الأحد يناير 19, 2025
الأحد, يناير 19, 2025

إسرائيل تتراجع وتوافق على وقف إطلاق النار في لبنان

الشرق الأوسط وشمال أفريقياإسرائيل تتراجع وتوافق على وقف إطلاق النار في لبنان

✍🏾 فابيو بوسكو

 في السادس والعشرين من تشرين الثاني، قبلت دولة إسرائيل باتفاقية وقف إطلاق النار مع لبنان لمدة 60 يوما، وذلك إثر مفاوضات أجراها ممثلون عن الإمبرياليتين الأميركية والفرنسية. ومن المقرر انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان خلال هذه الفترة. كما التزم حزب الله بوقف إطلاق النار، وسحب قواعده العسكرية من جنوب لبنان إلى حدود نهر الليطاني.
ومن جانبها ستعمل القوات الفرنسية على تعزيز قوات “اليونيفيل” (وهي قوة عسكرية تابعة للأمم المتحدة تقع في جنوب لبنان ومكلفة بمنع أي أعمال ضد إسرائيل، سواء من جانب حزب الله أو أي قوة سياسية أو عسكرية أخرى). وبالإضافة إلى ذلك، تقرر أن تزيد الولايات المتحدة من تمويلها للجيش الوطني اللبناني، وأن تتفاوض مع المملكة العربية السعودية وقطر للقيام بنفس الشيء.
يذكر أنه منذ انسحاب القوات السورية من لبنان عام 2005، باتت الولايات المتحدة هي الراعي الرئيسي للجيش اللبناني، إذ استثمرت، منذ ذلك الوقت، نحو 2.5 مليار دولار أميركي في تمويله. ويتبع اتفاق وقف إطلاق النار هذا مبادئ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 لعام 2006.
في هذا الاتفاق، لم تتم تلبية المطلب الإسرائيلي الرئيسي، المتمثل في منح دولة الاحتلال الحق غير المقيد في مهاجمة الأراضي اللبنانية. وقد تم استبدال هذا المطلب السخيف بتشكيل لجنة دولية بقيادة الولايات المتحدة لتلقي الشكاوى حول أي انتهاكات للاتفاق، سواء فيما يتعلق بإطلاق أي جهاز عبر الحدود، أو بوجود قوات إسرائيلية أو ميليشيات لبنانية في جنوب لبنان، بحيث يتم تحويل هذه الشكاوى إلى الجيش اللبناني، الذي سيكون مسؤولا عن ضمان تنفيذ الاتفاق. كما أن المطالب الإسرائيلية الأخرى، مثل نزع سلاح حزب الله، وتحويل جنوب لبنان إلى منطقة عازلة، لم تتم ضمانتها، رغم التزام الولايات المتحدة بالسعي إلى تنفيذها.
العدوان الإسرائيلي على لبنان كان قد وصل إلى طريق مسدود، فأصبح أمام إسرائيل خياران: إما زيادة عدد قوتها العسكرية بشكل نوعي واحتلال جنوب لبنان، أو توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع حلفائها الرئيسيين باعتبارهم ضامنين لمصالحها، وهما الإمبرياليتين الأميركية والفرنسية.
لقد أثرت عدة عوامل على إسرائيل في عملية اتخاذ قرارها: الخوف من تزايد عدد الضحايا الذين يسقطون يوميا في جيش مستعد لتنفيذ عمليات إبادة جماعية جبانة، ولكن ليس للقتال البري (قتل أكثر من 50 جنديا على يد المقاومة اللبنانية، بالإضافة إلى عالم آثار صهيوني معروف أراد ضمان أن يكون جنوب لبنان جزء من إسرائيل الكبرى)؛ إضافة إلى الوضع المخزي لأكثر من 60 ألف إسرائيلي تم إجلاؤهم قبل 400 يوم، ولا يمكنهم العودة إلى شمال فلسطين المحتلة؛ وكذلك إمكانية زيادة هجمات الطائرات بدون طيار والصواريخ والقذائف من قبل حزب الله، والتي يمكنها الوصول بسهولة إلى تل أبيب، ما يؤدي إلى تسريع هجرة الإسرائيليين إلى الخارج؛ والتعزيز المحتمل للاحتجاجات من قبل المعارضة الصهيونية الليبرالية؛ والحاجة إلى إعادة بناء القوات العسكرية في انتظار الضوء الأخضر من ترامب لشن هجوم على إيران؛ وابتزاز جو بايدن لتسليم 680 مليون دولار من الأسلحة مقابل اتفاق وقف إطلاق النار (وفقا لصحيفة فاينانشال تايمز).
حزب الله قبل أيضا بهذا الاتفاق، الذي يتوافق مع موقفه منذ ما قبل الهجوم الفلسطيني في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. فحزب الله، شأنه شأن إيران، كان يتجنب دائما الدخول في صراع عسكري واسع النطاق ضد إسرائيل، وكان موقفه محددا بالرد على الاعتداءات العسكرية الصهيونية على نطاق ضيق. 

