استهلت فنزويلا الربع الأول من عام 2024 بحالة غضب جماهيري، ناجم بشكل أساسي عن الانخفاض الكبير للأجور، إذ بالكاد يتجاوز الحد الأدنى لأجر العامل 3 دولارات شهرياً، إضافة إلى تقليص الحقوق العمالية والاجتماعية ومستحقات التقاعد، وكذلك الرفض المتكرر لحكومة مادورو لإصدار مرسوم بشأن معدلات الأجور، والزيادة المستمرة في التضخم. أي باختصار: التدهور العام لظروف عمال وشعب فنزويلا المعيشية.
صادر عن “وحدة العمال الاشتراكيين”، الفرع الفنزويلي لـ “الرابطة الأممية للعمال”
نتيجة لتلك الأسباب، بدأ عام 2024 بسلسلة من التحركات المهمة، والتي قادها مجددا العاملون في قطاع التعليم. لكن هذه المرة انضمت لهم شرائح واسعة أخرى، من الإدارة العامة الوطنية، والمؤسسات الحكومية، في 20 ولاية على الأقل، إضافة إلى العاصمة كراكاس.
في 9 و15 و23 كانون الثاني، احتشد عمال القطاع العام، والجامعات، والقطاع الصحي، والنشطاء، والمتقاعدون، وعمال الشركات الحكومية، مثل شركة تزويد خدمات الإنترنت وشركة الطاقة “كوربويلك”، وقبلهم العاملون في قطاع التعليم؛ في كبرى مدن البلاد (بما فيها كراكاس). وقد تضمنت مطالبهم زيادة الرواتب حسب السلة الغذائية الأساسية، واستنادا إلى قيمة الدولار الأمريكي، وفقا لحسابات البنك المركزي الفنزويلي؛ وكذلك إلغاء السياسة المناهضة للعمال -مثل المذكرة 2792، وتعليمات مكتب الميزانية الوطنية- والتي تنتهك حقوق العمل المنصوص عليها في الاتفاقيات الجماعية والقوانين المعمول بها في البلاد، وتفضي إلى تخفيض رواتب الموظفين العموميين. كما أعربوا عن ضرورة استعادة الحقوق العمالية والاجتماعية التي تم تقويضها، مطالبين بوضع حد لعمليات الفصل والإيقاف والتهديد والابتزاز ضد العمال الذين يحتشدون دفاعا عن حقوقهم. وطالبوا أيضا بإجراء انتخابات نقابية حرة، وإلغاء تجريم الاحتجاجات العمالية والاجتماعية. إضافة إلى ذلك، دعوا إلى إطلاق سراح العمال الذين تم سجنهم إثر الاحتجاجات، في سياق مطالبتهم بحقوق ديمقراطية أكثر عمومية، مثل إطلاق سراح السجناء السياسيين، والحق في انتخابات عامة حرة، ونشر التقويم الانتخابي، وإجراء انتخابات رئاسية عام 2024، واحترام حق المشاركة فيها بحرية.
الدعوة إلى الحراك صدرت أساسا عن اللجنة الوطنية للنضال العمالي، والنقابات الإقليمية المختلفة في البلاد، ولا سيما نقابات المعلمين وعمال القطاع، وغيرها من المنظمات المستقلة الأصغر حجما. وفي بعض الوحدات الفيدرالية استمرت التعبئة عدة أيام، وكان هدفها تعميم التحرك على كافة الولايات، وتوسيع نطاقه ليشمل قطاعات العمل الأخرى.
رد فعل الديكتاتورية القمعي
حكومة نيكولاس مادورو الديكتاتورية سارعت إلى إطلاق العنان لتصعيد قمعي جديد، بالتوازي مع تجريم الاحتجاجات. كما لجأت إلى اجترار ذريعة التأكيد على وجود “مؤامرات” للإطاحة به، بل و”لاغتياله”.
في ولاية باريناس، أفضى القمع إلى اعتقال المعلم والزعيم النقابي فيكتور فينيغاس، رئيس نقابة عمال التعليم في الولاية، ورئيس النقابة الوطنية للعاملين في القطاع، إلى جانب شقيقه خوسيه جريجوريو فينيجاس. وقد تم احتجاز الاثنين دون صدور أمر قضائي، بعد اقتحام جهاز المخابرات البوليفارية، والشرطة الوطنية لمقر النقابة بشكل عنيف. لقد تم اختطاف هذا القائد بالفعل، ولا يزال وضعه ومكان اعتقاله مجهولين.
