب المتظاهرين على أمرهم، فبدأوا على الفور تقريباً في نقل الجرحى والموتى بالمحفات والدراجات النارية ووسائل أخرى إلى مركز الاعتصام. وفي البداية تم وضع أغلبيتهم في المستشفى الميداني والمركز الإعلامي.

    قال طبيبان أجريت معهما المقابلات على حدة، وكانا يتطوعان في المستشفى الميداني، قالا لـ هيومن رايتس ووتش في يوم الفض إنهما استقبلا أوائل الإصابات بالذخيرة الحية في نحو الساعة 6:30 صباحاً.[158] وقال متطوع طبي، كان قد اتصل بـ هيومن رايتس ووتش الساعة 7:10 صباحاً قائلاً إن المستشفى الميداني استقبل بالفعل مصابين بطلقات نارية، قال فيما بعد لـ هيومن رايتس ووتش في مقابلة:

    بلغنا مقدمة المستشفى الميداني في نحو السابعة صباحاً. وكان هناك بالفعل الكثير من الجرحى. رأيت أشخاصاً مصابين جراء الخرطوش والطلقات النارية. كان إطلاق النيران شديد الكثافة، وعجز أشخاص عن التنفس بسبب الغاز. لا يمكنني أن أحدد أعداد المصابين بالخرطوش في تلك اللحظة. كان جريح جديد يصل كل دقيقة.[159]

    وقال طبيب آخر بالمستشفى الميداني لـ هيومن رايتس ووتش إنه بحلول الساعة 7 صباحاً كان 26 متظاهراً قد جيء بهم إلى المستشفى الميداني موتى أو توفوا جراء إصاباتهم هناك.[160]

    عجز العاملون في المجال الطبي، بالنظر لقلة الأطباء ومحدودية الموارد والغياب شبه التام للمعدات، عن تقديم أي شيء يتجاوز العمل على استقرار حالات الإصابة. وقال طبيب متطوع بالمستشفى الميداني لـ هيومن رايتس ووتش إنه بحلول منتصف الصباح شعر بـ”عدم وجود دور لنا كأطباء” حيث كان كل ما بأيديهم تقديمه هو “مجرد تضميد الجراح”.[161]ووصف متطوع آخر المشهد في المستشفى بأنه “مرعب” في وجود “صرخات من كل مكان وبحور من الدماء على الأرض”.[162]

    قام متظاهر أجرت معه هيومن رايتس ووتش مقابلة في أحد فنادق القاهرة في اليوم التالي للفض بتصوير ما رآه عند وصوله إلى المستشفى الميداني مع صديق مصاب في نحو الثامنة والنصف صباحاً:

    كانت الأجسام بكل مكان. أجسام كثيرة جدا، ولا سبيل لمعالجتها. كان هناك رجال يرقدون عاجزين عن الحركة، وكثير منهم بنزيف داخلي، ولا يوجد ما يمكن تقديمه لهم. كنا نسير وسطهم بالكاد. ولم يستطيعوا تقديم شيء [لصديقي] أيضاً، كانوا مغلوبين على أمرهم.[163]

    وتفاقم الوضع في المستشفى الميداني بفعل صعوبة نقل الجرحى وإجلائهم، وقال متظاهرون ومراقبون مستقلون لـ هيومن رايتس ووتش، على نحو متكرر، إنه بمجرد بدء الفض صار التحرك أو مغادرة الميدان خطيرة بسبب النيران الكثيفة. وشبه أحد الصحفيين المصريين الوضع بـ”مصيدة الفئران”، شارحاً أنك ببساطة “لم تكن تستطيع الخروج”.[164]

    وقال صحفي كان قد قضى الأيام الثلاثة السابقة في الاعتصام لـ هيومن رايتس ووتش إنه أراد مغادرة الاعتصام في نحو الواحدة ظهراً، لكن الشرطة كانت قد سدت طرق الخروج كلها، وكان القناصة على الأسطح يطلقون النار على الناس في الشوارع، مما جعل محاولة الرحيل أمراً شديد الخطورة. تمكن الصحفي من الرحيل أخيراً في نحو الساعة 3:30 عصراً بعد البحث عن مخرج آمن طوال ما يزيد على الساعتين دون نجاح.[165] وقالت والدة صبي في الخامسة عشرة لـ هيومن رايتس ووتش إن ابنها اتصل بها من الاعتصام عند بدء الفض قائلاً إنه يريد الرحيل لكنه لا يستطيع بسبب وجود إطلاق نيران في أماكن إعلان الجيش عن مخرج آمن. انتهى الأمر بالصبي إلى الإصابة بجرح في الرأس، بسبب طلقة مطاطية على ما يبدو، كما قال أطباء للأم.[166]

    قال متظاهر واحد لـ هيومن رايتس ووتش إنه رغم وجود عربات إسعاف عند مداخل الميدان إلا أنها ظلت عاجزة عن التحرك طوال اليوم تقريباً:

    احتاج أفراد الطواقم الطبية لنقل المصابين من المستشفى الميداني إلى مستشفيات أخرى بسبب ازدحامه الشديد، لكن الشرطة لم تكن تسمح لعربات الإسعاف بالمرور، كما أصيب بعض سائقي الإسعاف وقتلوا مثلنا تماماً. لقد رأيتهم في المستشفى مصابين بجراح طلقات نارية. وأدركت أنهم سائقي إسعاف من أزيائهم. كنا ما زلنا في الصباح المبكر… لم يكن هناك مخرج آمن أثناء الهجوم. هناك أربعة مداخل رئيسية لميدان رابعة، ومن البداية هجمت الشرطة من كافة الجهات. بل إن الجنود سدوا الشوارع الجانبية، بحيث لا يمكن لأحد الرحيل.[167]

    ولاحظ المصور الصحفي مصعب الشامي بدوره سائقي إسعاف مصابين ومقتولين في المستشفى الميداني:

    هذا هو المكان الذي التقطت فيه صورة عامل الإسعاف القتيل. كان معه في ذلك الوقت 4 عمال إسعاف آخرون. وطوال وجودي هناك لم أر عربة إسعاف واحدة تتمكن من الوصول للمنطقة وبلوغ الجرحى.[168]

    وبحلول الساعة 8:30-9 صباحاً كانت قوات الأمن قد وصلت إلى قرب مبنى إدارة المرور على طريق النصر، وبدأ الغاز المسيل للدموع،  والخرطوش، والنيران الحية تصل إلى المستشفى الميداني، على بعد أمتار قليلة. وجه الأطباء تعليمات للمتطوعين والمصابين بالابتعاد عن النوافذ، فيما كانت تخترقها طلقات الخرطوش والرصاص. وقال طالب صيدلة، كان يساعد الأطباء في يوم الفض، لـ هيومن رايتس ووتش:

    في الثامنة والنصف صباحاً وصل إلينا الغاز المسيل للدموع وكان الأطباء يحاولون التعامل. لكننا كنا عاجزين عن معالجة أنفسنا، ناهيك عن الغير. أعطينا أقنعتنا للسيدات، لكننا واجهنا صعوبات. انتشر الغاز وكانت هناك حالات اختناق. وقلنا إننا لا نستطيع معالجة الناس مع وجود الغاز بكل مكان، سنعمل حتى نعجز تماماً ثم نرحل. وفي التاسعة صباحاً وصل الخرطوش خلال النوافذ من اتجاه طيبة مول. أصابتني طلقة خرطوش في رأسي ثم تلقيت واحدة في ظهري.[169]

    وفي نفس الوقت تقريباً كان مركز الميدان قد بدأ يتعرض للنيران. وبدأ الغاز المسيل للدموع يتسلل إلى الميدان في الثامنة صباحاً، لكن بحلول الساعة 9:30-10 صباحاً قامت قوات الأمن بإطلاق الغاز المسيل للدموع مباشرة على مركز الاعتصام، كما قال 4 شهود. ورأى اثنان من هؤلاء الشهود، كل على حدة ـ أم كانت مع ابنتها البالغة من العمر 16 عاماً، ووكيل عقاري عمره 29 عاماً ـ الغاز المسيل للدموع ينطلق من مروحيات تحوم فوق الميدان.[170]

    قال ستة شهود لـ هيومن رايتس ووتش إنه بعد قليل من هذا، قام قناصة في مروحية بإطلاق النار على مصور ومساعده، وكانا يصوران الخطب الجاري إلقاؤها على المنصة، فجرحوا الاثنين.[171] وقال طالب بكلية الهندسة بجامعة الأزهر، وعضو بفريق المنصة التنظيمي لـ هيومن رايتس ووتش:

    كنت أقف قرب المنصة، على بعد 3 أو 4 أمتار، وأتحرك جيئة وذهاباً. كانت المروحية فوقي والكاميرا أمامي مباشرة. ونزلت المروحية، وأطلق القناص النار على مصور الفيديو الذي يشغل الكاميرا الرئيسية على المنصة، فأصيب ولم يقتل. رأيته يسقط… وأصيب مساعده أيضاً وتم إبعاده عن المنصة.[172]

    بحلول العاشرة صباحاً كان الوضع في المستشفى الميداني قد أصبح غير محتمل، وأمر الأطباء بنقل المرضى إلى مسجد رابعة والمركز الإعلامي والقاعة رقم 3 ومستشفى رابعة. وقدم أطباء متطوعون ومتظاهرون توصيفات مشابهة لمشاهد الدمار والموت في كل من تلك المواقع، التي كانت قد بدأت بالفعل في استقبال الموتى والمصابين.

    وخلال معظم اليوم قام مسجد رابعة بدور الملاذ للباحثين عن مهرب من العنف، وبخاصة السيدات والأطفال. ومع ذلك فقد تحول قسم منه، بحلول منتصف الصباح، إلى مستشفى ومشرحة. وقالت متظاهرة، كان خطيبها قد قتل أثناء الفض، لـ هيومن رايتس ووتش إن المسجد كان بحلول الساعة 9:30 صباحاً يحتوي على الكثير من الجثث حتى شعرت بأنه “تحول إلى مقبرة”.[173] ومع اشتداد العنف تزاحمت أعداد أكبر من الناس في المسجد، وفي غياب مراوح التهوية ومع إغلاق النوافذ ـ في محاولة لاستبقاء الطلقات النارية والغاز المسيل للدموع بالخارج ـ صار الوضع أصعب وأصعب على الاحتمال، كما قالت متظاهرة دخلت تبحث عن قريب لها لـ هيومن رايتس ووتش.[174]

    كان المركز الإعلامي “مليئاً بالجثث المصطفة جنباً إلى جنب”، كما قالت أسماء شحاتة، ناشطة رابعة التي وثقت أعمال القتل، لـ هيومن رايتس ووتش.[175] ووصف متظاهر المشهد داخل المركز الإعلامي فيما بعد الظهر بأنه “مذبحة” في وجود كثير من الجثث ومساحة غير كافية للمصابين الكثر، ورائحة تشبه محلات الجزارة.

    وسرعان ما امتلأت القاعة رقم 3 بدورها، التي كانت آخر مرفق يتحول إلى مستشفى ومشرحة بدائية في أواخر الصباح. قال طالب طب كان يعالج المرضى في القاعة من 1:30 إلى 6:30 مساءً لـ هيومن رايتس ووتش إنه استقبل “تياراً مستمراً من الشهداء” طوال فترة ما بعد الظهر. وشعر بحلول المساء أن “قدراتهم الطبية توقفت” فيما كانوا “عاجزين عن فعل أي شيء” مع “احتياج الجميع إلى رعاية مركزة”.[176]

    ومع ذلك فبدءاً من أواخر الصباح تحول مستشفى رابعة إلى المقصد الرئيسي للمصابين الجرحى. زارت هيومن رايتس ووتش المستشفى الساعة 3:30 عصراً وشاهدت الكثيرين من المتطوعين يحملون مصابين بطلقات نارية إلى داخل المركز. وكان الأطباء يجرون جراحات لرجال في الممرات، والمستشفى يغص بالمصابين الراقدين على الأرض.

    وص فت إحدى المتطوعين منظر المستشفى عند وصولها في ما بعد الظهر:

    بلغت الطابق الأول من المستشفى الذي كان مغطى بالدماء. وبدأ أن معظم الجراح في الساق والصدر والرأس. كان الطابق الأرضي هو منطقة الاستقبال والتصنيف. ولم يكن المصعد يعمل كما ينبغي. فكان الجرحى يتركون هناك، بعد أن يحضرهم أقاربهم. كان الزحام شديداً والأطباء في غاية التشوش… كانت أبسط اللوازم غائبة… وكان [المرضى] يصرخون في طلب الأطباء… امتلأت المصاعد بالجرحى، وكان الناس يُدخلونهم ويضغطون الأزرار وكفى.[177]

    قال أحد الأطباء إن نحو نصف ما استقبله من إصابات كان في الرأس، وكثير منها في أعلى الرأس، مما يشير إلى مجيئها من أعلى.[178] وقالت طبيبة أخرى لـ هيومن رايتس ووتش إن الساعتين اللتين قضتهما في معالجة المرضى في المستشفى كانتا “أصعب ساعتين في حياتي”، وأطلعتنا على تفاصيل عن المرضى الذين عالجتهم:

    كنات سيدة عمرها 70 عاماً، باسم فضيلة، قد تلقت رصاصة في الرأس. ودخل صبي عمره 18 عاماً قائلاً إن بطنه يؤلمه. ونظرت إلى أسفل فرأيت أن أمعاءه كلها قد خرجت. لقد تلقى 7 رصاصات وتوفي [فيما بعد]. وتلقى آخر رصاصة في وجهه، أدت إلى فتحة في وجهه وسقوط لسانه. لكنه لم يكن يعرف. وقضى 40 دقيقة ينظر إليّ ويشير لطلب المساعدة، لكنني لم أستطع القيام بشيء. لم تكن الجراحة ممكنة.[179]

    قال الدكتور محمد عبد العزيز الذي كان يعمل في المستشفى لـ هيومن رايتس ووتش يوم 14 أغسطس/آب إن جميع من رآهم عدا واحداً كانوا مقتولين بالذخيرة الحية، بطلقات في الرأس والصدر، وإن رجلاً واحداً أحرق حتى الموت في خيمته.[180]قال طبيب آخر إن 30 من بين المتظاهرين الـ32 المتوفين الذين حاول إسعافهم، كانوا مقتولين بالرصاص الحي في الرأس والصدر، بينما قتل اثنان آخران في انفجار.[181] ويبين مقطع فيديو لعملية نقل 9 جثث إلى داخل المستشفى أن اثنين يبدو عليهما وجود طلقات في الصدر، وخمسة في مؤخرة الرأس، واثنين في الوجه.[182]

    وكان المستشفى يفتقر للمعدات اللازمة للعمليات الجراحية. كما أدت نيران القناصة المتلاحقة أمام المدخل الرئيسي للمستشفى، على الجهة الغربية من شارع أنور المفتي، إلى جعل الدخول والخروج من المستشفى ـ وهو السبيل الوحيد لإجلاء الجرحى عن الميدان ـ أمراً بالغ الخطورة.

    بدأت نيران القناصة الموجهة إلى مدخل المستشفى منذ الصباح الباكر، بحسب شهود. وقال متظاهر عمره 19 عاماً إنه تفادى نيراناً “عشوائية” آتية من مبنى إدارة المرور المجاور في نحو الساعة 7:15 صباحاً حين ذهب ليتوضأ للصلاة في حمام داخل موقف سيارات أمام المستشفى. اختبأ الشاب خلف السيارات بينما مضى رجلان كانا قريبين منه إلى الحمام. ونظر فلاحظ أن أحدهما فقط بقي واقفاً بينما “سقط الآخر وتناثر مخه على الأرض”[183]

    وقال أحد سكان مدينة نصر لـ هيومن رايتس ووتش، بشأن نيران القناصة التي واجهها في نحو الساعة 10:30 صباحاً فيما كان يبحث عن مجموعة من الفتيات من الميدان وسط النيران:

     جريت بسرعة [إلى خارج المستشفى] بينما تطاير الرصاص. ووقف رجل أمامي لحمايتي من رصاصة فسقط على الرصيف. وسقطت بدوري وشعرت بنار في ساقي. نظرت إليه ولم يكن وجهه موجوداً. كان الدم يخرج من عنقه. لقد أنقذ حياتي… لم أصب إلا بطلقة خرطوش في ساقي، واتضح أنني كنت أعرفه شخصياً ولم أستطع التعرف عليه وقتها بسبب إصابته، لكنني اكتشفت فيما بعد أنه بقي حياً بطريقة ما.[184]

    وطيلة اليوم ـ ما لا يقل عن 10 ساعات ـ واصل القناصة فوق مبنى إدارة المرور إطلاق النار على الداخلين إلى المستشفى أو الخارجين منه، كما قال شهود عديدون، بمعنى أن أي شخص أراد المغادرة كان عليه مواجهة نيران القناصة المتواصلة القادمة من الشرق. قالت مراسلة أجنبية كانت تغطي أحداث اليوم لـ هيومن رايتس ووتش إنها عجزت عن بلوغ المستشفى في نحو الساعة 2:30 بعد الظهر بسبب نيران القناصة. وبينما كانت تحاول الوصول إلى المستشفى شاهدت رجلاً يصاب وهو يساعد في نقل المتظاهرين الجرحى إلى عربة إسعاف قريبة. كما أصيب رجل آخر، كان في البداية يستند إلى مرفقيه فوق محفة أثناء نقله إلى عربة الإسعاف، وتوفي قبل بلوغ العربة، بحسب قولها.[185]

    وبحلول أواخر ما بعد الظهر، أتت نيران إضافية من قوات الأمن الزاحفة. وفي نحو الثالثة عصراً شهد أحد باحثي هيومن رايتس ووتش إطلاق النار على رجل لم يكن يحمل أية أسلحة أو يستخدم أي عنف تهديدي وهو يغادر مستشفى رابعة متجهاً لعبور الشارع. أتت النيران من اتجاه قوات الأمن، تجاه الاعتصام. وسقط الرجل على الأرض والدماء تتسرب من رأسه، لكنه عجز عن الزحف نحو مكان آمن.

    في بعض الأوقات كانت النيران المستمرة تُعجز عمال الإسعاف عن الوصول إلى ذوي الحالات الحرجة داخل المستشفى. وفي أحيان أخرى كان المتظاهرون يواجهون النيران ويهرعون عبر الطريق لحمل شخص مصاب أو محفة إلى عربات الإسعاف المنتظرة بالخارج، لكن الكثيرين لم يتح لهم هذا الخيار ولا أية طريقة آمنة للحصول على المساعدة الطبية. وتبين مقاطع الفيديو رجلاً يصاب في قلب الميدان وهو يحمل جسداً دامياً لا حياة فيه.[186] قال عامل بالحقل الطبي وكان يتطوع في مستشفى رابعة لـ هيومن رايتس ووتش إن معظم المتوفين تحت ناظره توفوا نتيجة النزيف، الراجع إلى حد بعيد للعجز عن تلقي الرعاية الطبية في وقتها.[187]

    قال محمد طارق، الذي أصيب في السابعة والنصف صباحاً جراء 3 طلقات حية في الجذع والذراع بشارع الطيران، إنه كان أحد المئات من المتظاهرين الذين عجزوا عن تلقي الرعاية الطبية الضرورية طوال ساعات. وقال طارق إنه قضى عدة ساعات في المستشفى الميداني ـ بما فيها 30 دقيقة في انتظار الرعاية الطبية بينما كان الأطباء يصارعون لمواجهة تدفق المتظاهرين المصابين بعد بدء الفض ـ لكن كل ما استطاع الطاقم الطبي عمله هو تضميد إصابته. وبعد نقله إلى مستشفى رابعة الساعة 10 صباحاً، قال له الأطباء إنهم لا يستطيعون إجراء الجراحة التي يحتاجها وإنه يحتاج إلى علاج بالخارج، بحسب قوله. وقال لـ هيومن رايتس ووتش إنه لم يغادر المستشفى قبل التاسعة مساءً. وبعد أن رفضته عدة مستشفيات، وبالنظر إلى اكتظاظها بالمصابين والموتى، قال إنه تمكن من الخضوع للجراحة في الحادية عشرة من مساء اليوم التالي.[188] قال 7 متظاهرين لـ هيومن رايتس ووتش إن مستشفيات بمنطقة مدينة نصر رفضت استقبال المتظاهرين المصابين أو الموتى القادمين من ميدان رابعة، بما فيها مستشفيات المقاولون العرب، والتأمين الصحي، وحسبو الدولي، ودار الحكمة، والمنيرة.[189]

    ومع تقدم قوات الأمن الحثيث في أوائل ما بعد الظهر، اشتدت طلقات النيران في أرجاء ميدان رابعة. وصارت نيران القناصة، وخاصة المسلحين الموجودين بمبنى وزارة الدفاع المواجه للمنصة في بداية شارع الطيران، صارت أكثر تواتراً، بحسب العشرات من الشهود الذين أجرت معهم هيومن رايتس ووتش مقابلات.

    وقص أحد المتظاهرين كيفية إطلاق النار على صديق له، وقد شهده في أوائل ما بعد الظهيرة:

    كان [صديقنا] عبد الله قد تلقى رصاصة في بطنه في نحو الساعة 1:30 بعد الظهر، وجاء خلاد [زوج شقيقته] إلى [ميدان رابعة] لنقله إلى مستشفى [بالخارج] في نحو الساعة 2 عصراً. دخل خلاد من شارع جانبي وذهب إلى المستشفى الميداني. وكنا نقف مع عبد الحميد [صديق آخر] في عيادة ميدانية مرتجلة بجوار المنصة لأن المستشفى الآخر عجز عن استقبال أي حالات جديدة. وتلقى خلاد رصاصة في رأسه وهو واقف فتوفي على الفور. كان على الحاجز بجوار المستشفى. ثم توفي عبد الله بعد أسبوع.[190]

    في نفس الوقت تقريباً، قرب مركز ميدان رابعة، قص متظاهر آخر مواجهة لا تقل إثارة للفزع مع قناص في مروحية:

    ثم رأيت مروحية وقناصاً يطلق النار منها. فتجمدت ووقفت في مكاني… وفجأة سقط رجل في العشرينات من عمره. ثم تلقى [رجل آخر] رصاصة من القناص… وهو الآن مشلول. ثم أصيب شخص ثالث في رأسه، وسقطت فوقه… لم تكن المسافة تزيد على 20 متراً.[191]

    وبحلول الواحدة ظهراً كانت المنصة تحت نيران مستمرة، كما قال صحفي مصري لـ هيومن رايتس ووتش.[192] وتبين بعض مقاطع الفيديو بوضوح رجالاً عزل من السلاح يقبعون قرب بقايا المنصة الرئيسية في رابعة للاختباء من طلقات نارية لا تنقطع. ويبين المقطع اثنين منهم يصابون بالرصاص ويقتلون فيما يبدو، كما يصاب رجل ثالث في ساقه.[193]

    في معرض الرد قام منظمو الإخوان ببناء سياج خشبي لحماية هؤلاء الذين ظلوا يستخدمون المنصة لحشد المتظاهرين. ومع ذلك فقد اتضح مع مضي ساعات بعد الظهر أنه لا يوفر حماية كافية، وهجر المتحدثون المنصة. ولجأ منظمو الاحتجاج إلى تكليف المتحدثين بالتحدث بعيداً عن المنصة، وإلى الأحاديث المسجلة، كما قال أحد المنظمين لـ هيومن رايتس ووتش.[194]وبحلول الساعة 4-4:30 مساءً وصلت الجرافات وناقلات الأفراد المدرعة واحتلت منطقة المنصة، ماضية في تدمير كل ما في طريقها، وانسحب المتظاهرون إلى داخل ساحة المسجد، مختبئين بين المسجد وقاعاته الملحقة والمستشفى.

    في تلك الأثناء كان بعض متطوعي الفرق الطبية قد ظلوا في المستشفى الميداني بعد إخلاء الكثيرين له في أواخر الصباح، واستمر المستشفى يستقبل المتظاهرين المصابين وجثامينهم طيلة ما بعد الظهر. لكن مع اقتحام قوات الأمن لطريق النصر في أعقاب نيران كثيفة، تعرض المستشفى الميداني لإطلاق نيران مكثف، كما قال أحد المتظاهرين لـ هيومن رايتس ووتش:

    وعندئذ سمعت نيراناً كثيفة من الجانبين ـ من [شارع] أنور المفتي خلفنا، ومن طريق النصر أمامنا. وبدا أن الرصاص يطير فوق رؤوسنا مباشرة. في المستشفى الميداني قالوا [الأطباء] لنا: “اخرجوا من الممر فقد حاصرونا”. كان إطلاق النار كثيفاً، وقال أحد الأشخاص: “نحن محاصرون، يجب أن نخرج”. كان العدد كبيراً في المستشفى الميداني وقتها. حاولنا الاختباء والبقاء هناك. وأصيب صديق لي اسمه حازم برصاصة في ظهره فأصيب بالشلل. كان علينا أن نحاول إخراج كافة المصابين من المستشفى إلى مستشفى رابعة. لكننا عجزنا عن حمل الجثث. واضطررنا إلى تركها هناك. كانت هناك نيران فيما بين مستشفى رابعة والمستشفى الميداني، فكان حمل الجثث شديد الصعوبة. أطلقت النيران على أصدقائي حين حاولوا حمل حازم، فاضطروا لتركه وانتظار مجيء شخص آخر للمساعدة.[195]

    وقالت متظاهرة أخرى لـ هيومن رايتس ووتش إنها ظلت بالمستشفى الميداني حتى الساعة 5:40 مساءً حين أمرتها قوات الأمن المحيطة بالمبنى بالانصراف، لأنهم ينوون إحراقه. وبعد 15 دقيقة كانت النيران تشتعل في المبنى، وكان عليها أن ترحل بالقفز من النافذة، كما قالت.[196] شرع متظاهر آخر، كان النوم قد غلبه بالطابق العلوي من المستشفى الميداني حين بدأ المبنى يحترق، شرع على الفور في نقل الجثث، التي احترق بعضها، إلى الساحة الواقعة بين ميدان رابعة والمركز الإعلامي.[197]

    وفي نحو الساعة 4:30 مساءً بلغ الهجوم مركز ميدان رابعة، ووصلت النيران إلى المسجد والفناء والقاعات الملحقة. وقالت طالبة بكلية التربية بجامعة القاهرة إن الشرطة بدأت تستهدف المستشفى بالغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية بعد الرابعة مساءً. وقصت علينا المشهد المروع ـ الأرض “بحر من الدماء” و”مليئة بالناس” ـ ونظرها إلى مصابين في حالة سيئة، عالمة بأنها “عاجزة عن فعل أي شيء سوى مشاهدتهم وهم يموتون”.[198] قال متطوع مع الفرق الطبية لـ هيومن رايتس ووتش إن الغاز المسيل للدموع ضرب الفناء الواقع بين المسجد وقاعاته الملحقة، حيث كان يعالج المصابين، في نحو الساعة 4:30 مساءً. ولأن المنطقة شديدة الازدحام، كما قال، “لم يعرف الناس ماذا يفعلون [و] عجزوا عن التحكم في تنفسهم فاختنقوا”.[199]

    في نفس الوقت تقريباً تعرضت منطقة فناء مجاورة للمسجد للطلقات النارية المباشرة. وقال متظاهر كان قد دخل منطقة الفناء في نحو الساعة 4:30 مساءً، لـ هيومن رايتس ووتش إن الرجل الواقف بجواره “أصيب بفعل [نيران] القناصة وسقط”. وقال إنه مع “مجيء الرصاص من كل جانب، كان ينتظر لحظة حدوث الأمر نفسه له”.[200] وشاهد شاب في السابعة عشرة طفلاً صغيراً يتلقى رصاصة في ذراعه.[201] ومع دخول قوات الأمن في نحو الساعة 5:30-6 مساءً، قال متظاهر آخر إن العديد من المتظاهرين كانوا قد “استسلموا وشرعوا في كتابة أمسائهم وأرقام هوياتهم على أجسامهم” حتى يمكن التعرف عليهم بعد مقتلهم. واتصل هو بأبويه لتوديعهما.[202]

    وبدأت قوات الشرطة، التي كانت تطلق النار دون انقطاع على مدخل مركز رابعة العدوية الطبي طوال اليوم، بدأت في التصويب مباشرة إلى المبنى نفسه بحلول الساعة 4 عصراً تقريباً، بحسب شهود. ووصف طبيب الوضع لـ هيومن رايتس ووتش:

    كانت النيران الآلية كثيفة. وعمل انفجار بالخارج على تدمير زجاج باب المستشفى. في بعض الأحيان كانت النيران من الشدة بحيث نضطر للرقاد على الأرض. كانت الجدران تقينا، لكن الاقتراب من النوافذ كان خطيراً. كنت أظن أنهم سيقتلوننا جميعاً.[203]

    زارت هيومن رايتس ووتش مستشفى رابعة الساعة 3:30 عصر يوم الفض، 14 أغسطس/آب. وعند الدخول أمر طبيب متطوع أفراد طاقم هيومن رايتس ووتش بالابتعاد عن الممرات المجاورة لبئر الدرج لأن قوات الأمن تطلق الرصاص عبر المبنى.[204] وأكد متظاهر داخل المبنى رؤيته لهذا.[205]

    كما قامت قوات الأمن بمهاجمة مستشفى رابعة بالغاز المسيل للدموع، فوصل إلى إحدى المتظاهرات صاعداً حتى الطابق الرابع، حيث كانت نائمة، كما قال المتطوع لـ هيومن رايتس ووتش.[206] قال طبيب بالمستشفى إن الغاز كان له تأثير خطير على المرضى المصابين، وأدى بالعديد منهم للاختناق، وإلى وفاة بعضهم.[207]

    بعد تجاوز الشرطة لعمارة المنوفية جنوبي شارع الطيران، اتجهت إلى مستشفى رابعة بقيادة المدرعات.[208] وفي ذلك الوقت كان أنس وعمار البلتاجي، نجلا عضو الإخوان البارز محمد البلتاجي، قد خرجا لتوهما من مستشفى رابعة في جهد لمغادرة الميدان والخروج بجثمان شقيقتهما، ابنة الـ17 عاماً، أسماء التي قتلت في توقيت أسبق من عملية الفض، إلى مستشفى قريب، كما قال شاهدان لـ هيومن رايتس ووتش. ومع خروجهما شرعت المدرعات في إطلاق النيران في اتجاه المستشفى مما أرغمهما على ترك جثمان أسماء ومحاولة الاحتماء.[209]

    ووصفت الصحفية المصرية أسماء الخطيب المشهد داخل المستشفى مع اقتراب المدرعات:

    رأيت 3 مدرعات أمام المستشفى، كانت الشرطة تطلق منها النيران. كنت هناك تماماً خلف [مكتب] الاستقبال ورأيتهم يضربون بقوة. اختبأت خلف المكتب للاحتماء. واستمرت النيران لمدة 15 دقيقة. أصيب أولئك الذين عجزوا عن الاختباء وهم وقوف. دخلت الرصاصات من جانبي وكسرت الزجاج. كانت لحظة من الفزع. ظننت أن أجلي قد حان. شحنت هاتفي وخطر لي، والرصاص يتطاير من حولي، أن الأمر انتهى وسوف ألقى حتفي. ثم أخرجت هاتفي واتصلت بأمي.[210]

    وقالت إحدى متطوعات المستشفى، بعد أن علقت في عاصفة الرصاص نفسها، لـ هيومن رايتس ووتش إنها أصيبت بطلق ناري في ذلك الوقت.[211] وقام أب لثلاثة أطفال وكان قد حمل متظاهراً مصاباً إلى داخل المستشفى على ظهره، بوصف رصاص “يصفر بجوار رأسي” مما أدى به إلى السقوط مع الرجل المصاب.[212]

    وفي نحو الساعة 4:45 مساءً دخلت القوات الخاصة بزيها الأسود إلى المستشفى وأمرت الجميع على الفور، بمن فيهم الأطباء، بمغادرة المستشفى، بحسب الشهود. وأصدرت القوات الخاصة تعليمات بعدم حمل أي مصاب، وقالوا بحسب أحد المتظاهرين: “من يحمل جثة سيرقد بجواره”.[213] وقيل لاثنين آخرين: “اخرجوا الآن وإلا لحقتم بهم”.[214]

    وقص علينا أحد الأطباء تجربته مع دخول القوات إلى المستشفى:

    دخل [الضابط] وبدأ يصيح: “فليخرج الجميع!” كان يحمل بندقية آلية. وكنت مع رجل في الخمسينات من عمره يرقد بطلق ناري في صدره. تفقدت زوجتي نبضه، وكان لديه نبض. وقام طبيب آخر بتركيب أنبوب حنجري له، وكنت أحمل كيس النفخ. كان على الأرض وكانت ساقه على جثة ورأسه فوق جثة أخرى. وكان ظهري للباب. لم يكن أحد يدري ماذا يفعل، ولم يرغب أحد في الانصراف… وبدأت أنا وزوجتي وطبيب آخر نصيح: “خذوا المصابين!”. لكنه [الضابط] ظل يقول: “لا تأخذوا أحداً معكم”.[215]

    قال الطبيب إنه هو وزوجته حاولا الخروج بعد ذلك مع الرجال الثلاثة المصابين على الأرض:

    توغلت في عمق الغرفة، وكان الأكبر حجماً [المصاب في ساقه] بحاجة للمساعدة. كان الكرسي المتحرك مكسوراً فوضعته على مقعد عادي، وحاولت أنا وزوجتي دفعه… ثم أخذت الرجل ووضعته على كتفي… وفعلت زوجتي نفس الشيء. قال الضابط: “دعوه وشأنه!” فوقفت زوجتي أمامنا وبدأت تقول: “يجب أن نخرجه معنا. ألم تقتلوا عدداً كافياً حتى الآن؟”. ونظرت إليه نظرة تعني: “دعنا نذهب”. فلكمني في صدري، وسقط كلانا [المتكلم والمصاب]. بدأ الضابط يخرج مسدسه. ووضع قبضته في صدري مع الضغط بعنف، وقال: “خذها وانصرف”. فأمسكت بيد زوجتي وغادرنا دون أن نقول شيئاً.[216]

    وقدر أحد المتظاهرين أنه عند رحيله في حوالي الساعة 5:30 مساءً كان قد بقي بكل غرفة من غرف المستشفى نحو 10-15 مصاباً.[217]

    أصر بضعة متطوعين على البقاء وسط التهديدات والعنف، وقصت إحدى الأطباء كيف قامت قوات الأمن، حين رفضت الرحيل، بإعدام المرضى الثلاثة الذين كانت تعتني بهم:

    انتشرت القوات الخاصة بزيها الأسود وتجولت في المكان. ثم جاءوا عندي فقلت: “معي مصابون”. فقال أحد الضباط: “أنا آمرك بالرحيل”. فقلت: “لا أستطيع الرحيل في وجود مصابين هنا، أخرجوهم بأنفسكم!”. فلم يرد، وبدلاً من هذا أخذ مسدسه وقتل المصابين الثلاثة أمام عيني، مطلقاً النار على قلوبهم. كنت أرجو أن يقتلني. كنت أتمنى الموت. كان الألم لا يحتمل. وكنت في حالة من الصدمة. شعرت بأنهم ليسوا من جنس البشر، فشددته وشتمته. فضربني. ولست متأكدة من السبب الذي منعه من قتلي.[218]

    مع استيلاء قوات الأمن الحكومية على آخر أجزاء الاعتصام، أشعلت النيران في المستشفى الميداني، والمنصة التي في قلب الميدان، والمسجد، والطابق الأول من المستشفى الرئيسي، مما أدى إلى احتراق العديد من الجثث المحتجزة بتلك الأماكن. لم تتيقن هيومن رايتس ووتش من كيفية اشتعال النيران في تلك المباني، لكن الروايات تشير بقوة إلى مسؤولية قوات الأمن. قال متظاهر لـ هيومن رايتس ووتش إنه شاهد الشرطة توجه الطلقات إلى الخيام وغيرها من الأغراض داخل المسجد وحوله، مما أدى في تقديره إلى اشتعال المسجد واحتراقه.[219] أفاد شاهدان آخران بأن قوات الأمن قالت لهم إنها ستحرق أبنية كبيرة، بما فيها المستشفى الميداني ومستشفى رابعة.[220] علاوة على هذا فإن إحراق تلك المباني يتفق مع تدمير الخيام وغيرها من المنشآت أثناء الزحف التدريجي للقوات نحو قلب ميدان رابعة. ادعت السلطات أن المتظاهرين هم الذين دمروا تلك الأبنية.[221] ورغم أن المتظاهرين أشعلوا النيران في بعض الخيام والإطارات لتقليل آثار الغاز المسيل للدموع، إلا أن هيومن رايتس ووتش لم تجد أدلة ذات مصداقية توحي بأنهم أحرقوا تلك الأبنية الكبرى في الميدان عمداً أو عن غير قصد.[222]

    في نحو الساعة 5:30-6 مساءً سمحت القوات الخاصة للآلاف من المتظاهرين المحاصرين بمغادرة ميدان رابعة للمرة الأولى. وفي ذلك الوقت كانت العملية قد اكتملت تقريباً وتوقف إطلاق النيران إلى حد بعيد. قال مصور فيديو صحفي كان في الاعتصام طوال الأسابيع السابقة إنه لم يستطع الخروج في النهاية إلا مع انتهاء عملية الفض:

    في الخامسة والنصف مساءً سمعت الشرطة تقول في مكبرات الصوت إن هناك مخرجاً آمناً. وكان إطلاق النيران قد توقف عند تلك النقطة، ولهذا بدأ مئات المتظاهرين ينصرفون من طريق النصر. كما رحل آخرون من شارع الطيران.[223]

    وقال أحد المتظاهرين:

    في نهاية اليوم سمحوا لنا بالرحيل من خلف المسجد، بعد الساعة 5 أو 5:30 مساءً. وفي ذلك الوقت أخلوا الميدان ورحل آلاف الأشخاص، بل ربما عشرات الآلاف. لا أعرف كم بلغ عدد الراحلين منا وقتئذ. كان هذا في نهاية اليوم. صنعوا ممراً يحفه الجنود، وخرج كل من كان باقياً في الميدان من هناك.[224]

    وكان هذا المشهد هو ما تم تصويره وبثه على التلفاز المصري كدليل على “المخارج الآمنة” التي وفرتها السلطات.[225]ومع قيام الكثيرين بحمل جثامين أو مصابين، شبه أحد المتظاهرين الموقف بلاجئين يفرون من حرب.[226] ورغم قدرة المتظاهرين على الرحيل إلا أن بعضهم لاحظ قيام قوات الأمن بإطلاق النار في الهواء وعلى الأرض للتعجيل بالإخلاء.[227] قال طالب بالمدرسة الثانوية إنه رأى 10-15 متظاهراً يسقطون وسط المجموعة المكونة من 300 والتي رحل معها في نهاية اليوم.[228]

    اعتقلت الشرطة أكثر من 800 متظاهر على مدار اليوم من رابعة وحدها.[229] ويظهر في مقطع فيديو راجعته هيومن رايتس ووتش رجال شرطة يضربون متظاهراً أثناء احتجازهم له.[230] قالت ساكنة تطل شقتها على أحد المخارج الجانبية إنه في نحو الساعة 6 مساءً لم يكن هناك سوى اثنين من رجال الشرطة بشارع المهندسين العسكريين، وهو شارع جانبي يتقاطع مع شارع الطيران، ومعهما مجموعة قوامها نحو 6 متظاهرين:

    وسمعت شرطياً يصيح: “أسرعوا، امضوا من هنا إلى هناك”، وكان بوسع سماع صوته يرتعد. كان هناك طابور من [نحو ستة من] الرجال، وكانوا يسيرون بأيديهم فوق رؤوسهم. وفجأة أطلق الشرطي النار، ثم رأيت رجلاً على الأرض. لقد قتل ذلك الرجل بدون أي سبب.[231]

    وبسبب محدودية القدرة على التعامل مع المحتجزين في أقسام الشرطة القريبة من ميدان رابعة، قامت الشرطة باحتجازهم طوال الليل في استاد القاهرة، كما قال شاهدان، هما محتجز ووالد أحد المحتجزين، لصحيفة “الغارديان” في فبراير/شباط.[232] قال المحتجز، وهو حسين عبد العال البالغ من العمر 60 عاماً، لصحيفة الغارديان إن الشرطة “عاملته معاملة الحيوانات” فضربته وأخذت متعلقاته الشخصية.[233] وقال مصعب الشامي لـ هيومن رايتس ووتش إن شقيقه عبد الله الشامي، مراسل الجزيرة، الذي احتجز عند فض رابعة، كان ضمن المحتجزين طوال الليل باستاد القاهرة.[234]

    فرضت الحكومة حظر التجول في السابعة مساءً.[235] وفرض هذا عبئاً إضافيا على المتظاهرين الذين يغادرون ميدان رابعة، حيث اضطروا للمرور من نقاط تفتيش تديرها الشرطة والجيش وأفراد اللجان الشعبية المحلية. قال متظاهرون لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات المتواجدة بنقاط التفتيش بدت وكأنها تبحث عن المتظاهرين الخارجين من اعتصام رابعة، وإنهم شاهدوا أفراداً يتعرضون للضرب والاعتقال عند تلك النقاط.[236] وقال متظاهر يسكن قرب ميدان رابعة، وقام بتوصيل سكان المناطق الأخرى من القاهرة، إنهم في إحدى الحالات تلاعبوا بهيئة متظاهر ميت بحيث يبدو حياً للمرور من نقاط التفتيش على الطريق.[237]

    قتل المتظاهرين

    لا تستطيع هيومن رايتس ووتش التيقن مما إذا كانت الطلقات الأولى قد صدرت عن قوات الأمن أم المتظاهرين القليلين المسلحين. وقد زعم وزير الداخلية إبراهيم أن الخسارة الأولى كانت ضابط شرطة، توفي مع 5 آخرين قرب مركز ميدان رابعة في الصباح. وأدت به عمليات القتل هذه، بحسب قوله، إلى أن يأمر رجاله بوقف تقدمهم قبل الغروب مباشرة.[238] كما يرى تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان عن فض رابعة أن المتظاهرين هم من بدأوا بإطلاق النار في الصباح، ما تسبب في مقتل خمسة من عناصر قوات الأمن.[239]

    ومع ذلك فإن مزاعم إبراهيم تتناقض مع الأدلة التي لا يستهان بها والتي جمعتها هيومن رايتس ووتش، بما فيها أكثر من 100 مقابلة مع شهود وصحفيين ومارة ومسعفين وسكان محليين. وقد أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة مع ساكن محلي نزل للخارج عند سماع أولى الطلقات في نحو الساعة 7:30 صباحاً، وقال لـ هيومن رايتس ووتش إنه شاهد 3 رجال شرطة قتلى يجري حملهم خارج طيبة مول.[240] إلا أن عشرات الشهود قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن والقناصة، الذين كانوا في مواقعهم من البداية، فتحوا النار بالذخيرة الحية على حشود من المتظاهرين السلميين في غالبيتهم منذ الدقائق الأولى لعملية الفض، وواصلوا إطلاق النيران طوال القسم الأكبر من اليوم.

