خلال كتابة هذا النص، تسببت حكومة دينا بولوارت والكونغرس بمقتل فيكتور سانتيستيبان ياكساسيلكا (55 عاما) في ليما، وذلك في آخر إجراء قمعي مارسته الشرطة الوطنية. كان فيكتور سانتيستيبان قد أصيب برصاصة في رأسه، ككثيرين غيره ممن أصيبوا في 28 كانون الثاني، لكن جراحه أنهت حياته.
صادر عن حزب العمال الإشتراكي – البيرو
تشهد البيرو تمردا شعبيا مركزه جنوب الأنديز (لاسيما في كوزكو وبونو)، امتد في الأسابيع الأخيرة إلى ليما، عاصمة البلاد.
بعد المذبحة التي وقعت في جولياكا (بونو)، والتي قتلت فيها الشرطة 17 مناضلا، خرج آلاف الأشخاص في مسيرة من المرتفعات الجنوبية إلى ليما للتعبير عن احتجاجهم.
في ظل التمرد المتنامي، دعا الاتحاد العام لعمال البيرو إلى يوم نضالي نظمه في 19 كانون الثاني، وقد كان حافلا وانتهى باشتباكات عنيفة مع الشرطة، وحريق رهيب في قصر قديم بمركز المدينة.
منذ ذلك اليوم، أصبح النضال مستمرا، بمسيرات مكثفة تنطلق كل يوم في ليما، لتنتهي دوما بصدامات خطيرة مع الشرطة، والتي تسفر عن سلسلة من الاعتقالات والإصابات والفوضى.
من أجل فرض “النظام” على وضع اعتبرته الحكومة “تحت السيطرة”، قررت في الحادي والعشرين التدخل في جامعة سان ماركوس، التي كان 200 متظاهر من المقاطعات يقضون ليلهم في مساكنها (من بين 7 إلى 8 آلاف متبقين في العاصمة). وقد تم تنفيذ العملية بالدبابات، التي اخترقت البوابات، قبل أن تقتحم مئات من عناصر شرطة مكافحة الشغب الحرم الجامعي، لتعتقل كل الحاضرين بعنف، وتقيدهم، وتلقي بهم على الأرض، ومن ثم تقتادهم إلى ديركوت (مديرية مكافحة الإرهاب). هذا المشهد أعاد إلى الأذهان أسوأ أوقات ديكتاتور الإبادة الجماعية فوجيموري، الذي ارتبط النظام الذي يرأسه بولوارت بهويته تلقائيا.
نفس الشيء حصل في المناطق الداخلية، حيث شنت قوات الشرطة هجوما مضادا في تلك المناطق التي شهدت أكثر الحراكات جذرية، محاولة فتح الطرق المغلقة، ما أدى إلى مواجهات دموية شرسة جديدة. وفي تشاو (على الساحل الشمالي للبلاد، حيث لايزال الحصار مستمرا) تم إطلاق النار على ضحية أخرى. وفي إيلاف (بونو، على الحدود مع بوليفيا) قتل شخص آخر، يبلغ من العمر 62 عاما، وكان عضوا في مجتمع أيمارا. أثارت كلتا الجريمتين ردود فعل أكثر عنفا، وخرج الناس في أيمارا بأعداد كبيرة، وواجهوا الشرطة حتى لاذت بالفرار، وأحرقوا مركزا أمنيا ومباني عامة وخاصة. ولم يتم ترك ليما وحدها، فالقطاعات الحضرية، التي تأثرت بالفعل بمقتل المتظاهرين، رأت في احتلال الجامعة ليس فقط انتهاكا لاستقلاليتها، بل أيضا انتهاكا وحشيا للحريات الديمقراطية، تم اقترافه خلف خطاب رسمي يصف المتظاهرين بـ “الإرهابيين”. وقد قام شرطي كان مشاركا في تلك العملية (ريكاردو كويني) بتسجيل ونشر مقطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي يظهر فيه وهو يمسك بالإرهابيين المزعومين المحاصرين. ولكن، كان المعتقلون فلاحين بسطاء، ولم يعثر في حقائبهم على شيء يسمهم بأنهم عنيفون أو إرهابيون. أثار هذا رد فعل الحركة الطلابية، التي كانت حتى تلك اللحظة على الهامش، حيث تجمع الطلبة بالمئات للتظاهر في مقر المحافظة. وفي الوقت نفسه، نظم أبناء المعتقلين مسيرات جديدة لتعزيز وجودهم في ليما.
