الأثنين يوليو 22, 2024
الإثنين, يوليو 22, 2024

لجان مقاومة مدني

الإعلان السياسي المقترح


الإعلان السياسي هو وثيقة سياسية مقترحة لبدء عملية سياسية جذرية واسعة، هدفها النهائي بلورة رؤية سياسية وطنية موحدة حول طبيعة الدولة والحكم والاقتصاد وتداول السلطة، هذه الرؤية السياسية تشكلها قواعد الجماهير عن طريق عمليات المناقشات العامة والمفتوحة، التي تنظمها لجان المقاومة والنقابات المنتخبة والقوى الثورية الأخرى المؤمنة بالتغيير الجذري وفقا للرؤية العامة للإعلان السياسي الموحد، إن الإعلان السياسي المقترح هو تتويج لنضالات المقاومة الشعبية منذ الاستقلال الإسمي في 1956م وفي سياق المقاومة الخاص بثورة ديسمبر 2018م. يمثل هذا الإعلان السياسي المقترح حجر الزاوية في ترجمة الفعل الثوري إلى رؤية سياسية واضحة ومتماسكة، وبداية عملية تحويل السلطة إلى قواعد الجماهير بانتزاعها من النادي السياسي النخبوي التقليدي والحديث الذي يخدم أهداف التحول الرأسمالي المحلي والأجنبي ضد مصالح الغالبية العظمى من جماهير الشعب السوداني. ويشكل هذا الإعلان الخطوة الأولى في الخروج من الأزمة السياسية المزمنة، والتي وصلت مآلاتها إلى تحول السودان إلى دولة نزاعات أهلية ومجاعات وجيوش ارتزاق وفقدان كامل للسيادة الوطنية. وفي سياق المرحلة الانتقالية القادمة تعرف السيادة بوصفها سلطة ديمقراطية يمارسها الشعب في هياكلها المختلفة المتمثلة في المجالس المحلية والمجلس التشريعي الولائي والمجلس التشريعي القومي والمجلس الوزاري والسلطة القضائية، عبر المشروعية الدستورية المتمثلة في الدستور الانتقالي الذي يحكم الفترة الانتقالية ويحد ملامحها

يتكون هذا الإعلان المقترح من:

أ. المقدمة: تناقش المقدمة الدولة السودانية الحديثة في سياق تحديد الإطار المفاهيمي لتحليل المشكلة السودانية تاريخيا وتضع خلفية عامة للمشكلات والحلول المقترحة في هذا الإعلان

ب. بنود الإعلان السياسي المقترح: تتكون من تعريف الفترة الانتقالية. الأهداف العامة للفترة الانتقالية المشروعية الدستورية وشكل الحكم في الفترة الانتقالية، الاقتصاد، العدالة الاجتماعية والعدالة الجنائية

ج. الرؤية السياسية والمفاهيمية لقضايا الفترة الانتقالية: تفصل بشكل موسع وتضبط وتحد المفاهيم الواردة في هذا الإعلان انطلاقا من تحليل تاريخي اجتماعي (اقتصادي وسياسي للدولة السودانية الحديثة واتجاهات صراعاتها العامة.

إيمانا منا بالدور الفاعل الذي تلعبه لجان المقاومة في كل السودان تتقدم إليكم لجان مقاومة مدني بهذا المقترح لقد تأسست لجان مقاومة مدني كحركة مقاومة أفقية تنتشر عبر الأحياء وذات قيادة جماعية. أسست لجان مقاومة مدني بعد انتفاضة سبتمبر 2013 من قبل شباب ثوري وشابات ثوريات لمقاومة نظام الحكم الشمولي الديكتاتوري الذي جثم على صدر السودان لمدة ثلاثين عاما (1989) والذي سقط جزئيا في 2019. وعملت اللجان تحت الأرض لعدة سنوات قبل أن تخرج إلى العلن في 2018، وقد اخذت أساليب مقاومة مختلفة كلها أساليب سلمية للوصول إلى هذه الغاية، وهي الإطاحة بنظام البشير. لقد نجحت لجان مقاومة مدني في تنظيم وتنسيق المقاومة الثورية داخل مدينة ودمدني منذ بداية انطلاقة الثورة السودانية في ديسمبر 2018. ومازالت لجان مقاومة مدني تواصل في حراكها الثوري عقب انقلاب 25 أكتوبر 2021 باتجاه إسقاط الانقلاب عبر المقاومة السلمية وبناء رؤية سياسية للدولة السودانية تشكل الأساس الجامع لعمليات تأسيس دولة ديمقراطية تنموية تحقق العدالة الاجتماعية وذات سلطة مدنية خالصة.

 

أ. المقدمة

لا يمكن فهم الصراع السياسي في السودان إلا من خلال التحليل التاريخي لتشكل الدولة القومية السودانية الحديثة، إن جوهر الدولة القومية الحديثة في السودان، وبلدان الجنوب عامه (بلدان الأطراف)، يتمثل في أنها دولة أسستها الأنظمة الاستعمارية بهدف إدخالها عنوة في النظام الرأسمالي العالي بغرض السيطرة المستمرة على الموارد المحلية واستغلال ثروات الشعوب وإبقائها كدول فقيرة تعاني تكرار الأزمات. تتّسم الدولة القومية التاريخية بأنها ذات طبيعة عنفية قائمة على سياسات الاخضاع والانصهار والاستحواذ على الموارد الطبيعية. عبر الحروب الأهلية والإبادة الجماعية كمتلازمة لأزمتها العميقة المرتبطة بمنشئها. وفي السودان ينعكس هذا الهيكل الاستعماري للدولة الحديثة في عمل مؤسساتها وطبيعة السلطة الاحتكارية، وطبيعة اقتصادها الرأسمالي الريعي وعلاقات الإنتاج غير المتكافئة، فضلا عن تدوير أنظمة التخب الاحتكارية وتداولها للسلطة المستمرة التي لا تزال تشكل جزءا لا يتجزأ من الدولة. نحن نفهم الدولة السودانية الحديثة على أنها تشكلت إلى حد كبير خلال فترتي الاستعمار التركي المصري والبريطاني المصري، وأن هذا التكوين لا يزال يشكل أساس ومسار السودان منذ الاستقلال الإسمي عام 1956. إن استمرار مؤسسات النخب التقليدية والحديثة كالجيش السوداني والإدارة الأهلية والخدمة المدنية ومختلف مؤسسات الحكم والأنظمة العدلية بشكلها ما بعد الاستعماري، سببه تغييب المشروع الوطني التنموي التنويري الملبي لتطلعات الشعب السوداني والذي يهدد ويتناقض وجوده مع مصالح الرأسمال المحلي والأجنبي، ويفرط في السيادة الوطنية.
كرّست الدولة السودانية ما بعد الاستعمارية للحروب الأهلية ونزاع الأرض والموارد، کما کرست لتحول نزاع الموارد لنزاع اثني ضارباً بالنسيج الاجتماعي ومهددا للوحدة الطوعية. تجلت أزمة الدولة السودانية ما بعد الاستعمارية في عدم الاعتراف بالتنوع وبالمنطق الداخلى للتطور الطبيعي للسكان في إطار دولة الوحدة المتنوعة الطوعية. لقد أعادت التجربة الاستعمارية هندسة النسيج الاجتماعي المحلي وقسمت المجموعات الممتدة عبر الأقاليم المناخية بحدود سیاسية مجحفة. وراكمت المظالم التاريخية المفضية للحروب الأهلية والتهجير والنزوح، وبذلك انقسمت مجموعات قبلية كبيرة بين الدول في أفريقيا بسبب الترسيم الأجنبي للحدود والحروب الأهلية الطويلة، وزادت معدلات العنف بين المكونات المحلية بسبب سياسات هندسة السكان والموارد، خصوصا الأرض. كما استفادت النخب ما بعد الاستعمارية بشقيها التقليدي والحديث من بذور الشقاق القبائلي والمناطقي واستثمروا فيها لإشعال النزاعات بهدف السيطرة على الموارد الطبيعية. لقد زاد التدهور البيئي وموجات الجفاف ودورات المجاعة من معدلات العنف حيث تعقب كل مجاعة دورة عنف كبيرة، وبفضل تاريخ الاقتتال الأهالي الطويل تحول العنف نفسه إلى مورد اقتصادي لبعض المجموعات السكانية، كما دخل لوردات الحرب في الاقتصاد العالمي عبر بوابة العنف والارتزاق استيلاءٍ على الأراضي ومواردها؛ حيث تحولت الجيوش إلى شركات خاصة لإدارة الدّم لصالح رؤوس أموال أجنبية كبرى. عبر تاريخ الحرب الطويل في السودان وقعت الفصائل المتحارية على عدد كبير من اتفاقيات السلام خالية المضمون دون أن تتصدى لجذور المشكل، والتي انتهت كلها إلى استمرار الحرب وإعادة الدائرة الجهنمية للاقتتال وتعقيد الوضع الأمني في مناطق النزاعات ودول الجوار. إن تحقيق السلام يتطلب وجود مشروع وطني اقتصادي وسياسي تنموي تثويري جامع يعيد صياغة أسس التعاقد الاجتماعي على أساس المواطنة والحقوق المتساوية ويتصدى لجذور أزمة الحرب والسلام، على أساس المصالح الوطنية المشتركة بين السودانيين، ويقدم هذه المصالح المشتركة على جميع المصالح الأخرى.
لذلك تعتبر نحن في لجان مقاومة مدني أن استعادة السيادة الوطنية بشكل كامل هو أول خطوة في طريق التحول الديمقراطي والتنمية العادلة، وأن استعادة السيادة وسلطة الشعب في معركتنا الأساسية ضد الديكتاتورية؛ لأن ثورة ديسمبر هي ليست فقط ثورة ضد نظام البشير واللجنة الأمنية، بل هي ثورة مشروع وطني جذري يوحد السودانيين على أساس دولة المواطنة والحقوق المتساوية وتعيد لهم قرارهم واستقلالهم السياسي والاقتصادي في دولة مدنية ديمقراطية.