قبل يومين من اعتقاله، وتحديدا في 15 كانون الثاني 2024، شارك الزعيم النقابي في التعبئة الاحتجاجية الوطنية المهمة في ولاية باريناس، حيث تمت الدعوة لإحياء ذكرى يوم المعلم في البلاد. وقد تم اختطافه أثناء توجهه إلى مقر النقابة في باريناس للقاء أعضائها.
كما تكررت حالات مماثلة لمحاولات اعتقال زعماء حركيين، بدرجات متفاوتة، في ولايات أخرى من البلاد.
في وقت لاحق، تم القبض على منسقي ومديري الحملة الانتخابية لحزب فينتي فنزويلا: خوان فريتس، ولويس كاماكارو، وغييرمو لوبيز، عبر إجراءات مماثلة، في ولايات: لاجويرا، وياراكوي، وتروجيلو، على التوالي.
أضف إلى ذلك اعتقال المحامية والأخصائية العسكرية والناشطة في مجال حقوق الإنسان، روسيو سان ميغيل، مع أربعة من أفراد عائلتها، في 9 شباط، أثناء تواجدهم في مطار ميكويتيا الدولي (تم إطلاق سراح أفراد عائلتها لاحقا بكفالة، بعد منعهم من مغادرة البلاد، والإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام).
في كل هذه القضايا، تكرر نفس النمط: الاحتجاز التعسفي دون أمر قضائي مسبق، والإخفاء القسري لعدة أيام، والمحاكمة اللاحقة دون إمكانية الاتصال بأفراد الأسرة، ودون حضور محامي الدفاع، وإلصاق تهم “الإرهاب والتآمر”. كما لا توجد معلومات رسمية عن مكان احتجاز المعتقلين (في حالة سان ميغيل، أفاد مكتب المدعي العام أنها احتجزت في مقر المخابرات في هيليكويد في كاراكاس).
إلى جانب هذه الحالات الجديدة، لا يزال عدد كبير من القادة النقابيين، والنشطاء العماليين والسياسيين المعارضين مسجونين. ومن بين المعتقلين عاملين ونقابيين في مصنع أورينوكو للصلب: ليوناردو أزوكار ودانيال روميرو، الذين تم اعتقالهما في الفترة من 20 إلى 23 حزيران الماضي، إثر دعمهما لاحتجاج يطالب بتنفيذ اتفاقية التفاوض الجماعي لعمال المصنع. وهما محتجزين حاليا في مدينة كاراكاس، تحت وطأة محاكمة علنية بتهم “الإرهاب، والمشاركة في ارتكاب جريمة، والتحريض على الكراهية”. هذا يعني أنهما كانا أيضا من ضحايا الانتهاكات الخطيرة للإجراءات القانونية الواجبة.
إننا في وحدة العمال الإشتراكيين ندين ونرفض هذه الممارسات الإجرامية التي تقوم بها قوات الأمن التابعة لحكومة مادورو. ونؤكد أنها ليست أعمالا فردية تقترفها السلطات الوطنية أو الإقليمية في حالات معزولة، بل هي جزء من مخطط قمعي كامل نظمته الدكتاتورية لترهيب وبث الذعر بين العمال الذين يحتشدون دفاعا عن حقوقهم، وكذلك في أوساط المعارضة السياسية، بغض النظر عن مواقفها الأيديولوجية. وهذا هو نمط القمع الذي تطبقه الحكومة بلا خجل، بل وتتباهى به علنا، وتطلق عليه اسم “الغضب البوليفاري”. ويشمل هذا القمع تهديد منظمات المعارضة وقادة اليسار واليمين، والهجمات على مقار الأحزاب والنقابات العمالية (تدمير، وكتابات التهديد على الجدران، وما إلى ذلك)، وغير ذلك من آليات الترهيب، وكل هذا بموافقة الدولة وحتى مشاركتها النشطة عبر قوات الأمن، والصمت المتواطئ لمكتب النائب العام، والجهات الحكومية الأخرى.
