الخميس ديسمبر 19, 2024
الخميس, ديسمبر 19, 2024

الثورة السورية تسقط الدكتاتورية بعد 13 عاما من النضال

سورياالثورة السورية تسقط الدكتاتورية بعد 13 عاما من النضال

✍🏾 فابيو بوسكو

في 8 كانون الأول (ديسمبر)، أُعلن عن فرار الدكتاتور بشار الأسد وعائلته إلى موسكو. وقد تم الاحتفال بسقوط الدكتاتورية في جميع أنحاء البلاد، ومن قبل مجتمعات اللاجئين السوريين في جميع أنحاء العالم. كما احتفل العديد من الفلسطينيين في غزة والقدس بسقوط الديكتاتور، واحتفل السكان اللبنانيون في مدينة طرابلس، ثاني أكبر مدينة في لبنان. لقد أظهرت الثورة السورية أن الأنظمة الاستبدادية ليست أبدية ويجب على الطبقة العاملة أن تناضل من أجل الإطاحة بها.
استمرت دكتاتورية الأسد 54 عاماً معتمدة على القمع والتعذيب وقتل أي معارض. لقد قتل هذا النظام المكروه أكثر من نصف مليون سوري منذ بداية الثورة قبل 13 عاماً.
وفي السنوات الأخيرة، انزلقت البلاد إلى كساد اقتصادي أودى بـ 90٪ من السكان إلى الفقر، مع تعرّضهم لمضايقات مستمرة ومهينة من الميليشيات المرتبطة بالنظام والميليشيات المتحالفة مع النظام الإيراني.
أدى هذا المزيج من القمع الوحشي والبؤس إلى تقويض الأسس الاجتماعية للنظام بين سكان الديانات المسيحية والعلوية والدرزية، الذين يطلق عليهم “الأقليات”. غالبية السكان السوريين هم من السنة، وكانوا ضد النظام منذ بداية الثورة في عام 2011.
أشعل الهجوم الذي شنته الجماعات المتمردة بقيادة هيئة تحرير الشام في حلب شرارة الانتفاضة الشعبية وأدى إلى الإطاحة بالديكتاتورية السورية. وينظر إلى هذا الانتصار بتعاطف من قبل العمال في جميع أنحاء العالم العربي الذين يعيشون أيضاً في ظل أنظمة استبدادية.

هجوم عسكري وسط انتفاضة شعبية

وتشير تقديرات إلى أن المتمردين بدأوا الهجوم بنحو 20 ألف مقاتل من إدلب شمال البلاد، معظمهم من الشباب الذين نزحت عائلاتهم بسبب جرائم نظام الأسد على مدى السنوات الـ 13 الماضية. كان من مصلحة هذه الأغلبية اللاجئة العودة إلى ديارها، بعيداً عن الإيديولوجيات الطائفية.
عند الاستيلاء على كل مدينة، فتح المتمردون المعتقلات وأطلقوا سراح الآلاف من المعتقلين السياسيين، ولم يسمحوا بأي انتقام ضد الأقليات (المسيحيين والعلويين والدروز والأكراد)، وسعوا إلى إعادة إمدادات الخبز والكهرباء، وخلق نوع من أنواع الحياة. بهذه الطريقة اكتسبوا الكثير من الشعبية والمؤيدين الجدد، مما عزز الشعور بضرورة الحفاظ على العلاقات والمصالح الشعبية.
وفي جنوب البلاد، كان هناك تطور مختلف، ففي غياب مجموعة منظمة ومسلحة، أحيا السكان تجارب التنظيم الذاتي، وسيطروا على مراكز الشرطة والحواجز وساروا نحو دمشق، وحرروا درعا والسويداء والقنيطرة حتى وصلوا إلى داريا جنوب العاصمة.
وإلى الشرق، سيطرت ميليشيات سورية متحالفة مع النظام الأردني على مدينة تدمر بعد فرار قوات النظام. في جميع أنحاء البلاد، استبدل جنود النظام زيهم الرسمي بملابس مدنية، كي لا يتعرف ضحاياهم عليهم.
هذا المزيج من الميليشيات، بالإضافة إلى الانتفاضة الشعبية، وعناصر التنظيم الذاتي، فرض سلسلة من الحريات الديمقراطية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وعودة اللاجئين، وضمانات لمجتمعات الأقليات، وهي إنجازات مهمة تُصعّب نجاح البونابرتية. لكن كل إنجاز ديمقراطي مهدد دائماً بالانتكاسة داخل النظام الرأسمالي، خاصة وأن المجموعة المتمردة الرئيسية هي هيئة تحرير الشام، والتي، بالإضافة إلى الدفاع عن النموذج الاقتصادي لرأسمالية السوق، لديها تقليد استبدادي.

