الأثنين يوليو 22, 2024
الإثنين, يوليو 22, 2024

(12) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة

النظرية الماركسية(12) المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة

قرار حول دور الحزب الشيوعي في الثورة البروليتارية

تقف البروليتاريا العالمية على عتبة نضال حاسم، فالحقبة التي نعيشها هي حقبة عمل مباشر ضد البرجوازية. إن الساعة الحاسمة تقترب، وقريبا سيكون على الطبقة العاملة في كل البلدان حيث توجد حركة عمالية واعية أن تخوض سلسلة معارك ضارية مسلحة. الآن أكثر من أي وقت مضى تحتاج الطبقة العاملة إلى تنظيم صلب، وعليها أن تعد نفسها من الآن وصاعدا، دون كلل، لهذا النضال، دون إضاعة ساعة واحدة من الوقت الثمين.
لو كانت الطبقة العاملة تملك، خلال كومونة باريس (1871) حزبا شيوعيا متين التنظيم، ولئن قليل العدد، لكانت الانتفاضة الأولى للبروليتاريا الفرنسية البطلة أكثر قوة، ولكانت تفادت الكثير من الأغلاط والكثير من الأخطاء. إن المعارك التي سيكون على البروليتاريا أن تخوضها الآن في ظروف تاريخية مختلفة تماما، ستكون ذات نتائج أخطر بكثير منها 1871.
إن المؤتمر الثاني العالمي للأممية الشيوعية يظهر للعمال الثوريين في العالم أجمع أهمية ما يلي:

1- إن الحزب الشيوعي هو جزء من الطبقة العاملة، وهو يشكل بالطبع الجزء الأكثر تقدما ووعيا وإخلاصا ووضوح رؤية. ليس للحزب الشيوعي مصالح مختلفة عن مصالح الطبقة العاملة، ولا يختلف عن أوسع جماهير الشغيلة إلاّ في تبصره للرسالة التاريخية لمجموع الطبقة العاملة، وهو يجهد، عند كل منعطفات الدرب، للدفاع ليس عن مصالح بعض المجموعات أو بعض المهن، بل عن مصالح الطبقة العاملة بمجملها. إن الحزب الشيوعي يشكل القوة التنظيمية والسياسية، التي يقود بواسطتها الجزءُ الأكثر تقدما من الطبقة العاملة جماهير البروليتاريا وأنصاف البروليتاريا، في الطريق الصحيح.

2- طالما أن البروليتاريا لم تستول بعد على السلطة الحكومية، وطالما أنها لم ترسخ سيطرتها نهائيا بعد، ولم تحتط لكل محاولة لإعادة إحياء البرجوازية، فإن الحزب الشيوعي لن يضم في صفوفه المنظمة إلاّ أقلية عمالية. ويستطيع الحزب الشيوعي، بفعل ظروف ملائمة، إلى أن يستلم السلطة وخلال المرحلة الانتقالية، أن يمارس تأثيرا أيديولوجيا وسياسيا أكيدا على كل شرائح البروليتاريا وأنصاف البروليتاريا من السكان، ولكنه لا يستطيع أن يجمعهم منظمين في صفوفه. ولا يبدأ جميع العمال أو على الأقل معظمهم بالدخول في صفوف الحزب الشيوعي، إلاّ عندما تحرم دكتاتورية البروليتاريا البرجوازية من وسائل النشاط الأكثر فعالية مثل الصحافة والبرلمان والكنيسة والإدارة الخ… عندما تصبح هزيمة النظام البرجوازي أمرا بديهيا أمام أنظار الجميع.

3- يجب التمييز بين مفهومي الحزب والطبقة بأكبر دقة ممكنة. إن أعضاء النقابات «المسيحية» والليبرالية في ألمانيا وإنجلترا وفي بلدان أخرى ينتمون دون شك إلى الطبقة العاملة، كذلك التجمعات العمالية الضخمة إلى هذا الحد أو ذاك التي ما زالت تتبع شيدمان وغومبيرز وشركائهما. وفي شروط تاريخية مماثلة من المحتمل جدا أن تظهر تيارات رجعية عديدة داخل الطبقة العاملة. وليست مهمة الشيوعيين التكيف مع هذه العناصر المتخلفة من الطبقة العاملة، بل أن يرفعوا مجمل الطبقة العاملة إلى مستوى الطليعة الشيوعية. ويمكن أن يؤدي الالتباس بين هذين المفهومين للحزب والطبقة إلى أخطاء والتباسات شديدة الخطورة. فمن البديهي، مثلا، أنه كان على الأحزاب العمالية، على الرغم من أوهام وعقلية قسم من الطبقة العاملة خلال الحرب، أن تحارب، بأي ثمن كان، هذه الأوهام وهذه العقلية، باسم المصالح التاريخية للبروليتاريا التي تلزم حزبها بإعلان الحرب على الحرب.
وهكذا مثلا لم تتوان الأحزاب الإشتراكية في كل البلدان، في بداية الحرب الإمبريالية عام 1914 بدعمها لبرجوازياتها الخاصة، عن تبرير سلوكها بالتذرع بإرادة الطبقة العاملة. إنها تنسى بذلك، حتى لو كان الأمر على هذه الشاكلة، بأن مهمة الحزب البروليتاري هي في أن يحارب العقلية العمالية العامة وأن يدافع عن جميع المصالح التاريخية للبروليتاريا. وهكذا كان المناشفة في بداية القرن العشرين (وكانوا يسمون أنفسهم بـ «الاقتصاديين» آنذاك) يرفضون النضال العلني ضد القيصرية لأن الطبقة العاملة بمجملها، كما كانوا يقولون، لم تكن مستعدة بعد لفهم ضرورة النضال السياسي.
وهكذا كان المستقلون اليمينيون في ألمانيا يبررون دائما أنصاف إجراءاتهم قائلين إنه يجب فهم رغبات الجماهير قبل كل شيء، ولم يفهموا هم أنفسهم بأنه مقضي على الحزب أن يسير في مقدمة الجماهير وأن يدلها على الطريق.

4- إن الأممية الشيوعية مقتنعة تمام الاقتناع أن هزيمة أحزاب الأممية الثانية «الاشتراكية – الديموقراطية» القديمة، لا يمكن أن تعتبر بأي حال من الأحوال كهزيمة للأحزاب البروليتارية بشكل عام. إن عصر النضال المباشر من أجل دكتاتورية البروليتاريا يخلق حزبا بروليتاريا عالميا جديدا – الحزب الشيوعي.