ب. بنود الإعلان السياسي المقترح

 

أولا: تعريف الفترة الانتقالية

في الفترة التي تلي سقوط النظام الشمولي بالثورة الشعبية السودانية السلمية، وهو النظام القائم على تحالف لجنة البشير الأمنية وحلفائها من المليشيات والحركات العسكرية والنخب التقليدية والحديثة، لحين صياغة الدستور الانتقالي الوطني عبر المجلس التشريعي القومي الانتقالي، تتأسس الفترة الانتقالية دستوريا على دستور السودان المؤقت الصادر عام 1956 وذلك بتفعيل المجلس التشريعي القومي الانتقالي لمواد الدستور التي تتماشى ولا تتعارض مع الإعلان السياسي الموحد للجان المقاومة في السودان. كما لا تتعارض مع الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي بعد ثورة ديسمبر 2018. وتجميد المواد التي لا تتناسب مع هذا الواقع.
ويقوم نظام الحكم في الفترة الانتقالية على النظام اللامركزي الذي يؤسّس دستوريا للحكم المحلي، وتمتد الفترة الانتقالية لعملية الانتخابات، وتنتهي بتسليم السلطة للحكومة المنتخبة. تستمر الفترة الانتقالية لمدة ثلاثة إلى أربعة سنوات تتخذ فيها الحكومة الثورية الانتقالية حزمة من الإجراءات الضرورية لعملية التحول الديمقراطي، بما في ذلك عمليات إعادة هيكلة الأنظمة القائمة و/أو تطوير أنظمة جديدة. هذه العمليات المختلفة ليست منفصلة ولا معزولة عن بعضها البعض ويجب أن تتم على أساس رؤية عامة موحدة تحكم المشروع الوطني التنموي التثويري القائم على السيادة الوطنية المتفق عليه في الإعلان السياسي الموحد وفي الدستور الانتقالي

ثانيا: الأهداف العامة للفترة الانتقالية

– الاتفاق على ركائز وأسس المشروع الوطني التنموي التنويري الجامع الذي يشكل الأساس لدستور وطني ديمقراطي دائم يؤسس لدولة مدنية ديمقراطية، ومشروع نهضة وطنية تنموية تثويرية بعيدة المدى تحقق العدالة الاجتماعية في دولة ذات سيادة وطنية كاملة.
– تأسيس السلام على إرادة القواعد الشعبية والمصالحة الشعبية الواسعة (مؤتمرات أصحاب المصلحة)، ومعالجة أوضاع النازحين في مناطق النزاعات عبر تمليكهم قرار العودة الطوعية أو الاستقرار في مناطق المعسكرات، ضمن خطة تنموية تثويرية توفر الأمن وتؤمن الخدمات الأساسية وحق العمل لجميع السكان، كما يلزم الشروع في عمليات تشاور واسعة مع جميع المكونات الاجتماعية في الريف حول مشكلة الأرض والحيازات التاريخية والتوافق على سبل حلها ومن ثم تقنين التوافق في شكل تعديلات على قانون الأراضي والحواكير.

– السيطرة على الموارد، ومحاربة فساد الدولة الهيكلي، والفساد السياسي وسياسات التمكين التي تمت في فترة حكم البشير والفترة الانتقالية منذ 11 أبريل 2019. ووقف التدهور الاقتصادي والمعيشي والسياسات النيوليبرالية (سياسات التقشف ورفع الدعم). وإعادة ترتيب الأولويات في الصرف لصالح الخدمات الأساسية للصحة والتعليم والبنى التحتية للخدمات العامة، بهدف إرساء دعائم العدالة الاجتماعية القائمة على تفكيك دعائم التمكين واحتكار المصالح.
– تمليك الريف قراره السياسي والاقتصادي عبر أنظمة الحكم المحلي التي تتيح للريف الاستفادة القصوى من موارده المحلية للتنمية وفق المشروع الوطني التنموي التثويري الملبي لتطلعات الريف السوداني المتفق عليه في الإعلان السياسي الموحد وفي الدستور الانتقالي. إضافة إلى تعزيز وتوطين أنظمة وثقافة الحكم المحلي لتعزيز الصلة المباشرة بين المواطنين وأجهزة الدولة بحيث يحدث اختراق تدريجي في مشكلة التمثيل السياسي لمكونات الريف والتي صادرت فيها القرار مؤسسة الإدارة الأهلية. إن استمرار هيمنة الإدارة الأهلية قائم على غياب الدولة ولذلك تكمن أهمية المجالس المحلية في بناء علاقة جديدة بين المواطن والدولة تتجاوز المؤسسات التقليدية مثل القبيلة والإدارة الأهلية.
– إعادة هيكلة الأجهزة النظامية وجهاز الأمن وحل وتسريح المليشيات بما فيها الدعم السريع وجيوش الحركات المسلحة. تشمل إعادة الهيكلة مراجعة قوانين القوات المسلحة من حيث المهام والاختصاص وصولا لجيش وطني كامل.
– السيطرة على الانفلات الأمني وتقليص خريطة العنف وتحجيم انتشار الأسلحة لدى مختلف الفصائل والمؤسسات غير الرسمية.
– وضع الإطار المفاهيمي والقانوني واللوجستي والإداري لبدء عمليات العدالة الانتقالية، التي تبدأ بالعدالة الجنائية لكسر دائرة العنف والإفلات من العقاب الذي يشجع على استمرار العنف. كما تتضمن العدالة الانتقالية عمليات المصالحة الشعبية بين المكونات الاجتماعية المختلفة خصوصا في مناطق النزاعات.
– التأسيس الدستوري لحرية التنظيم وجميع الحريات العامة وحرية الصحافة وشفافية الدولة.
– قيادة عملية التحول الديمقراطي عبر إرساء هياكل ومؤسسات النظام السياسي الجديد القائم على تحويل طبيعة السلطة من سلطة مركزية نخبوية إلى سلطة قاعدية شعبية قائمة على الديمقراطية والسيادة الوطنية. وتتمثل مؤسسات النظام السياسي الجديد في هياكل المؤسسات الرسمية مثل مفوضية الانتخابات ومفوضية السلام والعدالة الانتقالية، وتوفير الحماية القانونية والدستورية للمؤسسات المدنية الشعبية الضرورية لعملية التحول الديمقراطي مثل النقابات ومنظمات المجتمع المدني القاعدية. وإجراء عملية التعداد السكاني.

 

ثالثا: المشروعية الدستورية وشكل الحكم في الفترة الانتقالية

 

يجب أن يكون شكل الحكم لا مركزي في الفترة الانتقالية ويضمن سلطات واسعة للأقاليم (الولايات). الحكم المحلي هو القاعدة الأساسية لسلطة الشعب. يمثل الحكم المحلي مستوى السلطة الذي يرتبط بصورة مباشرة بالمواطنين وخدماتهم، والمدخل للممارسة الشعبية للسلطة وقيام المواطنين باتخاذ القرار التشريعي والسياسي والاقتصادي على مستوى المحليات. لا بد أن يكون مستوى الحكم المحلي ديمقراطيا بالدستور. يكون فيه المواطنون أجهزة السلطة المحلية ويحاسبونها بصورة مباشرة. كما يجب أن تخصص لمستوى الحكم المحلي مصادر الإيرادات المناسبة مع حجم المسؤوليات المحلية المخولة إليه تشريعا. وتتم هيكلة أجهزة السلطة المحلية بما يتناسب مع واقع كل محلية، بحيث تتمكن المحليات خصوصا في الأرياف من الاستفادة بشكل عادل من مواردها المحلية والسلطات المُخَوِّلة لهم.
يتكون هيكل السلطة في الفترة الانتقالية من المجالس المحلية الانتقالية، المجالس الولائية الانتقالية، المجلس التشريعي القومي الانتقالي. مجلس الوزراء الانتقالي. السلطة القضائية الانتقالية والمفوضيات. سيتم شرح هذه الهياكل وتكوينها أدناه، كما سيتم التطرق لمسألة الاقتصاد والعدالة الاجتماعية والعدالة الجنائية في هذه الفقرة بصفتهم يمثلون قضايا محورية في شكل الحكم.