القوى الإقليمية والدولية مع الأسد

بعد سقوط الأسد، أصدرت عدة دول تصريحات تنتقد نظامه، مع أنها لم تكن راغبة بهزيمته أو إسقاطه.
منذ بداية الهجوم على حلب، من واشنطن إلى موسكو، لم تكن أي دولة إمبريالية ترغب في سقوط الأسد. ضغطت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الجامعة العربية على النظام السوري للنأي بنفسه عن إيران، واعتبروا بقاء الأسد ضمانة ضد أي ثورة شعبية يمكن أن تزعزع المصالح الأمريكية والأنظمة في المنطقة.
كما فضلت “إسرائيل” بقاء الأسد، على رأس حكومة ضعيفة لم تطلق رصاصة واحدة عليها، وكانت تنأى بنفسها عن النظام الإيراني بسبب ضغوط من الجامعة العربية. ولهذا السبب قامت “إسرائيل” بنقل قواتها إلى الحدود مع سوريا، وبعد سقوط الأسد، قصفت مستودعات الذخيرة السورية ومراكز المخابرات لمنع النظام الجديد من الوصول إلى هذه الأسلحة والوثائق والمعلومات.
ثلاث دول فقط ربما قدمت دعماً للهجوم. أعطى النظام التركي الضوء الأخضر لبدء الهجوم، الذي كان يأمل أن يشمل فقط بعض المناطق الريفية في حلب. وقد حافظت قطر دائماً على بعض الدعم المادي، بينما نقل النظام الأوكراني المعرفة الفنية لتصنيع طائرات بدون طيار منخفضة التكلفة، وفقاً لتقارير صحفية أوكرانية.

المصالحة بين النظام السابق وقوات المعارضة

لقد كان واضحاً من تقدم المتمردين والانتفاضات الشعبية أن نهاية نظام الأسد أصبحت قريبة جداً.
وهكذا، اجتمع في الدوحة بقطر ممثلون عن النظام الروسي والإيراني والتركي في السابع من الشهر الجاري وقرروا “وقف الأعمال العدائية” و”الحوار بين الحكومة والمعارضة الشرعية”.
عملياً، تم تنفيذ هذه السياسة من خلال هروب الدكتاتور الأسد إلى المنفى في روسيا، والإبقاء على رئيس الوزراء الأسدي محمد الجلالي مكلفاً بتوجيه الجنود إلى نهاية “الأعمال العدائية”، والحفاظ على سير عمل جهاز الدولة.

وأوضح رئيس الائتلاف الوطني السوري هادي البحرة ، أنه تم التفاوض على انتقال سلمي مع تشكيل حكومة انتقالية لصياغة دستور جديد والدعوة إلى انتخابات حرة خلال 18 شهراً.
كما تحدث البحرة عن وحدة وطنية تشمل كافة الشرائح والأعراق. وفيما يتعلق بالأكراد في قوات سوريا الديمقراطية، ذكر البحرة أنه يتعين عليهم الانفصال عن حزب العمال الكردستاني للانضمام إلى “الحوار الوطني”.

