عام مضى على الهبة الاجتماعية التي هزّت كوبا على مدى يومي 11 و12 تموز، حيث خرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع، في كافة أنحاء الجزيرة، رفضا لتدهور الظروف المعيشية إلى حد لا يطاق، والذي تفاقم إثر جائحة “كوفيد-19″، ما أدى إلى انهيار نظام الصحة العامة، وتنديدا بقمع النظام الديكتاتوري الذي يحظر أي نوع من التنظيم النقابي والسياسي خارج إطار الحزب الشيوعي الكوبي. وكانت “الرابطة الأممية للعمال – الأممية الرابعة” قد دعمت تلك الاحتجاجات في مواجهة القمع منذ البداية، كما شاركت في الحملة الديمقراطية، التي تم تنظيمها في عدة بلدان، من أجل الإفراج عن المعتقلين السياسيين.
بقلم دانيال سجاستي
الفاقة، وانتشار مراكز تخزين الدولار(1)، وفقدان السيطرة على الجائحة، إضافة إلى التطلعات المشروعة للحريات الديمقراطية، كانت هي الدافع وراء تلك الاحتجاجات. وبالتالي، ليس صحيحا أن نزول الطبقة العاملة والشعب الكوبي إلى الشوارع كان من أجل “استعادة الرأسمالية”، بأوامر من واشنطن أو البرجوازية الكوبية المنفية في ميامي، كما يزعم الحزب الشيوعي، ويردد طيف الأحزاب الستالينية الجديدة، والكاستروية التشافيزية. قطعا لا. الاحتجاجات اندلعت لنفس الأسباب التي يشهدها أي بلد آخر في أمريكا اللاتينية: التنديد بالتغول الوحشي على المستوى المعيشي للطبقة العاملة، وفي الحالة الكوبية، أيضا ضد الدكتاتورية التي يقودها الحزب الشيوعي منذ عام 1959.
كما أوضحنا في مقالات أخرى، فإن احتجاجات 11 تموز 2021 لا يمكنها أن تفضي إلى استعادة الرأسمالية، أو تسليم البلاد لرأس المال الأجنبي، لسبب بسيط، هو أن اقتصاد السوق كانت قد تمت استعادته فعلا في التسعينيات على يد قيادة كاسترو نفسها. في الثلاثين سنة الماضية، روج هذا النظام لكافة أنواع الصفقات التجارية مع الإمبرياليتين الأوروبية والكندية، بل وحتى مع الإمبريالية الأمريكية، بدرجة أقل.
لا توجد اشتراكية في كوبا، بل دولة رأسمالية تديرها ديكتاتورية برجوازية، بنظام بوليسي لديه ارتباطات سرية برأس المال الإمبريالي. كما لا توجد “ديمقراطية عمالية” في كوبا، حيث ليس بمقدور الطبقة العاملة أن تقرر أي شيء على الإطلاق، ولا يمكنها أن تنظم نفسها لمقاومة أي إجراء حكومي، لأنها تفتقر إلى حرية الرأي والحريات الصحافية والنقابية والسياسية. هذا هو النظام الذي يدافع عنه الحزب الشيوعي الكوبي ومعظم ما يسمى بالمنظمات “اليسارية” في أمريكا اللاتينية.
قمع شرس تمت ممارسته كردة فعل
النظام الكوبي رد على حراك 11 تموز بقمع قاسي. ومن منطلق البروباغاندا، أطلقت الزمرة الحاكمة حملة تشهيرية ضد المتظاهرين، واتهمتهم بأنهم جزء من مؤامرة إمبريالية معادية للثورة. كما أطلقت على أبناء الشعب الكوبي الشجاع الذي نزل إلى الشوارع، رغم النظام الاستبدادي، أوصافا من قبيل: “المشوشين” والمخربين والحثالة والديدان.