5- ترفض الأممية الشيوعية رفضا قاطعا الرأي القائل بأن على البروليتاريا أن تنجز ثورتها دون أن تمتلك حزبا سياسيا. فكل نضال طبقي هو نضال سياسي. وهد ف هذا النضال الذي يتجه بشكل حتمي للتحول إلى حرب أهلية، هو استلام السلطة السياسية. لهذا لا يمكن الاستيلاء على السلطة السياسية، وتنظيمها وقيادتها إلا بواسطة هذا الحزب السياسي أو ذاك. وليس إلاّ عندما يقود البروليتاريا حزب منظم ومجرَّب، يتبع أهدافا محددة بوضوح، ويمتلك برنامج عمل قابلا للتنفيذ في السياسة الداخلية كما في السياسة الخارجية، ليس إلاّ في هذه الحالة، يمكن اعتبار استلام السلطة السياسية نقطة انطلاق لعمل مستمر لبناء شيوعي للمجتمع تقوم به البروليتاريا، لا مجرد حادثة عرضية.
إن النضال الطبقي عينه يتطلب أيضا المركزية والقيادة الواحدة للأشكال المختلفة للحركة البروليتارية (النقابات، التعاونيات، لجان المصانع، التعليم والانتخابات الخ…). والمركز المنظم والقيادي لا يمكن أن يكون إلاّ حزبا سياسيا، فإن رفض العمل على إنشائه وتوطيده والخضوع له إنما يعادل رفض القيادة الواحدة لقوى البروليتاريا العاملة على جبهات مختلفة. ويتطلب النضال الطبقي تحريضا مركزا، ينير مراحل النضال المختلفة من وجهة نظر واحدة ويجتذب في كل لحظة كل انتباه البروليتاريا إلى المهام التي تعنيها بمجملها. ولا يمكن تحقيق ذلك دون جهاز سياسي مركزي أي دون حزب سياسي.
إن دعاوة بعض النقابويين الثوريين والمنتسبين إلى الحركة الصناعية في العالم أجمع (I.W.W) ضد ضرورة حزب سياسي قائم بذاته، لم تساعد ولا تساعد – إذا أردنا الكلام بموضوعية – إلاّ البرجوازية و«الاشتراكيين الديموقراطيين» المعادين للثورة. فبدعاوتهم ضد الحزب الشيوعي الذي يريدون استبداله بنقابات أو اتحادات عمالية ذات أشكال غير واضحة المعالم وشديدة الاتساع، إنما يتقاطعون في عدد من النقاط مع انتهازيين حقيقيين.
لقد ظل المناشفة الروس خلال عدة سنوات بعد هزيمة ثورة 1905 ينشرون فكرة مؤتمر عمالي (هكذا كانوا يسمونه) من المفترض أن يحل محل حزب الطبقة العاملة الثوري؛ ويريد «العماليون الصفر» على اختلافهم في إنكلترا وأمريكا استبدال الحزب السياسي باتحادات عمالية مائعة، ويختلقون في الوقت نفسه تكتيكا سياسيا برجوازيا على الإطلاق. أمّا النقابيون الثوريون و«الصناعيون» فيريدون محاربة دكتاتورية البرجوازية، لكنهم لا يعرفون كيف يقومون بذلك، ولا يلاحظون أن طبقة عاملة دون حزب سياسي هي جسد بلا رأس. إن النقابوية الثورية و«الصناعوية» لا تشكلان خطوة إلى الأمام إلاّ بالنسبة لإيديولوجية الأممية الثانية الخاملة والمعادية للثورة. ولكنهما تشكلان خطوة إلى الوراء بالنسبة للماركسية الثورية، أي للشيوعية. إن إعلان شيوعيي «اليسار الألماني K.A.P.D» (البرنامج الذي صاغه مؤتمرهم التأسيسي في نيسلن / أبريل الماضي) بأنهم يشكلون حزبا، إنما «ليس بالمعنى الشائع لكلمة حزب» (Keine Partei überlieferten sinne)، هو تراجع أمام الرأي النقابوي و«الصناعوي» يشكِّل واقعةً رجعية.
لكن الطبقة العاملة لن تتمكن من إحراز النصر على البرجوازية عن طريق الإضراب العام، وتكتيك الأيدي المكتوفة، بل يجب أن تحقق ذلك عن طريق الانتفاضة المسلحة. ومن فهم ذلك عليه أن يفهم أيضا أن حزبا سياسيا منظما هو أمر ضروري، وأن الاتحادات العمالية المائعة لا تستطيع أن تحل محله.
يتحدث النقابيون الثوريون في الغالب عن الدور الكبير الذي يجب أن تلعبه أقلية ثورية موطدة العزم. والحال أن هذه الأقلية العازمة من الطبقة العاملة التي يطلبونها، هذه الأقلية الشيوعية، والتي تمتلك برنامجا وتريد أن تنظم النضال الجماهيري، إنما هي في الواقع الحزب الشيوعي بالذات.

6- إن البقاء على اتصال دائم بالتنظيمات البروليتارية الأشد اتساعا هو المهمة الأكثر أهمية لحزب شيوعي حقا، ومن أجل تحقيق ذلك يستطيع الشيوعيون ويجب عليهم أن يشاركوا في مجموعات تضم جماهير بروليتارية واسعة دون أن تكون مجموعات حزبية. هذه هي مثلاً حالة التنظيمات المعروفة باسم تنظيمات المصابين بالعجز في بلدان مختلفة، وجماعات «ارفعوا أيديكم عن روسيا»، والاتحادات البروليتارية للمستأجرين، الخ… ولدينا هنا المثال الروسي لمجالس العمال والفلاحين التي تعلن أنها «غريبة» عن الأحزاب (bezpartinii). وسيجري قريبا تنظيم جمعيات مماثلة في كل مدينة وكل حي عمالي وفي الأرياف أيضاً. وتشارك في هذه الجمعيات أوسع الجماهير التي تضم شغيلة متخلفين أيضا، وهي تضع على جدول أعمالها المسائل الأكثر أهمية: التموين، السكن، مسائل عسكرية، التعليم، المهمة السياسية في اللحظة الراهنة، الخ… وعلى الشيوعيين أن يمتلكوا تأثيرا داخل هذه الجمعيات، وسيكون لذلك أكثر النتائج أهمية بالنسبة للحزب.
يعتبر الشيوعيون أن مهمتهم الرئيسية داخل هذه التنظيمات هي العمل التثقيفي والتنظيمي المنهجي. ومن أجل أن يكون هذا العمل مثيرا وكي لا يتمكن أعداء البروليتاريا الثورية من السيطرة على هذه التنظيمات، يجب أن يكون للشغيلة المتقدمين وللشيوعيين حزبهم ذو النشاط المنظم الذي يعرف الدفاع عن الشيوعية في كل الظروف وأمام جميع الاحتمالات.

