✍🏾 كارلوس سابير
تواجه الحكومة البرجوازية في دولة جورجيا أزمة فيما يتعلق بالشرعية، ففي خضم الصراع المستعر بين القوى الإمبريالية، أفضت نتائج الانتخابات البرلمانية إلى إدانة السياسيين المؤيدين للاتحاد الأوروبي، ومسؤولي الانتخابات، للعملية الانتخابية برمتها، باعتبارها مزورة. وقد اندلعت احتجاجات حاشدة، وأضربت المنظمات الطلابية، حتى أن بعض الجامعات، ومؤسسات المجتمع المدني، سحبت دعمها للحكومة الجديدة. وفي الوقت الذي يعد فيه انضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي، على الأرجح، المزيد من إخضاع الحياة الاقتصادية والسياسية في جورجيا لأهواء البرجوازية في هذا الاتحاد، إلا أن آفاق العمال الجورجيين تحت حكم الحلم الجورجي ليست أفضل كثيرا، ومن حقهم التمرد ضد نظام رأسمالي فرض التقشف، وعامل الجماعات البيئية المجتمعية على أنها جماعات إرهابية محلية.
ما الذي حدث خلال الانتخابات؟
النتائج الرسمية للانتخابات، التي نشرتها لجنة الانتخابات المركزية في أواخر شهر تشرين الأول الماضي، منحت حزب الحلم الجورجي الحاكم 54.8٪ من الأصوات، مع تقسيم بقيتها بين تحالفات مختلفة من الأحزاب المؤيدة للاتحاد الأوروبي، والتي تشكل المعارضة. هذه النتائج أفضت إلى انخفاض طفيف في حصة الحكومة، لكنها لا تزال أغلبية حاكمة في البرلمان. وقد زعم سياسيون معارضون، بمن فيهم الرئيسة الحالية سالومي زورابشفيلي، أن هذه النتائج مزورة، مستشهدين بتقارير من مراقبي الانتخابات الأوروبيين، أثبتت بالأدلة التلاعب في بطاقات الاقتراع، واللجوء إلى ترهيب الناخبين. وقد رفضت المحكمة الدستورية في تبليسي الدعاوى القضائية التي تطعن في النتائج، باعتبارها لا أساس لها، وقامت لجنة الانتخابات المركزية بالتصديق رسميا على النتائج في 19 تشرين الثاني. ومع ذلك، ندد عضو في أحد أحزاب المعارضة بلجنة الانتخابات المركزية، وسكب طلاء أسودا على رئيس اللجنة.
خلال هذه الصيرورة، اندلعت هناك مظاهرات واسعة دعت إليها كل من أحزاب المعارضة والمنظمات الشعبية. وقد خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع، كما تم تنظيم إضرابات في الجامعات، وتمت مواجهة المتظاهرين بقمع عنيف من قبل الشرطة. وقد انفجر هذا الوضع المتوتر بعد سلسلة من الأحداث في 28 تشرين الثاني، وفي نفس اليوم، عقد رئيس الوزراء إيراكلي كوباخيدزه جلسة حكومته الجديدة، فيما وافق الاتحاد الأوروبي على قرار للمطالبة بالتحقيق في الانتخابات الجورجية، لذا أعلن كوباخيدزه من جانب واحد تجميد محادثات انضمام جورجيا إلى الاتحاد الأوروبي حتى عام 2028، مع حظر تمويل الاتحاد الأوروبي، متهما إياه بابتزاز جورجيا. ورغم أن المعارضة الجورجية اتهمت منذ فترة طويلة حزب الحلم الجورجي بمعارضة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أنها المرة الأولى التي يتخذ فيها الحزب مثل هذا الموقف المناهض للاتحاد الأوروبي بشكل صريح، بعد أن كان قد دعم رسميا التكامل مع الاتحاد الأوروبي لأكثر من عقد من الزمن.
ردا على هذه القرارات، هزت موجة جديدة من الاحتجاجات والإضرابات والاستقالات جورجيا. وامتدت الإضرابات إلى المدارس الابتدائية، وأغلقت العديد من الجامعات أبوابها، واستقال مئات الموظفين والمسؤولين الحكوميين. وفي الوقت نفسه، أصبح رد فعل الشرطة أكثر عنفا، إذ تم اعتقال 224 شخصا، بينما أطلق المتظاهرون العزل الألعاب النارية في مواجهة الغاز المسيل للدموع، وشرطة مكافحة الشغب.
