الأثنين يوليو 22, 2024
الإثنين, يوليو 22, 2024

نقاط اتفاقنا واختلافنا مع حماس

فلسطيننقاط اتفاقنا واختلافنا مع حماس

منذ عمليتها العسكرية في 7 تشرين الأول/ أكتوبر ضد المراكز العسكرية الإسرائيلية، باتت منظمة حماس الفلسطينية محور اهتمام وسائل الإعلام الدولية، التي اتهمتها بشكل عام (كما فعلت حكومة بنيامين نتنياهو) باقتراف “إرهاب وحشي”، لتبرير مهاجمتها هي وسكان قطاع غزة الذي تحكمه. ما هي حماس؟ ولماذا ندافع عنها ضد هذه الهجمات؟ وما هي نقاط اتفاقنا وخلافنا مع هذه المنظمة؟

بقلم أليخاندرو إيتوربي

حماس تعني “الحماسة” باللغة العربية، وقد جاء الإسم اختصارا لحركة المقاومة الإسلامية. وقد تأسست المنظمة عام 1987 بعد انفصالها عن جماعة الإخوان المسلمين المصرية، لبناء نفسها بين الشعب الفلسطيني. ويتكون هيكلها التنظيمي من فرع سياسي، وفرع اجتماعي، إلى جانب فرع عسكري: “كتائب القسام”، والتي تأسست عام 1992.
تنتمي الحركة إلى المذهب السني للإسلام، وفي ميثاق المبادئ (الذي تم تبنيه عام 1988)، اتخذت القرآن أساسا أيديولوجيا وسياسيا لها، كما اتخذت الجهاد “نهجا” (وهي كلمة تشير إلى “بذل الجهد” للدفاع عن تعاليم القرآن، ويستخدم في سياقات معينة بمعنى “الحرب”).
هذا “الميثاق” ينص على أن الهدف السياسي هو: “إقامة دولة فلسطينية إسلامية على كامل أراضي فلسطين التي كانت تحت حكم الانتداب البريطاني السابق”. وبما أن دولة إسرائيل استولت على أكثر من 70% من هذه الأراضي (عن طريق طرد الفلسطينيين) وأخضعت ما تبقى منها للاحتلال العسكري، فإن هذا الهدف الاستراتيجي يعني تدمير دولة إسرائيل، وهنا يأخذ “نهج الجهاد” معنى الحرب ضدها.
تأسيس حماس والمنظمات المماثلة في الدول العربية والإسلامية الأخرى (مثل حزب الله في لبنان عام 1982) يجب أن يتم فهمه في السياق الذي حدث فيه. بداية، آلت صيرورة ثورة العام 1979 الإيرانية، التي أطاحت بالنظام العميل للإمبريالية الأمريكية، إلى ترسيخ نظام آيات الله الإسلامي. وفي سياق مهاجمة الإمبريالية ومواجهة هذا النظام لها، بات تدريجيا مرجعا لكثير من المقاتلين العرب والمسلمين.
ثانيا، في نهاية عام 1987، اندلعت الانتفاضة الأولى في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي اتسمت بانتفاض بطولي للشباب الفلسطيني الذي تصدى للجنود الإسرائيليين المدججين بالسلاح والحجارة والمقاليع، ما أحدث أزمة عميقة في الروح المعنوية لهؤلاء الجنود. وكان تأسيس حماس حينها بمثابة رد فعل سياسي على مناخ الاضطرابات السائد في الأراضي المحتلة.
ثالثاً، في سياق الصيرورة التي أدت إلى الانتفاضة، كانت منظمة التحرير الفلسطينية (ذات الطبيعة العلمانية والتي كانت حتى ذلك الحين هي قيادة الشعب الفلسطيني بلا منازع) قد بدأت بالفعل طريق الخيانة، الذي قاد إلى اتفاقيات أوسلو، محولا إياها إلى عميل استعماري للاحتلال الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية. وهو نفس طريق الخيانة الذي سبق وأن سلكته العديد من الأنظمة والحكومات العربية “العلمانية”، مثل مصر، التي وقعت في عام 1978 اتفاقيات كامب ديفيد مع إسرائيل والإمبريالية الأمريكية، معترفة بـ “شرعية” هذه الدولة، وموافقة على  “السلام” معها.