آ .1- تكوين المجالس المحلية (قبل سقوط السلطة الانتقالية)

على لجان المقاومة في جميع المحليات وتحالفاً مع القوى الثورية الأخرى المؤمنة بالتغيير الجذري وفقا للرؤية العامة للإعلان السياسي الموحد، عليهم الشروع في عمليات تكوين المجالس المحلية فورا وقبل سقوط السلطة الانقلابية، وذلك لتجنب تكرار سيناريوهات اختطاف الثورة بسبب الفراغ السياسي نتيجة لغياب التمثيل السياسي الديمقراطي للقوى الثورية. الهدف من المجالس المحلية تكوين المجلس التشريعي من أجل تفادي حدوث أي فراغ سياسي، وفي حالة سقوط النظام قبل إجراء تکوین المجالس المحلية نقترح تكوين مجلس ثوري انتقالي بممثل واحد من لجان المقاومة على المستوى الولائي (ممثل واحد لكل ولاية من ولايات السودان الثمانية عشر بالإضافة إلى ممثل واحد للجان المقاومة في معسكرات النزوح) لاستلام السلطة وتسيير دولاب الدولة بشكل مؤقت لحين اكتمال تكوين المجالس المحلية التي سيتكون عبرها المجلس التشريعي القومي الانتقالي وهو محل السلطة الانتقالية الحقيقي.

أ. 2- أليات تكوين المجالس المحلية

 

– تكوين المجلس المحلي لكل محلية هو عملية تنظمها لجان المقاومة مع القوى الثورية الأخرى المؤمنة بالتغيير الجذري في المحلية ويتم اختيار الممثلين/ ات في المجلس المحلي عبر عملية تصويت مباشر في اجتماع عام علني موثق تدعو له وتنظمه لجان المقاومة مع القوى الثورية الأخرى المؤمنة بالتغيير الجذري وفقا للرؤية العامة للإعلان السياسي الموحد في المحلية، في ذلك الاجتماع يتم ترشيح عدد من المرشحين/ المرشحات والتصويت على ترشيحهم بشكل مباشر وإعلان النتيجة بشكل فوري، مع اتخاذ التدابير اللازمة لضمان شفافية وديمقراطية وصحة هذه العملية.
– يحق لجميع المواطنين/ المواطنات الذين لا يقل عمرهم عن 16 عاما المشاركة في عملية التصويت، على ألا يقل عمر المرشحين/ المرشحات عن ثلاثة وعشرين عاما.
– يُترك للجان المقاومة والقوى الثورية الأخرى المؤمنة بالتغيير الجذري وفقاً للرؤية العامة للإعلان السياسي الموحد. يترك لهم في كل محلية تحديد تفاصيل عملية التصويت وشروط أهلية المرشحين/ المرشحات.



ب. الدستور الانتقالي

تستند الفترة الانتقالية على دستور انتقالي يقوم بصياغته المجلس التشريعي الانتقالي خلال فترة أقصاها شهر من سقوط السلطة الانقلابية. لمنع حدوث فراغ دستوري نقترح تفعيل دستور 1956 مع بعض التعديلات إلى حين صياغة الدستور الانتقالي الجديد، وذلك بتفعيل المواد التي تتماشى ولا تتعارض مع الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي بعد ثورة ديسمبر 2018، وتجميد المواد التي لا تتماشي أو تتعارض مع الواقع بعد إسقاط النظام. يتضمن الدستور الانتقالي شكل الحكم اللامركزي.

ج. 1 هياكل السلطة الانتقالية

تتكون السلطة الانتقالية من ثلاث أجهزة، تشمل المجلس التشريعي ومجلس الوزراء والسلطة القضائية، وتنفصل تماما صلاحيات هذه الأجهزة عن بعضها البعض بحيث لا يتغول أي جهاز على سلطات وصلاحيات الأجهزة الأخرى (إعمالا لمبدأ فصل السلطات). مع وضع سلطة تشريع القوانين ومراقبة أداء ومحاسبة الحكومة في يد المجلس التشريعي القومي الانتقالي، وفقا للقوانين المنظمة للمجلس التشريعي القومي الانتقالي الواردة في الدستور الانتقالي.

1. المجلس التشريعي القومي الانتقالي:

– تقوم المحليات بتكوين مجالسها المحلية، حيث تقوم كل محلية من المحليات الـ 186 باختيار، عبر التصويت المباشر، نائبين/ نائبتين برلمانيين من مجالسها المحلية، يتم اختيار أحدهما لمنصب نائب/ة في المجلس التشريعي الولائي والآخر لمنصب نائب/ة في المجلس التشريعي القومي، وفقا للإعلان السياسي الموحد
– المحليات التي تقع ضمن حدودها معسكرات النازحين لها حق الاحتفاظ بمقاعدها شاغرة إلى حين إتمام عملية اختيار نواب من النازحين / النازحات عبر التصويت المباشر، وهي العملية التي قد تأخذ وقتا أطول بقليل بسبب الظروف الاستثنائية في معسكرات النزوح (للمراجعة من قبل لجان المقاومة والقوى الثورية الأخرى في مناطق النزاعات المؤمنة بالتغيير الجذري وفقا للرؤية العامة للإعلان السياسي الموحد).
– يرشح ويعين المجلس التشريعي القومي الانتقالي رئيس الوزراء، ورئيس القضاء المؤقت، والنائب العام المؤقت (إلى حين تكوين مجلس القضاء العالي ومجلس النيابة اللذان يكوّنهما رئيس القضاء والنائب العام مع اللجنة القانونية بالمجلس التشريعي القومي الانتقالي). تظل السلطة القضائية مستقلة عن المجلس التشريعي، ولا يمكن للمجلس التشريعي بعد التعيين التدخل في سلطات السلطة القضائية بأي شكل من الأشكال.
– يرشح ويعين المجلس التشريعي القومي الانتقالي وكلاء الوزارات بمشاورة رئيسة الوزراء والوزراء المكلفون، وكما يرشح ويعين المجلس التشريعي الولائي مدير/ة عام للحكم المحلي بمشاورة الوالي /ة المكلّف.
– يرشح ويعين المجلس التشريعي الانتقالي رؤساء المفوضيات بعد تحديد المعايير الضرورية الثورية لشاغلي المنصب.
– ينظم ويشرف المجلس التشريعي القومي الانتقالي على عمليات الاستفتاء الشعبي على الدستور الدائم.

2- السلطة القضائية الانتقالية:

 

إن الجهاز القضائي بصيغته الحالية هو نظام معطوب وغير قادر على تحقيق العدالة. أولا، يجب إعادة هيكلته لضمان استقلالية القضاء. أي، يجب ألا يخضع الجهاز القضائي لأي تأثير أيديولوجي أو سياسي أو أي من المصالح الخاصة الشخصية كانت أو الحزبية. ثانيا، قوانين السودان بوضعها الحالي، وعلى سبيل المثال لا الحصر: القانون الجنائي. وقانون تنظيم العمل المصرفي. وقانون الأحوال الشخصية. كلها غير عادلة، الشيء الذي يحتم مراجعتها ومواءمتها مع الدستور الانتقالي وأهدافه العامة بما يحقق أقصى درجات العدالة والمساواة. هذه القوانين تحتاج إلى مراجعة خلال الفترة الانتقالية من أجل ضمان حصول جميع أفراد المجتمع، بما في ذلك الأقليات والنساء على حقوق متساوية مع الأعضاء الآخرين إن التعديلات الفوقية للقوانين ظلت مشكلة حاضرة في الممارسة السياسية، وللتغلب عليها يلزم انخراط المجتمعات في مناقشات حقوقهم القانونية وصياغة المبادئ العامة التي تحكم القوانين.


3- مجلس الوزراء الانتقالي:

يقوم المجلس التشريعي القومي الانتقالي باختيار رئيس رئيسة الوزراء من جملة الترشيحات المقدمة من المجلس التشريعي القومي بالتصويت المباشر وفقا للشروط والمعايير الثورية المتفق عليها في الإعلان السياسي الموحد.
– يتم ترشيح أعضاء مجلس الوزراء من قبل رئيسة الوزراء، ويعتمده المجلس التشريعي القومي الانتقالي بالتصويت المباشر وفقا للمعايير والشروط الثورية المتفق عليها في الإعلان السياسي الموحد.

