الأثنين يوليو 22, 2024
الإثنين, يوليو 22, 2024

قراءة أولية في كتاب “قصة حزب العمل الشيوعي في سورية” (3)

سورياقراءة أولية في كتاب “قصة حزب العمل الشيوعي في سورية” (3)

منيف ملحم

تقرير آب/ أغسطس وتجميد شعار “إسقاط النظام”


انفض اجتماع الهيئة المركزية في صباح 2 آذار 1980 مؤكداً على النقطة المركزية في البرنامج الانتقالي الذي أقرّه اجتماع الهيئة المركزية في اجتماع بيروت/ أيلول 1979 والمتمثلة بإسقاط النظام الديكتاتوري من خلال بناء جبهة شعبية متحدة (قطب ثالث) تضم كل القوى الديمقراطية الثورية والشيوعية وإقامة حكومة ديمقراطية ثورية لقطع الطريق على القوى الرجعية.
لم تمض أيام على انفضاض اجتماع الهيئة المركزية حتى تغير مشهد الصراع على كل الصعد والمستويات فمن تغير في حدة الصراع بين النظام والإخوان المسلمين إلى تغير في اصطفاف القوى السياسية وظهور بوادر لحراك بعض النقابات المهنية. 
فبعد سنوات من الاغتيالات الفردية التي يقوم بها الإخوان المسلمون لرموز النظام بين الفترة والأخرى تصاعدت وتيرة الاغتيالات وأصبحت أصوات المواجهة العسكرية تسمع بشكل يومي بين النظام وبعض المجموعات المسلحة (الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين) في المدن السورية. ثم انفجر الوضع في آذار 1980 بشكل دراماتيكي، إغلاق بعض المدن من قبل الجماعات المسلحة، تبادل السيطرة ليل/ نهار بين النظام والجماعات المسلحة، تحرك النقابات المهنية بمطالب ديمقراطية، إضرابات ومظاهرات مضادة للنظام في بعض المدن. بالمختصر طفى على السطح إلى جانب المواجهة العسكرية للإخوان المسلمين مع النظام، ما كان مكبوتا لعقد من السنوات عند قطاع واسع من الشعب بسبب القمع وكبت الحريات بعد أن بدا النظام مهتزاً ومضطربا. فعلى مدى أسابيع من آذار ظل رأس النظام يظهر بشكل دائم في مؤتمرات لمنظماته “الشعبية”، الطلبة، العمال، المرأة، الشبيبة، الفلاحون. …إلخ. يهدد أحياناً ويستجدي أحياناً أخرى ويعرض التسويات حيناً آخر على القوى الإسلامية.
رد النظام على كل هذه التحركات بعنف لم يسبق أن شهدته سوريا في تاريخها. تم حلّ النقابات، تمشيط مدن، محاصرة وتمشيط أحياء، حواجز وتفتيش للمارّة والمسافرين، إنزالات عسكرية جوية في بعض المناطق. كل هذا مصحوباً باعتقالات وتصفيات دون محاكمة. 
في آذار 1980 صدر بيان التجمع الوطني الديمقراطي أي بعد أيام من انفضاض اجتماع الهيئة المركزية لرابطة العمل الشيوعي (29 شباط – 2 آذار) ولقاء الدكتور جمال الأتاسي لبحث إمكانية عمل مشترك للقوى المعارضة والتي وعد بها الأتاسي بأن الرابطة ستكون على علم بأي تحرك مشترك بين قوى المعارضة إذا ما تقرر ذلك.
شكل صدور بيان التجمع الوطني الديمقراطي إحباطا وصدمة للجميع في قيادة التنظيم. صدمة أتت فعلها في مستويين: الأول سطحي والثاني عميق.