    لم يسمع التحذيرات سوى القليل من المتظاهرين قبل قيام الشرطة بفتح النار، ورغم أن الشرطة بدأت بإطلاق الغاز المسيل للدموع وأسلحة مكافحة الشغب غير المميتة، إلا أنها لجأت للذخيرة الحية بعد دقائق فقط، بحسب العشرات من الشهود. وتدعي الحكومة أن قوات الأمن أذاعت التحذير لمدة ساعة قبل فتح النيران.[241] لكن تحقيق المجلس القومي لحقوق الإنسان خلص إلى وجود تحذير مدته 25 دقيقة.[242] ومع ذلك فإن تلك المزاعم والاستنتاجات لا تتفق والشهادات التي جمعتها هيومن رايتس ووتش.

    لاحظ بعض الشهود قناصة بثياب مدنية يطلقون النار من فوق عدة مبان، تشمل مبنى المخابرات العسكرية وإدارة المرور، ومبان لوزارة الدفاع. واستنتج أحد باحثي هيومن رايتس ووتش في مجال الأسلحة، استناداً إلى مقاطع فيديو راجعها، أن القناصة كانوا محترفين مدربين يحملون بنادق ارتدادية عيار 7,62 ملم مزودة بمناظير، ومدعومين بكشافة مسلحين يستخدمون المنظار المقرب.[243] وقد ادعى مسؤولون أن مسلحي الإخوان هم الذين اعتلوا البنايات في اعتصام رابعة، لكنهم لم يقدموا أدلة، بما فيها أية مقاطع فيديو، تؤيد تلك التهمة. أما حقيقة انتشار القناصة على أسطح مبان حكومية، ومظهرهم الاحترافي، وإطلاقهم للنيران على متظاهرين، فإنها تجعل التهمة مثيرة لأبلغ الشكوك.

    وتبين مقاطع فيديو أيضاً مدرعات تطلق النيران على متظاهرين، وتبدو النيران وكأنها قادمة من عدة مسلحين داخل المدرعات، يطلقون تشكيلة من الأسلحة تشمل طلقات كبيرة العيار على دفعات، من خلال فتحات إطلاق على جوانب المركبات.[244]

    وقال 31 شاهداً إنهم شاهدوا قناصة يطلقون الغاز المسيل للدموع والخرطوش وحتى الذخيرة الحية من مروحيات تحوم فوق الميدان. وفي إحدى الفقرات على التلفاز المصري الحكومي في يوم الفض، أفاد المراسل الموالي للحكومة عبد الله بركات، الذي كان يغطي الفض، بوجود “مروحيات تتعامل مع قناصة [الإخوان]”.[245] وبينما يزعم بركات أن القناصة جاؤوا من وسط صفوف المتظاهرين إلا أنه في الوقت نفسه يؤيد شهادات الشهود التي تفيد بأن قوات الأمن أطلقت النار من مروحيات. ومع ذلك فإن هيومن رايتس ووتش لم تعثر على أدلة من الصور الفوتوغرافية أو مقاطع الفيديو تؤكد قيام قناصة بإطلاق النار من مروحيات.

    اكتشف تحقيق هيومن رايتس ووتش أيضاً أن بعض المتظاهرين كانوا مسلحين. وقال عدة شهود لـ هيومن رايتس ووتش إنهم شاهدوا متظاهرين مسلحين أثناء الفض، بما في ذلك في عمارة المنوفية، وإن بعضهم أطلق النار على الشرطة. علاوة على هذا فإن شهادات الشهود ومقاطع الفيديو تشير إلى قيام عشرات المتظاهرين بإلقاء زجاجات المولوتوف والحجارة، وإشعال ألعاب نارية في اتجاه قوات الأمن ومسلحيها الزاحفين.

    وتشير أدلة واسعة النطاق مستمدة من الشهود ومن مقاطع فيديو راجعتها هيومن رايتس ووتش إلى أن أعداد المسلحين في صفوف المتظاهرين كانت محدودة، تدور حول 15 على الأرجح، مما يتفق مع أعداد بنادق المتظاهرين التي يزعم وزير الداخلية أنه وجدها بميدان رابعة، وإلى أن الأسلحة لم تشكل جزءاً محورياً من استراتيجية الإخوان الدفاعية. وبهذا فإن وجودها لم يكن يبرر القوة المميتة المفرطة التي استخدمتها السلطات، أو استهدافها المتعمد، العشوائي عديم التمييز، للمتظاهرين.

    حددت مصلحة الطب الشرعي، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، عدد الضباط المقتولين في رابعة بثمانية.[246] إلا أن مسؤولي الحكومة لم يفسروا حتى الآن كيف وأين قتل هؤلاء الضباط، ولا تقدموا بأدلة تربط المتظاهرين المسلحين بحوادث القتل. أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة مع شاهد واحد يوم الفض، فقال إنه شاهد رجل شرطة مصاباً بطلق ناري بسبب قناصة الحكومة.[247] نشرت وزارة الداخلية أسماء بعض رجال الشرطة المقتولين أثناء عمليات الفض بصفحتها الرسمية على موقع “فيسبوك” في صباح 14 أغسطس/آب، مع ظهور أول نشرة في نحو الساعة 10:25 صباحاً، لكنها لم تدرج أية تفاصيل أخرى.[248] وقد كتبت هيومن رايتس ووتش إلى وزارة الداخلية في 12 يونيو/حزيران 2014، ومرة أخرى في 8 يوليو/تموز 2014، لطلب معلومات عن الضباط المقتولين، لكنها لم تتلق رداً حتى الأول من أغسطس/آب 2014.

    وفي مؤتمر صحفي مساء يوم الفض، أعلن وزير الداخلية إبراهيم أن الشرطة صادرت عدداً صغيراً من الأسلحة من الاعتصام، بعد تمشيط المنطقة ومحاصرة المباني:

    تسعة أسلحة آلية، ومسدس واحد، و5 مسدسات منزلية الصنع، وكميات كبيرة من الرصاص، وكميات من السترات الواقية من الرصاص، والأسلحة البيضاء، ومعدات الشغب.[249]

    وقرر إبراهيم في مناسبة منفصلة أن عدداً كبيراً من المتظاهرين خرج بأسلحة، إلا أنه لم يقدم أدلة تؤيد هذا الزعم.[250] لكن قيام قوات الأمن بتصوير المتظاهرين وهم يغادرون الميدان بالفيديو، والكثيرون منهم يرفعون أيديهم، في نهاية اليوم، واحتجازها لعشرات المتظاهرين، يلقي بظلال الشك على هذا الزعم.[251]

    وفي خطاب بتاريخ 18 أغسطس/آب، ألمح وزير الدفاع في ذلك الوقت عبد الفتاح السيسي إلى احتمال وجود كميات صغيرة فقط من الأسلحة في الميدان، قائلاً: “لا أقول إن الجميع كانوا يطلقون النار، لكن وجود 20 أو 30 أو 50 يطلقون النار يكفي ويزيد في اعتصام بهذا الحجم”.[252] وإذا كان عدد الـ15 بندقية يعكس بدقة عدد البنادق المصادرة من اعتصام احتوى في ذروته على ما يقرب من 85 ألف متظاهر، فإن حصيلة القتلى البالغة 817 شخصا تشير إلى قيام الشرطة بقتل المئات، وإصابة الآلاف، ممن لم يكونوا مسلحين.

    في 8 يوليو/تموز 2013 قال العقيد أحمد علي، مشيراً إلى مقتل 61 متظاهراً أمام مقر الحرس الجمهوري في ذلك اليوم، قال لوكالة “أسوشيتد بريس”:  “أية قوة مفرطة؟ كنا نتعامل مع أناس يطلقون علينا الذخيرة الحية. كانت تعد مفرطة لو قتلنا 300 “.[253]

    ويشير سلوك الشرطة أثناء فض رابعة أيضاً إلى أن التهديد الصادر من الأسلحة النارية كان محدوداً. قال صحفيان إن قوات الأمن فتحت النار على مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين خرجوا في مسيرة نحو الاعتصام من المدخل الشرقي احتجاجاً على الفض بالقوة، مما أدى إلى جرح عدة متظاهرين. وبعد إطلاق النار مباشرة، لاحظ الصحفيان رجال شرطة مسلحين يقفون فوق عرباتهم المدرعة.[254] وتؤكد صورة قدمها الصحفيان هذا الزعم. راجعت هيومن رايتس ووتش مقاطع فيديو مطولة تظهر رجال شرطة يواجهون متظاهرين دون حماية، وقناصة يعملون فوق أسطح المباني تحت أنظار الجميع.[255]ويبدو من المستبعد أن يقف أفراد الشرطة فوق المباني والعربات في العراء إذا كان هناك خطر جدي من نيران المتظاهرين.

    علاوة على هذا فإن قسماً كبيراً من نيران القوات الحكومية يبدو أنه كان عشوائياً، إذ فتحت الشرطة النيران في اتجاه حشود المتظاهرين بصفة عامة، بدلاً من استهداف المتظاهرين المسلحين الذين يمثلون تهديداً. ولا يبدو أن الشرطة كانت تطلق النار على العدد الضئيل من الأفراد المسلحين داخل الاعتصام فقط، كما لم تطلق النار على نحو دقيق أو ضروري. بل إن بعض وقائع القتل تبدو وكأنها نتجت عن تعمد الشرطة إطلاق النار على أشخاص لا يمثلون تهديداً داهماً للأرواح في ذلك الوقت، وبينهم عدد لا يستهان به من المتظاهرين المصابين، وعمال الإسعاف، وأشخاص يساعدون المتظاهرين المصابين.

    حصيلة الوفيات

    كما في مذبحتي ميدان “تيانانمين” و”أنديجان”، يبدو من المرجح ألا نعرف أبداً العدد الدقيق للمتظاهرين المقتولين في فض رابعة. إن جهد الحكومة الممنهج للتعمية على ما تم يوم 14 أغسطس/آب، الذي بدأ حين عزلت الميدان في اليوم التالي واستمر مع قمعها لمؤيدي الإخوان المسلمين دون هوادة في الشهور التالية، أدى إلى صعوبة بالغة في التثبت من حصيلة الوفيات الفعلية. وقد وجدت هيومن رايتس ووتش، بالاستناد إلى تحقيقها الذي استمر عاماً كاملاً، أن ما لا يقل عن 817 متظاهراً، وأكثر من الألف على الأرجح، قد قتلوا في ميدان رابعة وحده يوم 14 أغسطس/آب.

    وقد ظلت هيئات الدولة، طوال أسابيع بعد الفض، ترفض نشر حصيلة وفيات رسمية لفض رابعة. في 15 أغسطس/آب قدمت وزارة الصحة حصيلة وفيات في صفوف المتظاهرين في اعتصام رابعة قوامها 288.[256] وفي أول مقابلة تلفزيونية لوزير الداخلية إبراهيم منذ الفض، بتاريخ 31 أغسطس/آب، أدلى الوزير بإعلان مذهل تكذبه أحجام كبيرة من الأدلة ومقاطع الفيديو:

    يبلغ العدد الرسمي للجثث التي خرجت من رابعة أربعون ونيف جثة. ومن هذه الجثث كانت هناك 24 جثة مكفنة. لقد أحضر الإخوان جثثاً من المحافظات إلى مسجد الإيمان حتى يقال إنهم أناس ماتوا في رابعة.[257]

    لقد استغرق الأمر 3 شهور كاملة حتى يقوم رئيس مصلحة الطب الشرعي، د. هشام عبد الحميد، بعقد مؤتمر صحفي في 14 نوفمبر/تشرين الثاني لإعلان الحصيلة النهائية للوفيات في رابعة، فأعلن عن رقم 627، الذي يضم 377 جثة تم تشريحها في مشرحة زينهم الحكومية، علاوة على 167 جثة كانت بمسجد الإيمان، القريب من ميدان رابعة في مدينة نصر، و83 جثة أخرى تم أخذها إلى مستشفيات مختلفة في أنحاء القاهرة.[258] ومع ذلك فقد أقر الدكتور عبد الحميد بـ”احتمال وجود حالات أخرى تم دفنها دون تشريح أو دون إبلاغ السلطات رسمياً”.[259]

    في مارس/آذار 2014، نشر المجلس القومي لحقوق الإنسان تقريراً عن رابعة، أشار فيه إلى 624 مدنياً قتلوا في الفض استناداً إلى مراجعته لقوائم الموتى الرسمية وغير الرسمية. ورغم تشابه أرقام المجلس القومي ومصلحة الطبي الشرعي إلا أن قائمتي الخسائر الخاصة بكل منهما لا تتطابق، إذ ترد بعض الأسماء في واحدة من الاثنتين فقط. ويؤدي حاصل جمع القائمتين، وطرح الأسماء المكررة فيهما، إلى حصيلة إجمالية قدرها 650 قتيلاً.

    ومع ذلك فإن هذه الأرقام تتجاهل أدلة دامغة على وجود جثث إضافية لم تدخل في الحسبان في مشارح ومستشفيات بعرض القاهرة، وقد وثقها طاقم هيومن رايتس ووتش وغيره من المحامين الحقوقيين المصريين في أعقاب الفض مباشرة.

    وقد تمثلت أكبر وقائع الإغفال المنفردة في عدد الجثث التي قيل إنها بمسجد الإيمان بشارع مكرم عبيد، إلى حيث هرع العديد من المشاركين في الاعتصام بعد الفض التام لاعتصام رابعة. تعرفت مصلحة الطب الشرعي على 167 جثة بمسجد الإيمان، إلا أن أحد باحثي هيومن رايتس ووتش بالمسجد، في صباح 15 أغسطس/آب، أحصى 235 جثة جيء بها من مستشفى رابعة وغيره من مرافق الاعتصام البدائية. وقال محامون حقوقيون من عدة منظمات مختلفة لـ هيومن رايتس ووتش إن المزيد من الجثث وصل إلى المسجد في موعد لاحق من ذلك اليوم، وقدموا لـ هيومن رايتس ووتش صوراً لقائمة تضم 257 اسماً لمتظاهرين متوفين تم تعليقها في المسجد في نهاية اليوم. قارنت هيومن رايتس ووتش هذه القائمة بأسماء من تم التعامل معهم في مشارح ومستشفيات أخرى في مصر لضمان منع التكرار، وتوصلت مراجعتها إلى أن رقم 257 يمثل الإحصاء الصحيح لعدد الجثث بمسجد الإيمان، وإلى أن مصلحة الطب الشرعي أنقصت العدد، بالتالي، بمقدار 90 جثة.

    قال وزير الداخلية إبراهيم إنه كان هناك نحو 240 جثة بمسجد الإيمان، مما يناقض أرقام مصلحة الطب الشرعي، رغم زعمه بأن الجثث بمسجد الإيمان لم تأت من رابعة.[260] ومع ذلك تستطيع هيومن رايتس ووتش أن تؤكد نقل جثث من رابعة إلى مسجد الإيمان بعد انتهاء قوات الأمن من تفريق المعتصمين. قال 6 متظاهرين لـ هيومن رايتس ووتش إنهم قاموا، من حوالي الساعة 8 مساءً يوم 14 أغسطس/آب وحتى الساعات الأولى من صباح 15 أغسطس/آب، بنقل الجثث أو رأوا آخرين وهم ينقلون الجثث من رابعة إلى مسجد الإيمان.[261] وقالت إحدى سكان المنطقة لـ هيومن رايتس ووتش إنها شاهدت من شقتها، الساعة 8:25 من مساء 14 أغسطس/آب، صفاً من الرجال يحملون جثثاً، وإن قريبها خرج للمساعدة.[262] وقال أحد سكان شارع مكرم عبيد لـ هيومن رايتس ووتش إنه كان قد رأى سيارة، في نحو الساعة 9:30 مساءً، بها جثتان على سطحها وتسير في الشارع متجهة إلى مسجد الإيمان.[263]

    قام طبيب بوصف المشهد الذي طالعه عند وصول إلى مسجد الإيمان في اليوم التالي:

    لم أر في حياتي شيئاً يشبه ما رأيته عند دخولي. كانت الأرض كلها مغطاة بالجثث. وكان أناس في المسجد قد وضعوا حولها الثلج لإبطاء عملية الترمم، لكن بحلول توقيت وصولنا في اليوم التالي، كان الثلج قد ذاب واختلط بالدم، تاركاً إيانا للخوض في الدم والماء.[264]

    وكانت 40 جثة من الموجودة بمسجد الإيمان محترقة بحيث استحال التعرف عليها. وقد اعتقد الطبيب أن معظم الجثث جاء من المستشفى الميداني، الذي احترق في أواخر ما بعد الظهر قبل تمكن الطواقم الطبية و المرضى من نقل الجثث. كما اعتقد الطبيب أنه كانت هناك 34 جثة في المستشفى عند اضطرار الموجودين به لإخلائه.[265] وتأيدت روايته بأقوال طبيب آخر.[266]

    وبالإضافة إلى الجثث الـ90 غير المحسوبة في مسجد الإيمان، قام محامون حقوقيون ونشطاء مصريون على الأرض في مستشفيات شملت أرجاء مصر بتوثيق 77 جثة إضافية لم تندرج في قوائم مصلحة الطب الشرعي أو المجلس القومي لحقوق الإنسان، بما فيها التأمين الصحي (15) ومعهد ناصر (23). وفي المجمل قام المحامون الحقوقيون والباحثون من منظمات تشمل هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومركز النديم لإعادة تأهيل ضحايا العنف والتعذيب، ومعهد نظرة للدراسات النسوية، بتوثيق 167 حالة وفاة إضافية لم تشملها أرقام الطب الشرعي والمجلس القومي.

    في أغسطس/آب 2013 التقت مجموعة “نظرة” برئيسة مصلحة الطب الشرعي في ذلك الوقت الدكتورة ماجدة القرضاوي، التي أكدت وجود ما لا يقل عن 19 سيدة بين القتلى في يوم الفض.[267] تم إعفاء الدكتورة القرضاوي من منصبها في سبتمبر/أيلول 2013.[268]

    كما أكدت أكدت صحيفة الأهرام الحكومية مقتل 4 صحفيين بالرصاص، وهم مايك دين من “سكاي نيوز” وحبيبة عبد العزيز من “غلف نيوز” ومصعب الشامي من “رصد نيوز” وأحمد عبد الجواد من “الأخبار”.[269]

    قامت هيومن رايتس ووتش بمضاهاة الأسماء الـ167 مع الـ650 من قوائم الطب الشرعي والمجلس القومي لضمان عدم التكرار، وبخاصة للجثث التي ربما تكون قد تنوقلت فيما بين المشارح والمستشفيات.

    ومع ذلك فإن هذا الرقم لا يمثل سوى تقديراً متحفظاً لأعداد القتلى في رابعة، حيث عجز النشطاء الحقوقيون عن توثيق أعداد الخسائر في كل المستشفيات والمشارح المصرية. وقد تولت “ويكي ثورة “، وهي مبادرة تابعة للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تولت تجميع قائمة بـ246 اسماً إضافياً لأشخاص قتلوا في رابعة، وتم جمعها من مواقع إلكترونية أو مجموعات بمواقع التواصل الاجتماعي مثل “قصص الشهداء” و”اعرفوهم”، أسسها ناجون أو نشطاء من رابعة.[270] وفيما يتعلق بـ133 من هذه الخسائر، تتأيد الأسماء الإضافية بقوائم خطية أو من إعداد شهود كانوا في المستشفيات في أعقاب الفض مباشرة، أو بصور فوتوغرافية للجثث نفسها. أما الأسماء الـ133 الأخرى فتفتقر إلى تأييد توثيقي مشابه.

    تحدثت هيومن رايتس ووتش مع مديرة واحد من هذه المواقع، وهي أسماء خيري مديرة “قصص الشهداء”، وحاولت التحقق من 24 اسماً تم انتقاؤها عشوائياً، عن طريق مضاهاة بياناتها مع مصادر أخرى، بما فيها 4 أسماء تواصلت المنظمة بشأنها مباشرة مع عائلات الضحايا. وقد أدت هذه المراجعة إلى تأييد صحة البيانات. واستناداً إلى هذا وجدت هيومن رايتس ووتش أدلة قوية تشير إلى أن 113 من الجثث الـ 246 الإضافية كانت بالفعل من خسائر رابعة التي لم تظهر على قوائم الطب الشرعي أو المجلس القومي أو المنظمات الحقوقية. ومع ذلك، ولأننا لم نستطع التحقق من البيانات بنفس درجة الموثوقية التي تمتع بها رقم 817، فإن هيومن رايتس ووتش لم تدرج تلك الأرقام في إحصائها الإجمالي للخسائر، ولو تمت إضافة 113 إلى رقم الوفيات الـ817 الخاص بـ هيومن رايتس ووتش لوصل الإجمالي إلى 930. هذا ويشتمل إحصاء الخسائر النهائي الخاص بـ”ويكي ثورة “، البالغ 932، على هذه الجثث الـ930 إضافة إلى اثنتين أخريين تم توثيقهما من مصادر إعلامية.

    قامت “ويكي ثورة ” أيضاً بجمع أدلة على 29 جثة إضافية لم تعرف لها هوية، و5 أفراد كانوا في رابعة يوم الفض وهم الآن في عداد المفقودين بحسب أقارب لهم، و80 من مستشفيات لا تعترف بها وزارة الصحة، و81 ثارت شائعات حول وفاتهم، ولم تتح معلومات كاملة عنهم.[271] لم تقم “ويكي ثورة ” بإدراج هذه البيانات في إحصائها النهائي، بالنظر لاحتمالية التكرار فيما بين بياناتها ومصادر أخرى. علاوة على هذا فإن بيانات “ويكي ثورة ” لا تشمل الجثث التي أخذتهم عائلاتهم من رابعة مباشرة ودفنتهم دون توثيق رسمي، وهو الاحتمال الذي اعترفت به مصلحة الطب الشرعي، أو أخذتهم إلى مستشفيات لم يتم تتبع حالات الوفاة فيها أو توثيقها. وبالنظر إلى أرجحية الخروج من هذه المصادر الإضافية بخسائر جديدة فمن المحتمل أن تتجاوز حصيلة الوفيات الفعلية في رابعة الألف متظاهر. ويدعي الإخوان المسلمون حصيلة وفيات أعلى بكثير.[272]

    فض اعتصام ميدان النهضة

    بدأ اعتصام أصغر حجماً بميدان النهضة في الجيزة، الواقع عند التقاء شارع مراد وكوبري الجامعة، في مطلع يوليو/تموز، مطالباً بإعادة مرسي إلى منصبه. وكان كثير من المشاركين في الاعتصام من كلية الهندسة بجامعة القاهرة، المعروفة بوجود العديد من مؤيدي الإخوان المسلمين فيها.

    واتبع الفض العنيف لاعتصام ميدان النهضة نفس النمط المتبع في فض رابعة، رغم حدوثه في فترة زمنية أقصر كثيراً، نتيجة لحجمه الأصغر والجغرافية المميزة للمنطقة. طالبت قوات الأمن بانصراف المتظاهرين في نحو الساعة 6 من صباح 14 أغسطس/آب، ثم لجأت على الفور تقريباً إلى مهاجمة المتظاهرين، بمن فيهم أولئك الذين يحاولون الانصراف من المخارج الآمنة المسماة. وقد وصف شهود كيف أطلقت الشرطة النار على المتظاهرين عن عمد وانعدام تمييز على السواء، باستخدام الغاز المسيل للدموع والخرطوش والذخيرة الحية. ومع احتماء المتظاهرين داخل مبنى كلية الهندسة بجامعة القاهرة القريبة، وقع المزيد من العنف عند قيام قوات الأمن بإطلاق النار على المتظاهرين المتمترسين داخل المبنى. في 15 أغسطس/آب حددت وزارة الصحة حصيلة الوفيات في فض النهضة برقم 87.[273] ووثقت مصلحة الطب الشرعي وفاة اثنين من رجال الشرطة.[274]

    قال متظاهرون من الاعتصام لـ هيومن رايتس ووتش إنه فيما بين الساعة 5:45 والساعة 6 من صباح 14 أغسطس/آب، اقتربت مدرعات الشرطة والجرافات من الاعتصام من أربعة جوانب، هي حديقة حيوان القاهرة، وكوبري الجامعة، وناحيتي شارع مراد، الشارع الذي يمضي من الجنوب إلى الشمال ماراً بالميدان. وبدأت مروحيات تطير فوق المنطقة على الفور تقريباً، بحسب شهود. بلغ العنف أشده فيما بين الساعة 6 والساعة 9 صباحاً. وفي التاسعة تقريباً أعلن وزير الداخلية أن “الشرطة تسيطر على ميدان النهضة بالكامل”، وظهرت مقاطع متلفزة تعرض الميدان خالياً من المتظاهرين.[275] ومع ذلك فقد استمرت اشتباكات متقطعة حتى أوائل المساء عند كلية الهندسة، على بعد 200 متراً إلى الجنوب الشرقي داخل الجامعة، حيث تمترس عشرات المتظاهرين حتى حوالي الثامنة مساءً.

    أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 10 شهود كانوا موجودين أثناء فض الاعتصام، وتحدثت مع 4 من مديري المستشفيات التي استقبلت الخسائر في ذلك اليوم. راجع الباحثون سجلات المستشفيات كما أجروا مقابلات مع أطباء، فتأكد حدوث 10 وفيات جراء الذخيرة الحية، ووفاة واحدة جراء استنشاق الغاز المسيل للدموع. وقد وصف الشهود والعاملون بالمستشفيات كيف جرح عشرات آخرون جراء الذخيرة الحية، والخرطوش واستنشاق الغاز.

    في مقابلة بتاريخ 31 أغسطس/آب بعد الفض، قال وزير الداخلية إبراهيم:

    لقد حاولنا بقدر الإمكان تقليل الخسائر لكن معدل الخسائر يعتمد على الرد. استغرق الأمر 20 دقيقة فقط في النهضة، ولم نتعرض لخسارة واحدة. لكن بعد استيلاء المتظاهرين على كلية الهندسة وشروعهم في إطلاق النار علينا من الداخل، بدأنا نشتبك. وقتل أقل من 20 متظاهراً، كما قتل 3 من رجال الشرطة.[276]

    قامت الجرافات بإزالة الحواجز الأمنية التي نصبها المتظاهرون بميدان النهضة وزحف رجال الشرطة في المدرعات خلف الجرافات على موقع الاعتصام.[277] وشرعت الشرطة على الفور في إطلاق الغاز المسيل للدموع والخرطوش والذخيرة الحية على الموجودين داخل الاعتصام، كما قال 5 متظاهرين لـ هيومن رايتس ووتش.[278]

    “لقد شرعوا في إطلاق الغاز المسيل للدموع على الفور”، كما قال جراح كان في اعتصام النهضة حتى السابعة والنصف صباحاً لـ هيومن رايتس ووتش.[279] ومضى الجراح ليصف كيف “استخدمت الشرطة مكبرات الصوت [لإبلاغ الناس بالتفرق] في نفس الوقت الذي أطلقوا فيه الخرطوش و[عبوات] الغاز المسيل للدموع. قالوا إن الراغبين في مخرج آمن عليهم الخروج من ناحية الجيزة قرب مسجد الاستقامة بشارع الجامعة”.[280] وقد شاهد متظاهر عمره 17 عاماً الجرافات والعربات المدرعة تأتي من عند حديقة الحيوان وشارع مراد.[281] وقال طبيب إنه شاهد الشرطة تطلق الغاز المسيل للدموع والخرطوش والذخيرة الحية من بنادق، قال إنها من طراز “إيه كيه 47” على حشود المتظاهرين.[282]

    وبدءاً من الساعة 6:15 صباخاً، قام متظاهرون بإلقاء الحجارة واشتبكوا مع أفراد قوات الأمن الموجودين في الجرافات التي دخلت الميدان. قال أحد أعضاء اللجنة الأمنية المكلفة بتأمين المدخل الرئيسي، المتمركزة على بعد بضعة مئات من الأمتار إلى الخلف: “كان هناك حزام من الأفراد، وتوقفوا أمام المدرعات والجرافات [أمامي]. ثم بدأت [الشرطة] في إطلاق الخرطوش، وخرج شخصان من فتحة المدرعة، وكان أحدهما يطلق الخرطوش، وأطلق الآخر 3-5 طلقات حية ثم عاود النزول”.[283]

    استخدمت الشرطة الذخيرة الحية، إضافة إلى الغاز المسيل للدموع والخرطوش، في تفريق المتظاهرين في ميدان النهضة. وقال عضو اللجنة الأمنية لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن أطلقت النار على عدد من المتظاهرين عند حاجز المدخل قبل دخول موقع الاعتصام في نحو السادسة صباحاً.[284] “كنت متمركزاً على مسافة نحو 400 متر من المدخل، وكان هناك نحو 50 شخصاً عند [حاجز] المدخل فأطلقت عليهم النيران فوراً، خلال دقيقة أو دقيقة ونصف. وبعد [إطلاق النار عليهم] دخلت الجرافات”.[285] لكنه لم يعرف ما إذا كانت الشرطة قد أطلقت الخرطوش أم الذخيرة الحية على المتظاهرين.

    كان المشاركون في اعتصام النهضة قد أقاموا قبل الفض حواجز بدائية من أكياس الرمل لحراسة مداخل الاعتصام الثلاثة. وقال متظاهر واحد لـ هيومن رايتس ووتش إن عدداً صغيراً من المتظاهرين كان يحمل أسلحة نارية أيضاً. وبدأوا في استخدام تلك الأسلحة، بحسب قوله، حين اقتحمت الشرطة البوابة المؤدية إلى مجمع كلية الهندسة، حيث كان عشرات المتظاهرين قد تمترسوا، وإلى حيث كانوا قد أخذوا المتظاهرين الذين جرحوا أو قتلوا جراء الفض.[286]

    قال طبيب مشارك في الاعتصام لـ هيومن رايتس ووتش إنه في نحو الساعة 8:15 صباحاً قامت قوات الأمن بإطلاق النار على ساقيه فيما كان يقترب منهم دون سلاح. “حين رآني [رجل الشرطة] أطلق عليّ الخرطوش من مسافة 10 أمتار. أصابني في الفخذين والخصيتين. كنت أرتدي ثياباً عادية وقناعاً للغاز، ويداي في الهواء”.[287]

    وبحسب جميع الروايات، تركزت نيران الشرطة فيما بين الساعة 6 والساعة 9 صباحاً، لكنها استمرت في مناطق قريبة حتى المساء، بما فيها كلية الهندسة بجامعة القاهرة، حيث استمرت الشرطة في إطلاق الغاز المسيل للدموع حتى حوالي السابعة مساءً.

    في نحو السابعة صباحاً، بعدما أزالت الجرافات العوائق في الطريق إلى الميدان، دخلت مدرعات الشرطة مطلقة عبوات الغاز المسيل للدموع والخرطوش والذخيرة الحية. وفي ذلك الوقت سمع 5 شهود الشرطة وهي تستخدم مكبرات الصوت لإذاعة الفض، وسمع ثلاثة منهم الشرطة تبلغ الموجودين بالتحرك نحو ميدان الجيزة للخروج الآمن من الاعتصام.[288]وقال متظاهر إن الشرطة أوقفت إطلاق الغاز المسيل للدموع في السابعة صباحاً قبل أن تأمر الحشود عبر مكبرات الصوات بإمكانية الخروج من ميدان الجيزة.[289] إلا أن اثنين آخرين من المتظاهرين قالا إنهما لم يسمعا إعلان الشرطة بسبب كثافة إطلاق النيران.[290]

    قال متظاهر لـ هيومن رايتس ووتش: “كانت [الشرطة] تستخدم مكبرات الصوت في نفس الوقت الذي تقوم فيه بإطلاق الخرطوش والغاز المسيل للدموع، وكانت الجرافات تزيح أي عائق أمامها، ويرافقها أفراد من الشرطة في المدرعات خلفها مباشرة. وكانوا يقولون: “من يريد مخرجاً آمناً فعليه الخروج من ناحية الجيزة قرب مسجد الاستقامة بشارع الجامعة”.[291]

    خرج الكثيرون من الاعتصام آمنين، بحسب اثنين من الشهود. وشاهد نادر كمال رجالاً بثياب مدنية، وصفهم بأنهم “بلطجية”، يضربون بعض المتظاهرين أثناء فرارهم إلى ميدان الجيزة.[292] واختار عدد أقل من المعتصمين عدم مغادرة الاعتصام، ولجأوا بدلاً من هذا إلى الاحتماء داخل مجمع كلية الهندسة بجامعة القاهرة.

    وأجمع المتظاهرون الذين أجريت معهم المقابلات على وصف قيام المئات من المشاركين في الاعتصام بالفرار إلى مجمع كلية الهندسة. اقتحم المتظاهرون البوابة الأمامية لدخول المجمع بحلول منتصف الصباح، واحتمى ما يقرب من 500 منهم في مبنى واحد، وبينهم ما لا يقل عن 60 من المتظاهرين المصابين. وقال ثلاثة من المتظاهرين الذين أجرت معهم هيومن رايتس ووتش مقابلات إنهم اختبأوا هناك بينما كانت الشرطة تحاصر المبنى حتى الساعة 7 مساءً، مطلقة عليه الغاز المسيل للدموع بشكل متقطع. وقال طبيب كان يشارك في الاعتصام إن المتظاهرين اختبأوا في المبنى وتشاركوا في أقنعة الغاز، واستخدموا الثياب لصنع ضمادات وأربطة ضاغطة بدائية.[293]

    وقال عضو باللجنة الأمنية لاعتصام النهضة لـ هيومن رايتس ووتش إن عدداً من المتظاهرين المسلحين تمركزوا بالطوابق العليا من مبنى قسم العمارة داخل كلية الهندسة.[294] وأضاف أن الاشتباكات نشبت بين المتظاهرين داخل المبنى وقوات الأمن في نحو الرابعة مساءً، وقال طبيب كان يعالج المتظاهرين المصابين:

    تم وضع [المصابين] في قاعة كبيرة، تم إغلاقها حتى لا يتعرض المصابون للمزيد من الغاز المسيل للدموع. وفي قاعتي كان هناك 60 مصاباً. من الساعة 8 صباحاً وحتى 2 عصراً، ظل المصابون يتوافدون. وبعد السادسة مساءً توقفت القنابل [الصوتية] والطلقات، ولم نر أية أفراد للشرطة.[295]

    ظل المتظاهرون داخل مبنى كلية الهندسة حتى الساعة 8-9 مساءً، حين سمحت لهم قوات الأمن بمغادرة الموقع في أمان.