إننا نؤكد أن هذه الحقائق، والتصعيد القمعي لحكومة مادورو تنسجم، من ناحية، مع طابعها باعتبارها دكتاتورية برجوازية، معادية للعمال، تحتاج إلى المزيد والمزيد من القمع من أجل مواصلة التعديلات الوحشية التي شرعت بها لإفراغ ثقل الأزمة على كاهل عمال البلاد وفقرائها. ومن ناحية أخرى، فإنها تبين خوف هذه الحكومة من الاحتجاجات والتعبئة العمالية، وقلقها من تعميمها في كافة أنحاء البلاد لتشمل قطاعات العمل الأكثر تنوعا. هناك خوف حقيقي من امتداد الاحتجاجات للقطاعات الشعبية، وتسريع الأزمة السياسية المتعلقة بالحكم والاستقرار البرجوازي في بلد يطالب 85٪ من سكانه بالتغيير السياسي، وفقا لاستطلاعات الرأي الصادرة عن مركز الدراسات السياسية والحكومية التابع لجامعة أندريس بيلو الكاثوليكية.
نطالب بالحرية الكاملة والفورية لكافة نشطاء القيادات النقابية والعمالية المسجونين، وكذلك السجناء السياسيين بشكل عام، ووقف القمع وتجريم الاحتجاج، واحترام حق الاحتجاج والحقوق الديمقراطية ككل.
فقدان الأهلية وتزوير الجدول الزمني الانتخابي
فوق كل ما سبق، فإن المواقف والمناورات الحكومية الدكتاتورية المناهضة للديمقراطية لا تقتصر على حرمان القادة من حريتهم، والحد منها عبر اتخاذ إجراءات قانونية، بل تمتد إلى تعليق شرعية الأحزاب، أو اختطاف قادتها، عبر اللجوء إلى أحكام قضائية مزورة، تصدر عن محكمة العدل العليا الموالية للحكومة. وغالبا ما يكون الهدف هو تعيين مجالس إدارة في هذه المنظمات تكون موالية للحكومة، أو تدجين المعارضة وتفصيلها على المقاس الحكومي.
هذا التقييد الذي تفرضه محكمة العدل العليا على حقوق المنظمات في المشاركة الحرة والشفافة في الحياة السياسية تم فرضه أيضا، بشكل مباشر، على قادة المعارضة السياسيين.
في هذا السياق، صادقت محكمة العدل العليا في 26 كانون الثاني 2024، كما كان متوقعا، على قرار تنحية الزعيمة المعارضة البرجوازية، ماريا كورينا ماتشادو، سياسيا، إلى جانب قادة سياسيين آخرين، مثل المرشح الرئاسي السابق هنريكي كابريليس رادونسكي. كما تم حرمانهم من حق الترشح لأية انتخابات رئاسية محتملة.
أحدث هذه المناورات الحكومية المناهضة للديمقراطية كانت دعوة الجمعية الوطنية، الموالية أيضا، للاجتماع مع “القطاعات السياسية في البلاد”، من أجل مناقشة الجدول الزمني للانتخابات. كان الهدف بالطبع هو ضمان حضور ومحاورة القطاعات السياسية المقربة، إلى جانب “المعارضة” التي تم تشكيلها حسب ما يناسب الحكومة، وهي المجموعات التي تواضب على حضور مثل هذه المؤتمرات.
من الجدير بالذكر أن هذا أمر غريب تماما عن اختصاصات الجمعية الوطنية، إذ أن المجلس الانتخابي الوطني هو الهيئة المختصة بإعداد ونشر الجدول الزمني الانتخابي بشكل مستقل وملزم قانونيا، كما تطالب المنظمات والجهات السياسية الفاعلة في البلاد، والتي، بالمناسبة، لم تشارك في مثل هذه الحوارات.
“وحدة العمال الاشتراكيين” ترفض بشكل قاطع مساعي حكومة مادورو الدكتاتورية إلى منح نفسها سلطة تقرير من يمكنه المشاركة أو عدم المشاركة في العملية الانتخابية المحتملة، ومنع المرشحين الذين لديهم فرصة حقيقية لهزيمتها، والسماح بل وحتى تشجيع مشاركة أولئك الذين ليس لديهم فرصة بالفوز، إذ يقتصر دورهم على إعطاء العملية الانتخابية مظهرا ديمقراطيا مفترضا.
إننا ندين قيام حكومة مادورو بالتحضير لانتخابات رئاسية مزورة تماما، ومزاعمها حول عدم أهلية المنافسين، وكذلك تزوير الجدول الزمني الانتخابي، والذي تمت الموافقة عليه في الوقت المناسب لهذه الحكومة عبر الحوار المزيف في الجمعية الوطنية، برئاسة خورخي رودريغيز الموالي للحكومة. وقد تم تقديم هذا الجدول للموافقة عليه ونشره يوم الجمعة 16 شباط 2024 من قبل الجمعية الوطنية. لقد لجأ مادورو إلى المناورات المذكورة أعلاه لأنه يفتقر إلى الدعم والأصوات اللازمة للفوز في انتخابات تتم وفقا للإجراءات القانونية للديمقراطية البرجوازية، ضد مرشحين لديهم خيارات حقيقية.
