الأثنين يوليو 22, 2024
الإثنين, يوليو 22, 2024

فنزويلا |  استمرار التقشف المعادي للعمال والشعب.. بين تخفيض قيمة العملة وتدمير الأجور وضرورة النضال.. الحكومة تشجع على تسريع تخفيض قيمة العملة

أميركا اللاتينيةفنزويلا |  استمرار التقشف المعادي للعمال والشعب.. بين تخفيض قيمة العملة وتدمير الأجور وضرورة النضال.. الحكومة تشجع على تسريع تخفيض قيمة العملة

 بقلم ليوناردو أرانتس من “حزب العمال الاشتراكي الموحّد”

بعد أن حافظ الدولار على ديناميكية نمو معتدلة نسبيا لعدة أشهر، بلغ سعر الصرف الرسمي في فنزويلا 8.59 بوليفار لكل دولار، وسعر الصرف غير الرسمي 9.01 لكل دولار في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2022. لكن، منذ الأسبوع الأخير من شهر تشرين الثاني، بدأت  العملة الفنزويلية تتعرض لتخفيض متسارع لقيمتها، وهو ما لا نتردد عن تسميته بـ “التخفيض الضخم لقيمة العملة”. حاليا، يجري تداول الدولار بسعر 15.23 بوليفار فنزويلي و17.41 بوليفار فنزويلي وفقا لسعر الصرف الرسمي وغير الرسمي على التوالي، ما يعني زيادة بنسبة 100٪ تقريبا، إذا أخذنا سعر الصرف في 30 تشرين الأول/ أوكتوبر كنقطة مرجعية.
هذا نتيجة السياسة النقدية والتبادلية الكارثية لحكومة مادورو الرأسمالية، والتي حاولت منذ الربع الأول للعام كبح جماح زيادة الصرف باستخدام آلية حقن الدولارات المستمدة من الاحتياطيات الدولية للبلاد في مكاتب تداول البنوك الخاصة، حيث بات يتم تداول هذه الدولارات في سوق العملات بعد ذلك.
مشكلة هذا السياسة أنه في حال عدم وجود إيرادات نقدية كبيرة (إثر ركود إنتاج النفط مثلا، الذي يعد المصدر الرئيسي للإيرادات النقدية في البلد)، فإن الاحتياطيات الدولية لا يمكن أن تبقى على مستوى مناسب، ما يؤدي إلى انخفاضها وتمهيد الطريق لتضخم كبير.
منذ منتصف تشرين الثاني، بدأت الحكومة بتخفيض عرض العملات الأجنبية بالسعر الرسمي، ما أدى إلى تسارع زيادة سعر الدولار، سواء بالسعر الرسمي أو في السوق السوداء، وقد تمخضت عن هذا التخفيض الذي تروج له الحكومة آثار التضخم المعروفة، والتي أتت على أجور عمال وشعب فنزويلا، الذي يشهد في هذه الفترة من نهاية العام انعداما للدخل التقليدي وتبخّر الأرباح والمكافآت.

تفتيت الأجور

زيادة سعر الصرف، أو “تخفيض قيمة العملة” كما يسمى عادة، ليس له بالطبع نفس التأثير على العمال والطبقة البرجوازية، أو حكومة مادورو الرأسمالية التي تشجع عليه، إذ يتيح لها هذا الأمر تقليص الإنفاق المالي والاجتماعي، بالإضافة إلى صرف مكافآت أعياد الميلاد، والفوائد، والتقييمات السنوية، والبنود الأخرى المتعلقة بالأجور. هذا إلى جانب التخفيضات المالية المتعلقة بالميزانية، نظرا لأن قوة الدولار تسمح لهم بتغطية كمية أكبر من البوليفارات لدفع الأجور والالتزامات الأخرى، باستخدام أقل عدد من الدولارات. يحدث نفس التأثير بالنسبة للطبقة البرجوازية، وخاصة الطبقة البرجوازية المصدرة، أو تلك المرتبطة بالاستثمارات الأجنبية، حيث يمكنها تغطية كمية أكبر من الرواتب وتكاليف الإنتاج والالتزامات المالية، باستخدام أقل عدد من الدولارات.
أولئك الذين تضرروا بشدة من هذا التخفيض هم العمال الفنزويليون. الدولار الرسمي الذي يتجاوز 15 بوليفار، و/ أو الدولار الموازي الذي يتجاوز 17 بوليفار، يزيد من التضخم، ويفضي إلى رفع أسعار السلع والخدمات الأساسية، ويدمر قيمة أجورهم ومعاشاتهم التقاعدية ومزاياهم ومكافآتهم.
في الواقع، مع ارتفاع سعر الدولار الرسمي إلى هذا الحد، فإن الحد الأدنى لأجر العامل الفنزويلي يصل بالكاد إلى 8.53 دولار شهريا (130 بوليفار/ 15.23)، ما يعني أن دخله اليومي يبلغ 0.28 دولار فقط. ويكون سعر الصرف أكثر سوءاً إذا ما حسبناه بالدولار الموازي (17.41)، إذ يبلغ الراتب 7.46 دولار شهريا، و 0.24 دولار يوميا.
بعبارة أخرى، لقد انخفض الحد الأدنى للأجور والمعاشات التقاعدية، والتي لم تقم الحكومة بزيادتها منذ شهر آذار من العام الماضي، بنسبة 74.2%، حيث كانت تبلغ 30 دولار بالسعر الرسمي، مع مراعاة الزيادة التي حدثت في مارس/ آذار.