تنامي نفوذ حماس

في نيسان 1994، نفذت حماس أول تفجير استشهادي لها في مدينة الخضيرة، والذي تلته عمليات تفجير أخرى.  ورغم تعرضها للاضطهاد من قبل الجيش الإسرائيلي والقوات القمعية، أدانت السلطة الوطنية الفلسطينية “العمليات الإرهابية” التي تقوم بها حماس، واعتقلت نحو 140 شخصا يشتبه بأنهم أعضاء في الحركة.
مع تخلي السلطة الوطنية الفلسطينية وفتح (المنظمة السياسية الرئيسية في منظمة التحرير البائدة) عن النضال من أجل استعادة الأراضي الفلسطينية، والتصرف على أنها عميلة للاحتلال الإسرائيلي، برزت حماس بشكل متزايد كمنظمة واصلت النضال من أجل تحقيق هذا التطلع للشعب الفلسطيني، وتنامت هيبتها ونفوذها بين الفلسطينيين، وخاصة بين سكان قطاع غزة، الذين كانوا يعيشون في ظروف مريعة.
في عام 2000، اندلعت الانتفاضة الثانية. انتفاضة جديدة للشباب الفلسطيني ضد الاحتلال. وقد كانت نتيجة لإدراك أن إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية لم يؤد إلى سيادة فلسطينية على الأراضي (من منظور وجود “دولتين”)، كما كانت تزعم السلطة الوطنية وحركة فتح. إنشاء هذه السلطة لم يخدم سوى السياسة الإسرائيلية المتمثلة في طرد الفلسطينيين من أحيائهم في القدس، والمضي قدما في مصادرة الأراضي الزراعية في الضفة الغربية لمنحها للمستوطنين اليهود من أصول روسية. في جوهرها، لم تكن تلك الانتفاضة ضد إسرائيل فحسب، بل كانت أيضا ضد سياسات سلطة فتح ودورها.
عام 2004، بدأت حماس بإسقاط كلمة “الإسلامية” من الصياغة العامة لهدفها الاستراتيجي، وعوضا عن ذلك قامت بالتعبير عنه بعبارة: “إقامة دولة فلسطينية على كامل أراضي الانتداب البريطاني السابق على فلسطين”. وكانت هذه السياسة في تناقض حاد مع “استسلام” فتح والسلطة  الفلسطينية.