هل تم التنسيق مع المقاومة الفلسطينية؟

 التحضير الفلسطيني لعملية السابع من أكتوبر سبقتها عدة محاولات للتنسيق العسكري مع حزب الله والنظام الإيراني منذ النصف الأول من عام 2021، إلا أن هذه الجهود باءت بالفشل بسبب سياسة إيران وحزب الله المتعلقة بتجنب الصراعات واسعة النطاق ضد إسرائيل. لذا، كان على المقاومة الفلسطينية أن تشن الهجوم بمفردها، ما سهل عدوان الإبادة الجماعية الصهيوني في فلسطين.
بعد الهجوم الفلسطيني في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، قرر حزب الله تنفيذ عملية رمزية، تمثلت في هجوم منخفض الحدة على مزارع شبعا، وهي أرض لبنانية تحتلها دولة إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، نفذ الصهاينة هجمات واسعة في عدة أجزاء من الأراضي اللبنانية، بينما اقتصر دور حزب الله على هجمات محدودة على طول الشريط الحدودي في شمال فلسطين المحتلة. 

لحظتان من العدوان الإسرائيلي

 في مواجهة إطلاق حزب الله للصواريخ على شبعا، قررت دولة إسرائيل إعطاء الأولوية للإبادة الجماعية في غزة وقصف جنوب لبنان، مقابل هجمات محدودة على بيروت وصور والنبطية وبعلبك. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت الفوسفور الأبيض عبر الشريط الحدودي بأكمله في جنوب لبنان. والفوسفور الأبيض بالمناسبة هو مادة حارقة يحظر استخدامها في المناطق المأهولة بالسكان، وقد تعهدت إسرائيل بحظرها في عام 2013[i].
لكن، منذ كانون الأول 2024، قام الصهاينة بتغيير طبيعة هجومهم العسكري في لبنان بشكل نوعي، حيث قاموا باقتراف تفجيرات لأجهزة الاتصالات، واغتيال حسن نصر الله وكبار قيادات حزب الله، وقصف عنيف لعدة مدن لبنانية، أدى إلى تدمير أكثر من مئة ألف منزل، وخاصة في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت.
في مطلع تشرين الأول شنت إسرائيل هجوما بريا مصحوبا بمطالبة الدولة اللبنانية بالاستسلام، والتي كان عليها أن تتنازل عن سيادتها للسماح للقوات الإسرائيلية بالتوغل والقصف بحرية. وقد حظي هذا الهجوم بدعم علني من الإمبريالية الأميركية، عبر مختلف الوسائل السياسية والدبلوماسية والمالية والعسكرية. وتم إجبار أكثر من مليون لبناني على ترك منازلهم باتجاه العاصمة وشمال البلاد. كما تم قتل أكثر من 3800 لبناني، وإصابة أكثر من 15 ألفا نتيجة للهجمات الإسرائيلية[ii].
كان قرار شن عدوان الإبادة الجماعية على لبنان ناجما قبل أي شيء آخر عن الحاجة إلى قمع الاحتجاجات المتزايدة من قبل الصهاينة الليبراليين الذين هددوا بالإطاحة بحكومة نتنياهو، التي أظهرت أغلبيتها المحدودة الحاصلة على 4 مقاعد فقط وجود احتكاكات داخلية متزايدة[iii].
هجوم الإبادة على لبنان حظي بدعم واسع من الرأي العام اليهودي الإسرائيلي. كما كانت هناك مسألة ملحة: عودة نحو ستين ألف إسرائيلي تم إجلاؤهم من البلاد وإبقائهم في فنادق فارغة بسبب إغلاق قطاع السياحة الهام في إسرائيل ــ إضافة إلى قضية استراتيجية هي: الحد من القوة العسكرية لحزب الله، التي تضاعفت وأصبحت أكثر تطورا منذ العدوان العسكري الإسرائيلي الأخير في عام 2006.
لكن هذا الهجوم وصل إلى طريق مسدود: إما التصعيد أو وقف إطلاق النار. وفي الممارسة العملية، أدرك الصهاينة صعوبة تحقيق انتصار عسكري حاسم، ولجأوا إلى الخيار الثاني. وعلى حد تعبير المحلل السياسي الإسرائيلي أميت ماخول:
“ربما يكون هذا أول قرار عقلاني يعترف بحدود القوة، ويعترف بأن الجيش منهك، ومثقل بالأعباء، ما يفرض ضغوطا ثقيلة على الجنود، وخاصة من قوات الاحتياط”[iv]. 