ب) الوزارات
لضرورة تخفيض الصرف المالي على الجهاز الإداري ومحاصرة الفساد المالي والسياسي، يجب تخفيض عدد الوزارات والعودة إلى نظام الهيئات العامة، مثل الهيئة العامة لسكة الحديد، والهيئة العامة للنقل الميكانيكي، والهيئة العامة للنقل النهري، والهيئة العامة للاتصالات والبريد. وهيئة البحوث الزراعية، والهيئة العامة للمياه والكهرباء، والهيئة العامة للأشغال والإسكان وغيرها. وعليه نقترح الوزارات الآتية:

  1. وزارة الصحة والبيئة
    2. في وزارة التربية والتعليم العام والعالي
    3. وزارة الري والزراعة والثروة الحيوانية
    4. وزارة العدل
    5. وزارة الدفاع
    .6 وزارة الخارجية والسيادة الوطنية
  2. وزارة الداخلية
    8. وزارة المالية والموارد
    9. وزارة الحكم المحلي
    10. وزارة الشفافية والمحاسبية ومراقبة الأداء: نقترح هذه الوزارة لأننا نفهم أن طبيعة الفساد السياسي والاقتصادي في العقود الماضية هي طبيعة هيكلية تتعدى فساد مجموعات بسيطة من الأفراد والجماعات أو مجرد خروقات عابرة للقانون. نسبة لطبيعة هذا الفساد نحتاج إلى وزارة تعمل على إرساء نظم الشفافية والمحاسبية في جميع مستويات الحكم والقطاع العام والخاص، إن تمليك المعلومات للشعب تعزّز سلطته كما تعزّز العملية الديمقراطية 
  3. المفوضيات

    لتجنب إخفاقات الجهاز التنفيذي في حل القضايا الجوهرية خلال الفترة الانتقالية ونسبةً لثقل وتعقيد مهام الفترة الانتقالية مثل ملفات السلام والعدالة والأجهزة النظامية، يجب إنشاء مفوضيات مستقلة لتعمل على هذه القضايا وفقا للمشروع الوطني التنموي التثويري (والبرامج التفصيلية لكل مفوضية) المتفق عليه في الإعلان السياسي الموحد وفي الدستور الانتقالي. يُكوّن هذه المفوضيات ويشرف على أدائها المجلس التشريعي القومي الانتقالي، كما يقوم المجلس التشريعي القومي الانتقالي بوضع التفويض الذي ينظم الصلاحيات وأطر العمل الخاصة بكل مفوضية، كما يتولى عملية الترشيح والمصادقة على الثلاث مناصب القيادية في كل مفوضية والمفوضيات المقترحة هي:
    – مفوضية السلام: مفوضية تختص بقضايا السلام وتعمل على معالجة المظالم التاريخية، وتوجد المعالجات لإحقاق العدالة التنموية والاجتماعية والسياسية في المناطق المهمشة تنمويا ومناطق الحرب والنزاعات، وتعالج جذور أسباب النزاعات وجبر الضرر. كما تعمل على إرساء دعائم العدالة الاجتماعية والتمييز الإيجابي لمناطق النزاعات، كما تقوم بمراجعة اتفاق جوبا لسلام السودان وهو الاتفاق الذي تم بشكل فوقي مع قادة بعض الحركات المسلحة وقسّم بينها المناصب الوزارية والسيادية، كما قسّم بينهم السيطرة على مناطق إنتاج الذهب والموارد الطبيعية الأخرى في دارفور، وذلك بمعزل تام وتجاهل لمواقف أصحاب المصلحة الحقيقيين من مواطني إقليم دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وشرق السودان، مما مهّد لتجدد النزاعات في هذه المناطق وقتل أعداد كبيرة من المواطنين العزّل حتى بعد توقيع اتفاق جوبا للسلام، بل ازداد عدد الضحايا بعد توقيع هذا الاتفاق.
    – مفوضية العدالة الانتقالية: مفوضية تختص بتحقيق العدالة وتعمل على إنصاف ضحايا العنف الممنهج وانتهاكات حقوق الإنسان. والاعتراف بما وقع من انتهاكات ومظالم ضد المواطنين التي أرتكبت عن طريق العنف المباشر أو العنف الهيكلي، كما تقوم يجبر الضرر والاعتراف بكرامة الأفراد وحقوق المجموعات المهمشة. يشمل مفهوم العدالة الانتقالية عمليات المصالحة الشعبية الواسعة وتحقيق السلام المجتمعي.
    – مفوضية إصلاح الخدمة المدنية: مفوضية تختص بإعادة بناء وهيكلة الخدمة المدنية على أسس الشفافية والمحاسبة واللامركزية وفقا لقوانين الدستور الانتقالي ولاحقا الدستور الدائم. يتم تطوير المفوضية في سياق المشروع الوطني التنموي التنويري لمعالجة المشكلات الهيكلية التي رسمت الخدمة المدنية منذ عمليات السودنة في الفترة الاستعمارية. يجب معالجة مشكلات الترهل وغياب المحاسبية وعدم الفعالية والحفاظ على حياديتها وقوميتها.

    – مفوضية صناعة الدستور: مفوضية مستقلة تقوم بصياغة مقترح دستور دائم للبلاد على أسس وطنية، يحدد شكل الحكم والعلاقة بين المواطنين والدولة، كما يكفل الدستور حقوق المواطنة المتساوية للجميع وينظم العلاقة بين جميع السكان، ويكفل مبادئ حقوق الإنسان، مع ضمان استقلالية سيادة الدولة والقانون.
    – مفوضية هيكلة القوات النظامية: مفوضية مستقلة تقوم بإدارة عمليات إعادة هيكلة القوات النظامية، وتحديد صلاحياتها وفق الدستور الانتقالي، كما تقوم بإدارة عمليات نزع السلاح والتسريح والدمج للقوات العسكرية خارج مؤسسة القوات المسلحة ويشمل ذلك قوات الدعم السريع وجيوش الحركات المسلحة، ودمجها في مؤسسة عسكرية سودانية واحدة ذات عقيدة وطنية وكفاءة مهنية تعمل على حماية دستور السودان ونظامه الديمقراطي وحماية شعبه وحدوده.
    – مفوضية الانتخابات: مفوضية مستقلة تقوم بصياغة قانون الانتخابات والإشراف على عملية التعداد السكاني وإدارة عملية الانتخابات ومراقبتها والإشراف عليها قبل نهاية الفترة الانتقالية. وتضمن نزاهة وصحة العملية الانتخابية وتضبط أداء الأطراف المتنافسة في الانتخابات عبر لوائح تمنع الفساد السياسي خصوصا استخدام المال السياسي، الذي يوظف للتأثير على نزاهة العملية الانتخابية. كما تساهم مفوضية الانتخابات مع المجلس التشريعي القومي الانتقالي في مراجعة وإعادة صياغة قانون الأحزاب.
    – مفوضية مكافحة الفساد: مفوضية مستقلة قائمة على أساس دستوري تحارب الفساد المؤسسي وتقوم باسترداد الأموال العامة والأصول والممتلكات التي نُهبت من خزينة الدولة في العهد البائد وخلال الفترة التي أعقبت سقوط البشير في 11 أبريل 2019. تعمل مفوضية مكافحة الفساد في تعاون لصيق مع المراجع العام والأجهزة القضائية، كما تقوم بتقديم كل من ثبتت عليه قضية فساد مالي أو مؤسسي إلى المحاكمة العادلة. تراجع مفوضية مكافحة الفساد منظومة القطاع العام والقوانين واللوائح المنظمة له وتضع الأسس المنهجية لمنع الممارسات الفاسدة في كل مؤسساته، وتضمن الشفافية والمحاسبية.
    – مفوضية تفكيك أنظمة القهر والتبعية: قدّمت ثورة ديسمبر خطابا متقدما وثورياً حول أنظمة القهر المركب: حيث أبرزت مفصلية وجود النساء في الفضاء الثوري السياسي كما أبرزت أهمية التخلص من جميع أنظمة التبعية والقهر والتمييز ضد الشرائح الاجتماعية الواقعة تحت التمييز مثل المرأة والأقليات الثقافية والدينية، لذلك يلزم العمل على تفكيك أنظمة القهر في عملية اجتماعية تنويرية تعيد الكرامة والثقة للمجتمعات المحلية المتضررة من شروخ الانقسام على أساس الخلفية الاجتماعية من ناحية، وكذلك من شروخ مخلفات الفكر الاستعماري والعنصري الذي يضع إنسان جنوب العالم في الصور النمطية للضعف والتخلف والهوان والجوع، حتى فقد جزءا كبيرا من الثقة في نفسه، وتشوه وجوده بأمراض الاستلاب الثقافي والخضوع لصورة الهزيمة المستمرة التي لا فكاك منها، في هذا السياق يجب مراجعة النظام التعليمي والمناهج وجميع المؤسسات ذات الصلة ببناء الوعي الجمعي التي تكرس لدونية واغتراب وعزلة المواطنين عن بيئتهم المحلية وتاريخهم ومصادر قوتهم.
    كما يجب إلغاء القوانين والإجراءات ومعالجة الممارسات المكرسة للعداء للمرأة خصوصا في النظام المصرفي والعدلي والتعليمي والاقتصادي عامة، حيث تسود ثقافة الارتياب في المرأة ونزع سلطتها على نفسها وخياراتها. كما يجب مراجعة المناهج التعليمية المكرسة لقهر واستضعاف النساء والشروع في مناقشات اجتماعية قاعدية موسعة حول كيف ترى النساء أوضاعهن وما هي حلول النزاعات والعنف والتفاوتات الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع المرأة ثمنها بشكل مضاعف.
    يجب مراجعة العلاقات الخارجية القائمة على التبعية الاستعمارية ورفض السياسات الخارجية التي تهدف إلى التدخل في المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي السوداني، سواء كان تدخلا دبلوماسيا أو عسكريا مثل احتلال أراضي سودانية حدودية كحلايب وشلاتين والفشقة وغيرها.
    يدخل الاستعمار الجديد في مجتمعاتنا بشكل هيئات ومنظمات منقذة وإنسانية تتبنى قضايا الحقوق والعدالة، إن تحقيق العدالة الاجتماعية يجب أن يتم عبر سياسات تضعها الدولة من خلال المجلس التشريعي الانتقالي وبالتالي لا يمكن ترك مسؤولية تنفيذها على عاتق المنظمات غير الحكومية الدولية، والمنظمات غير الحكومية الممولة بأموال أجنبية تعمل على القيام بدور الدولة لتمرير أجندتها الخاصة. يجب أن يخضع أي عمل تقوم به المنظمات وخاصة تلك التي تتلقى تمويلا أجنبيا للتدقيق من قبل السلطات المختصة بالتعاون مع هذه المفوضية. 