    وفي مؤتمر صحفي مساء يوم الفض، قال وزير الداخلية إبراهيم إن قوات الشرطة عثرت في ميدان النهضة على:

    10 بنادق آلية، و29 بندقية خرطوش، و9622 طلقة حية، و6 قنابل يدوية، و5 بنادق كباس خرطوش، و55 زجاجة مولوتوف، وكميات من الأجهزة اللاسلكية، وكميات كبيرة من الأسلحة البيضاء وأدوات الشوي.[296]

    وتؤيد روايات أخرى وجود كميات أكبر نسبياً من الأسلحة في اعتصام النهضة عما في ميدان رابعة، فقد قام الناشط المدون علاء عبد الفتاح، ووالدته ليلى سويف الأستاذ بجامعة القاهرة، بزيارة ميدان النهضة في يوليو/تموز 2013 ولاحظا أسلحة بالداخل، واصفين الاعتصام بأنه “مسلح”.[297] ومع ذلك فإن السرعة والسهولة التي تمكنت بها قوات الأمن من فض الاعتصام، ومقتل اثنين من رجال الشرطة فقط، توحي بأن وجود عدد أكبر نسبياً من المتظاهرين المسلحين لم يؤد إلى استخدام المتظاهرين لقدر يعتد به من القوة يوم 14 أغسطس/آب.

    في 9 سبتمبر/أيلول ادعى مكتب النيابة العامة في الجيزة أن العنف من جانب متظاهري النهضة أدى إلى إحراق 29 عربة للشرطة، وأن النيران اشتعلت نتيجة لطلقات حية وطلقات خرطوش وزجاجات مولوتوف.[298] كما قالت النيابة إن المتظاهرين سرقوا 50 بندقية.[299] وفي النهاية اتهمت المتظاهرين بإحراق مباني كلية الهندسة.[300] ولم تستطع هيومن رايتس ووتش إثبات أو نفي تلك الاتهامات على نحو مستقل.

    تفريق المتظاهرين بميدان مصطفى محمود

    بعد قيام قوات الأمن بفض اعتصام النهضة يوم 14 أغسطس/آب، نظم مؤيدو الإخوان مسيرة إلى ميدان مصطفى محمود الواقع على مقربة بحي المهندسين، إلى الجنوب الغربي من ميدان النهضة في الجيزة. وكانت هذه المظاهرة ضمن مظاهرات عديدة نظمت في أنحاء مصر يوم 14 أغسطس/آب احتجاجاً على الفض العنيف لاعتصامي رابعة والنهضة. ومرة أخرى استخدمت الشرطة القوة المفرطة، بما في ذلك الذخيرة الحية، لتفريق متظاهري مصطفى محموج بعد بدء المظاهرة بقليل.

    أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 5 رجال من المشاركين في مظاهرة مصطفى محمود، إضافة إلى طبيبين بالمستشفى الميداني في مسجد مصطفى محمود، وتعرض اثنان من المتظاهرين الذين أجريت معهم المقابلات لإصابات جراء طلقات الخرطوش.[301]

    قال طبيب كان يعمل في المستشفى الميداني بالميدان لـ هيومن رايتس ووتش إن أول إصابة وصلت الساعة 8:30 صباحاً بطلق ناري في الساق.[302] وقال إنه في منتصف الصباح “بدأت الحالات الخطيرة تأتي، ورأيت مصاباً وقد خرج دماغه [من جمجمته]، وقد توفي على منضدة العمليات رغم عدم وجود منضدة فعلية؛ كنا نعمل على الأرض. رأيت ما لا يقل عن خمسة من تلك الحالات [لأشخاص تناثرت أدمغتهم بفعل الطلقات] لكنهم كانوا ما زالوا يتنفسون”.

    وقال نفس الطبيب: “رأينا أيضاً حالات لأشخاص مصابين بتهتكات في البطن مع خروج الأمعاء كلها، وحالات لمتظاهرين مصابين بالرصاص في العنق”.[303] كما أضاف أن مئات المصابين التمسوا العلاج في المستشفى الميداني من جراح طلقات نارية، وطلقات خرطوش، واستنشاق الغاز المسيل للدموع، وكسور بالعظام.[304]

    وقال شهود إن قوات الأمن المركزي ورجالاً بثياب مدنية يحملون أسلحة قاموا بإطلاق النار على المتظاهرين. وقال متظاهر أصيب برصاص الأمن المركزي في ذلك اليوم لـ هيومن رايتس ووتش إنه وصل إلى المظاهرة في نحو الساعة 11:30 من صباح 14 أغسطس/آب ووجد المشهد هادئاً نسبياً، رغم بقاء الغاز المسيل للدموع في الهواء.[305] وقال إنه في نحو الساعة 12:30 ظهراً:

     سمعت صوت طلق ناري. فذهبت إلى ذلك المدخل [حيث سمعت الطلق الناري] واختبأت خلف عمود خرساني قرب أحد المتاجر. ورأيت عربة مدرعة في المقدمة، من النوع الجديد الرمادي الداكن. كانت تتحرك للأمام والخلف، وتسد الطريق. وكنا [نحو 5 أشخاص] نختبئ وسمعنا صوت بنادق آلية. كنت أرتدي قنعاً للغاز وأحمل حجراً. وجاء صوت طلقات نارية كثيرة، فخرجت من خلف العمود للنظر إلى الأسفلت وتبين وجود رد فعل من عدمه أو أنها مجرد فوارغ. كنت أرتدي قناع الغاز وأحمل حجراً، وكنت أحمل حقيبة وربما ظنوا أن بها سلاحاً. سمعت عدة دفعات من الخرطوش. وحين عدت للداخل قال البعض: “أنت مصاب”. لم أشعر بأي شيء. أمسك بي شخصان وحملاني عائدين، ونقلتني دراجة نارية إلى عربة إسعاف.[306]

    كان الرجل قد أصيب بطلق ناري في الفخذ. وقال متظاهر آخر لـ هيومن رايتس ووتش إن بعض المشاركين كانوا يحملون أسلحة، وإن الاشتباكات نشبت بين المتظاهرين والشرطة بين الواحدة والثانية والنصف ظهراً على وجه التقريب:[307]

    أصيب رجل يلبس قميصاً أصفر في صدره، وتم استهداف أي شخص يحاول مساعدته على النهوض أو حمله. أشعل المتظاهرون النار في بعض الإطارات، فتمكنت مع أربعة شباب آخرين من حمل ذلك الرجل إلى موقف سيارات قريب. لكنه توفي.[308]

    وأضاف أن المتظاهرين انهمكوا في اشتباكات أضيق نطاقاً مع رجال وصفهم بأنهم “من السكان” في توقيت لاحق من فترة بعد الظهر.[309]

    قال طبيبان يعملان داخل مسجد مصطفى محمود لـ هيومن رايتس ووتش إن المتظاهرين أحضروا 30-35 شخصاً إلى المستشفى الميداني بالمسجد على مدار اليوم، فوصل الأول الساعة 8:30 صباحاً والأخير في نحو السابعة مساءً.[310] وقال طبيب كان يعمل بمستشفى السلام القريب في ذلك اليوم إن المستشفى استقبل 30 جريحاً من الميدان واثنين من القتلى، المصابين بطلقات نارية في الرأس.[311] ومن بين الجرحى الثلاثين كان 10 في حالة حرجة جراء إصابات الطلقات النارية أو الخرطوش في الصدر والبطن.[312]

    تبرير الدولة لعمليات الفض

    على مدار أسابيع الاعتصامين الست السابقة على 14 أغسطس/آب، استغل الإخوان المسلمون منصتي رابعة والنهضة كمنبر سياسي للدعوة إلى معارضة استيلاء الجيش على السلطة، ومقاومة “خريطة الطريق” التي أعلن عنها قائد الجيش عبد الفتاح السيسي. وألقى كبار قادة الإخوان خطباً نارية، تم بثها جميعاً من قناة الجزيرة التي وفرت للاعتصامين تغطية على مدار الساعة، وبخاصة بعد أن أغلقت السلطات القناة التلفزيونية الخاصة بالإخوان المسلمين، قناة “مصر 25″، في 3 يوليو/تموز.[313]

    وفي الأسابيع المؤدية إلى عمليات الفض في أغسطس/آب، استخدمت الحكومة تشكيلة من الحجج لتبرير فض الاعتصامين، تتراوح بين الحاجة لوقف عمليات الاحتجاز والإساءة إلى المحتجزين التي يجريها متظاهرون في الاعتصامين، وحتى قطع الطرق وإزعاج السكان في مناطق الاعتصامين، واتهامات لقادة الإخوان بالتحريض على العنف والطائفية من منصاتهما. فعلى سبيل المثال، في مؤتمر صحفي بتاريخ 27 يوليو/تموز، قال وزير الداخلية إبراهيم:

    ولا شك أنكم جميعاً تعرفون بالتعذيب الذي يتم هناك، والجثث التي ظهرت. شهدت النهضة خروج ستة جثث منها في الفترة الأخيرة، علاوة على 3 حالات تعذيب موجودة في المستشفيات.. تم تعذيبهم حتى الموت وطردهم من الاعتصام، أو استدعاء الإسعاف لنقل الجثث. [هذا] علاوة على المعاناة التي يواجهها سكان منطقة رابعة بشكل يومي. فهذا تقاطع مروري للعديد من المحاور المرورية الكبرى بالقاهرة، يوسف عباس، شارع الطيران، والأوتوستراد، وقد سبب [الاعتصام] شللاً مرورياً استمر 30 يوماً. كما قام العديد من سكان رابعة والنهضة بتحرير محاضر، ومكتب النيابة يعمل على التحقيق فيها، ونحن ننتظر نتائج التحقيقات… وبإذن الله في وقت قريب، وفقاً لما تصدره النيابة، سيتم التعامل مع اعتصامي رابعة والنهضة.[314]

    قال أحد السكان لـ هيومن رايتس ووتش إنه عجز عن أخذ أمه، التي كانت في كرسي متحرك، إلى الطبيب طوال فترة الاعتصام بسبب ازدحام الأشخاص الشديد تحت بنايته السكنية.[315] وقالت جارته الشابة إنها كانت تستاء بصفة خاصة من اضطرارها لتحمل تفتيش حقيبة يدها على أيدي المتظاهرين كلما اضطرت للمرور من نقاط تفتيشهم، وإنه في بعض الأحيان في المساء لم يكن هناك سيدات في نقاط التفتيش فكان يقوم بتفتيش حقيبتها رجال.[316] وقال الساكنان كلاهما إن الضوضاء المستمرة من المنصة، وخاصة في المساء، جعلت النوم مستحيلاً عليهما. وقام بعض سكان البنايات المحيطة باعتصام رابعة بتحرير محاضر رسمية بسبب حرمانهم من سهولة الوصول إلى مداخل بناياتهم.[317]

    وكما أسلفنا، زعمت السلطات أن المتظاهرين كانوا يحتجزون معارضي الإخوان ويسيئون إليهم في اعتصامي رابعة والنهضة. في يوم الثلاثاء، 30 يوليو/تموز، أعلن وزير الداخلية عثور الوزارة على 11 جثة لأشخاص يبدو أنهم كانوا ضحايا للتعذيب في ميداني رابعة والنهضة.[318]

    وقد فحصت هيومن رايتس ووتش الأدلة التي توحي بقيام بعض المتظاهرين داخل الاعتصامين باحتجاز عدد من الأشخاص الذين اشتبه المتظاهرون في كونهم من المتسللين، والإساءة إليهم، مما أدى ربما إلى حالات وفاة. فعلى سبيل المثال، قال اثنان من المشاركين في اعتصام النهضة لـ هيومن رايتس ووتش إن المتظاهرين شكلوا “لجاناً آمنية”.[319] وقال عضو بإحدى اللجان الأمنية عمره 33 عاماً لـ هيومن رايتس ووتش إن تلك اللجان كان لها 3 أهداف: فرض النظام في الاعتصام (مما كان يشمل التأكد من عدم صعود أشخاص للمنصة دون إذن)، وحماية الأشخاص من هجمات قوات الأمن، واستجواب الأفراد المشتبه في كونهم من مرشدي الشرطة أو المخابرات، واحتجازهم.[320] قال الرجل إنه شاهد متظاهري النهضة يضربون ويحتجزون عدداً ضئيلاً من المتسللين المشتبه بهم.[321]

    وقال عضو بإحدى اللجان الأمنية عمره 38 عاماً لـ هيومن رايتس ووتش إنه في أوائل يوليو/تموز، بعد إصابته في اشتباكات مع سكان محليين، قامت مجموعته بالقبض على 3 سكان معارضين لحكم الإخوان والاعتداء عليهم بالضرب، فكسرت ذراع أحدهم. وقد احتجزوا الرجال الثلاثة مع خمسة آخرين تحت المنصة بميدان النهضة.[322] وقال عضو ثالث بإحدى اللجان الأمنية لـ هيومن رايتس ووتش إنهم قاموا في موقعه بالقبض على 20 متظاهراً والإساءة البدنية إلى عدد منهم، كما كان يعتقد في حدوث سلوك مشابه بمواقع أخرى، وزعم أن بعض رجال الشرطة والجيش المشتبه فيهم ربما يكونوا قد قتلوا نتيجة لهذا. ولم يقدم الرجل أي تفاصيل إضافية تؤيد مزاعمه.[323]

    قال 4 من سكان المنطقة الذين أجريت معهم المقابلات إنهم شاهدوا أشخاصاً يمسكون بمحتجزين ويسيئون إليهم أثناء اعتصام النهضة في يوليو/تموز وأغسطس/آب.[324] وحكى صبي في السابعة عشرة لـ هيومن رايتس ووتش كيف اعتدى عليه بعض المشاركين في الاعتصام بالضرب المبرح وجرحوا عنقه بشفرة قطع الورق المقوى، أثناء احتجازه تحت منصة اعتصام النهضة يوم 2 يوليو/تموز.[325] وقال شاهدان لـ هيومن رايتس ووتش إنهم في اليوم نفسه شاهدوا متظاهرين مؤيدين لمرسي يمسكون بكرم حسن، أحد سكان حي بين السرايات القريب من ميدان النهضة، الذي يبلغ من العمر 48 عاماً ويسحلونه. قالت والدة حسن إنها لم تره إلا بعد مرور 10 أيام، حين تعرفت على جثته المضروبة المكدومة بمشرحة زينهم في القاهرة.[326] وتعتقد السيدة أنه توفي نتيجة ما مارسه عليه متظاهرو الإخوان من تعذيب.

    وتشير هذه الأقوال إلى احتمال ارتكاب بعض المتظاهرين لجرائم خطيرة أثناء الاعتصامين. ومع ذلك فقد كان الواجب على قوات الأمن هو الاستجابة لتلك المزاعم بالتحقيق واحتجاز الأفراد المشتبه في تورطهم في الإساءات، وملاحقة من كانوا يعتقدون بمسؤوليتهم عن أية مخالفات في محاكمات عادلة. فهذه الانتهاكات لا تبرر معاملة الاعتصامين بالكامل معاملة المجرمين، ومن ثم تجيز استخدام القوة المفرطة والاستخدام العمدي للقوة المميتة ضد المتظاهرين.

    في أعقاب الفض مباشرة، قامت الشرطة باحتجاز ما يزيد على ألف متظاهر من اعتصامي رابعة والنهضة.[327] وأمرت النيابة بحبسهم احتياطياً على ذمة التحقيق بتهم تشمل التحريض على العنف أو المشاركة فيه، وتعذيب المعارضين. وما زال الكثيرين من الذين اعتقلوا يوم 14 أغسطس/آب رهن الاحتجاز. أحيلت بعض القضايا إلى المحاكمة، بما فيها قضية واحدة تتهم 51 من مؤيدي مرسي المزعومين، وبينهم المرشد الأعلى للإخوان المسلمين محمد بديع، وقادة الإخوان محمد البلتاجي وصلاح سلطان، ومحمد سلطان صاحب الجنسية المصرية-الأمريكية المزدوجة، الذي جرح في فض رابعة والماضي حتى كتابة هذه السطور في إضراب عن الطعام منذ 26 يناير/كانون الثاني 2014 احتجاجاً على احتجازه، تتهمهم بإدارة “غرفة عمليات” في ميدان رابعة.[328] وما زال آخرون رهن الحبس الاحتياطي، فقد قضى عبد الله الشامي، مراسل الجزيرة المحتجز من فض رابعة، 300 يوم في الحبس الاحتياطي وأكثر من 140 يوماً في إضراب عن الطعام قبل الإفراج عنه لأسباب طبية في يونيو/حزيران 2014.[329]

    التخطيط الحكومي

    تبدو الطريقة الوحشية التي نفذت بها قوات الأمن فض اعتصامي رابعة والنهضة وكأنها تعكس سياسات نفذتها السلطات المصرية على أعلى المستويات بعد أسابيع من التخطيط.

    منذ الأيام الأولى للاعتصامين كانت الحكومة تستحضر شبح الفض. ومع استشراء العنف المجتمعي في أجزاء عديدة من مصر، دافعاً بمؤيدي مرسي في أحيان كثيرة في مواجهة مؤيدي الحكومة المؤقتة، وإطلاق قوات الأمن النار على متظاهرين مؤيدين لمرسي للمرة الأولى عند مقر الحرس الجمهوري في أوائل منتصف يوليو/تموز، انهمك المسؤولون والوجوه البارزة في الإعلام في حملة منسقة لشيطنة الإخوان، متهمين إياهم بالسعي إلى تقويض الدولة وإخفاء أسلحة ثقيلة في الاعتصامين.[330]

    وبلغ هذا الخطاب ذروته في خطاب بتاريخ 24 يوليو/تموز ألقاه وزير الدفاع السيسي، الذي دعا المصريين إلى النزول للشارع “لمنحي تفويضاً وتكليفاً بمواجهة العنف والإرهاب المحتمل”.[331] ولبى عشرات الآلاف من المصريين نداءه في 26 يوليو/تموز، فملأوا ميدان التحرير وشوارع أخرى في أرجاء البلاد. وبعد ساعات، في ساعة مبكرة من صباح 27 يوليو/تموز، فتحت الشرطة النار على مسيرة من مؤيدي مرسي فقتلت 95.[332]

    في مقابلة متلفزة مع قناة “الحياة”، قال الرئيس المؤقت منصور إن الحكومة ” لن تقبل الانفلات الأمني، وقطع الطرق والكباري والاعتداء على المنشآت العامة. والدولة يجب أن تظهر للجميع بهيبتها وتتدخل بكل حزم وحسم”.[333]

    وفي 27 يوليو/تموز قال وزير الداخلية إبراهيم في مؤتمر صحفي:

    بخصوص التوقيت المحدد لفض الاعتصامين، هناك تنسيق تام بيننا وبين الجيش، كما ستتم مناقشات لتحديد الوقت المناسب لهذا. وهذا كما قلت وفقاً للمحاضر المحررة لدى النيابة العامة، بحيث يكون هناك غطاء قانوني للعملية. قلت إن الاعتصامين سيتم فضهما بمقتضى القانون، وبناءً على المحاضر التي حققت فيها النيابة والمتعلقة بالأضرار الواقعة على سكان المنطقة والأضرار التي لحقت بهم جراء الأنشطة التي تتم في رابعة.[334]

    في 31 يوليو/تموز، استناداً إلى تفويض شعبي “بمحاربة العنف والإرهاب”، قام مجلس الوزراء المصري برئاسة حازم الببلاوي رئيس الوزراء بتفويض وزير الداخلية في “اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لمواجهة تلك المخاطر ووضع حد لها في إطار الدستور والقانون”.[335] وفي 4 أغسطس/آب صدق مجلس الدفاع الوطني برئاسة الرئيس المؤقت منصور، وعضوية كبار مسؤولي الأمن والمسؤولين المدنيين، على خطة الفض مؤكدأ دعمه لـ”جميع الخطوات والإجراءات التي بدأت [الحكومة] في اتخاذها في إطار إقرار الأمن في البلاد ومواجهة التهديدات والخروقات الأمنية من جانب التجمعات في رابعة العدوية والنهضة”.[336]

    كانت هناك جهود جدية للوساطة من طرف وسطاء مصريين ودوليين للحيلولة دون فض الاعتصامين بالقوة. ففي 2 أغسطس/آب التقى السيسي بقادة السلفيين الذين قالوا إن السيسي وعدهم بعدم الفض بالقوة طالما ظل الاعتصامان سلميين، مقابل تهدئة الخطاب الصادر عن المنصات في رابعة والنهضة.[337] وفي ذلك الوقت كانت تتم جهود دولية للوساطة يقودها مبعوث الاتحاد الأوروبي برناردينو ليون، ونائب وزير الخارجية الأمريكي ويليام برنز، سعياً للتوسط في صفقة سياسية بين الإخوان المسلمين والحكومة المؤقتة لتجنب العنف المتوقع في أي فض للاعتصامين بالقوة. كما أرسل مجلس الاتحاد الأفريقي رفيع المستوى بشأن مصر، المعين في 8 يوليو/تموز 2013 بعد عزل مرسي، أرسل بعثة لتقصي الحقائق والتشاور إلى القاهرة من 27 يوليو/تموز إلى 4 أغسطس/آب، حيث التقت البعثة بمسؤولين حكوميين من أعلى المستويات، ومنهم منصور والسيسي، وخاطبت الإخوان المسلمين، إذ قامت بمقابلة الرئيس السابق مرسي، وزارت اعتصام رابعة.[338]

    وطوال الأسبوع الأول من أغسطس/آب، حتى 7 أغسطس/آب، يبدو أنه كان هناك اتفاق على التعهد بإجراءات مبدئية لبناء الثقة تتضمن الإفراج عن رئيس حزب الحرية والعدالة سعد الكتاتني، ورئيس حزب الوسط أبو العلا ماضي، مقابل إنقاص أعداد المتظاهرين في الاعتصامين بمقدار 50 بالمئة.[339]

    ومع ذلك ففي مؤتمر صحفي بتاريخ 7 أغسطس/آب، قال رئيس الوزراء الببلاوي إن قراره بفض الاعتصامين نهائي ولا رجعة فيه، وسوف ينفذ بعد إجازة عيد الفطر الموافقة لنهاية رمضان، والذي ينتهي في 8 أغسطس/آب.[340] وفي موعد لاحق من اليوم نفسه، أصدر الرئيس منصور بياناً يقرر أن:

    الجهود الدبلوماسية انتهت اليوم. وقد أفسحت الدولة المجال لاستنفاد كافة الجهود اللازمة لإقناع الإخوان المسلمين ومؤيديهم برفض العنف ومنع إراقة الدماء والتوقف عن تعطيل المجتمع المصري بارتهان مستقبله.[341]

    ومع ذلك فقد استمر المسؤولون الأمنيون، كما كانوا يفعلون طوال أسابيع، في تقديم الوعود بتدرج عملية الفض، بدءاً بضرب نطاق حول الاعتصام، لعل الغرض منه منع مزيد من المتظاهرين من الانضمام إلى الاعتصام، وإطلاق تحذيرات وتوفير مخارج آمنة، خاصة للسيدات والأطفال. في 31 يوليو/تموز قال وزير الداخلية إبراهيم لوكالة “أسوشيتد بريس” إن الوزارة ستستخدم خطوات متدرجة من قبيل “الإنذار بضرورة مغادرة المنطقة، واستخدام الغاز المسيل للدموع إذا لم يرحل المتظاهرون، وأخيراً الدفاع المشروع عن النفس”.[342]

    وفي أعقاب الفض زعم إبراهيم:

    بدأت أجتمع بمساعديّ، ووضعنا خطة لفض الاعتصامين وقدمناها إلى مجلس الوزراء حتى تكون هناك تغطية سياسية وقانونية. وحصلنا على إذن من النيابة العامة ورفعنا الخطة إلى مجلس الدفاع الوطني فوافق عليها. في ذلك الوقت كانت هناك جهود أوروبية وكانت [الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي، كاثرين] آشتن في القاهرة، فأجلنا [الفض] لحين انتهاء الجهود الأوروبية ثم أجلناه لما بعد العيد. بدأنا المرحلة الأولى بالفض السلمي.[343]

    وفي 1 أغسطس/آب أصدرت وزارة الداخلية بياناً يدعو المتظاهرين إلى “تغليب المصلحة العامة ومغادرة الاعتصام فوراً مع التعهد بخروجهم آمنين وبالحماية التامة لكل من يستجيب لهذه الدعوة”.[344] وفي بيان ثان، بتاريخ 3 أغسطس/آب، كررت الوزارة وعدها بخروج آمن وحثت المتظاهرين على الرحيل.[345] وفي مقابلة مع صحيفة المصري اليوم بتاريخ 2 أغسطس/آب، قال إبراهيم إن الشرطة ستحاصر اعتصامي رابعة والنهضة “خلال ساعات” وإن وزارة الداخلية ستنفذ خطتها على مراحل: فتبدأ بدعوة المتظاهرين للرحيل مع تطمينات بأنها لن تعتقلهم، ومع نشر قوات الأمن في المنطقة، ثم محاصرة الاعتصامين.[346]

    وبينما كانت السلطات تتحدث عن فض متدرج، تشير الأدلة إلى أنها خططت لاستخدام القوة الغلابة وتحسبت لقتل آلاف المتظاهرين. في 5 أغسطس/آب قام وزير الداخلية بدعوة مجموعة من المنظمات الحقوقية إلى اجتماع لمناقشة عمليات الفض. وقال رئيس إحدى المنظمات التي حضرت الاجتماع لـ هيومن رايتس ووتش إن أبو بكر عبد الكريم، مساعد وزير الداخلية لحقوق الإنسان، كان يترأس الاجتماع مع آخرين من كبار المسؤولين، وقد طلب مسؤولو وزارة الداخلية من المنظمات إبداء رأيها في كيفية تقليل الخسائر، وقالوا إن الوزارة تقدر حصيلة الوفيات نتيجة الفض بـ3500.[347]

    في 10 أغسطس/آب نشرت صحيفة “الشرق الأوسط” التي تصدر باللغة العربية من لندن مقالة تستند إلى مقابلات مع مسؤولين مصريين لم تسمهم، وترد بها تفاصيل خطة الحكومة لفض الاعتصامين. وقد استشهدت المقالة بمصدر قال إن خطة وزارة الداخلية للفض، التي وافق عليها مجلس الوزراء، تقدر أن ” فض الاعتصام بالقوة وبشكل سريع سيسفر عن قتلى يتراوح عددهم بين 3 آلاف و5 آلاف شخص”.[348] وفي 12 أغسطس/آب استشهدت مقالة بصحيفة المصري اليوم بمصادر أمنية تقول إن وزارة الداخلية تقدر معدل الخسائر بـ10-25 بالمئة من الموجودين في الاعتصامين، وقد أدرجت هذا الرقم في خطة الفض التي وافق عليها مجلس الدفاع الوطني.[349]

    في مقابلة متلفزة بتاريخ 31 أغسطس/آب 2013، أكد إبراهيم أن وزارة الداخلية كانت تتوقع خسائر قدرها “10 بالمئة من الأشخاص” مقراً باحتواء الاعتصام على “أكثر من 20 ألف” شخص وبأنه “ستجدون الخسائر في صفوفهم بالآلاف”.[350]وفي مقابلة في سبتمبر/أيلول، قال رئيس الوزراء وقتها حازم الببلاوي لصحيفة المصري اليوم اليومية إن حصيلة الوفيات من فض اعتصامي رابعة والنهضة يوم 14 أغسطس/آب كانت “تقترب من الألف”. وأضاف أن “المتوقع كان أكثر بكثير مما حدث. والنتيجة النهائية كانت أقل من توقعاتنا”.[351]

    تشير الأدلة إلى أن السلطات لم تتبع في الواقع خطة الفض المتدرج واستخدام القوة كملجأ أخير، فلم تعلن السلطات، في أي وقت من الأوقات قبل الفض، عن تاريخ وتوقيت محددين تقوم فيهما بفض الاعتصامين بالقوة، ولا دعت المتظاهرين للرحيل قبل ذلك الوقت. ولم تضرب نطاقاً حول الاعتصامين ولا وفرت مخارج آمنة طيلة القسم الأكبر من يوم الفض. بل إنها قامت، بدلاً من هذا، بفتح النار عمداً على حشود من المتظاهرين السلميين في معظمهم، لمدة 12 ساعة تقريباً في حالة اعتصام رابعة.

    وفي استعراض لاحق لعملية الفض، استشهدت صحيفة “نيويورك تايمز” بدبلوماسيين غربيين قالوا إن وزير الداخلية إبراهيم أهمل خطة الفض المتدرج الأولى، مخافة أن تعرض الشرطة لانتقام الإخوان، واختار بدلاً منها خطة لاستخدام “أقصى قوة لإنهاء الأمر بسرعة”.[352] لم يقدم المقال مصدراً لهذا الزعم.

    في اليوم التالي للفض قال وزير الداخلية إبراهيم لصحيفة المصري اليوم إن “خطة الفض نجحت بنسبة مئة بالمئة”، مشيراً إلى أن طريقة تنفيذها أتت نتيجة خطة مركزية مسبقة وكانت تعكس سياسة حكومية واضحة.[353]

    وقد قام محمد البرادعي، نائب الرئيس للعلاقات الدولية في ذلك الوقت، في نص استقالته الموجهة إلى منصور يوم 14 أغسطس/آب، في غمار عملية الفض، قام بمناقشة الفرصة الضائعة للتوصل إلى مخرج سلمي:

    وكما تعلمون فقد كنت أرى أن هناك بدائل سلمية لفض هذا الاشتباك المجتمعى وكانت هناك حلول مطروحة ومقبولة لبدايات تقودنا إلى التوافق الوطنى. ولكن الأمور سارت إلى ما سارت إليه. ومن واقع التجارب المماثلة فإن المصالحة ستأتى فى النهاية ولكن بعد تكبدنا ثمنا غاليا كان من الممكن- فى رأيى- تجنبه .لقد أصبح من الصعب على أن أستمر فى حمل مسئولية قرارات لا أتفق معها وأخشى عواقبها ولا أستطيع تحمل مسئولية قطرة واحدة من الدماء أمام الله ثم أمام ضميرى ومواطنيّ خاصة مع إيمانى بأنه كان يمكن تجنب إراقتها.. وللأسف فإن المستفيدين مما حدث اليوم هم دعاة العنف والإرهاب والجماعات الأشد تطرفا وستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمرى إلى الله. [354]

    اعتداءات 14 أغسطس/آب على كنائس وأقسام شرطة

    في أعقاب فض الاعتصامين دأبت السلطات على الإشارة إلى ما تم من اعتداءات على الكنائس وأقسام الشرطة يوم 14 أغسطس/آب وما بعده، وانعدام الأمن العام في البلاد، كدليل إضافي على عنف منظم من جانب الإخوان المسلمين، وهو ما قالت السلطات إنه يبرر فضها العنيف للاعتصامين. ورغم أن تلك الاعتداءات شكلت رداً على الفض، وربما تكون قد استلهمت بعض الخطب الملقاة أثناء الاعتصامين جزئياً، إلا أنها لا تؤثر في وقائع القتل غير المشروع على أيدي قوات الأمن التي سبقت تلك الاعتداءات. والرد المناسب على التحريض على العنف أو ممارسته من جانب البعض هو ملاحقة المسؤولين عن تلك الأفعال، وليس الاستباق بفتح النيران العشوائية على حشود من المتظاهرين الذين ربما ضمت صفوفهم بعض الميالين للعنف.

    في أعقاب فض اعتصامي رابعة والنهضة مباشرة، خرجت حشود من الرجال تعتدي على ما لا يقل عن 42 كنيسة، فأحرقت أو دمرت 37 منها، إضافة إلى عشرات المنشآت الدينية المسيحية الأخرى بمحافظات المنيا وأسيوط والفيوم والجيزة والسويس وسوهاج وبني سويف وشمال سيناء.[355] قال أقارب للضحايا ومحام واحد لـ هيومن رايتس ووتش إن ما لا يقل عن 3 أقباط مسيحيين ومسلم واحد قتلوا نتيجة هجمات طائفية في دلجا بالمنيا، وبالقاهرة. قال رجل عمره 21 عاماً من سكان المنيا، الواقعة على بعد 250 كيلومتراً جنوب القاهرة، قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه في العاشرة من صباح 14 أغسطس/آب شاهد حشوداً من آلاف الرجال في شاحنات وعلى الأقدام تقترب من حيه السكني وتهتف بشعارات معادية للأقباط تستهدف الطائفة القبطية المصرية مباشرة. وقال إنهم كانوا يهتفون: “يا تاوضروس يا جبان يا عميل الأمريكان” و”يا تاوضروس يا جبان، لم كلابك من الميدان”، في إشارة إلى البابا تاوضروس الثاني، رأس الكنيسة القبطية، والمشاركة المسيحية في مظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013، المطالبة بعزل مرسي من السلطة.[356]

    وفي كافة الاعتداءات الـ42 التي وثقتها هيومن رايتس ووتش على منشآت دينية تقريباً لم يكن هناك تواجد للشرطة أو الجيش في بداية الاعتداءات أو أثناءها. قال قس من بلدة ملوي الواقعة جنوبي مدينة المنيا لـ هيومن رايتس ووتش إنه اتصل بخدمة النجدة وبالشرطة عدة مرات عند قيام حشد غوغائي بإحراق كنيسته، لكن أحداً لم يأت.[357] وقال شخص آخر من سكان دلجا إن المحافظ في 16 أغسطس/آب وعد بإرسال مدرعات لحماية الأقباط من العنف المستمر، لكن شيئاً لم يأت.[358]

    وقد أتت الاعتداءات على الكنائس بعد أسابيع من التصريحات الصادرة من مؤيدي مرسي التي لامت المسيحيين على خلع مرسي. في 24 يوليو/تموز قال عاصم عبد الماجد، العضو القيادي بحزب البناء والتنمية المنتسب إلى الجماعة الإسلامية، قال على منصة رابعة إن “الأقباط والشيوعيين يؤيدون السيسي في قتل المسلمين”.[359] وكان عبد الماجد قد أعلن في 29 يونيو/حزيران 2013 أن “متطرفي الأقباط” خرجوا في “حملة صليبية ضد المشروع الإسلامي، والفكرة تحرير مصر من الاحتلال الإسلامي”.[360] أما صفوت حجازي، الداعية الإسلامي ومؤيد مرسي، فكان قد أعلن في مقابلة بتاريخ 18 يونيو/حزيران 2013، استباقاً لمظاهرات 30 يونيو/حزيران: “من يرش مرسي بالماء نرشه بالدم”.[361] وقد استخدم نفس العبارة في خطبة ألقاها في ديسمبر/كانون الأول 2012، وأعاد استخدامها على منصة رابعة في 21 يونيو/حزيران 2013، وكان هذا في المرتين بعد قليل من توجيه رسائل إلى الأقباط. [362]

    وفي الساعات الأولى من يوم 15 أغسطس/آب، وسط الاعتداء على عدد من الكنائس في أنحاء البلاد، نشرت أمانة حلوان بحزب الحرية والعدالة بياناً على صفحها بموقع “فيسبوك” يقول: “بابا الكنيسة يشارك في عزل أول رئيس إسلامي منتخب… وأن تتبنى الكنيسة حرباً ضد الإسلام والمسلمين هو أشد جرماً، ولكل فعل رد فعل”.[363] في 29 يونيو/حزيران ظهر عصام العريان، القيادي الإخواني البارز، على قناة الجزيرة قائلاً: “إن الأغلبية العظمى من المسيحيين العاديين في مصر يحترمون الثقافة الإسلامية ويتعايشون مع المسلمين، لكن هناك نوعين آخرين يسيئان إلى هذه القاعدة، المتطرفون والانتهازيون الذين يدعون أن مصر تحت احتلال إسلامي”.[364]

    كما ألقى قادة الإخوان المسلمين بخطب نارية أخرى من منصة رابعة على مدار الاعتصام، تدعو إلى مقاومة شرسة للحكومة المؤقتة المدعومة من الجيش.[365]

    قدمت وزارة الداخلية حصيلة مبدئية للوفيات في صفوف رجالها يوم 14 أغسطس/آب تقدر بـ43، مما ترك انطباعاً زائفاً بأنهم قتلوا أثناء فض الاعتصامين.[366] فيما بعد ذكرت مصلحة الطب الشرعي أن عدد أفراد الشرطة المقتولين في رابعة والنهضة يوم 14 أغسطس/آب هو 10.[367] كما ذكرت مصلحة الطب الشرعي أن حصيلة وفيات الشرطة الإجمالية في أنحاء البلاد يومها بلغت 55، والتي تشمل أعمال عنف في أماكن أخرى بمصر بأيدي مؤيدي مرسي، رداً على عمليات الفض.[368]

    في 14 أغسطس/آب، في كرداسة بالجيزة، غربي القاهرة، اعتدت حشود غوغائية على قسم الشرطة المحلي فقتلت بعض أفراد الشرطة قبل التحرك لنهب وحرق كنيسة الملاك. وأفادت وكالة “أسوشيتد بريس” التي أجرت مقابلة مع ضابط الشرطة الوحيد الذي نجا من الاعتداء، أفادت بأن الغوغاء قتلوا 15 من رجال الشرطة ثم مثلوا بالجثث.[369] ويظهر في مقطع فيديو على يوتيوب، أذيع أن تصويره تم بعد الاعتداء، مجموعة من رجال الشرطة يرقدون على الأرض في برك من الدماء.[370]

    وفي المنيا قال اللواء عبد العزيز قورة، مدير أمن المحافظة، لـ هيومن رايتس ووتش إنه في 14 أغسطس/آب، حين وصلت أنباء فض الاعتصامين إلى المنيا، “شرعت مجموعات بالتزامن في مهاجمة أقسام الشرطة وبعض الكنائس، وكانوا يطلقون طلقات حية على قوات الأمن”. وقال إن المجموعات هاجمت 12 قسماً للشرطة في محافظة المنيا، وتم إحراق 6 منها عن آخرها، وإن المعتدين قتلوا 13 من رجال الشرطة وجرحوا 30 آخرين بالذخيرة الحية.[371]

    اعتقلت قوات الأمن الآلاف ممن اعتبروا متعاطفين مع الإخوان المسلمين في أرجاء مصر بتهم الضلوع في الاعتداءات على الكنائس وأقسام الشرطة في أعقاب فض رابعة والنهضة. وفي المنيا، في محاكمتين مشوبتين بأوجه قصور صارخة، نطق أحد القضاة بعقوبة الإعدام في أحكام مبدئية على أكثر من 1200 متظاهر أدينوا لاعتدائهم على أقسام شرطة في المنيا، وقتل اثنين من رجال الشرطة.[372] تم تخفيف العديد من هذه الأحكام، إلى فترات مطولة من السجن في حالات كثيرة، عند الحكم النهائي.