الشرطة الكوبية، إلى جانب قوات النخبة (القبعات السوداء) والمجموعات الأخرى المرتبطة بأجهزة الدولة، قامت بقتل أحد المتظاهرين واعتقال مئات الأشخاص دون تمييز، فكان من بينهم عشرات القُصّر. ولم تحترم خلال الاعتقالات أي ضمانات قانونية. وفي كثير من الحالات، كان مكان تواجد المعتقلين مجهولا لأيام. كما استخدمت الدولة الإنترنت على نطاق واسع أثناء الاحتجاجات وبعدها. وتمت عسكرة مدن مثل هافانا وآرتيميزا وماتانزاس وهولغين. كانت الديكتاتورية ولاتزال مصممة على القضاء على اندفاع المعارضة في مهده، مهما كان الثمن.
تقرير جديد صادر عن “عدالة 11 تموز”، و”كوبا ليكس”، حاول قياس درجة القمع خلال الاحتجاجات حتى 1 تموز 2022. ومن خلال التعاون المستمر والشجاع بين المتظاهرين والعائلات، تم التمكن من توثيق 1484 حالة اعتقال منذ 11 تموز. وقد كان 11% من الذين تم اعتقالهم ضمن الفئة العمرية ما بين 12 و20 سنة(2). ولايزال ما لا يقل عن 701 شخصا قيد الاعتقال.
لكن “عدالة 11 تموز” تعترف بأن هذه البيانات ليست نهائية، لأنه “(…) رغم كل الجهود، لا يوجد رقم محدد لعدد الأشخاص الذين تم اعتقالهم إثر مشاركتهم في احتجاجات تموز 2021، ومن غير المعروف عدد الأشخاص الذين تم إطلاق سراحهم، ولا عدد الأشخاص المتبقين، قيد التحقيق، في عهدة الدولة(3). و في كثير من الحالات يكون مكان الاحتجاز غير معروف. ومن ناحية أخرى، وثّق تحقيق قامت به “كوباليكس” ما لا يقل عن 14 طريقة تعذيب في السجون الكوبية.
في نهاية كانون الثاني 2022، أفاد مكتب المدعي العام الكوبي أن 790 شخصا يواجهون إجراءات جنائية إثر مشاركتهم في الحراك، من بينهم 115 متهما تتراوح أعمارهم ما بين 16 و 20 عاما. وقد كان 68% من المتهمين رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة اعتبارا من تموز 2021.
ما بين شهري شباط وآذار، تم الإعلان عن أول أحكام بتهمة التحريض على الفتنة. وقد بلغ إجمالي عدد عقوبات السجن الصادرة حتى شهر آذار 1916 سنة. وبحسب منظمة “المدافعون عن السجناء” غير الحكومية “، فقد تم الحكم على سبعة مراهقين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و 17 عاما بالسجن لمدد تتراوح ما بين سبع وتسعة عشر سنة. كما أفاد المرصد الكوبي لحقوق الإنسان بأن “.. 77٪ من المحكوم عليهم ليست لديهم سوابق جنائية..” (4). ومن الواضح أن معظمهم هم أشخاص خرجوا للاحتجاج بدافع السخط المبرر، وكثير منهم شارك في التظاهرات لأول مرة في حياته.
ما هي الأدلة التي قدمها النظام ضد المتظاهرين؟ مجرد شهادات من موظفين حكوميين، وأعضاء الحزب الشيوعي الكوبي، وعناصر وزارة الداخلية. وفي حالات أخرى، تم الحصول على معلومات، دون إذن المتهمين، من هواتفهم المحمولة، أو من المحتوى المنشور على شبكات التواصل الاجتماعي. باختصار، كل من الاتهام، والتبرير، والصيرورة نفسها، معيبة تماما، ما يفسر الغياب التام للضمانات القانونية، والحريات الديمقراطية الأساسية. حجج المدعين الكوبيين تستحق وصفها بمحاكمات موسكو، تلك المهزلة القانونية التي قامت بها الستالينية خلال الثلاثينيات.
اعتزام النظام فرض عقوبات “نموذجية” ضد متظاهري 11 تموز جاء من منطلق الترهيب، وإحباط معنويات أولئك الذين كانت لديهم الشجاعة للتحرك ضد كلفة العيش الباهظة، والأزمة الصحية، والاختناق السياسي، وغياب الحريات الديمقراطية الأساسية.