حماس وحكومة غزة

لذلك لم يكن مستغربا أنه عام 2006، في أول مشاركة لها في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني (هيئة السلطة الوطنية الفلسطينية ومقرها رام الله، الضفة الغربية)، حققت حماس فوزا ساحقا، إذ فازت بـ 76 مقعدا مقابل 43 مقعدا لفتح،  بأغلبية واضحة لتشكيل حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية.
في مواجهة هذا الوضع، تجاهل محمود عباس، عضو حركة فتح ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، نتائج الانتخابات وانتصار حماس، وأعلن نفسه السلطة الفلسطينية الوحيدة التي تسيطر على المؤسسات المركزية في الضفة الغربية. وقد حظي بدعم إسرائيل والقوى الإمبريالية التي تعترف بهذه السلطة.
في محاولة للسيطرة على قطاع غزة، وقعت اشتباكات بين قوات حماس وتلك التابعة لمحمود عباس، انتهت بانتصار حماس التي نصبت نفسها كحكومة شرعية لتلك المنطقة. في ذلك الوقت، أعلنت الرابطة “الأممية للعمال – الأممية الرابعة” أن قطاع غزة أصبح المنطقة الفلسطينية الوحيدة المستقلة عن إسرائيل، وأن حكومة حماس هي التعبير السياسي والعسكري عن ذلك.
استقلال قطاع غزة أمر غير مقبول بالنسبة للدولة الصهيونية التي تريد القضاء عليه. ولهذا السبب تسعى لأن يستسلم سكانها عبر عزلهم، وحصار اقتصادهم، وقصفهم المستمر، وتدمير البنية التحتية الصحية، وإمدادات المياه والكهرباء الأساسية.
بالتالي، عندما تهاجم اسرائيل حماس، فإنها لا تفعل ذلك لأنها حركة «إرهابية» أو «إسلامية» (وهي قضايا سنتناولها لاحقاً في هذا المقال)، بل كجزء من الهجوم على الطابع المستقل لقطاع غزة، والسعي لاستسلام سكانه. لأن حماس، رغم تناقضاتها الشديدة، ظلت ثابتة على نهجها ومواقفها السياسية، على عكس السلطة الفلسطينية وحركة فتح في الضفة الغربية.
لذلك، فإننا لا “ندين” أفعال حماس ضد إسرائيل، بل على العكس، ندافع عن هذه المنظمة في مواجهة هجمات الدولة الصهيونية والإمبريالية وحكوماتها المتواطئة في العالم. إننا في نفس “المعسكر العسكري” للنضال ضد إسرائيل، ولهذا السبب نقوم بنشاط مشترك في بلدان مختلفة من العالم تعبيرا عن وحدة العمل. وهذا جانب أساسي من جوانب الدفاع عن الشعب الفلسطيني ونضاله ضد إسرائيل، وهو جوهري في الوضع الحالي.

نقاشنا السياسي مع حماس

على مر السنين، أعربت “الرابطة الأممية للعمال – الأممية الرابعة” في العديد من المقالات، حول صياغة الهدف الاستراتيجي لميثاق مبادئ حركة حماس، أنه توجد من ناحية نقطة اتفاق: الحاجة إلى اجتثاث إسرائيل من أجل تحرير الأراضي الفلسطينية، وبناء دولة فلسطينية عليها. ومن ناحية أخرى، هناك اختلاف عميق: ففي حين اقترحت حماس بناء “دولة فلسطينية إسلامية”، كان اقتراح “الرابطة الأممية للعمال – الأممية الرابعة”، منذ البداية، “فلسطين دولة علمانية وغير عنصرية”، وهو ما كان المحور المركزي للبرنامج التأسيسي لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1964. وهو نفس البرنامج الذي بدأت المنظمة بالتخلي عنه بهدف “دفنه” بشكل نهائي عبر اتفاقية أوسلو عام 1993 وإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية.
هذا ليس”نقاشا حول الدين”: إننا نحترم المعتقدات الدينية لمئات الملايين من الناس الذين يعتنقون الدين الإسلامي ويعيشون حياتهم وفقا لتعاليم القرآن. ومن المؤكد أن الكثير من الفلسطينيين يفعلون ذلك. ما نقوله هو أنه حيثما تم بناء “الدول الإسلامية” (على أساس التفسير “الأصولي” للقرآن)، فقد تحولت تلك الدول إلى دكتاتوريات قاسية، دون أية ديمقراطية للعمال والشعب، ومارست اضطهادا عنيفا للنساء، وقمعا قاسيا للأشخاص المغايرين في توجهاتهم الجنسانية.
هذا هو حال نظام آيات الله الإيراني، الذي اندلعت ضده حركات تمرد قوية. وهذا هو أيضا حال حركة طالبان في أفغانستان. لقد رأينا أن حماس تخلت تدريجيا عن صياغة “الدولة الإسلامية”، وتبنت صيغة أكثر حيادية. ومع ذلك، إذا قمنا بتحليل طبيعة حكومتها في قطاع غزة، نرى أنه في الوقت الذي تبقي فيه القطاع منطقة مستقلة عن إسرائيل، إلا أنها تتسم أيضا بطابع دكتاتوري، دون أية ديمقراطية لعمال غزة وشعبها.
هذه الرؤية للدولة الفلسطينية العلمانية المستقبلية هي أيضا جزء من التقاليد السياسية والثقافية للشعب الفلسطيني. الناشطة الفلسطينية – البرازيلية الدكتورة ثريا مصلح، قالت في بث مباشر لـ “الرابطة الأممية للعمال – الأممية الرابعة”، إن والدها الراحل (الذي يقال أنه مسلم وطرد من أرضه مع عائلته عام 1948) كان يخبرها أنه خلال الانتداب البريطاني، كان الفلسطينيون يعيشون في  سلام وتسامح مع الأقليات اليهودية، والمسيحية، وأولئك الذين لا يعتنقون أي دين.