    .IIIعمليات القتل الجماعي الأخرى للمتظاهرين

    لم يكن فض رابعة والنهضة بمثابة تداعيات منعزلة، بل كانا جزءاً من حملة ممنهجة من طرف الحكومة المصرية لقمع المعارضة بالعنف. في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2013، مع قيام المتظاهرين بتنظيم تجمعات ومسيرات في أنحاء مصر احتجاجاً على قيام الجيش بخلع مرسي، عمدت قوات الأمن مراراً إلى استخدام القوة المميتة ضد متظاهرين ـ وكان أبرزها أمام مقر الحرس الجمهوري في 5 و8 يوليو/تموز، وعند النصب التذكاري في البقعة التي اغتيل فيها الرئيس أنور السادات في 28 يوليو/تموز، وفي ميدان رمسيس يوم 16 أغسطس/آب ـ مما أدى إلى وفاة ما لا يقل عن 282 متظاهراً في تلك الوقائع وحدها.

     

    5 يوليو/تموز: مقتل 5 متظاهرين أمام مقر الحرس الجمهوري

    حدثت أولى الوقائع الكبرى لقيام قوات الأمن بفتح النيران على متظاهرين في أعقاب خلع مرسي يوم 5 يوليو/تموز، بعد خلعه بأقل من 48 ساعة. وفي غضون ساعتين كان الجيش قد قتل 5 متظاهرين. زارت هيومن رايتس ووتش مستشفى التأمين الصحي، المستشفى الحكومي الذي أخذ إليه العديد من المتظاهرين الجرحى والمتوفين، وأجرت مقابلات مع 7 شهود بينهم متظاهرون وصحفي مستقل في مسرح الأحداث، وأحد سكان المنطقة، وبعض أقارب المتظاهرين الراحلين.

    في نحو الثانية من مساء 5 يوليو/تموز 2013، زحف الآلاف من مؤيدي الإخوان المسلمين على طريق صلاح سالم نحو مقر الحرس الجمهوري، الذي يعد مقراً لقيادة أحد أسلحة الجيش المصري، حيث ظن المتظاهرون أن الجيش يحتجز مرسي وكبار مساعديه هناك. وبحسب محمد عبد الله أحمد، وهو متظاهر مؤيد للإخوان عمره 26 عاماً وكان في مسرح وقائع القتل، كان المبنى محمياً بأسلاك شائكة و10 عربات مدرعة تتبع الجيش، و3 من ناقلات الأفراد المدرعة الخاصة بالشرطة، وعشرات من أفراد الجيش والحرس الجمهوري وقوات الشرطة الخاصة. قال 7 شهود أجريت معهم مقابلات بمستشفى التأمين الصحي يوم 5 يوليو/تموز، قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إنه في نحو الساعة 2:30 عصراً، قام أفراد قوات أمنية متمركزة خلف حاجز من السلك الشائك أمام نادي الضباط بمقر الحرس الجمهوري بإطلاق نيران متكررة على متظاهرين مؤيدين للإخوان سلميين وعزل من السلاح، فقتلوا خمسة منهم. وفي حالة واحدة، تشير الأدلة إلى قيام أحد الجنود في مسرح الأحداث بإطلاق نيران مميتة على رأس متظاهر فيما كان يسعى إلى تعليق ملصق لمرسي على سور خارج مقر الحرس الجمهوري.

    وصف أحمد ما رآه لـ هيومن رايتس ووتش:

    تجمعنا على الرصيف على الجهة الأخرى من صلاح سالم، وجلس معظمنا على الأرض. ثم قام رجل وعبر الطريق ووضع ملصقاً لمرسي على السلك الشائك أمام نادي الضباط، وسار عائداً إلى حيث كنا جالسين. فقامت الشرطة بقلب الملصق رأساً على عقب، الأمر الذي ضايقنا كثيراً. فسار نفس الرجل عائداً عبر الطريق لإصلاحه. وعندها قام ضابط ـ لم نر عدد النجوم التي على كتفه أو ما إذا كان ينتمي للجيش أم للشرطة ـ بإطلاق النار على رأسه من بندقية هجومية، وبدأ في إطلاق نيران سريعة متتابعة. وبدأنا جميعاً نجري. كان بعضنا يجري على طريق صلاح سالم، والبعض على طريق المطار. وبدأ بقية الضباط في إطلاق الغاز المسيل للدموع والخرطوش علينا.[374]

    وتمكن مصور صحفي كان متمركزاً على جانب الجيش بدوره من ملاحظة ما حدث، وقد وثقت صوره الفوتوغرافية ومقطع فيديو نشرته قناة “يقين” الإخبارية على يوتيوب، وثقت مقتل محمد صبحي محمد علي، المتظاهر الذي حاول تعليق الملصق.[375] وتبين الصور كيف سار علي في لحظة معينة، بينما كان غالبية المتظاهرين المؤيدين للإخوان متجمعين على الجانب الآخر من الطريق، نحو المقر العسكري وهو يحمل صورة لمرسي. وفجأة، حين كان على بعد متر واحد من الكردون العسكري، يسقط علي أرضاً، مصاباً بالرصاص في وجهه وصدره.

    وفي مقال إخباري يتولى مراسل لوكالة رويترز بالموقع وصف واقعة مشابهة وإن كانت تبدو مختلفة، فقد شاهد “حفنة من الرجال” تضع ملصقاً لمرسي على حاجز السلك الشائك، وقال إن أحد الجنود “مزقه”. وبعد صياح الحشود بإهانات لقوات الأمن، أطلقت القوات النار في الهواء، ثم سمع بندقية خرطوش وشاهد ما لا يقل عن ثمانية متظاهرين جرحى.[376]

    تحدثت هيومن رايتس ووتش مع أقارب وشهود للتيقن من هوية علي وثلاثة أخرين قتلوا في المظاهرة: حسين محمد حسين، وهو مدرس للغة الإنجليزية عمره 25 عاماً من حي إمبابة في القاهرة، وقد قتله أفراد من الجيش بإطلاق النار عليه مرتين في الصدر؛ ومحمود محمد ربيع طه، وهو خريج حقوق عمره 22 عاماً من محافظة بني سويف في الصعيد، وقد قتلته قوات الأمن بإطلاق الخرطوش على رأسه؛[377] ومحمد إمام خليفة، الذي أصيب بطلق ناري في الرأس. وأكد مدير الأمن بمستشفى التأمين الصحي أنه شاهد أربعة متظاهرين مقتولين.[378] في أكتوبر/تشرين الأول 2013 نشرت مصلحة الطب الشرعي، التابعة لوزارة الصحة، تقريراً يشير إلى أن حصيلة الوفيات في واقعة يوم 5 يوليو/تموز عند مقر الحرس الجمهوري بلغت 5.[379]

    في أعقاب قتل المتظاهر الأول، عاود حشد الإخوان التجمع ورجعوا إلى جانب الطريق المواجه لنادي الضباط. وفي نحو الثالثة عصراً فتحت قوات الأمن النار مرة أخرى، كما قال 3 شهود لـ هيومن رايتس ووتش.[380] قال الصحفي جستن ويلكس لـ هيومن رايتس ووتش إنه وصل إلى مسرح الأحداث الساعة 3:04 عصراً، وشاهد جثة الرجل المصاب بالنيران المميتة. وقال: “قال لي أناس في الحشد إن الجيش قال للمتظاهرين ألا يعبروا خطاً غير مرئي، لكن هذا الرجل عبره، فقتلوه”. وشاهد ويلكس متظاهرين يحملون “ما لا يقل عن 4 أو 5 [متظاهرين] وبهم إصابات جسيمة، وقمصانهم ملطخة بالدماء”. قال ويلكس إن مؤيدي الإخوان كانوا “يتظاهرون سلمياً طوال الوقت” وإنه لم يرهم “يقومون بأي شيء يستفز الجيش لإطلاق النار عليهم”.[381]

    وقالت سيدة تسكن شقة مطلة على مسرح الأحداث لـ هيومن رايتس ووتش، في مكالمة هاتفية قصيرة تمت في الثالثة من عصر يوم وقائع القتل، إنها شاهدت لتوها قوات الأمن تطلق الغاز المسيل للدموع والطلقات الحية على الحشود أمام بنايتها. وفي مكالمة ثانية الساعة 3:10 عصراً، قالت إن أحد المتظاهرين قتل. [382]

    وقال متظاهر مؤيد لمرسي عمره 37 عاماً من المنصورة إنه وصل عند مقر الحرس الجمهوري في نحو الساعة 3:15 عصراً:

    كنا نقول “سلمية، سلمية” لكنهم أطلقوا علينا النار، الخرطوش أولاً ثم استخدموا الغاز المسيل للدموع. المفروض أن يطلقوا الغاز أولاً، لكن ليس هذه المرة. أصيب صديقي في وجهه بالخرطوش. وحملناه بعيداً لمسافة نحو 600 أو 700 متراً، على أكتافنا، إلى المستشفى الميداني في مسجد رابعة، وقالوا إن حالته خطيرة فأرسلوه إلى مستشفى التأمين الصحي.[383]

    وقال حذيفة علي عبد الظاهر من إمبابة، الذي حضر المظاهرة، إن قوات الأمن قتلت قريبه، حسين محمد حسين، بالرصاص، قبيل الساعة 5 مساءً:

    كان هناك آلاف منا في مسيرة من مسجد رابعة إلى الحرس الجمهوري. ووصلنا إليه في نحو الساعة 4:45 مساءً وبدأنا نهتف: “نريد رئيسنا الشرعي، أطلقوا سراحه”. وكنا على بعد حوالي 20 متراً من نادي ضباط الحرس الجمهوري حين رأيت مدرعة للشرطة، كانت تقف خلف السلك الشائك لنادي الضباط، تبدأ في التقدم نحونا. وبدأ [فرد من قوات الأمن] يمسك ببندقية يطلق النار علينا. كان يطلق علينا رصاصة برصاصة، وليس بالسلاح الآلي. كان حسين يقف بجواري، ورأيته يصاب مرتين في صدره. وكانت عربة الإسعاف على بعد 3 أمتار منا فقط، فوضعنا حسين في عربة الإسعاف وأخذناه إلى المستشفى الميداني في المسجد. وصلنا إلى هناك الساعة 5 مساءً، وفي الخامسة والنصف نقلناه إلى مستشفى التأمين الصحي. وأجروا له جراحة، لكن الأوان كان قد فات، كان قد فارق الحياة.[384]

    8 يوليو/تموز: مقتل 61 متظاهراً أمام مقر الحرس الجمهوري

    بعد مظاهرة 5 يوليو/تموز بيومين، دعا الإخوان المسلمون إلى الاعتصام أمام مقر الحرس الجمهوري بشارع صلاح سالم، قائلين إنهم لن يرحلوا قبل قيام الجيش بإطلاق سراح مرسي وإعادته إلى منصبه الرئاسي.[385] وبحلول المساء كان نحو ألفين من مؤيدي الإخوان قد بدأوا في اعتصام سليم يحتل الطريق بين مقر الحرس الجمهوري من جهة ومسجد المصطفى على الجهة الأخرى. وصلاح سالم من طرق القاهرة الرئيسية، وتحفه مبان عسكرية وحكومية، ممتداً من المطار ليربط بين حي مصر الجديدة وبقية القاهرة. استولى المعتصمون على الطريق، وكان بعضهم يتجول أو يصلي، والباقون يجلسون أو ينامون.[386]

    بقي المتظاهرون مجتمعين عند مسجد المصطفى مع اقتراب موعد صلاة الفجر. وقال شهود في مسرح الأحداث لـ هيومن رايتس ووتش إن الجيش وقوات الأمن المركزي تحركوا لفض الاعتصام قبل الفجر مباشرة يوم 8 يوليو/تموز. زحفت القوات بالتزامن من مقر الحرس الجمهوري ومن عند مسجد المصطفى.[387]

    وصف الشهود قيام وحدات من الشرطة والجيش بفتح النار على الجهتين، مستهدفين المتجمعين أمام مقر الحرس الجمهوري وكذلك الخارجين من الصلاة بالمسجد. في البداية أطلقت قوات الأمن المركزي الغاز المسيل للدموع والخرطوش على المتظاهرين، بينما استخدم جنود الجيش الذخيرة الحية، لتفريق المتجمعين، ولمنع مغادري المسجد من الالتحاق بالمعتصمين على ما يبدو.[388] في نهاية الاعتداء كانت قوات الأمن قد قتلت 61 متظاهراً وجرحت 435، بحسب مصلحة الطب الشرعي.[389] وقد أصيبت الغالبية بطلقات نارية في الرأس والعنق والصدر كما قال عدد من الأطباء لـ هيومن رايتس ووتش. وحصلت صحيفة المصري اليوم المصرية على نسخ من 58 شهادة وفاة من بين الـ61 فلاحظت وفاة 16 بجراح مميتة في الرأس، و22 في الصدر، و8 في البطن، و2 في الأطراف السفلية، و10 في مواضع متعددة من الجسم. كما لاحظت أن جميع المتوفين كانوا رجالاً فوق سن العشرين.[390] علاوة على هذا قتل فرد واحد من الجيش وفرد من الشرطة في واقعة العنف.[391]

    ادعى الجيش أن الاشتباكات بدأت حين حاولت “جماعة إرهابية مسلحة” اقتحام مقر الحرس الجمهوري في الساعات الأولى من يوم 8 يوليو/تموز، و”الاعتداء على قوات الأمن”.[392] إلا أن الجيش لم يعلن عن أية أدلة تؤيد هذا الادعاء، ولم تجد هيومن رايتس ووتش أدلة على حدوثه، بل وجدت بدلاً منها أن المتظاهرين كانوا يصلون أو يتجمعون سلمياً حين تحركت قوات الجيش والشرطة لتفريق الاعتصام. وفور قيام قوات الأمن بفتح النار على المتظاهرين، وصف الشهود كيف لجأ بعض مؤيدي الإخوان إلى إلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف، وإطلاق أعيرة نارية في بعض الحالات على قوات الأمن.[393] وفي مقطع فيديو راجعته هيومن رايتس ووتش يظهر ثلاثة من مؤيدي الإخوان وهم يطلقون البنادق في موعد لاحق من الصباح بعد أن كان الجيش قد فتح النار على المتظاهرين.[394]

    وتوضح حصيلة الوفيات والأدلة المستمدة من الشهود أن الجيش والشرطة ردوا بالقوة المميتة التي تجاوزت بكثير أي تهديد ظاهري كان يقع على أرواح أفرادهما. وصف الشهود كيف قام قناصة عسكريون متمركزون على أسطح المقرات باستهداف المتظاهرين بالذخيرة الحية، فيما كان رجال الجيش والشرطة يطلقون النار عشوائياً ودون تمييز على حشود المتظاهرين باستخدام الذخيرة الحية.[395]

    تشير شهادات الشهود إلى أن قوات الأمن بدأت تزحف على المتظاهرين في نحو الساعة 3:20 صباحاً، ويبدو أن بعض المتظاهرين لاحظوا زحف قوات الأمن من جهة الشارع القريب من مسجد المصطفى فحذروا الباقين. وقال شاهد واحد على الأقل، هو السائق محمد شحاتة الذي كان يقف أمام عمارة سكنية تجاور مقر الحرس الجمهوري لحماية السيارات، إن وحدات الجيش أنذرت المتظاهرين بمكبرات الصوت بضرورة الانصراف قبل إطلاق الغاز المسيل للدموع. وقال إن “الجيش قام بعد ذلك بإطلاق الغاز عليهم، وألقى الإخوان المسلمون بالحجارة على أفراد الجيش”.[396]

    قال أحمد حسين، الذي يسكن بطابق مرتفع من عمارة العبور رقم 9 المطلة على المسجد، لـ هيومن رايتس ووتش:

    سمعت جلبة الطرق على المعادن تصدر من أسفل، وكانت تمثل نداء التجمع أثناء الثورة [2011] عند ظهور خطر، فخرجت إلى الشرفة، وكان مئات من أعضاء الإخوان قد انتهوا لتوهم من الصلاة ويخرجون من المسجد حين رأيت الجيش والأمن المركزي يقتربون منهم. وكنت أرى أنهم لم يكونوا يتوقعون هذا لأنهم سارعوا إلى تكسير الحجارة على عجل. كان هناك نحو 12 حاملة أفراد عسكرية وسيارتان للأمن مركزي. وبدأوا في إطلاق الغاز المسيل للدموع على الإخوان.[397]

    وقد تأكدت أقواله بأقوال أحد المتظاهرين المؤيدين لمرسي، وهو حازم ممدوح، الذي قال لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة بدأت في التحرك حوالي الساعة 3:20 صباحاً، قبل انتهاء صلاة الفجر، التي صلاها في ذلك الصباح في مسجد المصطفى:

    سمعنا المتظاهرين الذين يحرسون الاعتصام يطرقون المعدن بالحجارة، وهي دائماً علامة تحذير. ورأينا ما يشبه شاحنات الشرطة ـ كان الظلام ما زال سائداً فلم أتبين تماماً ـ تأتي من صلاح سالم في اتجاه مقر الحرس الجمهوري، وفجأة ملأ الغاز المسيل للدموع المكان. وعلى الفور سمعنا صوت الأسلحة الآلية العالي. جريت نحو مقر الحرس الجمهوري للاختباء في الشارع الجانبي. لم نكن مستعدين على الإطلاق. [398]

    و قال حسام القاضي، وهو أحد سكان عمارة العبور رقم 10 المواجهة للمسجد على الجهة الأخرى من الشارع، إنه استيقظ في الرابعة صباحاً على صوت إطلاق البنادق الآلية وعبوات الغاز المسيل للدموع:

    من نافذتي رأيت الشرطة تطلق الغاز [المسيل للدموع] وخلفهم مباشرة كان الجيش يقف ويطلق النار في الهواء، لأنهم لو استهدفوا [مؤيدي] الإخوان المسلمين لأصابوا الشرطة [التي كانت تقف أمامهم] بالطبع، لكنهم لم يفعلوا، بل أطلقوا النار في الهواء.[399]

    وفي تلك الأثناء، على الجهة الأخرى من شارع صلاح سالم، كان المتظاهرون المؤيديون لمرسي يؤدون صلاة الفجر أمام مقر الحرس الجمهوري مباشرة، حين سمعوا أعيرة نارية عن بعد. وقالت إحدى سكان بناية تطل على المقر لـ هيومن رايتس ووتش إنها شاهدت قوات الأمن تطلق الغاز المسيل للدموع على مدار عدة ساعات، وشاهدت جنود الجيش يفضون الاعتصام.[400]

    وقال كرم محمود، وهو مشارك في الاعتصام من بني سويف عمره 29 عاماً، إنه سمع صوت إطلاق الغاز المسيل للدموع بعد صلاة الفجر، فتتبع مصدر الصوت:

    في البداية سمعنا صوت الطرق على أعمدة الإنارة. ثم رأينا الحرس الجمهوري يأتي من يسار المبنى. كانوا يطلقون الخرطوش، ثم جاءت قوات الأمن من اليسار ومن اليمين. كان الغاز شديد الكثافة، فتراجعنا، وفور اقترابهم منا أطلقوا علينا الخرطوش. كان المشهد مروعاً: نيران كثيفة ومستمرة. كان هذا أمام مبنى وزارة التخطيط. وكنت مصاباً بالخرطوش، فذهبت إلى المستشفى الميداني.[401]

    وقال أحمد حسين، الساكن الذي شهد الاشتباكات من شقته المطلة على المسجد، إن إطلاق النيران الكثيف، بما في ذلك بالأسلحة الآلية، بدأ الساعة 3:53 صباحاً، وإن معظم الطلقات صدرت من جهة الجيش، لكنه سمع بعضها يأتي من اتجاه المتظاهرين أيضاً. وقال محسن سودان، مؤيد الإخوان من كفر الشيخ البالغ من العمر 43 عاماً، قال لـ هيومن رايتس ووتش كيف أعقب الغاز المسيل للدموع والخرطوش قناصة يطلقون ذخيرة حية:

    [ عند الفجر] كنا ننتهي من الصلاة. سمعنا صوت الطلقات فتعجل الإمام في إنهاء الصلاة. ثم صدر صوت الطلقات من الجهة اليسرى [من اتجاه مسجد المصطفى]. وبعد 15 أو ربما 20 دقيقة بدأ الناس يسقطون. جريت عائداً، بعيداً عن مقر الحرس الجمهوري. كان هناك قناصة فوق أحد المباني العسكرية. كنت في منتصف الطريق [العمودي على صلاح سالم والمؤدي إلى مقر الحرس الجمهوري] ورأيت شابين يصوران من شرفتهما. أطلق القناصة [عبر الطريق] النار عليهما. وواصلوا إطلاق النار حتى الساعة 10:30 صباحاً. [402]

    وتعمل مقاطع فيديو نشرها الجيش ومقاطع من الهواتف المحمولة للشهود على تأييد هذه الروايات، إذ تظهر قناصة عسكريين فوق الأسطح ببنادق آلية يطلقون النار على الحشود.[403]

    وتؤكد تقارير مصلحة الطب الشرعي أن جميع المتظاهرين الـ61 القتلى أصيبوا بالذخيرة الحية. قال د. أحمد عبد البر، الطبيب بقسم الطوارئ بمستشفى التأمين الصحي، لـ هيومن رايتس ووتش إن المستشفى استقبل 400 حالة، تشمل 30 جثة لمتوفين، بين الرابعة والثامنة من صباح 8 يوليو/تموز. وقال: “أتت معظم الحالات بطلقات نارية في البطن، وكانت غالبيتها مصابة بطلقات حية أو بالخرطوش”.[404] وقال د. أيمن البغدادي، مدير مستشفى الدمرداش المتخصص في الجراحة، لـ هيومن رايتس ووتش يوم 8 يوليو/تموز إنه:

    استقبلنا 40 حالة من المصابين أمام الحرس الجمهوري. وكانت أول وفاة نستقبلها اليوم هي حالة فرج محمد محمد عبد الله، 35 سنة، الذي وصل إلى المستشفى ميتاً. وقد توفي نتيجة طلق ناري بالصدر. كانت جميع الحالات الواردة اليوم مصابة بطلقات حية.[405]

    أما حسام القاضي الذي شهد الاشتباكات من بنايته أمام المسجد فقال إنه شاهد مؤيدي الإخوان المسلمين يقذفون الجيش بالحجارة، وقال إنه شاهد “شخصاً واحداً على الأقل [وسط المتظاهرين] يطلق الخرطوش، فقد رأيت الشرارة”.[406]

    وقد راجعت هيومن رايتس ووتش عدة وقائع يبدو فيها بوضوح أن نيران قوات الأمن قد قتلت متظاهرين سلميين، ففي مقطع فيديو راجعته هيومن رايتس ووتش، تقف مجموعة من الرجال لمشاهدة الاشتباكات من على بعد دون أن يبدو عليهم المشاركة فيها، وفجأة يسقط رجل على الأرض. وفيما يرفع الآخرون جسمه، الذي يبدو هامداً لا حياة فيه، تتسرب الدماء من ظهر قميصه.[407] وفي واقعة أخرى قتل المصور أحمد عاصم، 26 سنة، بنيران قناص وهو يصور الأحداث. في مقطع الفيديو المنشور على الإنترنت، يقوم عاصم بتصوير قناص عسكري متمركز على سطح أحد مباني وزارة الدفاع وهو يطلق النار في اتجاه آخر، ثم يلتفت ويطلق النار على المصور مباشرة.[408]

    وقال أشرف سيد، وهو متظاهر جريح تحدثت هيومن رايتس ووتش إليه في المستشفى، إن قوات الأمن أطلقت عليه النار رغم أنه لم يكن يحمل سلاحاً:

    كان هناك صفان من الجيش والشرطة. أطلق عليّ ذوو الزي الأسود [قوات الأمن المركزي] الخرطوش. ولم يكن في يدي شيء.[409]

    وقال أربعة متظاهرين آخرين على الأقل ممن أجريت معهم مقابلات إنهم كانوا عزلاً وجرحتهم طلقات البنادق، وكان هذا في بعض الحالات أثناء انسحابهم من الاشتباكات. قال وائل بدر إنه سمع قبيل الرابعة صباحاً أن الاعتصام يتعرض للهجوم فهرع مع آخرين من اعتصام مسجد رابعة العدوية، وهو موقع المظاهرة الرئيسية للإخوان المسلمين، على مسيرة 15 دقيقة من شارع صلاح سالم، فوجد أن هناك إطلاقاً مستمراً للنيران:

    كان لديهم [قوات الأمن] قناصة على الأسطح. وكان يجري إطلاق الغاز المسيل للدموع وكنا نرى بالكاد، لأن إطلاق النار كان متواصلاً. انحنيت لتفادي الغاز المسيل للدموع في لحظة معينة والحمد لله على نهوضي لأن الرصاصة اخترقت ساقي في تلك اللحظة وما زالت هناك. لم يتم استخراجها.[410]

    و قال محمد حسن، أحد مؤيدي مرسي:

    كانت هناك عربتان مدرعتان تطلقان الكثير من الغاز المسيل للدموع فلم نكن نرى جيداً. وعند تلك اللحظة بدأ الجيش يطلق الذخيرة الحية. رأيت شخصين يصابان في الرأس وكانا يقفان أمامي عند الحاجز. بدأنا ننسحب حين فوجئنا برؤية عشرات الأشخاص جرحى على الأرض. لا نعرف أين أصيبوا. واصلنا الانسحاب. أصيب أحد أصدقائي برصاصة في ساقه. وحين ذهبت لرفعه أصبت [بالخرطوش] في صدري.[411]

    وقال أحمد صلاح، الصيدلي وعضو الإخوان المسلمين، لـ هيومن رايتس ووتش:

    كانوا يطلقون الغاز المسيل للدموع دون توقف. كانت هناك عربة مدرعة كبيرة تتقدم وتتراجع. كانوا يطلقون الخرطوش على الأرض أمامنا. كنت أقف وحدي على الرصيف أمام فندق سونستا وأحاول أن أقرر أي الطرق سأتخذ حين أصبت فجأة في أسفل سمانة ساقي اليسرى. [412]

    وقال أحمد السيد، 21 سنة وأحد المتظاهرين من مؤيدي مرسي:

    كانت الساعة حوالي 4:45 [صباحاً] وكنا نجري من شارع الطيران إلى شارع محمد طلعت، وكانوا يطلقون الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع والخرطوش. لم أصب إلا في أنفي، بفضل الخوذة التي كنت أرتديها. كان الشباب يردون بالألعاب النارية والشماريخ وبإلقاء الحجارة. [بحلول الساعة] 7 صباحاً كان القناصة يستهدفون الناس عمداً. حملت سبع جثث وكلهم مصابون في النصف العلوي من الجسم. وكان آخر شخص حملته مصاباً في رأسه.

    وقال السيد لـ هيومن رايتس ووتش إن صديقه عمار حسن، من الأقصر، أصيب في عنقه: “رأيت جثته وهم يخرجونها من عربة الإسعاف ورأيت جرح الطلق الناري في الجانب الأيسر من عنقه”.[413]

    وقال متظاهر من مؤيدي مرسي، هو حازم ممدوح، إنه كان قد أدى الصلاة بمسجد المصطفى:

    رأينا عدداً من شاحنات الشرطة وحاملات الأفراد العسكرية المدرعة على السواء، خلف صفوف من الشرطة العسكرية وكذلك مجندي الأمن المركزي وهم يحملون الدروع البلاستيكية. وبدأنا نلقي عليهم الحجارة في تلك اللحظة. كانوا شديدي التنظيم. بدأوا يطلقون الغاز المسيل للدموع والخرطوش وكل شيء. قرب فندق سونستا بدأ البعض يقيمون سوراً معدنياً مما طالته أيديهم في المنطقة لحماية الجميع. وكنا نلقي الحجارة أيضاً. تسلق شخصان إحدى عمارات العبور، عمارة عالية، وكانا يلقيان بزجاجات المولوتوف، شخصان وليس عدداً كبيراً. وبدأت قوات الأمن تزحف علينا من شارع الطيران، وعندها أيضاً لاحظت القناصة فوق المباني المواجهة لمبنى شبت فيه النيران. بل إنني رأيت مصوراً [ينتمي إلى قوات الأمن] يقف بالكاميرا لمدة نحو دقيقتين دون أن يختبئ، مما يثبت أننا لم نكن مسلحين وإلا كان ليحمي نفسه.[414]

    في مؤتمر صحفي بعد ظهر الثامن من يوليو/تموز، قال العقيد أحمد علي، المتحدث باسم القوات المسلحة، إن المتظاهرين كانوا مسلحين وهم الذين بادروا بالاعتداء على قوات الأمن.[415] وادعى بيان صحفي عسكري بتاريخ 8 يوليو/تموز أن الاشتباكات بدأت حين حاول متظاهرون اقتحام مبنى الحرس الجمهوري واعتدوا على ضباط به.[416] وقال صحفي لـ هيومن رايتس ووتش إن أحد المتحدثين العسكريين، في اجتماع مغلق عقده الجيش لإطلاع المراسلين الأجانب يوم 9 يوليو/تموز، زعم أن المتظاهرين تلقوا العون من مسلحين على دراجات نارية تجمعوا عند مقر الحرس الجمهوري.[417] وقال الجيش إنه اعتقل ما لا يقل عن 200 شخص كانت معهم “كميات كبيرة من الأسلحة النارية والذخائر وزجاجات المولوتوف”.[418] وقال أيضاً إنه أعاد فتح طريق صلاح سالم، الذي كان المتظاهرون المؤيدون لمرسي قد قطعوه لعدة أيام.

    دافع العقيد علي عن تصرفات الجيش بأنها كانت لازمة لحماية مقر الحرس الجمهوري، وأنكر ارتكاب أي خطأ من جانب الجيش، ولم يأت على ذكر أي تحقيق محتمل:

    الجيش هدف لحرب نفسية وحملة من الأكاذيب. الجيش المصري لا يقتل إلا أعداءه، ولا يقتل أبناءه. هذا جزء من الحرب النفسية التي يشنونها… وكل البلاد تسمح لجنودها بحماية المنشآت العسكرية.[419]

    وفي توقيت لاحق من نفس اليوم قال العقيد علي لوكالة أسوشيتد بريس: “أية قوة مفرطة؟ كنا نتعامل مع أناس يطلقون علينا الذخيرة الحية. كانت تعد مفرطة لو قتلنا 300 “. [420]

    وقد حصل محامون من المنظمة الحقوقية المصرية، الجماعة الوطنية لحقوق الإنسان والقانون، على نسخة من محضر الشرطة عن 8 يوليو/تموز، التقرير رقم 9134/2013، الصادر من مكتب المباحث العامة بالقاهرة، وجاء في المحضر:

    أُخطرت الخدمات الأمنية بقيام مجموعة من المعتصمين أمام مقر الحرس الجمهوري بشارع صلاح سالم بمهاجمة المقر وإطلاق الأعيرة النارية [رصاص ـ خرطوش] ورشق المقر بالحجارة واعتلاء أسطح المباني والعقارات المجاورة وإلقاء بعض المخلفات الصلبة من أعلاها تجاه مقر الحرس الجمهوري… وعلى إثر ذلك قامت عناصر القوات المسلحة القائمة على تأمين المقر بإطلاق أعيرة الصوت (فشنك) وكذا قامت قوات الأمن المركزي بإطلاق الغاز المسيل للدموع لتفريق المجموعات القائمة بذلك.[421]

    27 يوليو/تموز: مقتل 95 متظاهراً أمام النصب التذكاري عند المنصة

    في 27 يوليو/تموز عاودت شرطة مكافحة الشغب، مع رجال شرطة في ثياب مدنية، إطلاق النار على متظاهرين يسيرون في اتجاه كوبري 6 أكتوبر في القاهرة، قرب النصب التذكاري عند المنصة، من اعتصام ميدان رابعة العدوية، فقتلوا ما لا يقل عن 95 بحسب مصلحة الطب الشرعي.[422] قتل رجل شرطة أيضاً في ذلك اليوم، بحسب وزارة الداخلية.[423]

    وتشير شهادات الشهود ومقاطع الفيديو إلى أن قوات الأمن تعمدت استهداف المتظاهرين، مطلقة الغاز المسيل للدموع والخرطوش في البداية، ثم الذخيرة الحية. قام بعض الضباط بمواجهة متظاهرين مباشرة في الشارع بالذخيرة الحية، بينما عمد قناصة حكوميون آخرون إلى إطلاق النار عليهم من مكامنهم فوق الأسطح القريبة. ويبدو أن الكثيرين من المتظاهرين الـ95 القتلى توفوا جراء طلقات نارية في الرأس والصدر والعنق، بحسب أطباء عالجوا الموتى والجرحى في مستشفى رابعة الميداني. وتشير روايات أيضاً إلى قيام بعض المتظاهرين بإلقاء زجاجات المولوتوف وإطلاق الخرطوش على قوات الأمن، مما أدى إلى وفاة رجل شرطة واحد جراء جراح الخرطوش. وهذا العنف المحدود من جانب المتظاهرين لا يبرر الهجوم الكبير المتعمد على المتظاهرين بالنيران الحية.

    في يوم الأربعاء، 24 يوليو/تموز، كان السيسي وزير الدفاع في ذلك الوقت، قد دعا المصريين إلى “منحي تفويضاً وتكليفاً لمواجهة الإرهاب والعنف المحتمل”.[424] وفي 26 يوليو/تموز تجمع عشرات الآف من المتظاهرين المصريين في ميادين القاهرة الرئيسية استجابة لنداء السيسي. وقبيل الواحدة من صباح 27 يوليو/تموز أعلن وزير الداخلية إبراهيم أن الوزارة ستجلي المتظاهرين المؤيدين لمرسي عن ميدان النهضة في الجيزة ومنطقة مسجد رابعة العدوية في مدينة نصر “قريباً” و”وفقاً للقانون”، بحسب صحيفة الأهرام اليومية.[425] وفي مقابلة متلفزة مع قناة الحياة يوم 26 يوليو/تموز، قال الرئيس المؤقت منصور إن الحكومة ” لن تقبل الانفلات الأمني، وقطع الطرق والكباري والاعتداء على المنشآت العامة. والدولة يجب أن تظهر للجميع بهيبتها وتتدخل بكل حزم وحسم”.[426]

    في نحو العاشرة والنصف من مساء 26 يوليو/تموز، قبل ساعات من المظاهرة الهائلة التي نسقها السيسي، اعترضت قوات الأمن المركزي مسيرة من مؤيدي مرسي كانت قادمة من اعتصام رابعة العدوية، حيث كان مؤيدو مرسي يعتصمون طيلة الشهر السابق، ومنعتها من الوصول إلى مطلع كوبري 6 أكتوبر. وقال متظاهر إنه كان في مقدمة المسيرة في نحو الساعة 11:30 مساءً حين كانوا على بعد 100 متر تقريباً من كوبري 6 أكتوبر، وفي تلك اللحظة بدأت الشرطة في إطلاق الغاز المسيل للدموع لإرغام المتظاهرين على التراجع.[427] ويبدو أن مقطع فيديو راجعته هيومن رايتس ووتش يظهر بداية المسيرة: حشد كبير من المتظاهرين يسير سلمياً على أحد الطرق، ثم يبدأ رجال الشرطة المتمركزين على مطلع كوبري 6 أكتوبر في إطلاق الغاز المسيل للدموع، ويتقهقر المتظاهرون بينما يسمع صوت طلقات نارية، وتبدأ مدرعات الشرطة في التقدم نحو المتظاهرين.[428] وبعد هذا بقليل تندلع اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن المركزي المصحوبين برجال في ثياب مدنية، كما قال 3 شهود لـ هيومن رايتس ووتش.[429] قام متظاهرون بإشعال النار في سيارات وألقوا الحجارة على الشرطة، بينما أطلقت الشرطة الخرطوش والمزيد من الغاز المسيل للدموع من مواقعها قرب الكوبري.