تجلى المستوى السطحي من الصدمة بأن القيام بأي عمل مشترك منظم مهما كان بسيطاً بين رابطة العمل الشيوعي والأطراف الموقعة على بيان التجمع الوطني الديمقراطي أصبح في طي النسيان لزمن من الصعب تحديده. وحتى إن كان سبب هذه القطيعة والاستبعاد تم بموجب فيتو من رياض الترك الأمين العام للحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) فإن حق استخدام الفيتو في هكذا إطار للعمل السياسي يؤشر إلى هذه القطيعة على المدى الطويل. 
أما على المستوى العميق من الصدمة فإن الرؤية السياسية للصراع الجاري والتي جاء بها بيان التجمع الوطني الديمقراطي جعلت الفجوة عميقة جداً بين رؤية الرابطة للصراع الجاري على أرض الواقع وطبيعة القوى المتصارعة ورؤية التجمع الوطني الديمقراطي. كان يمكن ألا نكون معاً في تحالف تنظيمي نتيجة حساسيات قديمة بين الرابطة(1) وبعض أطراف التجمع وفي مقدمتهم “الحزب الشيوعي السوري – المكتب السياسي” والتي استعرضها الصديق راتب شعبو بعمق وبالكثير من الاستفاضة والتحليل في كتابه “قصة حزب العمل الشيوعي في سورية”. ولكن كان يمكن أن نعمل سوياً في إطار تحالف(2) موضوعي يقوم على مبدأ (كان ومازال لدي هذا المبدأ كدليل للتحالفات): “الضرب معا والسير منفردون مع نقد الحليف”. ولكن ما تضمنه بيان التجمع جعل حتى هذا الاحتمال غير ممكن التحقيق.
في الأول من أيار 1980 اعتقل الرفيق زياد مشهور عضو لجنة العمل فحل محله الرفيق أكرم البني وهو ما عزز في لجنة العمل الاتجاه الداعي إلى تجميد الشعار. كما أن التطورات المتصاعدة للصراع جعلت الجميع في لجنة العمل أميل إلى تجميد الشعار باستثنائي. لكن لغياب رياضنا وبكداشنا (بمعنى ليس لدى حزب العمل الشيوعي في قيادته قادة متفرّدين بآرائهم وقراراتهم كرياض الترك وخالد بكداش) في القيادة ظلت القيادة ملتزمة بقرارات الهيئة المركزية في 29 شباط – 2 آذار. ووقعت تحت ضغط يساري دائم من القواعد (كان بالعادة يسمع للأصوات القادمة من القاعدة ويؤثر في قرارات القيادة). 
بعد صدور بيان التجمع الوطني الديمقراطي ونفض اليد من أي عمل مشترك مع التجمع لا بشكل مباشر أو غير مباشر، ذهب بعض الرفاق في القيادة باتجاه البحث عن حلفاء لتشكيل القطب الثالث في تمزقات حزب بكداش (منظمات القاعدة – مراد يوسف)، حركة اتحاد الشيوعيين (حنين نمر) وصلت إلى حد تقديم عرض لهم بالتوقيع على بياض في بيان مشترك حول تطورات الأحداث لكنهم رفضوا العرض. 
في حزيران 1980 جرت محاولة اغتيال الأسد وتبعها جنون من العنف والوحشية والمجازر يرتكبها النظام بحجة مواجهة الإخوان المسلمين وبالتالي أصبح الحديث عن تجميد الشعار أو تشكيل قطب ثالث لغواً فارغاً لا أكثر ولا أقل، لذلك اتجهت إلى عدم المواجهة داخل لجنة العمل فيما يتعلق بالتكتيك المتبع للرابطة وركزت اهتمامي على جعل الرفاق في خلاياهم المشاركة في الخط السياسي للرابطة من خلال تفاعلهم برسائلهم للمجلة الداخلية (البروليتاري) أو من خلال الكتابة مباشرة للجنة العمل. كما شاركت بالكتابة للمجلة الداخلية تحت اسم “سمير” وهو اسم غير معروف في الرابطة. كانت كل التطورات في الصراع وفي المشهد السياسي تخدم التوجه نحو تجميد شعار إسقاط السلطة. ولتعزيز توجههم السياسي قدم الرفيق أصلان اقتراحا بإخراج الرفاق المتخفين إلى العلن والعودة إلى ممارسة حياتهم الطبيعية في مدنهم وقراهم وبين أهلهم وأصدقائهم. معتبراً القرار اختباراً لنوايا النظام تجاه التنظيم.