7- لا ينفصل الشيوعيون أبدا عن المنظمات العمالية المحايدة سياسياً، حتى لو ارتدت طابعا رجعيا واضحا (اتحادات صفراء، اتحادات مسيحية، الخ…)، فالحزب الشيوعي يواصل داخل تلك المنظمات عمله الخاص بثبات، مظهرا للعمال دون كلل أن الحياد السياسي إنما تزرعه البرجوازية وعملاؤها بينهم عن تبصر، من أجل الانحراف بالبروليتاريا عن النضال من أجل الاشتراكية.

8- إن التقسيم الكلاسيكي القديم للحركة العمالية إلى ثلاثة أشكال (أحزاب، نقابات، تعاونيات) قد مضى عليه الزمن. لقد أوجدت الثورة البروليتارية في روسيا الشكل الأساسي لديكتاتورية البروليتاريا، السوفيتات. فالتقسيم الجديد الذي ننميه في كل مكان هو التالي: 1- الحزب، 2- السوفيات، 3- النقابة.
غير أن العمل في السوفيتات كما في النقابات الصناعية التي أصبحت ثورية يجب أن تتم قيادته بثبات ومنهجية من قبل الحزب البروليتاري، أي الحزب الشيوعي.
الحزب الشيوعي، كطليعة منظمة من الطبقة العاملة، يعكس أيضا الحاجات الاقتصادية، والسياسية والروحية للطبقة العاملة بمجملها، ويجب أن يكون روح النقابات والسوفيتات وكذلك روح كل الأشكال الأخرى للتنظيم البروليتاري.
إن ظهور السوفيتات، الشكل التاريخي الرئيسي لديكتاتورية البروليتاريا، لا يضعف إطلاقا الدور القيادي للحزب الشيوعي في الثورة البروليتارية. عندما يعلن الشيوعيون الألمان «اليساريون» (أنظر بيانهم إلى البروليتاريا الألمانية في 14 نيسان / أبريل 1920 الموقّع من «حزب العمال الشيوعي الألماني») أن «على الحزب الشيوعي، هو أيضا، أن يتكيَّف أكثر فأكثر مع الفكرة السوفياتية وأن يتبلتر (Kommunistische Arbeiterzeitung N. 54)، فنحن لا نجد هنا إلاّ تعبيرا من طرف خفي عن الفكرة القائلة بوجود ذوبان الحزب الشيوعي في السوفيتات، وبإمكانية هذه الأخيرة أن تحل محله. هذه الفكرة خاطئة ومغرقة في الرجعية.

لقد أظهر لنا تاريخ الثورة الروسية، في وقت ما، أن السوفيتات قد خالفت الحزب البروليتاري ودعمت عملاء البرجوازية، وقد لاحظنا الشيء نفسه في ألمانيا، وهو ممكن أيضا في البلدان الأخرى.
من أجل أن تتمكن السوفيتات من تأدية رسالتها التاريخية، فإن وجود حزب شيوعي من القوة بحيث لا «يتكيف» مع السوفيتات، بل يمارس عليها تأثيرا حاسما ويجبرها على «عدم التكيف» مع البرجوازية والاشتراكية – الديموقراطية الرسمية، ويقودها بواسطة هذا الجناح الشيوعي، إنما هو، على العكس، أمر ضروري.

9- إن الحزب الشيوعي ليس ضروريا بالنسبة للطبقة العاملة قبل الاستيلاء على السلطة وأثناء ذلك وحسب، بل أيضا بعد ذلك. ويظهر تاريخ الحزب الشيوعي الروسي، الذي يمسك بالسلطة منذ ثلاثة أعوام، أن دور الحزب الشيوعي، بعيدا عن أن يكون تضاءل منذ استلام السلطة، قد ازداد بشكل ملحوظ.

10- يوم تستولي البروليتاريا على السلطة لا يشكل الحزب الشيوعي، مع ذلك، إلاّ أحد أجنحة طبقة الشغيلة، ولكنه الجناح الذي نظم الانتصار. خلال عشرين عاما، كما رأينا في روسيا، ومنذ سنوات متلاحقة كما رأينا في ألمانيا، يناضل الحزب الشيوعي ليس فقط ضد البرجوازية، ولكن أيضا ضد كل أولئك الاشتراكيين، الذين لا يقومون في الواقع إلاّ بالتعبير عن تأثير الأفكار البرجوازية على البروليتاريا. لقد استوعب الحزب الشيوعي المناضلين الأكثر صلابة ووضوح رؤية وتقدما من الطبقة العاملة. إن وجود تنظيمات بروليتارية مماثلة يسمح بتخطي كل الصعاب التي يصطدم بها الحزب الشيوعي غداة الانتصار. إن تنظيم جيش أحمر بروليتاري جديد، والقضاء على الآلية الحكومية البرجوازية بشكل حقيقي وخلق الملامح الأولى للجهاز الحكومي البروليتاري، والنضال ضد الاتجاهات الحرفية لدى بعض التجمعات العمالية، والوطنية الاقليمية والعقلية الضيقة، والجهود الرامية لإيجاد انضباط جديد في العمل – كلها ميادين حيث على الحزب الشيوعي، الذي يجتذب أعضاؤه بمثالهم الحي الجماهير العمالية، أن يقول كلمة الفصل.

11- لا تنتفي ضرورة حزب سياسي للبروليتاريا إلاّ باختفاء الطبقات الاجتماعية. ففي مسيرة الشيوعية نحو النصر النهائي، من الممكن أن تتغير العلاقة المميزة القائمة بين الأشكال الأساسية الثلاثة للتنظيم البروليتاري المعاصر (أحزاب، سوفيتات، نقابات، مصانع) وأن يتبلور شيئا فشيئا نموذج وحيد توليفي  (synthétique) من التنظيم العمالي، غير أن الحزب الشيوعي لن يذوب كليا داخل الطبقة العاملة إلاّ عندما تتوقف الشيوعية عن أن تكون رهان الصراع الاجتماعي، وعندما تصبح الطبقة العاملة بمجملها شيوعية.

12- ليس على المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية أن يدعم الحزب في رسالته التاريخية وحسب بل أن يحدد للبروليتاريا العالمية، على الأقل، الخطوط العريضة للحزب الذي نحتاجه.