في هذا السياق، دعا الاتحاد العام لعمال البيرو، الذي استمر في متابعة الأحداث، إلى مظاهرة جديدة يوم الثلاثاء في 24 من الشهر، رغم إطلاق سراح المعتقلين بالفعل، بضغط من الحشود والاحتجاجات التي شملت مختلف القطاعات.
يوم 24
يوم 24 كانون الثاني كان حقا يوم غضب. ثلاث قطاعات احتشدت في التعبئة، فمن جهة، شارك الاتحاد العام لعمال البيرو “الرسمي”، والأحزاب اليسارية التي تظاهرت ثم تم حلها، وانطلقت مجموعة المقاطعات، الأكثر عددا وراديكالية، في وقت مبكر من الصباح، وتوجهت نحو ساحة سان مارتن (التي تقع على بعد عدة مبان من مقر قصر الحكومة والكونغرس)، والمحصنة بصفوف رجال الشرطة ودبابات القوات المسلحة، حيث وقعت اشتباكات عنيفة. وشباب الجامعة، الذين خرجوا في أوقات مختلفة لتشكيل مجموعة قوية شاركت أيضا في المواجهات.
وسائل الإعلام الرئيسية، التي وصفت المتظاهرين بأنهم “عنيفون” و”إرهابيون”، نشرت روايات عن كيفية توجيه المسيرات، والتخطيط لها من قبل الأجهزة التخريبية المزعومة، وكيف يتم تمويلها من قبل تجار المخدرات والتعدين غير القانوني. لكن، يمكن لأي مراقب بسيط أن يرى أن الحقيقة أبعد ما تكون عن هذا التلفيق.
أولئك الذين جاءوا إلى ليما هم في غالبيتهم من الفلاحين الفقراء، وأعضاء مجتمعات الأنديز المنسية تاريخيا، والذين، عندما سقط كاستيلو، رأوا آمالهم في التغيير تتحطم، وخرجوا للمطالبة بحل الكونغرس (اليميني في الغالب)، واستقالة بولوارت. (الذي ينظر إليها على أنها “خائنة”). وعندما قوبلوا بقمع دموي، انفجروا ببساطة.
يظهرون أنفسهم كما هم: يرتدون ملابسهم التقليدية، والقبعات، والبعض يحمل السياط. وفي المسيرات، يرفعون لافتات تحمل أسماء مدنهم الأصلية، أو أسماء الضحايا، ويلوحون بعلم ويفالا (الذي يمثل مجموعات السكان الأصليين المختلفة التي تعيش في جبال الأنديز فيما يعرف اليوم ببوليفيا والبيرو وتشيلي والإكوادور، وشمال غرب الأرجنتين، وجنوب كولومبيا)، مظهرين هويتهم واعتزازهم.
تجمع من خريجي علم النفس من جامعة سان ماركوس بين كيف يتم تنظيم هذا النضال العظيم من القاعدة الشعبية. وقد ناقش تنظيم المجموعات الدفاعية المزودة بالخوذات والأقنعة والدروع، ومجموعات المساعدة، التي توفر الخل والماء والخرق لمواجهة آثار الغاز المسيل للدموع، والمسعفون الذين يساعدون الجرحى، وأولئك الذين يحضرون الطعام، والذين يجمعون الموارد، وحتى أولئك المسؤولين عن نزع فتيل الغاز المسيل للدموع باستخدام الماء مع بيكربونات الصوديوم. الجميع يعرف أن الأمر ليس صراعا سلميا، لأن قوات الشرطة (وفي حال فشلها، القوات المسلحة) تهاجم بشراسة، وتجرح الكثيرين، وتطلق النار بهدف القتل. ويتم استخدام “الواتساب” من قبل المنسقين ورؤساء المنظمات المختلفة.
هشاشة قيادة النضال وتنظيمه، والارتجال فيهما واضحين بكل ما في الكلمة من معنى، حيث أفضى ذلك إلى التخريب، وعدم إتاحة إمكانية التعامل مع حالات الطوارئ عند الحصار.
التنظيم الذاتي والتضامن
هذه القيود ظهرت خلال محطات النضال، حيث تنتهي المسيرات بمواجهات هي ساحات معارك حقيقية، يبدو فيها التنظيم محدودا للغاية، رغم أهميته العميقة كونه تنظيما ذاتيا.
في يوم الثلاثاء، 24، تركزت المواجهات في ساحة سان مارتن، التي امتلأت جهاتها الأربع بحشود هائلة من المتظاهرين، في محاولتهم الوصول إلى الكونغرس. في وسط الميدان، هاجم جيش من الشرطة من كافة الجهات، وأمطروا المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع، وقد قام بعضهم بإطلاق النار. وكان يتم التحكم في المشهد بأكمله بطائرات بدون طيار مزودة بكاميرات مراقبة. الهجوم لم ينتج عنه سوى تفجير الغضب، حيث اشتبك أكثر المتظاهرين خبرة – وبعضهم من خريجي القوات المسلحة – في المواجهات.