رابعا: الاقتصاد

 

العامل الاقتصادي عامل أساسي في بناء دولة السيادة الوطنية السودانية لارتباطه بملكية الموارد والعوامل الاجتماعية والسياسية الأخرى، في هذا السياق نرى أنه من الضروري إعادة هيكلة النظام الاقتصادي على حسب ما يتم الاتفاق عليه في الدستور الانتقالي للفترة الانتقالية ولاحقا الدستور الدائم المتفق عليه. في إطار المشروع الوطني التنموي التنويري يجب على المجلس التشريعي القومي الانتقالي في الفترة الانتقالية التواضع على إجراءات وحلول متفق عليها لمشكلات ملكية الأراضي ونظام الحواكير والنظام الضريبي والمصرفي وعلاقات الإنتاج في الريف والقطاع غير الرسمي، كما يجب وضع الأسس والقيام بالقرارات والإجراءات اللازمة من أجل تغيير طبيعة الاقتصاد من اقتصاد ريعي لاقتصاد تنموي ناهض. والاقتصاد الريعي هو الاقتصاد القائم على استخراج الموارد الطبيعية مثل النفط والمعادن والمحاصيل الاستراتيجية مثل الصمغ العربي وبيعها في السوق العالمي كمواد خام دون إخضاعها لأي عمليات معالجة صناعية تضيف قيمة مضافة. ينتشر هذا النمط في بلدان جنوب العالم (الأطراف) حيث يتم تصدير عدد كبير من المواد الخام للدول الصناعية بأرخص الأسعار نسبة للإبقاء على الشروط المتدنية للبنية التحتية وسياسة التسعير المتحكم بها عالميا، بحيث يستحيل إجراء المعالجة الصناعية للموارد والاستفادة منها وبيعها بأسعار عادلة.
– بدء إعادة هيكلة النظام الاقتصادي في الفترة الانتقالية أساسية كي تتوقف سياسات الإفقار التي تؤدي إلى العنف والنزاعات لذا يجب أن تقوم إعادة الهيكلة على أساس التنمية المتوازنة القائمة على العدالة الاجتماعية بين كل أطياف السودانيين. يشمل التركيز على التنمية ضرورة العمل على ملكية موارد السودان للشعب السوداني، بحيث يتم استخدام هذه الموارد بطريقة مستدامة وعادلة بيئيا لكسر حلقة العنف وصراع الموارد لمصلحة الشعب السوداني، بدلا عن مصلحة قوى الاستعمار في الخارج والداخل التي تشمل النخب السياسية والمؤسسة العسكرية. كما يجب إعادة ترتيب أولويات الصرف بحيث تشمل القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية وقطاعات الصحة والتعليم والبيئة ليتم استبدال ميزانية القوات النظامية بميزانية التنمية، بمعنى يجب تقليص الصرف على المؤسسة العسكرية بشكل كبير، وزيادة الصرف على القطاعات التي تم ذكرها.
– لضمان التركيز على التنمية والعدالة الاجتماعية يجب التراجع الكامل عن برامج التكييف الهيكلية أو ما يسمى بسياسات التقشف ورفع الدعم المتبعة من قبل صندوق النقد الدولي، وتبني خطط وبرامج إسعافية لمعالجة أزمات الاحتياجات الضرورية واستعادة القطاعات الصناعية والأراضي التي تمت خصخصتها، بحيث يتم إدارتها من قبل الدولة والمحليات. مشكلة وتحديات جدولة الديون يجب التعامل معها وفق شروط إعفاء الديون المنصوص عليها في سياسات التفضيل حسب الظروف الاستثنائية للدول المدينة وتنطبق هذه الشروط على السودان، إضافة لتبني تنمية تعتمد على الموارد المحلية القائمة على استغلال الموارد المتعددة بطريقة منهجية وعادلة وخالية من الفساد وسياسات النيوليبرالية.
– يجب إعادة هيكلة الجهاز المصرفي والبنك المركزي عبر قوانين وإجراءات منظمة يتم وضعها خلال الفترة الانتقالية. كما يجب التأكيد على هيمنة وزارة المالية على المال العام واستعادة شركات الجيش وشركات الاتصالات، وهيمنة البنك المركزي بعد إعادة هیکلته على كل عمليات النقد والصادر والوارد، وإعادة تنظيم النظام المصرفي ووضعه تحت إشراف البنك المركزي والتحكم في قيمة العملة الوطنية، بما يتناسب مع الوضع الاقتصادي الحقيقي والمشروع الاقتصادي الوطني التنموي التثويري.
– يجب أيضا العمل مع القطاع الخاص الوطني ضمن خطة اقتصادية تكاملية وإخضاعه لها في اقتصاد مختلط يلعب فيها القطاع العام دور الموجه الأساسي عن طريق لوائح وقوانين لتحديد علاقته مع الدولة عبر خطط ملزمة.
– يجب أيضا العمل مع القطاع غير الرسمي بحيث يتم تنظيمه في شكل جمعيات أو اتحادات ومأسسته قانونيا، عن طريق لوانح وقوانين لتحديد علاقته مع الدولة والمحليات لضمان حقوقه خصوصا عمالة الأطفال والنساء.
– مشروع الجزيرة: ملحق مفصل يتبع لاحقا

خامسا: العدالة الاجتماعية

 

إن مسألة العدالة الاجتماعية مسألة أساسية تتداخل مع القضايا الأخرى التي نوقشت في هذا الإعلان بوصفها واحدة من ركائز المشروع الوطني التنموي التثويري. ومن الأهمية بمكان توضيح أن العدالة الاجتماعية تتجاوز العدالة الانتقالية وتشمل التوزيع المتساوي للموارد بين جميع المكونات الاجتماعية المختلفة، حيث ظلت الموارد منذ الاستقلال متمركزة في أيدي عدد قليل من النخب والجماعات. وهكذا، فإن قضية العدالة الاجتماعية تستلزم العمل على تفكيك البنية الرأسمالية العنصرية المتأصلة في الدولة القومية الحديثة التي تتميز بالاستيلاء على الموارد وعائداتها. إذا لم يتم تحديد ذلك كهدف بشكل واضح، فإننا نخاطر بأن تصبح العدالة الاجتماعية قضية فردية وليست مجتمعية، إن التركيز على العدالة الجنائية فقط يقود إلى معاقبة بعض الأفراد على الفظائع المجتمعية ويسمح باستمرار أنظمة الهيمنة والقهر المسببة للعنف والفظائع.
– اتّسمت الدولة السودانية بانعدام العدالة بما في ذلك الافتقار إلى العدالة الجنائية التي سهلت افلات الأفراد من العقاب على الجرائم التي ارتكبوها. يجب أن نتأكد من عدم حدوث ذلك. لضمان ذلك، يجب على مفوضية العدالة الانتقالية إخضاع أعضاء حكومة 1989 السابقة للمحاكمة أمام محكمة قانونية. كما يجب أن تشمل المحاسبة الأفراد الذين نظموا وشاركوا في جرائم الحرب والإبادة الجماعية العرفية في دارفور وجبال النوبة وجنوب السودان، وأن يخضع جميع الأفراد الذين شاركوا في جرائم أثناء الثورة للمحاكمة داخل السودان من قبل السودانيين وفقا للدستور الانتقالي، الذي يجب أن يتضمن العملية القانونية التي بموجبها تتم محاكمة هؤلاء الأفراد.