صوّت جميع أعضاء لجنة العمل بالموافقة على الاقتراح باستثنائي فقد صوت ضد الاقتراح. ومن سخرية القدر فقد كلفت بتنفيذ القرار من خلال الحوار مع الرفاق المتخفين. وقد وافق البعض بفرح ولكن آخرين رفضوا القرار وحملوني مسؤولية القرار وكان الرفيق جمال سعيد (أبو صالح) عنيفاً في رده وقام بخرق تنظيمي وشكا الأمر إلى الرفيق فاتح جاموس الذي طلب منه عدم تنفيذ قرار “منيف ملحم” (طبعاً في النهاية وجهت لجنة العمل تنبيها للرفيق فاتح وتم تنفيذ القرار من قبل جمال سعيد)(3).
بدأ الإعداد لاجتماع الهيئة المركزية في آب 1980 من خلال تقديم مسودة تقرير إلى لجنة العمل. أطال التقرير في شرح الظروف والتطورات التي شهدتها الساحة السورية والصراع بين النظام والإخوان المسلمين والنظام وتطورات القوى السياسية السورية(4) ليخرج بنتيجة تقول إن مهامنا اليوم تتلخص بتجميد شعار “إسقاط النظام” وبمواجهة الحلف الرجعي والحفاظ على الوضع الراهن (الحفاظ على النظام الديكتاتوري).
وافقت لجنة العمل على مسودة التقرير المقدم إلى الهيئة المركزية باستثنائي فقد رفضت التقرير مضموناً ونتائج. كنت أعلم أن التقرير سينال موافقة الهيئة المركزية لذلك سعيت لمحاولة تعديل نتائج التقرير ولاسيما منها شعار الحفاظ على الوضع الراهن في اجتماع الهيئة المركزية. وافقت الهيئة المركزية على التقرير بشكل عام باستثنائي والرفيق وجيه غانم فقد رفضنا التقرير.
مع علمي بأن الرفاق في الهيئة المركزية لا يمانعون بتجميد شعار إسقاط النظام ولكن كان من الصعب عليهم بعد هذه السنوات في مواجهة الديكتاتورية وما تركته من آثار مدمرة على الوطن أن يتقبلوا شعار الحفاظ على الوضع الراهن. لذلك تم تقديم اقتراح أن تكون مهام المرحلة المقبلة هو دحر الديكتاتورية والظفر بالحريات السياسية ودحر الحلف الرجعي الأسود. وقد تمت الموافقة على الاقتراح وخرج التقرير بموافقة أغلبية الهيئة المركزية. 
لقد أثار التقرير بعد توزيعه على منظمات التنظيم لغطا كبيرا ومواقف متشنجة أحياناً ورافضة أحياناً أخرى من بعض منظمات التنظيم وبعض الخلايا(5).
هل انسجم الخط السياسي لـ “الراية الحمراء” باعتبارها ناطقة باسم “رابطة العمل الشيوعي” مع تقرير آب 1980 ما بين صدور التقرير وانعقاد المؤتمر التأسيسي لحزب العمل الشيوعي في آب 1981؟ في الواقع كما يقول الرفيق كامل عباس “ظلت دعوتها ضد الإخوان المسلمين وتحريضها ضد النظام”. وهو فعل جاء تحت ضغط الميل اليساري للقاعدة الحزبية من جهة وتحت الممارسات المتوحشة للنظام تجاه أي صوت معارض.