بعد فشل مشروع “إيسيكويبو” في إتاحة إمكانية تعليق العملية الانتخابية، بل وكشفه لانخفاض مشاركة السكان في الاستفتاء الذي أجري في 3 كانون الأول 2023، بات من الواضح أنهم لا يستطيعون اللجوء إليه لتعليق الانتخابات من خلال مرسوم حالة الطوارئ. وبالتوازي مع المشاركة العالية للسكان في الانتخابات التمهيدية التي نظمتها المعارضة (والتي فازت فيها ماريا كورينا ماتشادو غير المؤهلة الآن)، توصلت الحكومة إلى استنتاج مفاده أنه يستحيل عليها التوفيق بين الوفاء باتفاقيات بربادوس واستمرارها في السلطة.
لهذا السبب تحاول الحكومة جاهدة التحضير للانتخابات بطريقتها الخاصة: عبر لجنة انتخابية وطنية يسيطر عليها الحزب الحاكم بالكامل، واستبعاد المرشحين الذين لديهم فرصة حقيقية بالفوز، ونزع شرعية الأحزاب في البلاد، سواء أكانت يمينية أو يسارية، واختطاف قياداتها، وتنصيب مجالس إدارية خاضعة لتأثير الحكومة، إضافة إلى احتكار السيطرة على وسائل الإعلام، وحرية استخدام موارد الدولة في الحملات الانتخابية، وكذلك تعميق انقسام المعارضة من خلال تمويل مرشحين عملاء متواطئين مع الحكومة، وليس لديهم فرصة بالفوز.
إننا في “وحدة العمال الإشتراكيين” ندافع عن الحق الديمقراطي لأية منظمة أو قيادي في الترشح والمشاركة في الانتخابات، بعيدا عن أي اتفاق أو خلاف قد يكون بيننا وبين الاقتراح السياسي البرنامجي لمن يرغب بالترشح. كما نرفض مساعي الحكومة لفرض رزنامة انتخابية في الوقت الذي يناسبها، فمن المؤكد أنها ستحدد مواعيد نهائية من شأنها إعاقة تحديث السجل الانتخابي، والمشاركة بالتصويت من الخارج، وتهيئة شروط المشاركة في هذه الانتخابات. إننا نرفض الادعاءات الكاذبة لديكتاتورية مادورو جملة وتفصيلا.
توضيح هام
كما تجدر الإشارة إلى أننا في الوقت الذي نرفض فيه الموقف الاستبدادي الذي اتخذته الحكومة عبر استبعاد بعض المرشحين وفقا لما يناسبها، ونشارك رأي غالبية العمال والسكان في حق أي مرشح بالمشاركة في الانتخابات، حتى المرشحة البرجوازية ماريا كورينا ماتشادو، بل وندافع عن هذا الحق في الترشح والاقتراع، علينا أن نوضح أننا لا نعتبرها خيارا مناسبا لعمال وشعب فنزويلا. إننا لا نعتقد أنها البديل الديمقراطي، كما يراها العديد من قطاعات العمال والسكان والمنظمات والقادة السياسيين، وحتى اليساريين منهم، لحكومة المجاعة الديكتاتورية الاستبدادية المعادية للعمال، بقيادة مادورو.
بل على العكس، أوضحت ماتشادو في برنامجها السياسي والاقتصادي أنها ستعطي الأولوية لسداد الديون الخارجية (وهو الأمر الذي كان شافيز وخليفته مادورو متخصصين فيه، والذي قاد البلاد إلى أكبر أزمة في تاريخها الحديث)، بما يترتب على ذلك من عواقب معروفة تتمثل في تدهور الأوضاع المعيشية للعمال والقطاعات الشعبية. حتى أن ماتشادو أعلنت أنها ستناقش تقييد الديون، الأمر الذي يقترن على الدوام، كما تبين التجربة التاريخية، ببرامج التكيف الهيكلي، التي تؤول في نهاية المطاف إلى إلقاء عبء الأزمة والديون على كاهل أشد الناس فقرا ممن لا يملكون سوى رواتبهم.