ج: الرؤية السياسية والمفاهيمية القضايا الفترة الانتقالية
1. السياق العام

نفهم ثورة ديسمبر العظيمة 2018 بوصفها ثورة ضد الشمولية العسكرية والمدنية وضد الانقلابات العسكرية وضد علاقات الخضوع الاستعمارية، وهي تراكم نضالات الشعب السوداني منذ تكون الدولة السودانية الحديثة. إن أفق ثورة ديسمبر السياسي هو تحويل طبيعة السلطة نفسها من سلطة مركزية نخبوية إلى سلطة شعبية ديمقراطية مدنية تنموية، وذلك يفسّر تكاثر عدد أعداء الثورة لكونها تهدّد مصالح أطراف عديدة. كانت التجربة الشمولية الطويلة للشعب السوداني مصدرا للمعاناة ولكن أيضا مصدرا لتراكم الوعي السياسي المرتفع والمتجدد. حيث نجحت ثورة ديسمبر في إعادة تعريف شكل الدولة وطبيعة السلطة ومعنى الشرعية بوصفها صادرة عن الشعب والإرادة الشعبية وليس عن قوة السلاح والتبعية. كما نجحت الثورة في إعادة تعريف شرعية المجتمع المدني والتي كانت قبل ثورة ديسمبر قائمة على احتكار النخبة السياسية والاجتماعية لامتيازات التمثيل السياسي على خلفية تفوقها الاقتصادي والاجتماعي ودرجة وصولها للتمويل الخارجي والعلاقات مع المنظمات الدولية. بعد الثورة استعادت القواعد امتیاز تمثيل نفسها بنفسها وأصبح من غير المقبول أن تقوم کيانات بلا قواعد حقيقية بتمثيل السودانيين في العملية السياسية واتخاذ القرار.


اللحظة السياسية الراهنة

بعد ثلاثين عاما من الشمولية العسكرية، نجحت الثورة في الإطاحة برأس النظام عبر المقاومة الشعبية السلمية يوم 11 أبريل 2019، لكن تم تعطيل مسيرتها للوصول إلى غاياتها، وذلك بالخضوع لمنطق شرعية السلاح واشتراط وجود اللجنة الأمنية في السلطة كما أن القواعد الشعبية لم تكن على الدرجة المطلوبة من التنظيم والرؤية السياسية لتخطي النخبة السياسية التقليدية، التي ظلت مهيمنة على السلطة منذ الاستقلال، وتواطأت ضد الثورة عبر القبول بصيغة الشراكة مع لجنة البشير الأمنية. انتهت الشراكة بالانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021، والانفلات الأمني والتدهور المعيشي والاقتصادي. أثناء تجربة الشراكة أدركت المقاومة الشعبية أنها صممت لإجهاض الثورة كليا وبدأت المقاومة الشعبية عملية تصحيح داخلي واسعة، بالتفكير في التنظيم والرؤية السياسية والعمل على بنائهما. في الوقت الراهن، السودان دولة بلا حكومة وباقتصاد متدهور بمعدلات غير مسبوقة، مع تزايد العنف والاقتتال الأهالي واستمرار نهب الموارد وتقويض السيادة عبر التدخلات المخابراتية للأطراف المختلفة. هذا الوضع غير قابل للاستمرار، ولذلك انتقلت لجان المقاومة من خانة المراقب السياسي إلى خانة اللاعب السياسي الأول والأهم ونعمل الآن على التوافق حول رؤية سياسية موحدة وهيكل ديمقراطي لانتزاع السلطة من لجنة البشير الأمنية والنخب السياسية. يمثل الإعلان السياسي الموحد إجابة على سؤال (البديل منو) بتقديمه رؤية سياسية حول قضايا الانتقال وتقديمه هيكل لقيادة السلطة في الفترة الانتقالية.
في سياق التصحيح الداخلي للعملية الثورية، توصلت المقاومة الشعبية إلى خيار أنها لن تضفي شرعية للانقلاب العسكري بالشراكة، ورفعت شعار “قدرنا أننا الجيل الذي سيدفع تكلفة نهاية الانقلابات العسكرية ولن نؤجل هذه المعركة”؛ لأنها أدركت أن تأجيل المواجهة مع الانقلابيين العسكريين والمدنيين يرفع تكلفة الوصول إلى التحول الديمقراطي. لذلك أخذت المقاومة الشعبية موقف اللاءات الثلاث: لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية، وهو موقف مبني على التجربة المباشرة وليس الافتراض؛ حيث وفرت تجربة شراكة الوثيقة الدستورية المجال لاختبار عقلانية وصواب منطق الشراكة مع اللجنة الأمنية، واتضح بما لا يدع مجالا للشك أن هذه الشراكة بمنطق الثورة هو خيار صفري: لأنه أعادنا الى نقطة البداية بفرض واقع الانقلاب العسكري الذي خرجنا ضده في أول الأمر.

على مستوى أفريقيا يعتبر السودان من أكثر الدول التي شهدت انقلابات عسكرية (17 انقلاب ومحاولة انقلابية) وفترات طويلة من الشمولية العسكرية والحرب الأهلية ونهب الموارد. هذه الظاهرة السياسية والاجتماعية لديها جذور بعيدة ذات صلة بتكوين الدولة السودانية الحديثة. إن فهم الأزمة السياسية السودانية يتطلب إعادة قراءة المعطيات التاريخية والتجارب؛ لتفادي إعادة تكرار الأخطاء.

 

  1. أصل عنف الدولة السودانية القومية الحديثة 

إن الدولة القومية الحديثة السودانية هي بناء استعماري ذو طبيعة عنفية قائمة على سياسات الإخضاع والانصهار والعنصرية. في الواقع الاستعماري تزداد شراسة الدولة القومية الحديثة لكونها مجلوبة بقوة السلاح لإدخال مجتمعات تم استعمارها لاستغلال مواردها، وإدخالها عنوة في النظام الرأسمالي العالي. ترسم الإمبراطورية الاستعمارية الحدود للدول المستعمرة ونقيم المجموعات المتعايشة تاريخيا وفق تحالفات وأنظمة عيش وثقافات لها استمرارية تاريخية ومسوغات وجود عضوية، لكن القوة الاستعمارية لا تعترف بالمنطق الداخلي للتاريخ المحلي، ولا تحترم الاستمرارية التاريخية، فتعيد هندسة السكان المحليين وتقيم المجموعات الممتدة عبر الأقاليم المناخية. انقسمت مجموعات قبلية كبيرة بين الدول في أفريقيا بسبب الترسيم الأجنبي للحدود، وزادت معدلات العنف بين المكونات المحلية بسبب سياسات إعادة هندسة الكان والموارد، خصوصا الأرض، فاشتعلت الحروب الأهلية في تشاد، وأفريقيا الوسطى، والكونغو، وجيبوتي، والصومال، وإريتريا، وإثيوبيا، والكاميرون، ورواندا وغيرهم من الدول المستعمرة. بفضل تاريخ الاقتتال الأهلي الطويل تحول العنف نفسه إلى مورد اقتصادي، بحيث أصبح أحد سبل كسب العيش بالنسبة للمجموعات المختلفة واستفادت الحرب الاستعمارية التقليدية والحديثة من بذور الشقاق واستثمروا فيها لإشعال النزاعات بهدف السيطرة على الموارد الطبيعية، خصوصا الذهب والمعادن النادرة والبترول والصمغ العربي والمواشي. كما أتاح لهم النزاع موارد إضافية من تجارة الأسلحة وسيارات الدفع الرباعي ونهب المحاصيل والمواشي من الفقراء. دخل لوردات الحرب في الاقتصاد العالمي عبر بوابة العنف والارتزاق، حيث تحولت الجيوش إلى شركات خاصة لإدارة الدم لصالح رؤوس أموال كبرى، أبرزها الاتحاد الأوربي عبر عملية الخرطوم، ومحور التحالف الخليجي في حرب اليمن، وكذلك النزاع في ليبيا. إن استمرار النزاعات في السودان مرتبط بشكل مباشر بعمليات الاستثمار في مواطن الضعف المجتمعية الناتجة بدورها عن عمليات استعمارية قديمة، كرست للعنف حول امتلاك الأراضي في الريف، وربطت بين الهوية القبلية ووسائل كسب العيش بما فيها العنف.
على الرغم من مساهمة الريف الكبيرة في الإنتاج وتغذيته البلاد بالمحاصيل الاستراتيجية والمواشي، إلا أن وضع الزيت السوداني المتأخر تنمويا ظل هو السمة المشتركة بين جميع الأنظمة التي تعاقبت على حكم السودان منذ الاستقلال. فقد كان الريف وما يزال هو مسرح العنف الواسع والإبادة الجماعية والاقتتال الأهلي والمجاعات. إن وضع الريف هو نتيجة لاستمرار السياسات الاستعمارية المذكورة آنفا، والتي قسمت السودان قانونيا وإداريا إلى نصفين: الحضر المحكوم بالقانون وسياسات حكم نظامي تحضر فيه الدولة في شكل بعض الخدمات والمشاريع الاقتصادية والأجهزة القضائية مثل الشرطة والمحكمة. وقسم آخر مدار بالقوانين العرفية والإدارة الأهلية وتغيب عنه الخدمات الأساسية مثل المدارس والمشافي، كما يغيب عنه ظل القانون والأجهزة التي توفير الأمن للمواطنين. هذا الانقسام القانوني والإداري والأمني رسخ لتدهور الريف وحرمانه من أبسط الحقوق، کما وضعه في مسيرة تطور اجتماعي واقتصادي مختلفة عن مناطق الحضر، حيث كان وما زال أمن المواطن الغذائي والمادي هو مسؤولية المواطن نفسه وليس الدولة. وفي ظل التدهور البيئي وتمدد التصحر وشح الأمطار أصبح التنازع على الموارد الشحيحة هو الواقع اليومي فانفجرت النزاعات وانتشرت الأسلحة وتم تسييس الإدارة الأهلية والنزاعات الصغيرة بشكل أدخل الريف في دائرة عنف شرسة تحول فيها العنف نفسه إلى الوسيلة الأساسية لكسب العيش عبر سياسات عسكرة القوى العاملة في الريف وعسكرة الإنتاج. دفعت النساء في الريف أثماناً مضاعفة لهذه الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية المتدهورة وما زلن يدفعن، والآن يخيم شبح مجاعة جديدة في غرب السودان وشرقه. وقد أثبتت التجربة أن النزاعات المسلحة تتسع عقب حدوث كل مجاعة.
إن استمرار هذا الوضع يهدد استقرار السودان ويزيد من فرص انهيار الدولة، ولذلك يتوجب علينا كقوى ثورية تفكيك العلاقات الاستعمارية التي وضعها المستعمر بين الريف والحضر، بضمان حضور الدولة في الريف في شكل سياسات تنموية تفضيلية وخدمات تعليم وصحة وأمن مجتمعي، تضع الريف في مكانه الصحيح بوصفه قائد النهضة الاقتصادية ومحل الموارد والقوى العاملة.