13- ترى الأممية الشيوعية أن على الحزب الشيوعي، خاصة في مرحلة دكتاتورية البروليتاريا، أن يكون قائما على مركزية بروليتارية راسخة. ومن أجل قيادة الطبقة العاملة، بشكل فعال، خلال الحرب الأهلية الطويلة والمتواصلة، التي أصبحت وشيكة، على الحزب الشيوعي أن يقيم داخله نظام طاعة حديديا، نظام طاعة عسكريا. لقد أظهرت تجربة الحزب الشيوعي الروسي خلال ثلاث سنوات قاد أثناءها الطبقة العاملة بنجاح، عبر تقلبات الحرب الأهلية، أن انتصار الشغيلة سيكون مستحيلا دون أكثر الانضباط قوة، ودون مركزية كاملة ودون ثقة المنتسبين المطلقة بالمركز القيادي للحزب.

14- يجب أن يقوم الحزب الشيوعي على المركزية الديموقراطية. فتشكيل اللجان الفرعية عن طريق الانتخاب، وخضوع جميع اللجان الإلزامي للجنة التي تعلوها، ووجود مركز يتمتع بالصلاحيات المطلقة، ويملك سلطة لا جدال فيها خلال الفترة الفاصلة بين مؤتمرين، هذه هي المبادئ الرئيسية للمركزية الديمقراطية.

15- لقد وُضعت سلسلة من الأحزاب الشيوعية في أوربا وأمريكا خارج الشرعية بفعل الأحكام العرفية. ومن المناسب أن نتذكر أن المبدأ الانتخابي يمكن أن يتعرض في هذه الظروف لبعض الخروقات، ومن الممكن أن يكون ضروريا منح الهيئات القيادية في الحزب حق تعيين أعضاء جدد، وهذا ما حدث سابقا في روسيا. فالحزب الشيوعي لا يستطيع بالطبع أن يلجأ إلى الاستفتاء الديموقراطي كلما انطرحت مسألة خطيرة (كما أرادت مجموعة من الشيوعيين الأمريكيين)؛ عليه، على العكس، أن يمنح مركزه القيادي إمكانية وحق التقرير السريع في اللحظة المناسبة، عن كل أعضاء الحزب.

16- إن مطلب «الاستقلالية» الواسعة للمجموعات المحلية للحزب لا يمكن في هذه المرحلة إلاّ أن يضعف صفوف الحزب الشيوعي، ويقلل من قدرته على النشاط، ويشجع نمو الاتجاهات الفوضوية والبرجوازية الصغيرة المناقضة للمركزية.

17- في البلدان حيث ما زالت السلطة بيد البرجوازية أو الاشتراكية – الديموقراطية المعادية للثورة، على الأحزاب الشيوعية أن تتعلم الجمع بين العمل الشرعي والعمل السري بشكل منظم، بحيث يشرف الثاني دائما بشكل فعلي على الأول. ويجب أن تكون المجموعات البرلمانية الشيوعية كما التكتلات الشيوعية العاملة في مختلف مؤسسات الدولة خاضعة كليا للحزب الشيوعي – أكان وضع الحزب، شرعيا أو غير شرعي. إن المنتدبين الذين لا يخضعون للحزب بشكل أو بآخر يجب أن يُطردوا منه. إن الصحافة الشرعية (الصحف، والمنشورات المختلفة) يجب أن تخضع لمجمل الحزب ولجنته المركزية خضوعا تاما.

18- إن حجر الزاوية في كل نشاط تنظيمي للحزب أو للشيوعيين يجب أن يوضع عبر تنظيم نواة شيوعية في كل مكان يوجد فيه بعض البروليتاريين وأشباه البروليتاريين. يجب على الفور تنظيم نواة شيوعية في كل سوفيات، وكل نقابة، في كل تعاونية وكل مشغل وكل لجنة مستأجرين، وكل مؤسسة يوجد فيها ثلاثة أشخاص يناصرون الشيوعية. إن التنظيم الشيوعي هو الوحيد الذي يسمح لطليعة الطبقة العاملة بأن تجتذب إليها كل الطبقة العاملة. ويجب أن تخضع كل الأنوية الشيوعية الناشطة بين التنظيمات السياسية المحايدة، بشكل مطلق للحزب، سواء كان شرعيا أو سريا. ويجب أن تُنظَّم الأنوية الشيوعية ضمن تبعية متبادلة صارمة، ينبغي تحديدها بأكبر قدر من الدقة.

19- يولد الحزب الشيوعي، على الدوام تقريبا في المراكز الكبيرة، بين شغيلة الصناعة المدينية. ومن أجل ضمان الانتصار الأكثر سهولة والأسرع للطبقة العاملة لا ينبغي أن يكون الحزب الشيوعي حزبا مدينيا وحسب، بل يجب أن يمتد أيضا إلى الأرياف، وأن يتفرغ، من أجل هذه الغاية، للدعاوة بين المياومين الزراعيين الفقراء والمتوسطين ولتنظيمهم، كما على الحزب الشيوعي أن يتابع تنظيم الأنوية الشيوعية في القرى بعناية خاصة.
لا يمكن التنظيم الأممي للبروليتاريا أن يكون قويا إلاّ إذا اعتُمد هذا الشكل من تصور دور الحزب في كل البلدان حيث يعيش الشيوعيون ويناضلون. إن الأممية الشيوعية تدعو كل النقابات التي تقبل بمبادئ الأممية الثالثة للقطع مع الأممية الصفراء. وستنظم الأممية فرعا أمميا للنقابات الحمراء يقف على أرضية الشيوعية. ولن ترفض الأممية الشيوعية مؤازرة أي تنظيم عمالي محايد سياسيا يرغب بمحاربة البرجوازية، غير أن الأممية الشيوعية لن تتوقف، مع ذلك، عن أن تثبت لبروليتاريي العالم أجمع:

أ- أن الحزب الشيوعي هو السلاح الأساسي والضروري من أجل تحرر البروليتاريا، ويجب أن نمتلك الآن في كل بلد حزبا شيوعيا وليس تجمعات واتجاهات.

ب- ينبغي ألا يكون في كل بلد أكثر من حزب شيوعي واحد ووحيد.

ج- أن يكون الحزب الشيوعي قائما على مبدأ المركزية الأكثر صرامة وأن يرسي داخله، في مرحلة الحرب الأهلية، انضباطا عسكريا.

د- يجب أن يمتلك الحزب الشيوعي نواته المنظمة في كل مكان يوجد فيه بروليتاريون أو أشباه بروليتاريين وإن لم يتعدوا العشرة.

هـ- في كل منظمة غير مسيسة يجب أن توجد نواة شيوعية خاضعة تماما للحزب بكامله.

و- يجب أن يبقى الحزب على الدوام، فيما يدافع دفاعا مستميتا وبتفان مطلق عن البرنامج والتكتيك الثوريين للشيوعية، على علاقات وثيقة مع تنظيمات أوسع الجماهير العمالية، وأن يتفادى العصبوية بقدر تفادي انعدام المبادئ.