ماتشادو تعتزم، وفقا لما أكدت عليه، تنفيذ برنامج خصخصة جريء، يشمل إعادة خصخصة الشركات الحكومية الاستراتيجية، بما فيها شركة النفط الرئيسية “بتروليوس دي فنزويلا”، وفرض الانضباط المالي، وضمان ربحية الشركات. وهذا تعبير ملطف لقولها إنها ستبيع البلاد بالمزاد العلني للعواصم الإمبريالية تحديدا، وأن كلفة الخدمات الأساسية سترتفع، وإننا سندفع ضرائب أكثر مما ندفعه بالفعل. كل هذه التدابير تشبه نظيرتها الواردة في خطة التعديل التي طبقها مادورو بالفعل. أضف إلى هذا حقيقة أنها لم تنبس ببنت شفة فيما يتعلق بزيادة الأجور، بل إنها أعربت عن معارضتها لمنح العلاوات للعمال.
كشرط لزيادة رواتب العمال، اقترحت غرفة التجارة صرف العلاوات ومنح الإجازات مقابل إلغاء “مؤقت” للمزايا الاجتماعية بأثر رجعي، علاوة على الآثار الأخرى المترتبة على القانون الأساسي للعمل والعمال والنساء العاملات. ماتشادو لم تقل شيئا عن هذا الأمر، وصمتها، إضافة إلى شخصيتها كسيدة أعمال تدير شركات وجمعيات ومؤسسات تابعة لغرفة التجارة المذكورة، تجعلنا نفترض أنها أكثر انسجاما مع مقترحات زملائها البرجوازيين على حساب مصالح العمال الذين على استعداد للتصويت لها.
من جهة أخرى فإن ديمقراطية ماتشادو مشكوك فيها، فقد سبق وأن دعمت محاولة الانقلاب عام 2002 والإغلاقات في عامي 2002-2003، إذ حاولت فرض حكومة حلفائها السياسيين بالقوة، بصرف النظر عن شرعيتهم. ورفضت نتائج استفتاء العام 2004، ضاربة عرض الحائط بالإرادة الشعبية، التي تم التعبير عنها في صناديق الاقتراع لصالح الحكومة الحالية. كما أنها دعمت علنا حكومات من أمثال حكومة ألفارو أوريبي فيليز، الذي قام بتغيير الدستور الكولومبي وفقا لما يناسب احتياجاته، حتى يتيح إمكانية إعادة انتخابه، وقد كانت لسياسة المخدرات اليد العليا في ظل حكومته، ما أدى إلى إنشاء نظام إرهابي، استغله من خلال الشرطة والجيش الكولومبيين لاغتيال وسجن زعماء النقابات العمالية والشعبية، والسكان الأصليين، والشباب، بسبب دفاعهم عن حقوقهم الديمقراطية، بما فيها الحق الأساسي في الحياة. إضافة إلى ذلك، فقد دعمت علنا حكومات اليمين المتطرف ذات المواقف البونابرتية الواضحة، مثل دونالد ترامب في الولايات المتحدة، وبولسونارو في البرازيل، والآن “ميلي” في الأرجنتين.
في النهاية، فيما يتعلق بالإبادة الجماعية التي تمارسها دولة إسرائيل الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، كانت ماتشادو أول زعيمة فنزويلية تعرب عن تضامنها ودعمها للصهيونية الإسرائيلية. علاوة على ذلك، وقع حزبها، “فنتي فنزويلا”، اتفاقيات تعاون مع حزب الليكود، ذلك الحزب الإسرائيلي اليميني المتطرف الذي يتزعمه رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، وهو الشخصية الرئيسية المسؤولة عن تطبيق سياسة الفصل العنصري والمجازر الجماعية ضد السكان الفلسطينيين في قطاع غزة.
الحاجة إلى الوحدة وضرورة إيجاد البديل للعمال والقطاعات الشعبية
لكل الأسباب المذكورة أعلاه، لا نعتقد أن دكتاتورية المجاعة بزعامة مادورو، ولا “البديل الديمقراطي” الزائف لها، ولا أي مرشح برجوازي، هي خيارات مواتية للطبقة العاملة الفنزويلية. ولهذا السبب يجب أن تستمر الطبقة العاملة في تحشيدها، كما فعلت في النصف الأول من عام 2023 وفي الشهر الأول من عام 2024.