مضاعفة الحملة ضد الاعتقال السياسي ومن أجل إلغاء الأحكام
“الرابطة الأممية للعمال- الأممية الرابعة” اصطفت منذ البداية في خندق احتجاجات 11 تموز الكوبية. إننا نتضامن مع مطالب الحراك، وندين القمع الذي يمارسه نظام دياز – كانيل، وعصابة الحزب الشيوعي الكوبي، التي تسيطر على الدولة الكوبية. لقد واجهنا عمليات الافتراء على المتظاهرين التي روجتها الستالينية الجديدة والكاستروية التشافيزية في كافة أنحاء العالم. لقد فعلنا ذلك بفخر، كوننا نقف في الجانب التاريخي الصحيح، إلى جانب مصالح الطبقة العاملة في كوبا، ضد دكتاتورية رأسمالية قادرة على الدوس على شعبها لضمان سير أعمالها مع الإمبريالية. من ناحية أخرى، لا يستطيع معظم ما يدعى بـ “اليسار” قول الشيء ذاته، حيث شهدنا مواقفه مع القذافي، والأسد، ومادورو، وأورتيجا، والآن مع بوتين، عندما انحاز إلى الدكتاتوريات ضد الشعب.
منذ البداية، انضممنا إلى الحملة التي تطالب بوقف القمع والإفراج الفوري عن كافة السجناء السياسيين في كوبا. وبعد مرور سنة، لا يزال النضال مستمرا. إن تقدم عملية التجريم يحتم علينا مضاعفة جهودنا، من أجل توسيع الحملة الديمقراطية الأممية لإطلاق سراح كل السجناء السياسيين، وإلغاء الأحكام الصادرة بحقهم. تحقيقا لهذه الغاية، ندعو كافة منظمات العمال، والفلاحين، والطلبة، ومجموعات الفنانين، والمثقفين، باختصار، كل أولئك الذين يدافعون عن حقوق الإنسان، وحقه في الضمانات الديمقراطية، إلى التعاون مع هذه المبادرة الديمقراطية.
سنستمر في رفع راية الحريات الديمقراطية في كوبا، ضد نظام الحزب الشيوعي، والقوات المسلحة التي، بعيدا عمّا تمثله الاشتراكية، تزرع وتحصد الإرهاب، والتفاوت الاجتماعي، والجوع، والتهجير القسري. إننا نعتبر هذه المهمة نقطة انطلاق أساسية لنضال استراتيجي: ثورة جديدة في الجزيرة، تستعيد الانتصارات المادية والثقافية للعام 1959 ولكن بوجود الديمقراطية العمالية، والنضال الدائم ضد أي نوع من القهر، واحترام التنوع، فمن هنا يبدأ طريق الاشتراكية.
- أطلقوا سراح السجناء السياسيين في كوبا!
– كفى قمعا!
– لا للتدخل الإمبريالي!
– يسقط نظام دياز كانيل الرأسمالي الاستبدادي!
ملاحظات:
(1) مراكز تجارة العملة القابلة للتحويل بحرية، والتي لا يقبل الدفع بها إلا عند مقابلتها بالدولار أو اليورو، عندما تتلقى الطبقة العاملة الكوبية أصولا بالعملة الوطنية.
(2) عام بلا عدالة: أنماط عنف الدولة ضد متظاهري 11 تموز. انظر: <https://bit.ly/unañosinjusticia>.
وأوضح التقرير أن “من تبلغ أعمارهم ما بين 12 و 17 سنة يعدون أطفالا وفقا لاتفاقية حقوق الطفل – وقد تم اعتقال 57 شخصا من هذه الفئة العمرية، ما يمثل 3.8٪ من إجمالي عدد المعتقلين..”.
(3) انظر: <https://www.facebook.com/justicia11j/posts/pfbid02Kpe7faQTBQGznD6sRknxj3xZauPzHHvSGCYxmdzVeafHyAnHGSfc94wrSWNU6aQel>.
(4 ) انظر: <https://observacuba.org/ocdh-condena-sentencias-tribunal-habana-falsa-criminalizacion-manifestantes-11j-cuba/>.
ترجمة تامر خرمه
مراجعة فيكتوريوس شمس