الطبيعة الطبقية لحماس وبرنامجها

الجدل السياسي مع حماس يذهب إلى مستوى أعمق من ذلك بكثير. حماس منظمة شرعت في قيادة النضال من أجل تحرير الشعب الفلسطيني من نير إسرائيل، وبالتالي فهي تلعب دورا تقدميا في هذا الصراع، حتى أنها استولت على الحكم في قطاع غزة، محافظة عليه باعتباره المنطقة الفلسطينية الوحيدة التي لا تسيطر عليها إسرائيل.
لكن في الوقت نفسه، تبعا لمنشأها وطابعها الطبقي، ومفهومها السياسي وبرنامجها، فإن تطلعات قيادة حماس في الدولة الفلسطينية التي تريد بناءها (الأمر الذي سيكون انتصارا غير عادي إذا تحقق) لا تعد تقدما نحو بناء الاشتراكية، أو توسيع دائرة النضال الثوري ضد الرأسمالية والإمبريالية، والحكومات التابعة لهما في البلدان العربية والإسلامية (ناهيك عن العالم).
مثل الحركات الأخرى، ذات الخصائص والمفاهيم والبرامج المماثلة، والتي قادت النضال من أجل تحرير شعوبها، فإن هدف حماس الأقصى هو تحقيق قاعدة إقليمية، تتطور فيها باعتبارها برجوازية، يتم قبولها في كافة أنحاء العالم. وهذا ما حدث مع جبهة التحرير الوطني الجزائرية (التي استخدمت لغة أكثر علمانية و”يسارية”)، والتي قامت، بعد طرد المستعمرين الفرنسيين وتحقيق استقلال البلاد، “بتجميد” الصيرورة النضالية، وعزلها، وبناء دولة برجوازية واقتصاد رأسمالي. لقد نجح جزء كبير من قادة جبهة التحرير الوطني، وكوادرها العليا، في التحول إلى برجوازية وطنية جزائرية، لكن المسار الذي تم اختياره أدى حتما إلى عودة الجزائر إلى حالة التبعية للإمبريالية الفرنسية.
شيء مماثل حدث في أفغانستان مع حكومة طالبان، فبعد أن قادت الحرب المنتصرة لتحرير البلاد من احتلال الإمبريالية الأمريكية وحلفائها الأوروبيين، “جمدت” هذه الحكومة الصيرورة، وباتت تعمل على تعزيز التنمية الرأسمالية، من خلال الدعوة إلى “الاستثمارات الأجنبية”، وخاصة في قطاع التعدين الذي يوفر مزايا سخية للشركات متعددة الجنسية.