الحركة النقابية، ولجان المعامل والمصانع

أولاً:

1- تمثل النقابات التي أنشأتها الطبقة العاملة خلال مرحلة التطور السلمي للرأسمالية منظمات عمالية معدة للنضال من أجل رفع أجور العمال في سوق العمل وتحسين شروط العمل. كان الماركسيون الثوريون مجبرين على الاتصال بحزب البروليتاريا السياسي، الحزب الاشتراكي – الديمقراطي، بهدف خوض نضال مشترك من أجل الاشتراكية. إلا إن الأسباب نفسها التي جعلت الديمقراطية – الاشتراكية، وان باستثناءات نادرة، تقود الجهد الثوري للبروليتاريا في مصلحة البرجوازية وليس كسلاح للنضال الثوري للبروليتاريا من أجل إطاحة الرأسمالية، جعلت النقابات تظهر في الغالب، خلال الحرب، بمظهر عناصر في جهاز البرجوازية العسكرية. وساعدت هذه الأخيرة في استغلال الطبقة وبأشد حدّة ممكنة، وعلى القيام بالحرب، بالصورة الأكثر حزماً، باسم مصالح الرأسمالية. وإذا لم تضم النقابات إلا العمال المتخصصين الذين يحصلون على أفضل الأجور من أرباب العمل، ولم تعمل إلا في الحدود الحرفية الضيقة جداً، يكبلها جهاز بيروقراطي، غريب كلياً عن الجماهير التي يخدعها زعماؤها الانتهازيون، فإنها لم تقم فقط بخيانة قضية الثورة الاجتماعية بل وأيضا قضية النضال من اجل تحسين الظروف المعيشية للعمال الذين قامت بتنظيمهم. لقد أخلت ساحة النضال المهني ضد أرباب العمل واستبدلتها، مهما كلف الأمر، ببرنامج مصالحة مع الرأسماليين. ولم تكن هذه سياسة النقابات الليبرالية في إنكلترا وأمريكا والنقابات الحرة التي تدعي الاشتراكية في ألمانيا والنمسا فقط، بل سياسة الاتحادات النقابية في فرنسا ايضاً.

2- لقد دفعت الآثار الاقتصادية للحرب وفساد النظام الاقتصادي في العالم أجمع، وغلاء المعيشة الفاحش، واستغلال عمل النساء والأطفال اشد استغلال، ومسألة السكن (وقد تطورت جميعاً من سيء إلى أسوأ)، دفعت الجماهير البروليتارية في طريق النضال ضد الرأسمالية. لقد أصبح هذا النضال، بطابعه واتساعه الذي يرتسم بوضوح أكبر يوما بعد يوم، معركة ثورية كبيرة تحطم الأسس العامة للرأسمالية. إن زيادة الأجور لفئة محددة من العمال، المنتزعة من أرباب العمل لقاء نضال اقتصادي شرس، تتقلص في الغد إلى الصفر بفعل ارتفاع كلفة المعيشة. والحال إن ارتفاع الأسعار سيستمر، لأن الطبقة الرأسمالية في البلدان المنتصرة، وهي تهدم بسياستها الاستغلالية أوروبا الشرقية والوسطى، ليست في وضع تنظيم النظام الاقتصادي في العالم اجمع، بل إنها على العكس تشيع فيه الفوضى أكثر فأكثر. إن في أوسع الجماهير العمالية التي بقيت حتى الآن خارج النقابات تنضم اليها حالياً من أجل ضمان النجاح في النضال الاقتصادي. ونشهد في البلدان الرأسمالية كافة نمواً مذهلاً للنقابات التي لم تعد الآن تمثل تنظيم العناصر المتقدمة من البروليتاريا فقط بل تنظيم كل جمهور البروليتاريا. فالجماهير بدخولها إلى النقابات تسعى لأن تجعل منها سلاحها النضالي. كما يجبر التناحر الطبقي، الذي يصبح باستمرار أكثر فأكثر حدّة. النقابات على تنظيم الإضرابات التي يشعر بأثرها العالم أجمع، عبر إعاقتها لسيرورة الإنتاج والتبادل الرأسماليين. وبازدياد مطالب الجماهير العمالية بقدر ما تزيد كلفة المعيشة، التي تنهكها بشكل متزايد، تحطم هذه الجماهير بذلك كل حساب رأسمالي يمثل الأساس الأولي لاقتصاد منظم. ان النقابات التي كانت قد أصبحت خلال الحرب أجهزة استعباد الجماهير العمالية خدمة لمصالح البرجوازية، إنما تمثل الآن أجهزة تحطيم الرأسمالية.

3- غير إن البيروقراطية المهنية الهرمة والأشكال القديمة للتنظيم النقابي تقف عائقاً، بـأي حال، أمام هذا التحول في طابع النقابات. فالبيروقراطية المهنية الهرمة تسعى في كل مكان إلى أن تحفظ للنقابات طابعها كمنظمات للأرستقراطية العمالية، وتسعى للإبقاء على سريان مفعول القواعد، التي تجعل من المستحيل دخول الجماهير العمالية ذات الدخل المحدد إلى النقابات، وتجهد البيروقراطية النقابية الهرمة لأن تحل محل الحركة الإضرابية، التي تتخذ كل يوم بشكل متزايد، طابع صراع ثوري بين البرجوازية والبروليتاريا، سياسة عقود طويلة الأمد فقدت معناها الكامل أمام التغيرات الهائلة في الأسعار. إنها تسعى لتفرض على العمال سياسة الكومونات العمالية والمجالس المجتمعة للصناعة (joint industrial councils)، وإعاقة توسع الحركة الإضرابية، عن طريق الشرعية، وبمساعدة الدولة الرأسمالية. وفي اللحظات الحرجة تبذر البرجوازية الفتنة بين الجماهير العمالية المناضلة وتمنع الأعمال المعزولة لمختلف فئات العمال من الانصهار بعمل طبقي شامل، ويدعمها، بمحاولاتها هذه، عمل المنظمات النقابية القديمة، الذي يجزء الشغيلة في فرع صناعي محدد إلى مجموعات مهنية معزولة بشكل مصطنع على الرغم من ارتباطها الواحدة بالأخرى بفعل الاستغلال الرأسمالي نفسه. وهي تعتمد على التراث الأيديولوجي للأرستقراطية العمالية القديمة، علماً إن إلغاء امتيازات مختلف مجموعات البروليتاريا يضعف تلك السيطرة دون انقطاع. ويجد إلغاء الامتيازات هذا تفسيره في التفكك العام للرأسمالية وتساوي وضع مختلف عناصر الطبقة العاملة، والمساواة في حاجتها وفقدانها للأمان.
وبهذه الطريقة تستبدل البيروقراطية النقابية التيار الجارف للحركة العمالية بسَواقٍ ضعيفة، وتستبدل الأهداف الثورية العامة للحركة بطالب جزئية إصلاحية وتعيق، بوجه عام، تحول الجهود المعزولة للبروليتاريا إلى نضال ثوري موحد يتجه إلى تحطيم الرأسمالية.