في خضم المواجهات التي عمّتها الفوضى، انخرط الجميع في العمل: الأكثر خبرة – بعضهم تم تسريحهم من الجيش – مضوا بدروعهم وعصيهم لصد الشرطة. وقام البعض الآخر، في الصفوف الخلفية، بتوفير الخل والمناشف والأقنعة والماء لأولئك الذين يغادرون مركز الزلزال بحثا عنها، وآخرون كانوا يساعدون الجرحى على نقالات مرتجلة. وحتى أولئك الذين كانوا يركضون للاحتماء من القنابل، كان منهم من يحمل أواني كبيرة معدة لإطعام المتظاهرين.
قبل ذلك، في ساحة بلازا دوس دي مايو، حيث بدأ التجمع، كان هناك متطوعون يقدمون الطعام وزجاجات المياه التي تم توزيعها على الجميع. هكذا بدأ النضال. في الداخل، تنظيم محفوف بالمخاطر يبدي فيه من هم جزء منه درجة عالية من الأخوة، ويدعمون ويساعدون بعضهم البعض. وفي الخارج، كانت المساعدة لا محدودة. الناس يصفقون في الشارع، وتعلوا صيحاتهم، وآخرون يجلبون زجاجات المياه والطعام للمتظاهرين.
كانت نتيجة أحداث ذلك اليوم اعتقالات وإصابات وفوضى في المدينة، استمرت حتى اليوم التالي.
تفاقم الفوضى والأزمة
هذا هو الحال يوميا في ليما. والوضع أكثر خطورة في مناطق الصراع التي تشمل الجنوب (11 منطقة) وأنحاء أخرى من البلاد.
يوم الأربعاء 25 شباط، توجه المتظاهرون إلى السفارة الأمريكية، وتحرك حشد آخر باتجاه مركز سان إيسيدرو السكني سعيا للوصول إلى مناطق أخرى. وفي يوم الخميس الموافق 26 من الشهر، انطلقت مسيرة حاشدة من الداخل من “بوينتي بيدرا” (25 كم شمال ليما) باتجاه المركز، حيث قام السكان المحليون بإغلاق الطريق الرئيسي بأكمله. وفي يوم الجمعة 27، نظمت مسيرة أخرى، من المنطقة الشرقية (سان خوان دي لوريجانشو، أكبر حي في العاصمة)، باتجاه المركز أيضا. وفي نفس اليوم أفضت مواجهة جديدة مع الشرطة، في إيكا، إلى أكثر من 30 إصابة من الجانبين، من بينهم شرطي كانت إصابته خطيرة.
وأثناء نشر هذا التقرير، كان الآلاف من طلبة الجامعات والحشود من الداخل يتظاهرون في وسط المدينة.
يبدو أنه لا نهاية للفوضى. وقد باتت آثار الدمار أكبر في المناطق الأكثر اضطرابا، حيث يفرض المتظاهرون سيطرتهم. هناك نقص في جميع الضروريات، وما هو متاح يباع بأسعار باهظة: في مادري دي ديوس (شرق البيرو)، تبلغ كلفة أسطوانة الغاز المسال المحلية ما يصل إلى 100 دولار. أجهزة الصراف الآلي نفدت من النقد. وشوهد المنتجون يتخلصون من منتجاتهم، كالحليب، أو يحاولون بيعها بالمزاد. صغار المنتجين، الذين يعيشون من بيع بضائعهم، هلكوا. كما تعاني الشركات الكبرى من الآثار: بعض شركات التعدين (أنتاباساي، وكوسكو) أوقفت عملياتها، ويعاني كبار المصدرين الزراعيين خسائر جمة إثر المحاصيل التي لا يتم حصادها والمنتجات التي لا يمكن شحنها. والسياحة (إحدى المصادر الرئيسية للاقتصاد، وخاصة في كوسكو) تراجعت، وباتت “ماتشو بيتشو” فارغة. بشكل عام، يبدو أن الاقتصاد الوطني قد وصل إلى طريق مسدود، ما يعمق حالة اليأس.
معاناة السكان المقاتلين يصعب وصفها بالكلمات. إنهم يدعمون أنفسهم برزانة لأنهم يعرفون أنهم لا يخوضون صراعا عادلا فحسب، بل يواجهون أيضا تحديا يشعرون فيه أن الحكومة أعلنت الحرب عليهم، ولا مجال للعودة إلى الوراء، حتى وإن كانت كلفة ذلك المزيد من الألم، وإمكانية فقدان الحياة.