ماذا حدث للحلم الجورجي؟
في يوم من الأيام (وتحديدا عام 2012)، كان حزب الحلم الجورجي هو الذي يدعو إلى الاحتجاجات في الشوارع ويطالب بالديمقراطية. في ذلك الوقت، كان حزب الحلم الجورجي تابعا لحزب الاشتراكيين الأوروبيين المؤيد للاتحاد الأوروبي، إلى جانب الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني، وحزب العمال البريطاني، وكان ينتقد فساد وتبعية رئيس الوزراء ميخائيل ساكاشفيلي، المنتمي إلى الحركة الوطنية الموحدة، التي تقود المعارضة الآن. وبإيماءات غامضة نحو الإصلاح، وعد الحزب بالتكامل مع الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي، والوفاق السلمي مع روسيا، واقتصاد السوق المخصخص إلى حد كبير.
كما لاحظنا أنه في شهر حزيران من هذا العام، جاء التحول السياسي لحزب الحلم الجورجي، جزئيا، استجابة للتنافس الإمبريالي المتجدد في أعقاب جائحة كوفيد -19، وغزو روسيا لأوكرانيا، ما دفع القوى الإمبريالية – وخاصة الصين والاتحاد الأوروبي – إلى محاولة تأمين طرق تجارية جديدة بين الشرق والغرب عبر القوقاز. وفي ظل هذه الظروف، ابتعد الحزب عن السعي إلى التكامل الأوروبي، وسعى إلى الحصول على المزيد من الدعم الصيني والروسي. وطوال هذه الصيرورة، ظل الحزب تحت سيطرة مؤسسه، بيدزينا إيفانشفيلي، الملياردير الذي يمتلك بشكل مباشر جزءا كبيرا من اقتصاد البلاد. كما كان التحول مصحوبا بتحول رجعي باتجاه القمع: فبعد النجاحات الانتخابية التي حققتها شخصيات اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء، ربط الحزب عربته بخيول المحافظة الاجتماعية ورهاب المثلية؛ ولم يعد الديمقراطيون والمصلحون المحتملون موضع ترحيب في الحزب.
إن العنصر الوحيد الثابت في النهج السياسي الذي تتبناه حكومة جورجيا الديمقراطية هو دفاعها عن المصالح الرأسمالية، وخاصة تلك التي تتفق مع إيفانشفيلي. وسواء اتجهت نحو الاتحاد الأوروبي أو روسيا، أو حاولت ببساطة تعزيز قبضتها على المجتمع، فإنها ستفعل ذلك من خلال التخلي عن العمال الجورجيين، والتضحية بالمضطهدين.
الوضع في أبخازيا
في الوقت الذي اجتاحت فيه الاضطرابات جورجيا طوال شهر تشرين الثاني، اندلعت أيضا احتجاجات مناهضة للحكومة في أبخازيا، احتجاجا على السياسات الموالية لروسيا، والتي وافق عليها رئيس المنطقة المنشقة أصلان بجانيا. وتم إجبار بجانيا على الاستقالة بسبب احتجاجات المعارضة، التي استولت على الجسور، والمباني الحكومية، وقادت شاحنة عبر بوابات القصر الرئاسي. وفي حين لم يطالب المحتجون أبخازيا بقطع العلاقات مع روسيا (التي لديها قواعد عسكرية على الأراضي الأبخازية، وهي رابطها الاقتصادي الرئيسي بالعالم الخارجي)، أو إعادة الاندماج مع جورجيا، فقد شجبوا اعتماد اتفاقيات من شأنها أن تمهد الطريق أمام الروس الأثرياء لشراء العقارات.