4- نظراً للاتجاه الواضح لدى أوسع الجماهير العمالية للانخراط في النقابات، ونظراً للطابع الموضوعي الثوري للنضال الذي تخوضه هذه الجماهير بالرغم من البيروقراطية المهنية، من المهم أن ينضم الشيوعيين في كل البلدان إلى النقابات وان يعملوا على جعلها أجهزة واعية للنضال من أجل إطاحة النظام الرأسمالي وانتصار الشيوعية، وعليهم أن يتخذوا المبادرة في خلق نقابات في كل مكان لا توجد فيه بعد.
إن كل انسحاب طوعي من الحركة المهنية وكل محاولة لإنشاء مصطنع لنقابات لا يدفع باتجاه القيام بها الأفراط في التعسف من جانب البيروقراطية المهنية (حل الفروع المحلية الثورية النقابية من جانب المراكز الانتهازية) أو سياستها الديمقراطية الضيقة التي تحول دون دخول الجماهير الواسعة من الشغيلة قليلي المهارة إلى الهيئات النقابية، يشكل خطراً كبيراً على الحركة الشيوعية. فهو يبعد العمال عن الجمهور الأكثر تقدماً ووعياً، ويدفعهم نحو القادة الانتهازيين الذين يعملون من أجل مصالح البرجوازية… ولا يمكن التغلب على تردد الجماهير العمالية وعدم تصميمها السياسي، وعلى التأثير الذي يمتلكه عليها القادة الانتهازيين، إلا عن طريق نضال يزداد حدة، كلما تعلمت الشرائح العميقة من البروليتاريا، عبر تجربتها ودروس انتصاراتها وهزائمها، إن النظام الاقتصادي الرأسمالي لن يسمح لها ابدأ بالحصول على شروط معيشة إنسانية محتملة، وكلما تعلم الشغيلة الشيوعيين المتقدمون عبر تجربة نضالهم الاقتصادي ألّا يكونوا فقط دعاة نظريين للفكرة الشيوعية، بل قادة حازمين للعمل الاقتصادي والنقابي. ولا يمكن بغير هذه الطريقة إبعاد القادة الانتهازيين عن النقابات ووضع شيوعيين على رأسها وجعلها أجهزة للنضال الثوري من أجل الشيوعية. ولن يكون إيقاف تفتت النقابات واستبدالها بالاتحادات الصناعية، وإزاحة البيروقراطية الغربية عن الجماهير واستبدالها بجهاز مؤلف من ممثلي العمال الصناعيين (Betriebsvertreter) وعدم التخلي للمؤسسات المركزية إلا عن الوظائف الضرورية جداً، لن يكون ذلك ممكناً إلا على هذا الشكل.

5- بما أن الشيوعيين يعلقون أهمية أكبر على هدف النقابات وجوهرها مما على شكلها، فعليهم ألا يترددوا إزاء الانشقاقات التي يمكن أن تحدث داخل المنظمات النقابية، إذا كان من الضروري، لتفاديها، التخلي عن العمل الثوري والامتناع عن تنظيم الجزء الأكثر تعرضاً للاستغلال من البروليتاريا. ومع ذلك وإذا حدث وفرض نفسه أي انشقاق نفسه كضرورة مطلقة، لا ينبغي للشيوعيين أن يلجأوا إليه إلا بعد أن يتيقّنوا بأنهم سينجحون، بمشاركتهم الاقتصادية، في إقناع أوسع الجماهير العمالية بأن الانشقاق يجد مبرره في المصالح الملموسة والمباشرة للطبقة العاملة والمتفقة مع ضرورات النشاط الاقتصادي، وليس في اعتبارات يمليها هدف ثوري لا يزال بعيداً جداً وغامضاً. وفي حال أن الانشقاق أصبح محتماً ينبغي عل الشيوعيين إيلاء اهتمام كبير بأن لا يعزلهم هذا الانشقاق عن الجماهير العمالية. 

6- في كل مكان يكون حدث فيه الانشقاق بين الاتجاهات النقابية الانتهازية والثورية وحيث يوجد، في أمريكا مثلا، نقابات ذات اتجاهات ثورية، إن لم تكن شيوعية، إلى جانب النقابات الانتهازية، وجب على الشيوعيين تقديم العون للنقابات الثورية ودعمها ومساعدتها على التحرر من أوهامها النقابية والوقوف على أرضية الشيوعية، لأن هذه الأخيرة هي وحدها البوصلة الأمينة والأكيدة في كل القضايا المعقدة للنضال الاقتصادي. في كل مكان تتشكل فيه منظمات نقابية (إما على قاعدة نقابات أو خارجها) مثل الـ Shop Stewards والـ Betriebsraete (مجالس الإنتاج)، منظمات تضع النضال ضد اتجاهات البيروقراطية النقابية المضادة للثورة كهدف لها، فإن الشيوعيين ملزمون، بالطبع، بدعمها بكل إمكاناتهم، لكن العون الذي يقدم للنقابات الثورية لا يجب أن يعني خروج الشيوعيين من النقابات الانتهازية التي هي في حالة غليان سياسي وتطور نحو النضال الطبقي، بل بالعكس فإن الشيوعيين، بمحاولتهم الإسراع بهذه الثورة، ثورة كتلة النقابات التي هي على طريق النضال الثوري، سيتمكنون من لعب دور عنصر موحد، معنوياً وعملياً، للعمال المنظمين من اجل نضال مشترك يتجه نحو تحطيم النظام الرأسمالي.

7- في عصر انهيار الرأسمالية، يتحول النضال الاقتصادي للبروليتاريا إلى نضال سياسي بسرعة أكبر بكثير مما في عصر التطور السلمي للنظام الرأسمالي. فكل صراع اقتصادي هام يمكن أن يثير أمام العمال قضية الثورة. لذلك من واجب الشيوعيين أن يبرزوا أمام العمال، خلال مراحل النضال الاقتصادي كافة، إن هذا النضال لن يتوج بالنجاحات إلا عندما تهزم الطبقة العاملة الطبقة الرأسمالية في معركة مواجهة مخططة، وتكلف نفسها، بعد قيام ديكتاتوريتها، عناء التنظيم الاشتراكي للبلاد. وانطلاقاً من ذلك على الشيوعيين أن يتجهوا، قدر الإمكان، إلى تحقيق اتحاد تام بين النقابات والحزب الشيوعي، عبر إخضاعها لهذا الأخير، طليعة الثورة. وبهذا القصد على الشيوعيين أن ينظموا في كل النقابات ومجالس الإنتاج (Betriebsracte) تكتلات شيوعية ستساعدهم على الاستيلاء على الحركة النقابية وقيادتها.