الحكومة في مأزق
وراء استقرارها المزعوم (وكذلك سيطرتها المفترضة على الوضع)، بدأت إخفاقات الحكومة في الظهور. لقد فشلت سياستها القمعية ولم تفض سوى إلى زيادة الاحتجاجات والاضطرابات الاجتماعية.
حكومة بولوارت تشكلت بدعم من الجناح اليميني في الكونغرس، وهو قطاع يضم في صفوفه ضباطا كبار متقاعدين من القوات المسلحة، كانوا قد شاركوا في الصراع المضاد للتخريب في الثمانينيات والتسعينيات؛ ورئيس الكونغرس نفسه جنرال سابق متهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
بالنسبة لهذا القطاع، فبانتخاب كاستيلو (حزيران 2021) بدا الأمر كما لو أن سينديرو لومينوسو هو من تولى السلطة، لذا لم يمنحوا كاستيلو أية فرصة لالتقاط أنفاسه حتى تمكنوا من الإطاحة به، وبعد الاحتفاء بهذا، باتوا يرون المظاهرات على أنها “مخلفات” التخريب، لهذا السبب، قاموا إلى جانب كبرى وسائل الإعلام التي تدعمهم، بالتشجيع على صب جام القمع عليها.
هناك بالفعل 60 قتيلا. وتحت مظلة “حالة الطوارئ”، يتم اتخاذ كافة الإجراءات التعسفية، كمداهمة مقر الحزب، والاعتداء على جامعة سان ماركوس، والاعتقال العشوائي للنشطاء. أسوأ ما في الأمر أن هذه الاعتقالات تتم بتهمة “الإرهاب”. لقد تم إلقاء القبض على قادة فريديبا (جبهة الدفاع عن أياكوتشو)، حيث تجري محاولة مقاضاتهم بتهمة “الإرهاب” باستخدام الدليل الوحيد المتوفر، وهو أنهم “أعلنوا” تأييدهم لإنشاء جمعية تأسيسية.
يرتبط بالقطاع اليميني ما يسمى بالمركز السياسي (حزبي البرجوازية القديم والجديد)، والذي يرى في هذه التعبئة تهديدا للنظام الديمقراطي الذي يستند إليه في فرض سلطته. إنه يسعى لهزيمتها باستخدام “أشكال” أكثر قانونية ودستورية، لكنها ليست ألطف. رئيس الوزراء أوتارولا يعمل كحلقة وصل مباشرة بين الجناح الأكثر تحفظا في الكونغرس والحكومة، بينما تتأرجح بولورات بين الطرفين.
لكن عندما فشل الهجوم القمعي، وحاولت بولوارت الاستقالة، تخلى عنها بعض وزرائها. إنها تتمسك بموقفها وسط حركة مضادة، مدعومة من تلك القطاعات التي تريد منها تمهيد الطريق لها قبل الانتخابات.
جبهة جديدة تم فتحها ضد بولوارت في القطاع الأجنبي. فبعد الاعتراف الأولي بها من قبل معظم الدول، باتت التصريحات الآن شبه إجماع على وجود انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، والحاجة إلى حل سياسي للأزمة التي تعصف بالبلاد. التصريحات بهذا الصدد تصدر عن الفاتيكان، وكذلك من الأمم المتحدة، ومنظمة الدول الأمريكية. وقد كان تصريح بوريك، رئيس تشيلي، قوية بشكل خاص، عندما قال: “الأشخاص الذين يخرجون للمشاركة في المسيرات يتم إطلاق النار عليهم من قبل أولئك الذين يفترض أن يدافعوا عنهم”. كما أصدرت لجنة حقوق الإنسان تقريرا يعد فضيحة عالمية: معظم الوفيات التي حدثت كانت نتيجة طلقات تستهدف الرأس أو منطقة البطن، بهدف القتل، وليس الردع، حتى أن معظم الضحايا لم يكونوا في الخطوط الأمامية.
محاولات الحكومة لمواجهة الجميع في الساحة الدبلوماسية، وخطاباتها للعالم الخارجي (ظهرت بولوارت فعليا في مقابلة مع منظمة الدول الأمريكية)، كانت فاشلة لدرجة أن لا أحد يصدقها. النظام محاصر هنا وفي الخارج.