    قال طبيب كان يرافق المتظاهرين إن الشرطة، مصحوبة برجال في ثياب مدنية وبعربات الشرطة المدرعة، أطلقت الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين في البداية لمدة ساعة أو اثنتين.[430] وقال مسعف كان يشارك في المظاهرة إن المتظاهرين كانوا يقتربون من الكوبري حين منعهم أفراد من شرطة الأمن المركزي يرتدون أزياء سوداء.[431] ووصف لنا متظاهر كيف قام مع آخرين حوله، فيما كانت الشرطة تطلق الغاز المسيل للدموع، برشق الشرطة وذوي الثياب المدنية الواقفين قبالها بالحجارة.[432] قال متظاهر آخر لـ هيومن رايتس ووتش إنه قام مع آخرين بالتقاط عبوات الغاز المسيل للدموع التي أطلقت على الحشود وأعادوا رشق الجانب الآخر بها.[433]

    وفي خلال ساعتين، بدءاً من الواحدة صباحاً، قال 3 شهود إن الشرطة أطلقت طلقات حية على الحشود وأعقبها المزيد من الغاز المسيل للدموع.[434] ووصف 3 شهود آخرين كانوا مع المتظاهرين أصوات طلقات نارية متتابعة وسقوط رجال من وسط الحشد على الأرض.[435] وقال طبيب كان يعالج المتظاهرين في موقع الحدث لـ هيومن رايتس ووتش: “استمر الغاز المسيل للدموع ثم بدأت الطلقات الحية. كانت طلقات فردية مستهدفة”.[436] وقال متظاهر آخر:

    في نحو الساعة 1:30 أو 2 صباحاً بدأوا في إطلاق الرصاص. لم نرهم حين بدأوا في إطلاق الرصاص. لكن فجأة بدأ إخوتنا يتساقطون حولنا. كان هناك قناصة فوق المباني المواجهة لنا.[437]

    وقد تكرر قول الشهود لـ هيومن رايتس ووتش إن مسرح الأحداث كان يسوده الظلام والغاز المسيل للدموع يملأ الأجواء فيحد من الرؤية، لكن رجال الشرطة المسلحين كانوا يطلقون النار عليهم من موقع مرتفع وكذلك من أمامهم مباشرة.[438]واعتباراً من الساعة 1:30 صباحاً تقريباً، كما قال متظاهر لـ هيومن رايتس ووتش، “حملت خمسة رجال مصابين جميعاً بطلقات فردية في الرأس”.[439]

    قال أطباء يعملون بالمستشفى الميداني لـ هيومن رايتس ووتش، بالاستناد إلى موجات الإصابات الوافدة على المستشفى، إنهم قدروا أن الشرطة بدأت في استخدام الغاز المسيل للدموع والخرطوش حوالي الساعة 11 مساءً.[440] وبعد نصف ساعة ومنذ ذلك الحين فصاعداً، أظهرت الوفيات والإصابات أن الشرطة بدأت في استخدام الذخيرة الحية، إلى جانب الخرطوش والغاز المسيل للدموع.[441] قال طبيبان كانا يعالجان الإصابات أثناء تواردها لـ هيومن رايتس ووتش إن الخرطوش كان بصفة عامة يصيب الموجودين على الخطوط الأمامية، بينما أصابت الطلقات الحية القسم الأوسط من الحشد.[442]

    وفي نحو الساعة 1:45 صباحاً وصلت الجثة الأولى إلى مستشفى رابعة الميداني، بحسب أحد أطباء المستشفى.[443] وقال أخصائي في أمراض القلب لـ هيومن رايتس ووتش إنه وصل إلى المستشفى الساعة 2 صباحاً، بعد حوالي ساعة من الحالة الأولى المصابة بالذخيرة الحية:

    ومن الثانية حتى الثامنة والنصف صباحاً كان المعدل ثابتاً، وظلت الجثث تتوافد. كان معظمها مصاباً بطلقات نارية في الرأس أو العنق أو الصدر. فاض المستشفى بالمصابين، وتجاوزت الحالات كل قدراتنا.[444]

    وقال طبيب آخر كان يقدم الإسعافات الأولية للمتظاهرين، قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه في نحو الساعة 2:45 صباحاً كان يعالج متظاهراً بعد الآخر من المصابين إما بطلقات نارية في الرأس والصدر أو بجراح الخرطوش.[445] وقال طبيب آخر من أطباء المستشفى الميداني، أخصائي في التخدير، لـ هيومن رايتس ووتش:

    وصل جميع المتوفين موتى أو توفوا بمجرد الوصول، بسبب مواضع الإصابات؛ فالمصاب في الرأس أو الصدر لا يعيش طويلاً. كانت أرضية المستشفى كلها مغطاة بالمصابين. كان أمراً يفوق الخيال. قال لي بعض الجرحى إنهم استخدموا رجالاً بثياب مدنية لإطلاق النار عليهم، وإن مجموعات الرجال ذوي الثياب المدنية كانت تهاجمهم من خلف صفوف الشرطة.[446]

    قام المتطوعون وعربات الإسعاف بنقل الحالات الحرجة إلى المستشفى الأقرب من الاعتصام، مستشفى التأمين الصحي. وهناك قال أحد أطباء الاستقبال لـ هيومن رايتس ووتش:

    دخل المستشفى 171 شخصاً، وتم إدخال 106 منهم كحالات حرجة. وتوفي 25 من هؤلاء، إما عند الوصول أو بعده مباشرة. وقد توفوا جميعاً بطلقات نارية في الرأس أو الصدر. من بين المصابين، كان هناك 10-15 مصابون بطلقات مطاطية و2 متأثران باستنشاق الغاز، أما بقية الإصابات فكانت من الخرطوش أو الرصاص الحي.[447]

    وفي نفس المستشفى في ذلك الصباح، قال أحد كبار الأطباء بقسم الطوارئ لـ هيومن رايتس ووتش:

    معظم الحالات العشرين الموجودة بالرعاية المركزة حالياً أصيبوا إما برصاص مطاطي أو بالخرطوش في الجزء الأعلى من الجسم، بالمنطقة الأمامية. كما أن معظم الجراح الناتجة عن الرصاص المطاطي غير نافذة. في الرعاية المركزة توفيت 4 حالات: كان أحدها مصاباً في الرأس، وكان في أوائل العشرينيات. وأصيب الثلاثة الباقون في الصدر، وكان منهم رجلان في أوائل العشرينيات ورجل في الخمسينيات. أصيب أحد المرضى في جبهته واستقرت الرصاصة في دماغه، ومن المنتظر أن يتوفى قريباً. تتمثل بقية الحالات في إصابات الرصاص الحي أو الخرطوش. استخرجنا رصاصة مطاطية من صدر أحد المرضى، حيث أصيب تسعون بالمئة منهم في الصدر والرأس، ومعظمها إصابات مباشرة. لكن لدينا رجلا واحداً أصيب في العنق بالخرطوش، واخترقت الطلقة عنقه حتى البطن. هناك إصابة برئته. بصراحة، أرجح أن يتوفى نصف الحالات الموجودة هنا. سيتوفى المصابون في الرأس على الأرجح. وربما ينجو 50 بالمئة من المصابين في الصدر.[448]

    وصل باحثو هيومن رايتس ووتش إلى مستشفى رابعة الميداني في نحو الساعة 4:30 من صباح 27 يوليو/تموز، فيما كانت الاشتباكات مستمرة. وكان هناك تيار ثابت من الجرحى المنقولين إلى المستشفى. في فترة 30 دقيقة، جيء بـ8 رجال مصابين إلى المستشفى، منهم 5 مصابون بطلقات حية في الرأس أو العنق أو الصدر. وأثناء الساعتين والنصف التاليتين شاهد باحثو هيومن رايتس ووتش 6 جثث تنقل مباشرة من الخطوط الأمامية للمظاهرة إلى المستشفى الميداني.

    وضمن الجثث التي فحصها الباحثان في المستشفى الميداني، تعرف الباحثان على ما لا يقل عن 8 مصابين بجراح ناجمة عن طلقات منفردة. وشاهدا رجلاً قتل بطلقة منفردة بين العينين، وآخر في العنق، وثالثاً في جانب الرأس، ورابعاً مصابا بطلق وصفه الأطباء بأنه “في القلب”. وتعرضت حالات الوفاة الأربعة الأخرى التي شهدتها هيومن رايتس ووتش إلى طلقات منفردة في الصدر والجذع. قال أفراد الفريق الطبي الذي يعالج للمتظاهرين للباحثين إن ما لا يقل عن اثنين من الموتى، منهما رجل في الثانية والعشرين وصبي في السابعة عشرة، تلقيا طلقات منفردة في الجبهة. قال أطباء بالمستشفى الميداني لـ هيومن رايتس ووتش إنهم نقلوا جثتين أخريين على الأقل، مصابتين بجراح مطابقة، إلى مستشفى التأمين الصحي القريب.[449]

    قام أحد باحثي هيومن رايتس ووتش في مجال الأسلحة بمراجعة مقاطع فيديو وصور فوتوغرافية من مسرح الأحداث فاستنتج أن طبيعة الطلقات المميتة في الأعين والصدغ، وتواترها، تدل على استخدام قناصة أو على الأقل عمليات قنص مستهدف من أعلى. واستناداً إلى تحليل لأقوال الشهود وصور الإصابات، وجد الباحث أن الجراح الدقيقة المميتة في الرأس، كتلك التي أصيب بها عدد من الموتى، تشير إلى استهدافهم العمدي بأسلحة مزودة بآلية تثبيت، وبمعونة مناظير بصرية، وكلاهما يتطلب الخبرة.[450] كما لاحظ أيضاً أن إصابات الرأس تدل على قناصة حصلوا على تدريب خاص، حيث أن الجنود العاديين يدربون على التصويب على مركز كتلة الهدف، مما يؤدي إلى إصابة الصدر والجذع بصفة عامة.[451]

    إضافة إلى القتل المستهدف فيما يبدو، كانت هناك أدلة على قيام أفراد الأمن بإطلاق النار على الحشد على ارتفاع الصدر أو الرأس، بطريقة تؤدي إلى إصابات جسيمة أو إلى الوفاة. ويظهر في مقطع فيديو منشور على الإنترنت وراجعته هيومن رايتس ووتش رجل بثياب مدنية يطلق النار مما يشبه مسدساً أتوماتيكياً من طراز “إم بي-5″، الذي يطلق رصاصات من عيار 9 ملم من مدى يبلغ 100-150 متراً، وفي وقت لاحق يظهر رجال الأمن المركزي بزيهم الأسود وهم يطلقون النار في اتجاه المتظاهرين الجاثمين خلف جدار حجري مقام على عجل.[452]

    قال المصور الصحفي مصعب الشامي لـ هيومن رايتس ووتش إنه وصل إلى مسرح الاشتباكات في البداية الساعة 2:15 صباحاً، خلف خطوط الشرطة التي كانت تطلق الغاز المسيل للدموع والخرطوش والطلقات الحية بشكل متواصل، بمعونة مدنيين يحملون مسدسات يدوية في خصورهم، كما قال.[453] وفي رواية مكتوبة، وصف مصعب المشهد فيما بعد:

    كانت الإصابات في الصف الأول منتظمة. كل دقيقتين تقريباً، كان يسقط رجل. وطريق النصر شارع عريض جداً، مما يجعل من المستحيل معرفة مصدر الرصاص. كان إطلاق النار عشوائيا دون تمييز، ولم تظهر الشرطة أي ضبط للنفس. رأيت رجلاً يصاب في مؤخرة رأسه ويسقط ميتاً على الفور، على الرصيف حيث كان يقف. لم يكن حتى قريباً من الخطوط الأمامية. كان شيئاً مفزعاً. ولاحظت وجود مدنيين مسلحين يرافقون الشرطة، إلى جانبهم. وبدا أن هؤلاء المدنيين يمثلون خليطاً من السكان، الذين رأيتهم عندما كنت عند كردون الشرطة الأمني في بداية الليلة، إضافة إلى أشخاص يشبهون البلطجية المأجورين. وكانت الشرطة والمدنيين معاً يطلقون النار على مؤيدي مرسي أثناء وجودي هناك. في الأغلب كان مؤيدو مرسي يحتمون ويلقون الحجارة والألعاب النارية على الشرطة، ثم يسقط أحدهم وينقل بعيداً. وتكررت هذه الصورة مرات بلا حصر.[454]

    وخلال مؤتمر صحفي في 27 يوليو/تموز، أعلن وزير الداخلية إبراهيم أن المتظاهرين من مؤيدي مرسي اعتدوا على قوات الأمن بالخرطوش والذخيرة الحية:

    كان [المتظاهرون] يحاولون قطع الكوبري. ونجحنا في تفريقهم من أعلى الكوبري إلى أرض العرض العسكري باستخدام الغاز المسيل للدموع فقط. وعندها فوجئنا بأنهم يطلقون علينا الذخيرة الحية والخرطوش ويلقون الحجارة على قوات الأمن. استمر هذا لبعض الوقت، حين ظهر سكان المناطق المجاورة للقتال في صفوفهم [المتظاهرون المؤيدون لمرسي]، واستمرت المناوشات وحاولنا فض الاشتباك بين الجانبين حتى الساعات الأولى من الصباح. من جانب قوات الأمن، عندي عدد كبير من المصابين بالخرطوش والذخيرة الحية بين المجندين، ولعل أسوأ الإصابات حالة ضابطين في مستشفى مدينة نصر حالياً، وأحدهما مصاب بطلق ناري في الراس، دخل من عينه اليسرى وخرج من اليمنى، علاوة على كريات خرطوش في [غير مسموع] والبطن.[455]

    ويظهر في مقطع فيديو نشرته الحكومة لأحداث 27 يوليو/تموز بعض المتظاهرين وهم يلقون الحجارة، ولكن دون استخدام للأسلحة النارية. كما أن شريطاً تجميعياً للأحداث من إنتاج وزارة الداخلية يبين متظاهرين يلقون بالحجارة وزجاجات المولوتوف على الشرطة، ويحيطون بسيارة ويحاولون مهاجمتها فيما يبدو، ويطلقون الشماريخ، ويشعلون النار في سيارة على ما يبدو.[456] وفي الدقيقة 4:29 من مقطع الفيديو يقوم مسلح ملثم دون زي رسمي بإطلاق النار ثم يجري، ولا يتضح ما إذا كان من مؤيدي مرسي أم من المسلحين ذوي الثياب المدنية الذين كانوا يقفون مع الشرطة ويطلقون النار في تلك الليلة.

    وصف الشامي ما رآه حين اتجه إلى الخطوط الأمامية في نحو السادسة صباحاً:

    ولاحظت أن مؤيدي مرسي أقاموا 3 خطوط دفاعية من الجدران الحجرية. كانوا يقبعون خلف تلك الجدران بينما يتطاير الرصاص. وفي الفترة التي قضيتها في رابعة، رأيت أن مؤيدي مرسي كانوا عزلاً من السلاح، فيما عدا الحجارة والألعاب النارية، علاوة على عبوات الغاز المسيل للدموع التي يعيدون رشق الشرطة بها من حيث أتت. ومع ذلك فإن الأمانة تقتضي ألا أشكك في احتمال حملهم للسلاح في وقت أسبق من الليل، حين كان الوضع أكثر شراسة وعشوائية، مما زاد من صعوبة الملاحظة.[457]

    قال شهود ممن تحدثوا مع هيومن رايتس ووتش، وبينهم أطباء وصحفيون مستقلون، إن الأغلبية الساحقة من المتظاهرين لم تستخدم أسلحة نارية أو أسلحة أخرى، وإن العنف من جانب المتظاهرين اقتصر إلى حد بعيد على إلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف، مع استخدام محدود لبنادق الخرطوش. وهذه الأفعال لا تبرر قيام قوات الأمن باستهداف المتظاهرين بالرصاص الحي والخرطوش في الرأس والعنق والصدر.

    وراجعت هيومن رايتس ووتش مقاطع فيديو من المنشورة على الإنترنت والتي حصلنا عليها من متظاهرين على السواء، وكان أكثرها ملتقطاً بهواتف محمولة، فاتفقت مع مشاهدات هيومن رايتس ووتش في ذلك المساء. يظهر في مقطع فيديو صورته صحيفة المصري اليوم اليومية متظاهرون يقذفون الشرطة بالحجارة والقليل من زجاجات المولوتوف، ويجرون باستمرار للاحتماء أو لحمل أشخاص يبدو أنهم أصيبوا بطلقات الشرطة.[458] وتظهر الشرطة وهي تطلق النار من أعلى وبجوار مدرعاتها، ولا يبدو على أفرادها الاحتماء على نحو يوحي باستخدام أسلحة نارية من جانب المتظاهرين. في مقطع فيديو آخر يظهر ما لا يقل عن رجلي شرطة، وأحدهما ملثم، وهم يطلقون النار على المتظاهرين.[459]

    وفي مقطع فيديو مدته 11 دقيقة من تصوير المصور الصحفي إبراهيم المصري، يظهر متظاهر أعزل يحمل علماً ويظلع نحو الأمان محاولاً تفادي الرصاص حتى ينهار ممسكاً بفخذه.[460] ويقبع متظاهرون خلف سور معدني ومدرعات الشرطة على الجانب الآخر، ويرشقون الشرطة بالحجارة على أصوات طلقات منتظمة. ويظلع متظاهر آخر بعيداً بعد إصابته في ساقه، بينما يسقط متظاهر ثالث جثة هامدة على الأرض. وفي مقطع فيديو مدته 11 دقيقة صوره الناشط محمد الذهبي، يظهر جزء من الاشتباكات ثم إصابات المتظاهرين القتلى والجرحى في المستشفى الميداني. أصيب اثنان من الظاهرين في المقطع في الرأس واثنان في الصدر.[461] وفي مقطع فيديو للشبكة الإخبارية المرتبطة بالإخوان المسلمين، شبكة رصد، يظهر بوضوح رجال الأمن المركزي، بعضهم ملثمون وبعضهم في سترات واقية من الرصاص، وهم يطلقون النار على متظاهرين، فيما يقف عشرات من ذوي الثياب المدنية في العراء ويلقون الحجارة نحو المتظاهرين المؤيدين لمرسي على بعد أمتار قليلة منهم، وهو السلوك الذي يوحي بعدم توقعهم لنيران من المتظاهرين.[462]

    اعتقلت الشرطة 72 متظاهراً أثناء الاشتباكات. وأمرت نيابة شرق القاهرة بحبسهم احتياطياً بتهمة القتل وحيازة أسلحة نارية وذخائر غير مرخصة، وحيازة متفجرات، وتدمير ممتلكات عامة وخاصة, و”استعراض القوة بغية ترويع المواطنين” و”التجمهر غير المشروع بغرض تعطيل عمل سلطات الدولة”.[463] أمر وكيل النائب العام مصطفى خاطر بتشريح القتلى، وبحلول 29 يوليو/تموز كانت النيابة قد استجوبت أكثر من 100 من المصابين في المستشفيات بشأن الأحداث.[464]

    وبحسب المصري اليوم، شهد أشرف عبد الله مساعد وزير الداخلية للأمن المركزي، وأسامة الصغير مدير أمن القاهرة، يوم 5 أغسطس/آب أمام النيابة بأن الشرطة “لم تطلق النار على أنصار مرسي وأن إطلاق النار وقع بين المتظاهرين والسكان”.[465] وادعى وزير الداخلية إبراهيم في مقابلة متلفزة بتاريخ 31 أغسطس/آب 2013 أن قوة الشرطة التي فرقت اعتصام المنصة لم تكن مسلحة.[466] وعلى حد علم هيومن رايتس ووتش، لم تقم النيابة حتى الآن باستجواب أي فرد من رجال الأمن في مقتل المتظاهرين دون وجه حق، رغم توافر أدلة مستمدة من مقاطع الفيديو تظهر قيام الشرطة بإطلاق النار على المتظاهرين.

    16 أغسطس/آب: مقتل 120 متظاهراً في ميدان رمسيس

    في 16 أغسطس/آب نظم عدد كبير من المتظاهرين، الذين كان كثيرون منهم قد شاركوا في اعتصامي رابعة والنهضة، مسيرة بعد صلاة الجمعة إلى ميدان رمسيس بحي العباسية احتجاجاً على فض الاعتصامين وقيام الجيش بعزل مرسي. فتحت قوات شرطة من قسم الأزبكية القريب النار على المتظاهرين بعد تجمعهم بقليل، رداً، بحسب مزاعم، على طلقات نارية وجهت إلى القسم. وعلى مدار الساعات الست التالية قتل ما لا يقل عن 120 متظاهراً بحسب مصلحة الطب الشرعي.[467] كما أشارت النيابة إلى اثنين من رجال الشرطة بحسبانهما من قتلى ذلك اليوم.[468]

    وتشير شهادات الشهود ومقاطع الفيديو إلى أن الشرطة تعمدت إطلاق نيران عشوائية على المتظاهرين أمام قسم الشرطة، رغم أنه لم يتضح ما إذا كانت قد بدأت بإطلاق النيران أم أطلقتها رداً على إطلاق المتظاهرين للنار على قسم الشرطة. وربما كان من شأن اعتداء مسلحين على قسم الشرطة أن يبرر استخدام القوة المميتة من جانب الشرطة لحماية الأرواح، لكن الأعداد غير المتناسبة من المتظاهرين القتلى، وشهادات الضحايا والشهود، وبينهم مراقبون مستقلون، ومقاطع منشورة على يوتيوب، تبين بوضوح أن الشرطة استخدمت القوة المفرطة. ويتدعم هذا الاستنتاج بفعل أدلة توحي بوجود القليل من المسلحين، إن وجدوا، وسط المتظاهرين قبل قيام الشرطة بفتح النار وأثناءه وبعده. قال شهود إن العديد من القتلى والجرحى أصيبوا في الرأس والعنق والصدر، مما يثير تساؤلات عما إذا كان بعض رجال الشرطة يطلقون النار بهدف القتل.

    وكان الإخوان قد أعلنوا عن “يوم للغضب” في 16 أغسطس/آب، داعين أعضاءهم إلى تنظيم مسيرات تتجمع في عدة أماكن بأرجاء المدينة. وفي ميدان رمسيس، أحد نقاط التجمع الرئيسية، احتشد عدة آلاف من الأشخاص بعد صلاة الجمعة، في نحو الساعة 1:30 ظهراً. وبحسب شهود، كان الحشد، المكون من مؤيدي الإخوان المسلمين ومن غيرهم أيضاً، وبينهم سيدات وأطفال، في مزاج احتفالي، مع أشخاص يدقون الطبول ويهتفون بشعارات الحرية والديمقراطية.[469]

    وفي حوالي 2:30 بعد الظهر، تصاعد التوتر حول قسم شرطة الأزبكية جنوبي ميدان رمسيس، تحت كوبري 6 أكتوبر العلوي. وقالت صحفية لـ هيومن رايتس ووتش إنها شاهدت حوالي 50 شاباً يسيرون نحو قسم الشرطة هاتفين بهتافات يرددها مشجعو أحد أندية كرة القدم “الأولتراس”، المعروفين بسلوكهم العنيف.[470] وبحسب شهود، وبينهم أحد كبار ضباط الشرطة، بدأ الحشد المتنامي أمام قسم الشرطة في ترديد هتافات ضد الشرطة.[471] وكان عدد ضئيل من رجال الشرطة وأشخاص بثياب مدنية يقفون قرب مدخل القسم. كما تمركز 4 أشخاص على الأقل، ومع بعضهم أسلحة، على سطح القسم، كما قال 3 شهود لـ هيومن رايتس ووتش.[472]

    وعند لحظة معينة بدأ المتظاهرون والسكان الواقفون قرب مدخل القسم على السواء في إلقاء الحجارة على بعضهم البعض. حاول بعض المتظاهرين وقف العنف، وقالت صحفية لـ هيومن رايتس ووتش:

    وصل المزيد من الأشخاص لاستطلاع ما يحدث. وبدأ بعض الشباب في إلقاء الحجارة. وكان بعض الواقفين يحاولون منعهم، بالهتاف في لحظة معينة: “ارجع، ارجع”. لكن شخصاً ما ألقى حجارة من جانب الشرطة، وتدهور الوضع بسرعة كبيرة.[473]

    وفي مقابلة منفصلة قام صحفي آخر ممن شهدوا الموقف بتقديم رواية مماثلة.[474]

    وفي لحظة معينة أطلقت الشرطة عبوة أو اثنتين من عبوات الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشد، بحسب 6 شهود وضابط الشرطة.[475] قال شهود إن الطلقات النارية اندلعت بعد ذلك فوراً. وزعمت السلطات أن أولى الطلقات أتت من مسلحين يهاجمون القسم، لكن هيومن رايتس ووتش لم تستطع التأكد من هذا بشكل مستقل.

    وبصرف النظر عن هوية مطلق الطلقة الأولى فقد فتحت الشرطة النار سريعاً على المتظاهرين في عدة اتجاهات، مما أدى عدد متزايد من الخسائر التي نقلت إلى مستشفات ميدانية بمسجد الفتح، ومسجد التوحيد، أو إلى مستشفيات قريبة. وفي غضون 15 دقيقة من الطلقة الأولى كان هناك 15-20 جريحاً في مسجد الفتح، وأحدهم قد فارق الحياة فعلاً، بحسب صحفي ذهب إلى هناك بعد اندلاع الطلقات النارية بقليل.[476]

    عملت الطلقات النارية من قسم الشرطة على وقف مسيرة المتظاهرين على كوبري 6 أكتوبر نحو رمسيس، كما قال صحفي بمسرح الأحداث لـ هيومن رايتس ووتش.[477] وحين علق بعض المتظاهرين بين نيران القسم من جهة، والنيران المنطلقة، ربما في الهواء، من 2 أو 3 من عربات الأمن المركزي في محاولة لإخلاء الكوبري من ناحية الجنوب من جهة أخرى، قرر بعضهم القفز من الكوبري معرضين أنفسهم لإصابات خطيرة، كما قالت صحفية من صحيفة مصرية.[478] وقرر آخرون الهرب إلى الأمام عبر الطلقات النارية.[479] قالت صحفية كانت على منزل الكوبري شمالي قسم الشرطة إنها في إحدى اللحظات شاهدت فجأة عدداً كبيراً من الأشخاص، وبينهم سيدات، يأتون ركضاً عبر الدخان.[480]

    قال أحد الشهود إنه بعد توقف الطلقات بقليل رأى ناقلة أفراد مدرعة تقف أمام قسم الشرطة ويطلق أفراد الشرطة النار منها.[481] كما يظهر في مقطع فيديو منشور على يوتيوب مدرعة، يقال إنها أمام قسم للشرطة، وهي تطلق مدفعاً كبير العيار من التي تركب على عربات.[482] وقد قال 3 أطباء وصحفي دولي لـ هيومن رايتس ووتش، كل على حدة، إنهم شاهدوا بدورهم مسلحين يطلقون النار على المتظاهرين من مروحية تحوم فوق قسم شرطة الأزبكية.[483]

    استمرت الطلقات النارية عدة ساعات.[484] وبحلول الساعة 9-9:30 مساءً وصل الجيش لحماية مسجد الفتح من حشود غاضبة مناوئة للإخوان المسلمين كانت قد تجمعت أمامه.

    بقي عدة مئات من المتظاهرين داخل المسجد حتى اليوم التالي، وفي ذلك الوقت كان قد تم احتجاز العديد من المتظاهرين الباقين، بمن فيهم المصري الأيرلندي البالغ من العمر 17 عاماً إبراهيم حلاوة، المحتجز حتى توقيت كتابة هذه السطور.[485]قال محام ترافع عن العديد من المحتجزين لـ هيومن رايتس ووتش إن نحو ألف متظاهر قد تم احتجازهم من ميدان رمسيس ومسجد الفتح، وبينهم 494 يخضعون للمحاكمة كجزء من محاكمة جماعية واحدة.[486] قال شاهد واحد لـ هيومن رايتس ووتش إن الأشخاص المحاصرين داخل المسجد تفاوضوا على إخراج بعض المتظاهرين في حماية الجيش، وإنه اقتيد حتى محطة المترو، وتمت حمايته من الحشود الغاضبة بالخارج.[487]

    وبحسب مصلحة الطب الشرعي، قتل 120 شخصاً في ميدان رمسيس وحوله بعد ظهر 16 أغسطس/آب وفي مسائه.[488]وقال أحد كبار ضباط الشرطة بقسم الأزبكية إن رجال الشرطة بالقسم لم يتعرضوا إلا لإصابات طفيفة أثناء الاعتداء.[489]فيما بعد أشارت النيابة إلى مقتل اثنين من رجال الشرطة في ذلك اليوم.[490]

    قال طبيب من مسجد الفتح الكائن بميدان رمسيس لـ هيومن رايتس ووتش إنهم كانوا بحلول الساعة 8 مساءً قد نقلوا 59 جثة إلى مستشفى صيدناوي.[491] وقال الطبيب إن بعض الجرحى رفضوا الانتقال إلى المستشفى مخافة التعرض لاعتقال الشرطة.[492] وبحسب شهود، تم أيضاً نقل 31 أو 32 جثة إلى مسجد التوحيد الكائن بمحيط ميدان رمسيس.[493] وقال طبيب بمستشفى الهلال، شديد القرب من موقع الاشتباكات، لـ هيومن رايتس ووتش إن 11 شخصاً وصلوا إلى المستشفى متوفين أو توفوا بداخله.[494] وبحسب طبيب بمستشفى الدمرداش، استقبل المستشفى 16 متظاهراً متوفياً و153 مصاباً من ميدان رمسيس يوم 16 أغسطس/آب.[495]

    قال ضابط شرطة رفيع الرتبة بقسم الأزبكية، وقد حضر الواقعة، لـ هيومن رايتس ووتش إن أوامرهم كانت تقضي بالتدرج في استخدام أسلحة غير مميتة إذا تعرض قسم الشرطة للاعتداء، واستخدام القوة المميتة فقط ضد المعتدين باستخدام أسلحة نارية.[496]

    قال الضابط إن رجال الشرطة لم يردوا على الإهانات التي هتف بها متظاهرون، لكنهم أطلقوا عبوات الغاز المسيل للدموع لتفريق أشخاص مشتبكين أمام القسم. وقال إنه في تلك اللحظة قام مسلحون بفتح النار على القسم من ثلاث جهات بالتزامن، مما اضطر الشرطة للرد بالطلقات النارية. ولاحظ الضابط أيضاً أن المعتدين كانوا متمركزين في مبنى يقع شمال القسم، على كوبري 6 أكتوبر. كما كان هناك مهاجم رابع في مبنى على الجهة الأخرى من كوبري 6 أكتوبر، لكنه كان أبعد من أن يطالهم، بحسب قوله.[497]

    وفي أوائل ما بعد الظهر حاولت مجموعة من 20-30 شخصاً اقتحام القسم بالأسلحة النارية، لكن الشرطة تمكنت من صدها، كما قال. وأصر على أن قوته لم تستهدف سوى الأشخاص الذين يحملون أسلحة نارية، وكانت حتى في تلك الحالة تصوب على السيقان.[498] وقال قناص كان يتمركز على السطح أيضاً إن أوامره كانت تقضي بعدم إطلاق النار إلا على المهاجمين المسلحين وإن هذا هو ما فعله.[499]

    وبينما يظهر تحقيق هيومن رايتس ووتش أن قسم الشرطة تعرض للاعتداء، بما في ذلك بالنيران، إلا أنه يشير أيضاً إلى أن العنف الصادر عن المتظاهرين كان أكثر محدودية مما زعمت السلطات، وخاصة في بداية المظاهرة.

    أثناء زيارة لقسم شرطة الأزبكية في 23 أغسطس/آب، وثقت هيومن رايتس ووتش وجود عشرات من آثار الطلقات النارية بالجدران الشمالية والشرقية من مبنى القسم، في دلالة واضحة غلى تعرض المبنى للرصاص. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التأكد بشكل مستقل من عدد آثار الطلقات الناجمة عن رصاص تعرض له القسم أثناء الساعات الأولى من الاشتباكات، والعدد الناتج عن الاعتداء الجماعي المزعوم على القسم لاحقاُ.

    وتتفق المعلومات التي قدمها بعض الشهود أيضاً مع بعض العناصر في رواية السلطات. فقد قالت صحفية كانت تقف على مطلع كوبري 6 أكتوبر شمالي القسم، قالت لـ هيومن رايتس ووتش إنها سمعت طلقات نارية تأتي لا من القسم وحده، إلى الجنوب، بل أيضاً من موقع أقرب إليها، مما يتفق مع زعم السلطات بوجود مسلحين في مبنى يقع شمال القسم.[500] وقال صحفي آخر إنه شاهد شخصاً واحداً يحمل ما يشبه البندقية الهجومية على المطلع بعد حوالي الساعة من بدء الطلقات النارية، مما يتفق مع زعم السلطات بتعرض القسم للهجوم من الكوبري العلوي.[501]

    قال 3 شهود أيضاً إن المتظاهرين ألقوا بالحجارة وزجاجات المولوتوف.[502] وقالت صحفية لـ هيومن رايتس ووتش إنها شاهدت أشخاصاً معهم صندوق من زجاجات المولوتوف قرب مدخل محطة المترو تحت الكوبري العلوي بعد حوالي ساعة من اندلاع الطلقات النارية.[503] وقال أحد مؤيدي مرسي ممن أجرت معهم هيومن رايتس ووتش مقابلات إنه رأى متظاهرين يلقون زجاجات المولوتوف على قسم الشرطة.[504]

    وبحسب شهود ومقاطع فيديو على يوتيوب، كان بعض السائرين نحو ميدان رمسيس مسلحين ويطلقون النار على المباني المحيطة. ويظهر في مقطع فيديو على يوتيوب رجل يمشي على كوبري 15 مايو ويطلق ما يبدو أنه بندقية هجومية على جانب الكوبري.[505] كما نقلت مقالة في صحيفة “الناشونال” الصادرة من أبو ظبي عن موظف يعمل بمكان قريب قوله إنه شاهد 6 أشخاص وسط المتظاهرين يطلقون أسلحة آلية، وإن سكاناً محليين أطلقوا النار بدورهم على المتظاهرين من المباني المحيطة باستخدام مسدسات.[506] قال الشهود الذين أجرت معهم هيومن رايتس ووتش المقابلات إن هؤلاء المسلحين كانوا بعيدين عن قسم الشرطة عند اندلاع الطلقات النارية هناك، مما يدل على أن نيرانهم لم تكن سبب شروع الشرطة في إطلاق النار.[507]

    ولم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التأكد مما إذا كان المسلحون على الكوبري قد وصلوا في النهاية إلى قسم الأزبكية وأطلقوا النار عليه.

    وتلقي المعلومات التي جمعتها هيومن رايتس ووتش بظلال الشك على الزعم بتعرض قسم الشرطة للهجوم من عدة جهات بالتزامن، فقد قال صحفيان دوليان كانا يقفان على الكوبري عند اندلاع الطلقات النارية لـ هيومن رايتس ووتش إنهما لم يريا أسلحة على الكوبري في ذلك الوقت.[508] وبالمثل، قال صحفيان كانا قريبين من التقاطع عند اندلاع الطلقات إنهما لم يشاهدا أسلحة نارية هناك.[509] بل إن الشهود، باستثناء المذكورين أعلاه، قالوا إنهم يروا أسلحة نارية وسط المتظاهرين قبل قيام الشرطة بفتح النار أو أثناءه أو بعده مباشرة. ويشير هذا إلى أن الاحتمال الأرجح هو عدم وجود متظاهرين مسلحين عدا قلة قليلة، وأن الاعتداء الأصلي على قسم الشرطة لم يأت إلا من جانب المسلحين المتمركزين في المباني المحيطة، وليس من أفراد مسلحين وسط المتظاهرين.

    وتشير شهادات الشهود ومقاطع الفيديو على يوتيوب إلى أن الشرطة لم تقصر نيرانها على المتظاهرين المسلحين كما زعمت السلطات. كما أن إطلاق الذخيرة الحية على الحشود، إضافة إلى العدد الكبير من المصابين بطلقات نارية في الرأس والعنق وأعلى الجسم، تتناقض بدورها مع القول بأن الشرطة لم تكن تحاول إحداث جراح مميتة.

    في عدد من الحالات، كما تشير أقوال الشهود ومقاطع الفيديو، أطلقت الشرطة النار على متظاهرين عزل من السلاح. ويبدو أن الشرطة ركزت نيرانها على موضعين على الأقل: الكوبري العلوي شمال قسم الشرطة، والتقاطع الواقع في جنوب القسم.

    على الكوبري العلوي، قال صحفي كان يقف وظهره لقسم الشرطة عند اندلاع الطلقات النارية إنه لم ير من بدأ بإطلاق النيران، لكنه حين استدار نحو قسم الشرطة لإلقاء نظرة، كان أحد رجال الشرطة يصوب سلاحه إليه وقد سمع عدة طلقات ترتطم بالجدار خلفه مباشرة. وكانت إحدى الطلقات قريبة منه حتى إنه سمعها تصفر بينه وبين سائقه، كما قال.[510] وقدم صحفي آخر رواية مماثلة.[511] ولم ير أي منهما أسلحة وسط الأشخاص الموجودين على الكوبري في ذلك الوقت.

    وقالت صحفية ثالثة، كانت قد صعدت منزل كوبري 6 أكتوبر بالعكس شمالي القسم بعد اندلاع الطلقات النارية بقليل، قالت لـ هيومن رايتس ووتش:

    كان عدد كبير من الناس يصعد وينزل على المنزل، وكان المنزل يتمتع بحماية جزئية توفرها عمارة سكنية عالية. فأحضروا أغصان أشجار وأشعلوا فيها النار، ونصبوا حواجز على المنزل. وخلال الـ30-40 دقيقة التي وقفتها هناك، رأيت نحو 5 أو 6 أشخاص يصابون بجراح جراء طلقات نارية من قسم الشرطة. وبدا على رجل واحد أصيب في العنق أنه توفي على الفور.[512]

    قالت الصحفية إنها لم تر أسلحة على الكوبري.[513] ويظهر في رسالة فيديو منشورة على موقع “فايس.كوم”، ويبدو أنها صورت في نفس المكان، رجل أعزل يصاب بينما ينصب حاجزاً.[514]

    ويبدو أن أول خسارتين قد حدثتا في الركن الواقع جنوبي قسم الشرطة. قال عدد من الشهود إنهم رأوا دراجات نارية تحمل اثنين من الجرحى إلى مسجد الفتح بعد اندلاع الطلقات النارية بقليل.[515] وقد قالت صحفية لـ هيومن رايتس وتش:

    بعد بدء الطلقات النارية مباشرة تقريباً، رأيت دراجتين ناريتين تتسابقان نحو مسجد الفتح وعلى متنهما جرحى. كان أحد الرجال يرتدي قميصاً أبيض وكنت أرى كتفه وظهره كلهما ملطخين بالدماء، ربما من جرح في رأسه أو كتفه.[516]

    وقال صحفيان إنهما لم يريا أسلحة عند اندلاع الطلقات النارية قبل إصابة هذين الشخصين هناك.

    وبالنظر إلى أرجحية وجود قلة من المسلحين، إن كان ثمة، وسط المتظاهرين على الأرض قبل قيام الشرطة بفتح النار وأثناءه وبعده مباشرة، فإن العدد الكبير من المصابين يمثل مؤشراً قوياً على استخدام الشرطة للقوة المفرطة. قال صحفي ذهب إلى مسجد الفتح فور بدء إطلاق النيران، إنه في خلال 15 دقيقة كان هناك 15-20 جريحاً هناك، وأحدهم متوفى بالفعل.[517] وقال عدة شهود، بينهم مراسلون أجانب أجرت معهم هيومن رايتس ووتش مقابلات، إنهم أحصوا 20 جثة في مسجد الفتح خلال ساعة من بدء إطلاق النيران.[518] وقال مراسل أجنبي إن صبياً صغيراً، في نحو الرابعة عشرة من عمره، كان بين الموتى.[519]

    وقال 7 شهود رأوا جثثاً ومصابين في المستشفيات والمشارح، وبينهم عاملون بالحقل الطبي وصحفيون، قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إن الأغلبية الساحقة من الجرحى والموتى كان بهم ما يبدو أنه جراح طلقات نارية.[520] كما قال شهود إن العديد من القتلى والجرحى كانوا مصابين في الرأس والعنق والصدر. وقال مراسل أجنبي ذو خبرة في تغطية النزاعات المسلحة لـ هيومن رايتس ووتش:

    كانت تبدو كتشكيلة كاملة [من الجراح]. وكان معظمها ناجماً عن طلقات نارية. كان بالبعض جراح في الأطراف. وبكثيرين جراح في الجذع، وأيضاً في الرأس والعنق. وكانت بعض الجراح بليغة حقاً. وكانت بعض الجراح من طلقات خرطوش، منطلقة من مدى قريب ربما. كان بأحدهم جرح بشع مركز من الخرطوش الذي اخترق فخذه في العمق. وكانت الجراح مما يمكن أن تتوقع رؤيته حين تطلق الشرطة النيران العشوائية على حشد متجمع.[521]

    ورغم أن المعلومات التي جمعتها هيومن رايتس ووتش غير قاطعة فيما يتعلق بما إذا كانت الشرطة تطلق النار بهدف القتل، إلا أن وجود عدد كبير من إصابات الرأس والعنق يناقض زعم السلطات بأنها لم تصوب إلا على سيقان المعتدين.