لذا، فإننا نحث اللجنة الوطنية لصراعات العمال النضالية، وكذلك المساحات الكفاحية، مثل لقاء الدفاع عن حقوق الشعب، أن تكثف جهودها لبناء أوسع إطار وحدوي من أجل مواصلة النضال وتعميقه. كما ندعو إلى الاتساع والتعددية والتمتع بالروح الديمقراطية في القطاعات العمالية، ومساحات التنظيم، لبناء هذه الوحدة وتعزيز النضال.
كما نعتقد أنه على الكونفدرالية الوطنية للمعلمين الفنزويليين، وكذلك الاتحادات الأخرى للعاملين في قطاع التعليم، استئناف مسار المجالس الشعبية واللجان النضالية. ولا يلزم أن تكون هذه الأطر موجودة بشكل رسمي، ولكن يمكن الاستمرار بالعمل ضمنها باعتبارها مساحة للنقاش الديمقراطي الفعال، الهادف إلى اتخاذ الإجراءات واعتماد الآليات التي من شأنها تعميق نضال المعلمين من أجل تنفيذ الإضراب الوطني العام للقطاع.
إننا نؤيد نية اللجنة الوطنية لصراعات العمال النضالية عقد مؤتمر وطني للعمال في منتصف العام الحالي، لأننا نعتقد أنه يمكن، بل وينبغي لهذا المؤتمر، أن يفضي إلى تعزيز نضالات العمال في البلاد، عبر تزويدهم ببرنامج مستند إلى منظور الاستقلال الطبقي. كما نعتقد أن هذا المؤتمر يجب أن يهدف لخلق بدائل الاستقلال السياسي للطبقة العاملة، أي دون تسويات مع الخيارات البرجوازية التي تتنافس على السلطة في البلاد (ولا مع أولئك الذين يسيطرون عليها أو الطامحين فيها)، لتزويد الطبقة العاملة بخطة نضالية وطنية موحدة، وبرنامج يستند إلى رؤيتها. ونعتقد أيضا أن من شأن هذا إتاحة ظهور قيادات عمالية جديدة لمواجهة البيروقراطية النقابية ومزاعمها المناهضة للديمقراطية، وتعزيز النضال من أجل انتخابات حرة في النقابات والاتحادات التي انتهت فترات ولاية زعاماتها، لإعادة الشرعية إلى الحركة النقابية الفنزويلية.
في المجال الانتخابي، نرى أنه من المناسب تعزيز مناقشة البرامج، من أجل بناء مقترح بديل للبلاد، من خلال مساحات النقاش الديمقراطي العمالية، انطلاقا من منظور الطبقة العاملة واحتياجاتها. وعلينا أن نفعل ذلك في مواجهة برامج البدائل البرجوازية المعروفة بالفعل. ونعتقد أيضا أن المؤتمر النصفي المحتمل، يمكن، بل ينبغي، أن يكون مساحة (وإن لم تكن الوحيدة) لاستخلاص نتائج هذا النقاش، كخطوة سابقة للمضي في ترشيح مستقل للطبقة العاملة والقطاعات المضطهدة.
رغم هذا، نحن مقتنعون بأن الأنظمة الديكتاتورية، مثل النظام الحالي في فنزويلا، لا تتعثر وتنكسر وتسقط إلا بفعل قوة تعبئة الطبقة العاملة والقطاعات الشعبية، أي الحركة الجماهيرية. هذا ما تبينه التجربة التاريخية لأمريكا اللاتينية (وكذلك القارات الأخرى). ولهذا السبب، نعتقد أيضا أن هذا البرنامج الهادف إلى الترشح استنادا إلى الاستقلال الطبقي، يجب أن يتبلور في خضم النضالات العمالية والشعبية، وما يقع على عاتقنا جميعا، نحن الذين ندعي أننا جزء من الحركة العمالية، هو مواصلة تعزيز بنائه، دون إخضاعه لأي حدث انتخابي. بل على العكس، فإن تعبئة العمال والشعب وحدها هي التي يمكن أن تقودنا إلى تجاوز العملية الانتخابية بضمانات ديمقراطية نسبيا.
في النهاية، نطالب منظمات الطبقة العاملة على المستوى الأممي بتنظيم مظاهرات تضامنية للمطالبة بالحرية للعمال المعتقلين والمضطهدين في فنزويلا، إلى جانب دعم النضالات العادلة التي تخوضها الطبقة العاملة الفنزويلية اليوم من أجل زيادة الأجور، وغير ذلك من الحقوق التي تحرمهم منها حكومة مادورو البرجوازية الدكتاتورية.