ثانياً:

1- إن النضال الاقتصادي للبروليتاريا من أجل رفع الأجور والتحسين العام لشروط معيشة الجماهير يزيد كل يوم من حدة طابعه كنضال مسدود. إن الفوضى الاقتصادية التي تغزو بلداً تلو الآخر، بنسبة تتزايد باستمرار، تظهر حتى للعمال الأكثر تخلفاً، أنه لا يكفي النضال من أجل رفع الأجور وتقليص يوم العمل حتى تخسر الطبقة الرأسمالية أكثر فأكثر القدرة على تجديد الحياة الاقتصادية وعلى أن تضمن للعمال، على الأقل، الظروف المعيشية التي كانت تؤمنها لهم قبل الحرب. ويخلق الوعي المتنامي باضطراد اتجاهاً لدى الجماهير العمالية لإنشاء منظمات قادرة على خوض النضال من أجل النهضة الاقتصادية بواسطة الإشراف العمالي على الصناعة عبر مجالس الإنتاج. إن هذا الاتجاه لخلق مجالس صناعية عمالية، الذي ينتشر بين العمال في جميع البلدان، يجد أساسه في عوامل مختلفة ومتعددة (النضال ضد البيروقراطية الرجعية، الإنهاك الذي سببته الهزائم التي تكبدتها النقابات، الميول إلى خلق منظمات تشمل كل الشغيلة) ويستوحي، بالنهاية، من الجهد المبذول من أجل الإشراف على الصناعة، المهمة التاريخية الخاصة بالمجالس الصناعية العمالية. لهذا سيكون من الخطأ السعي إلى عدم تشكيل تلك المجالس العمالية إلا من العمال المناصرين لديكتاتورية البروليتاريا، فمهمة الحزب الشيوعي تقوم، على العكس، على الإفادة من الفوضى الاقتصادية من أجل تنظيم العمال ووضعهم ضمن ضرورة النضال من أجل ديكتاتورية البروليتاريا، وفي الوقت نفسه نشر فكرة النضال من أجل الرقابة العمالية، وهي فكرة يفهمها الكل الآن.

2- لا يستطيع الحزب الشيوعي أن يؤدي هذه المهمة إلا بتعزيزه للقناعة الراسخة في وعي الجماهير بأن ترميم الحياة الاقتصادية على الأساس الرأسمالي أصبح الآن مستحيلاً، وهو يعني كذلك عبودية جديدة للطبقة الرأسمالية. إن التنظيم الاقتصادي المنسجم مع مصالح الجماهير العمالية ليس ممكناً إلا إذا كانت تحكمُ الدولةَ الطبقةُ العاملة، وإذا اهتمت القبضة الحازمة لديكتاتورية البروليتاريا بإلغاء الرأسمالية وبالتنظيم الاشتراكي الجديد.

3- إن لنضال لجان المعامل والمصانع ضد الرأسمالية هدفاً مباشراً، وهو إدخال الرقابة العمالية إلى جميع فروع الصناعة. فعمال كل منشأة، بغض النظر عن مهنهم، يعانون من تخريب الرأسماليين الذين يرون، في الغالب، إن إيقاف العمل في هذه الصناعة أو تلك سيعود عليهم بالفائدة. ويُكره الجوعُ العمال على القبول بأقسى الشروط، كي يتجنب أي رأسمالي أي زيادة في التكاليف. إن النضال ضد هذا النوع من التخريب يوحد أغلب العمال بغض النظر عن أفكارهم السياسية ويجعل لجان المصانع والمعامل، التي ينتخبها جميع الشغيلة مشروع معين، منظمات جماهير البروليتاريا حقاً. لكن إفساد تنظيم الاقتصاد الرأسمالي ليس فقط نتيجة الإرادة الواعية للرأسماليين، بل إنه ايضاً وبقدر أكبر بكثير نتيجة الانحطاط الحتمي لنظامهم. لهذا، ستكون اللجان العمالية مجبرة في عملها ضد نتائج هذا الانحطاط على تخطي حدود الرقابة على المعامل والمصانع المعزولة، وستجد نفسها قريبا، إزاء مسألة الرقابة العمالية التي ينبغي ممارستها على فروع صناعية كاملة وعلى الصناعة بمجملها. مع ذلك فإن محاولات العمال لممارسة رقابتهم ليس فقط على تموين المعامل والمصانع بالمواد الأولية ولكن ايضاً على العمليات المالية للمشاريع الصناعية، سوف تؤدي، من جانب البرجوازية والحكومة الرأسمالية، اللي إجراءات عنيفة ضد الطبقة العامة، الأمر الذي يحول النضال العمالي من أجل الإشراف على الصناعة إلى نضال للاستيلاء على السلطة من قبل الطبقة العاملة

4- إن الدعاوة لصالح مجالس الصناعة يجب أن تجري على شكل يُرسِّخ في قناعة أوسع الجماهير العمالية، حتى لدى تلك التي لا تنتمي مباشرة إلى البروليتاريا الصناعية، إن مسؤولية الفوضى الاقتصادية إنما تقع على عاتق البرجوازية وأن البروليتاريا، بمطالبتها بالرقابة العمالية، تناضل من أجل تنظيم الصناعة والقضاء على المضاربة وغلاء المعيشة. ومهمة الأحزاب الشيوعية النضال من أجل الإشراف على الصناعة، مستفيدة، لتحقيق هذا الهدف، من كل الظروف المطروحة على جدول الأعمال، من النقص في الوقود وفوضى النقل، دامجة، لأجل هذا الهدف، العناصر المتفرقة من البروليتاريا، جاذبة إلى جانبها أوسع أوساط البرجوازية الصغيرة التي تتبلتر أكثر فأكثر كل يوم وتعاني أشد المعاناة من الفوضى الاقتصادية.