    العودة إلى الأعلى

     .IV المعايير القانونية والمحاسبة

    حرية التجمع واستخدام القوة

    ربحق

    والحق في التجمع السلمي مكرس في المادة 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة 11 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، ومصر طرف في الاثنين.

    لا يجوز تقييد التجمع السلمي إلا من خلال قوانين تعد “ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم”.[523] وينبغي تفسير أي قيد يفرض على التجمع السلمي بدعاوى الأمن القومي أو النظام العام في حدود ضيقة، وأن يكون ضرورياً ومتناسباً للتعامل مع تهديد مشروع. كما ينبغي فرض تلك القوانين على أساس من الحالات الفردية، وبحيث لا تعرض الحق نفسه للخطر.[524]ويجوز لموظفي إنفاذ القانون، بمن فيهم أفراد الشرطة وأفراد القوات المسلحة القائمين بأعمال إنفاذ القانون، أن ينظموا التجمعات بمقتضى المعايير الدولية لحفظ الأمن. وتقرر مدونة الأمم المتحدة الخاصة بسلوك موظفي إنفاذ القانون أنه “لا يجوز لموظفي إنفاذ القانون استخدام القوة إلا في حالة الضرورة القصوى” وفي الحدود اللازمة لأداء واجبهم.[525]

    أما مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية (المبادئ الأساسية) فتنص على أن الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين “عليهم، إذ يؤدون واجبهم، أن يستخدموا إلى أبعد حد ممكن وسائل غير عنيفة قبل اللجوء إلى استخدام القوة والأسلحة النارية” وأن استخدام القوة “لا يجوز إلا حيث تكون الوسائل الأخرى غير فعالة”.[526] وعندما يلزم استخدام القوة، يتعين على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين “ممارسة ضبط النفس في استخدام القوة والتصرف بطريقة تتناسب مع خطورة الجرم”.[527]

    كما تفرض المبادئ الأساسية قيوداً على استخدام القوة في تفريق “التجمعات غير المشروعة”، فيقرر المبدأ 13 أنه “في تفريق التجمعات غير المشروعة، وإنما الخالية من العنف، على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين أن يتجنبوا استخدام القوة، أو إذا كان ذلك غير ممكن عملياً، أن يقصروه على الحد الأدنى الضروري”.[528] بل إن استخدام وسائل القوة غير المميتة في السيطرة على الحشود، بما فيها استخدام الغاز المسيل للدموع، قد يخالف المعايير الدولية، وحاصة إذا استخدمت تلك الوسائل لتفريق تجمعات خالية من العنف حيث يمكن تجنب استخدام القوة أو قصرها على الحد الأدنى الضروري.

    وتنص المبادئ الأساسية على أنه  “لا يجوز استخدام الأسلحة النارية القاتلة عن قصد إلا عندما يتعذر تماماً تجنبها من أجل حماية الأرواح”. ويقرر المبدأ 9 أن “على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين عدم استخدام أسلحة نارية ضد الأفراد إلا في حالات الدفاع عن النفس، أو لمنع خطر محدق يهدد الآخرين بالموت أو بإصابة خطيرة، أو لمنع ارتكاب جريمة بالغة الخطورة تنطوي على تهديد خطير للأرواح، أو للقبض على شخص يمثل خطراً من هذا القبيل ويقاوم سلطتهم، أو لمنع فراره، وذلك فقط عندما تكون الوسائل الأقل تطرفاً غير كافية لتحقيق هذه الأهداف”.[529]

    وينص المبدأ 10 على أنه على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين “توجيه تحذير واضح يعلن عزمهم على استخدام الأسلحة النارية”.[530] كما توضح المبادئ الأساسية أنه لا يجوز الانحراف عن هذه المبادئ الأساسية بذريعة “ظروف استثنائية مثل حالة عدم الاستقرار السياسي الداخلي أو أي طوارئ عامة أخرى”.[531]

    الجرائم ضد الإنسانية

    يشكل العنف غير المسبوق الذي استخدمته قوات الأمن المصرية في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2013، وخاصة في فض رابعة، مخالفات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان. وبينما تسمح المعايير القانونية الدولية بالاستخدام العمدي للقوة المميتة من قبل قوات الأمن القائمة بحفظه، عند الضرورة القصوى لحماية الأرواح، إلا أن السلطات أخفقت على نحو شامل في استخدام القوة المتناسبة أو اتخاذ إجراءات معقولة لضمان أن تشكل العمليات أقل تهديد ممكن للأرواح.

    ومن شأن ارتكاب عمليات قتل غير مشروع وغيرها من الأفعال غير الإنسانية، على نحو ممنهج وواسع النطاق في عمليات فض متتالية، كجزء من سياسة حكومية تقضي بالاعتداء على أشخاص عزل، أن تشكل جرائم ضد الإنسانية. ويمكن ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية في السلم أو النزاعات المسلحة، وهي تتمثل في أفعال محددة ترتكب على نطاق واسع أو ممنهج كجزء من “هجوم موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين” بمعنى وجود درجة من درجات التخطيط أو السياسة من جانب السلطات. وتشتمل تلك الأفعال على القتل أو الاضطهاد الموجه إلى جماعة لأسباب سياسية، و” الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمدا في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية”.[532]

    ولا تقتصر مسؤولية الجرائم ضد الإنسانية على أولئك الذين نفذوا الأفعال، بل تمتد إلى من أمروا بها أو ساعدوا أو تواطأوا فيها من أوجه أخرى. وبموجب مبدأ مسؤولية القيادة، تجوز المساءلة الجنائية للمسؤولين المدنيين أو العسكريين حتى قمة تسلسل القيادة على جرائم ارتكبها مرؤوسوهم، إذا كانوا يعلمون أو كان ينبغي لهم العلم بارتكاب تلك الجرائم، ولكنهم أخفقوا في اتخاذ إجراءات معقولة لمنعها.

    وقد توصل تحقيق هيومن رايتس ووتش إلى قيام قوات الأمن على نحو ممنهج وعمدي بقتل متظاهرين عزل من السلاح في معظمهم لأسباب سياسية ـ من اعتبروا منتسبين أو متعاطفين مع الإخوان المسلمين ومعارضين لخلع مرسي في 3 يوليو/تموز ـ على نطاق واسع، مما أدى إلى وفاة ما يزيد على 1150 متظاهراً في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2013، في أعقاب عزل مرسي.

    وتبدو الطريقة التي اتبعتها قوات الأمن في تفريق الاحتجاجات وكأنها تعكس سياسات وضعتها الحكومة المصرية، فقد جاءت عملية التفريق يوم 8 يوليو/تموز عند مقر الحرس الجمهوري، التي قتلت 61 متظاهراً، بعد 3 أيام فقط من قيام الجيش بفتح النار على متظاهرين في نفس الموقع وقتل خمسة منهم، وبينهم رجل كان يعلق ملصقاً لمرسي على أحد الأسوار. بدأت قوات الجيش، وبينها قناصة متمركزون على أسطح المباني، في إطلاق النار على المتظاهرين بينما كانوا ينتهون من صلاة الفجر، دون استفزاز ظاهر. كما بدأت عمليات القتل عند المنصة يوم 27 يوليو/تموز بعد ساعات من تجمع آلاف المصريين، بإيعاز من السيسي وزير الدفاع في ذلك الوقت، الذي كان في خطاب قبل 3 أيام قد حمل على الإخوان، ودعا المصريين إلى “النزول لمنحي تفويضاً وتكليفاً لمواجعة العنف والإرهاب المحتمل”.[533]

    وقد تم تنفيذ فض الاعتصامين في رابعة والنهضة بوجه خاص طبقاً لخطة وضعتها وزارة الداخلية ووافق عليها مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني بعد أسابيع من التحضير. وكما بيننا أعلاه، توجد أدلة قوية توحي بأن الخطة كانت تتنبأ بمقتل عدة آلاف من المتظاهرين.[534] وتتضمن تلك الأدلة تصريحات من وزير الداخلية إبراهيم، ورئيس الوزراء في ذلك الوقت الببلاوي، يقران فيها بالتحسب لمقتل ألف متظاهر في عملية الفض.[535]

    في اليوم التالي للفض قال وزير الداخلية إبراهيم لصحيفة المصري اليوم إن “عملية الفض نجحت بنسبة مئة بالمئة”.[536]ويشير هذا إلى التزام تنفيذ العملية بخطة جرى وضعها. كما امتدح المسؤولون سلوك قوات الأمن في أعقاب الفض يوم 14 أغسطس/آب.[537] وأقاموا نصباً تذكارياً للجيش والشرطة، ووزعوا المكافآت على القوات المشاركة في أحداث ذلك اليوم.[538]

    مسؤولية القيادة

    بالنظر إلى خطورة الجرائم المرتكبة، يتعين محاسبة أرفع المسؤولين الأمنيين وكبار القادة في تسلسل القيادة فردياً على وقائع القتل الممنهج وواسع النطاق لمتظاهرين أثناء يوليو/تموز-أغسطس/آب 2013. وينبغي للتحقيقات أن تركز على 3 أفراد على وجه الخصوص:

    (1) وزير الداخلية محمد إبراهيم ، الذي صاغ خطة الفض في رابعة والنهضة وأشرف على تنفيذها. في مقابلة بتاريخ 31 أغسطس/آب تحدث إبراهيم بصراحة عن دوره، وعند مناقشة الزحف على ميدان رابعة في أواخر ما بعد الظهر، أعلن:

    وعندئذ أمرت القوات الخاصة بالتقدم وتطهير المبنيين. فبدأوا الهجوم… وتمكن أبطال القوات الخاصة، وأنا أقول أبطال، من الاستيلاء على المبنيين.[539]

    (2) وزير الدفاع في ذلك الوقت عبد الفتاح السيسي ، المشارك الرئيسي الآخر في التخطيط للعنف في يوليو/تموز-أغسطس/أب 2013. كان السيسي يشغل عدة مناصب في تلك الفترة، مما منحه دوراً قائداً للقوات الأمنية، ومنها وزير الدفاع، والقائد العام للقوات المسلحة، ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ونائب رئيس الوزراء للشؤون الأمنية. وبتلك الصفات كان السيسي يقف على رأس تسلسل القيادة في الجيش المصري الذي فتح النار على متظاهرين أمام مقر الحرس الجمهوري في 5 و8 يوليو/تموز، وأشرف على السياسات الأمنية للبلاد. في خطاب بتاريخ 18 أغسطس/آب اعترف السيسي مباشرة بدوره في التخطيط للفض في رابعة والنهضة، قائلاً: “لقد قضينا أياماً طويلة في مناقشة كل التفاصيل والوصول إلى فض لا تنتج عنه أية خسائر”.[540]

    (3) مدحت المنشاوي ، قائد القوات الخاصة في مصر في ذلك الحين، الذي قاد عملية الفض في رابعة وكان مسؤولا عن الكثير من الانتهاكات التي وقعت. في مقابلة بتاريخ 12 أكتوبر/تشرين الأول مع صحيفة اليوم السابع المصرية، اعترف المنشاوي بتلقي مكالمات من وزير الداخلية إبراهيم بعد دخول اعتصام رابعة وتأكيده أننا “سنهاجم مهما كلفنا هذا”.[541] قام الرئيس المؤقت منصور بترقية المنشاوي إلى منصب مساعد وزير الداخلية في نوفمبر/تشرين الثاني 2013.[542]

    وعلى التحقيقات أيضاً استكشاف ضلوع آخرين من مسؤولي الشرطة والجيش، فبداخل وزارة الداخلية، يتعين على التحقيق في التخطيط لوقائع القتل وتنفيذها أن يستكشف دور المسؤولين الآتية أسماؤهم والذين خدموا في كل منصب على الترتيب أثناء فترة يوليو/تموز-أغسطس/آب 2013، والذين تمكنت هيومن رايتس ووتش من تحديد 6 منهم بالاسم: مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن المركزي أشرف عبد الله، ومساعد وزير الداخلية لخدمات الأمن العام أحمد حلمي، ومساعد وزير الداخلية لأمن الدولة خالد ثروت، ومدير أمن القاهرة أسامة الصغير، ومدير أمن الجيزة حسين القاضي، ومدير الأمن المركزي بالجيزة مصطفى رجائي، ومساعد وزير الداخلية لقطاع قوات الأمن في ذلك الحين، وكذلك مدير الأمن المركزي بالقاهرة في ذلك الحين.

    كان اختصاص كل واحد من هؤلاء المسؤولين يشمل التعامل مع اعتصامي رابعة والنهضة، وقد خلصت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، استناداً إلى مراجعة تقارير من النائب العام تتعلق بمقتل متظاهرين أثناء انتفاضة يناير/كانون الثاني 2011، إلى أن هؤلاء المسؤولين، باستثناء الأمن الوطني الذي كان يعرف بأمن الدولة في ذلك الوقت، قاموا بتنسيق الرد الحكومي على تلك الأحداث.[543] وبالنظر إلى عدم حدوث إعادة هيكلة يعتد بها لوزارة الداخلية منذ ذلك الحين فالأرجح أن هؤلاء المسؤولين قاموا بأدوار كبيرة في مقتل المتظاهرين في يوليو/تموز-أغسطس/آب. وقد أشارت تقارير صحفية إلى ضلوع بعض هؤلاء المسؤولين في التخطيط للاعتداءات على المتظاهرين أو تنفيذها وقد اعترف وزير الداخلية محمد إبراهيم بصياغة خطة الفض مع مساعديه.[544]

    وعلى التحقيقات أيضاً أن تنظر في دور اللواء محمد فريد التهامي، مدير المخابرات المصرية العامة، والمعروف على نطاق واسع بأنه كان ضمن مخططي الرد العنيف على المظاهرات.[545] وبحسب مقابلة بتاريخ 28 يوليو/تموز في المصري اليوم، تقدم التهامي بعرض تقديمي إلى مجلس الدفاع الوطني بشأن الوضع في رابعة والنهضة قبل اتخاذ القرار بالفض العنيف للاعتصامين.[546]

    وينبغي للتحقيقات أيضاً أن تقيّم مسوؤلين رفيعي المستوى ضمن تسلسل القيادة العسكرية، وبينهم مدير الحرس الجمهوري اللواء محمد زكي، ورئيس أركان الجيش ووزير الدفاع الحالي صدقي صبحي، ثم رئيس المخابرات العسكرية وقتها ورئيس الأركان الحالي محمد حجازي. كان زكي بصفته يتحلى بمسؤولية القيادة عن قوات الحرس الجمهوري التي اعتدت على متظاهرين سلميين في 5 و8 يوليو/تموز. كما حضر كل من صبحي وحجازي الاجتماعات الأمنية رفيعة المستوى التي تمت للتخطيط لفض اعتصامي رابعة والنهضة.[547] وقد قام قناصة في فض رابعة بإطلاق النيران من فوق مبنى تابع للمخابرات العسكرية، كان من شأنه الخضوع لإشراف حجازي.

    وعلى التحقيقات بالمثل أن تنظر إلى ضباط الشرطة والجيش الأدنى رتبة، الذين نفذوا الأوامر وأطلقوا النار على المتظاهرين. وتجب محاسبة من يثبت تنفيذهم لعمليات قتل دون وجه حق.

    ومن الضروري أيضاً التحقيق مع رئيس الوزراء في ذلك الوقت حازم الببلاوي، والرئيس المؤقت عدلي منصور، وغيرهما من كبار الشخصيات المدنية، فقد قام مجلس الوزراء برئاسة الببلاوي، ومجلس الدفاع الوطني برئاسة منصور، بمراجعة خطة وزارة الداخلية للفض في رابعة والنهضة والموافقة عليها. كما أبدى المسؤولان تأييداً قوياً للعمليات. وأعلن منصور في 3 سبتمبر/أيلول أن “فض رابعة نفذ وفقاً للقانون الدولي”، بينما تحدث الببلاوي عن أحداث المنصة في 27 يوليو/تموز فوصفها بأنها “لازمة لدفع البلاد إلى الأمام”، رغم أنه “كان من الواضح أيضاً أنه سيكون هناك ضحايا”.[548] كما أقر الببلاوي بأنه كان يتوقع قبل الفض الفعلي سقوط أكثر من ألف متظاهر في فض اعتصامي رابعة والنهضة.[549]

    التحقيق والمحاسبة

    تعمل المادتان 2(1) و2(3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ومصر دولة طرف فيه، على إلزام الدول الأطراف بـ”التعهد باحترام وكفالة” الحقوق الواردة فيه، وتوفير سبيل فعال للتظلم من انتهاكها.[550] وتتولى لجنة حقوق الإنسان تفسير المادة 2(3) على أنها تشير إلى التزام بالتحقيق في مزاعم انتهاكات العهد.[551] وقد شددت اللجنة في هذا الصدد على ضرورة أن تكون سبل التظلم “في المتناول وفعالة” وأن تأخذ في حسبانها “استضعاف بعض الفئات بوجه خاص”.[552] وقد سبق للجنة في الماضي دعوة الدول الأطراف إلى “السماح لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان بالتوصل إلى الحقيقة فيما يتعلق بالأفعال المرتكبة، ومعرفة الجناة في تلك الأفعال والحصول على التعويض المناسب”.[553]

    وعلاوة على هذا فقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة مجموعة مبادئ تتعلق بالتزامات الدول تجاه ضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتوضح أن الدول ملتزمة بـ”التحقيق في انتهاكات” القانون الدولي لحقوق الإنسان “على نحو مدقق ومحايد، واتخاذ إجراءات ضد المسؤولين المزعومين، حيثما أمكن، بمقتضى القوانين الوطنية والدولية”.[554] ويقع على عاتق الدول أيضاً “واجب التحقيق، وحيثما توافرت أدلة كافية، واجب الملاحقة القانونية للشخص المزعومة مسؤوليته عن الانتهاكات”.[555]

    وتقرر مجموعة المبادئ المحدثة بشأن حماية وتعزيز حقوق الإنسان من خلال العمل على مكافحة الإفلات من العقاب، التي أيدتها مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في 2005، أن “لكل الشعوب حق لا يقبل الانتقاص منه في معرفة الحقيقة بشأن أحداث الماضي المتعلقة بارتكاب جرائم شنيعة، وبشأن الأسباب والظروف التي أدت إلى ارتكابها، من خلال الانتهاكات الممنهجة أو الجماعية”.[556]

    وتنص المبادئ أيضاً على أن الدول “تتعهد بإجراء تحقيقات سريعة ومدققة ومستقلة ومحايدة” في انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، واتخاذ الإجراءات المناسبة تجاه الجناة وخاصة في مجالات العدالة الجنائية، عن طريق ضمان ملاحقة ومحاكمة ومعاقبة المسؤولين عن جرائم خطيرة بموجب القانون الدولي”.[557] ولا تقتصر هذه المبادئ على تأكيد حق الضحايا في “الجبر” و”الانتصاف لهم من الجناة” بل تؤكد أيضاً على أن تقوم الدول بمنح “الضحايا وعائلاتهم .. حقوقاً لا تقبل الانتقاص في معرفة الحقيقة بشأن الملابسات التي تمت فيها الانتهاكات” و”التعهد بإصلاحات مؤسساتية وغيرها من الإجراءات اللازمة لضمان احترام سيادة القانون” و”منع تكرر” الانتهاكات المعنية.[558]

    وقد قام ماينا كياي، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وفي حرية تكوين الجمعيات، بنشر تقريره العام الأول في مايو/أيار 2012، مبرزاً الممارسات الفضلى لحماية حرية التجمع في سياق قدر من العنف والاضطرابات المصاحبة للمظاهرات طويلة الأمد. استشهد كياي في تقريره بقضية نظرت أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وقررت أن “الفرد لا يتوقف عن التمتع بالحق في حرية التجمع السلمي نتيجة للعنف المتفرق أو غيره من الأفعال التي يعاقب عليها القانون والتي يرتكبها آخرون في سياق مظاهرة، إذا ظل الفرد المعني سلمياً في نواياه وسلوكه”. وشدد على الأهمية القصوى للحق في الحياة عند حفظ أمن التجمعات و”الأهمية الفائقة للحوار الجاد، بما في ذلك من خلال المفاوضات، بين سلطات إنفاذ القانون والمنظمين بهدف ضمان سلاسة سير التجمع العام”.[559]

    الوصول إلى الرعاية الطبية

    يمثل حرمان السلطات للمتظاهرين المصابين من الرعاية الطبية انتهاكاً للحق في الصحة والحق في عدم التمييز بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. ويكفل العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومصر دولة طرف فيه، “حق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه”.[560] وقد قررت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تتولى تفسير العهد، في تعليقها العام رقم 14، أن “الحرمان من الوصول إلى المرافق الصحية” ينتهك التزام الدول باحترام الحق في الصحة.[561] كما أن حظر الوصول إلى الرعاية الطبية بسبب المشاركة في مظاهرة معارضة للحكومة هو انتهاك للحظر الذي يفرضه العهد على التمييز على أساس الرأي السياسي.[562]

    والسلطات التي تحرم أفراداً من المساعدة الطبية العاجلة ربما تنتهك حقوقهم في الحياة وفي الحماية من المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، كما يكفلها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.[563]

    واتفاقاً مع العهد، تنص المبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية على أنه، حتى في الظروف التي يصبح استخدام القوة فيها مشروعاً ولا مناص منه، “يتعين على الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون .. التكفل بتقديم المساعدة والإسعافات الطبية في أقرب وقت ممكن للشخص المصاب أو المتضرر”.[564]

    القانون المصري بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية

    تعمل لوائح وزارة الداخلية وقانون الشرطة على منح أفراد الشرطة سلطة تقديرية فضفاضة في استخدام الذخيرة الحية أثناء حفظ الأمن والنظام في المظاهرات. وتنظم استخدام القوة المادة 102 من قانون الشرطة رقم 109 لسنة 1971 التي تنص على أنه:

    المادة 102:   لرجال الشرطة استعمال القوة بالقدر اللازم لأداء واجبه إذا كانت هي الوسيلة الوحيدة لأداء هذا الواجب.ويقتصر استعمال السلاح على الأحوال الآتية:
    أولاً: القبض على:

    1- كل محكوم عليه بعقوبة جناية أو بالحبس مدة تزيد على ثلاثة أشهر إذا قاوم أو حاول الهرب كل متهم بجناية أو متلبس بجنحة يجوز فيها القبض أو متهم صدر أمر بالقبض عليه إذا قاوم أو حاول الهرب.

    ثانياً: عند حراسة المسجونين في الأحوال وبالشروط المنصوص عليها في قانون السجن

    ثالثاً: لفض التجمهر أو التظاهر الذي يحدث من خمسة أشخاص على الأقل إذا عرض الأمن العام للخطر وذلك بعد إنذار المتجمهرين بالتفرق ويصدر أمر استعمال السلاح في هذه الحالة من رئيس تجب طاعته.

    ويراعى في جميع هذه الأحوال الثلاثة السابقة أن يكون إطلاق النار هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الأغراض السابقة، ويبدأ رجل الشرطة بالإنذار بأنه سيطلق النار ثم يلجأ بعد ذلك إلى إطلاق النار ويحدد وزير الداخلية بقرار منه الإجراءات التي تتبع في جميع الحالات وكيفية توجيه الإنذار وإطلاق النار.[565]

    وتقوم هذه المادة بتوفير سلطات فضفاضة للشرطة في استخدام الأسلحة النارية، تتجاوز ما يسمح به القانون الدولي.

    فعلى عكس المبادئ الأساسية، يسمح القانون المصري باستخدام الأسلحة النارية خارج الحدود الضيقة المتمثلة في الدفاع عن النفس وعن الآخرين، فهو يسمح للشرطة، على سبيل المثال، بإطلاق النار على “تجمهرات” لا تزيد عن 5 أشخاص إذا “عرضت الأمن العام للخطر”، وهو معيار أكثر اتساعاً بكثير مما يسمح به القانون الدولي، الذي يشترط “جريمة خطيرة تنطوي على تهديد خطير للأرواح”.

    أما مرسوم وزارة الداخلية رقم 139 لسنة 1955، بتقرير الأحكام الخاصة بالاجتماعات العامة والمظاهرات في الطرق، فهو يشترط قيام السلطات بتوجيه إنذار مسموع للأشخاص المتجمهرين، يحدد موعداً معقولاً لتفرقهم من المكان وكذلك التعليمات والطرق المستخدمة في التفرق.[566] وينص المرسوم على أنه إذا لم يتفرق التجمهر فلا بد من “تقديم إنذار ثان” يحذر من أن قوات الأمن قد تستخدم الغاز المسيل للدموع والهراوات لتنفيذ الأمر بالتفريق.[567] ومع ذلك فإن هذه الأحكام تبدو بذاتها مخالفة للمعايير الدولية لإنفاذ القانون، بتفويضها باستخدام أسلحة نارية خفيفة “تصوب على السيقان” إذا “رفض التجمهر التفرق”.[568]

    ويقرر قرار وزارة الداخلية رقم 156 لسنة 1964 بشأن استخدام الأسلحة النارية، المؤيد بقرار وزارة الداخلية رقم 286 لسنة 1972، أنه لا يجوز استخدام الأسلحة النارية إلا عند الضرورة لتفريق المتجمعين، وفقط إذا كانت تمثل الوسيلة الوحيدة، بعد استنفاد كافة الوسائل الأخرى. ويقرر أيضاً أن على رجال الشرطة التصويب على السيقان.[569]

    في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، أصدر الرئيس منصور قانوناً جديداً للاجتماعات العامة، القانون رقم 107 لنسة 2013، المحتوي على أحكام تتعلق باستخدام القوة لتفريق المظاهرات.[570] إلا أن تلك الأحكام لم تكن سارية في الفترة التي ينصب عليها تقريرنا، يوليو/تموز-أغسطس/آب 2013.

     .V رد السلطات: الإنكار والإفلات من العقاب

    بدلاً من التحقيق في الانتهاكات المحتملة، رفضت السلطات الإقرار بارتكاب أي خطأ من جانب أجهزة الأمن في اعتدائها على المتظاهرين، أو الكشف عن أية معلومات تقريباً تتعلق بعمليات الفض. وبينما نشر المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي يمثل الهيئة الحقوقية المصرية شبه الرسمية، تقريراً ينتقد الاستخدام المفرط للقوة من جانب الشرطة، وتم تشكيل لجنة رسمية لتقصي الحقائق للتحقيق في الانتهاكات، إلا أن النيابة لم تحقق على نحو جاد أو توجه الاتهام حتى الآن إلى فرد واحد من أفراد قوات الأمن لاستخدام القوة دون وجه حق ضد مظاهرات منذ 3 يوليو/تموز. وعليه فإنه، بعد مرور عام على عمليات الفض، لم يحاسب رجل واحد من رجال الشرطة والجيش وغيرهم من المسؤولين على القتل المنهجي العمدي لمتظاهرين سلميين في معظمهم.

    إنكار ارتكاب الخطأ

    حتى الآن لم تعترف السلطات المصرية بارتكاب أي خطأ من جانب الشرطة في فض اعتصامي رابعة أو النهضة يوم 14 أغسطس/آب، أو في الاعتداء على المتظاهرين قبل عمليات الفض وبعدها. بدلاً من هذا، قامت السلطات بإعادة رصف الشوارع المحيطة بمنطقة رابعة، وأعادت طلاء المباني التي تضررت بسبب الفض، وأقامت نصباً تذكارياً لتكريم الشرطة والجيش.[571]

    وفي مؤتمر 14 أغسطس/آب الصحفي مساء يوم الفض، قال وزير الداخلية إبراهيم إن الشرطة تصرفت “بمهنية وبدون خسائر”.[572] وردد مسوؤلو الحكومة الرواية نفسها، فقال رئيس الوزراء الببلاوي، الذي كان في أكتوبر/تشرين الأول 2011 قد استقال من منصبه كنائب لرئيس الوزراء ووزير للمالية في وزارة عصام شرف، رئيس الوزراء في ذلك الوقت، بعد قتل الجيش لـ 27 متظاهراُ في ماسبيرو:

    هناك فرق كبير [بين ماسبيرو ورابعة] لأن البلد فى الحالة الأولى كان فى حالة استقرار أمنى، واندلعت مظاهرة ورد الفعل من الشرطة أو القوات المسلحة هو الذى خلق تلك الحالة، أما فى «رابعة العدوية» فالحكومة كانت ترغب فى فرض الأمن ولم تكن سبب القتل، فأحداث ماسبيرو قبلها بساعتين كانت حالة الأمن مستقرة، وقامت مظاهرة كانت غالبة عليها السلمية من مواطنين أقباط، وعمرهم ما رفعوا سلاح، وحدث تدخل عنيف أدى إلى الإخلال بالأمن، أما فى «رابعة» فالحكومة تدخلت لإعادة الأمن إلى المواطنين فى جميع أنحاء البلاد، فالمواطن أصبح يتساءل كيف تستطيع الحكومة أن توفر له الأمن وهى غير قادرة على فض اعتصام، وتدخلت الحكومة لإعادة الاستقرار. [573]

    في 14 أغسطس/آب أعلن عبد الفتاح عثمان، مساعد وزير الداخلية للإعلام والعلاقات العامة، أن قوات الأمن لم تستخدم الذخيرة الحية على المتظاهرين.[574] إلا أن وزارة الداخلية عدلت روايتها في فبراير/شباط 2014، قائلة لصحيفة “غلوبال بوست” إنها فتحت النار على متظاهرين، ولكن “على نطاق محدود” و”ضد حاملي الأسلحة الآلية فقط”.[575] ومع ذلك فإن وزارة الداخلية نفسها لم تدع العثور على أكثر من 9 أسلحة آلية في اعتصام رابعة.[576]

    ويواظب مسؤولو وزارة الداخلية على التهوين من معدل الخسائر، زاعمين أنه “من الطبيعي” أن يقتل مئات الأشخاص، كما في مقابلة بتاريخ 31 أغسطس/آب مع وزير الداخلية إبراهيم، الذي صرح بأن “المعايير العالمية” التي لا وجود لها “تحدد معدل خسائر قدره 10 بالمئة في صفوف المتظاهرين”.[577]

    وكانت هذه المزاعم مصحوبة، وفي كثير من الأحيان مدعومة، بتيار سردي مستمر عبر وسائل الإعلام المصرية الحكومية والخاصة يشيطن الإخوان ويحمل أعضاءهم المسؤولية الجماعية عن أية حوادث فردية من العنف والقتل بأيدي متظاهرين.

    كما حرصت الحكومة المصرية على التحكم في السرد خارج مصر، خاصة وأن المراسلين الأجانب الذين يغطون الأحداث على الأرض قدموا رواية بديلة لما ترويه السلطات. أطلق المسؤولون حملة تتهم وسائل الإعلام الأجنبية بالتغطية المنحازة وتقدم الرواية الحكومية، فاتهموا المتظاهرين المؤيدين لمرسي وأعضاء الإخوان المسلمين بالعنف، واصفين إياهم بالإرهابيين والمتطرفين الإسلاميين، وامتدحوا قوات الأمن لما وصفوه كذباً بأنه رد مدروس يتميز بالكفاءة. في 17 أغسطس/آب نشرت الهيئة العامة للاستعلامات في مصر بياناً ينتقد بعض المراسلين الأجانب على “الابتعاد عن الموضوعية والحياد”. وذكر البيان أمثلة على لجوء المتظاهرين إلى العنف، وشدد على أن “الشرطة المصرية، بالتعاون مع رجال القوات المسلحة والمساعدة الشعبية، تمكنت من تنفيذ كافة المهام الموكلة إليها ومن السيطرة على الوضع الأمني في مواجهة المحاولات الإرهابية من الإخوان المسلمين”.[578]

    وفي 18 أغسطس/آب عقد وزير الخارجية في ذلك الوقت نبيل فهمي مؤتمراً صحفياً وزعت فيه على الصحفيين رزمة بعنوان “مصر تحارب الإرهاب: 14-16 أغسطس/آب”.[579] وقد احتوت الرزمة على صور لما ادعت أنه مؤيدو الإخوان وهم يحملون أسلحة نصف آلية، ويلوحون بـ”علم القاعدة الرسمي”، ويهاجمون عربات الشرطة ويقتلون رجالها. لم تقدم الرزمة تفاصيلاً تتعلق بمنشأ الصور ومقاطع الفيديو أو بالعملية التي استخدمت في التحقق منها. وقد شدد وزير الخارجية في المؤتمر الصحفي على أن الأحداث الجارية في مصر لا تمثل خلافاً سياسياً بين جانبين، بل هي “حرب مع الإرهاب… وسوف تدافع مصر عن سيادتها”.[580] ومن خلال السفارة المصرية في واشنطن، وزع الجيش مقطع فيديو مدته 36 دقيقة على مسؤولي الحكومة والصحفيين الأمريكيين. وادعى مقطع الفيديو، المسجل باللغة الإنجليزية، أن الاعتصامات كانت “معسكرات لمتطرفين تحت التدريب”، كما عرض لقطات لأشخاص يدمرون ممتلكات ويطلقون النار على مبان.[581] وفي مؤتمر إخباري بتاريخ 15 أغسطس/آب في لندن، قال أشرف الخولي سفير مصر في المملكة المتحدة إن المتظاهرين “نالوا ما يريدون، حيث ظهروا بمظهر الضحية” وقال إنهم أطلقوا النار بعضهم على بعض.[582]

    في 29 أبريل/نيسان 2014، قامت وزارة الداخلية بدعوة مراسلين أجانب إلى القاهرة لحضور حفل عشاء والتناقش في “حرب مصر على الإرهاب”، حيث وزعت مقاطع فيديو تصور العنف من جانب متظاهري الإخوان أثناء فض رابعة.[583]وعلاوة على هذا حكمت محكمة مصرية في 23 يونيو/حزيران 2014 على ثلاثة من صحفيي “الجزيرة إنغليش” بالسجن لعدة سنوات بتهم تشمل تحرير موضوعات بهدف “تصوير الوضع في مصر كحرب أهلية” وعضوية “تنظيم إرهابي” ودعمه، بالاستناد إلى محتوى تغطياتهم الصحفية، التي تزايد انتقادها نسبيا للحكومة المصرية على مدار العام الأخير.[584]

    الإخفاق في توفير معلومات عن عمليات الفض

    قال شهود على عمليات الفض يوم 14 أغسطس/آب لـ هيومن رايتس ووتش إنهم شاهدوا قوات الأمن تصور العديد من جوانب العمليات بكاميرات فيديو، بما في ذلك من مروحيات ومن أعلى المباني الحكومية في مدينة نصر.[585] وقد راجعت هيومن رايتس ووتش مقاطع فيديو وصوراً فوتوغرافية حصلت عليها من متظاهرين وتظهر مروحيات للجيش وللشرطة تصور التطورات الجارية على الأرض.[586] كما قال بهاء الشريف من قطاع الأمن المركزي لصحيفة الشروق في 19 أغسطس/آب 2013 إن قوات الأمن المركزي سجلت جانباً على الأقل مما وقع أثناء الفض.[587]

    إلا أن وزارة الداخلية لم تنشر تلك المقاطع، بل أفرجت بشكل انتقائي فقط عن مقاطع تصور عنف المتظاهرين و”المخرج الآمن” الذي أتاحته للمتظاهرين في نهاية عملية الفض لتدعيم روايتها. فرض الجيش والشرطة نطاقاً حول ميدان رابعة ومداخله يوم 15 و16 أغسطس/آب ومنعوا الأغراب من الدخول، فمنحوا أنفسهم سيطرة تامة على الأدلة المادية.[588]

    ولم تتعاون وزارة الداخلية أيضاً مع المجلس القومي لحقوق الإنسان ذي الصفة شبه الحكومية. وانتقد ناصر أمين عضو المجلس وزارة الداخلية لإخفاقها في التعاون، مصرحاً في مقابلة مع قناة تلفزيونية خاصة في 6 مارس/آذار:

    لم نتعامل مع وزارة الداخلية كحكم وإنما كطرف في النزاع. وعند التحقيق في أحداث كهذه، يفضل أطراف النزاع دائماً إخفاء المعلومات أو تقديم معلومات ناقصة… والصعوبة هي إرسال باحثين للتحقيق مع أطراف يكون هدفها الرئيسي هو إخفاء الحقيقة.[589]

    وصف رئيس لجنة تقصي حقائق 30 يونيو/حزيران تعاون الحكومة خلال تحقيقاتها في انتهاكات الحقق بـ “المتفاوت”.[590]

    قامت هيومن رايتس ووتش بمكاتبة وزارة الداخلية، ومكتب النائب العام، ووزارة الدفاع، ووزارة الخارجية في 12 يونيو/حزيران 2014، في محاولة للتفاعل مع الحكومة المصرية وتفهم وجهة نظرها في القضايا التي يغطيها التقرير.[591] وقد استعرضت الخطابات نتائجنا المبدئية وطلبت إجابات على أسئلة تفصيلية ومعلومات غير متاحة لـ هيومن رايتس ووتش، تشمل تفاصيلاً حول رجال الشرطة الذين قتلهم متظاهرون مسلحون، أو التعليمات الموجهة لقوات الأمن بشأن استخدام الذخيرة الحية. كما أرسلت هيومن رايتس ووتش خطابات متابعة في 8 يوليو/تموز 2014. وبينما رد مسؤولو وزارة الخارجية بالإشارة إلى اتصالهم بالوزارات الأخرى فيما يتعلق بطلبات هيومن رايتس ووتش، إلا أن المنظمة لم تتلق ردوداً على أسئلتها حتى الأول من أغسطس/آب 2014.

    لجنة تقصي الحقائق

    يقف رد فعل الرئاسة المبدئي على مقتل متظاهرين أمام مقر الحرس الجمهوري في 8 يوليو/تموز، حين كان نائب الرئيس محمد البرادعي ما يزال في منصبه، على النقيض التام من ردودها اللاحقة. في بيان صحفي صادر في الثانية من مساء 8 يوليو/تموز من وكالة أنباء الشرق الأوسط الحكومية، أبدت الرئاسة “أسفها العميق على مقتل مواطنين مصريين” ودعت “جميع الأطراف لممارسة ضبط النفس” وشددت على أن “الحق في حرية التجمع مكفول للجميع وتحميه الدولة بكافة هيئاتها دون تمييز”.[592] ومضى البيان يقول إن الرئيس منصور قد أمر بتشكيل “لجنة قضائية للنظر في وقائع الحادث والتحقيق فيه وإعلان النتائج على الجمهور”.[593] لكن بخلاف ذلك الإعلان المبدئي لم تتخذ السلطات أية خطوات لتشكيل اللجنة ولم تتح أية معلومات أخرى عن أعضائها وسلطاتها.