حماس تتخلى عن برنامجها المتعلق باجتثاث إسرائيل

بعد تحقيق هيمنتها وحكمها لقطاع غزة، أدى الطابع الطبقي لبرنامج وأهداف حماس إلى وضعها في مأزق: إما أن تسخّر هذا الانتصار من أجل تدمير إسرائيل، واستعادة كافة الأراضي الفلسطينية، أو أن تمضي في طريق الاعتراف بإسرائيل وباحتلالها عبر سياسة المفاوضات ضمن استراتيجية “حل الدولتين”، وهو ما سبق أن فعلته منظمة التحرير الفلسطينية وفتح.
عام 2017، عدلت حماس ميثاق المبادئ الخاص بها، وقبلت في الوثيقة البرامجية الجديدة فكرة “الدولة الفلسطينية داخل حدود عام 1967”. أي أنها قبلت بـ “حل الدولتين” والتعايش المشترك مع إسرائيل، وهو الأمر الذي كانت ترفضه سابقا، بيد أنها عدت ذلك “مرحلة انتقالية لتحرير فلسطين بأكملها”.
نتيجة لهذا التغيير العميق، أعلنت حماس في العام نفسه أنها ستحل اللجنة الإدارية في غزة من أجل السماح لحكومة الوحدة الفلسطينية بالعمل مكانها، والتحرك باتجاه إجراء انتخابات عامة. وفي هذا السياق، “وقعت حماس اتفاق وحدة مع فتح، أعادت بموجبه السيطرة على معابر غزة الحدودية مع إسرائيل ومصر إلى السلطة الفلسطينية”.
بمعنى آخر، من أجل السماح لها بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل والإمبريالية من أجل “حل الدولتين”، تخلت حماس عن طرحها البرنامجي المتعلق بمحو إسرائيل، وعن نضالها من أجل قيادة الشعب الفلسطيني ضد السلطة الفلسطينية وفتح، التي سلمتها دفة القيادة.
العائق الكبير الذي واجهته حماس في هذا التحول البرنامجي هو أن إسرائيل والإمبريالية لم تقبلا بضرورة جلوسها إلى طاولة المفاوضات رغم هذا التغيير. والذريعة هي أنها “منظمة إرهابية”. وقد ناقشنا هذا الاتهام الباطل في عدة مقالات. إن جدالنا وانتقاداتنا لحماس ليس بسبب أعمالها العسكرية، التي نعتبرها أسلوبا سليما بل وضروريا للنضال من أجل تحرير الشعب الفلسطيني من إسرائيل، ولاسيما في ظل وضع عدم تكافؤ القوى القائم.
الحقيقة هي أن إسرائيل والإمبريالية تريدان أن تدفع حماس (وسكان قطاع غزة ككل) “ثمنا باهظا” بسبب “الجرأة” على الحفاظ على غزة باعتبارها الأرض الفلسطينية الوحيدة غير الخاضعة لإسرائيل. ولهذا السبب قامت بمحاصرتها، وحاولت خنق أية إمكانية للنشاط الاقتصادي فيها، واستمرت بقصفها لتدمير بنيتها التحتية الصحية. والآن، تريد حتى طرد نصف السكان الفلسطينيين من المنطقة. أما بالنسبة لحماس على وجه الخصوص، فإن الصهيونية والإمبريالية غير راضية عن استسلامها، بل تريدان تدمير هذه المنظمة بسبب “التجرؤ” على مواصلة النضال، ولو جزئيا، ضد إسرائيل.
في ظل هذه الظروف، تراجعت حماس عن مسار الاستسلام، وانتقلت إلى تكثيف العمليات العسكرية دفاعا عن نفسها. وقد ردت إسرائيل بسياسة “تطهير عرقي” أكثر عدوانية ضد الشعب الفلسطيني وقطاع غزة.