ومع ذلك، فإن قطاعاً واحدا، الجناح اليميني المتطرف، يريد أن يمضي قدما ويحقق هدفه في هزيمة التمرد. الجانب الآخر من الطيف السياسي البرجوازي مستعد للبحث عن مخرج، حيث يعرض الآن الدعوة إلى الانتخابات، لكن مع إبقاء بولوارت حتى يتم الانتقال.
المخرج
في هذا السياق، تميل مواقف الطبقات الأساسية إلى التغيير. قطاعات هامة من الطبقة الوسطى، التي تخشى “المخربين”، أو تدعمهم، أو تلك التي تقف صامتة في مواجهة القمع الدموي، باتت تؤيد الآن جزء من مطالبهم، مثل رفض القمع، والمضي قدما في الانتخابات. أما البرجوازية فباتت تنأى بنفسها عن جناحها اليميني، الذي بين استعداده لنقلها إلى حافة الهاوية، وهي تميل الآن إلى الدفع بالانتخابات إلى نهاية هذا العام، باعتبار ذلك أهون الشرين، على الأقل لتجنب تفاقم الوضع، وكسب المزيد من الوقت حتى وضع خطة جديدة. هذا، بالطبع، لا يتوافق مع المطلب الأساسي للمتظاهرين، الذين يريدون، على الأقل، النيل من بولوارت. لكنهم يناورون الآن لعزلها عبر وضع القطاعات الديمقراطية إلى جانبها مرة أخرى، حيث يعتزمون الاستفادة من المعاناة التي تعيشها مناطق الصراع.
التعبير الأمثل عن هذا التحول عكسته “الفوجيمورية”، ذلك الحزب، الذي يتمتع بحضور قوي في الكونجرس، انتقل من دعم السياسة الرسمية إلى اقتراح تقديم الانتخابات لهذا العام (تشرين الأول)، بالتوازي مع طرح النخبة الديمقراطية، واليسار الإصلاحي لفيرونيكا ميندوزا. ويتضمن الاقتراح تغييرا في الاتفاقية السابقة (التي كانت عرضة لضغوط النضالات في 29 كانون الأول)، حول إجراء الانتخابات بحلول نيسان 2024، وكان يجب الموافقة على هذا بحلول يوم الاثنين الحادي والثلاثين من الشهر، وهو التاريخ الذي يتم فيه إغلاق المجلس التشريعي الحالي. وسيصوت المجلس التشريعي الثاني، المنعقد في 15 شباط، على القرار. لكن موافقة الكونجرس على هذه التغييرات “للخروج” من الأزمة ليس بالأمر السهل. [تم إجراء هذا التصويت في الكونجرس وفشل في الموافقة على إجراء الانتخابات في نهاية العام 2023].
الأمر يحتاج إلى موافقة أكثر من ثلثي الأصوات (87 صوتا)، وتحقيق ذلك يتطلب اتفاق عدة أحزاب. معارضة كتلة واحدة فقط من الكتل النيابية تجعل الاتفاق مستحيلا. وقد أسفرت المناقشة حول الاقتراح ليلة 27 كانون الثاني عن تصويت 45 لصالح تقديم الانتخابات إلى أكتوبر من هذا العام (و 65 ضد)؛ النتيجة كانت بعيدة عن الـ 87 المطلوبة. لذا، ستتفاقم الأزمة قبل إيجاد مخرج، حيث ستتصاعد المظاهرات والاشتباكات في الأيام المقبلة، وتحت نيرانها ستمتد قوى البرلمان المختلفة كفقاعة لانتهاز كل الفرص لتعطيل المطالب.
إثر علمهم بذلك، اقترح المتظاهرون – وهو السبيل الوحيد القابل للتطبيق من وجهة نظرهم – تنحي بولوارت عن منصبها. ليس فقط لأنها مسؤولة عن حالات الوفاة، ولكن أيضا لأن هذا سيُعجل الدعوة إلى الانتخابات وفقا للدستور.
لكن تحقيق هذا الحل يستوجب صراعا أكبر. المسألة تكمن في هزيمة سياسة الاتحاد، الذي يستمر في مواكبة النضال عوضا عن خوضه باعتباره نضاله الخاص من أجل ضمان تحقيق مطالبه الأساسية. وكذلك الأمر بالنسبة لـ “اليسار” الإصلاحي نفسه، الذي يضع كل رهاناته على الحل البرلماني: فقد تحالف البعض مع حركة الفوجيمورية للموافقة على مشروع قانون لتقديم موعد الانتخابات إلى تشرين الأول، والبعض (كتلة المعلمين وبيري ليبر) تحالف مع القطاعات اليمينية الأخرى التي تعارض ذلك.
ترجمة تامر خرمه
مراجعة فيكتوريوس بيان شمس