    وفي 17 سبتمبر/أيلول 2013، أعلن موقع مجلس الوزراء أن المجلس في آخر اجتماعاته قد وافق على تشكيل لجنة لتقصي الحقائق للنظر “في ما وقع من أحداث منذ 30 يونيو/حزيران”.[594] وفي ديسمبر/كانون الأول 2013 أصدر الرئيس منصور المرسوم الرئاسي 698/2013 بتأسيس “لجنة وطنية مستقلة لتقصي الحقائق لجمع المعلومات والأدلة المصاحبة لثورة 30 يونيو/حزيران 2013 وتداعياتها”. ويمنح المرسوم اللجنة، برئاسة القاضي المستشار فؤاد عبد المنعم رياض، ستة أشهر لإجراء أعمالها وتقديم تقريرها النهائي وتوصياتها إلى الرئيس منصور في موعد غايته يونيو/حزيران 2014. وفي مايو/أيار مد الرئيس منصور الموعد النهائي لتقديم التقرير من يونيو/حزيران إلى سبتمبر/أيلول 2014.[595]

    وبينما كان المجتمع المدني قد طالب بتشكيل لجنة تقصي حقائق كهذه إلا أن اللجنة تؤدي أعمالها حتى الآن بالقليل من الشفافية.[596] فرغم أنها دعت الأفراد والمنظمات إلى التقدم بما لديهم من أدلة، والتقى أعضاؤها بـ هيومن رايتس ووتش ومنظمات أهلية أخرى، إلا أنها ظلت تعمل بعيداً عن أعين الرأي العام.[597] وبالنظر إلى الاستقطاب الحاد في مصر فمن الواجب أن تتحلى بشفافية أكبر، وأن تتفاعل مع قطاع أعرض من المجتمع المدني، وتسعى بنشاط إلى إشراك الضحايا، بما في ذلك عن طريق تبديد شكوكهم حول استقلاليتها، وتعبر عن الحاجة إلى محاسبة علنية على الجرائم التي وقعت، وتقدم التطمينات بشأن سرية هوية الضحايا.

    أما المرسوم الحكومي المؤسس للجنة فهو لا يذكر أن نتائجها وتوصياتها ستنشر على الجمهور،[598] ومع هذا فقد قال بعض أعضاء اللجنة لـ هيومن رايتس ووتش إنهم ينوون توصية الرئيس بنشر تقريرها النهائي.[599] لم تحظ نتائج وتوصيات اللجنتين السابقتين لتقصي الحقائق في 2011 و2012 بالنشر، مما ساهم في افتقار مصر إلى أي تقدم نحو العدالة الانتقالية والمصالحة والمحاسبة في السنوات الأخيرة.[600]

    عمل المرسوم على تفويض اللجنة فقط في طلب المساعدة من مسؤولي الحكومة والمنظمات غير الحكومية. وبينما يعلن المرسوم أن “على جميع مؤسسات الدولة وقواتها المتخصصة التعاون مع اللجنة وإعطاؤها كافة المعلومات والوثائق والأدلة اللازمة، المتعلقة بما تؤديه اللجنة من أعمال” إلا أنه لا يحتوى على أي إلزام لها بهذا، ناهيك عن آلية للتنفيذ.[601]وبدون سلطة إلزام الشهود بالشهادة، بمن فيهم مسؤولو الدولة الحاليين والسابقين، وبصرف النظر عن صفاتهم الرسمية، وسلطة الاستدعاء والتفتيش والمصادرة، فمن المستبعد أن تتوصل اللجنة إلى المعلومات التي تحتاجها لإجراء تحقيق جاد.

    وفقا لصحيفة الأهرام الحكومية، طالب رياض، رئيس اللجنة، بمزيد من التعاون من جانب أجهزة الدولة في تقرير إجرائي في يوليو/تموز 2014، تم إرساله إلى الرئيس السيسي، حيث وصف تعاون الأجهزة خلال الشهور السبعة الأولى لعمل اللجنة بأنه “متفاوت”.[602]

    المجلس القومي لحقوق الإنسان

    أعلن المجلس القومي لحقوق الإنسان، وهو الهيئة الحقوقية الوطنية التي تعينها الحكومة في مصر، في 20 سبتمبر/أيلول عن تشكيل 4 فرق لتقصي الحقائق والخروج بتقارير عن أحداث 14 أغسطس/آب: وقائع القتل أثناء فض الاعتصامين، والاعتداء على أقسام الشرطة وقتل رجالها في القاهرة والمنيا، والاعتداء على الكنائس في ما لا يقل عن 8 محافظات في أرجاء القطر المصري.[603]

    ونشر المجلس القومي لحقوق الإنسان تقريره عن فض رابعة في 16 مارس/آذار 2014. ورغم استناده إلى حق محدود في الوصول إلى الأدلة والمعلومات من المسؤولين، خلص التقرير إلى استخدام قوات الأمن للقوة المفرطة في فض رابعة، وقتل ما يزيد على 600 متظاهر. كما وثق التقرير إخفاق قوات الأمن في توفير مخرج آمن طوال القسم الأكبر من اليوم، وأبرز عدم كفاية التحذيرات الموجهة للمتظاهرين. ودعا إلى فتح تحقيق قضائي شامل ومستقل في عملية الفض، ولاحظ الحاجة إلى محاسبة الجناة، وأوصى بتقديم تعويضات من الحكومة للضحايا.[604]

    ومع ذلك فقد شابت تقرير اللجنة نقاط ضعف منهجية لا يستهان بها. ولعل أكثرها دلالة هو إخفاق أعضاء اللجنة في التحدث مع عدد يعتد به من المشاركين في الاعتصام أنفسهم، وهم الشهود والضحايا الرئيسيون في أحداث اليوم. وفي حين أن المجلس القومي لحقوق الإنسان قال إنه حاول التواصل مع الإخوان المسلمين والجماعات المتحالفة معهم، إلا أن ناصر أمين، عضو المجلس وأحد المؤلفين الرئيسيين للتقرير، قال إن تلك المجموعات رفضت التعاون في غمار حملة الحكومة القمعية عليهم.[605] ونتيجة لهذا أخفق المجلس، لا فقط في الحصول على شهادات من المتظاهرين والضحايا، بل أيضاً على ما بحوزتهم من مقاطع فيديو وصور وأدلة مادية.

    وبدلاً من هذا اعتمد المجلس إلى حد بعيد على استطلاعات وشهادات من سكان المنطقة وأصحاب المحال التجارية، وهي مجموعات معادية في معظمها للإخوان، بالنظر لما سببه الاعتصام من تعطيل لحياتهم اليومية. كما حصل المجلس أيضاً على نزر يسير من المعلومات التي طلبها من وزارة الداخلية، بما أنه لم يكن يمتلك سلطة الوصول إلى وثائق أو استدعاء ضباط الأمن للاستجواب. ولم يبدأ المجلس تحقيقه إلا بعد أسابيع من الفض، حين قرر النظر في أحداث العنف التي تلت 30 يونيو/حزيران، مما ثبط التحقيقات عن معاينة الأمور على الطبيعة أو الحصول على أدلة مادية.[606] وقد استقال أحد الأعضاء البارزين في اللجنة احتجاجاً على ما اعتبره استعجالاً لا لزوم له في نشر النتائج، التي كان يرى أنها لا تستند إلى توثيق دامغ.[607]

    وتعمل هذه المثالب المنهجية الجسيمة على تقويض [مصداقية] ما توصل إليه المجلس القومي لحقوق الإنسان بعدة طرق، فالتقرير بوجه خاص:

    1. أخفق في أن يلحظ النقص الفادح في التحذيرات التي أصدرتها قوات الأمن في فض رابعة. ناقش التقرير إصدار تحذير مدته 25 دقيقة قبل شروع قوات الأمن في الفض، وقال إن إطلاق النار لم يبدأ قبل الساعة 6:45 صباحاً، لكن العشرات من الشهود قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إنه لم يكن هناك تحذير مطول وإن إطلاق النار بدأ قبل الموعد المذكور بـ15 دقيقة على الأقل. قال اثنان من الأطباء من المتطوعين في المستشفى الميداني، تم إجراء مقابلات معهما كل على حدة، قالا لـ هيومن رايتس ووتش يوم الفض إنهما استقبلا أول الإصابات بالذخيرة الحية في حوالي السادسة والنصف صباحا. وقالت الغالبية العظمى من المتظاهرين الذين أجرت معهم هيومن رايتس ووتش المقابلات إنهم لم يسمعوا التحذير المسبق. ولاحظ من كثيرون ممن سمعوه أن إطلاق النار بدأ بعد دقائق من، وفي بعض الحالات بالتزامن مع إذاعة التحذير.[608]
    2. لم يذكر وجود قناصة يطلقون النار من أسطح المباني الحكومية المحيطة.
    3. لم يحمل وزارة الداخلية مسؤولية كافية عن إخفاقها في توفير مخارج آمنة وفي السماح لعربات الإسعاف بدخول الميدان، وبدلاً من هذا ألقى باللوم على “الاشتباكات”.
    4. قلل من أعداد الخسائر، معتمداً فقط على التوثيق الرسمي، وتجاهل أدلة دامغة تفيد بوجود جثث غير داخلة في الحسبان بمسجد الإيمان وفي مستشفيات بأنحاء القاهرة، ضمن أماكن أخرى.
    5. تغاضى عن ضلوع الجيش، الذي قام بتأمين نطاق الاعتصام بغية السماح لقوات الشرطة بالتقدم، وقام بتشغيل المروحيات التي حامت فوق منطقة رابعة، والجرافات التي قادت الزحف باتجاه مركز الميدان، كما سمح للقناصة باستخدام قاعدة للجيش تطل على شرق طريق النصر في إطلاق النار على المتظاهرين.
    6. بالغ في وصف العنف الصادر عن المتظاهرين، معتمداً على مقاطع فيديو نشرتها وزارة الداخلية انتقائياً.
    7. منح اهتماماً غير متناسب لإساءات المتظاهرين في الاعتصامين، التي تشحب بالمقارنة مع الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوات الأمن أثناء عملية الفض.
    8. لم يحقق في أعمال بعينها من سوء السلوك الفردي أثناء الفض، بما فيها الاعتداء بالضرب والتعذيب وحتى الإعدام الميداني على بعض المحتجزين.
    9. تقبل حجة الحكومة فيما يتعلق بالحاجة إلى فض الاعتصامين بالقوة، وأخفق في التحقيق النقدي في تخطيط الحكومة للاعتصامين ومدى وجود سياسة تقضي بقتل آلاف المتظاهرين.

    الحاجة إلى المحاسبة

    حتى اليوم، أخفقت النيابة المدنية والعسكرية في محاسبة رجال الشرطة والجيش وغيرهم من المسؤولين على أعمال القتل غير المشروع للمتظاهرين. في 19 مارس/آذار 2014، طلب الرئيس منصور من وزير العدل فتح تحقيق قضائي في عملية فض رابعة، لكن وزير العدل سارع إلى الإعلان عن أنه لن يحقق في تلك الأحداث، بحسب وكالة الأنباء الرسمية، زاعماً أن التحقيق من اختصاص النيابة العامة.[609] وأفادت صحيفة مصرية بأن النيابة بدأت التحقيق في تلك الأحداث.[610] قال محامو الضحايا، الذين طلب بعضهم من النيابة توجيه الاتهام إلى مسؤولين مصريين كباراً لدورهم في وقائع القتل، قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إنهم لم يسمعوا بأن النيابة استدعت أي فرد من رجال الشرطة أو الجيش للتحقيق معه في دوره في أعمال القتل.[611]

    وعلى النائب العام فتح تحقيق محايد وذي مصداقية في مزاعم القتل غير المشروع من جانب قوات الأمن، مع تأمين المعلومات الحساسة من العبث بها، وإيقاف المسؤولين المشتبه في ارتكابهم لأخطاء عن القيام بمهام مناصبهم طوال فترة التحقيق.

    رد الفعل الدولي

    فيما قامت حكومات عديدة بانتقاد عمليات القتل الجماعي في مصر علناً، إلا أن بعض الدول واصلت تزويد مصر بالدعم العسكري، وأخفقت في استخدام نفوذها للضغط على مصر لإنهاء انتهاكاتها وحالة الإفلات من العقاب على الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي.

    في أعقاب فض رابعة والنهضة في أغسطس/آب 2013، علق الاتحاد الأوروبي تصدير المعدات العسكرية إلى مصر في أغسطس/آب 2013، لكنه استبقى في الصياغة مرونة تتيح للدول الأفراد مواصلة تصدير السلاح إلى الحكومة.[612] ولم تقدم المفوضة السامية للاتحاد الأوروبي، كاثرين أشتون، إلا انتقادات مخففة لمصر. وبينما قامت في 21 أغسطس/آب باستخدام تعبير “غير متناسبة” لوصف عمليات قوات الأمن المصرية على مدار الأسابيع السابقة، كما وصفت “عدد الأشخاص الذين قتلوا” بأنه “مثير للانزعاج”،[613] إلا أنها استخدمت لغة أخف منذ أغسطس/آب، وأخفقت باستمرار في التطرق إلى أهمية المحاسبة على الانتهاكات الجسيمة.[614] ومع ذلك فإن قراراً للبرلمان الأوروبي بتاريخ 17 يوليو/تموز 2014 دعا إلى “حظر أوروبي على تصدير تقنيات التدخل والمراقبة لمصر، التقنيات التي يمكن استخدامها للتجسس على المواطنين وقمعهم، وإلى حظر على تصدير المعدات الأمنية أو المعونات العسكرية المستخدمة في قمع الاحتجاجات السلمية، اتفاقاً مع ترتيب فاسينار”.[615] وبالمثل، قامت الولايات المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول 2013 بتعليق جزء من معونتها العسكرية، حتى تلبي مصر شروطاً معينة تتعلق بالحقوق والتطور الديمقراطي. إلا أن تعليق المعونة أعفى التعاون في مجال مكافحة الإرهاب تحديداً. وفي أبريل/نيسان 2014، أعلنت الولايات المتحدة عن عزمها الإفراج عن 10 طائرات مروحية من طراز “أباتشي”، وعن 650 مليون دولار من المعونة العسكرية.[616] ومنذ ذلك الحين تم الإفراج عن قسم كبير من المعونة.[617]وفي أبريل/نيسان 2014، حين قام وزير الخارجية المصري نبيل فهمي بزيارة إلى واشنطن، أخفقت الملاحظات العلنية التي أدلى بها وزير الخارجية كيري في التطرق بأي شكل إلى وقائع القتل الجماعي في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2013.[618]

    قام مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في 5 يوليو/تموز 2013، بتعليق المشاركة المصرية في كافة أنشطته، في أعقاب خلع مرسي، داعياً للعودة الفورية إلى “النظام الدستوري”.[619] ومع ذلك فقد قرر نفس المجلس بالإجماع، في 17 يونيو/حزيران 2014، رفع التجميد عن عضوية مصر فيه.[620] وقد تولى تقرير كتبه وفد الاتحاد الأفريقي رفيع المستوى إلى مصر إبراز استعادة “النظام الدستوري” والتقدم نحو “التنفيذ الكامل لخريطة الطريق” كعوامل محورية في القرار المتخذ برفع التعليق.[621]

    في مارس/آذار 2014، أصدرت 27 دولة إعلانا مشتركاً في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بجنيف، يبدي القلق من تكرر استخدام مصر للقوة المفرطة ضد متظاهرين، ويدعو إلى المحاسبة.[622] ورغم أن الإعلان كان يؤشر على أول تحرك من هذا النوع في هذا المنتدى الدولي منذ وقائع القتل الجماعي في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2013، إلا أنه أخفق في تحديد إجراءات ملموسة يتعين على الدول اتخاذها إذا واصلت مصر السماح بالإفلات من العقاب على الانتهاكات المتفشية للحقوق.

    وقد جاءت ردود أفعال الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وغيرها من الدول والهيئات الدولية قاصرة إلى حد بعيد عن خطوات سبق لها اتخاذها في سياقات مشابهة. فالاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، يواصل الحفاظ على حظر التسلح المفروض على الصين جزئياً نتيجة مذبحة ميدان “تيانانمين” في 1989.[623] كما مضى الاتحاد الأوروبي إلى مدى أبعد في أعقاب مذبحة “أنديجان” في 2005، ففرض جزاءات مستهدفة تشمل منع إصدار تأشيرات الدخول وتجميد الأموال، على 12 شخصية أوزبكستانية، وبينهم وزير حالي.[624]

    العودة إلى الأعلى

     .VI التوصيات

    للحكومة المصرية

    • أن تأمر قوات الأمن بإنهاء الاستخدام المفرط وغير المشروع للقوة، والتصرف بمقتضى القانون الدولي لحقوق الإنسان بشأن استخدام القوة عند حفظ الأمن والنظام أثناء المظاهرات.
    • أن تقوم فوراً بصدد المسؤولين الذين يغلب الظن بتحملهم أكبر المسؤولية عن الجرائم المرتكبة في يوليو/تموز-أغسطس/آب 2013 بإيقافهم عن العمل والتحقيق معهم، بمن فيهم المسؤولين الواردة أسماؤهم في هذا التقرير.
    • أن تعدل المرسوم الرئاسي 698/2013 لمنح لجنة تقصي الحقائق في ما بعد 30 يونيو/حزيران سلطة إلزام الشهود بالشهادة، بمن فيهم مسؤولي الدولة وقوات الأمن الحاليين والسابقين بصرف النظر عن صفاتهم الرسمية، وسلطات الاستدعاء والتفتيش والمصادرة، الخاضعة كلها للمراجعة القضائية.
    • أن تنشر نتائج وتوصيات لجنة تقصي الحقائق في ما بعد 30 يونيو/حزيران، علاوة على نتائج وتوصيات لجنتي تقصي الحقائق في 2011 و2012.
    • أن توفر تعويضات سريعة وعادلة وكافية لعائلات ضحايا حالات الوفاة أو الإصابة التي تسببت فيها قوات الأمن كما تشترط المادة 9(5) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وأن توفر المساعدة للعائلات التي عانت من إصابات أو فقدان ممتلكات نتيجة المظاهرات والقمع الحكومي.
    • أن تقوم بإجراء إصلاح شامل لقوات الأمن المركزي بهدف إنشاء قوات مهنية مدربة على الإشراف على المظاهرات والسيطرة على الحشود والاستجابة للعنف المتفرق. وكجزء من هذه العملية، يتعين على الرئيس مراجعة التشريعات المتعلقة باستخدام القوة والأسلحة النارية من قبل الشرطة، وكذلك الأوامر والقواعد الخاصة بالاشتباك والتي يصدرها مسؤولو وزارة الداخلية والمسؤولون العسكريون لقوات الأمن على مستوى الشارع، لضمان امتثالها للمعايير الدولية وأفضل الممارسات الوطنية، بما في ذلك عن طريق إدراج مفاهيم الضرورة والتناسب في قانون الشرطة والمراسيم المكملة له، وقصر استخدام القوة المميتة على المواقف المنطوية على تهديد خطير للأرواح أو على تهديد بإصابات خطيرة.
    • أن تصدر أمراً علنياً لقوات الأمن باتباع مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، والتي تنص على “استخدام [قوات الأمن] لوسائل غير عنيفة قبل اللجوء إلى استخدام القوة والأسلحة النارية”، وعلى أنه “في الحالات التي لا مناص فيها من الاستخدام المشروع للقوة والأسلحة النارية، يتعين على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين مراعاة ما يلي: (أ) ممارسة ضبط النفس في استخدام القوة والتصرف بطريقة تنناسب مع خطورة الجرم والهدف المشروع المراد تحقيقه؛ (ب) تقليل الضرر والإصابة، واحترام وصون حياة الإنسان”.
    • أن تشكل لجنة مستقلة عن السلطة التنفيذية للإشراف على إصلاح قطاع الأمن ووضع آليات إشرافية، وتدعيم إجراءات الشفافية والمحاسبة الداخلية داخل وزارتي الداخلية والدفاع على السواء.
    • أن تعدل القانون 107 لسنة 2013 الذي يقيد حرية التجمع بحيث يتوافق مع المعايير الدولية الخاصة بحرية التجمع وتكوين الجمعيات، وبوجه خاص إلغاء النصوص التي تمنح وزارة الداخلية سلطة تقديرية واسعة في حظر المظاهرات وتفريق المتظاهرين بالقوة أو اعتقالهم.
    • أن تسمح وتسرع في تحديد مواعيد لزيارات لقسم الآليات الخاصة بالامم المتحدة الآتي ذكرها، ممن تقدموا بطلبات معلقة لزيارة مصر والتحقيق وتقديم تقارير عن الانتهاكات المتعلقة باختصاص كل منهم: المقرر الخاص المعني بحرية التجمع وتكوين الجمعيات، والمقرر الخاص المعني بالإعدام خارج إجراءات القضاء، والمقرر الخاص المعني بالتعذيب، والمقرر الخاص المعني بالعنف ضد المرأة، والمقرر الخاص المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة والجبر وضمانات عدم التكرار، والمقرر الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين، والفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، والفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري.

    لوزارتي الداخلية والدفاع

    • أن تتعاونا على أتم وجه مع لجنة تقصي الحقائق ومع أية تحقيقات جنائية، وأن تحفظا وتكشفا وفق ما يطلب منهما عن أية أدلة محتملة على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك تسجيلات الفيديو المصورة أثناء فض الاعتصامات في 14 أغسطس/آب، الموجودة بحوزة أجهزة الأمن.
    • أن تتخذا إجراءات تأديبية بحق الضباط القادة الذين علموا أو كان من شأنهم أن يعلموا بوقوع تلك الأعمال وأخفقوا في التحرك لمنعها ومعاقبة مرتكبيها، حتى لو قصر هذا السلوك دون المسؤولية الجنائية.
    • أن يتم تعديل الإجراءات التأديبية الخاصة بوزارة الداخلية بغية إيقاف أي مسؤول أمني عن العمل طالما خضع للتحقيق على ذمة الأمر بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو تنفيذها أو التغاضي عنها، وبغية صرفهم من الخدمة إذا أدينوا.
    • أن يتم إخطار الضحايا وعائلاتهم بنتيجة التحقيقات الداخلية والإجراءات التأديبية، ونشر هذه المعلومات على الجمهور لإظهار عدم تسامح الوزارة مع الانتهاكات.
    • أن يتم تعديل مرسوم وزارة الداخلية رقم 156/1964 الذي يسمح باستخدام الذخيرة الحية لتفريق المظاهرات امتثالاً للمعايير الدولية لحفظ الأمن والنظام التي تلزم الشرطة بعدم استخدام القوة المميتة إلا بالقدر الضروري اللازم لحماية أرواح أفرادها أو أرواح الآخرين.

    للنائب العام

    • أن يحقق على نحو مدقق ومحايد في الاستخدام غير المشروع للقوة من جانب قوات الأمن لمقتل متظاهرين منذ 30 يونيو/حزيران 2013.
    • أن يلاحق أفراد القوات الأمنية الذين توجد بحقهم أدلة على المسؤولية الجنائية عن هذه الجرائم، بمن فيهم أولئك الموجودين ضمن تسلسل القيادة، لضمان تقديم كافة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان إلى العدالة بصرف النظر عن الرتبة أو الانتماء السياسي.
    • أن يراجع نتائج اللجنة الرسمية لتقصي الحقائق في ما بعد 30 يونيو/حزيران، متى وإذا انتهت منها، وإدراج أية أدلة تجمعها في التحقيق الجنائي.
    • أن يأمر أجهزة الأمن بالتعاون التام وأن يلاحق أي مسؤول أمني يخفق في هذا، بما في ذلك الإخفاق في تقديم أدلة أو في الإدلاء بالشهادة.
    • أن يضمن إجراء التحقيقات مع المسؤولين العسكريين وملاحقتهم على ذمة القتل الجماعي للمتظاهرين بمعرفة هيئة قضائية مدنية، مستقلة عن تسلسل القيادة العسكري من الناحية المؤسساتية والعملية.
    • أن يضمن إجراء كل تحقيق بسرعة وحياد، مع وضع إطار زمني تنظيمي لتقديم الأدلة، وأن يضمن قيام أفراد النيابة بالتحقيق مع جميع المسؤولين بمن فيهم الرؤساء.
    • أن يتبع أفضل الممارسات الدولية في جمع الأدلة عن طريق الاحتفاظ بسجل تفصيلي لسلسلة العهدة بغية الحفاظ على سلامة الأدلة.
    • أن ينشئ وحدة لحماية الشهود تقوم باتخاذ إجراءات لحماية الشهود وعائلات الضحايا على النحو الكافي من الترهيب أو التهديد أو العنف أثناء التحقيقات والمحاكمات وبعدها.
    • أن يضع قوائم بأسماء الشهود الذين يخصون التحقيق في كل واقعة على حدة من البداية، بهدف ضمان مشاركة الضحايا على نطاق واسع في الإجراءات.
    • أن يفرج فوراً عن أية أشخاص متبقين رهن الاحتجاز دون اتهام في أعقاب مظاهرات في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2013، أو أن يوجه لهم الاتهام على الفور بجرائم محددة وتعقبه محاكمة عادلة ضمن إطار زمني معقول. وأن يسقط التهم عن جميع المحتجزين لمجرد ممارسة حقوقهم في حرية التعبير أو التجمع السلمي أو تكوين الجمعيات.

    للجنة تقصي الحقائق في ما بعد 30 يونيو/حزيران

    • أن تراجع نتائج هذا التقرير وتأخذه في حسبانها أثناء تحقيقها.
    • أن تضمن إجراء التحقيق على نحو مستقل وشفاف ومحايد.
    • أن تتفاعل مع قطاع عرضي كامل من المجتمع المدني وتسعى جاهدة إلى إشراك الضحايا، بما في ذلك عن طريق تبديد شكوكهم بشأن استقلال اللجنة، والتعبير عن الحاجة إلى محاسبة علنية على الجرائم التي وقعت، وتقديم تطمينات بشأن سرية هوية الضحايا وحمايتهم.
    • أن تنشر نتائجها وتطلع عليها السلطات القضائية وأي ضحية تعرض للأذى كنتيجة مباشرة لانتهاكات حقوق الإنسان.
    • أن تجمع المعلومات من مصادر متنوعة، بما فيها الأضابير العامة وسجلات المشارح والمستشفيات، وتقارير المنظمات الحقوقية ولجان تقصي الحقائق السابقة، بما فيها اللجنة المشكلة من قبل الرئيس المعزول مرسي في يونيو/حزيران 2012.
    • أن تستكشف مسؤولية كبار المسؤولين ضمن تسلسل القيادة، بما في ذلك المسؤولية عن وضع وتنفيذ خطة فض اعتصامي رابعة والنهضة.
    • أن تتقدم بتوصيات لإصلاحات تشريعية ومؤسساتية بهدف ضمان عدم تكرر الانتهاكات الحقوقية التي تمت في الماضي، بما في ذلك إصلاح المؤسسات الأمنية وتعديل التشريعات الوطنية بحيث تتوافق مع القانون والمعايير الدولية.
    • أن توصي بإنشاء آلية فرز لضمان عزل جميع الذين تثبت مسؤوليتهم عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم بموجب القانون الدولي من مهام مناصبهم.

    للدول الأعضاء في الأمم المتحدة

    • أن تنشئ من خلال المجلس الأممي لحقوق الإنسان لجنة لتقصي الحقائق بهدف التحقيق في كافة انتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن عمليات القتل الجماعي لمتظاهرين منذ 30 يونيو/حزيران 2013. وينبغي للتحقيق أن يتمتع بالصلاحية لإرساء الحقائق وتحديد المسؤولين بهدف ضمان محاسبة مرتكبي الانتهاكات، إضافة إلى جمع المعلومات المتعلقة بالانتهاكات وحفظها لاستخدامها مستقبلاً من جانب مؤسسات قضائية ذات مصداقية. وعليها أن تضمن اتساع الصلاحيات بما يكفي لتغطية الأفعال الماضية والمقبلة وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة من جانب قوات الأمن المصرية، إضافة إلى أعمال العنف من جانب المتظاهرين.
    • أن تضغط على السلطات المصرية حتى تقوم فوراً بفتح تحقيقات مستقلة ومحايدة وشفافة وذات مصداقية في وقائع قتل المتظاهرين وغيرها من الجرائم المرتبطة بها منذ 30 يونيو/حزيران 2013، ومحاسبة المسؤولين عنها وفق المعايير الدولية للإجراءات القضائية السليمة.
    • أن تعلق كافة مبيعات وإمدادات الأصناف والمساعدات المتعلقة بالأمن إلى مصر حتى تتبنى الحكومة إجراءات لإنهاء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مثل تلك المتعلقة بقمع المظاهرات السلمية في معظمها، ولمحاسبة منتهكي الحقوق.
    • وبموجب مبدأ الاختصاص الشامل، وبمقتضى القانون الدولي، أن تحقق مع المتورطين في جرائم خطيرة بموجب القانون الدولي في مصر في يوليو/تموز-أغسطس/آب 2013، وأن تلاحقهم.

    لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة

    • أن يقر بأن هذه الانتهاكات الممنهجة وواسعة النطاق لالتزامات مصر بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان ترقي على الأرجح إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية، وأن يطالب بالتحقيق فيها وبمحاسبة المسؤولين عنها.

    لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة

    • أن يشكل من خلال مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لجنة دولية للتحقيق في كافة انتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن عمليات القتل الجماعي للمتظاهرين منذ 30 يونيو/حزيران 2013. وينبغي للتحقيق أن يتمتع بالصلاحية لإرساء الحقائق وتحديد المسؤولين مع رؤية لضمان محاسبة مرتكبي الانتهاكات، إضافة إلى جمع المعلومات المتعلقة بالانتهاكات وحفظها لاستخدامها مستقبلاً من جانب مؤسسات قضائية ذات مصداقية. وعليه أن يضمن اتساع الصلاحيات بما يكفي لتغطية الأفعال الماضية والمقبلة وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة من جانب قوات الأمن المصرية، إضافة إلى أعمال العنف من جانب المتظاهرين.
    • أن يبقي الوضع قيد النظر طالما استمر الإفلات من العقاب على الانتهاكات الخطيرة واستمر قمع المعارضة، بما في ذلك عن طريق جلسات اطلاع دورية من طرف مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان.

    لجامعة الدول العربية

    • أن تدين انتهاكات حقوق الإنسان من جانب الحكومة المصرية بعبارات علنية شديدة اللهجة وأن تطالب بإنهائها، على غرار رد فعل الجامعة على الوضع في سوريا وليبيا، وأن تطالب بالمحاسبة على الانتهاكات من جانب قوات الأمن، وأن تعلق عضوية مصر في الجامعة في غياب تلك الإجراءات.
    • أن تؤيد وتتعاون مع التحقيق الدولي في الأحداث الموصوفة في هذا التقرير.

    للاتحاد الأفريقي

    • أن يدين انتهاكات حقوق الإنسان من جانب الحكومة المصرية بعبارات علنية شديدة اللهجة وأن يطالب بإنهائها، وأن يطالب بالمحاسبة على الانتهاكات من جانب قوات الأمن.
    • أن يؤيد ويتعاون مع التحقيق الدولي في الانتهاكات الموصوفة في هذا التقرير.
    • أن يقوم من خلال المفوضية الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بإجراء تحقيق في وقائع القتل الجماعي لمتظاهرين في مصر منذ 30 يونيو/حزيران 2013.
    • أن يكلف الآتي ذكرهم من مقرري الاتحاد الأفريقي الخواص بالتحقيق في الانتهاكات وتقديم تقارير عنها وفق اختصاص كل منهم: المقرر الخاص المعني بالإعدام التعسفي وبإجراءات موجزة وخارج إجراءات القضاء، والمقرر الخاص المعني بحرية التعبير في أفريقيا، والمقرر الخاص المعني بأوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان، والمقرر الخاص المعني بالسجون وظروف الاحتجاز في أفريقيا.

      شكر وتقدير

      تولى عمر شاكر، الملتحق بزمالة آرثر وبربارا د. فنبرغ في هيومن رايتس ووتش في 2013-2014، إجراء أبحاث هذا التقرير وكتابته. كما ساهم دان ويليامز، وأوليه سولفانغ، الباحثان في قسم الطوارئ في هيومن رايتس ووتش، وكذلك جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ضمن آخرين، في أعمال البحث والكتابة. وساعد جو جبرة في ترتيب المقابلات وتسهيل التحركات اللوجستية أثناء البعثات الميدانية في مصر.

      وساعد برايان روت، المحلل الإحصائي، في تقدير عدد المتظاهرين في اعتصام رابعة، استنادا إلى مراجعة للصور الجوية. كما راجع قسم الأسلحة في هيومن رايتس ووتش صور الفيديو، وأدلة الصور الفوتوغرافية، والإشارات إلى الأسلحة.

      وقام جو ستورك وسارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، وكذلك مكتب برامج هيومن رايتس ووتش، بتحرير التقرير. وتولى المراجعة القانونية كلايف بولدوين، وهو مستشار قانوني أول في هيومن رايتس ووتش. وأشرف بيير بيران، مدير الوسائط المتعددة، على إنتاج الوسائط. وأعد فريق المنشورات في هيومن رايتس ووتش التقرير للنشر.

      وعلى أعظم جانب من الأهمية، نود أن نقدم الشكر إلى الناجين وكذلك عائلات المتضررين من الأحداث، والشهود الذين أطلعونا على قصصهم بشجاعة كبيرة، متحملين مخاطر شخصية هائلة.

      ملحق I رسالة إلىوزير الخارجية نبيل فهمي

      12014

      سيادة وزير الخارجية نبيل فهمي

      وزارة الخارجية

      العنوان: وزارة الخارجية، ماسبيرو ش كورنيش النيل بجوار مبنى الاذاعة و التليفزيون

      سيادة الوزير نبيل فهمي،

      أكتب إلى سيادتكم لطلب المساعدة في التواصل مع الجهات الرسمية المعنية في الحكومة المصرية، بشأن بحوثنا الجارية في مصادمات الصيف الماضي بين قوات الأمن والمتظاهرين في مصر، بالإضافة إلى فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس 2013.

      قضت هيومن رايتس ووتش فترة العام الماضي في التحقيق في استخدام الشرطة والجيش للقوة ضد المتظاهرين. وأجرى فريق من الباحثين تحقيقات ميدانية في العديد من مواقع التظاهر، في بعض الحالات أثناء وقوع المصادمات، وقابلوا أكثر من 200 شاهد، من بينهم متظاهرين وأطباء وصحفيين وسكان، وراجعوا ساعات من مقاطع الفيديو وراجعوا أدلة مادية، ودرسوا تصريحات أدلى بها مسؤولون مصريون.

      تشير نتائج أبحاثنا الأولية إلى أن قوات الشرطة والجيش لجأت إلى استخدام القوة المفرطة في بعض الحالات، ونفذت هجمات عشوائية ومتعمدة على المتظاهرين في ست وقائع على الأقل: بعد ظهر يوم 5 يوليو، وقت إطلاق النار أمام دار الحرس الجمهوري، والصباح الباكر من يوم 8 يوليو وقت إطلاق النار قرب دار الحرس الجمهوري، والمصادمات مساء 27 يوليو قرب المنصة، وفض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس، والمصادمات يوم 16 أغسطس عند ميدان رمسيس. تشير ما لدينا من أدلة إلى أن عدداً قليلاً من المتظاهرين كانوا يحملون أسلحة نارية في بعض المظاهرات، وأن الأغلبية العظمى من المتظاهرين كانوا غير مسلحين، وأن أعمال القتل التي وقعت كانت غير متناسبة إلى حد بعيد، وقد أسفرت عن مقتل عدد يرجح أنه يزيد عن الألف متظاهر. كما توصلت أبحاثنا لعدم محاسبة رجل شرطة أو جيش واحد على خلفية هذه الأحداث.

      فيما يخص فض اعتصام رابعة تحديداً، تُظهر بحوثنا أن قوات الأمن لم تحذر المتظاهرين على النحو الكافي قبل بدء أعمال الفض ولم توفر القدر الكافي من “المخرج الآمن” حتى نهاية اليوم، بما في ذلك الخروج الآمن للمتظاهرين المصابين الذين كانوا بحاجة إلى الرعاية الطبية العاجلة. كما توصلنا لقيام الشرطة بإشعال النار في أغراض وأبنية مؤقتة بالميدان، بما في ذلك المستشفيات الميدانية ومركز رابعة الطبي، وقيامها بضرب واحتجاز المئات. تشير الكثير من التصريحات الحكومية إلى أن الحكومة المؤقتة مضت قدماً في خطة فض الاعتصام، التي التزمت بها قوات الأمن يوم 14 أغسطس، وهي تعرف مقدماً أن الخطة قد تؤدي إلى مقتل آلاف المتظاهرين. إننا نحضّر حالياً لتقرير يستعرض هذه النتائج، وهو مماثل للتقرير الصادر عن المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي صدر في شهر مارس, و هو التقرير الذي نعتزم إصداره في القاهرة.

      ضمن جهودنا للتواصل مع جميع الأطراف المعنية، فإننا نلتمس مساعدة سيادتكم في الحديث إلى مسؤولين حكوميين محددين لتحسين فهمنا لوجهات نظرهم بشأن القضايا التي تتناولها بحوثنا. لقد وجهنا إلى هذه الجهات المعنية أسئلة تفصيلية بشأن نتائجنا الأولية، وكذلك طلبات بمعلومات قد لا تتوفر لنا، مثل معلومات عن الضباط والجنود الذين قتلهم متظاهرون مسلحون، والتعليمات الموجهة لقوات الأمن بعدم استخدام ذخيرة حية. من المهم للغاية لنا الحصول من الجهات المعنية المذكورة على هذه المعلومات والأدلة التي قد تتوفر لديها بشأن استخدام قوات الأمن للقوة في تلك المظاهرات، وجهود وخطط الحكومة لتفادي الخسائر في الأرواح، لكي نراجع بموجبها نتائجنا الأولية قدر الضرورة لضمان أن يكون تقريرنا النهائي عند صدوره شاملاً ودقيقاً ومنصفاً لأقصى حد. من المهم الإشارة لأنه في الحالات التي أمدتنا فيها المصادر الحكومية بمثل هذه المعلومات الهامة، في حالات أخرى، خرجت تقاريرنا النهائية في واقع الأمر بنتائج مفادها أن قوات الأمن لم تستخدم القوة المفرطة ضد المتظاهرين، أو أن المزاعم باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين كانت مبالغ فيها أو كاذبة.