الوصول إلى السلام لن يتم إلا عبر بوابة مشروع وطني تنموي تثويري جامع يعيد صياغة أسس التعاقد الاجتماعي، بين مكونات الشعوب السودانية، ويقدم مصلحتها على مصالح اقتصاد العنف الاستعماري ومؤسسات الاستعمار في الدولة السودانية، مثل مؤسسة الجيش والإدارة الأهلية والنخب السياسية التقليدية والحديثة، التي ورثت امتيازات المستعمر وعنفه. أدناه نناقش كيفية نشأة هذه المؤسسات ورؤيتنا السياسية حولها.

 

  1. الجيش السوداني 

للمناقشة مع القواعد من ضمن المؤسسات التي أنشئت في فترتي الحكم الاستعماري هي الجيش السوداني، الذي كان يسمى سابقا قوة دفاع السودان، لخدمة مصالح الحكم الاستعماري. إن الجيش السوداني باعتباره أحد أوجه أزمة الدولة السودانية يحتاج إلى إعادة هيكلة. هذه المؤسسة لم تخضع لإعادة هيكلة وطنية منذ استقلال السودان، بل استمرت هياكلها وعقيدتها الاستعمارية في توجيه العنف ضد السودانيين بدلا عن القيام بالمهام المتعارف عليها من حماية الدستور والسيادة والحدود، إذ قام الحكم الاستعماري بتجنيد الجنود في الجيش على أسس عنصرية ومعتقدات دينية لمواصلة تنفيذ استراتيجية فرّق تسُد. وهكذا، تم إنشاء الجيش السوداني وتطور ليبقى منقسما عرفيا ومناطقيا كان العامل الحاسم للحكام الاستعماريين هو بسط السلطة ودعم “السلام” الاستعماري من أجل ضمان استغلال الموارد من مختلف الأراضي في السودان. كان لهذه السياسات تداعيات خطيرة في فترة ما بعد الاستقلال وشكلت قوة الجيش وولاءه للأنظمة الاستعمارية الحالية. ارتبطت المنظمات العسكرية ارتباطا وثيقا بالعملية السياسية من خلال دورها في الحفاظ على الأمن الداخلي ومن خلال نمط تجنيد الضباط (من طبقات معينة ومجموعات دينية اثنية معينة). وهكذا ظل الجيش أحد أكثر الجماعات طاعة للنظام الاستعماري الذي كان قائما في السودان ومن ثم، فليس من قبيل الصدفة أن الجيش في السودان منذ الانقلاب العسكري الأول في نوفمبر 1958، قد انتزع الموارد والسلطة وسيطر عليها من أجل القوى الاستعمارية والنخب المحلية. كانت هذه السيطرة على الموارد والسلطة السبب الأساسي لتطوير الجيش السوداني كمؤسسة تتمتع بسلطة سياسية واقتصادية واسعة وشاملة بالنظر إلى الممارسات السابقة للجيش السوداني وتفاقم فساده الحالي (انقلاب 1989) الذي ظهر في احتكار منظومة الدفاعات الصناعية وطيف واسع من العمليات التجارية الاستراتيجية وتورطه في تهريب الذهب. ترى بوضوح، أن الجيش السوداني هو مؤسسة مصممة لتكون أداة للحكم الاستعماري في الماضي والحاضر حيث يتحكم ويعيد إنتاج وسائل العنف والسيطرة على شعب السودان واستغلال موارد الدولة، وليس كسلطة مؤسسية مصممة لحماية الشعب وموارد البلاد. إن التغيير الجذري الثوري ضروري لإعادة هيكلة وطنية كاملة لهياكل وعقيدة الجيش لأن عمليات الإصلاح الشكلية غير كافية، بل ومضرة.
استنادا على كيفية نشأة مؤسسة الجيش السوداني فإن شعار لا شراكة يجد فهما عميقا لمشكلة الجيش، لأن تأجيل المواجهة مع المجلس العسكري يعمق ويطيل أمد مشكلة عنف الدولة، إذ أثبتت التجربة أن الشراكة مع الجيش في الوثيقة الدستورية 2019 أتاح المجال لتحول مليشيا الدعم السريع إلى مؤسسة اقتصادية اجتماعية متطورة فنيا وعسكريا ولوجستيا، كما أتاح تغوّل الجيش على الموارد الاقتصادية. لقد قادت الشراكة الى اكتساب الثورة لأعداء مسلحين جدد بدخول بعض الحركات المسلحة في تحالف الثورة المضادة. كما مهدت الطريق لإيقاظ آلة العنف الأمنية عبر منح الحصانة لجهاز الأمن وإطلاق يده في قمع الثوار. وكذلك تم استيعاب كوادر هيئة العمليات والدفاع الشعبي وكتائب الظل في منظومة الدعم السريع أو التعاون معهم ضمن منظوماتهم القديمة، كما أثبتت التجربة فشل اتفاقات السلام الفوقية حيث لم تتوقف النزاعات، بل اتسعت خريطة العنف ودخلت مناطق جديدة في دائرة النزاعات المسلحة والتوتر الأمني والتسليح مثل مدينة بورتسودان وكسلا ومناطق غرب دارفور وغرب وجنوب كردفان في مناطق حزام التعدين الشيء الذي يظهر بوضوح ارتباط العنف بصراع الموارد.

 

  1. نظام الإدارة الأهلية 

هو من مخلفات النظام الاستعماري للسيطرة اللامركزية، يتم فيه فصل السكّان المحليين على أسس عرقية، وحكمهم بشكل غير مباشر من قبل الزعماء المحليين وفق نظام قانونی و إداری مختلف مقارنة بالمناطق الحضرية، خصوصا في علاقات الأرض والإنتاج. لمحاصرة طموحات الطبقة المتعلمة التحررية التي انعكست في ثورة اللواء الأبيض 1924 قررت الإدارة الاستعمارية بناء تحالفات جديدة في الريف في سياق تغيير نظام الحكم إلى حكم غير مباشر عن طريق نظام الإدارة الأهلية، مكّنت مؤسسة الإدارة الأهلية الزعماء من السيطرة على السكان المحليين في مناطقهم بأقل تكلفة وأقامت ارتباطا صارما بين الهوية الإثنية للفرد والوصول إلى الموارد الأساسية. انطوت الإدارة الأهلية المفروضة على السكان الأصليين على خاصيتين رئيسيتين:
أولا: انعكست البنية الأبوية للمستعمر في دور الزعماء الذين تم اختيارهم في بعض الأحيان من قادة القبائل الموجودين من خلال آليات المكونات العشائرية والاثنية والعنف. في حالة عدم وجود قيادات تقليدية في المجتمعات المحلية تمت صناعة قيادات أهلية موالية للاستعمار لخدمة مصالحه في استغلال الموارد السودانية
ثانيا: كان الفصل بين السكان المحليين على أسس عرقية استراتيجية مقصودة أنشأها الحكم الاستعماري وتم تنظيمها عبر الإدارة الأهلية، خدم نظام الإدارة الأهلية الحكم الاستعماري في توزيع الحقوق والثروة والامتيازات لصالح الإدارة الاستعمارية، كما راكمت طبقة زعماء الإدارة الأهلية الامتيازات بسبب تحكمهم في الموارد، على أساس التقسيمات العرقية، والانقسام على خط ثنائية الريف والحضر داخل الدولة القومية. أدى هذا الانقسام إلى إضعاف قدرة السودانيين على بناء الوحدة ومقاومة الحكم الاستعماري معا. كما أضعف مقاومتهم وقدرتهم على التنظيم في مواجهة الأنظمة الشمولية اللاحقة للاستعمار.
رؤيتنا حول نظام الإدارة الأهلية قائمة على امتلاك الريف لقراره وموارده، بشكل عام غاب الريف وتكويناته الاجتماعية ومؤسساته السياسية والاقتصادية من خطاب المقاومة الحضري. فلم تحضر مصالح وتحديات الريف في الخطاب العام للثورة إلا لماما وبشكل سطحي، إن دخول المكونات الاجتماعية الريفية في الحراك الثوري هو مسألة حيوية لاستمرار ونجاح الثورة، ولا يمكن أن يتقدم الحضر تاركا الريف في الخلفية. هذه المشكلة لا يمكن حلها بالوكالة إذ يلزم أن يدخل الريف نفسه في خطاب ثورة ديسمبر عبر امتلاكه لها والحضور الفاعل في تكوين وجهتها وخطابها؛ لأنها ثورة جميع السودانيين بجميع مكوناتهم الاجتماعية وخلفياتهم الثقافية. نشهد بداية انخراط مكونات طبقية مختلفة في الريف في الحراك والفعل الثوري ومن الضروري دعم تمدد هذا الانخراط. في سياق الحكومة الانتقالية من الضروري معالجة سؤال ما هو موقع الإدارة الأهلية من عملية التحول الديمقراطي التي تسعى قوى المقاومة إلى ترسيخها. إن تدافع المؤسسات الثورية الحديثة مثل لجان المقاومة مع مؤسسات تقليدية مثل الإدارة الأهلية هو تدافع طبيعي في سياق صراع السلطة والمصلحة والتمثيل السياسي. أظهرت التجربة العريضة أن نظام الإدارة الأهلية ليس نظام أيديولوجي، لكنها تتحالف مع جميع الأنظمة الحاكمة وهذا جزء من تكوينها. تتحالف الأنظمة مع نخب الإدارة الأهلية الذين يتحدثون باسم ويمثلون مجموعات سكانية كبيرة لضمان مكاسب سياسية معينة. تحكم هذه العلاقة بين السلطة ونخب الإدارة الأهلية علاقات الفساد السياسي الذي يقدم الخدمات الأساسية للمجتمعات مثل حفر الآبار أو تشييد طريق أو بناء مدرسة بوصفها رشاوى لشراء الولاء السياسي وليس كحق أصيل للمواطنين. تصورنا حول مؤسسة الإدارة الأهلية يمكن تلخيصه في