استمرار التعديل المعادي للعمال والشعب 

 هذا النوع من تفتيت أجور ومعاشات عمال فنزويلا ليس إلا استمرارا لحزمة الإجراءات الوحشية الذي يتخذها مادورو بشكل رسمي ضد العمال منذ عام 2018، والذي يجعلهم يتحملون كلفة أزمة البلاد التي تسببت بها التشافيزية، والتي تتشابك اليوم مع الأزمة الرأسمالية العالمية.
لكن هذه الحزمة المعادية للعمال والشعب، والتي يستفيد منها رأس المال الفنزويلي والبورجوازية البوليفارية والبورجوازية التقليدية وأصحاب رؤوس الأموال الأجنبية، تنطوي على ما هو أكثر من تفتيت الحد الأدنى للأجور؛ إذ يجب علينا أيضا ذكر المذكرة رقم 2792، المعتمدة في عام 2018، والتي تسمح لأصحاب العمل بتعديل شروط العمل لصالحهم بشكل أحادي الجانب، والتخلص من العمال وفقا لتقديرهم الخاص، وإلغاء مكافآت العمال، استنادا إلى قيمة الدولار، التي لا تنعكس إيجابيا على الأجر، وهذا ليس إلا مقدمة للدعم المالي الحكومي الذي يعتزمون القيام به الآن بشكل قانوني.
إضافة إلى هذه الحزمة، هناك جداول الرواتب (التي يسميها العمال جداول الجوع) للإدارة العامة، والتي تم اعتمادها منذ عام 2018 وأعيد إصدارها عام 2022 مع توجيه مكتب الميزانية الوطنية الرهيب، واعتزام تحديد مدفوعات أقساط مكافآت الإجازة في الإدارة العامة، ومكافآت عيد الميلاد في هذا القطاع.  وهناك أيضا قوانين غير دستورية باسم مكافحة الحصار ومناهضة الكراهية، والآن، لدينا قانون طوارئ العمل المقترح، والذي يسعون عبره إلى تقنين الدعم المالي. وقد تم اقتراح هذا القانون الأخير من قبل رجل الأعمال والرئيس السابق لـ “فيديكاماراس” خورخي رويغ، الذي يعمل حاليا كممثل لرجال الأعمال الفنزويليين في منظمة العمل الدولية.
كما يجب أن نضيف أن الحكومة قامت بتخفيض الإنفاق الاجتماعي وإلغاء البرامج الاجتماعية عبر آليات مختلفة، كالإلغاء الأخير لبرنامج التغذية المدرسية، عبر تعديل الجدول الزمني للمدارس (تجدر الإشارة إلى أن ذلك البرنامج كان فاعلا بشكل جزئي، إن وجد، بحصول الأطفال على وجبات غير مكتملة وذات قيمة غذائية منخفضة للغاية).
أخيرا، وبكلمات أكثر عمومية، لا بد من الإشارة إلى أن الحكومة تعتزم، كجزء من هذه الحزمة، تمويل ميزانية عام 2023 عبر الضرائب بشكل أساسي، ولا سيما ضريبة المستهلك. وهذه الضرائب غير مباشرة وغير تصاعدية، إذ يتم تحصيلها، إلى حد بعيد، من أصحاب الدخول المنخفضة، خاصة ضريبتي القيمة المضافة والمعاملات المالية الكبيرة، واللتين سيتم فرضهما بنسبتي 16٪ و3٪ على التوالي.
هذه الضرائب، التي يفترض أن يدفعها العامل في نهاية المطاف عبر دوره كمستهلك، والتي يقوم رجال الأعمال والتجار بتحويلها إلى أسعار للسلع والخدمات (سواء كانت مدخلات إنتاجية أو للاستهلاك النهائي)، تمثل 50.87٪ و 16.83٪ على التوالي من ميزانية العام 2023. وفي ذات الوقت نفسه، فإن ضريبة الدخل التي يتم دفع الجزء الأكبر منها من قبل القطاعات الاجتماعية ذات الدخل المرتفع، كرجال الأعمال والتجار وغيرهم من الأثرياء، لا تمثل سوى 18.25٪ من إجمالي الضرائب في موازنة 2023. وقد ورد هذا في صحيفة تال كوال الإلكترونية في عددها الأسبوعي بتاريخ 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022.