بعض الأفكار الأخيرة

سبق وأن قلنا إننا لا “ندين” تصرفات حماس، وإننا ندافع عن هذه المنظمة ضد الهجمات الإسرائيلية والإمبريالية، باعتبار ذلك جزءاً من الدعم غير المشروط لنضال الشعب الفلسطيني ضد الصهيونية القمعية. ولذلك، لدينا وحدة عمل مع هذه المنظمة بشأن هذه النقاط. هذه هي اليوم المهمة الرئيسية التي تروج لها “الرابطة الأممية للعمال – الأممية الرابعة” فيما يتعلق بفلسطين.
في هذا الإطار نناقش وننتقد تصورها الاستراتيجي وأهدافها السياسية. ليس بسبب الطائفية أو «الجمود العقائدي الماركسي»، بل لأن هذا التصور، كما سبق وأن حدث، سيقودها إلى طريق الاستسلام. وحتى عندما تباطأ هذا المسار، وعادت حماس إلى النضال، فإن هذه الأهداف قادتها إلى انتهاج سياسة دولية لا تساعد على الدفع قدما بالمنظور الاستراتيجي المتعلق باجتثاث إسرائيل واستعادة كامل الأراضي الفلسطينية.
تدمير دولة إسرائيل واستعادة الأراضي الفلسطينية لشعبها لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال حرب تستمر حتى النهاية. وفي هذه الحرب، إذا نظرنا إلى موازين القوى في الأراضي الفلسطينية التي كانت تخضع للانتداب، بمعزل عن غيرها، فإننا ندرك تماما أن التفوق العسكري الإسرائيلي على المقاومة الفلسطينية هائل. وفي هذا الإطار المحدود، تبدو إمكانية تحقيق انتصار عسكري للشعب الفلسطيني مستحيلة.
من أجل هزيمة وتدمير إسرائيل عسكريا، لا بد من مهاجمتها من الخارج “على كافة الجبهات”. أي من حدود الدول العربية المجاورة (مصر ولبنان وسورية والأردن) بدعم من الشعوب العربية والإسلامية بأسرها. إن المقاومة العسكرية الفلسطينية يجب أن تكون “الشرارة” التي تشعل النضال الثوري والعسكري للشعوب العربية ضد إسرائيل. ومن أجل تطوير هذا النضال الثوري الإقليمي، لا بد أيضا من المضي قدما في النضال ضد الأنظمة والحكومات التي اعترفت بإسرائيل ووقعت على اتفاقيات “السلام” معها، كمصر والأردن.
سياسة حماس الدولية لا تتضمن هذا الهدف. علاقتها ودعمها الدولي الرئيسي مرتبطة بنظام آيات الله الإيراني، الذي يلعب “لعبته الخاصة” للحصول على مكان حول طاولة النظام العالمي. وهي تحتفظ بعلاقات دعم وثيقة مع حزب الله، الذي أبقى، بعد هزيمة الغزو الإسرائيلي للبنان عام 2006، على حالة من التوتر العسكري الدائم على الحدود. لكن المحور المركزي لسياستها كان الدعم الرئيسي للنظام البرجوازي اللبناني.
وفيما يتعلق بالنظامين الأردني والمصري بشكل خاص، فإن سياسة حماس تتمثل بـ “التعايش السلمي”. ونحن ندرك أنه ربما تم فرض هذا الوضع كضرورة في ظل الظروف بالغة القسوة التي يعيشها الشعب الفلسطيني ككل: هناك ثلاثة ملايين لاجئ فلسطيني في الأردن، وبالنسبة للحدود الجنوبية لقطاع غزة مع مصر فهي، تحت وطأة الحصار الإسرائيلي، البوابة الوحيدة لإدخال الإمدادات والمساعدات الغذائية. وفي الوقت الحالي، سيكون هذا هو المخرج الوحيد لمليون فلسطيني تريد إسرائيل طردهم من غزة.
ولكن هناك فرق بين فهم هذه الضرورة وبين “تقديسها” والتخلي عن استراتيجية “إشعال النار في المنطقة” عبر صيرورة ثورية، وهي السياسة الوحيدة التي تمكن من هزيمة إسرائيل وتدمير هذه الدولة.

Check out our other content

Check out other tags:

Most Popular Articles