آ) سيكون دور السلطة الانتقالية هو عقد التفاهمات مع المكونات الاجتماعية المختلفة في الريف، من زاوية مصلحة الريف في التحول الديمقراطي وامتلاكه قراره السياسي والاقتصادي وحصوله على حصته العادلة في الموارد التي ينتجها.
ب) تعزيز وتوطين أنظمة وثقافة الحكم المحلي تعزز الصلة المباشرة بين المواطنين وأجهزة الدولة، بحيث يحدث اختراق تدريجي في مشكلة التمثيل السياسي لمكونات الريف. إن استمرار هيمنة الإدارة الأهلية قائم على غياب الدولة ولذلك تكمن أهمية المجالس المحلية في بناء علاقة جديدة بين المواطن والدولة تتجاوز المؤسسات التقليدية مثل القبيلة والإدارة الأهلية.
إن التحول الديمقراطي هو الطريق الوحيد للاستقرار والسلام والتطور الاجتماعي والاقتصادي، إذ أثبتت الدولة الشمولية أنها لا تقدم للريف خيارات خلاف المجاعات والعنف والموت البطيء

5- النخب السياسية التقليدية والحديثة

كانت الهيمنة من خلال سياسة فرق تسد الاستعمارية واضحة أيضا في تسييس الدين بسبب الخوف من الطرق الدينية الصوفية وإمكانية عودة المهدية. نتيجة لهذا الخوف قام الحكم الاستعماري البريطاني بتمكين ورعاية الأنظمة الدينية المتنافسة، مما أدى إلى تفاقم العداوات، لا سيما بين الأنصار والختمية. أصبحت هذه الولاءات الطائفية أساس الدعم السياسي للأحزاب السياسية الرئيسية. علاوة على ذلك، استسلمت الحركة القومية السودانية المتمثلة في مؤتمر الخريجين للتأثيرات السياسية والطائفية الحزبية، واخفقت في إنشاء حواضن اجتماعية تتجاوز الانتماءات العرقية والدينية، لذا رغبت في الاستفادة من الحواضن الاجتماعية للحزبين الكبيرين. وهكذا تم تعزيز سياسة “المركز” من خلال العلاقات الاجتماعية التي نشأت في الفترة الاستعمارية.
النخب القومية في السودان التي استولت على السلطة من الإداريين الاستعماريين البريطانيين فعلت ذلك دون إحداث تحولات جذرية في البنى التحتية الاقتصادية الاستعمارية. لم تكن هناك رغبة في تنفيذ تغييرات جذرية فحسب، بل نفّذت الأحزاب السياسية التقليدية سياسات استعمارية لزيادة قوتها وعملت مع الجيش للاستحواذ على السلطة وزيادة نفوذها، كمثال على ذلك عسكرة بعض الجماعات الإثنية في دارفور ضد جماعات أخرى وتعاون بعض النخب السياسية مع الجيش، لأنه كان من مصلحة النخب القومية الحفاظ على النظام الاجتماعي والاقتصادي القائم، لأنه كان مصدر مكائنهم وربحهم. على هذا النحو، على الرغم من نقل السلطة السياسية إلى النخب القومية، إلا أن أشكال الإنتاج والاستيلاء على الموارد والسلطة لم تتغير. مزيد من استغلال الموارد كان ولا يزال يخضع لأشكال مختلفة من الاستعمار الجديد. على سبيل المثال، على الرغم من أن السودان هو أكبر منتج للصمغ العربي في العالم، وأن حزام الصمغ العربي محصور في غرب أفريقيا، إلا أن فرنسا هي أكبر مصدر لهذا المنتج.
يتضمن الحفاظ على النظام الاجتماعي والاقتصادي الاستعماري تنفيذ سياسات السوق الحرة من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي منذ السبعينيات، مما أدى إلى اعتماد كبير على القروض الخارجية، الشيء الذي فاقم من عدم المساواة الطبقية والعرقية الموجودة في السودان. مما قاد إلى الصراعات والحروب والفقر.
إن فهم هذه العلاقة الوثيقة بين الأحزاب النخبوية والجيش من ناحية والأسواق الاستعمارية من ناحية أخرى، يسهّل فهم سبب استمرار الأحزاب النخبوية الحالية في شكل قوى الحرية والتغيير في الدعوة إلى الشراكة مع الجيش، واستمرار التبعية للقروض الخارجية

 

  1. السيادة الوطنية 

إن استقرار السودان هو في مصلحة الشعوب والسلم العالمي، لكن تكمن مشكلة المجتمع الدولي والإقليمي في تعريف استقرار السودان بوصفه مشروط بوجود نظام شمولي عسكري باطش وخاضع للأجندة الدولية على حساب مصلحة الشعب السوداني. لقد برهنت فترة حكم البشير الطويلة التي امتدت لثلاثين عاما وكذلك فترة حكم لجنة البشير الأمنية لمدة ثلاث سنوات أن النظام الشمولي هو المهد الأساسي للسلم الإقليمي والدولي، فقد تدخلت الحكومتان المذكورتان في الشأن الداخلي للدول الجارة. ورعت خلايا الإرهاب العالمي، وحاولت اغتيال رأس دولة جارة، ومارست الاتجار بالبشر وانتهكت حقوق اللاجئين وانتهكت جميع مواثيق وإعلانات السلم العالي في جرائم كبيرة بما في ذلك جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، كل ذلك دليل على أن الربط بين الأنظمة الشمولية والاستقرار هو قرار غير حكيم وقاصر.
وفي سياق العلاقات الخارجية نؤكد على احترام سيادة جميع الشعوب، وعلى رعاية المصالح المشتركة، ورعاية الأعراف والمواثيق الدولية الساعية لإحلال السلم العالمي. كما نؤكد على أن حفظ سيادة السودان ومصلحة شعبه وإقامة علاقات تعاون متوازنة هي أساس التعامل مع جميع الأطراف الخارجية. وبالتالي لا يجوز التهاون مع استغلال الموارد وملكية الموارد السودانية، يجب أن يتخذ الشعب السوداني قرارا بشأن إدارة موارده الخاصة بطريقة تعزز العدالة الاجتماعية والسياسية والبينية. يجب العمل على تعزيز علاقاتنا مع الدول الأفريقية والدول الأخرى في جنوب العالم. العلاقات التي تم تجاهلها، من أجل تسهيل التجارة والتعاون وكذلك التأكيد على التضامن الشعبي لذلك نعتبر نحن في لجان مقاومة مدني أن استعادة السيادة الوطنية بشكل كامل هو أول خطوة في طريق التحول الديمقراطي والتنمية العادلة، وأن استعادة السيادة هي معركتنا الأساسية ضد الديكتاتورية؛ لأن ثورة ديسمبر هي ليست فقط ثورة ضد نظام البشير واللجنة الأمنية بل هي ثورة تحرر وطني تعيد للسودانيين/ات قرارهم واستقلالهم السياسي والاقتصادي



لجان مقاومة مدني

 

15 يناير 2022


ننوّه إلى أن الآراء الواردة في المواد المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن آراء ومواقف “الرابطة الأممية للعمال – الأممية الرابعة”

 

Check out our other content

Check out other tags:

Most Popular Articles