الانتقال بلا عدالة وسيادة هو إنكار لأهداف الثورة

ويسعى البحرة من خلال المقترحات التي قدمها إلى الحد من إنجازات الثورة.
إن إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتوفير الحريات الديمقراطية التي تضمن العودة الآمنة للاجئين، وتوفير الضمانات الأمنية لقطاعات الأقليات الدينية (والتي لابد من ضمانها على الساحل حيث تتجه الميليشيات المتمردة) يشكل خطوات مهمة ولكنها غير كافية.
فمن ناحية، تحافظ مقترحات البحرة على مؤسسات النظام القديم، ولا سيما الأجهزة السرية الثمانية عشر المسؤولة عن 54 عاماً من القمع الوحشي. وقد فرّ قادة هذه السجون ومراكز التعذيب والإبادة أمام تقدم الثورة. لكن يجب تفكيك هذه الأجهزة السرية، واعتقال قادتها، وتسليم ملفاتها إلى منظمات حقوق الإنسان وقوى الثورة، للتحقيق في كل جرائم الدكتاتورية.
وبطريقة مثيرة للريبة، استطاع الضباط الكبار الذين ارتكبوا أبشع المجازر بحق الشعب السوري والشعوب اللبنانية والفلسطينية كماهر الأسد وكفاح ملحم وجميل الحسن وغيرهم، أن يختفوا عن الأنظار، في حين لا إشارات جدية حتى اللحظة على نية القيادة الجديدة على ملاحقتهم، باستثناء وعد بإصدار قائمة بأسمائهم، لكن يبدو أن الأوان قد فات.
ومن ناحية أخرى، يشكلون حكومة انتقالية لصياغة دستور جديد، دون أي مشاركة شعبية. وسيكون رئيس وزراء الحكومة الانتقالية هو البشير، أحد أعضاء حكومة هيئة تحرير الشام في إدلب. وينبغي تشكيل حكومة انتقالية من قوى الثورة حصراً، لتدعو خلال فترة قصيرة إلى إجراء انتخابات حرة لتشكيل جمعية تأسيسية حرة ذات سيادة، وتسليم السلطة إليها.
ولم يُقال أي شيء عن الانسحاب الفوري لجميع القوات العسكرية الأجنبية (900 مستشار ومقاول عسكري أمريكي في شمال شرق البلاد، والقواعد العسكرية الروسية على الساحل، والقوات التركية على الحدود الشمالية، والقوات الإسرائيلية في هضبة الجولان).
ولم يُقال شيء عن أصحاب الملايين، مثل رامي مخلوف، الذي أصبح ثرياً بفضل القمع الوحشي الذي تعرض له الشعب السوري. ومن الضروري تأميم أصول حديثي الثراء هؤلاء ووضع الأموال التي نهبوها في خدمة إعادة بناء البلاد.
لقد قال هادي البحرة بوضوح، إن الشعب الكردي ليس له الحق في تقرير المصير، لأنه لكي يشارك في الحوار الوطني عليه أن يقطع علاقاته مع حزب العمال الكردستاني الذي ينشط في مناطق جنوب شرق تركيا. والأسوأ من ذلك هو أن قوات “الجيش الوطني السوري” (الجيش الوطني المتحالف مع النظام التركي) تقدم نحو منبج في إشارة إلى نيته تنفيذ تقدم جديد نحو الرقة، مما سيؤدي إلى محاصرة السكان الأكراد في “روج آفا”.

القضية الفلسطينية

إن مكافحة الإبادة الجماعية في غزة والضفة الغربية تحتل مركز الاهتمام العالمي. قدمت هيئة تحرير الشام الدعم السياسي لحركة المقاومة الفلسطينية التي قادتها حماس في 7 أكتوبر 2023.
نظم السوريون عدة مظاهرات تضامناً مع الفلسطينيين في محافظة إدلب المتمردة التي تحكمها هيئة تحرير الشام. وفي أجزاء أخرى من سوريا لم تكن هناك مظاهرات لأنها كانت محظورة من قبل الديكتاتورية الأسدية.
أصدرت حماس مذكرة رسمية ترحب فيها بالنظام السوري الجديد. بين عامي 2011 و2014، دعمت حماس الثورة السورية، ولهذا السبب اضطرت إلى نقل مكتبها المركزي من دمشق إلى الدوحة.
في الأثناء تقدم الكيان الصهيوني بشكل أكبر في الأراضي السورية، بالإضافة إلى قيامه بقصف مستودعات الأسلحة ومقرات المخابرات لإضعاف الحكومة الجديدة.
وحتى الآن، لم يعرب الجولاني أو البحرة عن دعمهم للفلسطينيين لإنهاء الإبادة الجماعية في غزة والضفة الغربية، ولم يتخذوا أي إجراء ضد القصف والغزوات الإسرائيلية، مكررين سلوك بشار الأسد.
من الضروري أن تعلن الحكومة الانتقالية الجديدة دعمها غير المشروط للمقاومة الفلسطينية، وأن تتخذ كافة الإجراءات الممكنة لمنع التقدم الصهيوني.

