✍🏾 تامر خرمه
بعد أسبوعٍ من استقباله بالتصفيق الحار، من قبل جلاوزة الكونغرس الأميركي، على الرغم من استمرار حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزّة، قرر رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني، بنيامين نتنياهو، الإقدام على خطوةٍ خبيثةٍ، بهدف الإيحاء بأنّ “إسرائيل” تواجه حرباً إقليميةً للحفاظ على بقائها، وعلى أمل الخروج من مأزقه السياسي المركب، وذلك عبر اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق، الشهيد إسماعيل هنية، في العاصمة الإيرانية طهران يوم 31 يوليو/تموز الماضي.
مرشح الحزب الجمهوري في السباق الانتخابي الرئاسي، دونالد ترامب، الذي سبق وحذّر من احتمال اندلاع حربٍ عالميةٍ ثالثةٍ، وكسادٍ اقتصاديٍ عظيمٍ، محملاً إدارة الحزب الديمقراطي مسؤولية تعقد الأزمات الدولية، عاد إلى إطلاق ذات التحذيرات مجدداً في شهر أغسطس/آب الحالي، ولكن تلك المرّة تخلّى عن إلقاء اللوم على منافسيه، مسلطاً الضوء على تفاقم التوترات في الشرق الأوسط، قائلاً إنّ: “الشرق الأسط قد يأخذ العالم إلى حربٍ عالميةٍ ثالثةٍ”، وأضاف: “ما كان من الممكن أن تتعرض إسرائيل لهجومٍ لو كنت رئيساً”، زاعماً أنّه تعامل بقوّةٍ وحزمٍ مع إيران، و”وكلائها”، في فترته الرئاسية السابقة.
لا يحاول ترامب، الذي وجد ضالته في التصعيدات الإقليمية، الذي لجأ إليه الاحتلال الصهيوني، تخويف العالم من سيناريو الحرب العالمية في حال عدم فوزه بالانتخابات فحسب، لكنه يسعى قبلّ أيّ شيءٍ آخر إلى إقناع اللوبي الصهيوني، اللاعب الأهمّ في المعارك الانتخابية الأميركية، بأنّه مخلص دولة “إسرائيل” الوحيد من محاولات “اجتثاثها”، هذا من جهةٍ. ومن جهةٍ أخرى، يقدّم، عبر تلك التصريحات، ضماناتٍ سياسيةً لصديقه “بيبي”، في ما يتعلق بإنقاذ مستقبله السياسي، وانتشاله من المستنقع الذي أغرقته فيه حربه على قطاع غزّة.
من جهتها، لا ترغب طهران، كما هو واضحٌ، في خوض مواجهةٍ مفتوحةٍ مع دولة الاحتلال، كما أنّ آخر ما تريده هو صدامٌ عسكريٌ مباشرٌ مع الولايات المتّحدة. في هذا السياق، تمكن قراءة تأخر الرد الإيراني، الذي إن جاء سيكون مدروساً بعنايةٍ، وبالتنسيق مع “الأطراف كلّها”، هذا ما تدركه الإدارة الأميركية جيداً، رغم تصريحات متصيدي الفرص في المعارك الانتخابية، وهذا ما كان يدركه أيضاً صناع القرار الإسرائيلي قبل اغتيال الشهيد هنية.
كذلك، هدف التصعيد الإقليمي الإسرائيلي إلى جانب إنقاذ حكومة الاحتلال من مأزقها السياسي إلى توجيه رسالةٍ واضحةٍ ومباشرةٍ لمرشحي الانتخابات الأميركية، ولإدارة البيت الأبيض المقبلة، مفادها: إما إنقاذ “بيبي”، أو الانجرار إلى حربٍ إقليميةٍ واسعةٍ. اختيار التوقيت لم يكن عبثياً، كما ضاق ذرع حلفاء نتنياهو الألداء، في حكومته اليمينية المتطرفة، بالضغوطات الأميركية الخجولة، التي لم تكن تهدف سوى إلى تبييض صورة “إسرائيل” على الساحة الدولية، التي باتت تشهد تضامناً شعبياً واسعاً مع القضية الفلسطينية.
يحاول نتنياهو الصيد في ماء الانتخابات الأميركية، كما حدد مطالبه في الخطاب الذي ألقاه أمام الكونغرس يوم 24 يوليو/تموز الماضي، إذ أكد اعتزام “إسرائيل” فرض السيطرة الأمنية الكاملة على قطاع غزّة، بعد جعله “منزوع السلاح، وخالياً من التطرف”، على أن يكون تحت إدارة الفلسطينيين. أي بعبارةٍ أدق: القضاء التام على المقاومة الفلسطينية، وتعيين وكيلٍ يحمي مصالح الاحتلال، ما يعني عدم اعتبار المقاومة طرفاً يمكن التفاوض معه على الإطلاق، بل “إرهاباً” لا بدّ من سحقه!
باختصارٍ، تحاول حكومة الاحتلال إرغام الإدارة الأميركية، التي ما تزال تقدم لها دعماً كاملاً غير مشروطٍ، على الإمعان في التطرف اليميني الأعمى، حتّى القضاء على أيّ مستقبلٍ لبناء ولو بقعةٍ فلسطينيةٍ صغيرةٍ تمتلك حقّ تقرير المصير. ورغم هذا لا يزال هناك من يراهن على إمكانية “حلّ الدولتين”!
الآراء الواردة لا تعبّر بالضرورة عن آراء ومواقف “الرابطة الأممية للعمال – الأممية الرابعة”