الهيمنة الروسية على أبخازيا (وأوسيتيا الجنوبية)، إلى جانب السخط الشعبي عليها، لهما أهمية خاصة في سياق يبدو فيه أن حكومة الحلم الجورجي تحاول الوصول إلى شكل من أشكال التقارب وإعادة التكامل مع حكومات المناطق المنفصلة، تحت رعاية روسيا. ومن المتوقع أن يشارك ممثلو أبخازيا في الانتخابات الرسمية لرئيس جورجيا في كانون الأول، كجزء من هيئة انتخابية تتكون إلى حد كبير من أعضاء البرلمان، وممثلين آخرين للأقاليم. وستحاول الحكومات البرجوازية في جورجيا ومناطقها المنفصلة المساومة على إخضاعها لقوة إمبريالية أو أخرى؛ ولا يمكن توقع أي حكم ذاتي أو حرية طالما أن جورجيا ومناطقها تقودها أحزاب برجوازية تحاول شق طريقها إلى أحضان الإمبريالية.
الاتحاد الأوروبي لا يدافع عن الديمقراطية وروسيا لا توفر الأمن
تصرفات الاتحاد الأوروبي لم تساعد فيما يتعلق بقضية الديمقراطية في جورجيا، بل إنها أعادت الوضع إلى الوراء عبر إخضاع مسألة الديمقراطية في جورجيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وسوف يعني التكامل مع الاتحاد الأوروبي زيادة هيمنة الحكام الإمبرياليين غير المسؤولين على الحياة السياسية والاقتصادية في جورجيا، كما حدث مع اليونان والبرتغال، وغيرهما من الاقتصادات الصغيرة في منطقة اليورو. ولا يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يتظاهر بأنه مراقب محايد في السياسة العالمية. ولكن رده على الرفض التام لدعوات المساءلة والشفافية من جانب الحكومة الجورجية يشكل اعترافا بالذنب؛ ومن الواضح أن الجورجيين يعيشون بالفعل في ظل نظام سياسي لا صوت لهم فيه، وحيث تتخذ القرارات من قِبَل تكنوقراطيين غير مسؤولين.
الوضع في جورجيا يعد أزمة سياسية حادة بالنسبة للطبقة الحاكمة: فالفصيل المؤيد للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من البرجوازية يفضل المخاطرة بأزمة دستورية، وانقطاع الاقتصاد الرأسمالي، والتدخل الأجنبي المحتمل على السماح للفصيل المنافس الموالي لروسيا والصين بتعزيز سلطته. كما قرر هذا الفصيل أنه يفضل المخاطرة بنفس الأزمة على تخفيف قبضته على السلطة السياسية. وفي مثل هذا الوضع، لا يمكن للنقابات العمالية، والحركات الاجتماعية، والاشتراكيين أن يجلسوا على الهامش، ويتركوا الرأسماليين يقررون مصير البلاد. إن كل من يقف إلى جانب الديمقراطية الحقيقية، وقوة الطبقة العاملة، والتحرر يحتاج إلى دعم الاحتجاجات الجماهيرية، والتعبير عن الشعارات التي تطالب ليس فقط بالمساءلة الديمقراطية، بل أيضا بالاستقلال الدولي، والإغاثة الاقتصادية للجماهير.
مثل هذه الحراكات ليست غريبة في جورجيا، فقد تحدت الاحتجاجات الأخيرة الدمار الذي أحدثته شركة مانجنيز الجورجية المملوكة للولايات المتحدة، واحتشد الآلاف في عام 2021 لوقف بناء محطة نماخفاني للطاقة الكهرومائية المدعومة من النرويج وتركيا، والتي كانت ستتسبب في ظروف بيئية مدمرة، وتبيع الطاقة بمعدلات مهينة. كما ناضل العمال المضربون من أجل كرامتهم ضد الشركات الأوروبية، بينما يناضل منظمو مناهضة الإخلاء ضد بنك جورجيا المملوك للمملكة المتحدة. إن حشد وتنظيم مثل هذه القوى في نضال موحد من أجل الديمقراطية، وضد التقشف يوفر أفضل فرصة لتحدي الوضع الراهن في جورجيا منذ أكثر من عقد من الزمان. لقد اختلف الرأسماليون مع بعضهم البعض، ودعوا إلى التشكيك في شرعية النظام القائم؛ والآن هو الوقت المناسب للإضراب.
ترجمة تامر خرمه
مراجعة فيكتوريوس بيان شمس