علينا الاستمرار في تعبئة العمال والشعب

كل هذا يبين أن على العمال والشرائح المتواضعة من السكان الاستمرار في التعبئة والنضال في الشوارع لهزيمة حزمة الحكومة المعادية للعمال والشعب. علينا الاستمرار في المطالبة برواتب تغطي تكاليف الحياة الأساسية. لا بد من تطوير حملة وطنية لهذه المسألة، بالإضافة إلى تحديد التحالفات الأممية التي ستدعمها. يجب وقف الدفع الجزئي لأجورنا والفوائد التعاقدية، والمطالبة بالدفع الكامل، والوفاء باتفاقيات التفاوض الجماعي وغيرها من الأمور.
يجب أن نتعبّأ ونناضل من أجل معيار يوازن بين رواتبنا وبالتضخم، بما يحمي قوتنا الشرائية. علينا المطالبة بوقف التخفيض الرسمي والموازي للعملة، وبوقف تجميد الأسعار بالدولار، وأن يتم دمج المكافآت والرواتب بالدولار، بحيث ينعكس هذا، إيجابيا، على الأجور. يجب أن نواصل التعبئة في الشوارع للدفاع عن حقوقنا النقابية، والحق في الانتخابات الديمقراطية لممثلينا، إضافة إلى إنهاء تجريم الاحتجاجات الشعبية والعمالية، من أجل حرية كافة العمال الذين تم اعتقالهم إثر النضال.
خلال عام 2022، تزايدت المظاهرات واتخذت زخما. وإضافة إلى ذلك، تبين أنه من الممكن هزيمة سياسات الحكومة، كما فعل عمال التعليم بالتحالف مع عمال القطاع العام (وحتى بعض القطاعات الخاصة)، حيث نجحوا في حمل الحكومة على دفع مكافأة الإجازة كاملة. ومن الأمثلة الأخرى عمال “سيدور” الذين ناضلوا حتى نالوا زيادات لأجورهم، بالإضافة إلى مظاهرات أخرى صغيرة حققت انتصارات جزئية فيما يتعلق بظروف العمل.
لا بد من مواصلة هذا النضال حتى إلغاء توجيه مكتب الميزانية الوطنية المروع والمذكرة 2972، بالإضافة إلى جداول الجوع للإدارة العامة. وعلينا الكفاح أيضا من أجل رفض قانون الطوارئ العمالي، ورفض التوجه لتقديم الدعم المالي للشركات، وكذلك إلغاء كافة القوانين القمعية المعادية للعمال كقانون “مكافحة الكراهية”، وقانون “مكافحة الحصار” الذي يقوض سيادة البلد.
الحركة العمالية بينت أن هذه هي الطريقة الوحيدة الممكنة لهزيمة السياسات الإجرامية التي تنتهجها الحكومة ضد عمال وشعب فنزويلا. بعد الاحتجاجات لاستعادة حوافز إجازات العاملين في مجال التعليم وضد توجيه مكتب الميزانية الوطنية، رغم تقلص حجم المظاهرات، فإن الروح الكفاحية وإرادة النضال مازالتا في أوجهما لدى العمال. الحاجة للقتال تتجلى بوضوح، للأسباب التي أوردناها، وستعبر عن نفسها في العام 2023، عبر الحراكات والمعارك الكبرى ضد أعداءنا الطبقيين، وهم حكومة مادورو البرجوازية، ورؤساء القطاعين العام والخاص، والطبقة البرجوازية بأسرها.
هناك عدة عوامل تشير إلى إعادة تشكيل الحركة العمالية الفنزويلية، بحيث يتم إنشاء هيئات إعادة التنظيم التي بدأت تعقد اجتماعات وجلسات عامة، وتخطط لعقد مؤتمر في العام 2023 لمواصلة التعبئة وتعزيز النضال.
“حزب العمال الاشتراكي الموحّد” يعرب عن استعداده لمواصلة دعم النضالات الحالية والقادمة، وتقديم جهوده المتواضعة للمساعدة في تعزيزها سواء عبر الإسهام في النقاشات، أو المشاركة الفاعلة في كافة المجالات الممكنة الأخرى.
التعبئة العمالية والشعبية هي الطريقة الوحيدة الممكنة لهزيمة حكومة مادورو الرأسمالية، وسياساتها المناهضة للعمال والشعب. إنها الطريق الوحيد لإجبار هذه الحكومة على الاستسلام، وفرض حكومة عمالية تقوم بتنفيذ إصلاحات اقتصادية في خدمة عمال البلاد وشعبها.
يجب أن تبدأ هذا الخطة برفض دفع الدين الأجنبي غير المشروع والمزور، وجلب الرؤساء الفارّين، ورفض العقوبات الإمبريالية، واسترداد الأصول الفنزويلية المصادرة في الخارج، والتأكد من أن صناعة النفط وطنية مائة بالمائة، دون شراكات دولية أو مشاريع مشتركة، والتأكد من أن الجهاز الإنتاجي الوطني يخضع لحكم العمال، وتنفيذ إصلاحات ضريبية تدريجية. كما يجب وضع حاجات ومطالب الطبقة العاملة في مقدمة الأولويات المركزية.

ترجمة تامر خرمه
مراجعة فيكتوريوس بيان شمس

Check out our other content

Check out other tags:

Most Popular Articles