1- كان يبدو خط رابطة العمل الشيوعي ولاسيما في فترة اشتداد الصراع بين النظام والإخوان المسلمين شديد الراديكالية في كل شيء ما عدا موضوع التحالفات فقد كانت الرابطة تتمتع بمرونة عالية على هذا الصعيد نظراً لتقديرها أن نتائج الصراع بين الطرفين المتصارعين إن لم تحسم لصالح القطب الثالث ستكون كارثية على مستقبل الصراع في سوريا.

2- على ذكر أشكال التحالف بين القوى السياسية لتحقيق هدف مشترك يحضرني هذا الحوار الذي جرى في أوائل عام 2001 بيني وبين رياض الترك في منزل الرفيق نهاد النحاس (أبو عبدو) والذي رتبه كما اعتقد بالتوافق مع رياض الترك ولكن دون علم مني. حينها كان منتدى اليسار للحوار الذي أسسته في نهاية عام 2000 قد عقد جلسته الثالثة كما اعتقد. كنت وصلت إلى بيت نهاد قبل رياض الترك وماهي إلا دقائق حتى وصل وبادرني بالسؤال التالي:

   رياض الترك: ابن العم سمعت أنك عامل منتدى اسمه منتدى اليسار؟؟؟؟

   أنا: نعم أحاول أن أجد صوتاً لليسار من ضمن الأصوات التي تخرج الآن في مناخ الحراك القائم اليوم

رياض الترك: ليس لدينا في سوريا يمين ويسار. نحن واحد في مواجهة ديكتاتورية الأسد. لذلك أنصحك باغلاق المنتدى.

أنا: أخالفك الرأي في سوريا هناك حضور لكل التيارات والألوان السياسية واليسار ليس ألا واحداً منها. وهذا لا ينفي أن تتحد هذه الألوان كما شعار شركة بينتون الإيطالية (United Colors). لتحقيق هدف واحد وهو الخلاص من الديكتاتورية وتحقيق التحول الديمقراطي.

رياض الترك: نحن نريد بناء تحالف لا لون له وان وجود اسم اليسار يخيف البورجوازية السورية وبالتالي يجعلها خارج هذا التحالف.

أنا: إذا كان مجرد حضور اليسار في هذا التحالف يجعل الأخرين خارجه فليكن ذلك.

انتهى الحديث بدخول أصلان عبد الكريم وفاتح جاموس فانتقل رياض الترك للحديث معهما فانسحبت أنا من اللقاء وخرجت.

بعد عدة أيام من هذا اللقاء مع رياض الترك أخبرني أصلان عبد الكريم أن رياض الترك لم يترك أية قوة سياسية أو جلسة يحضرها ألا وأعلن أن منتدى اليسار هو صنيعة المخابرات العسكرية وان منيف ملحم ليس إلا عميل لشعبة المخابرات العسكرية. (طبعاً القصة لم تنتهي في عام 2001 وإنما امتدت حتى عام 2011 إبان الثورة. يعرف بعضها المحامي خليل معتوق وبعضها الآخر المحامي إبراهيم الحكيم).

3- طبعاً تم اعتقال الرفاق الذين عادوا للعلن قبل نهاية عام 1980 ومنهم الرفيق جمال سعيد

4- يمكن الاطلاع على المحتوى الأساسي للتقرير من خلال كتاب الصديق راتب شعبو “قصة حزب العمل الشيوعي في سورية”

5- لقد ذكر الصديق راتب شعبو في كتابه قصة حزب العمل الشيوعي بعض الردود على التقرير سواء داخل رابطة العمل الشيوعي أو بعض القوى السياسية أو أصدقاء الرابطة.


مراجعة فيكتوريوس بيان شمس

يمكن قراءة المقالة السابقة من خلال الرابط أدناه:

قراءة أولية في كتاب “قصة حزب العمل الشيوعي في سورية” (2)

Check out our other content

Check out other tags:

Most Popular Articles