نهويل مورينو
دعنا نبدأ بفهم ماذا يعني أن تكون حقّا ماركسيّا. لا يمكننا أن ننشئ طائفة، كما حصل بالنسبة لماو أو ستالين. أن تكون تروتسكيّا اليوم لا يعني الاتّفاق مع كلّ ما كتبه أو قاله تروتسكي، بل معرفة كيفيّة انتقاده أو تجاوزه، وكذلك بالنسبة لماركس، وإنجلز، أو لينين، لأن الماركسيّة تعمد إلى أن تكون علميّة، والعلم يقول إنّه لا توجد حقائق مطلقة. هذا هو أوّل شيء، أن تكون تروتسكيّا يعني أن تكون نقديّاً، بما في ذلك للتروتسكيّة نفسها.
على الجانب الإيجابي، أن تكون تروتسكيّا يعني أن تستجيب لثلاث مواقف تحليليّة وبرامجيّة واضحة. أوّلها: طالما أن الرأسماليّة موجودة في العالم أو في بلد ما، فإنّه لا يوجد حلّ حقيقي لأيّة معضلة على الإطلاق – بدء بالتعليم، والفن، وتناول المشاكل العامّة للجوع، وتفاقم الفاقة.. الخ.
وبالتوازي مع هذا، رغم أنّه ليس ذات الشيء تماما، تأتي مقاربة الحاجة إلى النضال بلا هوادة ضدّ الرأسماليّة حتّى هزيمتها، لفرض نظام اقتصادي واجتماعي جديد في العالم لا يمكنه إلاّ أن يكون الإشتراكيّة.
والمعضلة الثانية أنّه في تلك الأماكن التي تمّ فيها تجريد البرجوازيّة من ممتلكاتها (أتحدّث عن الاتّحاد السوفييتي[1] وكلّ البلدان التي كانت تدعو نفسها بالإشتراكيّة) لا يوجد حلّ إذا لم تَسُد ديمقراطيّة العمّال. الشرّ الأعظم، سفلس الحركة العمّاليّة العالميّة، هو البيروقراطيّة، الوسائل الشموليّة التي كانت متواجدة في تلك البلدان وفي منظّمات العمّال، والاتّحادات، والأحزاب التي زعمت أنّها من الطبقة العاملة، والتي أفسدتها البيروقراطيّة. وهذه حركة في غاية الحكمة لتروتسكي، الذي كان أوّل من استخدم هذا المصطلح، والذي بات اليوم مقبولا عالميّا. الكلّ يتحدّث عن البيروقراطيّة، وأحيانا حتّى حكّام تلك الدول التي ندعوها بدول العمّال. دون الديمقراطيّة الأوسع لا يمكنك البدء في بناء الإشتراكيّة. الإشتراكيّة ليست محض بناء إقتصادي. وحدها التروتسكيّة من خرجت بهذا التحليل، وكانت أيضا وحدها من خلصت إلى استنتاج أنّه كان من الضرورة شنّ ثورة في كافّة تلك الدول وفي الاتّحادات لضمان الديمقراطيّة العمّاليّة.
والمسألة الثالثة، والحاسمة، هو أنّها الوحيدة الملائمة حقّا للأزمة الإقتصاديّة والإجتماعيّة العالميّة الفعليّة، عندما تقوم مجموعة من الشركات الكبرى العابرة للحدود بالهيمنة تقريبا على الإقتصاد العالمي برمّته. على هذه الظاهرة الإقتصاديّة- الإجتماعيّة علينا الردّ بمنظّمة وسياسات أمميّة.
في عهد الحركات القوميّة هذا، والتي تعتقد أنّ كلّ شيء يمكن حلّه في بلد بعينه، فإن التروتسكيّة وحدها من تقول إن هناك حلّ وحيد على الصعيد الإقتصادي العالمي يدشّن نظاما جديدا، هو الإشتراكيّة. لذا، فلا بدّ من العودة إلى التقاليد الإشتراكيّة لوجود أمميّة إشتراكيّة، تتناول الإستراتيجيّة والتكتيكات لتحقيق هزيمة الشركات الكبرى التي تهيمن على العالم، وبناء اشتراكيّة عالميّة، والتي ستكون أمميّة أو لا تكون.
إذا كان الإقتصد عالميّا؛ فينبغي أن تكون هناك سياسة عالميّة ومنظّمة عالميّة للعمّال، بحيث تستطيع كلّ ثورة، وكلّ بلد يشنّ ثورته، الامتداد على المستوى العالمي من جهة، ومن جهة أخرى يمكنها منح حقوق ديمقراطيّة على نحو متصاعد للطبقة العاملة، بحيث يمكنهم امتلاك مصيرهم بأيديهم عبر الديمقراطيّة.
الإشتراكيّة لا يمكنها أن تكون إلاّ أمميّة. كلّ المحاولات لجعل الإشتراكيّة قوميّة باءت بالفشل، لأن الإقتصاد عالمي ولا يمكن وجود حلّ إجتماعي- إقتصادي للمشكلات داخل الحدود الضيّقة لبلد ما.
للدخول في تنظيم الإشتراكيّة العالميّة لا بدّ من هزيمة الشركات متعدّدة الجنسيّة عالميّا.
لهذا، فإن توليفة (ما يؤول إليه وحدة وصراع الأضداد بين الفرضيّة ونقيضها= المترجم) التروتسكيّة اليوم أن التروتسكيّين هم وحدهم في العالم من يمتلكون منظّمة عالميّة (صغيرة، ضعيفة، كيفما تشاء) ولكن الأمميّة الوحيدة الموجودة، الأمميّة الرابعة، التي مزجت إرث كافّة الأمميّات السابقة وحدّثتها ضدّ الظاهرة الجديدة، ولكن من وجهة نظر ماركسيّة: أنّنا بحاجة إلى نضال أممي.
[1] الاتّحاد السابق للجمهوريّات الإشتراكيّة السوفياتيّة، التي تواجدت منذ 1922- 1991