السلام الأمريكي!

 ممثل الولايات المتحدة، آموس هوكشتاين، قام بالتتفاوض على اتفاق وقف إطلاق النار. وكان هدفه هو نفس هدف إسرائيل: فرض تغيير نوعي للسلطة في لبنان من خلال تهميش حزب الله، ولكن بوسائل مختلفة، إذ يعمل هوكشتاين على انتخاب رئيس جديد، ورئيس وزراء جديد، بما يتماشى مع المصالح الأميركية والصهيونية. ومرشحه الرئاسي هو الجنرال جوزيف عون، ومن الممكن أن يتخذ البرلمان اللبناني هذا القرار في وقت مبكر. ومن بين أهداف هوكشتاين الأخرى تعزيز الجيش اللبناني نوعيا، لتمكين تحويل جنوب لبنان إلى منطقة عازلة، وتهيئة الظروف لنزع سلاح حزب الله.
يستطيع هوكشتاين الاعتماد على قوة الإمبريالية الغربية (حتى وإن كانت في حالة تراجع)، وكذلك على الانقسامات الطائفية التي فرضها النظام اللبناني، وعدم شعبية حزب الله في أوساط المجتمعات غير الشيعية. لكن مما يعيق خططه الصعوبة الهائلة المتمثلة في تشكيل جيش لبناني يتمتع بالقوة والتصميم لمواجهة حزب الله؛ ورفض الغالبية العظمى من اللبنانيين للعدوان الاسرائيلي؛ والجالية الشيعية الكبيرة (التي تمثل ما بين 31% و39% من السكان المقيمين)، حيث يحتفظ حزب الله بقاعدته الاجتماعية؛ وأغلبية البرجوازية الشيعية اللبنانية المؤثرة؛ وقدرة حزب الله على إعادة بناء خدماته الاجتماعية وقدراته العسكرية. وقد أظهرت التجربة التاريخية أن العدوان الإسرائيلي في عامي 1982 و2006 فشل في تجاوز هذه العقبات. وبعد ذلك، تراجع نفوذ حزب الله إثر الانضمام إلى القوى التي أغرقت الثورة السورية بالدماء، ومن خلال تحوله إلى الخصم الرئيسي لانتفاضة 2019 ضد النظام الطائفي، والتي أطلق عليها اللبنانيون “ثورة تشرين”[v].
إضافة إلى هذه العوامل الداخلية في لبنان، هناك عوامل على الساحة العالمية، مثل الوضع الاقتصادي، والصراع الإمبريالي بين الولايات المتحدة والصين، وإضعاف الإمبريالية الأوروبية، وعدم قبول الإبادة الجماعية في غزة في أوساط الجماهير في جميع أنحاء العالم، ما يجعل أي خطة لاستقرار لبنان، وإعادة تشكيل الشرق الأوسط مهمة صعبة، على أقل تقدير.
على أي حال، تم الاحتفال بالانسحاب الصهيوني في شوارع بيروت وغيرها من المدن اللبنانية، على الرغم من خسارة أكثر من 3800 روح، وإصابة 15 ألف جريح، وإحداث دمار واسع، سيجعل من، كلفة عملية إعادة الإعمار تبلغ مليارات الدولارات وستستغرق عدة سنوات، في بلد يعاني بالفعل من الكساد الاقتصادي منذ 5 أعوام. لكن حول ما إذا كان وقف إطلاق النار سيصمد أم لا، فالإجابة تعتمد على مستوى استياء المستوطنين الصهاينة (55٪ من الإسرائيليين عارضوا وقف إطلاق النار)، وعلى سياسات إدارة ترامب المستقبلية.