5- لا يمكن لمجالس الصناعة أن تحل محل النقابات. ولا تستطيع إلا أن تتنظم، خلال العمل، في فروع صناعة مختلفة، وأن تنشئ شيئاً فشيئاً جهازاً شاملاً قادراً على قيادة النضال بمجمله. لقد أصبحت النقابات، في الوقت الحاضر، تمثل هيئات نضالية ممركزة، على الرغم من أنها لا تضم جماهير عمالية بمثل الاتساع الذي يمكن أن تصل إليه مجالس الصناعة العمالية بصفتها منظمات يمكن تشكيلها في كل المنشآت العمالية. إن تقاسم كل مهمات الطبقة العاملة بين لجان الصناعة العمالية والنقابات هو نتاج التطور التاريخي للثورة الاجتماعية، فقد نظمت النقابات الجماهير العمالية بهدف النضال من أجل رفع الأجور وخفض أيام العمل وحققت ذلك على مستوى واسع، بينما تتنظم مجالس الصناعة العمالية من أجل الرقابة على الصناعة والنضال ضد الفوضى الاقتصادية. إنها تضم كل المشاريع العمالية غير إن نضالها لا يرتدي طابعاً سياسياً عاماً إلا ببطء شديد. ولن يكون من واجب الشيوعيين أن يدعموا مجالس الصناعة العمالية في اتجاهاتها الرامية لأن تصبح مجموعات صناعية نقابية، إلا بقدر ما تتوصل إلى تخطي الاتجاهات المضادة للثورة لدى بيروقراطيتها، أو تصبح أجهزة واعية للثورة.

6- تنحصر مهمة الشيوعيين بالجهود التي عليهم بذلها من أجل أن تتشبع النقابات ومجالس الصناعة العمالية بالروح ذاتها الخاصة بالتصميم الكفاحي والواعي والفهم الأفضل الوسائل النضالية، أي الروح الشيوعية. وفي الواقع على الشيوعيين من أجل الاضطلاع بهذه المهمة، أن يخضعوا النقابات والمجالس العمالية للحزب الشيوعي، وأن يخلقوا بذلك أجهزة بروليتارية جماهيرية تشكل قاعدة لحزب شيوعي مركزي قوي، يضم كل المنظمات البروليتارية ويجعلها تسير في الطريق الذي يؤدي إلى انتصار الطبقة العاملة وإلى ديكتاتورية البروليتاريا – أي الشيوعية.

7- بينما يجعل الشيوعيون من النقابات والمجالس الصناعية سلاحاً قوياً من أجل الثورة، تعد هذه المنظمات الجماهيرية نفسها للدور الكبير الذي سيقع على عاتقها عند إرساء ديكتاتورية البروليتاريا. وهذا هو واجبها بالفعل، أن تصبح القاعدة الاشتراكية للتنظيم الجديد للحياة الاقتصادية. وستقوم النقابات المنظمة بصفتها ركائز للصناعة، والمستندة إلى المجالس الصناعية العمالية التي ستمثل منظمات المعامل والمصانع، بتعليم الجماهير العمالية واجبها الصناعي، وستجعل من العمال الاكثر تقدماً مديرين مباشرين للمشاريع، وتنظم الإشراف التقني للاختصاصيين، وتدرس خطط السياسة الاقتصادية الاشتراكية وتنفذها بالاتفاق مع ممثلي السلطة العمالية.

ثالثاً:كانت النقابات تعبر، في زمن السلم، عن اتجاهات لتشكيل اتحاد عالمي. فخلال الإضرابات، كان الرأسماليون يلجأون إلى اليد العاملة في البلدان المجاورة، وخدمات “الثعالب” الأجانب. لكن الأممية النقابية، لم تكن تملك، قبل الحرب، سوى أهمية ثانوية، وكانت تهتم بتنظيم الإعانات المالية المتبادلة، وبخدمة إحصائية تتعلق بالحياة العمالية، ولكنها لم تكن تسعى إلى توحيد الحياة العمالية، لان النقابات التي كان يقودها انتهازيون كانت تقوم بكل ما في وسعها للتملص من كل نضال ثوري أممي. والآن يسعى قادة النقابات الانتهازيون، الذين كانوا، خلال الحرب، الخدم المخلصين لبورجوازيات بلدانهم، إلى إحياء الأممية النقابية بجعل أنفسهم سلاحاً للرأسمالية الشاملة العالمية، موجهاً ضد البروليتاريا. وقد أنشأوا “مكتب عمل” مع جوهو وغومبرز ولوجيين، لدى “عصبة الأمم” التي ليست سوى تنظيم اللصوصية الرأسمالية العالمية. وهم يسعون لخنق حركة الإضراب في كل البلدان، إذ يقررون التحكيم الإلزامي لممثلي الدولة البرجوازية، ويعملون في كل مكان ليحصلوا، بفعل المساومات مع الرأسماليين، على كل أنواع الامتيازات للعمال الرأسماليين، بهدف أن يحطموا بهذه الطريقة وحدة الطبقة العاملة التي تزداد وثوقاً يوماً بعد يوم. وهكذا فإن أممية أمستردام النقابية هي البديل من أممية بروكسل الثانية المفلسة، وعلى العكس ينبغي للعمال الشيوعيين الذين يشكلون جزء من النقابات في شتى البلدان، أن ينشئوا جبهة نقابية عالمية. فلم يعد الأمر متعلقاً بإعانات مالية أثناء الإضراب. فمن الآن وصاعداً، حين يهدد خطر الطبقة العاملة في بلد ما، يجب أن تدافع عنها النقابات في البلدان الأخرى، بوصفها منظمات جماهيرية، وأن تفعل ما بوسعها من أجل منع البرجوازية في بلدها من نجدة البرجوازية التي تكون في صراع مع الطبقة العاملة. إن النضال الاقتصادي للبروليتاريا يصبح أكثر فأكثر ثورية في الدول كافة، لذا فإن على النقابات أن تستخدم بوعي كل طاقتها من أجل دعم كل عمل ثوري في بلدها كما في البلدان الأخرى، وعليها أن تتجه، لتحقيق هذا الهدف، نحو المركزية الأشد في العمل، ليس فقط في كل بلد على حدى، بل ايضاً داخل الأممية، وهي ستقوم بذلك عبر انتسابها للأممية الشيوعية، وعبر دمجها لكل العناصر المنخرطة في المعركة في جيش واحد، من أجل أن تتحرك بالتوافق فيما بينها وتتبادل المساعدة.

__________________

– الإشراف العام على التدقيق والمراجعة والتصحيح والتنضيد الإلكتروني منيف ملحم
– مراجعة فيكتوريوس بيان شمس بالتعاون مع صفحة التراث الأممي الثوري
– نقله إلى العربية لينا عاصي
– راجع الترجمة ودقّقها كميل قيصر داغر

لمراجعة الفصل السابق يرجى الدخول من خلال الرابط أدناه:
المؤتمرات العالمية الأربعة الأولى للأمميـــــــــــة الشيوعيــــــــــــــة (11)

Check out our other content

Check out other tags:

Most Popular Articles