      مرفق طيه رسائل موجهة إلى سيادة الوزير محمد إبراهيم وزير الداخلية، وسيادة الوزير صدقي صبحي وزير الدفاع (ويمكن لسيادته إذا رأى ذلك رفعها إلى وزير الدفاع السابق ورئيس الجمهورية حالياً السيد/عبد الفتاح السيسي) وسيادة المستشار هشام بركات النائب العام، ونطلب في هذه الرسائل المرفقة معلومات محددة على صلة بأبحاثنا، كما نطلب فيها عقد اجتماعات في القاهرة من أجل مزيد من الفهم والاستكشاف لهذه القضايا. ولقد أرسلنا الرسائل إلى مكاتب السادة المسؤولين المذكورين بشكل مباشر أيضاً.

      معلومات الاتصال الخاصة بي تتوفر أدناه تحت التوقيع.

      شكراً لكم مقدماً سيادة الوزير على اهتمامكم بهذا الشأن.

      مع وافر التقدير والاحترام،

      سارة ليا ويتسن

      المديرة التنفيذية

      قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هيومن رايتس ووتش

      العودة إلى الأعلى

      ملحقII رسالة إلى وزير الداخلية محمد إبراهيم

      12014

      وزارة الداخلية

      العنوان: شارع الشيخ ريحان، القاهرة وزارة الداخلية الرمز البريدي 11641

      الفاكس: 2796068

      سيادة الوزير محمد إبراهيم ،

      أكتب إلى سيادتكم لطلب المعاونة في الحصول على معلومات على صلة بالمصادمات التي وقعت الصيف الماضي بين قوات الأمن والمتظاهرين في مصر، ومنها أحداث فض الاعتصامات بتاريخ 14 أغسطس 2013 في ميداني رابعة والنهضة. ونقدّر لسيادتكم كثيراً إتاحة الفرصة لنا للاجتماع في القاهرة لمناقشة بحوثنا حول هذا الموضوع.

      قضت هيومن رايتس ووتش فترة العام الماضي في التحقيق في استخدام الشرطة والجيش للقوة ضد المتظاهرين. وأجرى فريق من الباحثين تحقيقات ميدانية في العديد من مواقع التظاهر، في بعض الحالات أثناء وقوع المصادمات، وقابلوا أكثر من 200 شاهد، من بينهم متظاهرين وأطباء وصحفيين وسكان، وراجعوا ساعات من مقاطع الفيديو وراجعوا أدلة مادية، ودرسوا تصريحات أدلى بها مسؤولون مصريون.

      تشير نتائج أبحاثنا الأولية إلى أن قوات الشرطة والجيش لجأت إلى استخدام القوة المفرطة في بعض الحالات، ونفذت هجمات عشوائية ومتعمدة على المتظاهرين في ست وقائع على الأقل: بعد ظهر يوم 5 يوليو، وقت إطلاق النار أمام دار الحرس الجمهوري، والصباح الباكر من يوم 8 يوليو وقت إطلاق النار قرب دار الحرس الجمهوري، والمصادمات مساء 27 يوليو قرب المنصة، وفض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس، والمصادمات يوم 16 أغسطس عند ميدان رمسيس. تشير ما لدينا من أدلة إلى أن عدداً قليلاً من المتظاهرين كانوا يحملون أسلحة نارية في بعض المظاهرات، وأن الأغلبية العظمى من المتظاهرين كانوا غير مسلحين، وأن أعمال القتل التي وقعت كانت غير متناسبة إلى حد بعيد، وقد أسفرت عن مقتل عدد يرجح أنه يزيد عن الألف متظاهر. كما توصلت أبحاثنا لعدم محاسبة رجل شرطة أو جيش واحد على خلفية هذه الأحداث.

      فيما يخص فض اعتصام رابعة تحديداً، تُظهر بحوثنا أن قوات الأمن لم تحذر المتظاهرين على النحو الكافي قبل بدء أعمال الفض ولم توفر القدر الكافي من “المخرج الآمن” حتى نهاية اليوم، بما في ذلك الخروج الآمن للمتظاهرين المصابين الذين كانوا بحاجة إلى الرعاية الطبية العاجلة. كما توصلنا لقيام الشرطة بإشعال النار في أغراض وأبنية مؤقتة بالميدان، بما في ذلك المستشفيات الميدانية ومركز رابعة الطبي، وقيامها بضرب واحتجاز المئات. تشير الكثير من التصريحات الحكومية إلى أن الحكومة المؤقتة مضت قدماً في خطة فض الاعتصام، التي التزمت بها قوات الأمن يوم 14 أغسطس، وهي تعرف مقدماً أن الخطة قد تؤدي إلى مقتل آلاف المتظاهرين. إننا نحضّر حالياً لتقرير يستعرض هذه النتائج، وهو مماثل للتقرير الصادر عن المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي صدر في شهر مارس, و هو التقرير الذي نعتزم إصداره في القاهرة.

      إننا نكتب إلى سيادتكم حتى نحسّن فهمنا لما وقع خلال تلك الأحداث. من المهم للغاية لنا أن نحصل من سيادتكم على أكبر قدر من المعلومات والأدلة بشأن استخدام القوة من قبل عناصر الشرطة في تلك المظاهرات، وجهود الحكومة وخططها على مسار تلافي الخسائر في الأرواح، حتى نراجع ما لدينا من نتائج أولية على ضوء هذه المعلومات والأدلة بالقدر الضروري ولضمان أن يكون تقريرنا النهائي عند صدوره شاملاً ودقيقاً ومنصفاً لأقصى حد. من المهم الإشارة لأنه في الحالات التي أمدتنا فيها المصادر الحكومية بمثل هذه المعلومات الهامة، في حالات أخرى، خرجت تقاريرنا النهائية في واقع الأمر بنتائج مفادها أن قوات الأمن لم تستخدم القوة المفرطة ضد المتظاهرين، أو أن المزاعم باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين كانت مبالغ فيها أو كاذبة.

      نقدر لسيادتكم كثيراً مساعدتنا في الحصول على المعلومات الآتية:

      • نسخ من أية خطط أو أدلة توجيهية أو مذكرات أو تعليمات مكتوبة بشأن فض اعتصامي رابعة والنهضة، كانت قد أعدتها وزارة الداخلية، ومنها الخطة المقدمة لمجلس الوزراء للموافقة عليها، بالإضافة إلى نسخ من أية تقديرات مكتوبة أو تحليلات لديكم بشأن نتائج فض الاعتصامين.
      • مقاطع الفيديو التي ربما سجلتها وزارة الداخلية يوم فض اعتصامي رابعة والنهضة.
      • أية أدلة على قيام المتظاهرين في رابعة والنهضة بتعذيب متظاهرين آخرين أو سكان محليين أو عناصر من قوات الأمن، أو الإساءة إليهم أو قتلهم.
      • الإجابات على الأسئلة التالية بشأن فض اعتصام رابعة يوم 14 أغسطس:
        • ماذا كان الأساس لقرار فض الاعتصامين بالقوة؟
        • في البداية، وعدت وزارة الداخلية بالفض بشكل تدريجي، لكن لم يتم تبني هذا النهج. ما الذي أدى إلى صرف النظر عن خطط الفض التدريجي؟
        • تشير نتائجنا إلى أن وزارة الداخلية توقعت وفاة عدد من الأفراد قد يصل إلى آلاف المتظاهرين أثناء الفض. هل هذه العبارة دقيقة؟
        • ما عدد رجال الشرطة الذين تم نشرهم أثناء الفض؟ ما المعدات والأسلحة التي تم استخدامها أثناء الفض؟
        • إلى أي درجة التزمت قوات الشرطة على الأرض بخطة الفض؟
        • بعد إنكار قيام الشرطة في البداية باستخدام الذخيرة الحية، ذكرت وزارة الدفاع لصحيفة غلوبال بوست في فبراير 2014 أن قوات الأمن استخدمت ذخيرة حية أثناء فض رابعة. ما الذي أدى إلى قرار استخدام الذخيرة الحية بدلاً من الوسائل غير المميتة أو حتى الرصاص المطاطي؟ ما هو الأمر الذي أدى إلى استخدام الذخيرة الحية؟ ما عدد القوات التي تمت الاستعانة بها أثناء أعمال الفض وماذا كانت الظروف والملابسات التي استوجبت ذلك؟
        • ما هو عدد الأسلحة الخاصة بالمتظاهرين التي تم العثور عليها في ميدان رابعة؟ ما هي أنواع تلك الأسلحة وأين تم العثور عليها؟
        • في تقديركم، ما عدد المتظاهرين الذين كانوا مسلحين؟ ما هي الأدلة لتقديركم؟ ما عدد المتظاهرين الذين تم القبض عليهم بسبب إحرازهم بشكل غير قانوني لأسلحة؟
        • من في سلسلة القيادة يتحملون مسؤولية القرارات المتخذة أثناء عملية الفض؟ كيف تم تقسيم المسؤولية بين وزارتي الداخلية والدفاع؟
        • تُظهر مقاطع الفيديو وجود مروحيات كانت تحلق فوق ميدان رابعة أثناء الفض. ما هو عدد المروحيات التي أدارتها وزارة الداخلية فوق ميدان رابعة؟ ما أنواع المروحيات التي استخدمت؟ وماذا كان دورها؟ هل أطلق مسلحون رصاصاً من المروحيات؟
        • طبقاً لنتائجنا، فقد قام رجال في ثياب مدنية بإطلاق النار من فوق بنايات حكومية تحيط بميدان رابعة على حشود المتظاهرين. هل كان الرجال في الثياب المدنية الذين أطلقوا الرصاص من فوق البنايات المحيطة بميدان رابعة ينتسبون إلى وزارة الداخلية بأي شكل من الأشكال؟
        • تشير ما لدينا من نتائج لمقتل المئات برصاصات في الرأس والرقبة والصدر. هل حدث هذا فعلاً؟ ما التوجيهات التي قُدمت لقوات الأمن فيما يتعلق بإطلاق النار والتصويب؟
        • هل شاركت الشرطة بأي شكل من الأشكال في إحراق منصة رابعة أو المستشفى الميداني أو المسجد أو مركز رابعة الطبي؟
        • طبقاً لنتائجنا، فقد سيطرت قوات الأمن على مركز رابعة الطبي وأمرت الأطباء بإخلاء المستشفى وترك المصابين الذين كانوا يعالجونهم. ما التعليمات التي قدمها رجال الشرطة للمتظاهرين أثناء إخلاء مركز رابعة الطبي؟
        • تشير نتائجنا إلى قيام قوات الأمن بإطلاق النار على المستشفى الميداني والمركز الطبي، لعشر ساعات على الأقل، على من حاولوا دخول المركز الطبي أو الخروج منه. هل هذا التقدير دقيق؟ إن كان كذلك، فلماذا حدث هذا؟
      • توضيح لما إذا كانت وزارة الداخلية استخدمت ذخيرة حية أثناء أحداث 5 و8 يوليو أمام دار الحرس الجمهوري، ومصادمات المنصة بتاريخ 27 يوليو، ومصادمات ميدان رمسيس بتاريخ 16 أغسطس، وإن كانت قد فعلت، فماذا كانت الظروف المؤدية لذلك؟
      • إحصائية كاملة بالمتظاهرين الذين قُتلوا أثناء أحداث إطلاق النار عند دار الحرس الجمهوري في 5 و8 يوليو، ومصادمات المنصة في 27 يوليو، وفض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس، ومصادمات رمسيس في 16 أغسطس.
      • سجل كامل بجميع المتظاهرين الذين تم القبض عليهم أثناء أحداث الحرس الجمهوري في 5 و8 يوليو، ومصادمات المنصة في 27 يوليو، وفض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس، ومصادمات ميدان رمسيس في 16 أغسطس، وأماكن احتجازهم، والاتهامات المنسوبة إليهم.
      • أسماء جميع الضباط والجنود الذين قُتلوا أثناء أحداث الحرس الجمهوري في 5 و8 يوليو، ومصادمات المنصة في 27 يوليو، وفض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس، ومصادمات ميدان رمسيس في 16 أغسطس، وتفاصيل عن توقيت مقتلهم وكيفيته ومكان مقتل كل منهم، وما إذا كان قد تم التوصل إلى الجناة المسؤولين عن أعمال القتل تلك وإن كان قد تم القبض عليهم.
      • الإجابة على الأسئلة التالية بشأن التحقيق في سوء التصرف:
        • هل تم إجراء تحقيقات داخلية لتقييم إن كان قد تم اللجوء إلى أي سلوك غير قانوني في أثناء إدارة المظاهرات والسيطرة عليها؟ هل تتوفر نتائج مثل هذه التحقيقات كتابة؟ إن كانت متوفرة، نثمن لسيادتكم كثيراً اطلاعنا عليها.
        • إذا كان المذكور أعلاه قد تم، فهل تبين قيام أي عناصر أمنية بالانخراط في أي سلوك غير قانوني أو قيام أي عناصر أمنية بتوجيه الأمر بسلوك غير قانوني؟
        • إذا كانت الإجابة بنعم، فما هي الخطوات – إن وجدت – التي تم اتخاذها لتأديب هؤلاء الضباط أو الجنود داخلياً؟
        • إلى أي مدى تعاونت وزارة الداخلية في التحقيقات من قبل لجنة تقصي حقائق 30 يونيو الرسمية وتحقيقات النيابة العامة؟

      كما نرحب بفرصة الحديث إلى سيادتكم أكثر عن هذه القضايا، حتى يتحسن فهمنا لوجهة نظر وزارة الداخلية. معلومات الاتصال الخاصة بي تتوفر أدناه تحت التوقيع.

      شكراً لكم مقدماً سيادة الوزير على اهتمامكم بهذا الشأن.

      مع وافر التقدير والاحترام،

      سارة ليا ويتسن

      المديرة التنفيذية

      قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

      هيومن رايتس ووتش

      العودة إلى الأعلى

      ملحقIII رسالة إلى وزير الدفاع صدقي صبحي فيذالك الوقت

      12014

      وزارة الدفاع

      العنوان: شارع 23 يوليو – كوبرى القبة

      القاهرة

      سيادة الوزير صدقي صبحي،

      أكتب إلى سيادتكم لطلب المعاونة في الحصول على معلومات على صلة بالمصادمات التي وقعت الصيف الماضي بين قوات الأمن والمتظاهرين في مصر، ومنها أحداث فض الاعتصامات بتاريخ 14 أغسطس 2013 في ميداني رابعة والنهضة. ونقدّر لسيادتكم كثيراً إتاحة الفرصة لنا للاجتماع في القاهرة لمناقشة بحوثنا حول هذا الموضوع.

      قضت هيومن رايتس ووتش فترة العام الماضي في التحقيق في استخدام الشرطة والجيش للقوة ضد المتظاهرين. وأجرى فريق من الباحثين تحقيقات ميدانية في العديد من مواقع التظاهر، في بعض الحالات أثناء وقوع المصادمات، وقابلوا أكثر من 200 شاهد، من بينهم متظاهرين وأطباء وصحفيين وسكان، وراجعوا ساعات من مقاطع الفيديو وراجعوا أدلة مادية، ودرسوا تصريحات أدلى بها مسؤولون مصريون.

      تشير نتائج أبحاثنا الأولية إلى أن قوات الشرطة والجيش لجأت إلى استخدام القوة المفرطة في بعض الحالات، ونفذت هجمات عشوائية ومتعمدة على المتظاهرين في ست وقائع على الأقل: بعد ظهر يوم 5 يوليو، وقت إطلاق النار أمام دار الحرس الجمهوري، والصباح الباكر من يوم 8 يوليو وقت إطلاق النار قرب دار الحرس الجمهوري، والمصادمات مساء 27 يوليو قرب المنصة، وفض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس، والمصادمات يوم 16 أغسطس عند ميدان رمسيس. تشير ما لدينا من أدلة إلى أن عدداً قليلاً من المتظاهرين كانوا يحملون أسلحة نارية في بعض المظاهرات، وأن الأغلبية العظمى من المتظاهرين كانوا غير مسلحين، وأن أعمال القتل التي وقعت كانت غير متناسبة إلى حد بعيد، وقد أسفرت عن مقتل عدد يرجح أنه يزيد عن الألف متظاهر. كما توصلت أبحاثنا لعدم محاسبة رجل شرطة أو جيش واحد على خلفية هذه الأحداث.

      فيما يخص فض اعتصام رابعة تحديداً، تُظهر بحوثنا أن قوات الأمن لم تحذر المتظاهرين على النحو الكافي قبل بدء أعمال الفض ولم توفر القدر الكافي من “المخرج الآمن” حتى نهاية اليوم، بما في ذلك الخروج الآمن للمتظاهرين المصابين الذين كانوا بحاجة إلى الرعاية الطبية العاجلة. كما توصلنا لقيام الشرطة بإشعال النار في أغراض وأبنية مؤقتة بالميدان، بما في ذلك المستشفيات الميدانية ومركز رابعة الطبي، وقيامها بضرب واحتجاز المئات. تشير الكثير من التصريحات الحكومية إلى أن الحكومة المؤقتة مضت قدماً في خطة فض الاعتصام، التي التزمت بها قوات الأمن يوم 14 أغسطس، وهي تعرف مقدماً أن الخطة قد تؤدي إلى مقتل آلاف المتظاهرين. إننا نحضّر حالياً لتقرير يستعرض هذه النتائج، وهو مماثل للتقرير الصادر عن المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي صدر في شهر مارس, و هو التقرير الذي نعتزم إصداره في القاهرة.

      إننا نكتب إلى سيادتكم حتى نحسّن فهمنا لما وقع خلال تلك الأحداث. من المهم للغاية لنا أن نحصل من سيادتكم على أكبر قدر من المعلومات والأدلة بشأن استخدام القوة من قبل عناصر الجيش في تلك المظاهرات، وجهود الحكومة وخططها على مسار تلافي الخسائر في الأرواح، حتى نراجع ما لدينا من نتائج أولية على ضوء هذه المعلومات والأدلة بالقدر الضروري ولضمان أن يكون تقريرنا النهائي عند صدوره شاملاً ودقيقاً ومنصفاً لأقصى حد. من المهم الإشارة لأنه في الحالات التي أمدتنا فيها المصادر الحكومية بمثل هذه المعلومات الهامة، في حالات أخرى، خرجت تقاريرنا النهائية في واقع الأمر بنتائج مفادها أن قوات الأمن لم تستخدم القوة المفرطة ضد المتظاهرين، أو أن المزاعم باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين كانت مبالغ فيها أو كاذبة.

      نقدر لسيادتكم كثيراً مساعدتنا في الحصول على المعلومات الآتية:

      • نسخ من أية خطط أو أدلة توجيهية أو مذكرات أو تعليمات مكتوبة بشأن فض اعتصامي رابعة والنهضة، كان قد أعدها الجيش، بالإضافة إلى نسخ من أية تقديرات مكتوبة أو تحليلات لديكم بشأن نتائج فض الاعتصامين.
      • مقاطع الفيديو التي ربما سجلها الجيش يوم فض اعتصامي رابعة والنهضة.
      • الإجابات على الأسئلة التالية بشأن فض اعتصام رابعة يوم 14 أغسطس:
        • هل شاركت وزارة الدفاع في صياغة خطة فض الاعتصام المقدمة من وزارة الداخلية؟ هل أتيحت لوزارة الدفاع فرصة مراجعة الخطة مقدماً؟ هل وافقت على الخطة؟
        • ماذا كان دور الجيش في فض الاعتصام؟ كيف تم توزيع المسؤولية بين وزارتي الدفاع والداخلية وكيف تم توزيع المسؤولية داخل صفوف قوات الجيش؟
        • كم عدد القوات التي تم نشرها؟ وما أنواع الأسلحة والمعدات التي استخدمت؟
        • ما الخطوات التي اتخذها الجيش لتأمين محيط الاعتصام؟ ماذا كان المنطق الحاكم لهذه الخطوات؟
        • هل وفّر الجيش أو أدار جرافات لإخلاء المسار لكي تتقدم قوات الشرطة؟
        • تُظهر مقاطع فيديو وجود مروحيات تحلق فوق ميدان رابعة أثناء فض الاعتصام. ما عدد المروحيات التي استخدمها الجيش فوق الميادين، إن وُجدت؟ ما أنواع المروحيات المستخدمة؟ ماذا كان دورها؟ هل أطلق مسلحون رصاصاً من المروحيات؟
        • بحسب ما لدينا من نتائج، فقد قام رجال في ثياب مدنية بإطلاق الرصاص من فوق بنايات حكومية تحيط بميدان رابعة على حشود المتظاهرين. هل كان الرجال في الثياب المدنية الذين أطلقوا النار من فوق المباني المحيطة برابعة ينتسبون إلى الجيش بأي شكل من الأشكال؟
        • مَن في سلسلة القيادة العسكرية يتحمل مسؤولية القرارات التي اتخذها الجيش أثناء فض الاعتصام؟
      • توضيح ما إذا كان الجيش قد استخدم ذخيرة حية أثناء أحداث 5 و8 يوليو عند دار الحرس الجمهوري، وإن كان قد فعل، فما هي الظروف التي أدت إلى هذا الاستخدام؟
      • أسماء ضباط أو جنود الجيش الذين تعرضوا للقتل أثناء إطلاق النار في 5 يوليو أمام دار الحرس الجمهوري، وفي أحداث 8 يوليو عند دار الحرس الجمهوري، وفي فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس، وتفاصيل عن توقيت قتلهم وكيف قُتلوا والمواقع التي سقطوا فيها قتلى.
      • الإجابة على الأسئلة التالية بشأن التحقيق في سوء التصرف:
        • هل تم إجراء تحقيقات داخلية لتقييم إن كان قد تم اللجوء إلى أي سلوك غير قانوني في أثناء إدارة المظاهرات والسيطرة عليها؟ هل تتوفر نتائج مثل هذه التحقيقات كتابة؟ إن كانت متوفرة، نثمن لسيادتكم كثيراً اطلاعنا عليها.
        • إذا كان المذكور أعلاه قد تم، فهل تبين قيام أي عناصر أمنية بالانخراط في أي سلوك غير قانوني أو قيام أي عناصر أمنية بتوجيه الأمر بسلوك غير قانوني؟
        • إذا كانت الإجابة بنعم، فما هي الخطوات – إن وجدت – التي تم اتخاذها لتأديب هؤلاء الضباط أو الجنود داخلياً؟
        • إلى أي مدى تعاون الجيش في التحقيقات من قبل لجنة تقصي حقائق 30 يونيو الرسمية وتحقيقات النيابة العامة؟
        • هل فتحت النيابة العسكرية أية تحقيقات في تلك الوقائع؟ إن كانت قد فعلت، فما عدد الضباط أو الجنود الذين تم استدعائهم للاستجواب؟ ما عدد شهود العيان الذين تم أخذ شهاداتهم؟ ما عدد شهود العيان الذين كانوا من المتظاهرين؟ هل استكشفت التحقيقات مَن المسؤولين مِن داخل سلسلة القيادة؟

       

      كما نرحب بفرصة الحديث إلى سيادتكم أكثر عن هذه القضايا، حتى يتحسن فهمنا لوجهة نظر الجيش. كما يسرنا تفضل سيادتكم برفع هذه الرسالة إلى وزير الدفاع السابق ورئيس الجمهورية الحالي السيد/ عبد الفتاح السيسي إذا وجدتم سيادتكم أن هذا ملائم.

      معلومات الاتصال الخاصة بي تتوفر أدناه تحت التوقيع.

      شكراً لكم مقدماً سيادة الوزير على اهتمامكم بهذا الشأن.

      مع وافر التقدير والاحترام،

       

      سارة ليا ويتسن

      المديرة التنفيذية

      قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

      هيومن رايتس ووتش

      ملحق IV رسالة إلى النائب العام   هشام بركات

       

      12

      يونيو 2014

      مكتب   النائب العام 
      العنوان  :  دار القضاء العالى – شارع 26 يوليو – ميدان الاسعاف – القاهرة


      سيادة النائب العام هشام بركات،

      أكتب إلى سيادتكم لطلب المعاونة في الحصول على معلومات على صلة بتحقيقات النيابة العامة في استخدام الشرطة والجيش للقوة ضد المتظاهرين، منذ 30 يونيو 2013، بما في ذلك فض اعتصامي رابعة والنهضة بتاريخ 14 أغسطس 2013. ونقدّر لسيادتكم كثيراً إتاحة الفرصة لنا للاجتماع في القاهرة لمناقشة بحوثنا حول هذا الموضوع.

      قضت هيومن رايتس ووتش فترة العام الماضي في التحقيق في استخدام الشرطة والجيش للقوة ضد المتظاهرين. وأجرى فريق من الباحثين تحقيقات ميدانية في العديد من مواقع التظاهر، في بعض الحالات أثناء وقوع المصادمات، وقابلوا أكثر من 200 شاهد، من بينهم متظاهرين وأطباء وصحفيين وسكان، وراجعوا ساعات من مقاطع الفيديو وراجعوا أدلة مادية، ودرسوا تصريحات أدلى بها مسؤولون مصريون.

      تشير نتائج أبحاثنا الأولية إلى أن قوات الشرطة والجيش لجأت إلى استخدام القوة المفرطة في بعض الحالات، ونفذت هجمات عشوائية ومتعمدة على المتظاهرين في ست وقائع على الأقل: بعد ظهر يوم 5 يوليو، وقت إطلاق النار أمام دار الحرس الجمهوري، والصباح الباكر من يوم 8 يوليو وقت إطلاق النار قرب دار الحرس الجمهوري، والمصادمات مساء 27 يوليو قرب المنصة، وفض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس، والمصادمات يوم 16 أغسطس عند ميدان رمسيس. تشير ما لدينا من أدلة إلى أن عدداً قليلاً من المتظاهرين كانوا يحملون أسلحة نارية في بعض المظاهرات، وأن الأغلبية العظمى من المتظاهرين كانوا غير مسلحين، وأن أعمال القتل التي وقعت كانت غير متناسبة إلى حد بعيد، وقد أسفرت عن مقتل عدد يرجح أنه يزيد عن الألف متظاهر. كما توصلت أبحاثنا لعدم محاسبة رجل شرطة أو جيش واحد على خلفية هذه الأحداث.

      فيما يخص فض اعتصام رابعة تحديداً، تُظهر بحوثنا أن قوات الأمن لم تحذر المتظاهرين على النحو الكافي قبل بدء أعمال الفض ولم توفر القدر الكافي من “المخرج الآمن” حتى نهاية اليوم، بما في ذلك الخروج الآمن للمتظاهرين المصابين الذين كانوا بحاجة إلى الرعاية الطبية العاجلة. كما توصلنا لقيام الشرطة بإشعال النار في أغراض وأبنية مؤقتة بالميدان، بما في ذلك المستشفيات الميدانية ومركز رابعة الطبي، وقيامها بضرب واحتجاز المئات. تشير الكثير من التصريحات الحكومية إلى أن الحكومة المؤقتة مضت قدماً في خطة فض الاعتصام، التي التزمت بها قوات الأمن يوم 14 أغسطس، وهي تعرف مقدماً أن الخطة قد تؤدي إلى مقتل آلاف المتظاهرين.

      إننا نحضّر حالياً لتقرير يستعرض هذه النتائج، وهو مماثل للتقرير الصادر عن المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي صدر في شهر مارس, و هو التقرير الذي نعتزم إصداره في القاهرة.

       

      إننا نكتب إلى سيادتكم للسؤال عن حالة جميع التحقيقات التي تجريها النيابة العامة في هذه الأحداث. من المهم للغاية لنا أن نحصل من سيادتكم على أكبر قدر من المعلومات والأدلة التي قد تتوفر لدى النيابة العامة  عن التحقيقات التي أجريت، حتى نراجع ما لدينا من نتائج أولية على ضوء هذه المعلومات والأدلة بالقدر الضروري ولضمان أن يكون تقريرنا النهائي عند صدوره شاملاً ودقيقاً ومنصفاً لأقصى حد. من المهم الإشارة لأنه في الحالات التي أمدتنا فيها المصادر الحكومية بمثل هذه المعلومات الهامة، في حالات أخرى، خرجت تقاريرنا النهائية في واقع الأمر بنتائج مفادها اضطلاع السلطات بتحقيقات ذات مصداقية.

      نقدر لسيادتكم كثيراً مساعدتنا في الحصول على المعلومات الآتية:

      • سجل كامل بجميع المتظاهرين الذين تم القبض عليهم أثناء أحداث دار الحرس الجمهوري في 5 و8 يوليو، ومصادمات المنصة بتاريخ 27 يوليو، وفض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس ومصادمات ميدان رمسيس في 16 أغسطس، وأماكن احتجازهم والتهم المنسوبة إليهم وأية أدلة تشير لاستخدام المتظاهرين للذخيرة الحية أثناء تلك المصادمات.
      • هل قامت النيابة العامة بفتح تحقيق رسمي في أحداث إطلاق النار عند دار الحرس الجمهوري يومي 5 و8 يوليو، ومصادمات المنصة بتاريخ 27 يوليو، وفض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس ومصادمات ميدان رمسيس في 16 أغسطس؟ ما عدد البلاغات المقدمة بشأن الوقائع المذكورة؟
      • ما عدد مسؤولي وزارتي الداخلية والدفاع الذين تم استدعاءهم للاستجواب بشأن استخدام القوة ضد المتظاهرين؟ ماذا كانت بؤرة تركيز التحقيقات؟ هل تم نسب اتهامات إلى أي مسؤول؟ ما عدد شهود العيان الذين تم تسجيل شهاداتهم؟ كم من بين شهود العيان كانوا من المتظاهرين؟ ما الإجراءات المتخذة لضمان حماية الشهود؟
      • هل استكشفت التحقيقات مسؤولية المسؤولين داخل سلسلة القيادة؟
      • إلى أي مدى تعاونت وزارة الداخلية ووزارة الدفاع مع التحقيقات؟
      • هل تقدمتم رسمياً بطلب وثائق من وزارتي الداخلية والدفاع متعلقة باستخدام القوة ضد المتظاهرين؟ بما في ذلك خطة وزارة الدفاع بفض رابعة والنهضة ومقاطع الفيديو التي سجلتها وزارة الداخلية ووزارة الدفاع يوم فض رابعة والنهضة؟
      • ما الخطوات التي تم اتخاذها لحماية سلامة الأدلة المادية؟
      • هل راجعت النيابة العامة التقرير الذي أعده المجلس القومي لحقوق الإنسان؟ ما شكل تعاون النيابة العامة مع لجنة تقصي حقائق 30 يونيو الرسمية؟

      كما نرحب بفرصة الحديث إلى سيادتكم أكثر عن هذه التحقيقات، وعن توثيقنا لهذه الأحداث.

      معلومات الاتصال الخاصة بي تتوفر أدناه تحت التوقيع.

      شكراً لكم مقدماً سيادة النائب العام على اهتمامكم بهذا الشأن.

      مع وافر التقدير والاحترام،

      سارة ليا ويتسن

      المديرة التنفيذية

      قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

      هيومن رايتس ووتش

      ملحق رسالة تابعة إلى وزير الخارجية سامح شكري

      82014

      سيادة وزير الخارجية سامح شكري،

      وزارة الخارجية

      العنوان: وزارة الخارجية، ماسبيرو ش كورنيش النيل بجوار مبنى الاذاعة و التليفزيون

      القاهرة

      مصر

      سيادة الوزير سامح شكري،

      أكتب إلى سيادتكم متابعة لرسالة أرسلناها إلى وزارة الخارجية بتاريخ 12 يونيو وكانت موجهة إلى السيد وزير الخارجية السابق نبيل فهمي، طلبنا فيها مساعدة الوزارة في التواصل مع الجهات المعنية في الحكومة المصرية، في إطار بحوثنا الجارية بشأن مصادمات الصيف الماضي بين قوات الأمن ومتظاهرين في مصر، بما في ذلك فض اعتصامي رابعة والنهضة بتاريخ 14 أغسطس.

      ما زال لم يصلنا رد مكتب سيادتكم أو ردود الوزارات الأخرى، ومن ثم فإننا نسعى للاتصال بسيادتكم مرة أخرى، إذ أن من المهم للغاية لنا أن نفهم وجهة نظر الحكومة في القضايا التي تتناولها بحوثنا. ولقد كتبنا مرة أخرى هذا الأسبوع إلى كل من الوزارات الأخرى، مجددين طلباتنا بالمعلومات.

      مرفق طيّه الرسالة المرسلة إلى وزارة الخارجية بتاريخ 12 يونيو، وكذلك الرسائل المرسلة في 12 يونيو إلى كل من، سيادة اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية، وسيادة الفريق صدقي صبحي وزير الدفاع، وسيادة المستشار هشام بركات النائب العام. نقدر لسيادتكم كثيراً مساعدتنا في تيسير الحصول على ردود على رسائلنا و/أو مقابلات شخصية مع المسؤولين المعنيين لمناقشة التقرير.

      نعتزم إصدار التقرير بالقاهرة الشهر القادم ونطمح في عقد اجتماعات مع سيادتكم ومع السادة المسؤولين الآخرين في القاهرة. برجاء إعلامنا بمواعيد سيادتكم المتاحة وكيف تقترحون التحضير للاجتماعات الأخرى إن أمكن.

      شكراً لكم سيادة الوزير على الاهتمام بهذا الشأن. برجاء ألا تترددوا في الاتصال بي إذا عنّ لسيادتكم مناقشة هذا الأمر.

       

      مع خالص التقدير والاحترام،

      سارة ليا ويتسن

      المديرة التنفيذية

      قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

      هيومن رايتس ووتش

      ملحق VIرسالةتابعة إلىوزير الداخلي محمد إبراهيم

      82014

      وزارة الداخلية

      العنوان: شارع الشيخ ريحان، القاهرة وزارة الداخلية الرمز البريدي 11641

      سيادة الوزير محمد إبراهيم،

      أكتب إلى سيادتكم متابعة لرسالة أرسلناها إلى وزارة الداخلية بتاريخ 12 يونيو طلبنا فيها مساعدتكم في إطار بحوثنا الجارية بشأن مصادمات الصيف الماضي بين قوات الأمن ومتظاهرين في مصر، بما في ذلك فض اعتصامي رابعة والنهضة بتاريخ 14 أغسطس.

      ما زال لم يصلنا رد الوزارة، ومن ثم فإننا نسعى للاتصال بسيادتكم مرة أخرى، إذ أن من المهم للغاية لنا أن نفهم وجهة نظر وزارة الداخلية في القضايا التي تتناولها بحوثنا. مرفق طيّه الرسالة المرسلة إلى مكتب سيادتكم بتاريخ 12 يونيو، ونقدر لسيادتكم كثيراً إمدادنا بردود على المعلومات المطلوبة برسالتنا الأولى وإتاحة الفرصة لاجتماع مع سيادتكم لمناقشة هذه القضايا.

      نعتزم إصدار التقرير بالقاهرة الشهر القادم ونطمح في عقد اجتماع مع سيادتكم في الموعد المناسب لكم.

      شكراً لكم سيادة الوزير على الاهتمام بهذا الشأن. برجاء ألا تترددوا في الاتصال بي إذا عنّ لسيادتكم مناقشة هذا الأمر.

      مع خالص التقدير والاحترام،

      سارة ليا ويتسن

      المديرة التنفيذية

      قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

      هيومن رايتس ووتش

      ملحق VII رسالةتابعة إلى وزير الدفاعصدقي صبحي

      82014

      وزارة الدفاع

      العنوان: شارع 23 يوليو – كوبرى القبة

      القاهرة

      سيادة الوزير صدقي صبحي،

       

      أكتب إلى سيادتكم متابعة لرسالة أرسلناها إلى وزارة الدفاع بتاريخ 12 يونيو طلبنا فيها مساعدتكم في إطار بحوثنا الجارية بشأن مصادمات الصيف الماضي بين قوات الأمن ومتظاهرين في مصر، بما في ذلك فض اعتصامي رابعة والنهضة بتاريخ 14 أغسطس.

      ما زال لم يصلنا رد الوزارة، ومن ثم فإننا نسعى للاتصال بسيادتكم مرة أخرى، إذ أن من المهم للغاية لنا أن نفهم وجهة نظر القوات المسلحة في القضايا التي تتناولها بحوثنا. مرفق طيّه الرسالة المرسلة إلى مكتب سيادتكم بتاريخ 12 يونيو، ونقدر لسيادتكم كثيراً إمدادنا بردود على المعلومات المطلوبة برسالتنا الأولى وإتاحة الفرصة لاجتماع مع سيادتكم لمناقشة هذه القضايا.

      نعتزم إصدار التقرير بالقاهرة الشهر القادم ونطمح في عقد اجتماع مع سيادتكم في الموعد المناسب لكم.

      شكراً لكم سيادة الوزير على الاهتمام بهذا الشأن. برجاء ألا تترددوا في الاتصال بي إذا عنّ لسيادتكم مناقشة هذا الأمر.

      مع خالص التقدير والاحترام،

      سارة ليا ويتسن

      المديرة التنفيذية

      قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هيومن رايتس ووتش

      VIIIرسالةتابعة إلى النائب العام هشام بركات

      82014

      مكتبالنائب العامالعنوان دار القضاء العالى – شارع 26 يوليو – ميدان الاسعاف – القاهرة

      سيادة المستشار هشام بركات،

      أكتب إلى سيادتكم متابعة لرسالة أرسلناها إلى النيابة العامة بتاريخ 12 يونيو طلبنا فيها مساعدتكم في إطار بحوثنا الجارية بشأن مصادمات الصيف الماضي بين قوات الأمن ومتظاهرين في مصر، بما في ذلك فض اعتصامي رابعة والنهضة بتاريخ 14 أغسطس.

      ما زال لم يصلنا رد سيادتكم، ومن ثم فإننا نسعى للاتصال بسيادتكم مرة أخرى، إذ أن من المهم للغاية لنا أن نفهم حالة التحقيقات في استخدام القوة غير القانونية، المُحتمل، من قبل قوات من الجيش والشرطة بحق المتظاهرين، منذ 30 يونيو 2013. مرفق طيّه الرسالة المرسلة إلى مكتب سيادتكم بتاريخ 12 يونيو، ونقدر لسيادتكم كثيراً إمدادنا بالمعلومات المطلوبة بالرسالة الأولى وإتاحة الفرصة لاجتماع مع سيادتكم لمناقشة هذه القضايا.

      نعتزم إصدار التقرير بالقاهرة الشهر القادم ونطمح في عقد اجتماع مع سيادتكم في الموعد المناسب لكم.

      شكراً لكم سيادة النائب العام على الاهتمام بهذا الشأن. برجاء ألا تترددوا في الاتصال بي إذا عنّ لسيادتكم مناقشة هذا الأمر.

      مع خالص التقدير والاحترام،

      سارة ليا ويتسن

      المديرة التنفيذية

      قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هيومن رايتس ووتش

 

Check out our other content

Check out other tags:

Most Popular Articles