من جانبه، يكثف النظام الإيراني جهوده لتطبيع العلاقات مع الإمبريالية الغربية لاستئناف الاتفاق النووي، وتخفيف العقوبات الثقيلة المفروضة على البلاد. وكإجراء وقائي، أقام هذا النظام علاقات عسكرية مع روسيا. واليوم، يتم تسليم معظم طائرات “شاهد” المسيرة، وصواريخ “فادي” الإيرانية إلى روسيا لتنفيذ الإبادة الجماعية في أوكرانيا. وفي المقابل، يتوقع النظام الإيراني من روسيا تزويده بأنظمة الدفاع الجوي “إس-400″، وطائرات “سوخوي سو-35″، ما يعزز دفاع إيران ضد أي هجمات إسرائيلية محتملة مدعومة من الولايات المتحدة.
أما على الجانب الفلسطيني، ليس هناك ما يدعو للاحتفال، فوقف إطلاق النار في لبنان يعني أن البلطجة الصهيونية ستتمكن من تركيز جهودها على عملية التطهير العرقي في شمال غزة، والتي تجري على قدم وساق، فضلا عن الاستعدادات لضم الضفة الغربية. وعلى هذا النحو، يغير نتنياهو حالة استياء المستوطنين الصهاينة من وقف إطلاق النار في لبنان عبر توسيع نطاق الإبادة الجماعية واستعمار الأراضي الفلسطينية.
اليوم لا يمكن للشعب الفلسطيني الرهان إلا على الطبقة العاملة والشباب العربي الذي يرفض الإبادة الجماعية التي يفرضها الصهاينة، ويكافح من أجل الإطاحة بالأنظمة العربية خلال صيرورة التطبيع مع إسرائيل، بما فيها النظام اللبناني.
كما يمكن للشعب الفلسطيني الرهان على الطبقة العاملة والشباب في كل أنحاء العالم، للحفاظ على التضامن الأممي وتعميقه من أجل إيقاف آلة الحرب الإمبريالية، وعزل الكيان الصهيوني، وتمهيد الطريق لتفكيكه.
إن هذا الجمع بين هذه القوى الفلسطينية والعربية والدولية هو ما يمكن أن يحقق فلسطين علمانية وديمقراطية وغير عنصرية، من النهر إلى البحر، حيث تحل الطبقة العاملة الفلسطينية والعربية محل النخب الفلسطينية والعربية الفاسدة في السلطة من أجل بناء اتحاد اشتراكي للدول العربية. 

 

[i] https://www.amnesty.org/en/latest/news/2023/10/lebanon-evidence-of-israels-unlawful-use-of-white-phosphorus-in-southern-lebanon-as-cross-border-hostilities-escalate/

 

[ii] https://litci.org/es/estan-israel-y-hezbollah-al-borde-de-una-guerra-generalizada/?utm_source=copylink&utm_medium=browser

https://litci.org/es/por-el-fin-de-los-ataques-israelies-contra-el-libano-y-el-pueblo-palestino/?utm_source=copylink&utm_medium=browser

  

[iii] https://litci.org/en/the-israeli-election-and-palestinian-resistance/

  

[iv] https://www.middleeasteye.net/news/israel-approves-ceasefire-deal-lebanon-hezbollah

  

[v] https://litci.org/en/what-is-hezbollah-2/

 

ترجمة تامر خرمه
مراجعة فيكتوريوس بيان شمس

Check out our other content

Check out other tags:

Most Popular Articles