نحن بحاجة إلى حزب ثوري

منذ بداية الثورة السورية عام 2011، وقف الحزب الشيوعي السوري (سواء الجناح الذي يتزعمه خالد بكداش، أو الجناح الذي يتزعمه يوسف الفيصل، أو حتى حزب الإرادة الشعبية بقيادة قدري جميل) دائماً إلى جانب الدكتاتورية السورية، ليحصل على المناصب الوزارية في الحكومة، وللتشهير بقوى الثورة.
في تاريخ سوريا، كانت هناك جهود مهمة لتشكيل أحزاب ماركسية ثورية حقيقية مثل حزب العمل الشيوعي (الذي كان له جناح تروتسكي قوي بقيادة الثوري منيف ملحم، الذي اعتُقل في ظروف مزرية لمدة 16 عاماً في معتقل تدمر، من عام 1981 إلى عام 1997). وكذلك الثائر الفلسطيني سلامة كيلة (الذي سجنه وعذبه الدكتاتورية السورية لمدة ثماني سنوات في معتقل تدمر الصحراوي سيء الصيت) والذي ساهم في تأسيس “ائتلاف اليسار السوري” مع بداية الثورة عام 2011، لكن هذه التنظيمات لم تتمكن من الصمود أمام قمع النظام الدكتاتوري.
ولم تصدر الأجنحة المختلفة للحزب الشيوعي السوري أي موقف رسمي بشأن نهاية الدكتاتورية التي طالما دعمتها.
في الآن ذاته، أدان الأمين العام للحزب الشيوعي التركي (TKP) الثورات العربية معتبراً أنها جزء من مخطط إمبريالي، ودافع عن دكتاتورية الأسد لأنها قادت المقاومة ضد هذه الخطط وكذلك ضد الخطر الجهادي، جنبا إلى جنب مع روسيا وإيران.
وتدافع هذه القطاعات اليسارية، وخاصة تلك ذات الأصول الستالينية، عن نظام الأسد، بنفس الطريقة التي تدافع بها عن الأنظمة الرأسمالية الديكتاتورية الأخرى مثل الأنظمة الصينية والروسية والإيرانية والكوبية والفنزويلية. ومن الناحية العملية، تستبدل هذه القطاعات المنظور الاشتراكي للصراع الطبقي بمنظور المعسكرات الإمبريالية التقدمية، الذي لا علاقة له بالماركسية أو الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة.
يبدأ الموقف الثوري بالاعتراف بانتصار الجماهير الذي يمثله سقوط الدكتاتورية. لكن هذا لا يمكن أن يكتمل إلا بسياسة الاستقلال الطبقي والنضال من أجل السلطة العمالية والاشتراكية.
إن انتصار الثورة السورية لن يستمر إلا بتشكيل حزب ثوري يرفض التصالح مع النظام القديم، ويشجع على تشكيل المجالس العمالية والشعبية في كافة الأحياء والمدن، ويطالب بالرحيل الفوري لجميع القوات العسكرية الأجنبية. والتي تناضل لتأميم أصول أصحاب الملايين، وتدافع عن حق الأكراد في تقرير مصيرهم، والتضامن غير المشروط مع الشعب الفلسطيني.

ترجمة فيكتوريوس بيان شمس

Check out our other content

Check out other tags:

Most Popular Articles